الباحث القرآني
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ﴾ [الزخرف ١٥]، ﴿وَجَعَلُوا﴾ الضمير يعود على مشركي قريش؛ أي: صيَّروا، ﴿لَهُ﴾ أي: لله، ﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾ أي: من مخلوقاته، وجميع المخلوقات عِبادٌ لله عز وجل، والمراد بالعباد هنا الملائكة، ﴿جُزْءًا﴾ أي: بعضًا منه؛ حيث قالوا: الملائكة بنات الله، اليهود قالوا: عزيرٌ ابن الله، النصارى قالوا: المسيح ابن الله.
وقوله: ﴿جُزْءًا﴾؛ لأن الولد جزء من أبيه، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ابنته فاطمة: «إِنَّهَا بَضْعَةٌ مِنِّي»[[أخرج البخاري (٣٧١٤) ومسلم (٢٤٤٩/٩٤) بسنده عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ، قال: «فاطمة بضعة مني، فمَن أغضبها أغضبني».]].
هؤلاء المشركون -والعياذ بالله- جعلوا لله من عباده جزءًا، وتأمل قوله: ﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾ يتبين لك أن كونهم عبادًا لله يمنع غاية المنع أن يكونوا جزءًا من الله عز وجل؛ لأن المعبود غير العابد، فلا يمكن أن يكون العابد جزءًا من المعبود.
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ﴾ المراد الجنس؛ يعني: إن جنس الإنسان لكفور بَيَّنُ الكفر. فلا يَرِد على هذا أن يقال: من الإنسان ما هو مؤمن كامل الإيمان؛ لأننا نقول: إنه قد يراد به الجنس، كقوله: ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب ٧٢]، والمؤمن ليس ظلومًا جهولًا، لكن جنس الإنسان ظلوم جهول.
فإذا قال قائل: هل كل ما جاء بمثل هذا التعبير نحملها على الجنس؟
فالجواب: لا، لا نحمله على الجنس إلا إذا قام الدليل على هذا، وإلَّا فالأصل العموم، كقوله: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء ٢٨]، هذه المراد الجنس ولَّا كل إنسان؟ المراد كل إنسان، لكن إذا تعذَّر أن نحملها على العموم جعلناها للجنس.
وأضرب لكم مثلًا ليتبين به المقال: الرجل خير من المرأة، المراد الجنس، وليس المعنى: كل واحد من الرجال خير من كل امرأة من النساء؛ لأن من النساء مَن هي خير من كثير من الرجال، لكن المراد الجنس؛ يعني: هذا الجنس خير من هذا الجنس.
* طالب: بارك الله فيكم يا شيخ، بدأ الله عز وجل في هذه السورة بقوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾..
جعلناها للجنس.
وأضرب لكم مثلًا ليتبين المقال: الرجل خير من المرأة، المراد؟
* طلبة: الجنس.
* الشيخ: الجنس، وليس المعنى: كل واحد من الرجال خير من كل ما امرأة من النساء؛ لأن من النساء من هو خير من كثير من الرجال، لكن المراد الجنس؛ يعني هذا الجنس خير من هذا الجنس.
* طالب: بارك الله فيكم يا شيخ، بدأ الله عز وجل في هذه السورة بقوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [الزخرف ٣]، ثم بعد ذلك قال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ [الزخرف ١٠]، ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ﴾ [الزخرف ١٢]؛ جعَلَ، جعَلَ، جعَلَ، ثم جاء بعدها: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ [الزخرف ١٥]، فهل فيه ترابط بينها..؟
* الشيخ: تناسق.
* الطالب: تناسق نعم.
* الشيخ: قد يقال: إن هذا تناسق لفظي؛ لأنه أحيانًا يكون الكلام إذا كان على نسق واحد أبلغ، فيكون هذا من باب التناسق اللفظي.
* طالب: دعاء نزول المكان: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ»[[أخرجه مسلم (٢٧٠٨ / ٥٤) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.]]، هل هو خاص بالسفر أو عام؟
* الشيخ: لا، عام، حتى إذا نزلت بينًا تقول: أعوذ بكلمات الله التامات، وعند النوم تقول: أعوذ بكلمات الله التامات، وفي أطراف الليل والنهار: أعوذ بكلمات الله التامات.
* الطالب: المسجد؟
* الشيخ: المسجد له ذكر خاص، والمسجدُ الإنسانُ ما هو نازل فيه، إنما هو مقيم لطاعة معيَّنةٍ ويمشي.
* طالب: يا شيخ حفظكم الله، المصعد الكهربائي يشرع فيه هذا الدعاء: سبحان الذي سخر لنا هذا؟
* الشيخ: هذا محل نظر؛ لأن هذا المصعد الكهربائي بمنزلة الدرجة وليس بمنزلة الراكب اللي يسير، هذا يصعد إلى فوق، ففي كونه من باب المركوبات نظرٌ.
* طالب: تفسير ﴿جَعَلْنَاهُ﴾؟
* الشيخ: بمعنى: صيَّرناه، أحيانًا (جعل) تكون بمعنى صيَّرَ، وأحيانًا بمعنى خلَقَ، حسب السياق؛ إذا نصبت المفعولين فهي بمعنى صيَّر، وإن نصبت مفعولًا واحدًا فهي بمعنى خلَقَ، مثل قولِه تعالى ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام ١] هذه بمعنى خلَقَ؛ لأنها لم تنصب إلا مفعولًا واحدًا، أما إذا نصبت مفعولين فهي بمعنى صيَّر.
* طالب: يا شيخ، قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الزخرف ١٠]، المقصود بالهداية هداية الطرق، كما ذكرتم فضيلتكم،
هل يمكن أن يُحْمل على هداية الاعتبار بالآية؟
* الشيخ: لا، أصل هذا يمنع هذا.
* طالب: يا شيخ، في قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾، فيه بعض الكلمات في القرآن أصلها جديد (...)؟
* الشيخ: هذا يسأل يقول: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ مع أن فيه بعض كلمات القرآن ما أصله غير عربي، نقول: إنه لما تكلمت به العرب صار عربيًّا بالاستعمال وإن كان أصله غير عربي.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف ١٥ - ١٩].
* الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن تفسير القرآن العظيم من أهم واجبات المسلمين أن يعرفوا معنى كلام الله سبحانه وتعالى؛ لأن الكلام إذا لم يُفْهَم معناه لا يُنْتَفَع به، والذي يقرأ ولا يفهم بمنزلة الأمي الذي لا يقرأ، كما قال الله عز وجل: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾ [البقرة ٧٨]؛ أي: إلا قراءة، فسمَّاهم الله أمِّيين.
والقرآن يُفَسَّر بالقرآن، فإن لم يكن فبالسنة، فإن لم يكن فبأقوال الصحابة ولا سيما المشهورون منهم بعلم التفسير، فإن لم يكن فبما قاله كبار التابعين من أهل التفسير، هذه هي القاعدة التي مشى عليها أهل السنة والجماعة.
وأما التفسير بالرأي فمنهم المخطئ ومنهم المصيب، ولكن لا يجوز للإنسان أن يفسِّر القرآن برأيه، بمعنى أن يحول القرآن إلى رأيه، فإن من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار.
مثال ذلك: الذين يفسِّرون قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة ٦٤] بأنهما النعمة، هؤلاء قالوا في القرآن برأيهم؛ لأن هذا المعنى غير المراد قطعًا، وكذلك الذين يقولون ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف ٥٤]؛ يعني: استولى على العرش، فإن هذا مُنْكرٌ من القول، وتفسير الآية به من القول على الله بلا علم؛ من الافتراء على الله سبحانه وتعالى.
هؤلاء نقول: إنهم قالوا في القرآن برأيهم؛ أي: حولوا القرآن إلى رأيهم، وأما من فسَّر القرآن بمقتضى الحقائق الشرعية واللغوية -إذا لم تكن حقيقة شرعية- فإنه لم يقُلْ في القرآن برأيه.
وقد سبقت هذه القاعدة أول ما بدأنا في علم التفسير، فلتكن مرجعًا لكم، يُفَسَّر القرآن أولًا؟
* طلبة: بالقرآن.
* الشيخ: ثم؟
* طلبة: بالسنة.
* الشيخ: ثم؟
* طلبة: بأقوال الصحابة.
* الشيخ: ثم؟
* الطلبة: كبار التابعين.
* الشيخ: كبار التابعين الذين اعتنوا بالتفسير؛ كمجاهد بن جبر رحمه الله الذي أخذ التفسير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه.
سبق لنا في التفسير أن الله تعالى قاس الغائب على الحاضر، فما هو؟
* طالب: قوله تعالى ﴿كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الزخرف ١١].
* الشيخ: نعم.
* الطالب: قاس الحاضر وهو إحياء..
* الشيخ: لا، ما هو الحاضر، قاس الغائب -وهو إحياء الموتى- على الحاضر الذي يشاهدونه؛ أنزل من السماء ماء، فأنبت به من كل الثمرات، فقاس المستقبل على الحاضر، وهذا من طرق التعليم والتفهيم.
قوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الزخرف ١١]، ما المراد بالسماء؟
* طالب: السماء هي السقف الذي فوق الأرض.
* الشيخ: إذن المطر ينزل من السماء الدنيا.
* الطالب: من السماء الدنيا.
* الشيخ: أكذلك تعتقد؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: أخطأت تفسيرًا واعتقادًا.
* طالب: السماء -بارك الله فيكم- هي العلو.
* الشيخ: المراد بها العلو؛ لأن من المعلوم أن المطر لا ينزل من السماء الدنيا إنما ينزل من السحاب المسخَّر بين السماء والأرض.
هل هناك حكمة أن الله تعالى أنزله -أي المطر- من فوق ولا..؟
* طالب: لو كان المطر من الأرض لغرقت الأرض ولم يصل إلى قمم الجبال.
* الشيخ: إي، يعني له حكمة؛ لأجل أن يروي الأرض عُلويها وسُفليها، تمام.
هل هناك من حكمة أن الله جعله نقطًا؟
* طالب: حتى لا تغرق الأرض.
* الشيخ: لا، هي تغرق وإن كان نقطًا.
* طالب: حتى لا يتهدم البنيان.
* الشيخ: نعم، حتى لا تفسد الأرض ويتهدم البنيان، لو كان ينزل كأفواه القِرب لفسدت الأرض، لكن من حكمة الله أنه أنزله نقطًا.
قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ [الزخرف ١٥] ﴿جَعَلُوا﴾ الضمير يعود على المشركين وعلى اليهود وعلى النصارى، ﴿لَهُ﴾ أي: لله، ﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾ أي: مخلوقاته، ﴿جُزْءًا﴾ أي بعضًا؛ وذلك لقول المشركين: إن الملائكة بنات الله، وقول اليهود: إن عُزيرًا ابن الله، وقول النصارى: إن المسيح ابن الله.
ووجه كونه جزءًا أن الولد جزءٌ من أبيه، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ابنته فاطمة رضي الله عنها: «إِنَّهَا بَضْعَةٌ مِنِّي، يَرِيبُهَا مَا رَابَنِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢٣٠) ومسلم (٢٤٤٩ / ٩٣) بلفظ: «فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها».]]، حينما تحدَّث الناس أن علي بن أبي طالب يريد أن يتزوج عليها بنت أبي جهل، فأنكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك، وقال: لا يمكن أن تكون بنت نبي الله مع ابنة عدو الله[[أخرج البخاري (٣٧٢٩) عن المسور بن مخرمة قال: إن عليًّا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك، فاطمة فأتت رسول الله ﷺ، فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله ﷺ، فسمعته حين تشهد، يقول: «أما بعد، أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وإني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله ﷺ وبنت عدو الله عند رجل واحد».]].
إذن الجزء: البعض، والقائل ثلاثة أصناف من الناس: المشركون، واليهود، والنصارى.
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ﴾ ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ﴾ المراد الجنس، ﴿لَكَفُورٌ مُبِينٌ﴾ أي: بيِّنُ الكفر؛ وذلك أن (بان) بمعنى (ظهَرَ) تكون بالهمز وتكون بغير الهمز، بمعنى أنه يجوز لغةً أن تقول: بان الفجرُ، وأبان الفجرُ، وعليه فيكون معنى ﴿مُبِينٌ﴾ أي: واضح الكفر، ولا شك أن الذي يقول: الملائكة بنات الله، أو عيسى ابن الله، أو عزير ابن الله، لا شك أنه كفَرَ كُفْرًا بيِّنًا. وتُسْتَعمل (أبان) بالهمز مُتعدِّيةً، يقال: أبان الشيءَ؛ بمعنى: أظهره.
ومنه قوله تعالى: ﴿حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الزخرف ١، ٢] الذي سبق في أول السورة؛ أي: المظهِر للحقائق، المبيِّن لها.
ثم قال الله عز وجل: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ﴾ [الزخرف ١٦] (أمْ) هنا منقطعة بمعنى: بل والهمزة.
واعلم أن (أمْ) تأتي متصلة إذا كانت بين شيئين متساويين، ومنقطعة إذا كان ما بعدها منقطع عما قبلها، ففي قوله تعالى: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ [يس ١٠] هذه؟
* طالب: متصلة.
* الشيخ: متصلة، وفي مثل هذه الآية (أم) منقطعة، المنقطعة يُقَدِّرها النحويون بـ(بل والهمزة)؛ (بل أَتَّخَذ).
* طالب: (أمْ: بمعنى همزة الإنكار، والقول مقدر؛ أي: أتقولون ﴿اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ لنفسه، ﴿وَأَصْفَاكُمْ﴾ أخلصكم، ﴿بِالْبَنِينَ﴾ اللازم من قولكم السابق، فهو من جملة المنكَرِ).
* الشيخ: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ قدَّره المؤلف بمعنى: (بل أيقولون)، ولا حاجة لهذا التقدير، بل هو كلام من عند الله أنكره على هؤلاء؛ يعني بل على قولكم اتَّخذ مما يخلق بنات؛ لأنهم قالوا الملائكة بنات الله.
﴿وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ﴾ يعني: وأخلصكم بالبنين وخصَّكم بها؛ لأنهم يقولون: البنات لله، والبنون لنا. فهل هذا عدل؟ هل هذا حق؟ هذا منكر وجور، على الأقل لو قالوا: إنهم سواء، لكان أهون مع أنه منكر، لكن يجعلون لله البنات ولهم ما يشتهون، هذا غاية ما يكون من الجور والظلم.
﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ وهم الملائكة الذين زعموا أنهم بنات الله، ﴿وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ﴾ فالهمزة إذن المقدَّرة للإنكار.
* في هذه الآيتين فوائد؛ منها: أن الولد جزء من والده؛ لقوله ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾، ولذلك كان الولد في التعصيب في باب الميراث مُقَدَّمًا على الوالد؛ بمعنى أنه لو مات ميتٌ عن أبيه وابنه؛ فلأبيه السدس فرضًا، والباقي للابن تعصيبًا، فسهمُ الابن الآن خمسةٌ من ستة، وسهمُ الأبِ واحد من ستة. لماذا؟
لأن الابن جزء من أبيه، فقُدِّمَ.
* ومن الفوائد: أنه يجوز للأب أن يتملك من مال ولده؛ لأن ولده جزؤه، وإذا كان جزءًا منه صار كسائر جسده، ولهذا جاء في الحديث: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»[[أخرجه ابن ماجه (٢٢٩١) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.]]، فللأب أن يتملَّك من مال ولده ما شاء، بشرط ألَّا يكون الولد محتاجًا إليه أو تتعلَّق به نفسه.
فمثلًا: إذا كان عند الابن أمَةٌ قد تسرَّاها وتعلَّقت بها نفسه، فإنه لا يجوز للأب أن يتملَّكها، مع أنه لا يمكن أن يطأها؛ لأنها حليلة ابنه، لكن حتى ولا التملُّك. لماذا؟ لأن حاجته متعلقة بها.
كذلك لو تعلَّقت بماله ضرورة؛ كابن عنده مال أعدَّه للمهر حين يتزوج، فليس للأب أن يأخذ منه شيئًا، كذلك لو كان عنده سيارة أعدَّها لحاجته وضرورته، فليس للأب أن يتملكها، إنما يتملك الفضل فقط، دليل هذا قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»[[أخرجه ابن ماجه (٢٣٤٠) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان عتو المشركين واليهود والنصارى، حيث جعلوا الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، جعلوه والدًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإنسان بطبيعته كفور مبين، هذا إذا جعلنا (الإنسان) للجنس، أما إذا جعلنا (الإنسان) يعود على ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ فإنه يكون خاصًّا، لكن معنى الأول هو ظاهر قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب ٧٢]، فأصل الإنسان الظلم والجهل، إلا أن يَمُنَّ الله عليه بالعلم والإيمان.
* ومن فوائد الآية الثانية: الإنكار على هؤلاء الذين جعلوا لله ولدًا؛ لقوله: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾.
* ومن فوائده: أنه كيف يكون المخلوق ولدًا للخالق، ولهذا قال: ﴿مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾، وهذا لا يمكن؛ لأن المخلوق منفصل بائن عن الخالق، فلا يصح أن يكون ولدًا له.
* ومن فوائد هذه الآية: الإشارة إلى جور أولئك القائلين بأن الملائكة بنات الله؛ لقوله: ﴿وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ﴾ يعني: أيُعْقَلُ أن يكون هكذا؟!
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ﴾ يعني بذلك قريشًا وأشباههم ممن يكرهون البنات ويَئِدُونهم، ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ﴾؛ أي: أُخْبِرَ بأن وُلِدَ له بنت ظلَّ وجهه مُسْودًّا.
وقوله هنا: ﴿بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا﴾ ولم يقل كما قال في الآية الثانية: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى﴾ [النحل ٥٨]؛ لأنه سبقها ذكر قول هؤلاء: إن الملائكة بنات الله، فضربوها مثلًا لله عز وجل، إذا بُشِّرَ أحدهم بهذا الذي ضربوه مثلًا للرحمن، ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ أي: صار وجهه مُسودًّا، و(ظلَّ) هنا بالظاء المشالة؛ لأنها بمعنى صار، أما (ضلَّ) التي هي بالصاد فهي بمعنى: تاه وضاع، تقول: ضل الطريق بمعنى: تاه وأضاعه، أما ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ فهي بمعنى: صار وجهه مُسْودًّا؛ أي: بعد أن كان أبيض. وقوله: ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أي: مملوءٌ غيظًا وحزنًا.
اقرأ التفسير.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["وَجَعَلُوا۟ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَكَفُورࣱ مُّبِینٌ","أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا یَخۡلُقُ بَنَاتࣲ وَأَصۡفَىٰكُم بِٱلۡبَنِینَ"],"ayah":"وَجَعَلُوا۟ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَكَفُورࣱ مُّبِینٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق