الباحث القرآني

طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (١٣٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١٣٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾ [النساء ١٣٤ - ١٣٧]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ الإعراب ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ هذه جملة شرطية، ففي الشرط فيها (كان)، وجواب الشرط قوله: ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾، واقترن الجواب بالفاء لأنه لا يصح أن يكون فعلًا للشرط، وكل جواب لا يصح أن يكون فعلًا للشرط فإنه يتعين أن يقترن بالفاء؛ كما قال ابن مالك رحمه الله: ؎وَاقْرِنْ بِفَا حَتْمًا جَوَابًا لَوْ جُعِلْ ∗∗∗ شَرْطًا لِإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْيَنْجَعِلْ هذا هو الضابط، وقد قُصَّ ما يشمله هذا الضابط بسبع جمل مذكورة في قوله: ؎اسْمِيَّةٌطَلَبِيَّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــةٌوَبِجَامِــــــــــــــــــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِمَا وَقَدْ وَبِلَنْ وَبِالتَّنْفِيسِ وقوله: ﴿عِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ جملة خبرية قدم فيها الخبر لإفادة الحصر؛ لأن من قواعد البلاغة أن تقديم ما حقه التأخير يقتضي الحصر. ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ واضح إعرابها. يقول الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ أي جزاءها ومتعها وزهرتها فقد فاته الخير الكثير؛ لأنه حُرم ما عند الله من ثواب الدنيا والآخرة، ولهذا لم يقل: من كان يريد ثواب الدنيا نؤته منها، كما جاء ذلك في آية أخرى ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى ٢٠] بل جاء الجواب على خلاف ما يتوقع السامع، يعني فكأنه لم ينل شيئًا. وهذه الآية لها شواهد كثيرة؛ أن من أراد الدنيا فإن الدنيا والآخرة تفوته. ثم هل ينال ما أراد من الدنيا؟ الجواب: لا؛ لقول الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإسراء ١٨، ١٩] ثم من أراد الآخرة هل تفوته الدنيا؟ لا، ولهذا قال عز وجل: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى ٢٠]. فمن أراد الآخرة لم تفته الدنيا، ومن أراد الدنيا قد تفوته الدنيا والآخرة، وإن أتته الدنيا فإنه لا يؤتى إلا منها، لا كل ما يريد. هذا هو الحاصل في الإرادات، ومن أراد الدنيا والآخرة معًا فهل نقول: إنه بين درجتين؟ أو نقول: إنه ينال ثواب الدرجة الثانية، وهي إرادة الآخرة؟ نقول هنا: أيهما أغلب فيمن أراد الدنيا والآخرة؟ إذا كان الأغلب الآخرة فإنه ينال ثواب الدنيا والآخرة، وإذا كان الأغلب الدنيا فإنه ينقص من ثواب الآخرة بقدر ما نوى من الآخرة، نعم بقدر ما نوى من الآخرة، فإذا كان نوى الآخرة كلها حصل له الثواب كله، أو بعضها يحصل له أقل. وقد جاءت الأحاديث شاهدة بهذا؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١)، ومسلم (١٩٠٧ / ١٥٥)من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ]]. ولهذا نجد الذين يريدون الدنيا أحيانًا يوفَّقون في الدنيا ويحصل لهم مرادهم أو بعضه، وأحيانًا لا يحصل لهم ويكونون أشد فقرًا من المسلمين. وقوله عز وجل: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ يعني وقد فاته ما يريد؛ لأنه في الواقع قد يؤتى ما يريد أو بعضه، ثم لو أتي فإنه لن يدوم، بل سيموت أو يفقد ما أوتي. ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ يعني أنه ثبت ثبوتًا أزليًّا وأبديًّا هذا الاسم، بل هذان الاسمان السميع والبصير وما تضمناه من صفة وهي السمع والبصر. وقد مر علينا أن السمع المضاف إلى الله تعالى ينقسم إلى قسمين، وتفرع من هذين القسمين أقسام كثيرة، وأظن أننا لا نطيل بإعادة ما سبق. * في هذه الآية الكريمة عدة فوائد، أولًا: ترتيب الثواب والجزاء على النية؛ لقوله: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ﴾، وعلى هذا فيجب على الإنسان أن يصحح نيته تمامًا، وألا ينوي في عمل الآخرة إلا الآخرة، أما عمل الدنيا فهو للدنيا. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الرد على الجبرية، وذلك بإثبات الإرادة للعبد، والجبرية يقولون: إن العبد ليس له إرادة وإنه مجبر على عمله، فليس له إرادة، وهذه الآية وغيرها ترد عليهم. * ومنها: بيان انحطاط رتبة الدنيا عند الله عز وجل، ولهذا قال: ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾، قال ابن القيم رحمه الله في النونية: ؎لَوْ سَاوَتِ الدُّنْيَا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ∗∗∗ لَمْ يَسْقِ مِنْهَا الرَّبُّ ذَا الْكُفْرَانِ؎لَكِنَّهَـــــــــــا وَاللهِأَحْقَـــــــــــــــــــــرُ عِنْدَهُ ∗∗∗ مِنْ ذَا الْجَنَاحِ الْقَـــــاصِرِالطَّيَرَانِ يعني لو أن الدنيا تساوي جناح بعوضة ما سقى الله أحدًا من الكفار ولا أنعم عليهم بشيء لكفرهم، لكن يتمتعون بها لأنها ليست عند الله بشيء، سواء تمتع بها أولياؤه أو أعداؤه، وهذا هو الواقع، فالدنيا إذا لم تكن وسيلة للآخرة فلا خير فيها، حتى لو نُعِّم فيها الإنسان فإن هذا النعيم جحيم، ولذلك تجد أشد الناس حرارة وأسى وحزنًا وقلقًا هم أصحاب الدنيا، ولا يغرنك ما عندهم من اللباس والقصور والنعيم والسيارات وغيرها، قلوبهم والله أسوأ حالا من أفقر المسلمين، ولهذا قال بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف[[أخرجه البيهقي في الزهد الكبير (١/ ٨١).]]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الذي يعطي الثواب هو الله عز وجل لا غيره: ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾. ويتفرع على هذه القاعدة: ألا نعتمد فيما نرجوه من ثواب الدنيا والآخرة إلا على من؟ إلا على ربنا عز وجل؛ لأنه الذي بيده الأمور، حتى قال الرسول ﷺ لابن عمه عبد الله بن عباس: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَ اللهُ لَكَ»[[أخرجه الترمذي (٢٥١٦) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]]. * ومن فوائد هذه الآية: إثبات الآخرة، ولم نقل: إثبات الدنيا، لماذا؟ لأنه ما يحتاج، لو قلنا: إثبات الدنيا، ثواب الدنيا، لكان هذا من باب اللغو: السماء فوقنا والأرض تحتنا، و ؎كَأَنَّنَا وَالْمَاءُ مِنْ حَوْلِنَا ∗∗∗ قَوْمٌ جُلُوسٌ حَوْلَهُمْ مَاءُ جزاه الله خيرًا على هذه الفائدة العظيمة! نعم أقول: هذه الآية تدل على ما ذكرنا من إثبات الآخرة وأنها آتية لا بد منه، وأنها هي الغاية لكل حي، ولهذا يجب علينا أن نشعر بأننا نحن في هذه الدنيا مسافرون كالمسافر تمامًا، بل أعجل من المسافر؛ لأن المسافر يسير ويمكث، ينزل ينام، يستريح، يريح الإبل، لكن الحي في الدنيا لا يستريح، هو سائر ليلًا ونهارًا قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا وسائرًا في كل حال، فعلينا أن نشعر أنفسنا بهذا لئلا نتخذها وطنًا، ومن نعمة الله سبحانه وتعالى على الإنسان، على العباد جميعًا، أنه لم يجعل نعيم هذه الدنيا كاملًا، بل ينغص لئلا يتخذ الإنسان أيش؟ مقرًّا ووطنًا، بل يعرف أنها ليست دار مقر، صفوها كدر، وراحتها عناء، بهذا نقول: إن الآخرة هي الأهم. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله، هما: السميع والبصير، وإثبات ما يترتب عليهما من وصف، وهو: * طالب: السمع والبصر. * الشيخ: وإثبات ما يترتب عليهما من أثر؟ * طالب: هو أن الله سبحانه وتعالى يسمع ويبصر. * الشيخ: هو أن الله يسمع ويبصر، يعني ليس سميعًا بلا سمع أو بلا بصر ولا ذا بصر بدون أن يبصر أو ذا سمع بدون أن يسمع.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب