الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى ﴿وقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (p-١٨٠)﴿أهم يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهم مَعِيشَتَهم في الحَياةِ الدُّنْيا ورَفَعْنا بَعْضَهم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهم بَعْضًا سُخْرِيًّا ورَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّ هَذا هو النَّوْعُ الرّابِعُ مِن كُفْرِيّاتِهِمُ الَّتِي حَكاها اللَّهُ تَعالى عَنْهم في هَذِهِ السُّورَةِ، وهَؤُلاءِ المَساكِينُ قالُوا: مَنصِبُ رِسالَةِ اللَّهِ مَنصِبٌ شَرِيفٌ، فَلا يَلِيقُ إلّا بِرَجُلٍ شَرِيفٍ، وقَدْ صَدَقُوا في ذَلِكَ؛ إلّا أنَّهم ضَمُّوا إلَيْهِ مُقَدِّمَةً فاسِدَةً، وهي أنَّ الرَّجُلَ الشَّرِيفَ هو الَّذِي يَكُونُ كَثِيرَ المالِ والجاهِ، ومُحَمَّدٌ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَلا تَلِيقُ رِسالَةُ اللَّهِ بِهِ، وإنَّما يَلِيقُ هَذا المَنصِبُ بِرَجُلٍ عَظِيمِ الجاهِ كَثِيرِ المالِ في إحْدى القَرْيَتَيْنِ، وهي مَكَّةُ والطّائِفُ، قالَ المُفَسِّرُونَ: والَّذِي بِمَكَّةَ هو الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ، والَّذِي بِالطّائِفِ هو عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، ثُمَّ أبْطَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الشُّبْهَةَ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: قَوْلُهُ ﴿أهم يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ وتَقْرِيرُ هَذا الجَوابِ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنّا أوْقَعْنا التَّفاوُتَ في مَناصِبِ الدُّنْيا ولَمْ يَقْدِرْ أحَدٌ مِنَ الخَلْقِ عَلى تَغْيِيرِهِ، فالتَّفاوُتُ الَّذِي أوْقَعْناهُ في مَناصِبِ الدِّينِ والنُّبُوَّةِ بِأنْ لا يَقْدِرُوا عَلى التَّصَرُّفِ فِيهِ كانَ أوْلى.
وثانِيها: أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّ اخْتِصاصَ ذَلِكَ الغَنِيِّ بِذَلِكَ المالِ الكَثِيرِ إنَّما كانَ لِأجْلِ حُكْمِنا وفَضْلِنا وإحْسانِنا إلَيْهِ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالعَقْلِ أنْ نَجْعَلَ إحْسانَنا إلَيْهِ بِكَثْرَةِ المالِ حُجَّةً عَلَيْنا في أنْ نُحْسِنَ إلَيْهِ أيْضًا بِالنُّبُوَّةِ ؟
وثالِثُها: إنّا لَمّا أوْقَعْنا التَّفاوُتَ في الإحْسانِ بِمَناصِبِ الدُّنْيا لا لِسَبَبٍ سابِقٍ، فَلِمَ لا يَجُوزُ أيْضًا أنْ نُوقِعَ التَّفاوُتَ في الإحْسانِ بِمَناصِبِ الدِّينِ والنُّبُوَّةِ، لا لِسَبَبٍ سابِقٍ ؟ فَهَذا تَقْرِيرُ الجَوابِ، ونَرْجِعُ إلى تَفْسِيرِ الألْفاظِ، فَنَقُولُ: الهَمْزَةُ في قَوْلِهِ ﴿أهم يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ لِلْإنْكارِ الدّالِّ عَلى التَّجْهِيلِ والتَّعَجُّبِ مِن إعْراضِهِمْ وتَحَكُّمِهِمْ وأنْ يَكُونُوا هُمُ المُدَبِّرِينَ لِأمْرِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ ضَرَبَ لِهَذا مِثالًا فَقالَ: ﴿نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهم مَعِيشَتَهم في الحَياةِ الدُّنْيا ورَفَعْنا بَعْضَهم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: أنّا أوْقَعْنا هَذا التَّفاوُتَ بَيْنَ العِبادِ في القُوَّةِ والضَّعْفِ والعِلْمِ والجَهْلِ والحَذاقَةِ والبَلاهَةِ والشُّهْرَةِ والخُمُولِ، وإنَّما فَعَلْنا ذَلِكَ لِأنّا لَوْ سَوَّيْنا بَيْنَهم في كُلِّ هَذِهِ الأحْوالِ لَمْ يَخْدُمْ أحَدٌ أحَدًا ولَمْ يَصِرْ أحَدٌ مِنهم مُسَخَّرًا لِغَيْرِهِ وحِينَئِذٍ يُفْضِي ذَلِكَ إلى خَرابِ العالَمِ وفَسادِ نِظامِ الدُّنْيا، ثُمَّ إنَّ أحَدًا مِنَ الخَلْقِ لَمْ يَقْدِرْ عَلى تَغْيِيرِ حُكْمِنا ولا عَلى الخُرُوجِ عَنْ قَضائِنا، فَإنْ عَجَزُوا عَنِ الإعْراضِ عَنْ حُكْمِنا في أحْوالِ الدُّنْيا مَعَ قِلَّتِها ودَناءَتِها، فَكَيْفَ يُمْكِنُهُمُ الِاعْتِراضُ عَلى حُكْمِنا وقَضائِنا في تَخْصِيصِ العِبادِ بِمَنصِبِ النُّبُوَّةِ والرِّسالَةِ ؟
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهم مَعِيشَتَهم في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ يَقْتَضِي أنْ تَكُونَ كُلُّ أقْسامِ مَعايِشِهِمْ إنَّما تَحْصُلُ بِحُكْمِ اللَّهِ وتَقْدِيرِهِ، وهَذا يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ الرِّزْقُ الحَرامُ والحَلالُ كُلُّهُ مِنَ اللَّهِ تَعالى.
والوَجْهُ الثّانِي في الجَوابِ: ما هو المُرادُ مِن قَوْلِهِ ﴿ورَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ﴾ ؟ وتَقْرِيرُهُ أنَّ اللَّهَ تَعالى إذا خَصَّ بَعْضَ عَبِيدِهِ بِنَوْعِ فَضْلِهِ ورَحْمَتِهِ في الدِّينِ فَهَذِهِ الرَّحْمَةُ خَيْرٌ مِنَ الأمْوالِ الَّتِي يَجْمَعُها؛ لِأنَّ الدُّنْيا عَلى شَرَفِ الِانْقِضاءِ والِانْقِراضِ، وفَضْلُ اللَّهِ ورَحْمَتُهُ تَبْقى أبَدَ الآبادِ.
{"ayahs_start":31,"ayahs":["وَقَالُوا۟ لَوۡلَا نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنَ ٱلۡقَرۡیَتَیۡنِ عَظِیمٍ","أَهُمۡ یَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَیۡنَهُم مَّعِیشَتَهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضࣲ دَرَجَـٰتࣲ لِّیَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضࣰا سُخۡرِیࣰّاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَیۡرࣱ مِّمَّا یَجۡمَعُونَ"],"ayah":"وَقَالُوا۟ لَوۡلَا نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنَ ٱلۡقَرۡیَتَیۡنِ عَظِیمٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق