الباحث القرآني
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر ١٩].
يعلم: الفاعل هو الله عز وجل.
خائنة الأعين: هذا من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، أي: الأعين الخائن، وخيانة العين: مسارقتها النظر إلى الشيء المحرم، يعني أن الإنسان قد ينظر إلى شيء محرم وجليسه إلى جنبه لا يشعر بذلك؛ لأنه يسارقه النظر، كأنما يتحين الفرص في غفلة صاحبه حتى ينظر إلى ما حرم الله عز وجل. هذه واحدة.
ثانيًا: قد ينظر الإنسان النظر بدون مسارقة بل بمجاهرة ولا يحس جليسه أنه ينظر نظرًا محرمًا، لذلك حذر الله عز وجل من هذه الحال فقال: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾ قال المفسر: (بمسارقتها النظر إلى محرم ﴿وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر ١٩] القلوب)، فسر المؤلف الصدور بالقلوب لأنها في الصدور؛ كما قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج ٤٦] فبين الله عز وجل هنا دقة علمه ولطف علمه بأنه يعلم حتى هذه الحال التي لا يعلمها الناس الذين يشاهدون ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر ١٩].
﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [غافر ٢٠] ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ الجملة معطوفة على قوله: ﴿يَعْلَمُ﴾.
﴿يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ أي: يحكم به شرعًا وقدرًا؛ لأن القضاء، أعني قضاء الله عز وجل، على قسمين:
قضاء كوني: كقوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء ٤].
وقضاء شرعي؛ كقوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء ٢٣]، قضى يعني قضاء شرعيًّا، ومعناها: وصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه، فهنا يقول الله يقضي بالحق.
هل المراد القضاء الكوني أو القضاء الشرعي؟ المراد الأمران جميعًا، أي أنه يقضي قضاء كونيًّا بالحق، فليس في قضائه الكوني عبث ولا لعب ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الدخان ٣٨، ٣٩].
وكذلك يقضي قضاء شرعيًّا بالحق، فقضاؤه سبحانه وتعالى الشرعي كله حق؛ لأنه خير، فيأمر به أو شر فينهى عنه، وهذا هو الحق.
إذن الله يقضي بالحق بالنوعين القضاء الكوني والقضاء الشرعي.
﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ [غافر ٢٠] الواو هنا عاطفة، ويجوز أن تكون استئنافية.
﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ قال: (يعبدون، أي: كفار مكة، بالياء والتاء) هنا تفسير لكلمة ﴿يَدْعُونَ﴾، وتفسير للضمير الواو، وقراءة.
أما القراءة فقد ذكر المؤلف أن فيها قراءتين: القراءة الأولى ﴿يَدْعُونَ﴾ بالياء، والقراءة الثانية ﴿تدْعُونَ﴾ بالتاء على سبيل المخاطبة، وكلاهما قراءتان سبعيتان.
وأما ﴿يَدْعُونَ﴾ ففسرها بكلمة يعبدون.
والصواب أن المراد بها يعبدون ويسألون؛ لأنهم هم يعبدون الأصنام ويسألونها جلب المنافع ودفع المضار، ويعبدونها أيضًا بالركوع والسجود والنذور وغير ذلك.
وأما الواو ففسرها المؤلف بكفار مكة، فجعل الضمير عائدًا إلى كفار مكة، وهنا نسأل: هلَّا يوجد أحد يعبد الأصنام ويدعو الأصنام إلا كفار مكة؟ يوجد منهم ومن غيرهم، وإذا كان كذلك فإن تفسير العام بالخاص نقص في التفسير، فالتفسير المطابق للواو أن تكون عامة لكل من يدعو من دون الله من كفار مكة أو كفار المدينة أو كفار الطائف أو كفار العراق أو كفار الشام أو كفار هذه الأمة أو كفار من قبلها، عامة كل من يدعو من دون الله فإنه يدعو من لا يقضي بشيء.
وقوله: ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ [غافر ٢٠] أي: من دون الله، والدون هنا بما سوى، أي: من سوى الله عز وجل، وهم الأصنام، هنا قال المؤلف: (وهم الأصنام)، وكان مقتضى اللغة العربية أن يقول: وهي الأصنام؛ لأن الجمع لغير ما يعقل لا يعود عليه ضمير ما يعقل، هم للعقلاء ولا لغير العقلاء؟ للعقلاء، ولكن المؤلف عدل عن الأصل وهي الأصنام؛ لمراعاة قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ كما تعرفون هذه للعاقل؛ وذلك أن الله تعالى جعل هذه المعبودات نزلها منزلة العقلاء، ومع كونها منزلة منزلة العقلاء لا تقضي بشيء.
﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾، ولم يقابل هذه الجملة بالجملة التي قبلها، بل جعلها أعم، في الجملة الأولى قال: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ وهنا قال: ﴿لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ ولم يقل: لا يقضون بالحق، إشارة إلى أنها لا تقضي لا بحق ولا بباطل، فليست أهلًا لأن تعبد من دون الله عز وجل.
﴿لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ أبدًا لا شرع ولا قدر ولا حق ولا باطل، فكيف يكونون شركاء لله؟ هذا محط النفي، يعني إذا كانت هذه الأصنام لا تقضي بشيء فكيف تجعل شريكة لله، وهذا يعني توبيخ هؤلاء الذين يعبدون هذه الأصنام من دون الله.
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ﴿السَّمِيعُ﴾ لأقوالهم ﴿الْبَصِيرُ﴾ بأفعالهم.
وهو في قوله: ﴿هُوَ السَّمِيعُ﴾ يجوز أن تكون ضمير فصل، ويجوز أن تكون مبتدأ، والجملة خبر (إن)، لكن هي ضمير فصل أحسن منها مبتدأ.
يقول الله عز وجل: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر ١٩].
* في هذه الآية فوائد: منها: عموم علم الله عز وجل بكل شيء، حتى في الأشياء الخفية يعلمها عز وجل.
* ومنها، أي: من الفوائد: لطف علم الله ودقة علم الله، وأنه يصل إلى أشياء لا تصل إليها علوم الآخرين، وهي خيانة الأعين وما تخفيه الصدور، فإن هذا لا يعلمه إلا الله، حتى الذي إلى جنبك لا يعلم.
* ومنها: التحذير من مخالفة أمر الله، وجهه: أنه يعلم، فإياك إياك أن تخالف الله عز وجل لا في سرك ولا في جهرك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن القلوب في الصدور؛ لقوله: ﴿وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر ١٩]، والإخفاء والإسرار يكون بالقلب، فلهذا قال: ﴿وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾.
ثم قال: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ إلى آخره.
* من فوائدها: إثبات أن قضاء الله تعالى كله حق؛ لقوله: ﴿يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ سواء كان القضاء كونيًّا أم شرعيًّا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على الله عز وجل بهذه الصفة الكاملة، وهي قضاء الحق، وأنه لا يفعل شيئًا سدى أو عبثًا، بل كل ما يقضيه فإنه حق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التنديد بعباد الأصنام، حيث عبدوا مع الله من ليس بشيء بالنسبة لله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذه الأصنام لا تنفع عابديها إطلاقًا؛ لقوله: ﴿لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾، وشيء نكرة في سياق النفي فتعم كل شيء.
فإن قال قائل: إن من القوم الذين يدعون مع الله إلهًا آخر من إذا دعوا هذه الأصنام أجابتهم، فإذا دعوها لكشف الضر انكشف الضر عنهم، ومن الناس من إذا خالف هذه الأصنام أصيب ببلاء، فما هو الجواب؟
الجواب أن يقال: هذا الذي يحصل يحصل من الله عز وجل، لا من هذه الأصنام ابتلاء وامتحانًا، ويقال فيه: إنه حصل عند ذلك، لا به، يعني حصل هذا القضاء من الله عز وجل عند دعاء هذه الأصنام، لا بدعاء هذه الأصنام.
فإن قال قائل: لماذا تعدلون عن السبب الظاهر إلى سبب آخر لا يعلم؟
قلنا: عدلنا إلى ذلك؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾، وبقوله تعالى: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر ١٤]، وبقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف ٥ ، ٦]، وإلا فإن العامي قد يأتي إلى صاحب القبر ويقول: يا سيدي، يا ولي الله، يا مولاي، أنقذني من هذه البلية، أنقذني من هذه الضائقة، فيذهب إلى بيته ويجد الأمر قد انفرج، هو على كل حال سوف يضيف هذا الانفراج إلى السبب الظاهر الذي قام به، وهو دعاء هذا القبر حتى انفرجت عنه الغمة.
فنقول: هذه فتنة، ونعلم علم اليقين أنه -أي صاحب القبر- ليس هو الذي كشف الضر، وإنما الذي كشفه الله عز وجل، لكن حصل الكشف عند دعاء صاحب القبر، لا بدعائه.
انتبهوا لهذا؛ لأنه دائمًا يوردون علينا أصحاب القبور هذه الشبهة، يقول: أنا دعوت السيد الفلاني فاستجاب لي وانكشفت الغمة، وواحد كنا قد أتينا من مكة إلى المدينة في زمان مضى طويل، فلما أقبلنا على المدينة قاموا يدعون، ويدعون الرسول، خافوا الله يا جماعة -وكان ذاك الوقت الإنسان صغيرًا لم يترعرع بعد- اتقوا الله، ادعوا الله، قالوا: لا، هذا سيدنا، واحد من الناس انفتح بطنه وتدلت أقتابه وضاقت به الأرض ذرعًا، فقالوا: اذهب إلى نبي الله، فذهب فلما أقبل على المدينة دعا الله فدخلت الأمعاء وانسدت البطن.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا دعا النبي، لما أقبل على المدينة دعا النبي قال: يا رسول الله، أنقذني، البطن منفرج، والأمعاء متدلية، فدخلت الأمعاء في البطن وانسد البطن.
هذه أولًا القصة من يقول: إنها صدق، ثم على فرض على أنها صارت صدقًا هل هذا حصل بدعاء الرسول؟ أبدًا ما حصل، الرسول لا يملك هذا أبدًا، في حياته ربما يريهم الله آية من آيات الرسول فيحصل مثل هذا،« كما حصل في عين أبي قتادة أصيبت فندرت حتى صارت على خده، فأدخلها النبي عليه الصلاة والسلام في مكانها والتأمت في الحال»[[أخرجه أبو يعلى في المسند (١٥٤٩) وفي المفاريد (٦١)، والطبراني في الكبير (١٩ / ٨) (١٢)، والبيهقي في دلائل النبوة (١٠٤٣ ، ١١٨٤) من حديث قتادة بن النعمان.]]، وهذه آية من آيات الله، ولكنها حدثت في حياته، أما بعد موته فلا.
المهم أن الله تعالى قد يجعل الشفاء عقب دعاء صاحب القبر ابتلاءً وامتحانًا، فيصدق الإنسان بالحس ويكذب الشرع، يصدق بالحس، وهو بناء هذا الأمر على الشيء الظاهر ويكذب بالشرع.
فإن قال قائل: هل لهذا نظائر؟ قلنا: نعم، قد يبتلي الله الإنسان بتيسير أسباب المعصية ابتلاء ليعلم الله من يخافه بالغيب، كما ابتلى بني إسرائيل بالحيتان، حرم الله عليهم صيد الحوت في يوم السبت وابتلاهم، فكانت الحيتان يوم السبت تأتي شرعًا على الماء بكثرة، وفي غير يوم السبت لا تأتي، فطال عليهم الأمد وقالوا: لا بد أن نصطاد هذا السمك، ولكن يوم السبت محرم علينا، ويش العمل؟ قال: فيه حيلة -واليهود أصحاب حيل- ضعوا شبكة يوم الجمعة وتأتي الحيتان يوم السبت تدخل وخذوا الحيتان يوم الأحد، وقولوا لله: إننا لم نصطد يوم السبت، فماذا عوملوا به؟ ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة ٦٥] قلبهم الله عز وجل إلى شيء يشبه الإنسان وليس بإنسان، كما صنعوا شيئًا يشبه الحل وليس بحل، جزاءًا وفاقًا.
هذه الأمة حرم الله عليهم الصيد في حال الإحرام، فابتلاهم الله، بدأت الصيود تأتي بكثرة، الصيد الطائر يناله الرمح، والصيد الزاحف تناله اليد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ﴾ [المائدة ٩٤] فصارت الصيود الطائر يناله الإنسان برمحه، مع أنه لا ينال الطائر إلا بالسهم، والزاحف باليد، فالصحابة رضي الله عنهم تجنبوا هذا، لا أمسكوا باليد ولا صادوا بالرمح.
فأنت احذر أيها المسلم أن تنخدع إذا تيسرت لك أسباب المعصية، فإن الله تعالى قد يبتليك، ربما يبتلي الله الإنسان بوظيفة يستطيع أن يسرق فيها من بيت المال؛ إما سرقة حقيقية، يعني يأخذ دراهم، وإما سرقة غير مباشرة بأن يتأخر عن الدوام، أو يتعجل في الخروج؛ لأن من فعل ذلك فهو سارق، إذا قدرنا أنه يتأخر عن الدوام بمقدار السدس، أو يتعجل بمقدار السدس، كم سرق من راتبه؟ سرق سدسًا؛ لأنه إذا تأخر السدس لا يستحق من الراتب إلا خمسة أسداس فقط، والباقي يأخذه بغير حق، هو مطمئن؛ لأنه ليس فوقه أحد، هو المدير مثلًا، أو مطمئن لأن مديره يتأخر، ومعلوم أن المدير إذا كان يتأخر ويتأخر من تحته أنه لا يقول لهم شيئًا؛ لأنه لو قال لهم شيئًا فضح نفسه.
إذن احذر أن تغتر إذا يسر الله لك أسباب المعصية؛ فإن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، لا تغتر بهذا الشيء.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: النداء الصارخ على سفاهة هؤلاء القوم الذين يعبدون من دون الله، من أين يؤخذ؟ لكونهم عدلوا عن عبادة من يقضي بالحق إلى عبادة من لا يقضي بشيء، وهذا في غاية السفه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله هما: السميع والبصير.
وإثبات ما دلا عليه من صفة، وإثبات ما دلا عليه من أثر أو من حكم.
وذلك أن أسماء الله عز وجل لا يتم الإيمان بها إلا بالإيمان بأمور ثلاثة -إذا كانت متعدية-: الأول: إثبات الاسم، والثاني: إثبات ما دل عليه من الصفة، والثالث: إثبات ما دل عليه من أثر أو من حكم، هذا إذا كان متعديًا.
أما إذا كان لازمًا فلا يتم الإيمان به إلا بأمرين: إثبات الاسم، وإثبات ما دل عليه من صفة.
السميع لازم أو متعدٍّ؟
* طلبة: لازم.
* طلبة آخرون: متعدٍّ.
* الشيخ: كيف لازم، متعد؟ إذن بدي القسم الثالثة، لا لازم ولا متعد.
هل هو لازم أو متعد؟
* الطلبة: متعد.
* الشيخ: متعد، ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ﴾ ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ [المجادلة ١] متعد، إذن لا بد أن تؤمن بالسميع اسمًا من أسماء الله.
وهل هناك أحد أنكر الأسماء؟ نعم، فيه من المعطلة المنتسبين للملة الإسلامية من ينكر أسماء الله.
وأن تؤمن بما دل عليه من صفة، وهي السمع، فليس الله تعالى سميعًا بلا سمع، بل هو سميع بسمع.
وهل أحد أثبت الاسم دون الصفة؟ نعم المعتزلة، قاعدتهم إثبات الأسماء وإنكار الصفات التي دلت عليها هذه الأسماء.
فيقولون: إن الله سميع بلا سمع، بصير بلا بصر؛ سبحان الله! كيف بصير بلا بصر؟! قال: نعم بصير بلا بصر؛ لأنك إذا أثبت البصر فالبصر صفة زائدة على الذات، أو لا؟ الصفة غير الموصوف، فإن قلت: إنها قديمة أثبت تعدد القدماء، وصرت أكفر من النصارى، النصارى كم أثبتوا؟ ثلاثة آلهة، أنت الآن تبغي تثبت خمسين إلهًا أو أكثر بقدر الأسماء اللي يثبت لها الصفة، وهذا كفر، فإذا كفرنا النصراني بثلاثة وقلنا: كافر، نقول: أنت كافر كافر كافر، اضرب ثلاثة في.. حتى تصل إلى الأسماء، أنت أكفر من النصارى إذا أثبت صفة قديمة.
وإن أثبتها حادثة لزم من ذلك قيام الحوادث بالله، والحوادث لا تقوم إلا بحادث، فتكون أنت أثبت أن الله مخلوق، وأنه حادث.
ما بالكم إذا صيغ هذا الكلام بكلام أفصح من كلامي وأبلغ، أفلا ينخدع به الجهال؟ ينخدعون به لا شك.
لكننا نقول: إن الله تعالى سميع بسمع، ولا يعقل أن يكون مشتقًّا بدون ما اشتق منه، أبدًا؛ إذ لا يصح أن تقول للأصم: إنه سميع، ولا للأعمى: إنه بصير، لا يمكن أن يوجد اسم مشتق في جميع لغات العالم إلا والأصل المشتق منه سابق عليه.
وأما قولكم: إن الصفة غير الموصوف، فإننا نقول: إن الله تعالى لم يزل ولا يزال بصفاته، ولا يوجد ذات بلا صفة إطلاقًا، من ادعى أنه يوجد ذات بلا صفة فقد ادعى المحال، ما من موجود إلا وله صفة، لو لم يكن من صفاته إلا صفة الوجود والقيام بالذات وما أشبه ذلك، فما من موصوف إلا وله صفة، لكن الموصوف بصفاته ليست شيئًَا بائنًا منه، ولهذا لا نقول: إن صفات الله هي الله، ولا نقول: إنها غير الله، بل نقول: إن الله بصفاته؛ لأنك إذا قلت: إن الصفات هي الله صار معناه أنه لا صفة له، وإذا قلت: إنها غيره أبنت الصفة عن الموصوف، وهذا مستحيل.
إذن الإيمان بالاسم لا بد أن تؤمن بما تضمنه من صفة، وتضمنه للصفة قد تكون تضمنًا، وقد تكون التزامًا، فهل نؤمن بالصفة التي دل عليها تضمنًا فقط، أو تضمنًا والتزامًا؟ أوما تدرون ما المعنى؟ تضمنًا والتزامًا.
فمثلًا: الخالق اسم دل على صفة الخلق دلالته على صفة الخلق بطريق التضمن، ودلالته على العلم التزام؛ لأنه لا خلق إلا بعلم، ودلالته على القدرة التزام أيضًا؛ لأنه لا خلق إلا بقدرة.
إذن تؤمن بما دل عليه الاسم من صفة، سواء كانت تضمنًا أو التزامًا.
الشرط الثالث إذا كان الاسم متعديًا أو الأمر الثالث إذا كان الاسم متعديًا الأثر أو الحكم، فمثلًا السميع ذو السمع الذي يسمع، لا بد أن تؤمن بسمع يتعدى للغير، فيسمع كل قول، البصير كذلك متعد نؤمن بالبصير اسمًا، وبالبصر صفة، وبأنه يبصر حكمًا أو أثرًا.
أما إذا كان الاسم لازمًا فإنه يؤمن بأمرين: الأول: الاسم، والثاني: الصفة.
الحي لازم أو متعد؟
* طالب: لازم.
* الشيخ: كيف؟ الحي. ما هو الله يحييه؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: يحيي ليست من الحي، من المحيي، الحي وصف لازم أو الحياة وصف لازم لا يتعدى لغير الله.
فالحي إذن اسم من الأسماء اللازمة، فتؤمن بالحي اسمًا من أسماء الله، وتؤمن بالصفة التي دل عليها الحي وهي الحياة.
.. لأنه لا خلق إلا بقدرة، طيب إذن تؤمن بما دل عليه الاسم من صفة سواء كانت تَضَمُّنًا أو التزامًا.
الأمر الثالث إذا كان الاسم متعديًا الأثر أو الحكم، فمثلًا السميع ذو السمع الذي يسمع لا بد أن تؤمن بسمع يتعدى للغير، فيسمع كل قول، البصير كذلك متعديًا نؤمن بالبصير اسمًا وبالبصر صفة وبأنه يبصر حكمًا أو أثرًا.
أما إذا كان الاسم لازمًا فإنه يؤمن بأمرين: الأول الاسم، والثاني الصفة. الحي لازم أو متعدٍ؟
* طلبة: لازم.
* الشيخ: كيف؟ مو الله يُحيي؟
* طلبة: يُحيي.
* الشيخ: (يُحيي) ليست من الحي، من المحيي، الحي وصف لازم أو الحياة وصف لازم لا يتعدى لغير الله، فالحي إذن اسم من الأسماء اللازمة فتؤمن بالحي اسمًا من أسماء الله وتؤمن بالصفة التي دلَّ عليها الحي وهي الحياة.
إذن إذا آمنَّا بهذا خالفنا كل أهل التعطيل؛ خالفنا من لا يسمي الله باسم ولا يصفه بصفة وهؤلاء غلاة الجهمية، وخالفنا من يؤمن بأن لله أسماء ولكن لا صفات له مثل المعتزلة، وخالفنا من يقول: له أسماء وصفات، لكن ليس لها حكم، ما يتعدى؛ لأن لو تعدى إلى الغير لزم قيام الحوادث به، إذ إن المسموع حادث أو أذلي؟ حادث، فإذا تعلَّق السمع بحادث صار السمع حادثًا حدوث المسموع، فلزم قيام الحوادث به. إذن قل: هو سميع له سمع، لكن لا يسمع به لئلا تقوم به الحوادث، فإذا أتينا على هذه الشروط الثلاثة: ١- الإيمان بالاسم. ٢- بما تضمنه من صفة. ٣- بالأثر أو الحكم. صح إيماننا بالأسماء.
أما السميع والبصير فقد سبق لنا معناهما، وذكرنا أن السميع يدل على السمع، وأن سمع الله تعالى نوعان: سمع بمعنى الإجابة مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم ٣٩]، وهل السمع يأتي بمعنى الاستجابة في اللغة العربية؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الدليل؟
* طالب: قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ [فاطر ١٤].
* الشيخ: ﴿وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾. بس هل هذا فيه دليل؟
* الطالب: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾.
نعم، ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال ٢١] أي: لا يستجيبون، ومنه قول المصلي وأنتم كل يوم تصلون على الأقل سبعة عشر ركعة، وتقولون: سَمِعَ الله لمن حمده، ويش معناها؟ استجاب، ليس المعنى مجرد سماع لمن حمده؛ لأن هذا لا يفيد شيئًا، لكن معناه استجاب، هذا سمع بمعنى الاستجابة.
الثاني: سَمْعٌ بمعنى إدراك المسموع، وهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول ما يراد به التهديد، والثاني ما يراد به التأييد، والثالث ما يراد به بيان شمول سمع الله؛ يعني: سمع الإحاطة.
مثال الأول الذي يُراد به التهديد: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ [الزخرف ٨٠] هذا للتهديد؛ ولهذا قال: ﴿بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف ٨٠].
ومثال سمع التأييد قوله تعالى لموسى وهارون: ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦].
ومثال ما يراد به سمع الإحاطة مثل قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ [المجادلة ١]، فصار يُقَسَّم السمع أولًا إلى قسمين: سمع إجابة وسمع إدراك، والإدراك ثلاثة أقسام، وإن شئت فقل: ثلاثة أنواع لئلا تتداخل الأقسام؛ سمع يقتضي التهديد، وسمع يقتضي التأييد، وسمع لبيان الإحاطة. وكل هذا ثابت لله عز وجل.
فإن قال قائل: ما الذي يُعَيِّن أن هذا السمع للتأييد أو للتهديد أو للإحاطة؟
قلنا: سياق الكلام وقرائن الأحوال؛ ولهذا يمكن أن يقال في قول الله تعالى لموسى وهارون: ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦] يمكن أن يقال: إن هذا السمع للتأييد والتهديد، تأييد من؟
* طلبة: موسى.
* الشيخ: وتهديد فرعون، لكن يمنع من القول بأنه لتهديد فرعون أن فرعون لم يكن يسمع هذا الكلام من الله، فكيف يُهَدَّد مَنْ لا يسمع التهديد؟ ولهذا قال العلماء: إن السمع في هذه الآية للتأييد، ولم أرهم قالوا: إنه للتهديد ولا لتهديد فرعون، ووجه ذلك أن فرعون الآن ليس يسمع ما يقول الله عز وجل، فكيف يُهَدَّد مَنْ لا يسمع التهديد؟!
أما البصير فهو بمعنى ذو البصر الثاقب الذي لا يغيب عن نظره شيء عز وجل، أي حركة وأي فعل فإن الله تعالى يبصره، طيب، إذا كان يبصر كل شيء فكيف موقفنا في مثل قوله: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٧٢)، ومسلم (١٠٨ / ١٧٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]] قال: «وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ» فنفى النظر إليهم؟
نقول: النظر المثبت غير النظر المنفي، المنفي هو نظر الرحمة، والمثبت نظر الإحاطة، فالله تعالى ينظر كل شيء نظر إحاطة، حتى المغضوب عليهم منظورون أمام الله عز وجل لكن نظر إحاطة، وأما المنفي فهو نظر الرحمة «لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ»، وبهذا تلتئم الأدلة ويتبين أنه لا تعارض بينها، هناك بصير بمعنى العلم لكن المتبادر منه الرؤية كما سبق.
* طالب: ما يحصل لعُبَّاد القبور من الابتلاء والامتحان، لو قلنا لهم: إن الله عز وجل يقول كذا وكذا لا يقتنعون، الإنسان المؤمن بالقرآن والمقر هذا يقتنع بالآيات لكن هؤلاء لا يقتنعون بالقرآن.
* الشيخ: هو -بارك الله فيك- غالب أصحاب القبور مسلمون؛ يعني يرون أنهم على إسلام ويؤمنون بالقرآن.
* الطالب: هناك حجة أقوى يا شيخ (...) السمعية حجة نظرية لمحاجته، ما فيه هناك حجة أخرى؟
* الشيخ: ممكن على سبيل التحدي بأن يتحدى الإنسان هؤلاء بشيء يُغْضِب آلهتهم يفعله ولا يأت الشيء، هذا يمكن يكون من باب التحدي.
* طالب: بالنسبة للسميع صفة ذات ولا صفة فعل؟
* الشيخ: السميع صفة ذات، لكن الذي يحدث المسموع، أما السمع فلم يزل الله ولا يزال سميعًا، لا يتعلق بمشيئته، وإذا أردت أن تعرف الفرق فإن كان يمكن أن يتخلى الله عن هذه الصفة فهي صفة فعل، وإذا كان لا يمكن فهي صفة ذات، ومعلوم أنه لا يمكن أن يتخلى الله عز وجل عن صفة السمع فيكون أصم، فإن الله منزه عن ذلك، لكن الذي يحدث هو المسموع.
* طالب: نظر الرحمة هل هو نفسه رحمة الله عز وجل. يعني ما المقصود بـ..؟
* الشيخ: المقصود أن الله ينظر إليه نظرًا يرحمه به، ما هي نفس الرحمة؛ ولهذا تُفَرِّق الآن بين النظر إلى ولدك الذي أرضاك والنظر إلى ولدك الذي أغضبك، ولدك اللي أرضاك تنظر إليه نظرًا باردًا وهو يشعر بأن عينك قد قَرَّت به، قَرَّت من القَرِّ وليس من القرار، من القر وهو البرودة؛ ولهذا (أقرَّ الله عينك) أي: بَرَّدها، ما معنى (قَرَّها) سَكَّنَها حتى لا تتحرك، طيب، الولد الذي غضبت عليه إذا نظرت إليه كيف تكون عينُك؟ حارَّة حمراء يظهر منها الشرر، يكاد يُعْمِي الولد، أليس كذلك؟
* طالب: أحسن الله إليك، في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ [غافر ٢٠] حمل المؤلف على (...) ومر علينا أيضا أن المشركين دائمًا المؤلف يحملها على أهل مكة ربما أن أن السورة نزلت في مكة فربما المؤلف حملها على هذا، ما تقول في هذا؟
* الشيخ: إي ما يصح هذا، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، هو له وجهة نظر، وأقوى من هذه الوجهة قوله: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا﴾ [غافر ٢١] بعد الآية هذه، لكن نحن نقول: العبرة بعموم اللفظ، والسبب لا يُخَصِّص العام، وإذا ذُكِرَ حكم يتعلق ببعض أفراد العام لا يقتضي تخصيصه أيضًا كما هي القاعدة.
* طالب: التعبير مثلًا إذا قلنا: هذا العمل أقرب إلى نظر رحمة الله؟
* الشيخ: ما يصح إلى نظر رحمة الله، الرحمة ما هي تُنْظَر. أقرب إلى رحمة الله.
* طالب: تفسير المدعوُّون بالأصنام يُخْرِج الأحبار والرهبان وغيرهم، أليس في هذا قصور؟
* الشيخ: ما تقولون في هذا السؤال؟ نعم، هو لا شك أن عبادة الأحبار والرهبان بالمعنى الذي فسَّره الرسول ﷺ ليست كعبادة الأصنام؛ لأن عبادة الأصنام عبادة تَقَرُّب وخضوع، وعبادة الأحبار والرهبان عبادة اتباع، ولا شك أنها عبادة كما جاء في الحديث: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [التوبة ٣١]، فإذا كانت عبادة الأحبار والرهبان كعبادة المسيح ابن مريم لزم من هذا أنهم يعبدونهم عبادة التقرب، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لعدي بن حاتم: «أَلَيْسَ يُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتُحِلُّونَهُ وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ» قال: نَعم، قال: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ»[[أخرج الطبراني في الكبير (٢١٨) والبيهقي في الكبرى (٢٠٣٥٠) بسنديهما من حديث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أتيت النبي ﷺ وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: «يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك». فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١] حتى فرغ منها، فقلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال: «أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟» قلت: بلى، قال: «فتلك عبادتهم».]]. فهذه عبادة اتباع، وغالب عبادة المشركين عبادة تقرب وتعظيم.
* طالب: ألا يشمل قوله: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ سمع الإحاطة (...).
* الشيخ: السمع هنا سمع إحاطة، لكنه يراد به النصر والتأييد؛ لأن مجرد الإحاطة حتى فرعون يسمعه الله عز وجل.
* الطالب: ما هي أحسن الكتب (...) في الأسماء والصفات؟
* الشيخ: واللهِ الكتب متعددة ومختلفة في المنهج، فمثلًا مجرد الإثبات؛ إثبات العقيدة من أحسن ما يكون العقيدة الواسطية؛ لأن كلها مبنية على آيات وأحاديث. من جهة المناقشة والمحاجة من أحسن ما رأيت الصواعق المرسلة لابن القيم ومختصره هذا من أحسن ما يكون لطالب العلم في المناقشة، الصواعق المرسلة على غزو الجهمية والمعطلة ومختصره أيضًا هذا مفيد؛ لأنه يذكر رحمه الله أمهات المسائل التي فيها الخلاف ثم يناقش هؤلاء أو يجادل بالأصح، ما هي مناقشة، يجادل هؤلاء حتى يتبين الحق.
* الطالب: (...).
* الشيخ: واللهِ نُسِّيت من هو له.
* الطالب: الموصلي.
* الشيخ: الموصلي ويش اسمه؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: بس الموصلي فقط؟ على كل حال المختصر معروف، مختصر الصواعق المرسلة بهذا الاسم.
* طالب: هل يجوز تصنيف الشرك مثلا آية: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا﴾ يعني هذا شرك الطاعة وشرك الاتباع؟
* الشيخ: إي، هو شرك الاتباع وشرك الطاعة، لكن ذلك شرك عبادة؛ ولهذا من أحسن حدود الطاغوت ما قاله ابن القيم: ما تجاوز به العبد حَدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع. المعبود الأصنام، والمتبوع العلماء، والمطاع الأمراء، هذا أحسن ما يقال في حد الطاغوت، لكن باعتبار الطاغي، أما باعتبار المعبود أو المتبوع أو المطاع فهؤلاء ليسوا بطواغيت باعتبار ذواتهم؛ لأن العالم قد لا يرضى بهذا الشيء، والأمير كذلك والمعبود كذلك، لكن باعتبار الفاعل هي طواغيت؛ لأنه طغا فيها، هي محل طغيانه، وليست هي طاغية، فعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام معبود، هل نقول: إنه طاغوت؟ لا، لكنه محل طغيان الذين عبدوه. انتبهوا لهذه النقطة؛ لأن بعض الناس استشكل كلام ابن القيم، وقال: كيف يقول هذا الكلام؟ إذن عيسى طاغوت لأنه معبود، فيقال: مراده رحمه الله أن محل الطغيان يكون في المعبود والمتبوع والمطاع.
* الطالب: ما الفرق بين الفعل المتعدي والفعل اللازم؟
* الشيخ: اللازم ما لا ينصب المفعول به، والمتعدي ما ينصب المفعول به؛ (سمع) تنصب المفعول به أو لا؟ حي؟ عَظُم؟ هل يمكن أن تتسلط عظُم على شيء؟ عظُم هو بنفسه، أما عظَّم صحيح متعدية، لكن عظُم لازمة لا شك، جل؟ لازمة، فالعظيم من أسماء الله اللازمة، والعلي من أسماء الله اللازمة، والأجل أو الجليل من أسماء الله اللازمة.
* طالب: (...) ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ كيف (...) سيدنا عيسى وغيره من الصالحين؟
* الشيخ: تحفظ القران؟
* طالب: لم أحفظه.
* الشيخ: طيب: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (١٠٠) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء ٩٨ - ١٠١] [الأنبياء: ] وعيسى ممن سبقت له الحسنى، عرفت؟ ولهذا ضرب الكفار عيسى مثلًا وقالوا لما نزلت الآية: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ قالوا: إذن عيسى في النار جدلًا فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾، مثل قوله: ﴿أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ﴾ قال الله تعالى ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزخرف ٥٨] وأبغض الرجال إلى الله الألد الخصم.
{"ayahs_start":19,"ayahs":["یَعۡلَمُ خَاۤىِٕنَةَ ٱلۡأَعۡیُنِ وَمَا تُخۡفِی ٱلصُّدُورُ","وَٱللَّهُ یَقۡضِی بِٱلۡحَقِّۖ وَٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا یَقۡضُونَ بِشَیۡءٍۗ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ"],"ayah":"یَعۡلَمُ خَاۤىِٕنَةَ ٱلۡأَعۡیُنِ وَمَا تُخۡفِی ٱلصُّدُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق