الباحث القرآني
ولَمّا أجْمَلَ العَذابَ الصّالِحَ لِألَمِ الظّاهِرِ؛ وذَكَرَ المُخَلِّصَ مِنهُ؛ أتْبَعَهُ التَّنْبِيهَ عَلى أعْظَمِهِ؛ وهو ألَمُ الباطِنِ؛ بَلْ أبْطَنُ الباطِنِ؛ التَّعَلُّقُ بِالِاعْتِقادِ فِيما وسْوَسَ لِزَوْجِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -؛ بِما كادَ يُزِلُّها؛ فَحَلَفَ لِيَضْرِبَنَّها مِائَةً؛ لِئَلّا تَعُودَ إلى شَيْءٍ مِن ذَلِكَ؛ فَيُزِلَّها عَنْ مَقامِها؛ كَما أزَلَّ غَيْرَها؛ فَأرْشَدَهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - إلى المُخَلِّصِ مِن ذَلِكَ الحَلِفِ؛ عَلى أخَفِّ وجْهٍ؛ لِأنَّها كانَتْ صابِرَةً مُحْسِنَةً؛ فَشَكَرَ اللَّهُ لَها ذَلِكَ؛ وجَعَلَ هَذا المُخَلِّصَ بَعْدَها سُنَّةً باقِيَةً لِعِبادِهِ؛ تَعْظِيمًا لِأجْرِها؛ وتَطْيِيبًا لِذِكْرِها؛ فَقالَ - عاطِفًا عَلى (p-٣٩٣)﴿ارْكُضْ﴾ [ص: ٤٢] -: ﴿وخُذْ بِيَدِكَ﴾؛ أيْ: الَّتِي قَدْ صارَتْ في غايَةِ الصِّحَّةِ؛ ﴿ضِغْثًا﴾؛ أيْ: حُزْمَةً صَغِيرَةً مِن حَشِيشٍ؛ فِيها مِائَةُ عُودٍ؛ كَشِمْراخِ النَّخْلَةِ؛ قالَ الفَرّاءُ: هو كُلُّ ما جَمَعْتَهُ مِن شَيْءٍ؛ مِثْلَ الحُزْمَةِ الرَّطْبَةِ؛ وقالَ السَّمِينُ: وأصْلُ المادَّةِ يَدُلُّ عَلى جَمِيعِ المُخْتَلِطاتِ؛ ﴿فاضْرِبْ بِهِ﴾؛ أيْ: مُطْلَقَ ضَرْبٍ؛ ضَرْبَةً واحِدَةً؛ ﴿ولا تَحْنَثْ﴾؛ في يَمِينِكَ؛ أيْ تَأْثَمْ بِتَرْكِ ما حَلَفْتَ عَلى فِعْلِهِ؛ فَهَذا تَخْفِيفٌ عَلى كُلٍّ مِنهُما لِصَبْرِهِ؛ ولَعَلَّ الكَفّارَةَ لَمْ تَكُنْ فِيهِمْ؛ وخَصَّنا اللَّهُ بِها؛ مَعَ شَرْعِهِ فِينا؛ ما أرْخَصَهُ لَهُ تَشْرِيفًا لَنا؛ وكُلُّ هَذا إعْلامًا بِأنَّ اللَّهَ (تَعالى) ابْتَلاهُ ﷺ في بَدَنِهِ؛ ووَلَدِهِ؛ ومالِهِ؛ ولَمْ يَبْقَ لَهُ إلّا زَوْجَةٌ فَوَسْوَسَ لَها الشَّيْطانُ؛ طَمَعًا في إيذائِهِما؛ كَما آذى آدَمَ وحَوّاءَ - عَلَيْهِما السَّلامُ -؛ إلى أنْ قارَبَ مِنها بَعْضَ ما يُرِيدُ؛ والمُرادُ بِالإعْلامِ بِهِ تَذْكِيرُ النَّبِيِّ ﷺ بِأنَّهُ إنْ كانَ مَكَّنَ الشَّيْطانَ مِنَ الوَسْوَسَةِ لِأقارِبِهِ؛ والإغْواءِ والإضْلالِ؛ فَقَدْ مَنَّ عَلَيْهِ بِزَوْجِهِ؛ أعْظَمِ وُزَراءِ الصِّدْقِ؛ وكَثِيرٍ مِن أقارِبِهِ الأعْمامِ؛ وبَنِي الأعْمامِ؛ وغَيْرِهِمْ؛ وحَفِظَ لَهُ بَدَنَهُ ومالَهُ؛ لِيَزْدادَ شُكْرُهُ لِلَّهِ (تَعالى)؛ وفي القِصَّةِ إشارَةٌ إلى أنَّهُ قادِرٌ عَلى أنْ يُطِيعَ لَهُ مَن يَشاءُ؛ فَإنَّهُ قادِرٌ عَلى التَّصَرُّفِ في المَعانِي؛ كَقُدْرَتِهِ عَلى التَّصَرُّفِ في الذَّواتِ؛ وأنَّهُ - سُبْحانَهُ - يَهَبُ لِهَذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ قَوْمَهُ العَرَبَ؛ الَّذِينَ هُمُ الآنَ أشَدُّ النّاسِ (p-٣٩٤)عَلَيْهِ؛ وغَيْرَهُمْ؛ فَيُطِيعُهُ الكُلُّ.
ولَمّا كانَ الصَّبْرُ والأفْعالُ المُرْضِيَةُ عَزِيزَةً في العِبادِ؛ لا تَكادُ تُوجَدُ؛ فَلا يَكادُ يُصَدَّقُ بِها؛ عَلَّلَ - سُبْحانَهُ - هَذا الإكْرامَ لَهُ ﷺ وأكَّدَهُ؛ فَقالَ - عَلى سَبِيلِ الِاسْتِنْتاجِ مِمّا تَقَدَّمَ؛ رَدًّا عَلى مَن يَظُنُّ أنَّ الشَّكْوى إلَيْهِ تُنافِي الصَّبْرَ؛ وإشارَةً إلى أنَّ السِّرَّ في التَّذْكِيرِ بِهِ التَّأسِّيَ في الصَّبْرِ -: ﴿إنّا﴾؛ أيْ: عَلى ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ؛ ﴿وجَدْناهُ﴾؛ أيْ: في عالَمِ الشَّهادَةِ؛ طِبْقَ ما كانَ لَنا في عالَمِ الغَيْبِ؛ لِيَتَجَدَّدَ لِلنّاسِ مِنَ العِلْمِ بِذَلِكَ ما كُنّا بِهِ عالِمِينَ؛ ولَمّا كانَ السِّياقُ لِلْحَثِّ عَلى مُطْلَقِ الصَّبْرِ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿واصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ﴾ [المزمل: ١٠] أتى بِاسْمِ الفاعِلِ مُجَرَّدًا عَنْ مُبالَغَةٍ؛ فَقالَ: ﴿صابِرًا﴾؛ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ قَوْلَهُ: ﴿نِعْمَ العَبْدُ﴾؛ ثُمَّ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ - مُؤَكِّدًا؛ لِئَلّا يُظَنَّ أنَّ بَلاءَهُ قادِحٌ في ذَلِكَ -: ﴿إنَّهُ أوّابٌ﴾؛ أيْ: رَجّاعٌ بِكُلِّيَّتِهِ إلى اللَّهِ - سُبْحانَهُ - عَلى خِلافِ ما يَدْعُو إلَيْهِ طَبْعُ البَشَرِ؛ قالَ الرّازِيُّ؛ في اللَّوامِعِ: قالَ ابْنُ عَطاءٍ: واقِفٌ مَعَنا بِحُسْنِ الأدَبِ؛ لا يُغَيِّرُهُ دَوامُ النِّعْمَةِ؛ ولا يُزْعِجُهُ تَواتُرُ البَلاءِ والمِحْنَةٍ؛ رَوى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ؛ في مَسْنَدِهِ؛ عَنْ أبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: «وضَعَ رَجُلٌ يَدَهُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: واللَّهِ ما أُطِيقُ أنْ أضَعَ يَدِيَ عَلَيْكَ مِن شِدَّةِ حُمّاكَ؛ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”إنّا مَعْشَرَ الأنْبِياءِ يُضاعَفُ لَنا البَلاءُ؛ كَما يُضاعَفُ لَنا (p-٣٩٥)الأجْرُ؛ إنْ كانَ النَّبِيُّ مِنَ الأنْبِياءِ لَيُبْتَلى بِالقُمَّلِ حَتّى يَقْتُلَهُ؛ وإنْ كانَ النَّبِيُّ مِنَ الأنْبِياءِ لَيُبْتَلى بِالفَقْرِ حَتّى يَأْخُذَ العَباءَةَ فَيُحَوِّيَها؛ وإنْ كانُوا لَيَفْرَحُونَ بِالبَلاءِ كَما يَفْرَحُونَ بِالرَّخاءِ“».
{"ayah":"وَخُذۡ بِیَدِكَ ضِغۡثࣰا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَـٰهُ صَابِرࣰاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥۤ أَوَّابࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق