الباحث القرآني
ولَمّا ذَكَّرَهم سُبْحانَهُ بِنِعَمِهِ، وكانَ السِّياقُ لِتَعْدادِ ما ناسَبَ مَقْصُودَ هَذِهِ السُّورَةِ مِنها، كانَ الفِكْرُ جَدِيرًا بِأنْ يَخْطُرَ لَهُ ما في الدُّنْيا مِنَ الأمْراضِ والأنْكادِ والهُمُومِ والفُهُومِ بِالإشْقاءِ فِيها والإسْعادِ، قالَ شافِيًا لِعَيِّ سُؤالِهِ عَنْ ذَلِكَ بِبَيانِ ما فِيهِ مِن نِعْمَتِهِ عَلى وجْهٍ دالٍّ عَلى تَمامِ قُدْرَتِهِ، عاطِفًا عَلى ما هو مَضْمُونُ ما مَضى بِما تَقْدِيرُهُ: فَهو الَّذِي خَلَقَكم ورَزَقَكم وهو المُتَصَرِّفُ فِيكم بَعْدَ بَثِّكم بِالعافِيَةِ والبَلاءِ تَمامَ التَّصَرُّفِ، فَلا نِعْمَةَ (p-٣١٥)عِنْدَكم ولا نِقْمَةَ إلّا مِنهُ، ولا يَقْدِرُ أصْحابُها عَلى رَدِّها ولا رَدَّ شَيْءٍ مِنها فَهو ولِيُّكم وحْدَهُ ﴿وما أصابَكُمْ﴾ واجَهَهم بِالخِطابِ زِيادَةً في تَقْرِيبِ الطّائِعِ وتَبْكِيتِ العاصِي، وعَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن مُصِيبَةٍ﴾ وأخْبَرَ عَنِ المُبْتَدَأِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَبِما﴾ أيْ كائِنٍ بِسَبَبِ الَّذِي - هَذا عَلى قِراءَةِ نافِعٍ وابْنِ عامِرٍ، وإثْباتِ الفاءِ في الباقِينَ زِيادَةً في إيضاحِ السَّبَبِيَّةِ فَقَرَءُوا ”فَبِما“ لِتَضَمُّنِ المُبْتَدَأِ الشَّرْطَ أيْ فَهو بِالَّذِي.
ولَمّا كانَتِ النُّفُوسُ مَطْبُوعَةً عَلى النَّقائِضِ، فَهي لا تَنْفَكُّ عَنْها إلّا بِمَعُونَةٍ مِنَ اللهِ شَدِيدَةٍ، وكانَ عَمَلُها كُلُّهُ أوْ جُلُّهُ عَلَيْها، فَعَبَّرَ بِالفِعْلِ المُجَرَّدِ إشارَةً إلى ذَلِكَ فَقالَ: ﴿كَسَبَتْ﴾
ولَمّا كانَ العَمَلُ غالِبًا بِاليَدِ قالَ: ﴿أيْدِيكُمْ﴾ أيْ مِنَ الذُّنُوبِ، فَكُلُّ نَكَدٍ لاحِقٍ إنَّما هو بِسَبَبِ ذَنْبٍ سابِقٍ أقَلُّهُ التَّقْصِيرُ، رَوى ابْنُ ماجَةَ في سُنَنِهِ وابْنُ حِبّانَ في صَحِيحِهِ - والحاكِمُ واللَّفْظُ لَهُ - وقالَ: صَحِيحُ الإسْنادِ - عَنْ ثَوْبانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ:
«لا يَرُدُّ القَدَرَ إلّا الدُّعاءُ ولا يَزِيدُ في العُمْرِ إلّا البِرُّ، وإنَّ الرَّجُلَ لِيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» فالآيَةُ داعِيَةٌ لِكُلِّ أحَدٍ إلى المُبادَرَةِ عِنْدَ وُقُوعِ المُصِيبَةِ إلى مُحاسَبَةِ النَّفْسِ لِيَعْرِفَ مِن أيْنَ جاءَ تَقْصِيرُهُ، (p-٣١٦)فَيُبادِرُ إلى التَّوْبَةِ عَنْهُ والإقْبالِ عَلى اللهِ لِيُنْقِذَ نَفْسَهُ مِنَ الهَلَكَةِ، وفائِدَةُ ذَلِكَ وإنْ كانَ الكُلُّ بِخَلْقِهِ وإرادَتِهِ إظْهارُ الخُضُوعِ والتَّذَلُّلِ واسْتِشْعارُ الحاجَةِ والِافْتِقارِ إلى الواحِدِ القَهّارِ، ولَوْلا وُرُودُ الشَّرِيعَةِ لَمْ يُوجَدْ سَبِيلٌ إلى الهُدى، ولا إلى هَذِهِ الكَمالاتِ البَدِيعِيَّةِ، ومِثْلُ هَذِهِ التَّنْبِيهاتِ لِيَسْتَخْرِجَ مِنَ العَبْدِ ما أوْدَعَ في طَبِيعَتِهِ ورَكَّزَ في غَرِيزَتِهِ كَغَرْسٍ وزَرْعٍ سَبَقَ إلَيْهِ ماءٌ وشَمْسٌ لِاسْتِخْراجِ ما أوْدَعَ في طَبِيعَتِهِ مِنَ المَعْلُوماتِ الإلَهِيَّةِ والحِكَمِ العَلِيَّةِ.
ولَمّا ذَكَرَ عَدْلَهُ، أتْبَعَهُ فَضْلَهُ فَقالَ: ﴿ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ ولَوْلا عَفْوُهُ وتَجاوُزُهُ لِما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِن دابَّةٍ ويَدْخُلُ في هَذا ما يُصِيبُ الصّالِحِينَ لِإنالَةٍ دَرَجاتٍ وفَضائِلَ وخُصُوصِيّاتٍ لا يَصِلُونَ إلَيْها إلّا بِها لِأنَّ أعْمالَهم لَمْ تَبْلُغْها فَهي خَيْرُ واصِلٍ مِنَ اللهِ لَهُمْ، وقِيلَ لِأبِي سُلَيْمانَ الدّارانِيِّ: ما بالُ العُقَلاءِ أزالُوا اللَّوْمَ عَمَّنْ أساءَ إلَيْهِمْ؟ قالَ: لِأنَّهم عَلِمُوا أنَّ اللهَ ابْتَلاهم بِذُنُوبِهِمْ - وقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ.
{"ayah":"وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق