الباحث القرآني
ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ﴾ أصل الظلم يا إخواني أصل الظلم النقص، هذا أصله؛ لقوله تعالى: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف ٣٣] أي: لم تنقص منه شيئًا، فهذا أصل الظلم، فالله لا ينقص الناس شيئًا ولا ينقص الناس حقهم ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه ١١٢] ظلمًا بعقوبته على شيء لم يفعله ﴿وَلَا هَضْمًا﴾. أي: نقصًا من ثواب حسناته.
وقوله: ﴿مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ أي: زنة ذرة، والذرة يضرب بها المثل في التحقير، وإلا فإن الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة ولا دونه، وما جيء به على سبيل التحقير أو التكثير فإنه لا مفهوم له، كما قيل به في قوله تعالى: ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة ٨٠] قيل: إن المراد بذلك التكثير، وأن الرسول لو استغفر سبع مئة ألف ما غفر له، وحينئذٍ لا يكون له مفهوم، كذلك مثقال ذرة المقصود بها أيش؟ المبالغة في التحقير، وما كان المقصود به المبالغة في التحقير فإنه لا مفهوم له، وعلى هذا لو سألنا سائل هل يظلم الله دون مثقال ذرة؟
قلنا: لا. ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً﴾ فيها قراءتان: ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ﴾ ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً﴾ ويختلف الإعراب على الوجهين؛ ﴿إِنْ تَكُ حَسَنَةٌ﴾ تكون (كان) على هذه القراءة تامة أي: لا تحتاج إلى خبر، والمقصود بـ(كان) التامة مجرد الدلالة على الحدوث لا على صيرورة شيء إلى شيء آخر، وأما (كان) الناقصة فإنها تدل على صيرورة شيء إلى شيء آخر، كان الرجل قائمًا؛ يعني بعد أن لم يكن قائمًا، يقول هنا: ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ﴾ بالرفع على أن (تك) تامة، وبالنصب على أنها ناقصة، لكن أين اسمها إذا كانت ناقصة؟ مستتر تقديره: هي، ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً﴾ أي: وإن تك الفعلة التي يفعلها الإنسان حسنة يضاعفها.
وفي ﴿يُضَاعِفْهَا﴾ أيضًا قراءتان: ﴿يُضَعِّفْهَا﴾ و﴿يُضَاعِفْهَا﴾ وهي على القراءتين ساكنة الفاء؛ لأنها جواب الشرط المذكور في قوله: ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً﴾. ومعنى ﴿يُضَعِّفْهَا﴾ أو﴿يُضَاعِفْهَا﴾ أي: يجزي أكثر من الحسنة، وقد دلّت النصوص على أن الحسنة تكون بعشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وأن السيئة بمثلها ﴿وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ هذا معنى قوله في الحديث: «إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٤٩١)، ومسلم (١٣١ / ٢٠٧) من حديث ابن عباس.]].
﴿يُؤْتِ﴾ معطوفة على يضاعف، ولهذا جاءت مجزومة بحذف الياء.
﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾ من عنده. ﴿أَجْرًا﴾ ثوابًا. ﴿عَظِيمًا﴾ ذا عظمة كثيرة لا يتصورها الإنسان.
﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾ قلنا: من عنده، والفائدة من ذكر ﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾ الإشارة إلى أن هذا الأجر عظيم جدًّا، وذلك لأن العطاء يعظم بعظم المعطِي، ونظير هذا ما علمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر قال: «قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا». » إلى قوله: «فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٨٣٤)، ومسلم (٢٧٠٥ / ٤٨) من حديث أبي بكر الصديق.]].
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣)﴾ [النساء ٤١ - ٤٣].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ في قوله: ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً﴾ قراءتان.
* طالب: ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ﴾ ، ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً﴾، بالرفع وبالنصب.
* الشيخ: طيب على قراءة الرفع ما إعرابها؟
* الطالب: تكون فاعلًا و(كان) تامة.
* الشيخ: تكون فاعلًا لـ(تكن) وهي تامة. وعلى قراءة النصب؟
* الطالب: خبر (كان).
* الشيخ: خبر (كان). وفي ﴿يُضَاعِفْهَا﴾؟
* الطالب: ﴿يُضَاعِفْهَا﴾ و﴿يُضَعِّفْها﴾ .
* الشيخ: ﴿يُضَاعِفْهَا﴾ و﴿يضَعِّفْها﴾ ، نعم.
* في هذه الآية الكريمة من الفوائد: انتفاء الظلم عن الله عز وجل؛ لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾، وهذا النفي يتضمن إثبات كمال العدل، وليس المراد به مجرد انتفاء الظلم؛ لأن مجرد انتفاء الظلم لا يدل على كمال، وقد قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل ٦٠] أي: الوصف الأعلى، وانتفاء الظلم المجرد لا يدل على الكمال، لماذا؟
لأن انتفاء الظلم قد يكون لعدم قبول المنفي عنه لهذا الظلم؛ بمعنى أنه ليس مما يقبل انتفاء الظلم أو ثبوت الظلم، فإذا نُفي الظلم عما لا يقبله فإنه لا يُعدّ مدحًا، لو قلت: إن الجدار لا يظلم، فهل في هذا مدح للجدار؟! لا، لماذا؟ لأن الجدار لا يمكن أن يظلم، فلا يكون نفي الظلم عنه مدحًا؛ لأنه أصلًا لا يظلم، وربما يكون نفي العين لعدم قدرة الشيء على هذا العيب، ولنجعل المثل الظلم؛ قد يكون نفي الظلم عن شخص لا لكمال عدله، ولكن لعجزه عن الظلم، وحينئذٍ لا يكون ذلك مدحًا، بل يكون ذمًّا، فصار انتفاء الظلم عما لا يقبل الظلم ليس مدحًا ولا ذمًّا، وانتفاء الظلم عما يمكنه الظلم ولكنه عاجز يعتبر ذمًّا، ومن ذلك قول الشاعر:
؎قُبَيِّلَــــــــــــــــــــــةٌ لَا يَغْدِرُونَبِذِمَّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــةٍ ∗∗∗ وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَخَرْدَلِ
هل قوله: لا يغدرون بذمة؛ يعني أنهم أوفياء في الذمم؟ هل قوله: ولا يظلمون الناس حبة خردل؛ يعني أنهم ذوو عدل؟ لا، بل هذا تحقير لهم، لا يستطيعون أن يغدروا ولا يستطيعون أن يظلموا، وقرينة ذلك قوله: قُبَيِّلة، فإنها للتصغير، والتصغير يدل على التحقير، ومنه قول الحماسي يهجو قومه يقول:
؎لَكِنَّ قَوْمِي وَإِنْ كَانُوا ذَوِي عَدَدٍ ∗∗∗ .............................
يعني: كثيرين.
؎............................. ∗∗∗ لَيْسُوا مِنَ الظُّلْمِ فِي شَيْءٍ وَإِنْ هَانَا؎يَجْزُونَ مِنْ ظُلْمِ أَهْلِ الظُّلْمِمَغْفِــــرَةً ∗∗∗ وَمِنْ إِسَــاءَةِ أَهْـــــلِ السُّـــــوءِإِحْسَـــانَا
هذا ظاهره المدح، ولكن المراد به الذم، ولهذا قال:
؎فَلَيْتَ لِي بِهِــــــــمُ قَــــــوْمًا إِذَارَكِبُـــــــــــــــــــــوا ∗∗∗ شَنُّوا الْإِغَـــــــــارَةَ فُرْسَـــــــــــــانًاوَرُكْبَــــــــــــانَا
ليت لي بهم أي: بدلهم، قومًا إذا ركبوا شنوا الإغارة فرسانًا وركبانا، فصار نفي الظلم عنهم وكونهم يجزون بالسوء مغفرة وبالإساءة إحسانًا لعجزهم ليس لكمال أخلاقهم.
إذن فقوله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ ليس المراد به مجرد نفي الظلم عن الله، بل المراد به إثبات كمال العدل، وأنه لكمال عدله لا يظلم، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه ١١٢]، وهذه القاعدة تكون في جميع ما نفى الله عن نفسه، كل ما نفى الله عن نفسه فإنه لا يُراد به مجرد النفي، إنما المراد به أيش؟ إثبات كمال الضد، وأنه لكماله في ضد هذه المسألة انتفت عنه، ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق ٣٨] أي: من تعب، لماذا؟ لكمال قوته.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما ذكر على سبيل المبالغة لا مفهوم له؛ لقوله: ﴿مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ فلا مفهوم لقوله: ﴿مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾، وأنه يظلم دون ذلك، لا، لا يظلم لا مثقال ذرة ولا دونها، لكن عادة العرب ضرب المثل في الشيء الحقير بمثقال الذرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات علم الله عز وجل؛ من قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ﴾ فإنه يستلزم علمه بالظلم، ومن يستحقه، ومن لا يستحقه، مع أن الله تعالى لا يظلم أبدًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى يضاعف الحسنات؛ لقوله: ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا﴾ وقد بيّن الله هذه المضاعفة بأن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن رحمة الله تعالى سبقت غضبه؛ لأن الحسنات تضاعف والسيئات لا تزاد ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾، هذا نفي زيادة السيئات، والتضعيف للحسنات ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى يجزي على الحسنة ثوابًا أكثر من المقابلة؛ يعني ما يقول: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، بل هناك شيء فوق هذا وهو قوله: ﴿وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
* ومن فوائدها: أن الحسنة تجذب الحسنة، من أين تؤخذ؟ ﴿وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ لأن هذا الأجر قد يكون سببه زيادة الحسنات بسبب الحسنة الأولى، وهذا من نعمة الله عز وجل أن الإنسان إذا عمل العمل الصالح وُفّق لعمل آخر.
ثم قال تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾ لما ذكر أن الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة قال: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾ والاستفهام هنا للتعظيم أو للتعجب؛ يعني كيف تكون الحال إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وذلك يوم القيامة يأتي الله تعالى من كل أمة بشهيد، والشهيد هو الرسول؛ يشهد على أمته بأنه بلّغ رسالة ربه، هذا شهيد كل أمة، وهناك شهادة عامة، وهي شهادة هذه الأمة على من قبلها من الأمم كما قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة ١٤٣].
وقوله: ﴿مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ﴾ أُمّة جاءت في القرآن الكريم لعدة معانٍ:
المعنى الأول: الطائفة، كهذه الآية وكقوله تعالى: ﴿وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ [القصص ٢٣].
المعنى الثاني: الإمامة، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا﴾ [النحل ١٢٠].
المعنى الثالث: الزمن، كقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف ٤٥] أي: بعد زمن ومقداره: بضع سنين كما قال تعالى: ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ [يوسف ٤٢] هل لها معنى رابع؟ ما هو؟
الدين، كقوله: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [المؤمنون ٥٢]، وقوله: ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ ﴿عَلَى هَؤُلَاءِ﴾ المشار إليه أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، جئنا بك شهيدًا على هؤلاء ماذا تكون الحال؟
ولما بلغ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هذه الآية حين أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرأ كان يقرأ في النساء؛ عبد الله بن مسعود، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «اقْرَأْ». قال: كيف أقرأ وعليك أنزل؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ الْقُرْآنَ مِنْ غَيْرِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠٤٩)، ومسلم (٨٠٠ / ٢٤٨ ) من حديث ابن مسعود.]]. فقرأ حتى إذا بلغ هذه الآية قال: «حَسْبُكَ». فقال: فنظرت فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام، فالله عز وجل سوف يستشهده على أمته يوم القيامة أنه بلّغ البلاغ المبين، ولهذا استشهدهم هو عليه الصلاة والسلام ليقروا على أنفسهم بذلك، استشهدهم في حجة الوداع حين خطبهم وقال: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟». قالوا: نعم. فرفع أصبعه إلى السماء، وجعل ينكتها إلى الناس: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ثلاث مرات، «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟». قالوا: نعم. قال: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قالوا: نعم. قال: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٧٤١)، ومسلم (١٦٧٩ / ٣١) من حديث أبي بكرة.]]. ولا شك أن الصحابة رضي الله عنهم يمثّلون الأمة كلها؛ فإقرارهم بأنه بلّغ هو إقرار للأمة جميعًا، ونحن نشهد أنه بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، وأنه ترك الأمة على محجّة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ ﴿شَهِيدًا﴾ حال من الكاف في قوله: ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: بيان عظمة هذه الشهادة، يؤخذ من الاستفهام الدال على التفخيم والتعظيم.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الناس يوم القيامة تقام عليهم الأشهاد، يشهدون عليهم بأنهم بُلّغوا.
* ومن فوائدها: أن كل رسول يشهد على قومه بأنه بلغهم؛ لقوله: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾.
فإن قال قائل: كيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى عن عيسى: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة ١١٧]؟
فالجواب: هذا لا يُعارض ما ذُكر هنا، فإنه شهد على أمته الذين باشر إبلاغهم الذي هو عيسى عليه الصلاة والسلام، أما بعد موته فإن الأمر إلى الله عز وجل هو الذي يتولاهم ويتولى مَنْ بعدهم.
* ومن فوائد هذه الآية: أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم سيكون شهيدًا علينا؛ لقوله: ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾.
فإن قال قائل: هل الذين ورثوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم العلماء هل يكونون شهداء على الأمة؟
الجواب: نعم، يكونون شهداء على الأمة؛ لأنهم هم الطريق الذين بلغوا رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا جاء في الحديث: «أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ»[[أخرجه أبو داود في سننه (٣٦٤١) من حديث أبي الدرداء.]].
{"ayahs_start":40,"ayahs":["إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةࣰ یُضَـٰعِفۡهَا وَیُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِیمࣰا","فَكَیۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِیدࣲ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِ شَهِیدࣰا"],"ayah":"فَكَیۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِیدࣲ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِ شَهِیدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق