الباحث القرآني
وقالوا أيضًا لما جاءهم الحق: (﴿وَقَالُوا لَوْلَا﴾ [الزخرف ٣١]: هَلَّا)، ﴿نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف ٣١]
﴿لَوْلَا﴾ بمعنى: هَلَّا، ولها أمثلة، مثل قوله تعالى: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور ١٣] أي: هَلَّا جاؤوا عليه بأربعة شهداء، وقوله: ﴿نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ﴾، هذه عِلَّةٌ أخرى لِرَدِّهِم للقرآن، يقولون: لو كان هذا القرآن نزل على رجل عظيم من القريتين؛ وهما مكة والطائف، يعني لكُنَّا قبلناه، لكنه لم ينزل على رجل عظيم من القريتين فلا نقبله، وسبحان الله! ما أعظم عنادهم! إن محمدًا ﷺ هو أعظم رجل في قريش، إن نظرت إلى السلسلة سلسلة آبائه وجدت الأمر كذلك، وإن نظرت إلى خُلُقِهِ ومعاملته وجدت الأمر كذلك، حتى كانوا يُلَقِّبُونَه بالأمين، ولَمَّا جاء الحق صار كَذَّابًا، صار ساحرًا، صار مجنونًا، صار كاهنًا.
إذن تَعَلَّلُوا الآن بعلة ثانية، غير أن القرآن سِحْر، ما هي؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: العلة الثانية قالوا: لو أن هذا لقرآن نزل على رجل عظيم من أهل الطائف أو أهل مكة لقَبِلْنَاه، ولكن نزل على محمد، وليس عظيمًا في قومه فلا نقبله.
يقول الْمُفَسِّر: (﴿عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ﴾، أي: من أَيَّةٍ منهما)؛ إما مكة، وإما الطائف، ﴿عَظِيمٍ﴾ أي: مُعَظَّمٍ في قومه، ثم سَمَّاهُم فقال: (أي الوليد بن المغيرة بمكة، أو عروة بن مسعود الثقفي بالطائف)، هذا التعليل يحتاج إلى دليل، فإذا صَحَّ من حيث التاريخ أن أهل مكة يعنون هذين الرجلين فلا غرابة، وإلا تبقى الآية على إبهامها، وأنهم تَعَلَّلُوا بهذه العلة الباطلة بأن القرآن لم ينزل على رجل عظيم من القريتين.
قال الله عز وجل: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ [الزخرف ٣٢]، الاستفهام هنا للإنكار، يعني: هل هم الذين يقسمون رحمة الله فيجعلون لهذا حظًّا ولهذا حظًّا، أو يقولون: هذا لا يستحق، وهذا يستحق، ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ [الزخرف ٣٢] قال المؤلف: (بالنبوة)، وهذا أيضًا مما يُؤْخَذ على المؤلف، كيف ذلك؟
* طالب: خَصَّص.
* الشيخ: خَصَّهَا بالنبوة، ونحن نقول: بالنبوة وغيرها، هم لا يقسمون رحمة الله، لا بالنبوة، ولا بالقوة، ولا بالأكل، ولا بالشرب، ولا غير ذلك، قال الله عز وجل: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف ٣٢]، وهذا دليل حِسِّيّ لا بمكن إنكاره، يعني: إن كانوا صادقين هم الذي يقسمون رحمة الله فلينظروا، ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف ٣٢] أي: قَدَّرْنَاهَا، هذا غني، وهذا فقير، وهذا متوسط، هذا قادر، وهذا عاجز، أليس كذلك؟ هل تُنْكِرُ قريش هذا؟ لا تنكره؛ لأن هذا شيء معلوم ملموس محسوس، ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، فجعلنا بعضهم غنيًّا وبعضهم فقيرًا، وهذا مثال، وإلا نقول: وجعلنا بعضهم قويًّا وبعضهم ضعيفًا، وبعضهم قادرًا وبعضهم عاجزًا، ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ [الزخرف ٣٢]، إلى آخره.
أسئلة خمس دقائق.
* طالب: شيخ، قوله: ﴿مَتَّعْتَهُمْ﴾ [الفرقان ١٨] الفاعل هو الله عز وجل؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: وهل يَتَّصِفُ الله بهذا؟
* الشيخ: أفعال الله ما لها حصر، فالذي مَتَّعَهُم هو الله عز وجل، كل ما في الكون فهو من فعل الله، فلا حصر لها.
* طالب: شيخ بارك الله فيك، هل للإنسان أن يقول يدعو يقول: يا رب اهدني من هداية التوفيق، يُعَيِّن هداية معينة؟
* الشيخ: لا، يقول: اللهم اهدني، وينوي الهدايتين، أو يقول: اللهم عَلِّمْنِي ووَفِّقْنِي للعمل الصالح.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، ذكرنا أن الإنسان ما يُفَسِّر الآية بما هو أخص.
* الشيخ: أخص من عمومها، إلا بدليل.
* الطالب: لا بدليل، يا شيخ، أحسن الله إليك، إذا قال القائل: الآية هذه ﴿رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ مذكورة في سياق، ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ﴾.. اختص النبوة أن تكون لأحد الرجلين، من القريتين عظيم؟
* الشيخ: لا، نقول: نعم السياق هو في النبوة، لكن إذا كان عامًّا دخلت فيه النبوة، ولهذا قال الأصوليون: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
* الطالب: السياق ما يكون دليلًا؟
* الشيخ: لا، ما يكون دليلًا؛ لأننا إذا قلنا: إنها عامّ، لم يُخْرِج ما دل عليه السياق، أما إذا كان يُخْرِج ما دَلَّ عليه السياق فمعلوم أنه لا يصح، ويش عندنا؟
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (٣٤) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف ٣٣ - ٣٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف ٣١]، من قال هذا؟ كفار قريش، وما المراد بالقريتين؟
* طالب: مكة والطائف.
* الشيخ: مكة والطائف، قال الله عز وجل -مبتدأ درس اليوم-: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾، الاستفهام هنا للنفي، يعني: ليسوا هم الذين يَقْسِمُونَ رحمة الله فيوزعونها كيف شاؤوا، ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء، قال: (﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾: النبوة)، هكذا خَصَّهَا المؤلف رحمه الله بالنبوة بناء على قولهم: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾، ولكن الصحيح في مثل هذا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وعلى هذا نقول: المراد برحمة الله ما هو أعمُّ من النبوة، يعني: النبوة، وسعة الرزق، والأمن، وكثرة الأولاد، وما أشبه ذلك، هل هم الذين يَقْسِمُون هذا؟ الجواب بالنفي: لا.
ثم بَيَّنَ الله تعالى حجةً عليهم لا يمكنهم التخلص منها، فقال: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، وهذا شيء لا يستطيعون إنكاره، فجعلنا بعضهم غنيًّا وبعضهم فقيرًا.
(﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ﴾ بالغِنَى)، ﴿فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾، يقول: (بالغنى)، ولكن هذا أيضًا من القصور، والصواب أنه رفع بعضهم فوق بعض درجات في الغنى، والعلم، والعقل، والخُلُق، وغير ذلك، رفع الله بعض الناس على بعض درجات، أي: درجات واسعة.
﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف ٣٢]، قال المؤلف: (﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ﴾: الغَنِيُّ، ﴿بَعْضًا﴾: الفقيرَِ، ﴿سُخْرِيًّا﴾: مُسَخَّرًا في العمل له بالأجرة، والياء للنسب، وقُرِئَ بكسر السين).
رفع الله بعضهم فوق بعض درجات، ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ﴾ يقول المؤلف: الأغنياء، ﴿بَعْضًا﴾: الفقراء، فما تقول؟
* طالب: تخصيص.
* الشيخ: هل هذا قاصر أو لا؟
* الطالب: قاصر.
* الشيخ: قاصر؛ لأن المراد ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ حتى في غير الغنى، حتى في الذكاء، حتى في الصناعة، فتجد الرجل -مثلًا- عنده خبرة بالصناعة، يأتي بالعمال، هو فوقهم، كذلك بالذكاء، يجلس مع قوم ويتحدث إليهم بذكائه الْمُفْرِط وهم دون ذلك، فيرفعه الله.
المهم أنه لا يجوز أن نُخَصِّص القرآن نخصص عمومه إلا بدليل، وقوله رحمه الله: (الياء للنسب)، أي: لنسب التسخير، وقوله: (قرئ بكسر السين)، (قرئ) المؤلف له اصطلاح لا بد أن نفهمه؛ إذا قال: (وفي قراءة) فهي سبعية، وإذا قال: (قرئ) فهي شاذة، هذا اصطلاحه، فهنا يقول: (قرئ بكسر السين) فتكون القراءة شاذة خارجة عن القراءات السبع، انتبه، وهذا هو الصواب أنها قراءة شاذة؛ لأن السين بالكسر: الاستهزاء، كما قال عز وجل: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص ٦٣]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا﴾ [المؤمنون ١١٠] أي: هزءًا، وأما بالضم ﴿سُخْرِيًّا﴾ فهو من التسخير، يعني: التذليل، أفهمتم؟
إذن هنا كلمتان (سِخريًّا) و(سُخريًّا)، ما الفرق بينهما؟
* طالب: (سِخريًّا) بالكسر من التسخير.
* الشيخ: (سِخريًّا) بالكسر من التسخير، وبالضم؟
* الطالب: (سُخريًّا) من السخرية.
* الشيخ: من السخرية، أخطأت.
* طالب: إذا قال: (سُخريًّا) من التسخير.
* الشيخ: (سُخريًّا) بضم السين من التسخير.
* الطالب: وبكسرها من الاستهزاء.
* الشيخ: منين؟
* الطالب: من الاستهزاء.
* طالب آخر: العكس يا شيخ.
* الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله.
* طالب: (سُخريًّا) تَذَلُّل.
* الشيخ: نعم، (سُخْريًّا) بضم السين من؟
* الطالب: من التسخير.
* الشيخ: من التسخير وهو التذليل.
* الطالب: وبالكسر من الاستهزاء.
* الشيخ: من السُّخْرِيَّة وهي الاستهزاء.
ما المناسب هنا؛ الضم أو الكسر في القرآن؟
* طلبة: الضم.
* الشيخ: الضم؛ لأنه من التسخير، لولا اختلاف الناس هذا الاختلاف لتعطلت المصالح، لو كانوا كلهم أغنياء مَن يقوم بالعمل؟ أجيبوا يا جماعة.
* طلبة: لا أحد.
* الشيخ: لا أحد يقوم؛ لأنه إذا طلب منه أن يعمل قال: إذا كان عندك ألف ريال فأنا عندي ألفان، كذلك أيضًا في بقية الأوصاف، لولا هذا الاختلاف ما قامت الدنيا أبدًا، وهذا من حكمة الله عز وجل.
ثم هناك حكمة أخرى، وهي أن يُعْرَف بهذا قدرة الله تبارك وتعالى، حيث جعل هذا البشر من جنس واحد، وبقوى واحدة، ومع ذلك يتفاضلون تفاضلًا كبيرًا فيما أعطاهم الله عز وجل من الغنى وغيره، هذا جملة معترضة (...).
.. عز وجل: (﴿ورحمة ربك﴾ أي: الجنة، ﴿خير مما يجمعون﴾ في الدنيا).
قوله: ﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ﴾ أي: الجنة، فيه أيضًا شيء من القصور، الرحمة تُطْلَق على الجنة بلا شك، كما قال الله تعالى لها يخاطبها: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٥٠)، ومسلم (٢٨٤٦/٣٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران ١٠٦، ١٠٧]، يعني: الجنة، لكن ينبغي أن يقال: رحمة الله أعمّ من هذا، حتى رحمة الله تعالى للعبد بهدايته للإسلام والإيمان خير مما يجمعون، فالأَوْلَى التعميم دون التخصيص.
* في هذه الآية فوائد، منها: مجادلة المشركين بالباطل؛ لقوله، الدليل؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: مجادلة المشركين بالباطل، من أين تؤخذ؟ ما عندك علم؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾.
* الشيخ: غلط.
* طالب: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾.
* الشيخ: لقولهم: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾، وجه ذلك أن قريشًا تعرف أن محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحق الناس بالرسالة لو صَدَّقُوا بها؛ لأنه من خيرة العرب نسبًا، ولأنه الأمين الصادق، وهم يُسَمُّونَه الأمين من قبل أن يأتي بالرسالة.
* ومن فوائد هذه الآية: أن القرية تُطْلَق على المدن الكبيرة، بل على أُمِّ المدن؛ لقوله: ﴿مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾، ولقوله تعالى في آية أخرى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ [محمد ١٣]، ما هي قريته التي أخرجته؟
* طالب: مكة.
* الشيخ: مكة، في عُرْفِنَا الآن تُطْلَق القرية على المدينة الصغيرة، ولو قلت لأهل المدينة الكبيرة: أنتم أهل القرية، لاشتاطوا غضبًا، ولكن يقال: القرآن بيننا، القرية تُطْلَق حتى على المدينة الكبيرة؛ لأنها مأخوذة من القَرْي وهو الاجتماع.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إنكار الله تعالى عليهم، وبيان أنهم ليسوا الذين يَقْسِمُون رحمة الله؛ لقوله: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾.
* ومن فوائدها: إقامة الدليل الذي لا انفكاك عنه بأنهم لا يستطيعون قَسْم رحمة الله، تُؤْخَذ؟
* طالب: قوله: أهم يقسمون رحمة الله.
* الشيخ: غلط.
* طالب: قوله تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ﴾.
* الشيخ: تؤخذ من قوله: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ﴾، فهذا لا يمكنهم إنكاره، هم يعرفون أن فيهم الغني والفقير، والقوي والضعيف، والذكي والبليد، والعاقل والسفيه، هم يعرفون هذا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الحكمة في أن الله عز وجل جعل الناس على درجات؛ لقوله: ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾.
* ومن فوائد الآية: إثبات التعليل والحكمة لأفعال الله سبحانه وتعالى، أي أنه عز وجل يفعل لحكمة، لا بد أن يكون لحكمة؛ لقوله: ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾؛ لأن اللام هنا للتعليل، وتعليل أحكام الله الكونية موجود بكثرة في القرآن، وهل الأحكام الشرعية كالإيجاب والتحريم والإباحة مُعَلَّلَة؟
الجواب: نعم، مُعَلَّلَة، كل حُكْم من أحكام الله الكونية أو الشرعية فلا بد له من حكمة، ولكن هنا سؤال: هل هذه الْحِكَم معلومة للخلق أو ليست معلومة؟
فالجواب: منها ما هو معلوم، ومنها ما ليس بمعلوم، أليس كذلك؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: لأن عقولنا قاصرة، مهما بلغنا من العقل فهو قاصر.
إذن خذ هذه الفائدة: جميع أحكام الله الكونية والشرعية مُعَلَّلَة بحكمة، لكن من الْحِكَم ما نعلمه، ومنها ما لا نعلمه، هكذا يجب.
فإن قال قائل: أيُّمَا أبلغ في التعبد؛ أن يعبد الله وهو لا يعرف الحكمة، أو أن يعبد الله وهو يعرف الحكمة؟
فالجواب: أما من جهة التَّذَلُّل الْمُطْلَق فتَعَبُّد الإنسان بشيء لا يعرف حكمته أبلغ ما تَعَبُّدِه بشيء يعرف حكمته؛ لأنه إذا تعبَّد لله بشيء يعرف حكمته فإنه قد يتعبَّد لله من أجل هذه الحكمة، لكن إذا لم يَعْرِف الحكمة صار أبلغ في التَّذَلُّل، كأنه يقول: سأعبد الله سواء عرفت الحكم من هذا أو لا.
مثال ذلك: رَمْيُ الجمرات في الحج، يأتي الإنسان بحصى معينة ويرميها في مكان معين، بينما لو أتى بأضعاف هذه الحصى بعد عشرة أيام ورمى في هذا المكان لعُدَّ هذا عبثًا، فما الحكمة؟
الجواب: الحكمة أن ذلك لإقامة ذِكْرِ الله، ولهذا كلما رمى الإنسان قال: الله أكبر، ثانيًا: أن يظهر بذلك أثر التَّعَبُّد الْمُطْلَق، حيث يفعل الإنسان هذا الفعل دون أن يعرف الغاية منه على وجه التحديد، وأمثال هذا كثير.
ولهذا أطلق الفقهاء -رحمهم الله- على الأحكام التي لا تُعْلَم حكمتها اسم تَعَبُّدِيَّة، أو هذا تعبُّد، أو ما أشبه ذلك؛ لأنه ليس الغرض منه إلا إقامة العبادة لله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: جواز استخدام العُمَّال، من قوله: ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الحكمة العظيمة في هذا، أي: في التفاوت؛ لأنه لولا هذا التفاوت ما عُرِفَ قدر نعمة الله على الغَنِيّ بالغِنَى، وعلى العاقل بالعقل، وعلى القوي بالقوة، وهكذا، أليس كذلك؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: نعم، لولا الجنون ما عُرِفَ قدر قيمة العقل، ولولا المرض ما عُرِفَ قدر قيمة الصحة، أتوافقون على هذا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: إذن، هذا من الحكمة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن رحمة الله عز وجل، ومنها الجنة، خير مما يجمعون، أي: من كل ما يجمعون؛ لأن الله الغاية التي يسعى إليها كل مؤمن، بل يجب يسعى إليها كل عاقل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى خطورة الجمع، أي: جمع الأموال، وأن ذلك قد يُنْسِي الآخرة، وهو كذلك، جمع الأموال يُنْسِي الآخرة، إلا مَن رحم ربي، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «وَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى أَنْ تُفْتَحَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسَهَا مَنْ قَبْلَكُمْ، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣١٥٨)، ومسلم (٢٩٦١/٦) من حديث عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه، ولفظه: «... فأبشروا وأَمِّلُوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تُبْسَط الدنيا عليكم كما بسطت على مَن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم». الحديث.]]، وهذا هو الواقع، الدنيا والدين في الغالب لا يجتمعان، إلا من رحم الله، وكم من إنسان كان فقيرًا مستقيمًا على دين الله فأغناه الله، فصار غِنَاه سببًا لطغيانه واستغنائه عن ربه، قال الله عز وجل: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق ٦، ٧].
{"ayahs_start":31,"ayahs":["وَقَالُوا۟ لَوۡلَا نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنَ ٱلۡقَرۡیَتَیۡنِ عَظِیمٍ","أَهُمۡ یَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَیۡنَهُم مَّعِیشَتَهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضࣲ دَرَجَـٰتࣲ لِّیَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضࣰا سُخۡرِیࣰّاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَیۡرࣱ مِّمَّا یَجۡمَعُونَ"],"ayah":"وَقَالُوا۟ لَوۡلَا نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنَ ٱلۡقَرۡیَتَیۡنِ عَظِیمٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق