الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى ٣٠].
قوله: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ﴾ هذه شرطية، أعني (ما)، جوابها ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾. وقوله: ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: فهو بما كسبت أيديكم، يقول المفسر: (﴿وَمَا أَصَابَكُمْ﴾ خطاب للمؤمنين ﴿مِنْ مُصِيبَةٍ﴾ ) بيان لـ(ما)، قال: (بلية وشدة ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ أي: كسبتم من الذنوب، لكنه عبر بالأيدي؛ لأن أكثر الأفعال تزاول بها ﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِير﴾ [الشورى ٣٠] منها فلا يجازي عليه، وهو تعالى أكرم من أن يثني الجزاء في الآخرة، وأما غير المذنبين فما يصيبهم في الدنيا لرفع درجاتهم في الآخرة).
يقول الله عز وجل: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ﴾ خص المفسر هذا بالمؤمنين. ووجه التخصيص أنه قال: ﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾، والكفار ليسوا أهلًا للعفو، وقوله: ﴿مِنْ مُصِيبَةٍ﴾ قال: (بلية وشدة)، ويشمل المصائب الدينية والمصائب الدنيوية، وأيهما أعظم؟ المصائب الدينية؛ فإنها أعظم من المصائب الدنيوية، فإذا قدر أن أحدًا أصيب بانتكاسة والعياذ بالله فهو أشد من أن يهلك أهله وماله؛ فإن المصائب الدينية أعظم بكثير من المصائب الدنيوية؛ إذ إن المصائب الدنيوية تزول وتُنسَى، كما قال بعضهم: إما أن تصبر صبر الكرام وإما أن تسلوا سلو البهائم؛ لا بد أن تزول، المصائب الدينية والعياذ بالله خسارة في الدنيا والآخرة.
فإن قال قائل: ما هو الدليل على أن الإعراض من المصائب؟ فالدليل قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ [المائدة ٤٩]، فتأمل أن الذنوب صارت سببًا لإعراضهم، والإعراض مصيبة عظيمة. المهم أن قوله: ﴿مِنْ مُصِيبَةٍ﴾ يشمل مصائب الدنيا؛ كتلف المال، وموت الأحبة، والخوف والفقر وما أشبه ذلك، مصائب الدين كالمعاصي والبدع، وكراهة الحق، وكراهة أهل الحق وما أشبه هذا، كله ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾، والمراد: بما كسبتم؛ لأنه قد يكون الكسب باليد، ويكون الكسب بالرجل، ويكون الكسب بالعين، ويكون الكسب بالشم، ويكون الكسب باللسان، لكن عبَّر بالأيدي عن الكل؛ لأن أكثر ما تزاوَل الأعمال باليد، الآن في جلوسنا هذا الرجل تعمل ولَّا ما تعمل؟ ما تعمل، اليد تعمل بلا شك، تأخذ الكتاب ترفعه تنزله تكتب، فهي أكثر الأعمال تزاول باليد، فعبر باليد عن النفس لهذا السبب ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ يعني يعفو عن كثير مما أذنبتم فلا يؤاخذ به.
في هذه الآية فوائد:
* منها: إثبات الأسباب؛ لقوله: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾. وجه ذلك أن الباء هنا للسببية، ففيه إثبات الأسباب.
وإثبات الأسباب ثابت شرعًا وعقلًا وحسًّا، وإنكاره ضلال في الدين وسفه في العقل، أقول: تأثير الأسباب ثابت بالشرع والعقل والحس، ثلاثة أدلة، وإنكاره ضلال في الدين وسفه في العقل، أما ثبوت الأسباب بالشرع فكما قرأنا الآية، والأدلة على هذا لا تحصى لا في القرآن ولا في السنة، وأما ثبوته بالعقل فلأننا نعلم أن كل شيء حادث لا بد أن يكون له سبب يحدثه؛ إما معلوم لنا وإما مجهول، لا بد من هذا، فالطفل لا يمكن أن يخرج ينبت على ظهر بطن الأم، لا بد أن يكون له سبب لوجوده وبقائه، وكذلك كل الحوادث لا بد لها من سبب؛ إما معلوم وإما مجهول، أما الحس فظاهر أن للأسباب تأثيرًا، لو أنك رميت زجاجة بحجر تكسرت، ما الذي كسرها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: تمام إذن لها سبب، لو أوقدت على الماء البارد صار حارًّا، السبب؟ أوقدت عليه، هذا شيء معروف حسًّا، يرى بعض العلماء من سفاهتهم أن الأسباب ليس لها تأثير إطلاقًا، سبحان الله، ما لها تأثير؟ قال: نعم، ما لها تأثير، أليس إذا رميت الزجاجة بالحجر انكسرت الزجاجة؟ قالوا: نعم، لكن حصل الانكسار عند وجود الرمي، لا بوجود الرمي، كيف هذا؟ يقولون: لما لمس الحجر المقذوف الزجاجة لمس انكسر، هل هذا صحيح؟
* طلبة: غير صحيح.
* الشيخ: نعم ما هو صحيح، بدليل أن لو جبت أكبر حجر، كبر الزجاجة ثلاث مرات، ووضعته على الزجاجة وضعًا؛ ما انكسرت، احتراق ما يقبل الاحتراق بالنار لسبب ولَّا لغير سبب؟ لسبب، ضع ورقة في النار تحترق، هذا أمر معقول، يعني أمر مدرك بالحس، يقولون: لا أبدًا، لو أنك أثبت تأثير الأسباب في مسبباتها لكنت مشركًا بالله العظيم، أعوذ بالله! لأنك جعلت مع الله خالقًا، فأقول: لم أجعل مع الله خالقًا، لكني أقول: إن السبب يؤثر لا بنفسه ولكن بما أودعه الله من قوة، ما هو بنفسه والدليل على هذا أن نار إبراهيم، وهي نار عظيمة، أحرقت، جمعوا حطبًا عظيمًا وأوقدوا عليه حتى إنهم رموا إبراهيم بالمنجنيق؛ لأنهم لا يستطيعون أن يحوموا حول هذه النار من حرارتها، ماذا كانت؟ قال الله تعالى لها: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء ٦٩]، فكانت بردًا وسلامًا عليه، فلم تؤثر.
إذن نحن نقول: إنها سبب بما أودع الله فيها من القوة، وليست مؤثرة بنفسها. هناك طرف آخر تطرف قال: الأسباب مؤثرة بنفسها، وهذا هو الذي نقول: إن في قوله نوعًا من الشرك، وليست الأسباب مؤثرة بنفسها، الدليل هو نار إبراهيم. فعلى كل حال نحن نؤمن بأن للأسباب تأثيرًا بما أودعه الله فيها من القوى المؤثرة، وأن هذه القوى قد لا تؤثر إذا أراد الله عز وجل: ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾.
قلنا: من فوائدها: إثبات الأسباب؛ لقوله: ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإنسان يجازى على كسبه بمثل كسبه؛ لأنه إذا كان بما كسب فلا بد أن يكون على قدر ما كسب، فإن كان أزيد كان ظلمًا، والله سبحانه وتعالى لا يظلم أحدًا.
* ومن فوائد الآية: جواز التعبير بالبعض عن الكل؛ لقوله: ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾، مع أنه يشمل ما كسبه الإنسان برجله، كمشيه إلى بيوت الدعارة والخمر وما أشبه ذلك، فإنه يؤاخذ عليه.
فإذا قال قائل: هل كل بعض يجوز أن يعبر به عن الكل؟
فالجواب: لا، ولكن بشرط أن يكون لهذا البعض تأثير على الكل.
فكسب اليد له تأثير بلا شك؛ لأن أكثر الأعمال بها؛ أعتق رقبة، المراد أن أضرب بصفحة رقبة العتيق وأقول: أنت أيتها الرقبة عتيقة، صح؟ خطأ، لكن عبر بالرقبة عن الكل؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يعيش بدون رقبة، ولأن الرقبة محل القتل التي إذا فصلت عن البدن هلك الإنسان. الخلاصة جواز التعبير بالبعض عن الكل، بشرط أن يكون له أثر فيما عبر عنه به.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله يعفو عن كثير من الذنوب، فلا يؤاخذ بها؛ لقوله: ﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ لكن هل هذا العفو مضمون؟ لا، غير مضمون، والدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨] فلا يأخذك الأمن من مكر الله أن تقول: إن هذا الذنب مما يعفو الله عنه وتفعل الذنب، هذا غرور واغترار؛ لأن قوله: ﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ مقيد بقوله: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.
قال المفسر: (وهو تعالى أكرم من أن يثني الجزاء في الآخرة) مراده رحمه الله أن المصائب التي تصيبنا بذنوبنا لا نعاقب على ذنوبنا في الآخرة تكفي المصائب، هذا ظاهر الآية؛ لأن قوله: ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ يدل على أن هذه المصيبة هي الجزاء، وإذا كانت هي الجزاء فلن يثني الله الجزاء في الآخرة؛ لأنه أكرم من أن يثني الجزاء، وهذا صحيح أن ما أصيب به الإنسان في الدنيا فهو كفارة عن ذنوبه، إذا أقيم عليه الحد في معصية فيها حد فهو كفارة، إذا عُزر على ذنب ليس فيه حد فهو كفارة، إذا أصابته مصيبة عن هذه الذنوب فهي كفارة، فلا يعيد الله عليه العقوبة في الآخرة إلا ذنبًا واحدًا، وهو السعي في الأرض فسادًا، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة ٣٣] فهذا مستثنى، وذلك لفداحة هذا النوع من الذنوب، فإن الفساد في الأرض ليس بالأمر السهل، فجعل الله هؤلاء المحاربين المفسدين في الأرض لهم عقوبتين: العقوبة بقطع الأعضاء، والثانية: ﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ [المائدة ٣٣، ٣٤].
قال المفسر: (أما غير المذنبين فما يصيبهم في الدنيا لرفع درجاتهم في الآخرة) هذا الكلام يوحي بأن هناك أناسًا كثيرين غير مذنبين، نعم وهذا عند التأمل فيه نظر؛ لأنه ما من إنسان إلا يصاب بذنب، حتى إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»[[أخرجه مسلم (٢٧٤٩ / ١١) من حديث أبي هريرة.]] »، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»[[أخرجه الترمذي (٢٤٩٩) وابن ماجه (٤٢٥١) من حديث أنس بن مالك.]]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نفسه: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كلُهَّ؛ دِقَّهُ وَجُلَّهُ، عَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ»[[أخرجه مسلم (٤٨٣ / ٢١٦) من حديث أبي هريرة.]]، وقال الله لنبيه يخاطبه: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح ١، ٢]، فهل يمكن أن يجرؤ أحد فيقول: إن الرسول لم يذنب والله عز وجل يقول: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾؟ لا يمكن، يعني ما يمكن أن تقول: لا ذنب له حتى يمن الله عليه بمغفرته له، نعم الرسل معصومون من شيء ليس لغيرهم، وهو الاستمرار في الذنب، هذا لا يمكن، لا بد أن يعفو الله عنهم؛ إما باستغفارهم وتوبتهم إلى الله، وإما بمنة الله عليهم، قال الله عز وجل لنبيه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ [التحريم ١، ٢]، وقال له: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ [التوبة ٤٣]، هذا وهو النبي عليه الصلاة والسلام يقول الله له: لمَ استعجلت فأذنت لهم. وهذه آية عظيمة ترتب سير الإنسان ألا يتعجل في الأمور. إذا كان الله عاتب نبيه لأنه أذن لهم قبل أن يتبين له الأمر، فما بالكم بغيره، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب ٣٧]، نعم، الرسل عليهم الصلاة والسلام معصومون من كبائر الذنوب، معصومون من الشرك، معصومون من سفاسف الأخلاق، أما المعاصي التي دون ذلك فإنهم غير معصومين منها، ولكنهم معصومون من الاستمرار فيها، وهذا شيء ليس لغيرهم. نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أتباعهم، إنه على كل شيء قدير.
إذن قول المؤلف: (أما غير المذنبين) غير مسلم؛ لأنه ما من أحد إلا ويذنب كما سمعتم الأحاديث في هذا، وعليه فهذا الكلام من المؤلف غير وارد، نعم من الناس من تكون له ذنوب وأعمال صالحة تكفر الذنوب دون أن يصاب بمصيبة، هذا واقع كثيرًا، حكى رجل للنبي ﷺ أنه رأى امرأة وأصاب منها ما يصيب الرجل من امرأته غير أنه لم يزن بها، فقال: «أَشَهِدْتَ مَعَنَا صَلَاةَ الْفَجْرِ» أظن قال: نعم، قال له: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢٦)، ومسلم (٢٧٦٣ / ٣٩) من حديث ابن مسعود.]]، فصلاته الفجر أذهبت السيئات، وكذلك قال النبي ﷺ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ»[[أخرجه مسلم (٢٣٣ / ١٦) من حديث أبي هريرة.]].
قبل أن ندخل في الدرس الثاني أود أن أنبهكم يا إخواني، أنتم طلبة علم جئتم من بلادكم إلى هنا لطلب العلم، وأنتم في بلادكم تطلبون العلم، أليس كذلك؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: لكن ما فائدة العلم؟ أفائدة العلم أن يكون الإنسان نسخة من كتاب يحفظ ويجمع في دماغه ما يجمع، أم فائدة العلم العمل؟ الثاني، لا خير في علم لا عمل فيه، والعلم بدون عمل به حجة على الإنسان؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ»[[أخرجه مسلم (٢٢٣ / ١) من حديث أبي مالك الأشعري.]]، ما فيه قسم ثالث، وإذا عمل الإنسان بعلمه ورَّثه الله تعالى علم ما لم يكن يعلمه من قبل، كما قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾ [محمد ١٧] أي: علمًا ﴿وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد ١٧] أي صاروا متقين لله عز وجل، العمل بالعلم مهم، والمقصود من العلم أن يتربى الإنسان به حتى يكون عالمًا ربانيًّا. أنا أنقم من بعضكم أنهم يدَعون شيئًا مهمًّا وسهلًا، وهو إفشاء السلام، نشاهد الآن الواحد منكم يمر بزميله وهو واقف ولا يقول: السلام عليكم، لماذا؟ أرغبة عن السنة أم زهدًا في الأجر؟ أنا ما أدري، أم إيجاد سبب للكراهة والعداوة؟ لأن الإنسان إذا مر بك ولم يسلم لا بد أن يكون في قلبك شيء، إلا من تحجر قلبه واعتاد عدم السلام فهذا ميت.
ثم إن النبي ﷺ أقسم قال: «وَاللهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا» داخل بالقسم «أَفَلَا أَدُلُّكُمْ -أَوْ قَالَ: أُخْبِرُكُمْ- بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؛ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»[[أخرجه مسلم (٥٤ / ٩٣) من حديث أبي هريرة.]] لماذا لا نفشيه بيننا؟ مع أن المسلم إذا سلم يأتيه كم؟ عشر حسنات، وأظن لو أن أحدكم قيل له: كلما سلمت أعطيناك درهمًا ريالًا واحدًا، يسلم ولَّا ما يسلم؟ يسلم، ويتردد مرة ومرة علشان أيش؟ تكثر الدراهم، مع أن هذه الدراهم اللي يحصِّلها زائلة في الواقع، كل ما تملكه من الدنيا فإما أن يزول عنك وإما أن تزول عنه ولا بد، لكن الحسنة تبقى لك وتجدها أشد ما تكون حاجة إليها، أوصيكم بالعمل، بالعلم، فإن لم تعملوا فأنتم نسخ كالكتب في الجدران، ومع ذلك الكتب في الجدران سالمة، أما أنتم إذا لم تعلموا فغير سالمين، والله غير سالمين، اعملوا، تربوا بالعلم في عبادة الله، وفي معاملة عباد الله، وفي معاملة أنفسكم أيضًا، هذه نصيحة أرجو ألا تغيب عن بالكم، فإنها إن شاء الله مفيدة، والله الموفق.
* طالب: فيه إشكال، وهو أن بعض الإخوان يكون جالسًا في مكان يقرأ أو يكتب، ثم الإنسان يريد حاجة من مكان آخر يمر عليه ويرجع، هل كلما مر ورجع يخشى أنه يقاطعه؟
* الشيخ: لا، أولًا إذا رأيت إنسانًا مشغولًا وتخشى أنك إن سلمت عليه شوشت عليه لا تسلم، لماذا؟ لأن هذا من مصلحته، ولهذا قال الفقهاء: يُكرَه السلام على إنسان مشتغل بذكر أو أكل أو غيرهما.
* طالب: في هذه الحالة لا حرج.
* الشيخ: لا حرج، لكن ما أريد أنا هذه الحالة ربما يكون الذي لم يسلم عليه أفرح منه ممن لو سلم عليه، لكن يتلاقون ماشيين أو واحد بيلبس حذاءه ومر الإنسان من عنده وتجاوزه ما يسلم، ليش ما يسلم؟ ويش يضره؟ والله الواحد يعني يكاد يتقطع أنه يشوف طلبة علم يمر بعضهم من بعض ولا يسلم.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما فيه شك نعم.
* طالب: بعضهم يا شيخ تسلم عليه يطلع فيك، يعني ينظر إليك؟
* الشيخ: نظر غضب؟
* طالب: ما أدري كيف يا شيخ من أول رأسك إلى أخمص قدميك وبعدين وكأنما مر عليه جدار..
* الشيخ: هذا صحيح، يقول: بعض الناس إذا سلمت جعل ينظر إليك، السبب أن هذه السنة ميتة عنده ما يعرف.
* طالب: جماعة ملتزمون من الذين يرتادون المسجد من الطلبة؟
* الشيخ: لا، هذا غلط، أما العوام فنعم، بعض العوام لو سلمت عليه يقف، ويش العلم؛ لأنهم ما اعتادوا هذا، أما طالب العلم فهذا ما له حق.
* طالب: (...).
* الشيخ: إذا كانوا جالسين هكذا صفًّا سلم عند أولهم ويكفي.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، نبهتنا للسلام، أحسن الله إليك، كثيرًا الطلبة يا شيخ حريصون على السلام، وبعضهم قد ينسى أحيانًا، لكن السلام أحيانًا يرد لكن ما تفهم من هذا الرجل سلم أو تنحنح؛ لأنه عادة الواحد لما يقول: السلام عليكم يأتي الرد مثله، لما يقول السلام عليكم تقول: عليكم السلام ورحمة الله هكذا، لكن الواحد لما يقول: إهه ما تدري هل سلم ولا تنحنح، ما تدري، أحيانًا يكون الرد كذلك هكذا، واحد يقول: السلام عليكم وهو ما رد؟
* الشيخ: لا، لا بد من البيان، لا هو على كل حال الاشتباه بين التنحنح والسلام غير وارد.
* طالب: لا ينطق بها يا شيخ.
* الشيخ: نعم هو ربما أنه يهمس بها همسًا، وهذا غلط، سلم سلامًا واضحًا، كما أن بعض الناس بالسيارات الآن إذا لقوك يضرب بوري، معناه لو معي بوري ضربت بوري علشان أرد عليه، هذا غلط أيضًا، لكن ربما يقول بعض الناس: إنه يضرب بوري حتى أنتبه ويسلم.
* طالب: لو بلي إنسان ببدعة فكيف تكفر ذنوبه وهي تزيد الذنوب؟
* الشيخ: البدعة ما تكفر الذنوب، تزيد في الذنوب.
* طالب: بتلك المصائب يا شيخ.
* الشيخ: إي هذه مصيبة، لكنها مصيبة تحتاج إلى توبة، يعني المصائب الدينية مصيبة لا شك أن الإنسان إذا أصابه الفتور في الطاعة أو مثلًا الإعراض عن الطاعة لا شك أنها مصيبة، لكنها لا يقر عليها يجب أن يهرب منها كما يهرب من المصائب الحسية.
* طالب: هناك إشكال.
* الشيخ: ويش فيه؟
* طالب: إذا كان الإنسان يقرأ كتب العلماء ثم يرد عليه النسيان لكثير من الأقوال، وهل يفرق بين نسيانه القرآن ونسيان غيره؟
* الشيخ: إي معلوم.
* طالب: وهل هذا من الذنوب؟
* الشيخ: النسيان ما يخلو منه الإنسان، حتى النبي ﷺ قرأ ذات يوم ونسي آية من كتاب الله، ما أحد يسلم منه، لكن القرآن تجب العناية به، أكثر لأمر النبي ﷺ بتعهده، والقرآن أكثر الأشياء نسيانًا، يعني تحفظ مثلًا متنًا من متون الفقه ما يحتاج إلى تعاهد كثير، القرآن لا بد أن تعاهده كثيرًا وإلا نسيته، قال النبي ﷺ: «تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا أَوْ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠٣٣)، ومسلم (٧٩١ / ٢٣١) من حديث أبي موسى الأشعري.]]، والحكمة من ذلك من كون أن القرآن ينسى أكثر من غيره:
أولًا: الابتلاء ليعلم الله تبارك وتعالى من هو راغب في حفظ القرآن أو غير راغب.
ثانيًا: كثرة الأجر والثواب بترداده؛ فإن في كل حرف عشر حسنات.
ثالثًا: أن يبقى ذكر الله تعالى في قلبك؛ لأن القرآن كلام الله، فإذا كنت تقرأ القرآن فكأنما تناجي الله عز وجل؛ لأنك تقرأ كلامه سبحانه وتعالى. ولهذا جعل الله تعالى من الحكمة أن ينسى سريعًا حتى تحرص عليه.
* طالب: حديث يا شيخ أن النبي ﷺ عندما جاءه ملكان في المنام، فمر على الذين يعذبون في قبورهم، أو رجل آتاه القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به بالنهار[[أخرجه البخاري (١٣٨٦) من حديث سمرة بن جندب.]]، هل يدل هذا على وجوب قيام الليل على صاحب القرآن؟
* الشيخ: لا، ما يجب، لكن لعل هذا له صفة خاصة هذا الرجل، أو يقال: نام عنه في الليل، يعني عن الواجب فيه؛ كصلاة العشاء مثلًا وصلاة الفجر؛ لأن المنافقين لا يصلون الفجر ولا العشاء.
* طالب: يقولون: إن بعض السنن تجب على طالب العلم؟
* الشيخ: لا، نعم بعض السنن صحيح تجب على طالب العلم إذا كان عمله إياها إحياء للسنة، فهنا يجب عليه فعلها؛ لأن هذا من باب البلاغ.
{"ayah":"وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق