الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ﴾ [ص 41] ﴿اذْكُرْ﴾ الخطاب للنبي ﷺ ويجوز أن يكون مُوَجَّهًا لكل من يتأتَّى خطابه من البشر.
وقوله: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا﴾ أعاد الفعل، ﴿اذْكُرْ﴾ مع أنه في قصة سليمان لم يُعِدْه، بل قال: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ﴾ [ص 30]، ولم يذكر ﴿اذْكُرْ﴾، قال بعض العلماء: لأن سليمان بن داود فقصتهما متقاربة كأنما هي قصة نبي واحد، أما أيوب فهو منفصل عنهما ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ﴾، والمراد بالعبد هنا المتذلل لطاعة الله وهذه العبودية من العبودية التي هي أخص الخاصة؛ لأنها عبودية الرسالة.
وقوله: ﴿أَيُّوبَ﴾ هذه عطف بيان أو بدل؟
* طالب: عطف بيان.
* الشيخ: منين؟
* الطالب: من ﴿عَبْدَنَا﴾.
* الشيخ: من ﴿عَبْدَنَا﴾.
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾ ﴿إِذْ﴾ متعلقة بـ﴿اذْكُرْ﴾، ويجوز أن تتعلق بمحذوف حالًا من (عبد) يعني في حال نداء ربه.
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾ أي: دعاه بصوت مرتفع؛ لأن النداء يكون بالصوت المرتفع، والنجاء يكون بالصوت المنخفض قال الله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم 52].
(﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي﴾ أي: بأني ﴿مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ﴾ ) قدَّر المؤلف الباء هنا؛ لأن همزة (أن) مفتوحة، والقاعدة أن همزة (أن) تكون مكسورة إذا جاءت بعد القول كقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ [مريم 30]، لكنها هنا مفتوحة فقدَّر المؤلف الباء؛ لأننا إذا قَدَّرْنَا الباء صارت تسبق هي وما بعدها المصدر، وإذا سبقت (أن) وما بعدها المصدرَ كانت مفتوحة الهمزة كما قال ابن مالك رحمه الله في الألفية:
؎وَهَمْزَ (إِنَّ) افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ ∗∗∗ مَسَدَّهَا وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ
(﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي﴾ أي بأني) ﴿مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ ﴿مَسَّنِيَ﴾ يعني: أصابني، و﴿الشَّيْطَانُ﴾ هو شيطان الجن.
(﴿بِنُصْبٍ﴾ ضر ﴿وَعَذَابٍ﴾ ألم) وكان الشيطان قد أذاه، ولكن هل هو إيذاء نفسي بأن ألقى في قلبه الوساوس التي أنهكت بدنه أو أنه إيذاء حسي كما قال بعضهم: إن الشيطان نفث في جسده حتى أصبح جسده كله جدريًّا يعني حبوبًا ضارة، فالله أعلم يحتمل هذا وهذا.
النُّصْب يعني الضرر والعذاب يعني الألم، لما نادى اللهَ عز وجل وتضرع إليه وعَلِمَ أنه لا ملجأ من الله إلا إليه حينئذ جاءه الفرج فقيل له: (﴿ارْكُضْ﴾ اضرب ﴿بِرِجْلِكَ﴾ ) وهذا الأمر من الله عز وجل.
قبلها المؤلف يقول: (ونسب ذلك إلى الشيطان وإن كانت الأشياء كلها من الله تأدبًا معه تعالى) نسب ذلك إلى الشيطان لأنه السبب، وإلا فالأمر كله بقدر الله، فالله تعالى هو الذي بحكمته سَلَّط عليه الشيطان، فالشيطان مباشر للعلة لكنَّ تسلطه كان بقضاء الله وقدره، والمؤلف رحمه الله سلك مسلكًا غير الذي قلتُه الآن فأنا أقول: نَسَبَه إلى الشيطان لأنه هو؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: لا، هو المباشر للعلة وهو سبب بلا شك، لكن سبب مباشر، وفي الحقيقة أن الشيطان إنما سُلِّط بقضاء الله وقَدَرِه المؤلف يرى أنه نُسِبَ إلى الشيطان تأدبًا، وإلَّا فالأصل نسبته إلى الله فهو كقوله تعالى عن الجن: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن 10]، فالجن قالوا: ﴿أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الجن 10] ومعلوم أن مريد الشر هو الله عز وجل لحكمة ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن 10] فهم حذفوا الفاعل تأدبًا مع الله عز وجل؛ لأن الشر ليس إليه.
على كل حال الشيطان هو الذي مَسَّ أيوب، وقد علمتم أن مَسَّه إما أن يكون مَسًّا نفسيًّا أو حسيًّا.
قال الله تعالى بعد أن تفرغ قلبُه من كل من سوى الله ولجأ إلى ربه قال: (﴿ارْكُضْ﴾ اضرب ﴿بِرِجْلِكَ﴾ ) اضرب بها الأرض، فضرب بها الأرض فنبع منها الماء بإذن الله، ما يحتاج إلى حَفَّار ولا إلى أحد يساعد، ضربة واحدة، فنبع الماء والله على كل شيء قدير. وهذا أحد الضربات التي نبع بها الماء على أنه آية من آيات الله، الثاني موسى يضرب الحجر فيتفجر اثنتي عشرة عينًا، الثالثة جبريل ضرب بعقبه أو جناحه مكان زمزم فنبع الماء، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير.
فضرب برجله الأرض (فنبعت عين ماء فقيل له: ﴿هَذَا مُغْتَسَلٌ﴾ ماء تغتسل به ﴿بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ تشرب منه) الله أكبر؛ يعني: أبيح له أن يغتسل ويشرب، وهذا الماء أيضًا مع أنه نبع من الأرض، والغالب أن النابع من الأرض يكون ساخنًا لكن هذا صار باردًا (فاغتسل به وشرب منه فذهب عنه كل داء كان بباطنه وظاهره) بقدرة الله عز وجل وإرادته.
ثم قال: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾ [ص 43] قال المؤلف: (أي: أحيا الله له مَنْ مات من أولاده ورزقه مثلهم) فجعل المؤلف الهبة بمعنى الإحياء، ولكنَّ في هذا نظرًا؛ لأن الإحياء يحتاج إلى ثبوت الإماتة من قبل، وليس في الآية ما يدل على هذا، بل إن الله وهب له أهله حيث أَوَوْا إليه بعد أن شردوا منه؛ لأن الرجل بسبب المرض النفسي، وربما نقول: النفسي والحسي البدني شرد منه أهله، عجزوا عن أن يعيشوا معه فشردوا، فلما عافاه الله أوى إليه أهله فتكون هذه الهبة إعادة ما سبق كما سَمَّى عمر بن الخطاب إعادةَ قيام رمضان جماعةً سماها بدعة[[أخرجه البخاري (2010) من حديث عمر بن الخطاب.]] مع أنها ليست بدعة في الواقع، مع أنها ليست هبة ولكن إعادة موهوب شرد.
وأما القول بأنه أحياهم بعد إماتتهم فهذا يحتاج إلى ثبوت الإماتة من قبل، ولكن الصحيح أنه لم تثبت الإماتة ولا الإحياء، وإنما هذه الهبة أيش؟ إعادة موهوب سبق؛ لأنهم نفروا منه وشردوا عنه.
وقوله: ﴿وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾ هذا هو الذي نقول: إن الله رزقه أولادًا جُدُدًا؛ لأن زوجته رجعت وحاله صلحت وصار ينجب فبارك الله له في ولده.
(﴿وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً﴾ نعمة ﴿مِنَّا وَذِكْرَى﴾ عظة ﴿لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ ).
قوله: ﴿رَحْمَةً﴾ إن كان عائدًا على الأهل ومَنْ وُهِبَ له من جديد فهي رحمة مخلوقة، والرحمة قد تُطْلَق على المخلوق كما قال الله تعالى في الجنة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ»[[متفق عليه؛ البخاري (4850)، ومسلم (2846 / 34) من حديث أبي هريرة.]]؛ وعلى هذا فتفسير المؤلف للرحمة بالنعمة تفسير أيش؟ صحيح ولَّا غير صحيح؟
* طلبة: صحيح.
* الشيخ: صحيح، إذا جعلنا الرحمة هنا عائدة على الأولاد على الأهل ومثلهم معهم فإن تفسيره صحيح لأن الرحمة هنا مخلوقة، وإن أريد بالرحمة صفة الله عز وجل يعني أن هذا من رحمتنا؛ أي: ناشئ عن رحمة الله فالرحمة هنا أيش؟ غير مخلوقة، الرحمة هنا غير مخلوقة؛ لأن صفات الله سبحانه وتعالى غير مخلوقة.
إذن كلام المؤلف لا يمكن أن يُخَطَّأ على الإطلاق حيث فَسَّر الرحمة بالنعمة، ومعروف أن الأشاعرة يفسرون رحمة الله بأيش؟ بالنعمة أو بالإحسان، ولا يرون أن لله رحمة هي صفته، فكلام المؤلف لا يُنْتَقَد من كل وجه؛ لاحتمال أن يكون المراد بالرحمة ما وهب الله له من الأهل ومثلهم معهم، يعني أنها يراد بها الموهوب والموهوب لا شك أنه مخلوق.
أما إذا أردنا ﴿رَحْمَةً مِنَّا﴾ الرحمة التي هي صفة الله أي أن هذا ناشئ عن رحمتنا التي نحن متصفون بها وهو الرب عز وجل فإن تفسير المؤلف ليس بصحيح؛ لأن الرحمة حينئذ تكون أيش؟ صفة من صفات الله ليست نعمة خلقًا بائنًا عن الله عز وجل.
وقوله: ﴿رَحْمَةً﴾ كيف نعربها؟
* طلبة: مفعول لأجله.
* الشيخ: إي، مفعول لأجله، وهذه علة السابقة، العلل قسمان: علة غائية منتظرة وعلة السابقة مُوجِبة؛ فمثلًا إذا غضب الإنسان وضرب ولده، الضرب هنا من الغضب العلة سابقة ولَّا لا؟
* طلبة: سابقة.
* الشيخ: سابقة، إذن عِلَّة موجبة، إذا سافر الإنسان ليَتَّجر فهنا العلة غائية لاحقة ما هي سابقة، الأولى عِلَّة باعثة موجبة، لا، الإيجاب في كل العلتين، لكنها باعثة حاملة للإنسان، والثانية علة غائية لاحقة.
﴿رَحْمَةً مِنَّا﴾ يعني نفسه تبارك وتعالى، وأتى بصيغة الجمع تعظيمًا لله، الغريب أن هذا الجمع من الألفاظ المتشابهة التي استدل بها النصارنيُّ على تعدد الآلهة؛ لأن النصراني يقول: إن الله ثالث ثلاثة ليس إلهًا واحدًا فيقول عندي دليل؛ ﴿خَلَقْنَا﴾ [الأعراف 181]، ﴿أَنْزَلْنَا﴾ [البقرة 99]، ﴿مِنَّا﴾، ﴿مِنْ لَدُنَّا﴾ [مريم 13] ﴿عِنْدَنَا﴾، كل هذه تدل على الجمع فنقول له: إن في قلبك لزيغًا؛ لأنك اتبعت المتشابه ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ [آل عمران 7]. ما الذي أعمى بصيرتك عن قول الله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة 163]؟! هذا محكم، والإتيان بصيغة الجمع للتعظيم أمر وارد في اللغة العربية، حتى الناس بأنفسهم وهم بشر لا يستحقون من العظمة ما يستحقه الخالق يعبِّرون عن أنفسهم بصيغة الجمع تعظيمًا لأنفسهم.
(﴿رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى﴾ عظة ﴿لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ لأصحاب العقول) ﴿رَحْمَةً مِنَّا﴾ هذه خاصة بأيوب وبأهله، ﴿وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ هذه عامة يتذكر بها أصحاب العقول بأي شيء يتذكرون في هذه القصة؟ يتذكرون في هذه القصة بأن المصائب تكون على الرسل وعلى غيرهم، وبأن الشيطان قد يُسَلَّط على الرسول.
يتذكرون بها؛ لأن الإنسان إذا لجأ إلى ربه ودعا ربه فإن الله يجيبه.
يتذكرون بها؛ لأنه كلما اشتد الكرب فانتظر الفرج، قال النبي ﷺ: «وَاعْلَمْ أَنْ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرَ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»[[أخرجه أحمد (2803) من حديث ابن عباس.]]، وقال الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ [البقرة 214] فقال الله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة 214] يعني: قريب من هذه الحال التي وصلت بالرسل إلى أن يقولوا: متى نصر الله يعني: يطلبونه شوقًا لا استبعادًا، ولكن شوقًا إليه كأنهم يقولون: يا رب، عجل لنا بالنصر، فقال الله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة 214].
إذن ﴿وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ من أي ناحية؟ من أن البلاء يشمل الأنبياء.
ثانيًا: أن الشيطان قد يُسَلَّط على الأنبياء.
ثالثًا: أن الله تعالى يجيب دعوة المضطرين إليه إذا صَدَق الإنسان في دعوته، فالله سبحانه وتعالى يجيب الدعوة، نسأل الله أن يرزقنا الصدق معه.
رابعًا: أنه كلما اشتدت الأمور فانتظر الفرج، فهذا أيوب لما اشتد به الأمر ولجأ إلى الله أجاب الله تعالى دعاءه.
خامسًا: أن زوال كرب النبي أيوب عليه الصلاة والسلام كان على يده؛ لأن الله تعالى لم ينزل شفاء بدون سبب ظاهر، بل بسبب هو الذي يباشره، كيف؟
قيل له: (اضرب برجلك) فخرج الدواء، وقيل: (اغتسل) فعالج نفسه إذن هو الذي استخرج الدواء، وباشر العلاج فكان علاجه على يده باستخراج الدواء وبالعلاج وكيفية استعمال الدواء.
(﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا﴾ هو حزمة من حشيش أو قضبان ﴿فَاضْرِبْ بِهِ﴾ زوجتك وكان قد حلف ليضربنها مئة ضربة لإبطائها عليه يومًا ﴿وَلَا تَحْنَثْ﴾ [ص 44] بترك ضربها فأخذ مئة عود من الإذخِر أو غيره فضرب بها ضربة واحدة) هذه فتوى من الله عز وجل لأيوب أفتاه بها تسهيلًا عليه وعلى أهله، أشرنا قبل قليل إلى أنه ما أصيب بهذه المصيبة من قِبَل الشيطان مصيبة نفسية ومصيبة بدنية ظاهرة، أين ذهب أهله؟ شردوا ومن جملتهم زوجته التي كان ينبغي أن تبقى معه على السراء والضراء فحلف أن يضربها مئة مرة يجلدها مائة جلدة؛ لأنها أغضبته وتركته فلما شفاه الله عز وجل من المرض بقي عليه الآن أن يفي بيمينه، أن يَبَرَّ بيمينه؛ فيضرب زوجته مئة ضربة، مئة ضربة قد يكون فيها شيء من الاشمئزاز بالنسبة للزوجة ومن الإحراج بالنسبة له، فأفتاه الله تعالى هذه الفتوى قال: خذ بيدك ضغثًا فيه مئة شمراخ واضربها به مرة واحدة، ويكفي عن مئة ضربة، ففعل، أخذ بيده ضغثًا فضربها به ضربة واحدة، فصار ذلك برًّا بيمينه؛ ولهذا قال ﴿فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾.
أين مفعول ﴿فَاضْرِبْ﴾؟ محذوف، وحُذِفَ -والعلم عند الله- للستر؛ لأنه ما في القرآن أنه أُمِرَ بضرب الزوجة، ولكن جاء ذلك في القصص المعروفة عند بني إسرائيل، ليس المقصود أن نعرف عين المضروب، المقصود أن نعرف أن الضرب الذي كان قد حلف عليه يحصل بر فيه بأخذ هذا الضغث والضرب به.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْنَثْ﴾ أصل الحنث الإثم، كما قال تعالى: ﴿وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة 46] يعني: على الإثم العظيم، والمراد به هنا بالحنث ألا يَبَرَّ بيمينه وعدم البِرِّ بيمين أن يترك ما حلف على فعله أو يفعل ما حلف على تركه، هذا الحنث، حلف ليشترين كتابًا قال: والله لأشترين كتابًا ولم يشترِ، ما تقولون؟
* طلبة: حنث.
* الشيخ: حنث بأيش؟ بترك ما حلف على فعله.
حلف على ألا يبيع هذا الكتاب، قال: والله لا أبيع هذا الكتاب، فباعه، حنث بماذ؟ بفعل ما حلف على تركه.
حلف ليشترين هذا الكتاب فاشتراه، ماذا نقول؟ بَرَّ بيمينه.
حلف ألا يبيع هذا الكتاب فلم يبعْه أيضًا بَرَّ بيمينه. إذن موافقة اليمين بِرٌّ ومخالفته حنث.
قال أهل العلم: يؤخذ من هذا أن عدم إبرار اليمين مكروه إلى الله؛ لأنه يُسَمَّى حِنْثًا، لكن من نعمة الله أنه رَخَّص لعباده بفعله، لكنهم إذا فعلوا كَفَّرُوا كفارة عن أيش؟ عن اليمين ولَّا عن الحنث؟
* طلبة: عن الحنث.
* الشيخ: عن الحنث؛ لأنها لو كانت عن اليمين لكان مَنْ يحلف يُكَفِّر، لكنها عن الحنث؛ لأن الأصل الإثم في مخالفة اليمين، لكن من رحمة الله عز وجل أن الله أباح لنا الحنث وأن نُكَفِّر عنه؛ ولهذا قال: ﴿فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾.
ثم قال الله عز وجل: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ [ص 44] أي: وجدنا أيوب يعني: ألفينا ﴿صَابِرًا﴾، ما الذي نصب ﴿صَابِرًا﴾؟ (وجد) تنصب كم؟
* طلبة: مفعولين.
* الشيخ: مفعولين: الأول الهاء في قوله: ﴿وَجَدْنَاهُ﴾، والثانية ﴿صَابِرًا﴾.
صبر أيوب عليه الصلاة والسلام كان صبرًا على قَدَرِ الله، وكان صبرًا عن معصية الله، ما تَجَزَّع ولا سخط وكان صبرًا على طاعة الله، بماذا؟ كان صبرًا على أقدار الله، ظاهر؛ لأنه صبر على ما مَسَّه من الشيطان، وعن معصية الله؛ لأنه لم يتسخط، وعلى طاعة الله؛ لأنه لجأ إلى الله ودعا الله عز وجل فأجابه.
أحيانًا يكون الدواء بالدعاء أنجع بكثير من الدواء الحسي، فيما سبق إذا تَعَسَّرت الولادة يؤتى إلى الشخص ويُطْلَب منه أن يقرأ للحامل عند تَعَسُّر الولادة فيقرأ بماء ثم يذهبون به ويمسحون به ما حول المنطقة وتشرب منه الحامل فتضع بدون ألم، هذا شيء مُجَرَّب مشاهد، وهذا أهون بكثير من المعالجة بالأدوية الحسية المادية، فهو عليه الصلاة والسلام لجأ إلى الله، وطلب الشفاء منه، وهذا صبر على أيش؟ على طاعة الله، فحصل له أنواع الصبر كلها.
قال: (﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ أيوب) (...) ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ صبر هذا الصبر العظيم؛ على المرض وفقد الأولاد وفقد الأهل، ومع ذلك ما نسي الله عز وجل لجأ إليه عند الشدائد.
﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ إعراب ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ أن نقول: ﴿نِعْمَ﴾ فعل ماضٍ جامد، صح؟ ﴿الْعَبْدُ﴾ فاعل، وهذا الفعل وشبهه يحتاج إلى شيئين إلى فاعل ومخصوص، فإن تقدَّم ما يدل على المخصوص استُغْنِي بما تقدم وإلا فإنه يُقَدَّر، وإن كان ظاهرًا فظاهر.
فمثلًا هنا ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ نقول: إن السياق يدل على المخصوص وحينئذ لا حاجة لتقديره، المعروف ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ من هو؟ أيوب، فلا حاجة للتقدير، لكن بعض النحويين يُقَدِّر ولو عُلِمَ؛ لأنه يرى أنه لا بد من ذكر الفاعل والمخصوص.
فيقول المؤلف: (﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ أيوب)، أيوب هو المخصوص، و﴿الْعَبْدُ﴾ فاعل.
﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ هذه الجملة استئنافية تعليلية، تعليل للثناء على أيوب بأنه نعم العبد لأنه كان أوابًا أي رجاعًا إلى الله سبحانه وتعالى.
* طالب: شيخ، قوله: ﴿فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾ حلف يضربها مئة ضربة، ضربها ضربة واحدة (...) الضربة الواحدة مئة عصا أم لا؟
* الشيخ: هي قضبان، مئة قضيب وقعت عليها دفعة واحدة.
* الطالب: (...) مئة ضربة.
* الشيخ: مئة ضربة.
* الطالب: (...) تكرار..
* الشيخ: هذا حصل؛ لأن هذا بس كان متتابعًا والآن صار مجتمعًا.
* طالب: شيخ -أحسن الله إليك- من ناحية صفة الصبر في أيوب هل نقول: إن كل نبي من الأنبياء يوجد فيه صفة بارزة أو نقول: (...) اجتمع له الكمال المطلق من الصفات البشرية (...) النبي عليه الصلاة والسلام أصبر الناس أصبر من أيوب، أو نقول: إن أيوب من جهة الصبر أصبر من النبي عليه الصلاة والسلام؟
* الشيخ: الفضل نوعان: فضل خاص وفضل مطلق ،فالفضل المطلق قد يوجد في المفضول صفة خاصة يتميز بها.
* الطالب: على النبي.
* الشيخ: حتى في الأنبياء، يكون أحد الأنبياء له صفة خاصة يتميز بها.
* طالب: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ﴾ هذا مقولة القول (...) تبارك وتعالى قَبَل دعوة أيوب قال له تبارك وتعالى: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾، و﴿هَذَا مُغْتَسَلٌ﴾ هذا كذلك مقولة القول..
* الشيخ: إي نعم، الظاهر أنه تابع للأول.
* الطالب: المغتَسَل هو الماء (...) المغتَسَل ماء مغتسِل.
* الشيخ: لا.
* الطالب: الماء مغتسِل يعني (...).
* الشيخ: لا، المغتسِل الإنسان تقول: اغتسلت بالماء فالماء مغتَسَل به، شوف عندنا الماء ومكان الماء، الماء مغتسَل به، ومكان الماء مغتسل وأما الفاعل مغتسِل فهو الإنسان.
* الطالب: والمراد هنا مكان الماء.
* الشيخ: مكان.
* طالب: (...) قلنا: إنه أخذ مئة عصا (...) عصا واحدة وكررها مئة مرة؛ لأنه لو حتى ضرب المئة ليس كل العصي ستصيبها (...) سوى الطرف المقابل (...).
* الشيخ: أيش الفائدة من الضغث يكفي عود واحد.
* الطالب: (...) الضغث هو الواحد..
* الشيخ: لا ما (...) يأخذ عصا واحد يضرب مئة مرة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أي بهذا الضغث (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما جاءت الفوائد.
* طالب: (...) صبر أيوب (...) محمد ﷺ صبر صبرَ رسالة (...).
* الشيخ: هذا صبر آخر، هذا من نوع ثان، ولكن ما أُصِيب الرسول بمرض كمرض أيوب، هذا نوع ثان من الصبر.
* طالب: قول الله عز وجل: ﴿وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾ [ص 43] (...) قد يكون زوجة ثانية، يمكن ذلك؟
* الشيخ: يمكن، لكن ما نعرف هذا، المعروف أن له زوجة واحدة، ولا يمنع أن يكون أعطاه الله زوجتين، الله أعلم.
* * *
* الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ﴾ [ص 45 - 52].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى:
﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ [ص 41] ما هو (النصب والعذاب) الذي مسه؟
* طالب: (النصب) هو عذاب حسي أو معنوي من الشيطان، وعذاب..
* الشيخ: النصب الضرر.
* الطالب: الضرر حسي أو معنوي.
* الشيخ: يعني: بدني أو نفسي.
* الطالب: (والعذاب) الألم.
* الشيخ: لماذا أضافه إلى الشيطان؟
* طالب: لأنه كان بسبب الشيطان.
* الشيخ: ومن الذي سلَّطَه؟
* الطالب: سلطه الله عز وجل لحكمة أرادها.
* الشيخ: لحكمة أرادها.
قوله: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ [ص 42] معنى ﴿ارْكُضْ﴾؟
* طالب: أي: اضرب.
* الشيخ: ويش يضرب؟
* الطالب: يضرب برجله الأرض فخرج الماء.
* الشيخ: قوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ﴾ [ص 43]، ويش المعنى؟
* طالب: قيل: إنهم أحياهم بعد إماتتهم وهذا القول فيه نظر، ولكن الصحيح عندما أُصيبَ بهذا الضر تركوه (...) فرجعهم الله سبحانه وتعالى إليه.
* الشيخ: ﴿وَهَبْنَا﴾ أعدنا.
* الطالب: أعدنا له أهله.
* الشيخ: أعدنا له أهله.
قوله تعالى: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا﴾ [ص 44]، ما هو الضغث؟
* طالب: هو مجموعة من الحشيش أو حزمة من الحشيش، أعواد يضرب بها زوجته مئة مرة؛ يعني: ضربة واحدة تكفيه عن المئة مرة.
* الشيخ: السبب، ليش المئة؟
* الطالب: لأنه حلف أن يضرب زوجته (...) مع أهله مئة جلدة.
* الشيخ: مئة جلدة فأفتاه الله بذلك.
قوله: ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ما موقع الجملة مما قبلها؟
* طالب: تعليلية.
* الشيخ: تعليل لأي شيء؟ لأن العلة لا بد أن يكون لها معلول؟
* الطالب: إي نعم؛ لأنه إرجاع إلى الله عز وجل.
* طالب آخر: (...).
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾، تعليل لقوله: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾.
* في هذه الآيات: الثناء على أيوب عليه الصلاة والسلام بما ذُكِرَ من أوصافه.
* وفيه أيضًا: الإشادة بمناقبه حيث أمر الله نبيه محمدًا ﷺ أن يذكر عبده أيوب.
* ومن فوائدها: بيان أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا؛ لقوله: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ﴾ [ص 41]، وبيان صدق لجوئهم إلى الله في كونهم يفزعون إليه عند الشدائد؛ لقوله: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ [ص 41].
* ومن فوائدها: جواز إضافة الأشياء إلى أسبابها؛ لأن أيوب أضاف هذا الضر للشيطان لأنه سببه.
* ومن فوائد هذه الآيات: جواز التوسل إلى الله تعالى بحال العبد؛ لأن أيوب تَوَسَّل إلى الله بحاله وهو أنه مسَّه الشيطان بنصب وعذاب ونظير هذا قول موسى: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص 24]، فتوَسَّل إلى الله بذكر حاله وأنه فقير إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا أحد أنواع التوسل الجائز، ويحسن هنا أن نذكر أو أن نستعيد ذكر هذه الأنواع، فهي:
أولًا: التوسل إلى الله بأسمائه.
ثانيًا: التوسل إلى الله تعالى بصفاته.
ثالثًا: التوسل إلى الله تعالى بأفعاله.
رابعًا: التوسل إلى الله تعالى بذكر حال الداعي.
خامسًا: التوسل إلى الله تعالى بدعاء مَنْ تُرْجى إجابته.
سادسًا: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان.
سابعًا: التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح.
كل هذه أنواع من التوسل جائزة، فالتوسل إلى الله بأسمائه مثل أن تقول: اللهم يا غفور اغفر لي.
وبصفاته: مثل قولك: اللهم برحمتك أستغيث، اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني إذا علمت الحياة خيرًا لي.
التوسل إلى الله بأفعاله: اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
التوسل إلى الله تعالى بذكر حال الداعي كما في الآية.
التوسل إلى الله تعالى بدعاء مَنْ ترجى إجابته كتوسل الصحابة بدعاء النبي ﷺ.
التوسل إلى الله تعالى بالإيمان؛ مثل قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران 16] ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّ﴾ [آل عمران 193].
السابع: التوسل إلى الله بالعمل الصالح؛ كقصة الثلاثة الذين لجؤوا إلى الغار فانطبقت عليهم الصخرة فتوسل كل منهم بعمله الصالح[[متفق عليه؛ البخاري (2272)، ومسلم (2743 / 99) من حديث عبد الله بن عمر.]]. هذه أنواع التوسل الجائز.
أما الممنوع فهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يجعله وسيلة لا شرعًا ولا قدرًا، فإن التوسل إلى الله تعالى بما لم يجعله وسيلة لا شرعًا ولا قدرًا محرم، وهو نوع من الاستهزاء بالله عز وجل.
فهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يجعله وسيلة لا شرعًا ولا قدرًا، فإن التوسل إلى الله تعالى بما لم يجعله وسيلة لا شرعًا ولا قدرًا محرَّمٌ، وهو نوع من الاستهزاء بالله عز وجل، كأن الإنسان يتقدم بشيء يجعله وسيلة وليس بوسيلة، فكأنه يستجهل الله عز وجل يتوسل إليه بشيء ليس بوسيلة ويجعله وسيلة، إذن الله جاهل على هذا الفعل أو بناء على هذا التوسل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان إجابة الله للدعاء، وهو دليل على مِنَّته على عباده؛ لقوله: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ [ص 42].
* ومن فوائدها: بيان قدرة الله؛ حيث أنبع الماء من ضرب الرِّجل.
* ومن فوائدها: إثبات الأسباب؛ لقوله: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾، ولو شاء الله لأنبع له الماء بدون ركض بالرجل، ولكن الله تعالى جعل ذلك سببًا.
* ومن فوائدها: أن الله تعالى قد يجعل السبب الضعيف الذي لا يقوم بالمسبب سببًا مؤثرًا، كما أنه قادر على أن يمنع السبب المؤثر فلا يؤثر، فالركض بالرِّجل ليس من العادة أن ينبع الماء، والإلقاء في النار من العادة أن يحرق، فإبراهيم ألقي في النار فلم يحترق، وأيوب ركض برجله، فنبع الماء إذن فيه دليل على أن الله قد يجعل السبب الضعيف قويًّا مؤثرًا، ويجعل السبب القوي المؤثر غير مؤثر.
* ومن فوائد هذه الآية: بيان القدرة الإلهية بكون هذا الماء النابع من جوف الأرض باردًا وصالحًا للشرب.
* ومن فوائدها: الإشارة إلى المطهر للباطن، وهو ما يعرف عند الناس الآن في (...)؛ يعني يتخذون أشياء ملينة للبطن تنظفه؛ لقوله: ﴿هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾.
* ومن فوائدها: أن الله تعالى يَمُنُّ على العبد بأكثر مما فقد إذا صبر واحتسب؛ لأن أيوب وهَبَ الله له أهله ومثلهم معهم، فأنت اصبر تظفر.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن ما حصل للإنسان من نعمة فإنه بمقتضى رحمة الله؛ لقوله: ﴿رَحْمَةً مِنَّا﴾ [ص 43].
* ومن فوائدها: أن في هذه القصة العظيمة ﴿ذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾، وقد سبق لنا بيان وجه هذه الذكرى، وأظننا ذكرنا كم وجهًا؟ أربعة أوجه أو خمسة.
* من فوائدها: جواز استعمال الحيلة المباحة؛ لقوله: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ﴾ [ص 44]. وهذا الحكم ثابت حتى في الشريعة الإسلامية.
فلو حلف رجلٌ أن يضرب شخصًا مئة مرة، وكان هذا الشخص لا يتحمل الضرب مئة مرة، قال أهل العلم: فله أن يأخذ ضغثًا فيه مئة شمراخ ويضرب به، وبنوا على هذا ما لو زنى رجل مريض مرضًا لا يُرْجَى زواله ولا يتحمل الجلد مئة على انفراد، قالوا: فإنه يجمع له ضغث فيه مئة عود ويُضْرَبُ به ضربة واحدة، أخذًا مما أفتى الله به مَن؟ أيوب.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الحنث في اليمين في الأصل أو أن المخالفة في اليمين في الأصل حرام؛ لقوله: ﴿وَلَا تَحْنَثْ﴾. ولكن الله تعالى يسَّر لعباده فأجاز لهم الحنث مع الكفارة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ إلى قوله: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة 89].
قال العلماء: ﴿احْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ أي: لا تكثروا اليمين. وقال بعضهم: احفظوها من الحنث، فلا تحنثوا فيها. والوجهان كلاهما لا يتنافيان، المهم أن الإنسان ينبغي له أن يحفظ يمينه فلا يحنث، لكن مع ذلك أحيانًا يكون الحنث خيرًا.
وقد قسَّم العلماء رحمهم الله الحنث في اليمين إلى الأحكام الخمسة؛ فقالوا: قد يجب الحنث، وقد يَحْرُم، وقد يُكْرَه، وقد يُسْتَحب، وقد يُباح.
فإذا حلف ألَّا يصلي مع الجماعة فالحنث واجب؛ يجب أن يصلي ويكفِّر، ولو حلف أن يشرب الخمر فالحنث واجب؛ يجب أن يدعه وأن يكفِّر، ولو حلف ألَّا يشرب الخمر كان الحنث محرمًا؛ لأنه لو شرب لفعل محرمًا ووقع في محرَّمٍ، ولو حلف ألَّا يصلي راتبة الظهر فالحنث هنا مستحب، ولو حلف أن يأكل بصلًا أو ثومًا وهو ممن يحضر المسجد كان الحنث مستحبًّا، ولو حلف ألَّا يأكل كان مكروهًا. المهم أن المكروه والمستحب متضادان، والواجب والمحرم متضادان، أما المباح فهو إذا تساوت المصلحة والمفسدة فهو مباح.
* ومن فوائد هذه الآيات: الثناء على أيوب بالصبر؛ لقوله: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ [ص 44]، وهذا يتعدى إلى غيره، فإن من كان صابرًا فهو محل للثناء.
* ومن فوائد الآية: الثناء على أيوب بهذا الوصف: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾، والعبودية لله عز وجل لا شك أنها تمام الحرية، فكل من كان لله أعبد فهو أشد تحررًا ممن كان على العكس. وقد قال ابن القيم رحمه الله بيتا في النونية مفيدًا قال:
؎هَرَبُوا مِنَ الرِّقِّ الَّذِي خُلِقُوا لَهُ ∗∗∗ وَبُلُوا بِرِقِّ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ
رحمه الله. يعني الإنسان لا بد أن يخضع لشيء، فهؤلاء
؎هَرَبُوا مِنَ الرِّقِّ الَّذِي خُلِقُوا لَهُ ∗∗∗ ..............................
وهو عبادة الله.
؎................................ ∗∗∗ وَبُلُوا بِرِقِّ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ
صاروا عبيدًا لنفوسهم وشياطينهم، فأشرف أوصاف الإنسان أن يكون عبدًا لله عز وجل. أسأل الله أن يجعلني وإياكم من عباد الله الصالحين.
* ومن فوائد هذه الآية: الثناء على أيوب بكونه رجَّاعًا إلى الله تعالى بفعل الطاعات وترك المعاصي؛ لقوله: ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾، وعلى هذا فيكون هذا الوصف ثناءً لكل من اتصف به، فكل من كان رجَّاعًا إلى الله فإنه يُثْنَى عليه.
* ومن فوائد الآيات: إثبات الأسباب وجواز نسبة الشيء إلى سببه المعلوم حسًّا أو شرعًا؛ يعني يجوز أن يُضاف الشيء إلى سبب المعلوم حسًّا أو شرعًا بدون أن ينسب إلى الله، فلو قلت مثلًا: سقطت في البحر، ولولا فلان لغرقت لكان هذا صحيحًا. لماذا؟ لأنه أضافه إلى سبب معلوم؛ فلان هو الذي انتشله من الماء، ولو قال: سقطت في البحر، ولولا فلان الولي الميت لهلكت لكان هذا شركًا، وهو شرك أكبر في هذا الحال.
المهم أن إضافة الشيء إلى سببه المعلوم دون أن يضاف إلى الله هذا جائز، ومن ذلك قول الرسول ﷺ في عمه أبي طالب: «لَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (3883)، ومسلم (209 / 357) من حديث العباس بن عبد المطلب.]]، «لَوْلَا أَنَا»، » فأضاف الشيء إلى سببه المعلوم، أما إذا أضافه إلى سبب غير معلوم فهذا نوع من الشرك؛ قد يكون أكبر، وقد يكون أصغر، بحسب الحال.
* طالب: الفائدة ما ذكرنا، من أين أخذناها؟
* الشيخ: من قوله: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ﴾ [ص 41] أضافه إلى السبب.
{"ayahs_start":41,"ayahs":["وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَاۤ أَیُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥۤ أَنِّی مَسَّنِیَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بِنُصۡبࣲ وَعَذَابٍ","ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَۖ هَـٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدࣱ وَشَرَابࣱ","وَوَهَبۡنَا لَهُۥۤ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةࣰ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ","وَخُذۡ بِیَدِكَ ضِغۡثࣰا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَـٰهُ صَابِرࣰاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥۤ أَوَّابࣱ"],"ayah":"وَخُذۡ بِیَدِكَ ضِغۡثࣰا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَـٰهُ صَابِرࣰاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥۤ أَوَّابࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق