الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾. قال المفسرون: نزلت الآية في عبد الله بن أبيّ [[هو أبو الحباب عبد الله بن أبي بن مالك الخزرجي المشهور بابن سلول (وهي جدته، نسب إليها، رأس المنافقين، وكان سيد الخزرج في آخر جاهليتهم، توفي قبحه الله سنة 9 هـ. انظر: "جمهرة أنساب العرب" ص 354، "الأعلام" 4/ 65.]] المنافق، كان يتخلف عن رسول الله ﷺ إذا خرج لغزو [[أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان. انظر: "الدر المنثور" 2/ 327، وأورده الثعلبي 4/ 86 أ، والبغوي 2/ 248، وابن كثير 1/ 575. والقول بأنها نازلة في المنافقين لعموم المفسرين. انظر: "تفسير الطبري" 165 - 166 "بحر العلوم" 1/ 267، "الكشف والبيان" 4/ 86 أ، "معالم التنزيل" 2/ 248، "زاد المسير" 2/ 130.]]. والخطاب في هذه الآية للمؤمنين، ومعنى ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ﴾ والمعنى كان من المنافقين يحتمل وجهين: أحدهما: أن هذا من باب حذف المضاف، والمراد: وإن من دخلائكم، أو من عدادكم، فحذف المضاف. والثاني: أنه جعل المُبطِّئ منهم في الحال الظاهرة من حكم الشريعة وهو حقن الدم والموارثة والمواكلة ونحو ذلك، وجعله منهم من حين الجنس والنسب [[انظر: "الوسيط" 2/ 617، "المحرر الوجيز" 4/ 129، "التفسير الكبير" 10/ 178.]]. وقال الزجاج: أي ممن أظهر الإيمان [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 75.]]. وقد ذكرنا مثل هذا في قوله: ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء:66] [[انظر تفسير الآية.]]. وقوله: ﴿لَمَن﴾ اللام فيه لام الابتداء، وإنما دخلت مكان إن، كما تقول: إن فيها لأخاك [["معاني القرآن" للفراء 1/ 275، وانظر: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 450، الطبري 5/ 166، "معاني الزجاج" 2/ 75، "الكشف والبيان" 4/ 86 ب.]]. قال الفراء: دخلت اللام في: ﴿لَيُبَطِّئَنَّ﴾ وهي صلة لمن على إضمار شبيه باليمين، كما تقول في الكلام: هذا الذي ليقومن، وأرى رجلاً ليفعلن ما يريد [["معاني القرآن" 1/ 275.]]. فتدخل اللام في صلة النكرة، كما تدخلها في صلة الموصول. وقال الزجاج: (من) في هذه الآية موصولة بالجالب للقسم، كأن هذا لو كان كلامًا لقلت: إن منكم لمن أحلف والله ليبطئن [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 75، وانظر: "زاد المسير" 2/ 130، "التفسير" 10/ 179، "الدر المصون" 4/ 29.]]. وهذا الذي قاله الزجاج معنى قول الفراء: وهي صلة لمن على إضمار شبيه باليمين. قال [[أي الزجاج.]]: والنحويون يُجمعون على أن: من وما والذي لا يوصلن بالأمر والنهي إلا بما يضمر معها من ذكر الخبر، وأن لام القسم إذا جاءت مع هذه الحروف فلفظ القسم وما أشبه لفظه مضمر معها [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 75، 76.]]. هذا كلام الزجاج. وبيان هذا: أنه يجوز أن تقول: مررت بمن تضربه، ولا يجوز: مررت بمن أضربه؛ لأن الخبر يصح أن يكون صلة والأمر والنهي لا يكونان صلة لموصول، والفرق بينهما أن الخبر يوضح الموصول كما يوضح الموصوف في قولك: مررت برجل لتكرمنه؛ لأنه قد خصصه وقوع الإكرام به في المستقبل، وليس ذلك الأمر في قولك: مررت برجل اضربه؛ لأنه لا يتخصص بالضرب في الأمر كما يتخصص في الخبر، فلذلك جاز أن يعرف بالضرب في الخبر ولم يجز في الأمر. وأما معنى التبطئة في اللغة فقال الفراء في كتاب المصادر: بطؤ بطأ مثل قبح قبحًا، وأبطأ بطأ وأبطأ فيه يبطئ إبطاء، بمعنى واحد. وقال الليث: البطء الإبطاء [[" العين" 7/ 462، "تهذيب اللغة" 1/ 352.]]. فأما التَّبطئة فأكثرهم على أنه يعني الإبطاء أيضًا [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 75، و"التفسير الكبير" 10/ 178، والقرطبي 5/ 275.]]. ومعناها التأخر، والتشديد فيه على تكرار الفعل منه [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 75، و"بحر العلوم" 1/ 367، و"التفسير الكبير" 10/ 178، والقرطبي 5/ 275.]]. وحكى أهل اللغة أن العرب تقول: ما أبطأ بك يا فلان عنا [["العين" 7/ 462، "تهذيب اللغة" 1/ 352، "الصحاح" 1/ 36 (بطؤ).]]. وإدخالهم الباء يدل على أنه مطاوع [[أي: لازم لا يتعدى إلى مفعول، كما سيأتي من كلام المؤلف، وانظر: "التفسير الكبير" 10/ 179، "الدر المصون" 4/ 29.]]، وأجاز بعضهم أن يكون التَّبطئة واقعًا [[أي: متعديًا إلى مفعول، كما سيأتي من كلام المؤلف، وانظر: "التفسير الكبير" 10/ 178، 179، "الدر المصون" 4/ 29.]]، فتقول بطأت فلانًا عن كذا، أي أخرته عنه. وكلام المفسرين يدل على الوجهين فيه، فإن جعلته مطاوعًا لم يقتض مفعولًا وإن جعلته واقعًا اقتضى مفعولًا، وهو محذوف، والتقدير فيه: ليُبطئن غيره، أو ليبطئن بغيره، إن كان المعنى أنه يحبس غيره عن القتال [[انظر: الطبري 5/ 165، "الكشف والبيان" 4/ 86 أ، "زاد المسير" 2/ 130، "التفسير الكبير" 10/ 179، القرطبي 5/ 275، "الدر المصون" 4/ 29.]]. وأكثر المفسرين على أن المراد أنه يحتبس بنفسه ويتأخر بقعوده عن الغزو [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 75، "بحر العلوم" 1/ 367، "الكشف والبيان" 4/ 86/ أ، "معالم التنزيل" 2/ 248، "زاد المسير" 2/ 130.]]، فقال مقاتل: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ ليتخلفن عن الجهاد [[ابن حيان، وأخرج الأثر عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" 2/ 327، وانظر: "الوسيط" 2/ 617.]]. وقال الكلبي: وإن منكم لمن يتثاقل [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص (89)، انظر: "الكشف والبيان" 4/ 86 أ، "معالم التنزيل" 2/ 248.]]. وقال قتادة: ﴿لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ عن الجهاد والغزو في سبيل الله [[أخرجه الطبري 5/ 166، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، انظر: "الدر المنثور" 2/ 327.]]. وهذا يحتمل أن يكون معناه ليبطئن غيره عن الجهاد. وجماعة من المفسرين فسروا التبطئة ههنا بالتثبيط، وذلك يدل على أنه واقع [[انظر: "التفسير الكبير" 10/ 179.]]. وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾. قال ابن عباس: يريد من القتل [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 89، وأخرج الطبري 5/ 166 نحوه عن ابن جريج.]]. وقال مقاتل [[هو ابن حيان، وأخرج الأثر عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" 2/ 327.]]: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ من العدو، وجهد من العيش. وقال الكلبي: نكبة [[لم أقف عليه عن الكلبي، وأورده ابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 130، عن ابن عباس.]]. وقوله تعالى: ﴿قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ﴾. أي قال هذا المبطئ قد أنعم الله علي بالقعود. ﴿إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ يريد: حيث لم أحضر فيصيبني ما أصابهم من البلاء والشدة. قال [[هكذا، والصواب: "قاله". انظر: "الدر المنثور" 2/ 327.]] ابن عباس [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 89.]] ومقاتل [[هو ابن حيان، وأخرج الأثر عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" 2/ 327.]]. وقال الزجاج: أي إذ لم أشركهم في مصيبتهم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 76.]]. وقال أهل المعاني: هذا القول من هذا المنافق على إظهار الشماتة بالمؤمنين، إذا أصابهم قتل وهزيمة [[انظر: الطبري 5/ 165 - 166، "الدر المنثور" 2/ 327. وكأن في كلام المؤلف سقطًا وذلك أن التعبير يحتاج إلى كلمة: "يدل" في أول كلام أهل المعاني، أو في أثنائه، قبل: "على إظهار ... ".]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب