الباحث القرآني

ولَمّا عَلِمَ بِهَذا الِاعْتِرافِ مِنهُ وما تَبِعَهُ مِنَ التَّقْرِيبِ أنَّ العالَمَ كُلَّهُ مُتَزاوِجٌ بِتَسْخِيرِ بَعْضِهِ لِبَعْضٍ، فَثَبَتَ أنَّ خالِقَهُ مُبايِنٌ لَهُ لا يَصِحُّ أصْلًا أنْ يَكُونَ مُحْتاجًا بِوَجْهٍ لِأنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ أصْلًا، كانَ مَوْضِعُ التَّعْجِيبِ مِن نِسْبَتِهِمُ الوَلَدَ إلَيْهِ سُبْحانَهُ: فَقالَ لافِتًا القَوْلَ عَنْ خِطابِهِمْ لِلْإعْراضِ المُؤْذِنِ بِالغَضَبِ: ﴿وجَعَلُوا﴾ أيْ ولَئِنْ سَألْتَهم لِيَقُولُنَّ كَذا اللّازِمُ مِنهُ قَطْعًا لِأنَّهُ لا مِثْلَ ﴿لَهُ﴾ والحالُ أنَّهم نَسَبُوا لَهُ وصَيَّرُوا بِقَوْلِهِمْ قَبْلَ (p-٣٩٩)سُؤالِكَ إيّاهم نِسْبَةً هم حاكِمُونَ بِها حُكْمًا لا يَتَمارَوْنَ فِيهِ كَأنَّهم مُتَمَكِّنُونَ مِن ذَلِكَ تَمَكُّنَ الجاعِلِ فِيهِ يَجْعَلُهُ ﴿مِن عِبادِهِ﴾ الَّذِينَ أبْدَعَهم كَما أبْدَعَ غَيْرَهم ﴿جُزْءًا﴾ أيْ ولَدًا هو لِحَصْرِهِمْ إيّاهُ في الأُنْثى أحَدُ قِسْمَيِ الأوْلادِ، وكُلُّ فَهو جُزْءٌ مِن والِدِهِ، ومَن كانَ لَهُ جُزْءٌ كانَ مُحْتاجًا فَلَمْ يَكُنْ إلَهًا وذَلِكَ لِقَوْلِهِمُ: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ طَيْشُ عُقُولِهِمْ وسَخافَةُ آرائِهِمْ. ولَمّا كانَ هَذا في غايَةِ الغِلْظَةِ مِنَ الكُفْرِ، قالَ مُؤَكِّدًا لِإنْكارِهِمْ أنْ يَكُونَ عِنْدَهم كُفْرٌ: ﴿إنَّ الإنْسانَ﴾ أيْ هَذا النَّوْعَ الَّذِي هم بَعْضُهُ ﴿لَكَفُورٌ مُبِينٌ﴾ أيْ مُبَيِّنٌ الكُفْرَ في نَفْسِهِ مُنادٍ عَلَيْها بِالكُفْرِ بَيانًا لِذَلِكَ لِكُلِّ أحَدٍ، هَذا ما يَقْتَضِيهِ طَبْعُهُ بِما هو عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ بِالشَّهَواتِ والحُظُوظِ لِيُبَيِّنَ فَضْلَ مَن حَفِظَهُ اللهُ بِالعَقْلِ عَلى مَن سِواهُ مِن جَمِيعِ المَخْلُوقاتِ بِمُجاهَدَتِهِ لِعَدُوٍّ وهو بَيْنَ جَنْبَيْهِ مَعَ ظُهُورِ قُدْرَةِ اللهِ الباهِرَةِ بِذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب