الباحث القرآني
ثم قال: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ [النساء ٧٢]. في هذه الآية لامان: اللام الأولى (لمَن) والثانية (لَيبطئن) فهل هما لام الابتداء؟
الجواب: أما الأولى فهي لام الابتداء؛ لأنها وقعت في اسم (إن) المؤخر، وتفيد التوكيد، أما اللام الثاني فهي موطئة للقسم، فقوله: ﴿لَيُبَطِّئَنَّ﴾ واقعة في جواب القسم، والتقدير: وإن منكم لمن والله ليبطئن، فاللام هنا واقعة في جواب القسم.
وقوله: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ الجملة الشرطية، والشرط فيها وجوابه فعل ماض، فهل نقول: إنه مجزوم أو نقول: إنه مبني في محل الجزم؟ الثاني؛ لأن الفعل الماضي مبني، وفعل الشرط ﴿أَصَابَتْكُمْ﴾، وجوابه: ﴿قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ﴾.
وقوله: ﴿إِذْ لَمْ أَكُنْ﴾ (إذ) هنا للتعليل وليست ظرفًا، بل هي للتعليل، يعني حيث لم أكن معهم شهيدًا.
أما معنى الآية: يقول الله عز وجل: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ﴾ و(من) هذه للتبعيض، يعني إن بعضكم ﴿لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ يعني: للذي يبطئن، ومعنى (يبطئ) أي يدعو إلى التباطؤ، سواء دعا غيره أو دعا نفسه، فيكون قوله: ﴿لَيُبَطِّئَنَّ﴾ شاملًا لمن يخذل غيره عن النفور للقتال، ومن يخذل نفسه ويتهاون حتى يفوت الأوان، هذا الذي بطأ يتأخر ولا يخرج للقتال، نتيجة القتال إما أن تكون الغنيمة والغلبة والنصرة وإما أن تكون العكس، فهو إذا أصابتكم مصيبة يعني أصابكم خذلان وهزيمة قال: ﴿قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾، فيتضمن كلامه هذا الافتخار والاحتقار؛ افتخار بنفسه أنه لم يشهد هذه المصيبة، واحتقار لمن أصيبوا بهذه المصيبة، وهذا غاية ما يكون من التباعد، هذا الذي يقول وهو منهم يقول هذا الكلام كأن لم يكن بينه وبينهم مودة، كأنه من أبعد الناس عنهم حين افتخر بأن نجا من المصيبة التي أصابتهم، واحتقر هؤلاء الذين أصيبوا وصار كالموبخ لهم. ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ﴾، ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [النساء ٧٣]. ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ﴾ أي نصر وغنيمة ليقولن ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، فيتمنى على الله الأماني بعد أن فاته الأمر.
وقوله: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ﴾ هذه فيها شاهد لقراءتنا في النحو قبل ليلتين، وهي تخفيف (كأن): ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ﴾، و(كأن) إذا خففت أظن قرأناها؟ وقفنا عليها؟ طيب إذن نتركها حتى نصل إليها.
جملة ﴿لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ في محل رفع خبر (كأن)، واسمهما ضمير الشأن محذوف.
وقوله: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ المودة هي خالص الحب، يعني كأنه بعيد منكم ليس بينكم وبينه ارتباط، وهذه الجملة زعم أكثر المفسرين بأنها جملة تعود إلى الحال الأولى، وهي: إذا أصابتكم مصيبة، قال كأن لم تكن بينكم مودة قد أنعم الله علي، ولكن هذا ليس بصحيح، وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك.
* * *
فيه جماعة جمعوا بين المغرب والعشاء من أجل المطر -يعني الحمد لله الأمطار عامة- وقصروا، جمعوا وقصروا وهم في البلد، صحيح هذا؟
* طالب: الجمع الصحيح.
* الشيخ: الجمع صحيح، والقصر غير صحيح، فقيل لهم: إن هذا لا يجوز، يجب أن تصلوا أربعة، فبلغهم إمامهم في اليوم الثاني وقال: صلوا ركعتين إتمامًا للركعتين السابقتين، فصلوا ركعتين إتمامًا للركعتين السابقتين، سبحان الله! يعني تعدي الناس في الفتوى شيء عجيب، فما الواجب عليهم الآن؟
* طلبة: إعادة الصلاة.
* الشيخ: أن يصلوا العشاء أربعًا، الواجب الآن أن يصلوا العشاء أربعًا نعم، وهذه واقعة، ما هي فرضية، واقعة فعلًا قبل البارحة.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧٣) فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء ٧٣، ٧٤].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾.
* الشيخ: ماذا يفيد تصدير الخطاب بالنداء؟
* طالب: قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا صدر الله سبحانه وتعالى بالنداء ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فأرعها سمعك.
* الشيخ: لكن أنا أقول: ماذا يفيد تصدير الخطاب بالنداء بقطع النظر عن كونه: الذين آمنوا أو غير الذين آمنوا؟
* طالب: يفيد الاهتمام.
* الشيخ: يفيد الاهتمام، نعم بالكلام الموجه إلى المخاطب. كيف نقول: إنه يفيد الاهتمام بذلك؟
* طالب: لأنه وجه الخطاب الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: ما يمكن تعلل الحكم بالحكم، ما يمكن تقول: لماذا وجب الغسل؟ تقول: لأنه وجب الغسل، لماذا وجب الوضوء؟ لأنه وجب الوضوء.
* طالب: لأن (...) أن هذا من مقتضى الإيمان.
* الشيخ: لا.
* طالب: لأنه صدرها بـ(يا) للخطاب: يا أيها.
* الشيخ: إي نعم، لكن لماذا نقول: إنه يدل على الاهتمام والاعتناء بالخطاب، أو بما يقتضيه الخطاب؟
* طالب: لأن النداء يفيد التنبيه.
* الشيخ: صح، النداء يفيد التنبيه لا شك: يا فلان، ما هو مثل لو ألقى الكلام بدون نداء، يفيد التنبيه، والتنبيه يفيد الاهتمام بالأمر والشأن.
كونه يكون موجهًا للمؤمنين ماذا يدل عليه؟
* طالب: فيه إثارة الداعية لاستجابة المخاطبين إذا خاطبهم بوصف الإيمان وفضيلة الإيمان.
* الشيخ: طيب، اثنين تهييج على القبول بفضيلة الإيمان حيث خص المؤمنين بالنداء، والثالث؟
* طالب: فيه الترهيب من المخالفة؛ لأنه إذا كان هذا الأمر من مقتضيات الإيمان فإن تركه من نواقص الإيمان،
* الشيخ: الرابع؟
* طالب: يدل على أن المأمور به فعله من مقتضيات الإيمان.
* الشيخ: نعم، أن فعله من مقتضيات الإيمان وأن تركه نقص في الإيمان. ما معنى قوله: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾؟
* طالب: الله عز وجل يوجه المؤمنين أن يأخذوا حذرهم من عدوهم.
* الشيخ: ويش معنى أخذ الحذر؟
* طالب: أخذ الحذر يعني: المؤمنون يأخذون حذرهم، إن كان العدو المراد به من أعداء الله من المنافقين.
* الشيخ: ما نريد كيفية الحذر، لكن ما معنى أخذ الحذر أصلًا؟
* طالب: احذر يعني احترس منه.
* الشيخ: طيب.
* طالب: أخذ الحذر يكون بالتخوف منه.
* الشيخ: التخوف منه والتأهب له.
عند هذه الآية أظن ذكرت لكم «الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ» هل ذكرته حديثًا أو كلامًا؟
* طلبة: كلامًا
* طلبة آخرون: حديثًا.
* طالب: يجب على المؤمن أن يكون كيسًا فطنًا.
* الشيخ: على كل حال، مَن فهم مني أنا قلته حديثًا فهو لا يصح عن النبي ﷺ.
عند هذه الآية أظن ذكرت لكم: (المؤمن كَيِّسٌ فَطِن)، هل ذكرتُه حديثًا أو كلامًا؟
* طلبة: كلامًا.
* الشيخ: حديثًا؟
* طلبة: كلامًا.
* الشيخ: كلامًا.
* طالب: كلامًا، يعني المؤمن أن يكون كيِّسًا فَطِنًا.
* الشيخ: على كل حال من فهم مني أني قلته حديثًا فهو لا يصح عن النبي ﷺ، ذكره في شرح الجامع الصغير: (المؤمن كيِّسٌ فَطِنٌ حَذِر) وقال: إن فيه راويًا كذابًا، فيكون الحديث موضوعًا لكن معناه صحيح.
* طالب: أنه يجب على الإنسان يا شيخ.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: المؤمن ولَّا الإنسان؟
* الشيخ: لا، المؤمن والإنسان، حتى الإنسان.
ما معنى قوله: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ﴾؟
* طالب: انفروا متفرقين.
* الشيخ: الدليل على أن ﴿ثُبَاتٍ﴾ هنا متفرقين؟
* طالب: أنه أتى بعد قوله: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ﴾ ﴿انْفِرُوا جَمِيعًا﴾.
* الشيخ: يعني إذن: انفروا متفرقين أو مجتمعين.
هل الخطاب هنا للعموم؛ يعني كل الناس يجب عليهم أن ينفروا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: الدليل؟
* الطالب: الآية.
* الشيخ: وهي؟
* الطالب: قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ [التوبة ١٢٢].
* الشيخ: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾.
ما معنى قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ [النساء ٧٢]؟
* طالب: هذا معناه أن الله عز وجل أخبرهم أن فيهم من يُخذِّل المؤمنين عن قتال العدو وعن (...) أو (...) إلى العدو، والتخذيل قسمان: منهم من يخذل نفسه، ومنهم من يخذل غيره من المؤمنين.
* الشيخ: طيب، فصارت التبطئة هنا لنفسه ولغيره.
إعرابها؟
* طالب: (مَنْ)..
* الشيخ: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾؟
* طالب: (مَن) اسم موصول؛ لَلَّذي يُبَطِّئنَّ.
* الشيخ: فاللام.
* الطالب: (...) جواب القسم.
* الشيخ: اللام في قوله: ﴿لَمَنْ﴾؟
* الطالب: اللام لام الابتداء، اسم إن المؤخر، واقع في اسم إن المؤخر ﴿إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ﴾.
* الشيخ: و﴿لَيُبَطِّئَنَّ﴾ اللام؟
* الطالب: موطئة للقسم، والتقدير: واللهِ ليُبطِّئنَّ.
* الشيخ: تمام، طيب.
التقسيم في قوله: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ﴾ [النساء ٧٢] ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ﴾ [النساء ٧٣] يدل على أيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: التقسيم يعني ويش معنى هذا التقسيم: (فإن أصاب)، (ولئن أصاب)، شو معنى التقسيم هذا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما هو ظاهر، الجواب غير ظاهر، أيش بالآية؟
* الطالب: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾.
* الشيخ: نعم، ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ﴾؟
* الطالب: أنهم يصيبهم هذا (...).
* الشيخ: إي، طيب، ويش يدل عليه؛ على أن الرجل ناصر أو فاضح أو ماذا؟
* طالب: فإن أصابتكم مصيبة، حمد الله أن لم يكن معهم.
* الشيخ: إي، لكن ماذا يريد بهذا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: طيب، إي نعم.
* طالب: يقول: ﴿إِنْ أَصَابَتْكُمْ﴾ أي: هزيمة.
* الشيخ: إي، لكن هذا التقسيم لحال هذا الرجل ماذا يدل عليه؟
* الطالب: في حال الهزيمة، إذا أصاب المؤمنين هزيمة تكون قد (...)، أما في الأخرى فإن أصابهم نصر فهو قد يكون معهم.
* طالب: يدل على افتخاره واحتقاره.
* الشيخ: افتخاره في قوله؟
* الطالب: ﴿قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ [النساء ٧٢]، واحتقاره الذي قلتم، وافتخاره: فأفوز معهم فوزًا عظيمًا.
* الشيخ: لا.
* طالب: أما افتخاره فقوله: ﴿قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ﴾ [النساء ٧٢]، وأما احتقاره في الآية التي ذكرها.
* طالب آخر: افتخاره واحتقاره في نفس الآيات، احتفى بنفسه واحتقر بالآخرين.
* الشيخ: صحيح، نفس الآية متضمنة لهذا، لكن قوله: ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ﴾ القسم الثاني لحاله؟
* طالب: القسم الثاني يوضح أنه مذبذب، إذا أصيبوا بالنصر أصبح حاله احتقار (...)، أما إذا أصيبوا بالنصر فإنه يصبح نادما على عدم ذهابه، يصبح بين الندم وبين الفرح.
* الشيخ: وعلى كل حال أنا أظن أن المسألة واضحة؛ يدل على أن الرجل لا يريد القتال في سبيل الله، إنما يريد أيش؟ الدنيا، إن أصابتهم مصيبة افتخر أنه نجا، وإن فاته النصر قال: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ﴾ [النساء ٧٣]، فهو يشبه من قال الله فيهم: ﴿فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ [التوبة ٥٨].
في قوله: ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ﴾ إشكال في: أين جواب الشرط في (إن)؟ أو ما شرحناها؟
* طالب: ما شرحناها.
* الشيخ: ما وصلناها؟ طيب.
* * *
قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ﴾ [النساء ٧٣].
الجملة شرطية وقسمية؛ شرطية لوجود (إنْ)، وقسمية لوجود اللام؛ فاللام في قوله: ﴿وَلَئِنْ﴾ لام القسم؛ موطِّئة للقسم، و(إنْ) شرطية، و﴿لَيَقُولَنَّ﴾ واقعة في جواب القسم، وقد تنازعها الشرط والقسم، فهل نجعلها للقسم أو نجعلها للشرط؟ يوضح ذلك ابن مالك رحمه الله في قوله:
؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
أين المؤخر هنا؟
* طلبة: الشرط.
* الشيخ: الشرط، فجواب الشرط محذوف، والذي بقي جواب القسم، ولهذا قُرِن الجواب باللام ولم يقع مجزومًا جوابًا للشرط، وهذا قاعدة عند النحويين: أنه إذا اجتمع شرط وقسم فإنه يُحذف جواب المؤخر إما الشرط وإما القسم؛ تقول: واللهِ إنْ قام زيد، أيُّهما مؤخر؟
* طلبة: الشرط.
* الشيخ: الجواب: ليقومن عمرو، وتقول: إنْ قام زيدٌ واللهِ..؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: لا، (...) إن قام زيد والله يقم عمرو، المهم أن المؤخر هو الذي يحذف جوابه، هذه قاعدة عند النحويين.
يقول: ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ﴾ الفضل هنا يراد به النصر والغنيمة، ﴿لَيَقُولَنَّ﴾ أي: هذا المبَطِّئ، ﴿كَأَنْ لَمْ يَكُنْ﴾ وفي قراءة: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ﴾؛ القراءة المشهورة: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ﴾ والثانية: ﴿كَأَنْ لَمْ يَكُنْ﴾ ، ﴿بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ أي: محبة وصحبة، ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ﴾ هذا مقول القول، مقول قوله: ﴿لَيَقُولَنَّ﴾، ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ﴾ أي: أتمنى أني معهم ﴿فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، والفعل هنا منصوب بفاء السببية على رأي ذوي التسهيل واليُسر، من هم؟ الكوفيون، وبـ(أنْ) مضمرة بعد الفاء على رأي الْمُقَعِّدين البصريين؛ فالتقدير: فأن أفوز فوزًا عظيمًا، وإنما نُصِب الفعل بذلك لأنه واقع في جواب التمني.
ومعنى الآيات أن هذا القِسم من الناس الذي يبطِّئ نفسه ويبطِّئ غيره فلا يخرج للقتال في سبيل الله يبقى متفرِّجًا، إن أصابكم مصيبة افتخر واحتقركم لكونكم خرجتم في حالٍ خُذِلتم فيها، وافتخر لكونه نجا من أيش؟ من هذه المصيبة، وإن أصابكم فضل فحينئذ يتمنى أن يكون معهم ليفوز بالفضل الذي هو النصر والغنيمة، وحينئذ نعرف أن هذا الرجل لا يقصد القتال في سبيل الله، وإنما يقصد الدنيا فقط.
وقوله: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ الجملة لا يخفى أنها جملة معترضة، ولكن هل محلها هذا المكان؟
الجواب: قال كثير من المفسرين: إن محلها ما قبلها، والمعنى: قال كأن لم تكن بينكم وبينه مودة: قد أنعم الله عليَّ، ولكن الصحيح أنها ليس فيها تقديم وتأخير وأن مكانها هو مكانها، وليس شيء أفصح من كتاب الله، وإنه يقول: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾، يعني كأنه لا يريد أن يبين أن تمنيه لكونه معنا من أجل المودة التي بيننا وبينه، ولكن من أجل ما حصل من الفضل الذي هو النصر والغنيمة، وأما المودة فكأنها قُطِعت حتى في هذه الحال التي فيها الفوز بالنصر كأن لم تكن بينكم وبينه مودة.
والفوز في قوله: ﴿فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ لأنه يرى أن أكبر شيء هو الفوز بالدنيا فقط، والحقيقة أن الفوز الأعظم الذي لا فوز أكبر منه هو ما ذكره الله في قوله: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران ١٨٥].
وخلاصة الآيتين: أن من الناس من هو منافق لا يريد قتالًا في سبيل الله وإنما يقاتل لأجل الدنيا، فإن أصابتكم مصيبة من هزيمة وذل افتخر عليكم واحتقركم وقال: ﴿قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾، وأما إذا كان العكس وانتصرتم وأصابكم فضل من الله فحينئذ يتمنى أن يكون معكم ليفوز الفوز العظيم الذي هو غاية مناه، وهو النيل من الدنيا.
* نأخذ الفوائد:
* أولا: في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ [النساء ٧٢] دليل على أن التكاسل في الخير والتراجع عنه من أسباب النفاق، وهو كذلك، والتباطؤ عن الخير والتكاسل عنه ليس سببا للنفاق فحسب، بل هو سبب للضلال والعمى والعياذ بالله كما قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام ١١٠]، وقال الله تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق ٥]، ولهذا يجب على الإنسان متى تبين له الحق أن يأخذ به وألَّا يتهاون لئلَّا يصيبه ما أصاب هؤلاء، بل يسارع ويعمل، وقد أحسن من انتهى إلى ما سلف.
* ومن فوائد هذه الآية: بيان حال صنف من الناس الذين لا يريدون القتال في سبيل الله وإنما يريدون الدنيا، وأنهم إذا أُصيبَ من كانوا بصدد الخروج معه افتخروا بأنهم نجوا من ذلك، وإن أُصيبَ هؤلاء بالفضل والنصر تمنَّوا أن يكونوا معهم، فيكون مرادهم الدنيا وليس مرادهم القتال في سبيل الله، أما الذي مراده القتال في سبيل الله فإنه على العكس من ذلك؛ إذا أُصيبَ بمصيبة فاستُشهِد فإنه ينتقل من حالٍ إلى أفضل منها؛ ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران ١٦٩]، وإن أصابه فضل ونصر حمِد الله عز وجل، وسأل الله أن يؤتيه من فضله وجعل هذا عونًا على طاعته.
{"ayahs_start":72,"ayahs":["وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّیُبَطِّئَنَّ فَإِنۡ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةࣱ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِیدࣰا","وَلَىِٕنۡ أَصَـٰبَكُمۡ فَضۡلࣱ مِّنَ ٱللَّهِ لَیَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَهُۥ مَوَدَّةࣱ یَـٰلَیۡتَنِی كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِیمࣰا"],"ayah":"وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّیُبَطِّئَنَّ فَإِنۡ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةࣱ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِیدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق