الباحث القرآني
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: إني أريد أن تبوء بإثمي من قتلك إياي، وإثمك في معصيتك الله، وغير ذلك من معاصيك. [[في المطبوعة: "وإثمك في معصيتك الله بغير ذلك من معاصيك"، وهو كلام لا يستقيم، لا شك أن صوابه ما أثبت.]]
* ذكر من قال ذلك:
١١٧٣٠ - حدثني موسى بن هارون، [[في المطبوعة: "محمد بن هرون"، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه في المخطوطة.]] قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي في حديثه، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس= وعن مرة، عن ابن مسعود= وعن ناس من أصحاب رسول الله ﷺ:"إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك"، يقول: إثم قتلي، إلى إثمك الذي في عنقك="فتكون من أصحاب النار".
١١٧٣١ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك"، يقول: بقتلك إياي، وإثمك قبل ذلك.
١١٧٣٢ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة:"إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك"، قال: بإثم قتلي وإثمك.
١١٧٣٣ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك" يقول: إني أريد أن يكون عليك خطيئتك ودمي، تبوء بهما جميعًا.
١١٧٣٤ - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد:"إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك"، يقول: إني أريد أن تبوء بقتلك إياي="وإثمك"، قال: بما كان منك قبل ذلك.
١١٧٣٥ - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، حدثني عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله:"إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك"، قال: أما"إثمك"، فهو الإثم الذي عمل قبل قتل النفس =يعني أخاه= وأما"إثمه"، فقتلُه أخاه.
* * *
=وكأن قائلي هذه المقالة، وجَّهوا تأويل قوله:"إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك"، إلى: إني أريد أن تبوء بإثم قتلي [[في المطبوعة والمخطوطة: "أي: إني أريد.."، وصواب قراءتها ما أثبت.]] =فحذف"القتل" واكتفى بذكر"الإثم"، إذ كان مفهومًا معناه عند المخاطبين به.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: إني أريد أن تبوء بخطيئتي، فتتحمل وزرها، وإثمِك في قتلك إيّاي. وهذا قول وجدتُه عن مجاهد، وأخشى أن يكون غلطًا، لأن الصحيح من الرواية عنه ما قد ذكرنا قبلُ.
* ذكر من قال ذلك:
١١٧٣٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك"، يقول: إني أريد أن تكون عليك خطيئتي ودمي، فتبوء بهما جميعًا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن تأويله: إني أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إياي [[انظر تفسير"باء" فيما سلف ٢: ١٣٨، ٣٤٥/٧: ١١٦، ٣٦٦ = وتفسير"الإثم"، فيما سلف من فهارس اللغة.]] =وذلك هو معنى قوله:"إني أريد أن تبوء بإثمي" =وأما معنى:"وإثمك"، فهو إثمه بغير قتله، وذلك معصيته الله جل ثناؤه في أعمالٍ سِوَاه.
وإنما قلنا ذلك هو الصواب، لإجماع أهل التأويل عليه. لأن الله عز ذكره قد أخبرنا أن كل عامل فجزاءُ عمله له أو عليه. وإذا كان ذلك حكمه في خلقه، فغير جائز أن يكون آثام المقتول مأخوذًا بها القاتل، وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرم وسائر آثامِ معاصيه التي ارتكبها بنفسه، دون ما ركبَه قتيلُه.
* * *
فإن قال قائل: أو ليس قتلُ المقتول من بني آدم كان معصيةً لله من القاتل؟ قيل: بلى، وأعظِمْ بها معصية!
فإن قال: فإذا كان لله جل وعز معصيًة، فكيف جاز أن يُريد ذلك منه المقتول، ويقول:"إني أريد أن تبوء بإثمي"، وقد ذكرتَ أن تأويل ذلك، إني أريد أن تبوء بإثم قتلي؟ [قيل] معناه: [[في المطبوعة، وصل الكلام، فلم يكن للاستفهام جواب، فكتب هكذا: "إني أريد أن تبوء بإثم قتلي، فمعناه: إني أريد..". وفي المخطوطة مثل ذلك، إلا أنه كتب"ومعناه" بالواو. واستظهرت أن الصواب ما زدت بين القوسين"قيل"، فإنه هذا أول جواب السائل.]] إني أريد أن تبوء بإثم قتلي إن قتلتني، لأني لا أقتلك، فإن أنت قتلتني، فإني مريد أن تبوء بإثم معصيتك الله في قتلك إياي. وهو إذا قتله، فهو لا محالة باءَ به في حكم الله، فإرادته ذلك غير موجبةٍ له الدخولَ في الخطأ.
* * *
ويعني بقوله:"فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين"، يقول: فتكون بقتلك إياي من سكان الجحيم، ووقود النار المخلدين فيها [[انظر تفسير"أصحاب النار" فيما سلف ٢: ٢٨٦/٤: ٣١٧/٥: ٤٢٩/ ٦: ١٤/ ٧: ١٣٣، ١٣٤.]] ="وذلك جزاء الظالمين"، يقول: والنار ثوابُ التاركين طريق الحق، الزائلين عن قصد السبيل، المتعدِّين ما جُعِل لهم إلى ما لم يجعل لهم. [[انظر تفسير"جزاء" و"الظالمون" فيما سلف من فهارس اللغة.]]
وهذا يدل على أن الله عز ذكره قد كان أمرَ ونهى آدم بعد أن أهبطه إلى الأرض، ووعد وأوعد. ولولا ذلك ما قال المقتول للقاتل:"فتكون من أصحاب النار" بقتلك إياي، ولا أخبره أن ذلك جزاء الظالمين. فكان مجاهد يقول: عُلّقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة، ووجهه في الشمس حيثما دارت دار، عليه في الصيف حظيرة من نار، وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج.
١١٧٣٧ - حدثنا بذلك القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قال مجاهد ذلك= قال: وقال عبد الله بن عمرو: وإنا لنجد ابنَ آدم القاتلَ يقاسِم أهل النار قسمًة صحيحًة العذابَ، عليه شطرُ عذابهم. [[الأثر: ١١٧٣٧- رواه أبو جعفر فيما سلف برقم: ١١٧١٠، طريق أخرى. وليس فيه هذه الزيادة عن عبد الله بن عمرو.]]
* * *
وقد روي عن رسول الله ﷺ، بنحو ما روي عن عبد الله بن عمرو، خبٌر.
١١٧٣٨ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير= وحدثنا سفيان قال، حدثنا جرير وأبو معاوية= ح، وحدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية ووكيع= جميعًا، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: قال النبي ﷺ: ما من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأوَّلَ كفلٌ منها، ذلك بأنه أول من سَنَّ القتل. [[الأثران: ١١٧٣٨، ١١٧٣٩- هذا حديث صحيح، رواه أحمد في مسنده من هذه الطرق، من حديث عبد الله بن مسعود برقم: ٣٦٣٠، ٤٠٩٢، ٤١٢٣. ورواه البخاري في صحيحه من طرق عن الأعمش (الفتح ٦: ٢٦٢/١٢: ١٦٩/ ١٣: ٢٥٦) ، ورواه مسلم في صحيحه من طرق عن الأعمش ١١: ١٦٥، ١٦٦. وقال ابن كثير في تفسيره ٣: ١٣٠: "وقد أخرجه الجماعة سوى أبي داود، من طرق عن الأعمش، به". ورواها أبو جعفر في تاريخه ١: ٧٢، بمثل الذي رواه هنا.
و"الكفل" (بكسر فسكون) : الحظ والنصيب من الوزر والإثم. وانظر تفسير أبي جعفر فيما سلف ٨: ٥٨١.]]
١١٧٣٩ - حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي= ح، وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن= جميعا، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله، عن النبي ﷺ، نحوه. [[الأثران: ١١٧٣٨، ١١٧٣٩- هذا حديث صحيح، رواه أحمد في مسنده من هذه الطرق، من حديث عبد الله بن مسعود برقم: ٣٦٣٠، ٤٠٩٢، ٤١٢٣. ورواه البخاري في صحيحه من طرق عن الأعمش (الفتح ٦: ٢٦٢/١٢: ١٦٩/ ١٣: ٢٥٦) ، ورواه مسلم في صحيحه من طرق عن الأعمش ١١: ١٦٥، ١٦٦. وقال ابن كثير في تفسيره ٣: ١٣٠: "وقد أخرجه الجماعة سوى أبي داود، من طرق عن الأعمش، به". ورواها أبو جعفر في تاريخه ١: ٧٢، بمثل الذي رواه هنا.
و"الكفل" (بكسر فسكون) : الحظ والنصيب من الوزر والإثم. وانظر تفسير أبي جعفر فيما سلف ٨: ٥٨١.]]
١١٧٤٠ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن حسن بن صالح، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي قال: ما من مقتول يقتل ظلمًا، إلا كان على ابن آدم الأول والشيطان كفلٌ منه.
١١٧٤١ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن حكيم بن حكيم، أنه حُدِّث عن عبد الله بن عمرو: أنه كان يقول: إن أشقى الناس رجلا لابْنُ آدم الذي قتل أخاه، ما سُفِك دم في الأرض منذ قَتَل أخاه إلى يوم القيامة، إلا لحق به منه شيء، وذلك أنه أوَّل من سنَّ القتل. [[الأثر: ١١٧٤١-"حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري"، روى عن ابن عمه أبي أمامة بن سهل، ونافع بن جبير بن مطعم، والزهري، وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات، وصحح له الترمذي وابن خزيمة وغيرها، وقال ابن سعد: "كان قليل الحديث، ولا يحتجون بحديثه". مترجم في التهذيب.]]
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الخبر الذي ذكرنا عن رسول الله ﷺ، [[في المطبوعة: "وبهذا الخبر.."، غير ما في المخطوطة، لم يحسن قراءة الآتي.]] مبينٌ عن أنّ القول الذي قاله الحسن في ابني آدم اللذين ذكرهما الله في هذا الموضع [[في المطبوعة: "تبين أن القول"، جعلها كذلك، وغير التي قبلها من أجل تغييره. وفي المخطوطة"متبين عن القول" غير منقوطة، والصواب ما أثبته، أسقط الناسخ"أن"، والسياق دال على ذلك.]] أنهما ليسا بابني آدم لصلبه، ولكنهما رجلان من بني إسرائيل= وأن القول الذي حكي عنه [[قول الحسن هذا، هو ما رواه في الأثر رقم: ١١٧١٩. وانظر أيضا ما سيأتي ص: ٢٢٤.]] أنّ أول من مات آدم، وأن القربان الذي كانت
النار تأكله لم يكن إلا في بني إسرائيل= [[السياق: وهذا الخبر ... مبين عن أن القول الذي قاله الحسن ... خطأ".]] خطأ، لأن رسول الله ﷺ قد أخبر عن هذا القاتل الذي قَتَل أخاه: أنه أول من سَنَّ القتل. وقد كان، لا شك، القتلُ قبل إسرائيل، فكيف قبل ذريته! فخطأ من القول أن يقال: أول من سن القتل رجلٌ من بني إسرائيل. [[في المخطوطة والمطبوعة: "وخطأ من القول" بالواو، والسياق يقتضي الفاء، كما أثبتها.]]
وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الصحيح من القول هو قول من قال:"هو ابن آدم لصلبه"، لأنه أولُ من سن القتل، فأوجب الله له من العقوبة ما رَوَينا عن رسول الله ﷺ.
{"ayah":"إِنِّیۤ أُرِیدُ أَن تَبُوۤأَ بِإِثۡمِی وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَ ٰلِكَ جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











