الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِن عِبادِهِ جُزْءًا﴾ . قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: جُزْءًا أيْ عِدْلًا ونَظِيرًا، يَعْنِي الأصْنامَ وغَيْرَها مِنَ المَعْبُوداتِ مِن دُونِ اللَّهِ. وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: جُزْءًا أيْ ولَدًا. وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: جُزْءًا يَعْنِي البَناتَ. وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ الجُزْءَ النَّصِيبُ، واسْتَشْهَدَ عَلى ذَلِكَ بِآيَةِ ”الأنْعامِ“، أعْنِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمّا ذَرَأ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ نَصِيبًا فَقالُوا هَذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهَذا لِشُرَكائِنا﴾ الآيَةَ [الأنعام: ١٣٦] . قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ وغَفَرَ لَهُ -: الَّذِي يَظْهَرُ أنَّ قَوْلَ ابْنِ كَثِيرٍ هَذا - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرُ صَوابٍ في الآيَةِ؛ لِأنَّ المَجْعُولَ لِلَّهِ في آيَةِ ”الأنْعامِ“ هو النَّصِيبُ مِمّا ذَرَأ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ، والمَجْعُولَ لَهُ في آيَةِ ”الزُّخْرُفِ“ هَذِهِ جُزْءٌ مِن عِبادِهِ لا مِمّا ذَرَأ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ. وَبَيْنَ الأمْرَيْنِ فَرْقٌ واضِحٌ كَما تَرى. وَأنَّ قَوْلَ قَتادَةَ ومَن وافَقَهُ: إنَّ المُرادَ بِالجُزْءِ العِدْلُ والنَّظِيرُ الَّذِي هو الشَّرِيكُ - غَيْرُ صَوابٍ أيْضًا؛ لِأنَّ إطْلاقَ الجُزْءِ عَلى النَّظِيرِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ في كَلامِ العَرَبِ. أمّا كَوْنُ المُرادِ بِالجَزاءِ في الآيَةِ الوَلَدَ، وكَوْنُ المُرادِ بِالوَلَدِ خُصُوصَ الإناثِ - فَهَذا هو التَّحْقِيقُ في الآيَةِ. (p-٨٩)وَإطْلاقُ الجُزْءِ عَلى الوَلَدِ يُوَجَّهُ بِأمْرَيْنِ: أحَدُهُما: ما ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَماءِ العَرَبِيَّةِ مِن أنَّ العَرَبَ تُطْلِقُ الجُزْءَ مُرادًا بِهِ البَناتُ، ويَقُولُونَ: أجْزَأتِ المَرْأةُ إذا ولَدَتِ البَناتِ، وامْرَأةُ مُجْزِئَةٌ، أيْ تَلِدُ البَناتِ، قالُوا ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎إنْ أجْزَأتْ حُرَّةً يَوْمًا فَلا عَجَبَ قَدْ تُجْزِيءُ الحُرَّةُ المِذْكارَ أحْيانًا وَقَوْلُ الآخَرِ: ؎زَوَّجْتُها مِن بَناتِ الأوْسِ مُجْزِئَةً ∗∗∗ لِلْعَوْسَجِ اللَّدْنِ في أبْياتِها زَجَلُ وَأنْكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذِهِ اللُّغَةَ قائِلًا: إنَّها كَذِبٌ وافْتِراءٌ عَلى العَرَبِ. قالَ في الكَشّافِ في الكَلامِ عَلى هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ومِن بِدَعِ التَّفاسِيرِ تَفْسِيرُ الجُزْءِ بِالإناثِ، وادِّعاءُ أنَّ الجُزْءَ في لُغَةِ العَرَبِ اسْمٌ لِلْإناثِ، وما هو إلّا كَذِبٌ عَلى العَرَبِ، ووَضْعٌ مُسْتَحْدَثٌ مَنحُولٌ، ولَمْ يُقْنِعْهم ذَلِكَ حَتّى اشْتَقُّوا مِنهُ (أجَزَأتِ المَرْأةُ) ثُمَّ صَنَعُوا بَيْتًا وبَيْتًا: ؎إنْ أجَزَأتْ حُرَّةٌ يَوْمًا فَلا عَجَبَ ∗∗∗ زَوَّجْتُها مِن بَناتِ الأوْسِ مُجْزِئَـةً ا هـ. مِنهُ بِلَفْظِهِ. وَقالَ ابْنُ مَنظُورٍ في اللِّسانِ: وفي التَّنْزِيلِ العَزِيزِ: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِن عِبادِهِ جُزْءًا﴾ . قالَ أبُو إسْحاقَ: يَعْنِي بِهِ الَّذِينَ جَعَلُوا المَلائِكَةَ بَناتِ اللَّهِ، تَعالى وتَقَدَّسَ عَمّا افْتَرَوْا، قالَ: وقَدْ أنْشَدْتُ بَيْتًا يَدُلُّ عَلى أنَّ مَعْنى جُزْءًا مَعْنى الإناثِ؛ قالَ - ولا أدْرِي البَيْتَ هو قَدِيمٌ أوْ مَصْنُوعٌ -: ؎إنْ أجَزَأتْ حُرَّةٌ يَوْمًا فَلا عَجَبَ البَيْتَ. والمَعْنى في قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِن عِبادِهِ جُزْءًا﴾، أيْ جَعَلُوا نَصِيبَ اللَّهِ مِنَ الوَلَدِ (p-٩٠)الإناثَ، قالَ ولَمْ أجِدْهُ في شِعْرٍ قَدِيمٍ ولا رَواهُ عَنِ العَرَبِ الثِّقاتِ، وأجْزَأتِ المَرْأةُ ولَدَتِ الإناثَ، وأنْشَدَ أبُو حَنِيفَةَ: ؎زَوَّجْتُها مِن بَناتِ الأوْسِ مُجْزِئَةً البَيْتَ. انْتَهى الغَرَضُ مِن كَلامِ صاحِبِ اللِّسانِ. وَظاهِرُ كَلامِهِ هَذا الَّذِي نَقَلَهُ عَنِ الزُّجاجِ أنَّ قَوْلَهم: أجْزَأتِ المَرْأةُ إذا ولَدَتِ الإناثَ - مَعْرُوفٌ؛ ولِذا ذَكَرَهُ وذَكَرَ البَيْتَ الَّذِي أنْشَدَهُ لَهُ أبُو حَنِيفَةَ كالمُسَلِّمِ لَهُ. والوَجْهُ الثّانِي: وهو التَّحْقِيقُ - إنْ شاءَ اللَّهُ - أنَّ المُرادَ بِالجُزْءِ في الآيَةِ الوَلَدُ، وأنَّهُ أطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الجُزْءِ؛ لِأنَّ الفَرْعَ كَأنَّهُ جُزْءٌ مِن أصْلِهِ، والوَلَدَ كَأنَّهُ بِضْعَةٌ مِنَ الوالِدِ، كَما لا يَخْفى. وَأمّا كَوْنُ المُرادِ بِالوَلَدِ المُعَبَّرِ عَنْهُ بِالجُزْءِ في الآيَةِ - خُصُوصُ الإناثِ، فَقَرِينَةُ السِّياقِ دالَّةٌ عَلَيْهِ دَلالَةً واضِحَةً؛ لِأنَّ جَعْلَ الجُزْءِ المَذْكُورِ لِلَّهِ مِن عِبادِهِ هو بِعَيْنِهِ الَّذِي أنْكَرَهُ اللَّهُ إنْكارًا شَدِيدًا، وقَرَّعَ مُرْتَكِبَهُ تَقْرِيعًا شَدِيدًا في قَوْلِهِ تَعالى بَعْدَهُ: ﴿أمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ وأصْفاكم بِالبَنِينَ وإذا بُشِّرَ أحَدُهم بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ في الخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٦ - ١٨] . وَقَرَأ هَذا الحَرْفَ شُعْبَةُ عَنْ عاصِمٍ جُزْءًا بِضَمِّ الزّايِ، وباقِي السَّبْعَةِ بِإسْكانِها، وحَمْزَةُ عِنْدَ الوَقْفِ يُسْقِطُ الهَمْزَةَ بِنَقْلِ حَرَكَتِها إلى الزّايِ مَعَ حَذْفِ التَّنْوِينِ لِلْوَقْفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب