الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالُوا لَوْلا﴾ أيْ: هَلّا ﴿نُزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ أمّا القَرْيَتانِ، فَمَكَّةُ والطّائِفُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والجَماعَةُ؛ وأمّا عَظِيمُ مَكَّةَ، فَفِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ القُرَشِيُّ، رَواهُ العَوْفِيُّ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، [وَبِهِ قالَ قَتادَةُ، والسُّدِّيُّ] . والثّانِي: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، قالَهُ مُجاهِدٌ. وَفِي عَظِيمِ الطّائِفِ خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: حَبِيبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: مَسْعُودُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، رَواهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّهُ أبُو مَسْعُودٍ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، رَواهُ لَيْثٌ عَنْ مُجاهِدٍ، وبِهِ قالَ قَتادَةُ. والرّابِعُ: [أنَّهُ] ابْنُ عَبْدِ يالِيلَ، رَواهُ ابْنُ أبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجاهِدٍ. والخامِسُ: كِنانَةُ بْنُ عَبْدِ [بْنِ] عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الطّائِفِيُّ، قالَهُ السُّدِّيُّ. (p-٣١٢)فَقالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ رَدًّا عَلَيْهِمْ وإنْكارًا: ﴿أهم يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ يَعْنِي النُّبُوَّةَ، فَيَضَعُونَها حَيْثُ شاؤُوا، لِأنَّهُمُ اعْتَرَضُوا عَلى اللَّهِ بِما قالُوا. ﴿نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهم مَعِيشَتَهُمْ﴾ المَعْنى أنَّهُ إذا كانَتِ الأرْزاقُ بِقَدَرِ اللَّهِ، لا بِحَوْلِ المُحْتالِ -وَهُوَ دُونَ النُّبُوَّةِ- فَكَيْفَ تَكُونُ النُّبُوَّةُ؟! قالَ قَتادَةُ: إنَّكَ لَتَلْقى ضَعِيفَ الحِيلَةِ عَيِيَّ اللِّسانِ قَدْ بُسِطَ لَهُ الرِّزْقُ، وتَلْقى شَدِيدَ الحِيلَةِ بَسِيطَ اللِّسانِ وهو مَقْتُورٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَرَفَعْنا بَعْضَهم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: بِالغِنى والفَقْرِ. والثّانِي: بِالحُرِّيَّةِ والرِّقِّ ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهم بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْفَعِ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: "سِخْرِيًّا" بِكَسْرِ السِّينِ. ثُمَّ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: يَسْتَخْدِمُ الأغْنِياءُ الفُقَراءَ بِأمْوالِهِمْ، فَيَلْتَئِمُ قِوامَ العالَمِ، وهَذا عَلى القَوْلِ الأوَّلِ. والثّانِي: لِيُمَلِّكَ بَعْضَهم بَعْضًا بِالأمْوالِ فَيَتَّخِذُونَهم عَبِيدًا، وهَذا عَلى الثّانِي. (p-٣١٣)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ﴾ فِيها قَوْلانِ. أحَدُهُما: النُّبُوَّةُ خَيْرٌ مِن أمْوالِهِمُ الَّتِي يَجْمَعُونَها، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: الجَنَّةُ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ في الدُّنْيا، قالَهُ السُّدِّيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: لَوْلا أنْ يَجْتَمِعُوا عَلى الكُفْرِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: عَلى إيثارِ الدُّنْيا عَلى الدِّينِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَجَعَلْنا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِن فِضَّةٍ﴾ لِهَوانِ الدُّنْيا عِنْدَنا. قالَ الفَرّاءُ: إنْ شِئْتَ جَعَلْتَ اللّامَ في "لِبُيُوتِهِمْ" مُكَرَّرَةً، كَقَوْلِهِ: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرامِ قِتالٍ فِيهِ﴾ [البَقَرَةِ: ٢١٧]، وإنْ شِئْتَ جَعَلْتَها بِمَعْنى "عَلى"، كَأنَّهُ قالَ: جَعَلْنا لَهم عَلى بُيُوتِهِمْ، تَقُولُ لِلرَّجُلِ: جَعَلْتُ لَكَ لِقَوْمِكَ الأُعْطِيَةَ، أيْ: جَعَلْتُها مِن أجْلِكَ لَهم. قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو: "سَقْفًا" عَلى التَّوْحِيدِ. وقَرَأ الباقُونَ::سُقُفًا" بِضَمِّ السِّينِ والقافِ جَمِيعًا. قالَ الزَّجّاجُ: والسَّقْفُ واحِدٌ يَدُلُّ عَلى الجَمْعِ؛ فالمَعْنى: جَعَلْنا لِبَيْتِ كُلٍّ واحِدٍ مِنهم سَقْفًا مِن فِضَّةِ ﴿وَمَعارِجَ﴾ وهي الدَّرَجُ؛ والمَعْنى: وجَعَلْنا مَعارِجَ (p-٣١٤)مِن فِضَّةٍ، وكَذَلِكَ "وَلِبُيُوتِهِمْ أبْوابًا" أيْ: مِن فِضَّةٍ "وَسُرُرًا" أيْ: مِن فِضَّةٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلَيْها يَظْهَرُونَ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: يَعْلُونَ، يُقالُ: ظَهَرْتُ عَلى البَيْتِ: إذا عَلَوْتَ سَطْحَهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَزُخْرُفًا﴾ وهو الذَّهَبُ؛ والمَعْنى: ويَجْعَلُ لَهم مَعَ ذَلِكَ ذَهَبًا وغِنًى ﴿وَإنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمّا مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ المَعْنى: لَمَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا، و "ما" زائِدَةٌ وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةٌ "لَمّا" بِالتَّشْدِيدِ، فَجَعَلاهُ بِمَعْنى "إلّا"؛ والمَعْنى: إنَّ ذَلِكَ يُتَمَتَّعُ بِهِ قَلِيلًا ثُمَّ يَزُولُ ﴿والآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ خاصَّةٌ لَهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب