الباحث القرآني

وقوله: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ مُتَّصِلٌ بقوله: سَرِيعُ الْحِسابِ [غافر: 17] وقالتْ فرقة: يَعْلَمُ متصلٌ بقوله: لاَ يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ [غافر: 16] وهذا قولٌ حسنٌ يقوِّيهِ تَنَاسُبُ المَعْنَيينِ، ويُضَعِّفُه بُعْدُ الآيةِ من الآيةِ وكَثْرَةُ الحائِل، والخائنةُ: مصدرٌ كالخِيَانَةِ، ويحتمل أن تكونَ خائِنَةَ اسمَ فاعِل، أي: يعلم الأعين إذا خانتْ في نظَرِها، قال أبو حَيَّان [[ينظر: «البحر المحيط» (7/ 439) .]] : والظاهرُ أن: خائِنَةَ الْأَعْيُنِ من إضافةِ الصفةِ إلى الموصوفِ، أي: الأَعْيُنِ الخائنة، كقوله: [البسيط] ................ ... وَإنْ سَقَيْتِ كِرَامَ النَّاسِ فاسقينا [[عجز بيت لبشامة بن حزن النهشلي وصدره: إنا محيوك يا سلمى فحينا ... ...... ينظر: «خزانة الأدب» (8/ 302) ، و «شرح ديوان الحماسة» للمرزوقي ص: (100) ، و «المقاصد النحوية» (3/ 370) ، و «البحر» (7/ 457) ، و «الدر المصون» (6/ 136) ، والشاهد في قوله: «كرام الناس» حيث أضاف الصفة إلى الموصوف.]] أي: الناسَ الكرامَ، وجوَّزُوا أن يكونَ خائِنَةَ مصدراً، ك «العافية» أي: يعلم خِيانَةَ الأعينِ، انتهى، وهذه الآيةُ عِبَارَةٌ عَن عِلم اللَّهِ- تعالى- بجميعِ الخفيَّاتِ، فمِنْ ذَلِكَ كسر الجُفُونِ والغَمْزُ بالعَيْنِ، أو النظرةُ التي تُفْهِمُ معنى ومنه قول النبي ﷺ [لأصحابِه في شَأْنِ رَجُلٍ ارتد ثمَّ جَاء لِيُسْلِمَ: «هَلاَّ قَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْكُمْ حِينَ تَلَكَّأْتُ عَنْهُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ؟ فقالُوا: يَا رَسُولَ الله، ألا أو مأت إلينا؟ فقال ﷺ] [[سقط في: د.]] : مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ» [[أخرجه النسائي (7/ 105) كتاب «تحريم الدم» باب: الحكم في المرتد برقم: (4067) ، والحاكم (2/ 54) ، والدارقطني (3/ 59) ، والبيهقي (8/ 202) من حديث سعد بن أبي وقاص.]] ، وفي بعضِ الكتبِ المنزَّلةِ مِنْ قَولِ اللَّه عزَّ وجلَّ/: أَنَا مِرْصَادُ الْهِمَمِ أَنَا العَالِمُ بِمَجَالِ الْفِكْرِ وَكَسْرِ الجُفُونِ، وقال مجاهدٌ: «خائنة الأعين» : مُسَارَقَةُ النظرِ إلى مَا لاَ يَجُوزُ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 50) برقم: (30317) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 95) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 553) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 653) ، وعزاه السيوطي لعبد بن حميد، وابن المنذر.]] ، ثم قَوَّى تعالى هذا الإخبارَ بقولهِ: وَما تُخْفِي الصُّدُورُ مما لمْ يَظْهَر على عينٍ ولا غَيْرِهَا، وأسند أبو بكر بن الخَطِيبِ عن مولى أمِّ مَعْبَدٍ الخُزَاعِيَّةِ عن النبي ﷺ أنه كان يدعو: «اللهمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفَاقِ، وَعَمَلِي مِنَ الرِّيَاءِ، وَلِسَانِي مِنَ الكَذِبِ، وعَيْنِي مِنَ الخِيَانَةِ فإنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُدُورُ» [[أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (5/ 268) ، وذكره الهندي في «كنز العمال» (2/ 184) (3660) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 349) ، وعزاه إلى الحكيم الترمذي.]] ، انتهى. قال القُشَيْرِيُّ في: «التحبير» وَمَنْ عَلِمَ اطِّلاَعَ الحقِّ- تعالى عليه- يكونُ مُرَاقِباً لربِّهِ وعلامتُه أنْ يكونَ مُحَاسِباً لِنَفْسِهِ، ومَنْ لم تَصِحَّ محاسبتُهُ، لم تصحَّ مراقبتُهُ، وسُئِلَ بعضُهُمْ عَمَّا يَسْتَعِينُ به العبدُ على حفظِ البصر، فقال: يَسْتَعِينُ عليه بعلمِه أنَّ نظرَ اللَّه إليه سَابِقٌ على نظرِهِ إلى مَا ينظرُ إليه، انتهى. وقوله سبحانه: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ أي: يجازي الحسنةَ بعَشْرٍ والسيئةَ بمثلِها، ويُنْصِفُ المظلومَ من الظالمِ إلى غير ذلك من أقضية الحقِّ والعدلِ، والأصْنامُ لا تقضي بشيء، ولا تنفّذ أمرا، ويَدْعُونَ معناه: يعبدون.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب