الباحث القرآني

وقوله: بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ يعني قريشاً حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ، وذلك هو شرع الإسلام، والرسول [هو] محمّد ﷺ ومُبِينٌ أي: يبين لهم الأحكام، والمعنى في الآية: بل أمهلتُ هؤلاءِ وَمَتَّعْتُهُمْ بالنعمة وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ يعني القرآن قالُوا هذا سِحْرٌ. وَقالُوا يعني قريشا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ يعني: من إحدى القريتين، وهما مَكَّةُ والطَّائِفُ، ورجل مَكَّةَ هو الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ في قول ابن عباس وغيره [[أخرجه الطبري (11/ 181) برقم: (30829) ، وذكره ابن عطية (5/ 52) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 126- 127) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 721) ، وعزاه إلى ابن مردويه، وابن أبي حاتم.]] ، وقال مجاهد: هو عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ [[أخرجه الطبري (11/ 181) برقم: (30830) ، وذكره البغوي (4/ 137) ، وابن عطية (5/ 52) ، وابن كثير (4/ 127) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 721) ، وعزاه إلى ابن عساكر.]] ، وقيل غير هذا، ورجل الطائف: قال قتادة: هو عُرْوَةُ بْنُ مسعود [[أخرجه الطبري (11/ 181) برقم: (30831) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 137) ، وابن عطية (5/ 52) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 721) ، وعزاه إلى عبد بن حميد.]] ، وقيل غير هذا، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 53) .]] : وإنَّما قصدوا إلى من عظم ذكره بالسّنّ، وإلّا فرسول الله ﷺ كان أعظمَ من هؤلاء إذ كان المسمى عندهم «الأمين» ، ثم وَبَّخَهُم سبحانه بقوله: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ و «الرحمة» اسم عامٌّ يشمل النُّبُوَّةَ وغيرها، وفي قوله تعالى: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ تزهيدٌ في السعايات، وعون على التّوكّل على الله عز وجل وللَّه دَرُّ القائل: [الرجز] [كَمْ جَاهِلٍ يَمْلِكُ دورا وقرى ... [وعالم يسكن بيتا بالكرى] [[سقط في: د.]] لَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ سُبْحَانَه ... نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ زَالَ المِرَا [[ذكر بعضه ابن عطية في «المحرر» (5/ 53) .]] وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده عن النبيّ ﷺ أَنَّهُ قال: «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً أَرْضَاهُ بِمَا قَسَمَ لَهُ، وَبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَإذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْراً، لَمْ يُرْضِهِ بِمَا قَسَمَ لَهُ، وَلَمْ يُبَارِكْ لَهُ فِيهِ» [[ذكره السيوطي في «الجامع الكبير» (1117) ، وعزاه للديلمي عن أبي هريرة.]] انتهى، وسُخْرِيًّا بمعنى التسخير، ولا مدخل لمعنى الهزء في هذه الآية. وقوله تعالى: وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ قال قتادة والسُّدِّيُّ: يعني الجنة [[أخرجه الطبري (11/ 184) برقم: (30841- 30842) ، وذكره ابن عطية (5/ 53) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 722) ، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]] ، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 53) .]] : ولا شَكَّ أَنَّ الجنة هي الغاية، ورحمة اللَّه في الدنيا بالهداية والإيمان خير من/ كُلِّ مال، وفي هذا اللفظ تحقير للدنيا، وتزهيد فيها، ثم استمرَّ القولُ في تحقيرها بقوله سبحانه: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ... الآية وذلك أَنَّ معنى الآية أَنَّ اللَّه سبحانه أبقى على عباده، وأنعم عليهم بمراعاة بقاء الخير والإيمان، وشاء حفظه على طائفة منهم بَقِيَّةَ الدهر، ولولا كراهيةُ أنْ يكونَ الناسُ كُفَّاراً كُلُّهم، وأَهْلَ حُبٍّ في الدنيا وتجرُّدٍ لها- لوسَّعَ اللَّه على الكفار غايةَ التوسعة، ومَكَّنَهم من الدنيا وذلك لحقارتها عنده سبحانه، وأنها لا قَدْرَ لها ولا وزنَ لفنائها وذَهَابِ رسومها، فقوله: أُمَّةً واحِدَةً معناه في الكُفْرِ قاله ابن عباس وغيره [[أخرجه الطبري (11/ 184) برقم: (30843) ، وذكره ابن عطية (5/ 53) ، وابن كثير (4/ 127) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 722) ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وابن المنذر عن ابن عبّاس، ولعبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة، وابن المنذر عن مجاهد.]] ، ومن هذا المعنى قوله ﷺ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سقى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» [[أخرجه الترمذي (4/ 560) كتاب «الزهد» باب: ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل (2320) ، وأبو نعيم في «الحلية» (3/ 253) . قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه.]] وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده عن عَلْقَمَةَ عن عبد اللَّه قال: «اضطجع رَسُولُ الله ﷺ عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ الحَصِيرُ في جَنْبِهِ، فَلَمَّا استيقظ، جَعَلْتُ أَمْسَحُ عَنْهُ، وَأَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ آذَنْتَنِي قَبْلَ أَنْ تَنَامَ على هَذَا الحَصِيرِ، فَأَبْسُطَ لَكَ عَلَيْهِ شَيْئاً يَقِيكَ منه؟ فقال رسول الله ﷺ: مَا لِيَ ولِلدُّنْيَا، وَمَا لِلدُّنْيَا وَمَا لِي مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إلاَّ كَرَاكِبٍ استظل في فَيْءِ أَوْ ظِلِّ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» [[أخرجه الترمذي (4/ 588- 589) كتاب «الزهد» باب: (44) (2377) ، وأحمد (1/ 391، 441) ، وابن ماجه (2/ 1376) كتاب «الزهد» باب: مثل الدنيا (4109) ، وأخرجه في «دلائل النبوة» (1/ 337- 338) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (7/ 311) (10415) ، وأبو نعيم في «الحلية» (4/ 234) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال أبو نعيم: غريب من عمرو وإبراهيم، تفرد به المسعودي، ورواه المعافي بن عمران، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن هارون عن المسعودي مثله، وحدث به جرير عن الأعمش عن إبراهيم، وهو غريب. -- وفي الباب من حديث ابن عبّاس نحوه: أخرجه ابن حبان (8/ 209) - الموارد (2526) ، وابن حبان (14/ 265) كتاب «التاريخ» باب: صفته ﷺ وأخباره، ذكر ما مثل المصطفى ﷺ نفسه والدنيا بمثل ما مثل به (6352) ، وأحمد (1/ 301) ، والحاكم (4/ 309، 310) والطبراني (11/ 327) (11898) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (7/ 312) (7/ 104) . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. اهـ. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 329) : ورجال أحمد رجال الصحيح غير هلال بن خباب، وهو ثقة. اهـ. وفي الباب من حديث ابن عمر: أن رسول الله ﷺ أتى فاطمة رضي الله عنها فوجد على بابها سترا ... إلى أن قال: «وما أنا والدنيا وما أنا والرقم ... » الحديث. أخرجه البخاري (5/ 270) كتاب «الهبة» باب: هدية ما يكره لبسها (2613) ، وأبو داود (2/ 470) كتاب «اللباس» باب: في اتخاذ الستور (4149) ، وأحمد (2/ 21) ، وابن حبان في «صحيحه» (14/ 267) كتاب «التاريخ» باب: صفته ﷺ وأخباره، وذكر ما مثل به المصطفى ﷺ نفسه والدنيا بمثل ما مثل به. (6353) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (7/ 312) (10416) .]] انتهى، وقد خَرَّجه التِّرمذيُّ، وقال: حديثٌ حَسَنٌ صحيح، وسُقُفاً جمع سَقْف، والمعارج: الأدراج التي يُطْلَعُ عليها قاله ابن عبّاس وغيره [[أخرجه الطبري (11/ 186) برقم: (30850، 30854) عن ابن عبّاس، و (30851) عن قتادة، و (30852) عن السدي، و (30853) عن قتادة، و (30855) عن ابن زيد، وذكره ابن عطية (5/ 54) ، وابن كثير (4/ 127) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 722) ، وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس.]] ، ويَظْهَرُونَ معناه: يعلون ومنه حديث عائشةَ- رضي اللَّه عنها- والشمس في حجرتها لم تظهر/ بعد، والسُّرُرُ: جمع سرير، والزُّخْرُفُ: قال ابن عَبَّاس، والحسن، وقتادة والسُّدِّيُّ: هو الذهب [[أخرجه الطبري (11/ 186- 187) برقم: (30858، 30862) ، وذكره ابن عطية (5/ 54) ، وابن كثير (4/ 127) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 722) ، وعزاه إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة.]] ، وقالت فرقة: الزُّخْرُفُ: التزاويق والنَّقْش ونحوه وشاهده: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها [يونس: 24] وقرأ الجمهور: وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا- بتخفيف الميم- من «لما» ف «إنْ» مُخَفَّفَةٌ من الثقيلة، واللام في «لما» داخلةٌ لتَفْصِلَ بين النفي والإيجاب، وقرأ عاصم، وحمزة، وهشام بخلافٍ عنه- بتشديد الميم- من «لمَّا» [[ينظر: «السبعة» (586) ، و «الحجة» (6/ 149) ، و «إعراب القراءات» (2/ 297) ، و «معاني القراءات» (2/ 364) ، و «شرح الطيبة» (5/ 220) ، و «العنوان» (171) ، و «حجة القراءات» (649) ، و «إتحاف» (2/ 456) .]] ف «إنْ» نافيةٌ بمعنى [ «مَا» ، و «لَمَّا» بمعنى] [[سقط في: د.]] «إلاَّ» ، أي: وما كُلُّ ذلك إلاَّ متاعُ الحياة الدنيا، وفي قوله سبحانه: وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ وعْدٌ كريمٌ، وتحريض على لزوم التقوى، إذ في الآخرة هو التباينُ الحقيقيُّ في المنازل قال الفخر [[ينظر: «الرازي» (27/ 182) .]] : بَيَّنَ تعالى أَنَّ كُلَّ ذلك متاع الحياة الدنيا، وأَمَّا الآخرة فهي باقيةٌ دائمةٌ، وهي عند اللَّه وفي حُكْمِهِ للمتَّقِينَ المُعْرِضِينَ عَنْ حُبِّ الدنيا، المقبلين على حُبِّ المَوْلَى، انتهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب