الباحث القرآني
﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تَسَوّى بِهِمُ الأرْضُ ولا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ .
الفاءُ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ فاءً فَصِيحَةً تَدُلُّ عَلى شَرْطٍ مُقَدَّرٍ نَشَأ عَنِ الوَعِيدِ في قَوْلِهِ: ﴿وأعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا﴾ [النساء: ٣٧] وقَوْلِهِ: ﴿فَساءَ قَرِينًا﴾ [النساء: ٣٨]؛ وعَنِ التَّوْبِيخِ في قَوْلِهِ: ﴿وماذا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٣٩]؛ وعَنِ الوَعْدِ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: ٤٠] الآيَةَ، والتَّقْدِيرُ: إذا أيْقَنْتَ بِذَلِكَ فَكَيْفَ حالُ كُلِّ أُولَئِكَ إذا جاءَ الشُّهَداءُ وظَهَرَ مُوجَبُ الشَّهادَةِ عَلى العَمَلِ الصّالِحِ وعَلى العَمَلِ السَّيِّئِ، وعَلى هَذا فَلَيْسَ ضَمِيرُ ”بِكَ“ إضْمارًا في مَقامِ الإظْهارِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الفاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وإنْ تَكُ حَسَنَةٌ يُضاعِفْها﴾ [النساء: ٤٠]، أيْ يَتَفَرَّعُ عَنْ ذَلِكَ سُؤالٌ عَنْ حالِ النّاسِ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ؛ فالنّاسُ بَيْنَ مُسْتَبْشِرٍ ومُتَحَسِّرٍ، وعَلى هَذا فَضَمِيرُ ”بِكَ“ واقِعٌ مَوْقِعَ الِاسْمِ الظّاهِرِ لِأنَّ مُقْتَضى هَذا أنْ يَكُونَ الكَلامُ مَسُوقًا لِجَمِيعِ الأُمَّةِ، فَيَقْتَضِيَ أنْ يُقالَ: وجِئْنا بِالرَّسُولِ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا، فَعَدَلَ إلى الخِطابِ تَشْرِيفًا لِلرَّسُولِ ﷺ بِعِزِّ الحُضُورِ والإقْبالِ عَلَيْهِ.
(p-٥٧)والحالَةُ الَّتِي دَلَّ عَلَيْها الِاسْتِفْهامُ المُسْتَعْمَلُ في التَّعْجِيبِ تُؤْذِنُ بِحالَةٍ مَهُولَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ وتُنادِي عَلى حَيْرَتِهِمْ ومُحاوَلَتِهِمُ التَّمَلُّصَ مِنَ العِقابِ بِسُلُوكِ طَرِيقِ إنْكارِ أنْ يَكُونُوا أُنْذِرُوا مِمّا دَلَّ عَلَيْهِ مَجِيءُ شَهِيدٍ عَلَيْهِمْ، ولِذَلِكَ حُذِفَ المُبْتَدَأُ المُسْتَفْهَمُ عَنْهُ ويُقَدَّرُ بِنَحْوِ: كَيْفَ أُولَئِكَ، أوْ كَيْفَ المَشْهَدُ، ولا يُقَدَّرُ بِكَيْفَ حالِهِمْ خاصَّةً، إذْ هي أحْوالٌ كَثِيرَةٌ ما مِنها إلّا يَزِيدُهُ حالُ ضِدِّهِ وُضُوحًا، فالنّاجِي يَزْدادُ سُرُورًا بِمُشاهَدَةِ حالِ ضِدِّهِ، والمُوبَقُ يَزْدادُ تَحَسُّرًا بِمُشاهَدَةِ حالِ ضِدِّهِ، والكُلُّ يَقْوى يَقِينُهُ بِما حَصَلَ لَهُ بِشَهادَةِ الصّادِقِينَ لَهُ أوْ عَلَيْهِ، ولِذَلِكَ لَمّا ذَكَرَ الشَّهِيدَ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ مُتَعَلِّقَهُ بِعَلى أوِ اللّامِ: لِيَعُمَّ الأمْرَيْنِ. والِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلٌ في لازِمِ مَعْناهُ مِنَ التَّعْجِيبِ، وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكَيْفَ إذا جَمَعْناهُمْ﴾ [آل عمران: ٢٥] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.
و”إذا“ ظَرْفٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ مُضافٌ إلى جُمْلَةِ ”جِئْنا“ أيْ زَمانِ إتْيانِنا بِشَهِيدٍ. ومَضْمُونُ الجُمْلَةِ مَعْلُومٌ مِن آياتٍ أُخْرى تَقَدَّمَ نُزُولُها مِثْلَ آيَةِ سُورَةِ النَّحْلِ ﴿ويَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِن أنْفُسِهِمْ وجِئْنا بِكَ شَهِيدًا عَلى هَؤُلاءِ﴾ [النحل: ٨٩] فَلِذَلِكَ صَلَحَتْ لِأنْ يُتَعَرَّفَ اسْمُ الزَّمانِ بِإضافَتِهِ إلى تِلْكَ الجُمْلَةِ، والظَّرْفُ مَعْمُولٌ لِـ ”كَيْفَ“ لِما فِيها مِن مَعْنى الفِعْلِ وهو مَعْنى التَّعْجِيبِ، كَما انْتَصَبَ بِمَعْنى التَّلَهُّفِ في قَوْلِ أبِي الطَّمْحانِ:
؎وقَبْلَ غَدٍ، يا لَهْفَ قَلْبِي مِن غَدٍ إذا راحَ أصْحابِي ولَسْتُ بِرائِحِ
والمَجْرُورانِ في قَوْلِهِ: ﴿مِن كُلِّ أُمَّةٍ﴾ وقَوْلِهِ (بِشَهِيدٍ) يَتَعَلَّقانِ بِـ ”جِئْنا“ . وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ مُخْتَصَرًا عَلى نَظِيرِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكَيْفَ إذا جَمَعْناهم لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [آل عمران: ٢٥] .
وشَهِيدُ كُلِّ أُمَّةٍ هو رَسُولُها، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: ﴿وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ .
وهَؤُلاءِ إشارَةٌ إلى الَّذِينَ دَعاهُمُ النَّبِيءُ ﷺ لِحُضُورِهِمْ في ذِهْنِ السّامِعِ عِنْدَ سَماعِهِ اسْمَ الإشارَةِ، وأصْلُ الإشارَةِ يَكُونُ إلى مُشاهَدٍ في الوُجُودِ أوْ مُنَزَّلٍ مَنزِلَتَهُ، وقَدِ اصْطَلَحَ القُرْآنُ عَلى إطْلاقِ إشارَةِ (هَؤُلاءِ) مُرادًا بِها المُشْرِكُونَ، وهَذا مَعْنًى أُلْهِمْنا إلَيْهِ، واسْتَقْرَيْناهُ فَكانَ مُطابِقًا. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ إلى﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبُخْلِ﴾ [النساء: ٣٧] وهُمُ المُشْرِكُونَ والمُنافِقُونَ، لِأنَّ تَقَدُّمَ ذِكْرِهِمْ يَجْعَلُهم كالحاضِرِينَ فَيُشارُ إلَيْهِمْ، لِأنَّهم لِكَثْرَةِ تَوْبِيخِهِمْ ومُجادَلَتِهِمْ صارُوا كالمُعَيَّنِينَ عِنْدَ (p-٥٨)المُسْلِمِينَ. ومِن أضْعَفِ الِاحْتِمالاتِ أنْ يَكُونَ (هَؤُلاءِ) إشارَةً إلى الشُّهَداءِ، الدّالِّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ: ﴿مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾، وإنْ ورَدَ في الصَّحِيحِ حَدِيثٌ يُناسِبُهُ في شَهادَةِ نُوحٍ عَلى قَوْمِهِ وأنَّهم يُكَذِّبُونَهُ فَيَشْهَدُ مُحَمَّدٌ ﷺ بِصِدْقِهِ، إذْ لَيْسَ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ المَقْصُودَ مِن هَذِهِ الآيَةِ.
وذُكِرَ مُتَعَلِّقُ (شَهِيدًا) الثّانِي مَجْرُورًا بِعَلى لِتَهْدِيدِ الكافِرِينَ بِأنَّ الشَّهادَةَ تَكُونُ عَلَيْهِمْ، لِأنَّهُمُ المَقْصُودُ مِنِ اسْمِ الإشارَةِ.
وفِي صَحِيحِ البُخارِيِّ: أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ لِي النَّبِيءُ ﷺ «اقْرَأْ عَلَيَّ القُرْآنَ، قُلْتُ: أقْرَأُهُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ، قالَ: إنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِن غَيْرِي. فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّساءِ، حَتّى بَلَغْتُ ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾، قالَ: أمْسِكْ. فَإذا عَيْناهُ تَذْرِفانِ» . وكَما قُلْتُ: إنَّهُ أوْجَزَ في التَّعْبِيرِ عَنْ تِلْكَ الحالِ في لَفْظِ ”كَيْفَ“ فَكَذَلِكَ أقُولُ هُنا: لا فِعْلَ أجْمَعُ دَلالَةً عَلى مَجْمُوعِ الشُّعُورِ عِنْدَ هَذِهِ الحالَةِ مِن بُكاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإنَّهُ دَلالَةٌ عَلى شُعُورٍ مُجْتَمِعٍ فِيهِ دَلائِلُ عَظِيمَةٌ: وهي المَسَرَّةُ بِتَشْرِيفِ اللَّهِ إيّاهُ في ذَلِكَ المَشْهَدِ العَظِيمِ، وتَصْدِيقِ المُؤْمِنِينَ إيّاهُ في التَّبْلِيغِ، ورُؤْيَةِ الخَيْراتِ الَّتِي أُنْجِزَتْ لَهم بِواسِطَتِهِ، والأسَفِ عَلى ما لَحِقَ بَقِيَّةَ أُمَّتِهِ مِنَ العَذابِ عَلى تَكْذِيبِهِ، ومُشاهَدَةِ نَدَمِهِمْ عَلى مَعْصِيَتِهِ، والبُكاءُ تُرْجُمانُ رَحْمَةٍ ومَسَرَّةٍ وأسَفٍ وبَهْجَةٍ.
وقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآيَةَ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ، لِأنَّ السّامِعَ يَتَساءَلُ عَنِ الحالَةِ المُبْهَمَةِ المَدْلُولَةِ لِقَوْلِهِ: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾ ويَتَطَلَّبُ بَيانَها، فَجاءَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ مُبَيِّنَةً لِبَعْضِ تِلْكَ الحالَةِ العَجِيبَةِ، وهو حالُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ يَرَوْنَ بِوارِقَ الشَّرِّ: مِن شَهادَةِ شُهَداءِ الأُمَمِ عَلى مُؤْمِنِهِمْ وكافِرِهِمْ، ويُوقِنُونَ بِأنَّ المَشْهُودَ عَلَيْهِمْ بِالكُفْرِ مَأْخُوذُونَ إلى العَذابِ، فَيَنالُهم مِنَ الخَوْفِ ما يَوَدُّونَ مِنهُ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الأرْضُ.
وجُمْلَةُ ﴿لَوْ تَسَوّى بِهِمُ الأرْضُ﴾ بَيانٌ لِجُمْلَةِ (يَوَدُّ)، أيْ يَوَدُّونَ وُدًّا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ: ﴿لَوْ تَسَوّى بِهِمُ الأرْضُ﴾، ولِكَوْنِ مَضْمُونِها أفادَ مَعْنى الشَّيْءِ المَوْدُودِ صارَتِ الجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ بِمَنزِلَةِ مَفْعُولِ (يَوَدُّ) فَصارَ فِعْلُها بِمَنزِلَةِ المَصْدَرِ، وصارَتْ (لَوْ) بِمَنزِلَةِ حَرْفِ المَصْدَرِ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوَدُّ أحَدُهم لَوْ يُعَمَّرُ ألْفَ سَنَةٍ﴾ [البقرة: ٩٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
(p-٥٩)وقَوْلُهُ (﴿تَسَوّى﴾) قَرَأهُ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو جَعْفَرٍ بِفَتْحِ التّاءِ وتَشْدِيدِ السِّينِ فَهو مُضارِعُ تَسَوّى الَّذِي هو مُطاوِعُ سَوّاهُ إذا جَعَلَهُ سَواءً لِشَيْءٍ آخَرَ، أيْ مُماثِلًا، لِأنَّ السَّواءَ المِثْلُ فَأُدْغِمَتْ إحْدى التّاءَيْنِ في السِّينِ؛ وقَرَأهُ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ بِفَتْحِ التّاءِ وتَخْفِيفِ السِّينِ عَلى مَعْنى القِراءَةِ السّابِقَةِ لَكِنْ بِحَذْفِ إحْدى التّاءَيْنِ لِلتَّخْفِيفِ؛ وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو عَمْرٍو، ويَعْقُوبُ (تُسَوّى) بِضَمِّ التّاءِ وتَخْفِيفِ السِّينِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، أيْ تُماثَلُ. والمُماثَلَةُ المُسْتَفادَةُ مِنَ التَّسْوِيَةِ تُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مُماثَلَةً في الذّاتِ، فَيَكُونُ المَعْنى أنَّهم يَصِيرُونَ تُرابًا مِثْلَ الأرْضِ لِظُهُورِ أنْ لا يُقْصَدَ أنْ تَصِيرَ الأرْضُ ناسًا، فَيَكُونُ المَعْنى عَلى هَذا هو مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَقُولُ الكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا﴾ [النبإ: ٤٠] . وهَذا تَفْسِيرُ الجُمْهُورِ، وعَلى هَذا فالكَلامُ إطْنابٌ، قُصِدَ مِن إطْنابِهِ سُلُوكُ طَرِيقَةِ الكِنايَةِ عَنْ صَيْرُورَتِهِمْ تُرابًا بِالكِنايَةِ المَطْلُوبِ بِها نِسْبَةٌ، كَقَوْلِهِمْ: المَجْدُ بَيْنَ ثَوْبَيْهِ، وقَوْلِ زِيادٍ الأعْجَمِ:
؎إنَّ السَّماحَةَ والمُـرُوءَةَ والـنَّـدى ∗∗∗ في قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلى ابْنِ الحَشْرَجِ
أيْ أنَّهُ سَمْحٌ ذُو مُرُوءَةٍ كَرِيمٌ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مُماثَلَةً في المِقْدارِ، فَقِيلَ: يَوَدُّونَ أنَّهم لَمْ يُبْعَثُوا وبَقُوا مُسْتَوِينَ مَعَ الأرْضِ في بَطْنِها، وقِيلَ: يَوَدُّونَ أنْ يُدْفَنُوا حِينَئِذٍ كَما كانُوا قَبْلَ البَعْثِ.
والأظْهَرُ عِنْدِي: أنَّ المَعْنى التَّسْوِيَةُ في البُرُوزِ والظُّهُورِ، أيْ أنْ تَرْتَفِعَ الأرْضُ فَتُسَوّى في الِارْتِفاعِ بِأجْسادِهِمْ، فَلا يَظْهَرُوا، وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنْ شِدَّةِ خَوْفِهِمْ وذُلِّهِمْ، فَيَنْقَبِضُونَ ويَتَضاءَلُونَ حَتّى يَوَدُّوا أنْ يَصِيرُوا غَيْرَ ظاهِرِينَ عَلى الأرْضِ، كَما وصَفَ أحَدُ الأعْرابِ يَهْجُو قَوْمًا مِن طَيِّئٍ أنْشَدَهُ المُبَرِّدُ في الكامِلِ:
؎إذا مَـا قِـيلَ أيُّهُــمْ لِأيٍّ ∗∗∗ تَشابَهَتِ المَناكِبُ والرُّؤُوسُ
وهَذا أحْسَنُ في مَعْنى الآيَةِ وأنْسَبُ بِالكِنايَةِ.
وجُمْلَةُ ﴿ولا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً والواوُ عاطِفَةٌ لَها عَلى جُمْلَةِ ”يَوَدُّ“؛ ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ حالِيَّةً، أيْ يَوَدُّونَ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الأرْضُ في حالِ عَدَمِ كِتْمانِهِمْ، فَكَأنَّهم لَمّا رَأوُا اسْتِشْهادَ الرُّسُلِ، ورَأوْا جَزاءَ المَشْهُودِ عَلَيْهِمْ مِنَ الأُمَمِ (p-٦٠)السّالِفَةِ، ورَأوْا عاقِبَةَ كَذِبِ المُرْسَلِ إلَيْهِمْ حَتّى احْتِيجَ إلى إشْهادِ رُسُلِهِمْ، عَلِمُوا أنَّ النَّوْبَةَ مُفْضِيَةٌ إلَيْهِمْ، وخامَرَهم أنْ يَكْتُمُوا اللَّهَ أمْرَهم إذا سَألَهُمُ اللَّهُ، ولَمْ تُساعِدْهم نُفُوسُهم عَلى الِاعْتِرافِ بِالصِّدْقِ، لِما رَأوْا مِن عَواقِبِ ثُبُوتِ الكُفْرِ، مِن شِدَّةِ هَلَعِهِمْ، فَوَقَعُوا بَيْنَ المُقْتَضِي والمانِعِ، فَتَمَنَّوْا أنْ يَخْفَوْا ولا يَظْهَرُوا حَتّى لا يُسْألُوا فَلا يَضْطَرُّوا إلى الِاعْتِرافِ المُوبِقِ ولا إلى الكِتْمانِ المُهْلِكِ.
{"ayahs_start":41,"ayahs":["فَكَیۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِیدࣲ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِ شَهِیدࣰا","یَوۡمَىِٕذࣲ یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَعَصَوُا۟ ٱلرَّسُولَ لَوۡ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضُ وَلَا یَكۡتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِیثࣰا"],"ayah":"فَكَیۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِیدࣲ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِ شَهِیدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق