الباحث القرآني
ثم قال: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ فيها قراءة عندنا: ﴿لِأَقْتُلَكَ إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ﴾ بفتح الياء، وقراءة أيضًا: ﴿إِنِّيَ أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ﴾ . قال: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾، والإرادة هي ميل الإنسان أو ميل النفس إلى ما يجلب منفعة أو يدفع مضرة.
وقوله: ﴿أَنْ تَبُوءَ﴾ أن ترجع.
﴿بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾، أما كونه يرجع بإثمه فواضح، لكن كيف يرجع بإثم أخيه؟ نقول: إن عدم قتال أخيه له سلامة من الإثم، فكأن أخاه الذي لم يقاتل وسلِم من الإثم كأنه حَمَّل القاتل إثمه، فيكون المراد بالإثم الذي يمكن أن يكون على القاتل يبوء به هذا الرجل، وليس المعنى أن القاتل يكون عليه إثمان؛ إثم للمقتول لو قتله، وإثم لقتله إياه، بل الظاهر أن المعنى: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ أي: أن سلامته من الإثم كأن الآخر تحمَّله عنه وباء به.
﴿فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾، ﴿فَتَكُونَ﴾ معطوفة على ﴿أَنْ تَبُوءَ﴾ أي: فتكون من أصحاب النار؛ لأنك قتلت نفسًا بغير حق.
﴿وَذَلِكَ﴾ أي: كونك من أصحاب النار.
﴿جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾، فكل ظالم فإنه يعذَّب؛ لأن الحق حق الآدمي، ثم إن كان ظلمه عظيمًا فإنه يكون من أصحاب النار ويخلَّد فيها وإلا فلا.
في قوله: ﴿إِنِّي أُرِيدُ﴾ إثبات الإرادة للعبد، وأن هذا معلوم منذ خُلِق البشر؛ أن للعبد إرادة، فيكون في ذلك رد على الجبرية الذين يقولون: إن الإنسان ليس له إرادة، وإنما يفعل الشيء قهرًا وجبرًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من أريد قتلُه ولم يدافع خوفًا من الإثم؛ فإنه لا حرج عليه، ولكن كيف يكون خوفًا من الإثم؟ نقول: لأنه ربما يقتل الصائل فيتعجل؛ لأن الواجب في دفع الصائل أن يدافَع بالأسهل فالأسهل، فإن رجع عن صوله بالتهديد لم يُضرب، وإن رجع بالضرب اليسير لم يُضرب كثيرًا، وإن رجع بالضرب الكثير لم يُقتل، وإن لم يندفع إلا بالقتل فالحكم أنه يُقتل، إلا أن العلماء رحمهم الله استثنوا من ذلك مسألة، وقالوا: ما لم يخف أن يبدُرَه بالقتل، فإن خاف أن يبدره بالقتل فلا بأس أن يقتله لأول وهلة؛ يعني مثل لو كان هذا الصائل معه سلاح أشهرَه على صاحبه، وصاحبه يخاف أن يطلقه عليه فيقتله، فحينئذٍ لا حرج أن تبادره بالقتل؛ لأن هذا ربما لا يعطيك فرصة أن تدفعه بيدك مثلًا أو تصيح به، أو ما أشبه ذلك، وحينئذٍ لا بأس أن تبدره بالقتل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن القتل سبب لدخول النار؛ لقوله: ﴿فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء ٩٣]، وهل هو مخلَّد فيها أبدًا؟
نقول: اختلفت الأمة في ذلك؛ فمنهم من قال: إنه مخلَّد فيها أبدًا، وهم الخوارج والمعتزلة، لكن الفرق بينهم أن الخوارج كفّروه، وأما المعتزلة فلم يكفِّروه، بل قالوا: إنه في منزلة بين منزلتين، والذي عليه أهل السنة والجماعة أنه يدخل النار ولا يخلَّد فيها، ولكن هل يدخل النار قطعًا أو هو داخل في قوله تعالى: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨]؟ المشهور من مذهب أهل السنة أنه داخل تحت المشيئة، ولكن يبقى حق المقتول، هل يدخل تحت المشيئة؟
الجواب: إن تاب القاتل توبة نصوحًا فإنه يدخل في ذلك، بمعنى أن الله لا يعاقبه على حق المقتول؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان ٦٨-٧٠]، فظاهر الآية أنه إذا تاب توبة نصوحًا، فإن الله تعالى يتحمّل عنه ولا يعذّبه، وهذا في غير الحق المالي، يعني نقول: لو تاب هذا القاتل هل تسقط الدية عنه؟
الجواب: لا؛ لأنها حق للآدمي، ولهذا صرح الفقهاء -رحمهم الله- بأن قاطع الطريق إذا تاب قبل القدرة عليه قُبِلَت توبته ورُفِع عنه الحد، لكن لا يسقط عنه ما كان حقًّا للآدمي في أمور الدنيا، إذن نقول: القاتل إذا تاب ما الحكم؟ يتوب الله عليه حتى في حق المقتول، فلا يعاقَب على القتل؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ إلى قوله: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ﴾، وأما إذا مات غير تائب فحق المقتول لا بد أن يؤخذ منه، وحق الله داخل تحت المشيئة، فالقاتل غير مضمون له أن ينجو من النار، بل هو تحت مشيئة الله؛ إن شاء الله غفر له، وإن شاء لم يغفر له، وهذا في الجزاء الأخروي، أما الدنيوي وهو الدية فلا بد من استيفائها لورثة المقتول سواء تاب أم لم يتب.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الظلم من أسباب دخول النار، سواء كان الظلم في حق الله أو في حق المخلوق؛ لقوله: ﴿فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾، ويحتمل أن يقال: ﴿الظَّالِمِينَ﴾ هنا عام أريد به الخاص، وهو مَن ظلم مثل هذا الظلم، وهو قتل النفس؛ لأن الظالم قد لا يستحق دخول النار، ولكن الأول أصح؛ لعموم الآية؛ ولأن كل ظالم فجزاؤه دخول النار إلا أن يعفو الله عنه كما في غير الشرك.
{"ayah":"إِنِّیۤ أُرِیدُ أَن تَبُوۤأَ بِإِثۡمِی وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَ ٰلِكَ جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق