(ست وأربعون آية).
قوله: (مكية) أصح الأقوال في المكي والمدني: أن ما نزل بعد الهجرة فهو مدني وإن نزل بمكة، وما نزل قبل الهجرة -أي قبل وصول النبي ﷺ المدينة- فإنه مكي ولو نزل في غير مكة، هذا هو أصح ما قيل في تعريف المكي والمدني.
الغالب في الآيات المكية: قوة العبارة وشدتها وقصر الآيات، وموضوعها غالبًا في أصول الدين وتقرير التوحيد.
وأما الآيات المدنية فإنها بالعكس تجد عباراتها أسهل وأطول، وغالب موضوعها في فروع الدين؛ لأن الناس غالبهم قد قاموا بالتوحيد. ولها ضوابط معروفة في أصول التفسير وعلامات.
وهنا يقول: إنها مكية.
واعلم أن السورة إذا كانت مكية واستُثني بعض آياتها مثلًا يقول: مكية إلا آية كذا وكذا. فإن هذا الاستثناء غير مقبول من قائله إلا بدليل؛ لأن الأصل أن السورة جزء واحد؛ بمعنى أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا نزلت آية قال: «ضَعُوهَا فِي مَوْضِعِ كَذَا مِنْ سُورَةِ كَذَا»[[أخرجه أبو داود (٧٨٦)، والترمذي (٣٠٨٦)، وأحمد في المسند (٣٩٩)، والنسائي في الكبرى (٧٩٥٣) من حديث عثمان.]].
فالسور المكية مكية، ولا يُستثنى منها شيء، والسورة المدنية مدنية، ولا يُستثنى منها شيء إلا بدليل، دليل لا يكفي أن يقول العالم: إلا كذا إلا كذا، لا بد فيه من سند؛ لأن هذا خبر، والأخبار لا بد من سند لها حتى تصل إلى غاية السند.
وقول المؤلف: (إنها خمس أو ست وأربعون آية) هذا لا يضر، الاختلاف في عدد الآيات أمر ليس بضار؛ ولهذا في سورة الفاتحة كما تعلمون، اختلف العلماء هل البسملة آية من آياتها أو مستقلة مع الاتفاق على أن الفاتحة سبع آيات.
قال الله عز وجل: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.
البسملة آية من كتاب الله مستقلة، لا تكون تبعًا لما قبلها، ولا مُقدِّمة لما بعدها؛ بمعنى: أنها ليست من التى قبلها ولا من التي بعدها لكنه يؤتى بها في ابتداء السور علامة على ابتدائها، إلا في سورة براءة، فإن الله تعالى لم يُنزل فيها بسملة، لماذا؟
يقول بعض العلماء: لأنها بعض من سورة الأنفال.
ويقول آخرون: لأنها نزلت بالسيف والشدة على المنافقين والكفار، وهذا لا يناسبه البداءة بالبسملة التي هي ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، فإن البسلمة بركة ورحمة لا تتناسب مع الشدة والغِلْظة والقتل والقتال.
ولكن هذا ليس بصحيح بل أقرب شيء أن الصحابة أشكل عليهم، هل هي من الأنفال أو مستقلة فوضعوا فاصلًا ولم يضعوا البسملة، فلم يجزموا لا بهذا ولا بهذا على أننا نعلم بأن الله تعالى لم يُنزلها؛ لأنها لو نزلت -البسملة بين الأنفال وبراءة- لو نزلت لكان بقاؤها حتميًّا؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر ٩]، وعلى هذا فيكون اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم مطابقًا تمامًا بواقع الحال.
أما إعرابها: فقد تقدم مرارًا، وذكرنا أن أحسن الإعرابات فيها أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف مؤخر فعلي مناسب.
فإذا أردت أن تتوضأ وقلت: بسم الله الرحمن الرحيم؛ فالتقدير: باسم الله أتوضأ.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ إلى آخره [فاطر: ١]. اعلم أن الحمد هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم، هذا هو الحمد. وقد حمد الله نفسه سبحانه وتعالى في أول الأمور وآخرها، وفي أول الأمور الكونية قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [فاطر ١]، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام ١].
وفي أول الأمور الشرعية قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ [الكهف ١].
كما حمد نفسه على منتهى الأمور أيضًا، قال الله تعالى في آخر سورة الزمر: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزمر ٧٥]، فحمد الله سبحانه وتعالى نفسه في أول الأمر وفي منتهى الأمر؛ لأن الله سبحانه وتعالى له الأمر أولًا وآخرًا، وكل أمره فإنه محمود عليه؛ لأنه مبني على الحكمة والرحمة.
هنا يقول: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [فاطر ١] ﴿الْحَمْدُ﴾ مبتدأ، و﴿لِلَّهِ﴾ خبره، واللام هنا للاستحقاق والاختصاص للمعنيين جميعًا، أما كونها للاستحقاق فلأنه لا أحد أحق بالحمد من الله عز وجل، فإنه محمود على كل حال؛ لأن كل ما يفعله وكل ما يشرعه سبحانه وتعالى فإنه محمود عليه لكماله.
وأما كونها للاختصاص: فلأن الحمد (أل) هنا للاستغراق، أي: كل حمد فهو لله ثابت له، ومعلوم أنه لا أحد يختص بهذا الوصف العام الشامل إلا الله عز وجل؛ لأن من يُحمَد سوى الله لا يُحمد إلا على أشياء جزئية، الجزئية غير شاملة، لكن الذي يُحمد على كل شيء هو الله؛ وبهذا عرفنا أن اللام للاستحقاق والاختصاص أيضًا.
قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [فاطر ١] قال المؤلف: (حمد تعالى نفسه بذلك كما بَيَّنَ في أول سبأ) في أول سبأ قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ﴾ [سبأ ١].
لكن هناك حمد نفسه لعموم مُلكه الذي له ما في السماوات والأرض، وهنا حمد نفسه لابتداء خلقه، قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [فاطر ١].
﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال المؤلف في تفسيره: (...). بل لهم عقول أخص من عقول البشر؛ لأن عقول البشر قد تستولي عليها الشهوة فيضيع الإنسان عقله.
﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ [فاطر ١] جمع (رسول). يقول: (إلى الأنبياء) والأصح: إلى الأنبياء وغيرهم، يقول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام ٦١] رسل الله عز وجل إلى هذا المحتضر ليقبضوا روحه فهم رُسل إلى الأنبياء وإلى غيرهم، فتخصيص الآية بالأنبياء يُعتبر قصورًا في التفسير.
﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ [فاطر ١] ﴿أُولِي﴾ بمعنى أصحاب، يعني أن الملائكة لهم أجنحة وهو جمع (جَنَاح)، هذا الجناح يطيرون به بسرعة فائقة أسرع من الجن؛ بدليل أن العفريت من الجن قال لسليمان لما قال: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ [النمل ٣٨، ٣٩].
وكان له عادة يقوم في وقت معين فقال: ﴿قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ [النمل ٣٩] يعني في الوقت المعين، وإلا لكان الأمر مبهمًا، ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل ٤٠] يعني مثلًا النظر أبعد شيء أنه قال هكذا قبل أن يرتد إليه طرفه فإنه يأتيه به، وفعلًا أتاه؛ ولهذا قال: ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا﴾ [النمل ٤٠].
قال العلماء: إن الذي عنده عِلم من الكتاب كان يعرف اسم الله الأعظم، وأنه دعا باسم الله الأعظم فحملته الملائكة، وألقته بين يدي سليمان، وهذا يدل على أن الملائكة أسرع من الجن، ولا شك في هذا أنهم أسرع وأقوى، فهم لهم أجنحة يطيرون بها بسرعة فائقة عظيمة.
جبريل عليه الصلاة والسلام كان له ست مئة جناح، كل جناح له قوة عظيمة في الحمل والطيران، ماذا تكون سرعته؟ لا شك أنها سرعة فائقة جدًّا؛ لأننا إذا رأينا الآن الطائرات النفاثة أجنحتها اللي تحملها وهي المراوح التي تُدخل الهواء ليحمل الطائرة ما تبلغ هذا المبلغ ولا عُشْره، ومع ذلك ترتقي بهذه السرعة العظيمة وهذا الارتفاع العظيم، فجبريل عليه الصلاة والسلام له ست مئة جناح قد سد الأفق، وهذا يدلك على أنهم لهم سرعة فائقة عظيمة.
هذه الأجنحة: ﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [فاطر ١] وأكثر ولَّا لا؟ نعم وأكثر ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ [فاطر ١].
قوله: ﴿مَثْنَى﴾ ظاهرها أن ذلك في العدد لا في الصنف؛ لأن هذا هو الأصل، ويحتمل أن يكون في الصنف؛ لأننا مثلًا نرى الطائر مثلًا له جناحان، لكن كل ريشة من هذه الأجنحة لها عمل خاص في تكييف الطيران، منها مثلًا ما ينصبه حتى يرتفع، ويخفضه حتى ينزل، ويفرشه حتى يستقر، هذا شيء مُشاهَد؛ ولهذا بعض الأحيان تنتف أشياء معينة من الجناح، ثم لا يطير مع أن الباقي في جناحها أكثر مما نتفت بكثير.
فيحتمل أن قوله: ﴿مَثْنَى﴾ يعني باعتبار الصنف ﴿وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [فاطر ١]، ويحتمل أنه باعتبار العدد، وأن الملائكة بعضهم له جناحان، وبعضهم له ثلاثة، وبعضهم له أربعة، ولا يُنافي ذلك أن جبريل عليه الصلاة والسلام له ست مئة جناح؛ لأن الله يقول: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ [فاطر ١] ويكون مما زاده أن جعل لجبريل ست مئة جناح.
﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ [فاطر ١] فإذا قلت: هل نعرف كيفية هذه الأجنحة؟
فالجواب: لا، تعرفها؟
* طالب: في الحديث (...).
* الشيخ: أيش لونها؟
* الطالب: (...) أن كل جناح فيه كذا من الياقوت والزمرد، أنه وصف جناح جبريل والله أعلم بصحة الحديث هنا فيه كذا من الياقوت والزمرد.
* الشيخ: إي نعم، هذا إن شاء الله تحقق من الحديث.
* طالب: (...) بائع الزهور.
* الشيخ: إي نعم، كبائع الزهور، وهذه كلها (...) أبدًا، زهور ذابلة يابسة ما جاتها الحياة أبدًا.
كيفية هذه الأجنحة لا نعلمها، وهذا نظيره تمامًا ما جاء في صفات الله عز وجل فإننا نعلم معنى الصفة، ولكننا نجهل كيفية الصفة، لله عز وجل وجه، نعلم ما معنى الوجه لكن هل نعلم كيفيته؟ لا؛ لأن ما غاب عنك لا يخاطبك الله به إلا ببيان معناه فقط، وأما كيفيته فلا يمكنك إدراكها؛ لأنه غائب ولا نظير لها، والشيء لا يُعرف إلا بمشاهدته أو مشاهدة نظيره، أو الخبر الصادق عنه.
يقول: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾، ﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ كيف نعرب ﴿مَثْنَى﴾؟
* طالب: مفعول.
* الشيخ: لا.
* طالب: ملحق بالمثنى.
* الشيخ: ملحق بالمثنى؟ لا.
* طالب: صفة لـ﴿أَجْنِحَةٍ﴾.
* الشيخ: كمل، في بدل أو صفة، يصح أن تكون صفة، لكن أعرب المهم إعراب.. أما محلها من الإعراب فالأمر جائز في هذا وهذا.
﴿مَثْنَى﴾ [فاطر ١] بدل أو صفة لـ﴿أَجْنِحَةٍ﴾ [فاطر ١].
* الطالب: بدل مجرور.
* الشيخ: وبدل المجرور مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة؟
* طالب: مجرور بالفتحة؛ لأنه ما ينصرف.
* الشيخ: فتحة مقدرة على أيش؟ على الألف نيابةً؟
* الطالب: نيابةً عن الكسرة.
* الشيخ: والمانع من الصرف؟
* طالب: الوصف والعدل.
* الشيخ: الوصفية والعدل، وكذلك نقول في ﴿وثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [فاطر ١]؛ ولهذا قال: ﴿ثُلَاثَ﴾ ولم يقل: ثلاثًا، ﴿وَرُبَاعَ﴾ ولم يقل: رباعًا أو رباعٍ بالكسر، ما قال: ثلاثًا ورباعٍ.
﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ (﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ﴾ في الملائكة وغيرها).
﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ﴾ سواء كان في الملائكة أو غيرهم. ﴿يَزِيدُ﴾ ﴿مَا يَشَاءُ﴾ مما تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى؛ ولذلك تجد المخلوقات لها أيدٍ وأرجل بحسب حاجتها إلى هذه الأيدي والأرجل، فبنو آدم لهم أرجل يمشون بها، ولهم أيدٍ يبطشون بها، ولا يمشون بها؛ لأن هذه الأيدي محل الأخذ والعطاء، فأُكْرِم الإنسان بأن تكون يداه غير مُستعْمَلة في المشي، بخلاف الحيوان؛ الحيوان يداه مستعملة في المشي؛ لأنه يأخذ بفمه، ويُعطي بفمه، وينقل بفمه؛ حتى الهرة إذا أرادت أن تنقل أولادها بفمها، لكن الآدمي مُكرَّم، فجعل الله تعالى يديه غير مستعملتين في المشي.
فهو يزيد في الخلق ما يشاء على حسب ما تقتضيه الحكمة وحاجة ذلك المخلوق، وكل ما ذكره الله عز وجل مما هو معلق بمشيئته فقد سبق لنا أنه مقرون بالحكمة.
﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فاطر ١] هذا تعليل لقوله: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ يعني كأن سائلًا يسأل: وهل ذلك صعب عليه؟ فكان الجواب من هذه الجملة أنه سهل؛ لأن الله على كل شيء قدير.
﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ كل شيء موجود قادر على إعدامه، وكل معدوم قادر على إيجاده.
لكن لو قال لك قائل: هل يقدر على أن يجعل المتحرك ساكنًا في آنٍ واحد؟
* طالب: لا يجوز، ما جاء به نص.
* الشيخ: هل يقدر على أن يجعل الشيء المتحرك ساكنًا في آنٍ واحد؟ ما هو بأن يجعل المتحرك ساكنًا؛ يعني يسكن المتحرك، أو يحرك الساكن هذا واضح، لكن في آنٍ واحد؟
* طالب: يقدر ولكن (...).
* الشيخ: يقدر؟
* طالب: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان ٤٥].
* الشيخ: إي، ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ ما يخالف، إحنا نقول: المتحرك، يقدر أن يجعل المتحرك ساكنًا، لكنه لا ساكن في حال تحركه؛ لأن متحرك ساكن يمتنع.
* طالب: يقدر ولكنه ما جرت به العادة.
* الشيخ: لا، يقدر عز وجل أنه يطلع الشمس الساعة الثانية عشرة من الليل لكن ما جرت به العادة، لكن كلمة متحرك ضد، أو نقيض ساكن، أنت إذا وصفته بالمتحرك يقين ليس بساكن، وصفته بأنه ساكن يقين ليس بمتحرك؛ فلذلك قال العلماء: إن المستحيل غير وارد، لأنه مستحيل يعني ما يمكن وجوده، ما هو ما يمكن باعتبار قدرة الله لكن الله عز وجل إذا أراد أن يجعل هذا المتحرك متحركًا صار متحركًا لا ساكنًا، أما يكون متحركًا ساكنًا، كيف يكون متحرك ساكن؟ المتحرك غير ساكن.
يقال: إن الشيطان كان يفرح بموت العالِم إذا قيل: مات فلان العالم؛ فرح وسوَّى حفلة، واستأنس، لكن إذا قيل: مات عابد يقول: هذا هين، ما يهم، يموت ولَّا ما يموت، عرفتم؟
فقال له جنوده: يا سيدنا، ليش أنك تفرح بموت العالم هذا الفرح العظيم، وموت العابد ما يهمك؟ مع أن العابد منقطع عن الدنيا وزاهد في الدنيا ويُكثِر الذكر والصلاة وغيرها؟
قال: إي، لأن العالم أشد عليَّ من العابد، قال: كيف؟ قال: أنا أُريكم الآن، روحوا للعابد وقولوا له: هل يقدر الله عز وجل على أن يجعل السماوات والأرض في بيضة؟ في جوف بيضة ولَّا لا؟ راحوا للعابد قالوا له: هل إن الله يقدر على أن يجعل السماوات والأرض في جوف بيضة؟ قال: عاد هذا مستحيل هذا، السماوات والأرض على كبرها ما تصير في بيضة، رأسي لو يصير في بيضة فقسها، رأسه وهو ما هو شيء بالنسبة لك، ما يصح هذا، ما يمكن هذا، ولا يقدر الله على هذا. قال: زين. قولوا له: هل يقدر الله أن يخلق مثله؟ أن يخلق مثل الله؟ فذهبوا له قالوا: ما تقول هل يقدر الله أن يخلق مثل الله؟ قال: نعم، بسيط هذا، إن الله على كل شيء قدير، يقدر الله أن يخلق ربًّا مثله.
إذن كفر هذا العابد سلبًا وإيجابًا، نفيه القدرة في الأول كفر، وإثباته القدرة في الثاني كفر. قال: يلَّا شوفوا، يلَّا روحوا للعالم، اسألوه عن السؤالين، جاؤوا للعالم قالوا: هل يقدر الله عز وجل على أن يجعل السماوات والأرض في جوف بيضة؟
قال: نعم، يقول: كن فيكون، إما أن تصغر السماوات والأرض وإما تكبر البيضة، المهم إذا أراد قال فكان. قال: هل يقدر الله أن يخلق مثله؟ قال: هذا مستحيل، هذا أمر مستحيل، والْمِثلية لا يمكن أن تتطابق أبدًا، لو لم يكن من الفارق العظيم إلا أن هذا حادث، وذاك واجِد الوجود، هذا مستحيل، قال: يلَّا شوفوا.
فالمهم أن الله عز وجل على كل شيء قدير، لكن الشيء المستحيل الذي لا يتصور لا يتصور، وليس المراد هنا المستحيل عادةً، المستحيل عادةً يخلفه الله عز وجل؛ لأن الله هو خالق العادة وقادر على تغييرها، وهذه النار التي تحرق كانت بردًا وسلامًا على إبراهيم، وهذا الماء السيال صار جامدًا كالطود العظيم، والعادة ممكن أن الله يغيرها عز وجل وبكل سهولة، لكن الكلام على الأمر الممتنع المستحيل.
يقول العلماء: إنه لا تتعلق به القدرة لأنه مستحيل؛ ولهذا قال السفاريني في العقيدة: -
؎..................... ∗∗∗ ................ وَاقْتَدَرْ؎بِقُــــــدْرَةٍ تَعَلَّقَتْ بِمُمْــــكِنْ ∗∗∗ ......................
وهذا أمر متفق عليه عند العقلاء.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فاطر ١] ما فيه استثناء ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ كتب الجلال رحمه الله -وهو السيوطي- على هذه الآية في سورة المائدة قال: (وخص العقل ذاته فليس عليها بقادر) يعني على كل شيء قدير إلا على ذاته فليس عليها بقادر، ما تقولون في هذا الاستثناء؟ باطل؟ نقول: هذا لا شك أنه باطل؛ لأن الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾ وقولك: إن العقل خص ذاته فليس عليها بقادر، نقول: إن العقل لا يمكنه أن يخصص هذا الخبر بدون دليل، ولو ذهبنا نُخصِّص مثل هذه العمومات بالعقول لأبطلنا كثيرًا من دلالات الكتاب والسنة.
وماذا تريد بقولك: (خص العقل ذاته فليس عليها بقادر)؟ إن أردت أنه سبحانه وتعالى لم يكن قادرًا على ذاته؛ بمعنى أنه لا يقدر مثلًا أن يمرض نفسه، أو أن يعدم نفسه -سبحانه وتعالى - فهذا أصل لم تتعلق به القدرة؛ لأن هذا من الأمور المستحيلة، وإن أردت أنه لا يقدر على أن يفعل -ولعل هذا مراده- إن أردت أنه ليس قادرًا على أن يفعل؛ لأن الأشاعرة ومن شابههم ينكرون الأفعال الاختيارية؛ فهذا كذب، بل العقل يدل على أنه سبحانه وتعالى لم يزل ولا يزال فعَّالًا لما يريد حقيقة.
فيه عبارة تقع كثيرًا بين الناس يقول: إن الله على ما يشاء قدير، ما تقولون في هذه العبارة؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: (...) بنناقشه ما هي بمسألة هينة، اجزموا وإلا انسحبوا، لماذا؟
* طالب: لو قال: إن الله على ما يشاء قدير لكان (...) على غير ما يشاء غير قدير مثل القدرة (...).
* الشيخ: يعني هذا يوهم أن ما لا يشاؤه فليس قادرًا عليه، هذا واحد.
* طالب: إن كان الإنسان يعني يقول ما أريد هذا (...) المشيئة لا يلزم من إثباتها (...) ينفي، يعني على ما يشاء قدير لا تنفي أنه قادر على غير..
* الشيخ: أنه عاجز.
* الطالب: أنه عاجز على غير ما يشاء، أن الله سبحانه وتعالى أثبت لنفسه هذا.
* الشيخ: دعنا من أنه أثبت، لكن هذه العبارة هل جاءت في كتاب الله أو سنة رسوله؟
* الطالب: نعم، جاءت.
* الشيخ: وين؟
* طالب: إن الله على ما يشاء.
* طالب آخر: إن الله فعال لما يريد.
* الشيخ: دعنا من ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾.
* الطالب: هو المشيئة والإرادة.
* الشيخ: الفعل غير القدرة، هل هو ﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾؟ هذه في القرآن ﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم ٢٧] لكن القدرة؟
* طالب: الاختلاف ما في هذا.
* الشيخ: لا؛ لأن القادر قد يفعل وقد لا يفعل.
* طالب: نعم، لكن لا يكون أنه قادر على غير ما يشاء.
* الشيخ: لا، على كل حال ما ردك سليمًا؛ لأن قوله: على ما يشاء، أيضًا مقدم، والتقديم يفيد التخصيص، مقدم على عامله والتقديم يفيد التخصيص، أي: على ما يشاء.
* طالب: كيف ترد هذه أيضًا؟
* الشيخ: ترد بلسان مَنْ؟
* الطالب: في القرآن.
* الشيخ: أعطنا من هذا الكثير الشيء اليسير؟
* الطالب: في هذه.. في سورة.
* الشيخ: لك الآن من الآن إلى أسبوعين، اقرأ القرآن من أوله إلى آخره، إذا وجدت أن الله على ما يشاء قدير.
* الطالب: لا، ليس إن الله على ما يشاء قدير، لكن يعني في نفس المعنى وليس في هذا اللفظ.
* الشيخ: ما يخالف، ولو في نفس المعنى، كأنك تريد إن الله قال: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى ٢٩]، لكن هنا المشيئة عائدة مو على القدرة، عائدة على الجمع، يعني إذا شاء جمعهم فإنه قدير عليهم ردًّا على من أنكروا البعث وقالوا: كيف إن الله يجمع الناس ويبعثهم بعد أن ماتوا؟ هذا واحد.
ثانيًا: أنك إذا قلت: إنه على ما يشاء قدير فقد خالفت التعبير القرآني الذي أطلق الله فيه وعمَّم ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فاطر ١].
ثالثًا: أن هذا مأخوذ من مذهب القدرية؛ لأن القَدَرِيَّة يقولون: إن الله لا يقدر على عمل العبد فهو غير داخل في قدرة الله، وإذا لم يقدر عليه فإنه لا يشاؤه.
وكذلك يقولون: إنه سبحانه وتعالى إذا كان فعل العبد في غير مشيئته فإنه غير قادر عليه؛ لأن الله قادر على ما يشاء فقط.
فلأجل هذا نقول: إن هذه العبارة لا تنبغي، وإن كان صاحبها يريد بها معنًى صحيحًا، وقد يريد بها معنًى صحيحًا كما هو ظاهر عبارة كثير من المسلمين اليوم تقول بهذا الشيء، ونقول: إن الأكمل أن تقول: إن الله على كل شيء قدير.
فإن قلت: إنه ورد في قصة الرجل الذي يدخله الله الجنة آخر من يدخل الله الجنة فيقول الله له لما قال: «هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ». قال الله له: «إِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ»[[أخرجه مسلم (١٨٧ / ٣١٠) من حديث ابن مسعود.]]. هذا حديث قدسي.
فالجواب: أن هذا في قضية معينة؛ يعني لو وقع شيء يستغرب الإنسان وقوعه ويستبعده، فلنا أن نقول: إن الله تعالى إذا شاء شيئًا فهو قادر عليه؛ بمعنى أنه فاعله كقوله تعالى: ﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم ٢٧] بخلاف القدرة المجردة عن الفعل، فإن هذه لا تقيد بالمشيئة (...).
ظاهر الآية الكريمة أن جميع الملائكة رسل، فهل هذا الظاهر مراد؟
تقول: غير مراد بدليل قوله: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ [الحج ٧٥].
﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [فاطر ١].
* في هذه الآية الكريمة: بيان كمال الله عز وجل حيث أثنى على نفسه بالحمد، فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [فاطر ١].
* وفيه أيضًا: أن الله عز وجل رحيم بعباده يُعلِّمهم كيف يحمدونه؛ لأن قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ خبر لكن معناه الإرشاد والتوجيه، كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ [الإسراء ١١١].
ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنها كلما جاءت (الحمد لله) فهو على تقدير (قل) حتى قالوا في قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة ٢] المعنى: قل الحمد لله.
ولكن الصواب خلاف ذلك، وأن هذا خبر من الله، ونحن نتلوه نثني به على الله، ولا حاجة إلى أن يأمرنا الله بذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسم (الله) للرب عز وجل، وهذا الاسم خاص به لا يُقال لغيره وهو أصل الأسماء؛ ولذلك تأتي الأسماء بعده -في الغالب- صفةً له، ولا تأتي سابقةً عليه إلا نادرًا كما في قوله تعالى: ﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [إبراهيم ١، ٢] وإلا فإن الغالب أن الأسماء تأتي تابعةً له فهو أصل الأسماء؛ ولهذا لا يسمى به غيره أبدًا لا علمًا ولا صفة بأي حال من الأحوال.
وهل هو مشتق أو اسم جامد؟ الصحيح -بلا شك- أنه مشتق؛ لأن جميع أسماء الله تعالى مشتقة بمعنى أنها دالة على المعاني التي أُخِذت منها، منين مشتق (الله)؟
* طلبة: من الإله.
* الشيخ: من الأُلوهية، الاشتقاقات تكون بالمصدر، ما هو أصل الإله؟ صح أصله (الإله)، لكن (الإله) من أين مشتقة؟ من الألوهية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل هو فاطر السماوات والأرض لم يشاركه أحد في ذلك؛ لقوله: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [فاطر ١].
* ومنها؛ أي من فوائد الآية الكريمة: كمال قدرته وحكمته حيث ابتدأ خلق هذه السماوات العظيمة والأرض على هذا النظام البديع من غير أن يسبق مثال يحتذيه ويقتدي به، ومعلوم أن مبدأ الصنعة يُشْهد له بالخبرة والقدرة؛ يعني من أنشأ شيئًا جديدًا، وصار هذا الشيء الجديد منتظمًا على تمام الانتظام وغاية الإحكام فإنه يُشهد له بماذا؟ بالكمال والخبرة.
وفي كونه فطر السماوات والأرض دليل على القدرة وعلى الحكمة؛ لأنه خلقهما على غير مثال سبق.
* ومن فوائدها: أن السماوات متعددة، وقد بين الله تعالى في آية أخرى أنها سبع فقال: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [المؤمنون ٨٦]، وأما الأرض فذُكِرَت مفردة باعتبار الجنس وهي كم عددها؟
* طالب: عدد الأرض؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: واحدة.
* الشيخ: واحدة فقط؟
* طالب آخر: سبع طبقات.
* الشيخ: كم الأرض؟
* الطالب: سبع أرضين.
* الشيخ: سبع أرضين ما دليلك من القرآن والسنة؟ من القرآن؟
* طالب: ﴿خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢] .
* الشيخ: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢] ومن السنة؟
* طالب: الحديث: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٥٢)، ومسلم (١٦١٠ / ١٣٧)، واللفظ له من حديث سعيد بن زيد.]].
* الشيخ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» بارك الله فيك.
* طالب: في حديث ثالث: «السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضِين السَّبْع».
* الشيخ: أقول: فيه أحاديث ما هو حديث..
* طالب: لكن ما هو يعني أصرح من هذا؟
* الشيخ: لا، هذا أصرح.
* الطالب: (...) يطوقه.
* الشيخ: من سبع أرضين.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات الملائكة؛ لقوله: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ﴾ [فاطر ١].
* ومن فوائدها: أن من الملائكة من اصطفاهم الله تعالى رسلًا إلى الخلق بالوحي، وغير الوحي، بالوحي وغيره؛ لقوله: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ [فاطر ١].
* ومنها: أن هؤلاء الرسل لهم أجنحة؛ أجنحة متعددة الأصناف ومتعددة الأعيان، يعني أنها متعددة كمية وكيفية؛ لقوله: ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [فاطر ١].
* ومنها؛ أي من فوائد الآية: أن فيها إشارةً إلى سرعة تنقل الملائكة لقوة أجنحتهم؛ لقوله: ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾، وإنما قلت: لقوة أجنحتهم؛ لأنه لولا أن لهذه الأجنحة مزية عظيمة استحقت أن يُنَصَّ عليها لكان يُذكر غير الأجنحة كالرؤوس مثلًا، ولكن ذكر الأجنحة لما فيها من القوة لحملها هؤلاء الملائكة؛ ولأنها تكون عند الإرسال أسرع. وقد ذكرنا مثالًا لذلك يدل على أن الملائكة أسرع من غيرها في الطيران في قصة عرش بلقيس.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل يزيد على الاثنين والثلاث والأربع بما يشاء؛ لقوله: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ [فاطر ١].
* ومنها أيضًا: أن الله تعالى فضل المخلوقات بعضها على بعض؛ لقوله: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ﴾ والزيادة مقابلها نقص.
إذن: فهناك مفاضلة بين المخلوقات بعضها مع بعض.
ولكن هل المراد القوة أو كِبَر الجسم، أو العقل، أو العلم، أو المعدن؟
الجواب: العموم؛ لأنه قال: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ [فاطر ١]، فهذا يزيده قوةً في الجسم، وهذا يزيده قوةً في العقل، وهذا يزيده قوةً في (...)، وهذا يزيده قوةً في العلم إلى آخره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنك إذا وجدت من نفسك نقصًا في خلقك فاطلبه ممن؟
* طالب: من الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: طلبناه من؟ من الله؛ لأن قوله: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ معناه: لا تسأل الزيادة في خَلْق ولا خُلُق إلا من الله عز وجل؛ لأنه هو المان بما يزيد به سبحانه وتعالى.
* ومن فوائدها: إثبات المشيئة؛ لقوله: ﴿مَا يَشَاءُ﴾. وقد مر علينا أن المشيئة في كل ما وردت مُعلَّقة بماذا؟ بالحكمة، واستدللنا لذلك بقوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات القدرة العامة ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فاطر ١]، فهو قادر على أن يزيد في الخلق ما يشاء، وقادر على الإيجاد والإعدام.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على القدرية الذين يزعمون أن أفعال العبد غير مخلوقة ولا مقدورة لله، من أين يؤخذ؟ ما وجه أخذها؟
* طالب: (...) كل هذا الشيء نكرة كل شيء (...).
* الشيخ: كل ما يحتاج نقول: نكرة؛ لأن (كل) من صيغ العموم سواء كانت نكرة أو معرفة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: صح؛ لعموم قوله: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وأفعال العبد من الأشياء.
{"ayah":"ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ رُسُلًا أُو۟لِیۤ أَجۡنِحَةࣲ مَّثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۚ یَزِیدُ فِی ٱلۡخَلۡقِ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}