الباحث القرآني
﴿أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦] ﴿مَا﴾ هذه نافية، و﴿كَانَ﴾ فعل ماض ناقص، وخبرها ﴿لِمُؤْمِنٍ﴾ الجار والمجرور، و﴿أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ هذا هو اسمها مؤخر.
يقول الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ﴾ يعني: هذا أمر لا يمكن أن يكون فهو نفي للإمكان، ولكنه للإمكان الشرعي دون القدري؛ إذ إن المؤمن أوالمؤمنة قد يكون لهم الخيرة من أمرهم فيما قضاه الله ورسوله، ولكن شرعًا لا يكون هذه.
يقول: (﴿﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا﴾ ﴾ ﴿﴿أَنْ تَكُونَ﴾ ﴾ بالتاء والياء ﴿﴿لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ ﴾ أي: الاختيار ﴿﴿مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ ﴾ خلاف أمر الله ورسوله).
وقوله: ﴿لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ﴾ وكما سبق فيه ذكر الذكور والإناث ﴿لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ﴾.
وقوله: ﴿إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا﴾ المراد بالقضاء هنا القضاء الشرعي؛ إذ إن القضاء الكوني لا يمكن لأحد أن يختار خلافه لا مؤمن ولا كافر، أليس كذلك؟ لأن القضاء الكوني لا بد أن يقع، فالمراد هنا ﴿إِذَا قَضَى﴾ أي: قضاء شرعيًّا.
وقوله: ﴿إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ عطف رسوله بالواو؛ لأن قضاء الرسول ﷺ الشرعي من قضاء الله.
وقوله: ﴿إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا﴾ ﴿أمرًا﴾ هنا واحد الأمور أو واحد الأوامر؟ واحد الأمور؛ يعني: إذا قضى شأنًا سواء كان ذلك الشأن أمرًا أو نهيًا.
﴿إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا﴾ ﴿﴿أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ ﴾ و﴿أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ أما على قراءة التاء فالأمر فيها ظاهر؛ لأن اسمها أيش؟ مؤنث فأُنِّثَ الفعل من أجله ﴿﴿أَنْ تَكُونَ﴾ ﴾.
وأما عن قراءة الياء فإن الفعل يكون مذكرًا مع أن الاسم مؤنث ولكن هنا لا يجب التأنيث؛ لوجهين:
الوجه الأول: الفصل بين الفعل وفاعله وهنا بين الفعل واسمه.
والثاني: أن التأنيث في الخيرة تأنيث مجازي، وابن مالك يقول:
؎وَإِنَّمـــا تَلْزَمُ فِعْــــــلَ مُــــضْمَرِ ∗∗∗ مُتَّصِلٍ أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِـــــرِ
وقوله: ﴿الْخِيَرَةُ﴾ أي: الاختيار، أفادنا المؤلف أن الخيرة هنا اسم مصدر بمعنى الاختيار أو بمعنى التخيُّر كالطيرة بمعنى التطيُّر فهي إذن اسم مصدر بمعنى الاختيار، وإن شئت فقل: بمعنى التخير.
وقوله: ﴿مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ قد يقول قائل: إن المتبادر أن يقول: (مِن أمره)؛ لأن ﴿لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ﴾ مفرد، والمتبادر أن يقول: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون له الخيرة من أمره) ولكنه جمع؛ لأن (مؤمن) و(مؤمنة) جاء منكرًا في سياق النفي فيكون للعموم، فعاد الضمير إليه باعتبار المعنى لا باعتبار اللفظ.
وقوله: ﴿مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ يعني معناه أي: من شأنهم، ويجوز أن يكون ﴿مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ أي: من أمر الله إياهم، فعلى الأول يكون الإضافة من باب إضافة الشيء إلى فاعله، وعلى الثاني من باب إضافته إلى مفعوله.
وقول المؤلف: (خلافَ) هذه بالنصب مفعول للخيرة بمعنى الاختيار يعني: ما كان لهم أن يختاروا خلاف أمر الله ورسوله، فتبين الآن معنى الآية؛ معنى الآية أن الله يقول: لا يمكن لمؤمن ولا مؤمنة، لا يمكن شرعًا ولَّا قدرًا؟ شرعًا، إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يخالفوا أمر الله ورسوله وأن يختاروا خلاف أمر الله ورسوله، لماذا لا يمكن؟ لأن ما في قلوبهم من الإيمان يمنعهم من المخالفة، ألا ترى إلى قول النبي ﷺ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»؟ لأنه لو كان في قلبه إيمان حين الزنا ما زنى، «لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٨١٠)، ومسلم (٥٧ / ١٠٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] فالإيمان إذا وقر في القلب لا يمكن أن يكون صاحبه مخالفًا لأمر الله ورسوله.
قال المؤلف: (نزلت في عبد الله بن جحش وأخته زينب خطبها النبي ﷺ لزيد بن حارثة، فكره ذلك حين علم بظنهما قبلُ أن النبي ﷺ خطبها لنفسه ثم رضي للآية).
هكذا ذكر المؤلف أنها نزلت في هذه القصة، وهذ القصة ضعيفة؛ لأنها معضلة ومنقطعة فهي ضعيفة، ونحن لا يهمنا في الحقيقة سبب النزول، سبب النزول صحيح أن فيه فائدة وهو أنه يكشف أحيانًا المعنى ويُبَيِّنُه ويوضحه، لكن المهم الحكم وهو أنه لا يمكن لمؤمن إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يختار خلافَ أمر الله ورسوله، ﴿أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾؛ لأنهم لا بد أن يوافقوا أمر الله ورسوله لما في قلوبهم من الإيمان؛ ولهذا كلما هَمَّ المؤمن بمعصية ذكَّره إيمانه بالله فكفَّ عنه، ألا ترى إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام في السبعة الذين يظلهم الله في ظله قال: «وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ»؟ وهذه الدعوة كانت في مَحل خالٍ لا يطلع عليهما أحد سوى الله فقال: «إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ»[[متفق عليه، البخاري (٦٦٠) ومسلم (١٠٣١ / ٩١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] فمنعه إيمانُه من أي شيء؟ من أن يفعل الفاحشة مع سهولة أسبابها، وكذلك «أحد الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار حين مَكَّنته ابنة عمه من نفسها فلما جلس منها منها مجلس الرجل مع امرأته» -وأعتقد في هذه الحال أن الرغبة ستكون شديدة وقوية وأنه لا يفصمها إلا إيمان قوي لما جلس منها مجلس الرجل مع امرأته- قالت له: «يا هذا اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه.» فقام منها وهي أحب الناس إليه[[أخرجه البخاري (٢٢١٥) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.]]. هذا من الإيمان بلا شك.
إذن نحن لا يهمنا أن تكون نزلت في زينب بنت جحش وأخيها عبد الله أو في غيرهم.
المهم أن حال المؤمن تمنعه من مخالفة أمر الله ورسوله وأما ما ذكره المؤلف فهو يقول: «إن النبي ﷺ خطب زينب بنت جحش»[[أخرج الحاكم (٦٩٣٣) بسنده عن عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه، قال: قدم النبي ﷺ المدينة، وكانت زينب بنت جحش ممن هاجر مع رسول الله ﷺ وكانت امرأة جميلة، فخطبها رسول الله ﷺ على زيد بن حارثة، فقالت: لا أرضاه، وكانت أيم قريش، قال: «فإني قد رضيته لَكِ» الحديث.]]. وقد خُطِبَت -كما ذكره غيره- خطبت من قبل رجال شرفاء وذوي جاه، فخطبها النبي عليه الصلاة والسلام فظنوا أنه خطبها لنفسه، ثم بعد ذلك بَيَّن لهم أنه خطبها لزيد بن حارثة، زيد بن حارثة مَنْ هو؟ هو مولى رسول الله ﷺ، وكان حسب ما ذكره أهل السير كان عبدًا لخديجة رضي الله عنها فوهبته للنبي ﷺ فأعتقه، لما علم أنه خطبها لزيد امتنع فلما نزلت الآية رضي بذلك، وهذا ليس بغريب على الصحابة لو صح الحديث ليس بغريب أن يُقَدِّموا أمر الله ورسوله على ما تهواه أنفسهم.
* الطالب: (...) خطبها النبي ﷺ وعني (...) زيد منها، ويش معنى (وعني)؟
* الشيخ: عَنَى.
* الطالب: وعنى؟
* الشيخ: لا، ما عندنا بـ(عدى) و(عنى). (خطبها النبي ﷺ لزيد بن حارثة فكره ذلك) أظن ما هي مهمة. اشطب عليها.
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب ٣٦] ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ﴾ ﴿مَنْ﴾ اسم استفهام؟!
* طالب: شرطية.
* الشيخ: ما الذي أدراكم أنها شرطية؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، غير الجواب.
* الطالب: فعل الشرط.
* الشيخ: فعل الشرط؛ لأنه مجزوم ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ﴾ لكنه مجزوم بحذف حرف العلة ﴿مَنْ يَعْصِ اللَّهَ﴾، المعصية مخالفة الأمر أو إن شئت فقل: المعصية خلاف الطاعة سواء كانت وقوعًا في منهيٍّ عنه أو تركًا لمأمور به، لكن إذا قيل طاعة ومعصية صارت الطاعة فعل المأمور والمعصية فعل المحظور.
أما إذا قيل: معصية وحدها أو طاعة وحدها فإنها تشمل الأمرين.
قال: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ﴾ سواء عصاهما جميعًا يعني: أمر من الله وأمر من رسوله وقعت فيه المعصية، أو عصى الله وحده أو عصى الرسول وحده فإنه قد ضلَّ ضلالًا مبينًا، معصيتهما جميعًا مثالها قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦]، وقال النبي ﷺ: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٢٨٨) ومسلم (١٣٣٧ / ٤١٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. لو خالف الإنسان في ذلك يكون قد عصى الله ورسوله؛ لأن الأمر هنا من الله ومن رسوله، وأحيانًا يَرِد الأمر في القرآن دون السنة فإذا عصاه الإنسان صار عاصيًا لله وأحيانًا يرد في السنة دون القرآن فإذا عصاه الإنسان صار عاصيًا للرسول.
ولكن لتعلم أن معصية الرسول عليه الصلاة والسلام معصية لله؛ لأن الرسول يتكلم عمن أرسله، فإذا عصيته فقد عصيت من أرسله؛ لو أن رجلًا أتاك وقال: إن فلانًا أرسلني إليك وقال: ليفعل كذا وكذا. وخالفت الرسول تكون مخالفًا في الواقع لمن؟ للمرسِل؛ ولهذا قال الله عز وجل: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء ٨٠] فعلى هذا يكون من يعص الله ورسوله سواء على سبيل الانفراد أو على سبيل الاشتراك.
﴿مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا﴾ هذا جواب الشرط، وقُرِنَ بالفاء؛ لأنها اقترنت في ﴿قَدْ﴾ وهناك ضوابط لجواب الشرط الذي يجب اقترانه بالفاء ذُكِرَت في بيت قد أُنْشِدَ لكم من قبل فما هذا البيت؟
* طالب:
؎اسـْــــــمِيَّةٌ طَـــلَــبِيَّةٌوَبِجَـــــــــــامِـــــــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِـ(مَا) وَ(لَنْ) وَبِـ(قَدْ)وَبالتَّنْفِيسِ
* الشيخ: نعم.
؎اســْــــــــمِيَّةٌ طَـــلَـــــبِيَّةٌوَبِجَــــــــــــامِـــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِـ(مَا) وَ(لَنْ) وَبِـ(قَدْ)وَبالتَّنْفِيسِ
كم؟ سبعة، إذا كان جواب الشرط أحد هذه الأمور السبعة فإنه يقترن بالفاء وجوبًا ولا يَشُذُّ عن هذه القاعدة إلا أمر نادر كقول الشاعر:
؎مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا ∗∗∗ .........................
ولم يقل: فالله يشكرها. لكن هذا نادر أو ضرورة، هنا اللي معنا من الأشياء السبعة: ﴿قَدْ﴾ ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ قال المؤلف: (بَيِّنًا) ونحن تكلمنا من قبل أن (أبان) الرباعية تكون متعدية وتكون لازمة، إذا كانت لازمة فهي بمعنى (بان)، إذا كانت متعدية فهي بمعنى أظهر.
هنا قال: ﴿ضَلَالًا مُبِينًا﴾ هل تصلح بمعنى أظهر؛ يعني بمعنى ضلالًا مظهرًا؟ ما تصلح.
إذن فهي من (أبان) اللازم الذي يكون منه الاسم على بَيِّن لا على مبين.
وقوله: لا على مبين بمعنى مظهر، طيب ما هو المبين بمعنى مظهر؟
المبين بمعنى مظهر مثل قوله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [يس ٦٩] هذا من اللازم ولَّا من المتعدي؟ من المتعدي يقينًا، نعم؛ لأن القرآن مظهر للحقائق؛ ولهذا قال بعده: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [يس ٧٠].
﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا﴾.
قال: (فزَوَّجها النبي ﷺ لزيد، ثم وقع بصره عليها بعد حين فبلغ في نفسه حبها وفي نفس زيد كراهتها، ثم قال للنبي ﷺ: أريد فراقها. فقال: ﴿﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ ﴾ كما قال تعالى: ﴿﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ ﴾ [الأحزاب: ٣٧]).
هذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله ذُكِرَ عن بعض المفسرين من السلف والخلف، لكنه كما قال ابن كثير: أقوال ينبغي أن يضرب الإنسان عنها صفحًا؛ لأنها أقوال باطلة لا تليق بمقام النبي ﷺ؛ لأن القصة إذا قرأها الإنسان يتصور أن الرسول ﷺ كان عاشقًا من العشاق، وما أشبه هذه القصة الباطلة بقصة داود عليه الصلاة والسلام التي ذكروا أن داود طلب من أحد جنوده أن يتزوج امرأته ولكنه أبى، فاحتال عليه بحيلة، شوف كيف؟ أيش الحيلة؟ قال: نطلعه مع الجيش عشان يُقْتَل فأتزوج امرأته. هل هذا يمكن أن يقع من نبي من أنبياء الله؟! أبدًا، هذه لو قال قائل: إنها وقعت من أحد السوقة من الناس لقيل: ما أظلم هذا الرجل وما أجهله! فكيف بنبي من أنبياء الله؟!
الرسول ﷺ هل يمكن أن يتصور أحد أنه عشق هذه المرأة، لاحظوا لأن بعض الناس حتى بعض المفسرين والعياذ بالله صار يتلفظ بهذا اللفظ يقول: الرسول عشق المرأة زينب، ولكن هذا قول باطل، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الكلام على تفسير الآية بيان معنى الآية وأن معناها ناصع واضح ولم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال له: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ﴾ [الأحزاب ٣٧] وأنه أخفى حبها؛ لأن الله قال في نفس الآية: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ فبَيَّن الله أنه سيبدي ما أخفاه في نفسه، لو كان الذي أخفاه النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه الحب لكان الله يبديه، لكن ما الذي أبدى الله؟ الذي أبدى الله تزويجه؛ أنه زوجه إياها، فكان الرسول عليه الصلاة والسلام أخفى في نفسه ما أعلمه الله أنه سيتزوجها دون أن يكون هناك حب وعلاقة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام علم بما أعلمه الله أنه سيتزوجها، فلما جاء هذا الرجل يستشيره قال له: ﴿اتَّقِ اللَّهَ﴾ لا تطلق المرأة. فعاتب الله رسوله لماذا قال له: اتق الله وأمسكها، وقد علم أن الله تعالى سيزوجه إياها؟ فالمسألة واضحة ما فيها أي إشكال.
ولكن المشكل أن بعض المفسرين يأخذون عن بعض من غير تمحيص ومن غير أن يكون هناك تَرَوٍّ في المسألة، حتى إن بعض الناس اعتذر وقال: إن محبة الإنسان للمرأة ولو كانت عند زوج آخر أمر لا يُنْكَر، إنما الذي ينكر أن يحاول التوصل لهذه المرأة بطريق غير شرعي، وأما أن يقع في نفسه محبة امرأة عند زوج فهذا لا بأس به، وهو أمر قد تدعو إليه الجبلة والطبيعة، وهذا وإن كانت المسألة تحتاج إلى نظر في هذا القول؛ وهو أن محبة الإنسان لزوجة غيره إما أن تكون محبة للجنس أو محبة للشخص، فإن كان محبة للجنس فهذا أمر جائز ولَّا لا؟ جائز أنا ما أبغي بالجنس الشهوة يعني، يعني جنس هذا الطراز من النساء، هذا المراد بقولي: الجنس، إن كان محبة للجنس؛ يعني معناه أنه يرغب مثل هذه المرأة فهذا لا بأس به، والإنسان دائمًا إذا سمع مثلًا من امرأة رجل أنها امرأة صالحة قانتة حافظة للغيب بما حفظ الله يحبها ويحب أن يكون له مثلها.
وأما إذا كان حبًّا شخصيًّا فعندي أن في جواز ذلك نظرًا وأن الإنسان يجب عليه أن إذا تعلقت نفسه بامرأة تعلقًا شخصيًا أو محبة شخصية يجب عليه أن يحاول التخلص من هذا لأنها مشكلة، المحبة في الحقيقة جذابة، المحبة كأنها رِشاء من حديد يجذب الإنسان، فإذا تعلَّق قلبه بامرأة فإن الغالب أن يحاول الوصول إليها إن لم تكن مُزَوَّجة يمكن يخطبها وإن كانت مزوجة مشكلة.
فالذي أرى في هذه المسألة أنه إذا أحبها محبة جنس بمعنى أحب جنس هذه المرأة فهذا لا شك أنه ما فيه مانع ولا يحصل فيه مفسدة، وأما إذا أحبها محبة شخصية فإن الأمر خطير.
* الطالب: ويش يعني؟
* الشيخ: يعني يحب هذه المرأة نفسها؛ إي هذه المرأة مثلًا شافها معها زوجها أنها قائمة باللازم وأحبها هي شخصيًّا.
﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [الأحزاب ٣٧] ﴿إِذْ﴾ يقول المؤلف: (إنه منصوب بـ (اذكر). أين (اذكر)؟ محذوف، (منصوب بـ (اذكر) محذوفًا، أي: اذكر يا محمد ﴿إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ إلى آخره. اذكر هذا القول حتى تكون مُسْتَعِدًّا لما يُلْقَى إليك من الموعظة؛ لأن الله تعالى وعظه في هذه الآية موعظة عظيمة حتى قالت عائشة رضي الله عنها: «لو كان محمدًا ﷺ كاتمًا ما أُنْزِل إليه لكتم هذه الآية»[[أخرجه مسلم (١٧٧ / ٢٨٨) من حديث عائشة رضي الله عنها.]]. كما سترون.
﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ (للذي أنعم عليه الله بالإسلام ﴿﴿وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ ﴾ بالإعتاق).
بَيَّن الله عز وجل أن هذا الرجل الذي أبهم اسمه هنا ثم أوضحه فيما بعد أن عليه نعمتين: النعمة الأولى لله، والثانية للرسول عليه الصلاة والسلام.
وهنا قال: ﴿لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ﴾ فأتى بالواو الدالة على الاشتراك، مع أن هذا ليس من باب الشرع أو ليس من باب التشريع حتى نقول: إنه يجوز اشتراك أو إشراك الله مع الرسول عليه الصلاة والسلام، بل هنا من باب النعمة والعطاء والفضل، فكيف جمع بين إنعام الرسول ﷺ وإنعام الله بالواو الدالة على التشريك؟
فالجواب أن نقول: جمع بينهما بالواو الدالة على التشريك؛ لأن النعمتين مختلفتان؛ فالنعمة الأولى بماذا؟ بالإسلام، والثانية: النعمة من الرسول ﷺ بالعتق، فلما اختلفت النعمتان صارت الواو لا تدل على الاشتراك لامتناع الاشتراك بين شيئين مختلفين.
(﴿تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ بالإعتاق وهو زيد بن حارثة كان من سَبْيِ الجاهلية اشتراه النبي ﷺ قبل البعثة وأعتقه وتبناه) المشهور أن زيد بن حارثة رضي الله عنه كان مملوكًا لخديجة فوهبته للنبي ﷺ، هذا هو المعروف في السير.
وأيًّا كان فإن زيد بن حارثة كان مملوكًا للرسول ﷺ ثم أعتقه وتبناه أيضًا، رفع معنويته بكونه أضافه إليه ابنًا له وكان يُدْعَى زيد بن محمد حتى أبطل الله ذلك في قوله: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب ٤٠]، وبقوله: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [الأحزاب ٤].
(تقول: ﴿﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ﴾ ﴾ في أمر طلاقها). ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ﴾ هنا عدَّى ﴿أَمْسِكْ﴾ بـ (على)؛ لأنها بمعنى اضمم عليك زوجك؛ يعني: اجعلها منضمة عليك لا تفارقها.
﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ والمراد بها زينب بنت جحش رضي الله عنها، وكان زيد قد تزوَّجها بمشورة النبي ﷺ فجاء يستشيره في طلاقها، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ يعني: لا تطلقها. وأمره بأن يتقي الله ﴿وَاتَّقِ اللَّهَ﴾ إغراء له على إمساكها، وإن كان الرجل لم يفعل خطيئة لأن الطلاق مما يباح للرجال، لكن من باب الإغراء على إمساكها.
وقال بعض المفسرين: إنه -أي: زيد بن حارثة- إنه ذكر زينب بعيب، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: ﴿اتَّقِ اللَّهَ﴾ يعني: لا تصفها بالعيب، وليس المعنى: اتق الله لا تطلقها؛ لأن الأصل في الطلاق أنه مباح ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ﴾.
قال الله تعالى: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ الواو حرف عطف ﴿وَتُخْفِي﴾ معطوفة على قوله: ﴿تَقُولُ﴾ يعني: واذكر أيضًا إذ تُخْفِي في نفسك ما الله مبديه، وأبهم الله تعالى ما أخفاه، لكنه بَيَّن أنه سيبديه، وننظر ماذا أبدى الله عز وجل ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا﴾ هذه اسم موصول في محل نصب مفعول لـ ﴿تُخْفِي﴾، و﴿اللَّهُ﴾ مبتدأ و﴿مُبْدِيهِ﴾ خبره، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، يعني: تخفي في نفسك الذي الله مبديه، وهنا لم يقل: وتخفي في نفسك ما يبديه الله، بل قال: ﴿مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ الجملة هنا اسمية، وإنما أتى بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت كأن هذا أمر لا بد منه، لا بد أن يبديه الله عز وجل، وهذا هو الذي وقع، ومعنى ﴿مُبْدِيهِ﴾ أي: مظهره وهو مقابل لقوله: ﴿تُخْفِي﴾ ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ إلا أن المقابلة اختلفت من حيث الصيغة؛ فالصيغة في الإخفاء جاءت بالمضارع، وأما الصيغة بالإبداء فجاءت بالجملة الاسمية.
قال: (﴿﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ ﴾ مظهره من محبتها وأن لو فارقها زيد تَزَوَّجْتَها) هذا ما زعم المؤلف تبعًا لكثير من المفسرين؛ أن الذي أخفاه النبي عليه الصلاة والسلام هو محبته لهذه المرأة فأبدى الله ذلك، ولكنك إذا تأملت الآيات وجدت أن الذي أخفاه هو نية الزواج بها بأمر الله عز وجل، فإن الله تعالى أمره أن يتزوجها بعد زيد بن حارثة، وكأن هذا -والله أعلم- من أجل جبر قلبها حيث تزوجت زيد بن حارثة وهو مولى وهي من صميم العرب فأراد الله عز وجل أن يكافئها على خضوعها لمشورة النبي ﷺ بأن يتزوجها الرسول ﷺ هذه من جهة، ومن جهة أخرى أمره الله أن يتزوجها لأجل أن يزول ما كان مشهورًا عندهم في الجاهلية منين؟ من أنَّ ابن التبني لا يجوز لمن تبناه أن يتزوج بامرأته فيكون هذا من باب البيان بالفعل الذي هو أقوى من البيان بالقول.
قال: (﴿﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ ﴾ مظهره من محبتها وأن لو فارقها زيد تزوجها)، وإذا نظرنا إلى الذي أبداه الله وجدنا أنه زواجه، لا أنه يحبها ما قال الله في القرآن: إنك تحبها أبدًا ولا تعرض للحب.
قال: (﴿﴿وَتَخْشَى النَّاسَ﴾ ﴾ أي: تخاف من قولهم ومن كلامهم بأن يقولوا تزوَّج زوجة ابنه)، وهذا عند العرب عيب عندهم فهم يرونه من المنكرات.
قال الله تعالى: (﴿﴿وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ ﴾ في كل شيء، وتزوَّجْها ولا عليك من قول الناس، ثم طلقها زيد وانقضت عدتها) قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ﴾ إلى آخره.
قال الله: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ منين؟ من الناس ولكنه هنا أطلق، قال الله: ﴿وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ ولم يذكر المفضل عليه من أجل العموم لأنه دائمًا يكون الحذف مفيدًا للعموم؛ يعني أحق أن تخشاه من كل أحد؛ من الناس، ومن الجن، ومن غيرهم.
وقوله: ﴿أَنْ تَخْشَاهُ﴾ يعني: أن تخافه، ولكن الخشية خوف مع علم؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨]، والخشية أيضًا خوف مع قوة المخشيِّ وعظمته، فالخوف دون الخشية؛ لأن الخوف يقع بدون علم، ولأن الخوف يقع من ضعف الخائف لا من قوة المخوف؛ ولهذا كانت الخشية أرفع مرتبة وأقوى ﴿وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾.
(﴿﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا﴾ ﴾ حاجة ﴿﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾ ﴾ فدخل عليها النبي ﷺ بدون إذن وأشبع المسلمين خبزًا ولحمًا).
* الطالب: عندنا بغير إذن.
* الشيخ: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا﴾ أي: حاجة، وهذا دليل على أن زيدًا رضي الله عنه طلَّقها عن رغبة، وأنها انقضت حاجته منها، ولم يطلقها عن ضغط أو إكراه.
وقوله: ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾ شرعًا أو قدرًا؟ شرعًا وقدرًا، لكن المهم شرعًا؛ لأنه لو كان المراد قدرًا فقط لم يكن بَيْنَها وبين أمهات المؤمنين فرق؛ لأن أمهات المؤمنين أيضًا مما زوجهن الله قدرًا، وكانت هي أي زينب تفتخر على نساء النبي ﷺ فتقول: «زَوَّجَكُنَّ أهاليكُنَّ، وزوَّجَنِي الله من فوق سبع سماوات»[[أخرجه الترمذي (٣٢١٣) من حديث أنس رضي اله عنه.]]، وهذا دليل على أنه تزويج شرعي، ولكنه قدري أيضًا في نفس الوقت.
وقوله: ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾ في هذا ضميران مفعولان؛ الضمير الأول الكاف، والثاني ﴿هَا﴾ وهو متمشٍ على القاعدة، ابن مالك يقول:
؎وَقَدِّمِ الْأَخَـــــــصَّ فِي اتِّصَـــــــــالِ ∗∗∗ وَقَدِّمَنَّ مَا شِئْتَ فِي انْفِصَالِ
وضمير المخاطب أخصُّ من ضمير الغائب؛ ولهذا قال: ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾.
الحكمة من ذلك قال: ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾ ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ﴾ اللام هنا للتعليل، و﴿كَيْ﴾ حرف مصدر؛ لأنها بعد اللام مصدرية محضة أي: لأن، و(لا) نافية، وقوله: ﴿حَرَجٌ﴾ أي: ضيق ومشقة، وقوله: ﴿فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ﴾ من أدعياؤهم؟ أبناؤهم الذين تَبَنَّوْهُم، هؤلاء هم الأدعياء، وهؤلاء الأدعياء ليسوا بأبناء كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [الأحزاب ٤].
وتأمل قوله: ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ﴾ ولم يقل: (أبنائهم الذين تبنوهم)؛ لأن هذه البنوة منتفية شرعًا وباطلة شرعًا ولهذا قال: ﴿أَدْعِيَائِهِمْ﴾.
وبهذا نعرف أن قول مَنْ قال في قوله تعالى: ﴿وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ﴾ [النساء ٢٣] أن قوله: ﴿مِنْ أَصْلابِكُمْ﴾ احتراز من ابن التَّبَنِّي يتبيَّن لنا أن هذا القول لا وجه؛ لا لأن ابن التبني لم يسمِّه الله ابنًا أبدًا، بل نفى عنه البنوة فقال: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾، وقال هنا: ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ﴾، وإذا كان ابن التبني لا يُسَمَّى ابنًا شرعًا فإنه لا حاجة إلى أن نأتي بصفة تخرجه لماذا؟ لأنه ليس بداخل أصلًا حتى يُخْرَج بهذه الصفة ﴿الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ﴾، ولكنها احتراز من ابن الرضاعة كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال: ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾ ﴿إِذَا قَضَوْا﴾ الفاعل يعود على من؟ على الأدعياء.
وقوله: ﴿إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾ فيه إشارة إلى أنه لو كان ذلك بضغط من الأب المُدَّعِي لكان ذلك فيه حرج، بل لا بد أن يكونوا قد قضوا منهن وطرًا وأنهوا رغبتهنَّ فيهن.
قال: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ قال المؤلف: (مقضي مفعولًا) أمر الله الكوني أو الشرعي؟ الكوني؛ لأن الشرعيَّ قد يُفْعَل وقد لا يفعل، ولكن الأمر الذي لا بد أن يُفْعَل هو أمر الله الكوني، فإذا أمر الله تعالى بشيء كونًا فلا بد أن يقع.
وخلاصة هذه الآية أو تفسير هذه الآية أن نقول: إن الله عز وجل ذَكَّر نبيَّه ﷺ بهذا الأمر العظيم، وهو قوله لزيد بن حارثة حين جاء يستشيره في طلاق زوجته قال له: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ﴾ مع علم النبي ﷺ بأن الله سوف يُزَوِّجُه إياها، وكان على النبي عليه الصلاة والسلام أن يسكت على الأقل ويقول: انظر ما يبدو لك في هذا الأمر. لكنه أشار عليه أن يُمْسِك، لماذا؟ لأنه يخشى أن يقول الناس: تزوج امرأة ابنه الذي تبناه، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يخاف من هذا الأمر، ولكن الله تعالى وَجَّهَهُ هذا التوجيه السليم.
ثم قال تعالى: (﴿﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ﴾ ﴾ أحل الله له) إلى آخره.
﴿مَا كَانَ﴾ (ما) نافية و(كان) فعل ماض ناقص، واسمها قوله: ﴿حَرَجٍ﴾، لكن فيها (مِن) الزائدة؛ لماذا؟ لإثبات النفي وتوكيده.
وقوله: ﴿عَلَى النَّبِيِّ﴾ هذا خبرها مقدَّم.
﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾ ومعنى ﴿فِيمَا فَرَضَ﴾ أي: فيما أحلَّ الله له أيًّا كان، فكل ما أحلَّ الله فإن لا حرج عليه عند الله، وإذا كان لا حرج عليه عند الله فإن لا يجوز لأحد أن يتكلم في هذا الذي أحلَّ الله له ويقول: لمَ فعلَ؟ لِمَ صنع؟ وسيأتي إن شاء الله تعالى في الفوائد أن هذا عام للرسول ولغيره.
وقوله: ﴿فِيمَا فَرَضَ﴾ الفرض تارة يتعدَّى باللام، وتارة يتعدى بـ (على) فيتعدي باللام مثل هذه الآية: ﴿فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾، ويتعدى بـ (على) مثل فرض الله علينا كذا وكذا، فإن تعدى بـ (على) فهو بمعنى أوجب، وإن تعدى باللام فهو بمعنى أحل؛ لماذا؟ لأن الفرض في الأصل بمعنى التقدير، والمقدَّر قد يكون واجبًا وقد يكون مُحَلَّلًا.
قال الله تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ أي: كسنة الله فنُصِبَ بنزع الخافض؛ يعني أن الله تعالى نفى عنه الحرج فيما أحل له؛ لأن هذا هو سنة الله تعالى فيمن سبق، و﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ أي: طريقته، والمعنى كطريقة الله تعالى فيمن سبق من الأنبياء.
قال: (﴿﴿فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ ﴾ من الأنبياء أن لا حرج عليهم في ذلك توسعة لهم في النكاح ﴿﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ ﴾ فِعْلُه ﴿﴿قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ ﴾ مقضيًّا).
يقول الله عز وجل: إن الرسول عليه الصلاة والسلام كغيره من الأنبياء السابقين؛ فما أحل الله له فإنه لا حرج عليه فيه؛ يعني: لا تضييق لا من قِبَل الله ولا من قِبَل عباد الله، وهكذا الأنبياء السابقون ليس عليهم حرج فيما فرَض الله لهم يفعلون ما يشاؤون ما دام الأمر مُحَلَّلًا لهم.
ثم قال: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾ قال المؤلف في إعرابها: (﴿﴿الَّذِينَ﴾ ﴾ نعت للذين قبله)، وين (الذين) قبله؟ ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ أي: في الذين يبلغون.
وقوله: ﴿يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ﴾ جمع رسالة، والمراد بها المرسَل به، فهم يبلغون ما (...) به، والتبليغ معناه الإيصال ومنه ما جاء في الحديث: «لَا بَلَاغَ لِيَ الْيَوْمَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٦٤)، ومسلم (٢٩٦٤ / ١٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]].
﴿وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾ [الأحزاب ٣٩] لأن الخشية عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله عز وجل، هذا في الأصل مع أن الخشية قد تكون غير عبادة؛ قد تكون خوفًا طبيعيًا لا يتعبد به الإنسان للخائف، فيُفرَّق بين خشية الإنسان للناس وبين خشية الإنسان لله قال: (فلا يخشون مقالة الناس فيما أحل الله لهم) وكذلك في غيره.
﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ حافظًا لأعمال خلقه ومحاسبتهم. إعراب ﴿كَفَى بِاللَّهِ﴾؟
* طالب: (...) جار ومجرور.
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: كما قال، طيب و﴿بِاللَّهِ﴾.
* الطالب: حرف زائد.
* الشيخ: حرف جر زائد. كمل.
* الطالب: (الله) فاعل. ﴿حَسِيبًا﴾؟
* الشيخ: اصبر، الفاعل أيش؟ منصوب ولَّا مجرور؟
* الطالب: (الله) فاعل مجرور بالكسرة بدل الرفع.
* الشيخ: فاعل، إذن ما هو فاعل.
* الطالب: (...) مقدرة.
* الشيخ: لا، من يعرف؟ مر علينا هذا الإعراب كثيرًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره.
* الشيخ: لفظ الجلالة اسم مجرور بالباء.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ﴿حَسِيبًا﴾ تمييز.
* الشيخ: تمييز كذا؟ طيب.
إذن ﴿كَفَى﴾ تتعدى بالباء على أنه حرف جر زائد وهو كثير، وقد تتعدى بنفسها إلى الفاعل كقول الشاعر:
؎كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا ∗∗∗ ..........................
فلم يأتِ بالباء، لكن الأكثر أن يأتي بها.
* * *
يقول تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب ٣٦].
* من فوائد الآية الكريمة: أن مقتضى الإيمان ألا يخالف المؤمن أمر الله ورسوله؛ لقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ﴾ إلى آخره.
* ومن فوائدها: أنه كلما قُوِيَ الإيمان قويت الموافقة، ما وجهه؟ لأن الحكم المرتب على وصف يَقْوَى بقوته ويضعف بضعفه؛ * وعليه فتأتي الفائدة الثالثة: أنه كلما نقص الإيمان وضعف كثرت المخالفة؛ ولهذا قال أهل العلم: إن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما قضاه الرسول ﷺ من الأمور فهو كما قضاه الله؛ لقوله: ﴿إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الخير كلَّ الخير فيما قضاه الله ورسوله؛ لقوله: ﴿أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ يعني: ما يختارون غيره؛ لأنهم يرون أن الخير فيما قضاه الله ورسوله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المعصية ضلال؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.
* ومن فوائدها: أنه كلما كانت المعصية أكبر أو أكثر كان الضلال أبين وأوضح، وجهه ما أشرنا إليه من قبل؛ أن الحكم المرتب على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن معصية الرسول عليه الصلاة والسلام كمعصية الله؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ فإذا أتانا آتٍ ونهنيناه عن أمر جاء به النهي في السنة، وقال: هذا ليس في القرآن، ماذا نقول له؟ نقول: ما في السنة كما في القرآن، وقد توقع النبي ﷺ ذلك فقال: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي الْكِتَابِ اتَّبَعْنَاهُ. أَلَا وَإِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ»[[أخرج ابن ماجه (١٢) بسنده عن المقدام بن معد يكرب الكندي أن رسول الله ﷺ قال: «يوشك الرجل متكئًا على أريكته يحدث بحديثٍ من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرَّم رسول الله ﷺ مثل ما حرم الله».]].
وهذا الذي توقعه النبي عليه الصلاة والسلام وقع، بل صرحوا بأنه لا احتجاج إلا بما جاء في القرآن، وكما رأيتم الآن ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء ٨٠].
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز تشريك الله ورسوله بالواو في الأحكام الشرعية، منين؟ ﴿إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ بخلاف الأمور الكونية فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يُشارَك مع الله بالواو؛ ولهذا لما قال له الرجل: ما شاء الله وشئت. قال: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟! بَلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ»[[أخرج البخاري في الأدب المفرد (٧٨٣) بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رجل للنبي ﷺ: ما شاء الله وشئت قال: «جعلتَ لله نِدًّا ما شاء الله وحده».]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات رسالة النبي ﷺ؛ لقوله: ﴿إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، ورسالة النبي ﷺ عامة لجميع البشر منذ بعث إلى أن تقوم الساعة؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب ٤٠] والخاتم لا شيء بعده، وكانت شريعة الرسول ﷺ لكونها عامة شاملة إلى يوم القيامة كانت صالحة لكل زمان ومكان وأمة، ومعنى كونها صالحة أن العمل بها لا ينافي المصالح في أي زمان أو مكان، بل هو المصلحة هو عين المصلحة، وليس كما فعله بعض الناس وتصرف بهذه العبارة حيث زعم أن الدين أو أن الإسلام صالِح لكل زمان ومكان بمعنى أنه خاضع لكل زمان ومكان، فجعلوا الشرع تابعًا لا متبوعًا، وقالوا: إن العصر إذا اقتضى في زعمهم المصلحة فإن الشرع لا يعارضه، وبَنَوا على ذلك استحسان ما استحسنوه من الأمور التي لا شك في تحريمها؛ كتجويز الربا وأن هذه ينمي الاقتصاد ويقوِّي الأمة، وكتجويز التأمينات التي هي الميسر حقيقة والتي قرنها الله تعالى بالخمر والأنصاب والأزلام، إلى غير ذلك مما يرون أنه داخل في مسمى الدين الإسلامي بحجة أن الإسلام صالِح لكل زمان ومكان.
ونحن نقول: صالِح. ما نقول: خاضع. أنت اعمل بالإسلام في أي زمان أو مكان أو أمة وشوفها، وانظر هل ينافي المصالح أو ينمي المصالح، ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ إلى آخره.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: تذكير النبي ﷺ بالأمور التي يحسُن أن يوعظ فيها؛ لقوله: ﴿وَإِذْ تَقُولُ﴾؛ حيث قلنا: إنها منصوبة بفعل محذوف تقديره (اذكر).
* ومن فوائدها: بيان منة الله على زيد بن حارثة بالإسلام والتمسك به حتى إن أباه وأعمامه لما جاؤوا يطلبونه وخيره النبي عليه الصلاة والسلام بينهم وبينه اختار أن يكون مع الرسول ﷺ.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الإعتاق نعمة مِنَ المعتق على عَتِيقه وهو كذلك، والْفَرَضيون يعبرون بها -يعبرون بالنعمة- عن الإعتاق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجوز عطف الأمور غير الشرعية بالواو إذا اختلف المعنى، وقلنا: إن الرسول ما يُسَوَّى بين الله وبين الرسول بالواو في غير الأمور الشرعية.
هنا عُطِفَ نعمة الرسول على نعمة الله بالواو مع أنها ليست من الأمور الشرعية، لكن الذي سَوَّغ ذلك اختلاف النعمتين؛ فالنعمة الأولى الإسلام والنعمة الثانية العتق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الزوجة تابعة للزوج؛ لقوله: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ﴾ فكأنها يَضُمُّها ويحرسها ويصونها وكأنها تابعة له كما في قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة ٤].
* ومن فوائد الآية الكريمة: استشارة ذوي الرأي؛ لأن زيدًا استشار النبي ﷺ.
* ومن فوائدها: أنه يجب على المستشار أن يبذل ما يراه -ولو باجتهاده- ما يراه هو الأولى؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أشار على زيد بإمساكها اجتهادًا منه خوفًا من إثارة المنافقين والمشركين عليه، ولكن لا يعني ذلك أن يكون الْمُشير مصيبًا فيما يتصرف فيه، قد يخطئ فيما يتصرف فيه، لكن هو في حال إشارته يرى أن ذلك هو الصواب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأفضل للزوج ألا يتعجل بالطلاق وأن يمسك عليه زوجته؛ لقوله: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ فأشار عليه بعدم الطلاق، وإن كان للرسول عليه الصلاة والسلام أغراض أخرى، لكن لا يمنع أن تتعدد الأسباب في الأمر بإمساكها، ومعلوم أن الله عز وجل قال في كتابه المبين: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء ١٩].
* ومن فوائد الآية الكريمة: ثبوت رسالة النبي ﷺ وأنها رسالة حق؛ لقوله: ﴿وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ فلو كان النبي عليه الصلاة والسلام كاذبًا -وحاشاه من ذلك- لكان يَكْتُم مثل هذه الأشياء؛ لأنها صعبة في حقه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل قد يفعل خلاف ما كان الرسول عليه الصلاة والسلام عليه؛ بمعنى أن اجتهاد النبي ﷺ قد يكون مخالفًا لما يريده الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ فالرسول أخفى في نفسه هذه الأمر لكن الله تعالى خالفه في ذلك فأبداه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن خوف الناس قد يقع من الأنبياء ولكنهم لا يُقَرُّون عليه؛ لقوله: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ﴾.
* ومنها: وجوب تقديم خشية الله عز وجل على خشية كل أحد؛ لقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾؛ فالواجب على المرء ألا يخاف في الله لومة لائم وأن يتقيَ الله عز وجل في بيان الحق والعمل به، لا يَقُل: إن الناس يشمتون بي، إن الناس يسخرون مني، إن الناس يستهزؤون بي، وليكن ذلك فإنه لا يزداد بهذه السخرية والاستهزاء إلا رفعة عند الله سبحانه وتعالى.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يصح التزويج حتى ينتهي حق الزوج الأول من الزوجة بالكلية؛ لقوله: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ فكان التزويج بعد انتهاء زيد منها بالكلية، ولا يَرِدُ على ذلك أن يقال: إن ظاهر الآية جواز التزويج بعد الطلاق مباشرة؛ لأن نقول: إن الوطر والحاجة ما تنتهي إلا بانتهاء العدة؛ إذ إن الإنسان لو أراد أن يرجع إلى زوجته في العدة وهي رجعية لحصل له ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات العظمة لله عز وجل والسلطان؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ لما له من العظمة والسلطان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة زينب رضي الله عنها؛ حيث زوجها الله سبحانه وتعالى لرسوله ﷺ، ما وجهه؟ أن غيرها يزوجه أولياؤه وأهلها، وأما هي فقد تَوَلَّى الله عز وجل تزويجها، وهذه منقبة عظيمة لها.
* ومن فوائدها: أن الله سبحانه وتعالى يثيب عبده أكثر من عمله؛ لأن هذه المرأة -كما سبق- تزوجت زيد بن حارثة مع أن زيدًا من الموالي وهي من صميم العرب وقد يكون في ذلك غض من حقها ومرتبتها، فرفع الله تعالى من شأنها؛ حيث زوَّجها رسوله محمدًا ﷺ هو بنفسه تبارك وتعالى، ولا شك أن هذا رفعة من شأنها؛ فهي بعد أن كانت تحت هذا المولى -وهي من صميم العرب وكان في ذلك شيء من الغضاضة عليها- رفع الله من شأنها بهذا الأمر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما ثَبَت في حق النبي من أحكام فهو ثابت في حق الأمة، منين نأخذها؟ ما وجه ذلك؟
* الطالب: وجه ذلك أن هذا الحكم ثابت له وللمسلمين.
* الشيخ: نعم؛ لأنه هذا الحكم خوطب به الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم.. ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾ فدلَّ ذلك على أن ما ثبت للرسول عليه الصلاة والسلام من الأحكام فأمته تبع له إلا ما قام الدليل على تخصيصه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز تزوج الرجل بزوجة مَنْ تبناه، منين تؤخذ؟ ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ﴾.
* ومن فوائدها: أن ابن التبني لا يُسَمَّى شرْعًا ابنًا، وما سماه الله ابنًا؛ لقوله: ﴿أَدْعِيَائِهِمْ﴾ وقوله في أول السورة: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [الأحزاب ٤]، ويتفرع على هذه الفائدة أن قوله تعالى: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ [النساء ٢٣] أن هذا القيد ليس لإخراج ابن التبني؛ لأنه ما دخل في الأبناء حتى يحتاج إلى إخراجه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أمر الله عز وجل الأمر الكوني لا بد أن يقع. السؤال موجه الآن إلى واحد.
* طالب: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [الأحزاب ٣٧].
* الشيخ: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [الأحزاب ٣٧]، لو قال قائل: ﴿أَمْرُ اللَّهِ﴾ مفرد مضاف فيعُمُّ الأمر الكوني والشرعي، فبماذا نجيبه ونحن قد خصصناه الآن بالأمر الكوني؟
* الطالب: أن الله سبحانه وتعالى يذكرها ولا تتحقق؛ الأمور الشرعية.
* الشيخ: الشرعية. صح.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، أحسنت؛ لأن الأمر الشرعي ليس مفعولًا لكل أحد، بل فيه مَنْ لا يفعله.
ثم قال تعالى: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ﴾ [الأحزاب ٣٨] إلى آخره.
* يستفاد منها؛ من الآية الكريمة: أنه لا حرج على النبي ﷺ فيما أحلَّ الله له وإن كان مخالفًا لما يعتاده الناس؛ لعموم قوله: ﴿مِنْ حَرَجٍ﴾ و﴿فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ﴾؛ لأن (ما) اسم موصول، فكل ما أحل الله للرسول فلا حرج عليه فيه.
* ويستفاد منه أيضًا: أنه لا حرج على الإنسان غير الرسول فيما أحل الله له، لا حرج عليه فيما أحل الله له منين يؤخذ؟ لأن ما ثبت في حق النبي ﷺ ثبت في حق أمته إلا بدليل ولكن يجب على الإنسان أن يراعي أحوال الناس وما يُسْتَنْكَر عليه فيه حتى لا يعرِّض نفسه للذم والقدح، فمراعاة أحوال الناس أمر لا بد منه إلَّا في الأمور الشرعية فإن الواجب على المرء إبانتُها وإظهارها.
* طالب: ألا يخصص هذا بحديث: (...)؟
* الشيخ: نعم، لا، كيف دنيا ويش معناها؟
* الطالب: يعني في مسألة الزواج كونهم يتعففون عن الزواج بزوجة من التبني قد يدخل في الأمور الدنيوية.
* الشيخ: إي، هو من الأمور الدنيوية؛ لأن الله ما حرمها.
* الطالب: ولذلك لماذا لا نقول: ليس عليه حرج فيما (...)؟
* الشيخ: لا فيما أحل الله له خاصة.
* طالب: الحلال يتعلق (...).
* الشيخ: نعم، وفيما حرم الله عليه عليه حرج.
* الطالب: مسألة الذم والقدح فيما أحل الله له كيف..
* الشيخ: نعم، ذَمَّ الناس له، ما هو ذم الله؛ يعني: بعض الأشياء المحللة إذا فعلها الإنسان صارت خارجة عن المروءة في عُرْف الناس، فمراعاة هذا الأمر ما نأخذه من هذه الآية، مراعاة هذا الأمر أمر لا بد منه؛ يعني: افرض أن هناك شيئًا حلالًا لكن الناس ينتقدونه عليك، ما هو من الأمور الشرعية التي لا بد من إبانتها فالأفضل للإنسان أن يَدَعَ هذا.
* الطالب: ألا يخصص هذا بحديث: «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ»[[أخرج ابن ماجه (٢٩٥٥) بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله ﷺ عن الحجر، فقال: «هو من البيت» قلت: ما منعهم أن يدخلوه فيه؟ قال: «عجزت بهم النفقة» قلت: فما شأن بابه مرتفعًا لا يصعد إليه إلا بسلم؟ قال: «ذلك فعل قومك، ليدخلوه من شاؤوا، ويمنعوه من شاؤوا، ولولا أن قومك حديث عهد بكفر، مخافة أن تنفر قلوبهم، لنظرت هل أغيره، فأدخل فيه ما انتقص منه، وجعلت بابه بالأرض».]]؟
* الشيخ: لا، هذه من مراعاة المصالح، من دفع المفاسد؛ لأنه إذا تحققت المفسدة فإن المفسدة لا يجوز أن الإنسان أن يمارسها، يجب عليه الكف عنها فلا تكون داخلة في ما أحل الله له.
* ويستفاد من الآية الكريمة: تكليف النبي ﷺ وأنه يلحقه الحرج فيما لم يُحِلَّه الله له؛ لقوله ﴿فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾ فيستفاد من هذا أن الرسول ﷺ عبد من عَبِيدِ الله أو من عباد الله لا يخرج عن طاعته وشريعته كما قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: إن الرسول محمدًا ﷺ عَبْدٌ لا يُعْبَد ورسول لا يكذب. وهو كذلك، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام عن الآية.
(...) البيان بالفعل أبلغ من البيان بالقول أو لا؟ لو تلحقونها. ذُكِرَت؟ ما أظن ذكرناها.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) بالفوائد، إن البيان بالفعل أبلغ وأقوى من البيان بالقول، من أين يؤخذ؟ من كون الله تعالى زوَّج زينب بنت جحش رسولَه ﷺ فإن هذا أبلغ في الطمأنينة وثبوت الحكم. سبحان الله! هل ذكرنا أن في الآية دليل على أنما ثبت للرسول عليه الصلاة والسلام من الحكم فهو ثابت للأمة؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: ذكرناه وبيَّنا وجه الدلالة، وبيَّنَّا أن أمر الله الكوني لا بد من وقوعه.
إذن ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الأحزاب ٣٨] ويش أخذنا منها؟
* الطالب: أنه لا حرج على النبي ﷺ فيما يفعله وإن كان مخالفًا للناس فيما أحل الله (...).
* الشيخ: تكليف؟
* الطالب: تكليف. أن النبي ﷺ عبد من عباد الله (...).
* الشيخ: نعم، طيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب ٣٨].
* من فوائد الآية الكريمة: أن ما شرعه الله لرسوله في هذه الآية فهو مشروع لمن كان قبله؛ لقوله: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾.
* وربما يؤخذ منها فائدة أيضًا: وهي أن شرع من قَبْلَنا شرع لنا؛ لأن الله جعل هذا سنة الأولين، وقد يُنازَع في ذلك فيقال: إن الله بَيَّن أنَّ ما شرعه لنبيه أو ما نفاه عنه من حرج فيما فرض له هو سنة مَنْ قَبْلَه ولا يعني ذلك أن يوافقه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أمر الله قد كُتِبَ وقُدِّرَ؛ لقوله: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾، وهل المراد بالأمر هنا الكوني أو الشرعي؟ الكوني.
ثم قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾. بناء على إعراب المؤلف أن ﴿الَّذِينَ﴾ بدل من قوله: ﴿الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ * يكون من فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على الرسل السابقين؛ لقوله: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: الثناء على مَنْ بَلَّغ شيئًا من شريعة الله من غير الرسل؛ وجه ذلك أنه إنما أُثْنِيَ على الرسل لكونهم بَلَّغوا الرسالة ولم يخشوا أحدًا فمن كان مثلهم في ذلك فهو محل الثناء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنَّ من صفات الرسل عليهم الصلاة والسلام ألا يَخْشَوا أحدًا في تبليغ الرسالة، وإنما يخشون الله في عدم تبليغها، لا يخشون الناس في تبليغها ويخشون الله في عدم تبليغها.
* ومن فوائدها: أن إبلاغ الرسالة من خشية الله؛ فإنه لولا خشية الله ما بَلَّغوا رسالته.
* ومن فوائدها: إثبات الرسالات في من سبق؛ لقوله: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ﴾. واعلم أنه ما من أمة من الأمم إلا أَرْسَل الله إليها رسولًا لأجل أن تَنْتفيَ الحجة عن الله وتزول المعذرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن حِفْظَ الله عز وجل في غاية ما يكون من الحفظ؛ لقوله: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ هذا إذا جعلنا الحسيب بمعنى الحفيظ الكافي لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق ٣]، أما إذا جعلنا الحسيب بمعنى المحاسب فإنه يؤخذ منها فائدة؛ وهي كمال محاسبة الله عز وجل عباده وأنه لا يفوته شيء.
* ويستفاد من الآية الكريمة: إثبات علم الله؛ لقوله: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ سواء جانا الحسيب بمعنى المحاسب أو بمعنى الحفيظ فإنه لا محاسبة إلا عن عِلْم ولا حفظ إلا بعلم.
* * *
* طالب: (...) ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ﴾ الفعل المضارع (يبلغون) للاستمرار.
* الشيخ: لا، وقد يكون لوصف الحال؛ حكاية الحال، ما عرفت أنه يأتي الفعل المضارع في شيء مضى من باب الحكاية؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: الذي أشار إليه المؤلف.
* الطالب: عموم الآية فيما فرض الله له حلال يعني، هذا واحد لا يكون له (...) مطلقًا.
* الشيخ: ويش لون؟
* الطالب: الإنسان في الأشياء..
* الشيخ: المباحة.
* الطالب: لا يكون له الحرية المطلقة.
* الشيخ: هذا هو الأصل، لكنا ذكرنا في أثناء التفسير أنه ينبغي للإنسان أن يراعي شعور الناس في بعض الأمور.
قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب ٤٠] ﴿مَا﴾ نافية، وهل هي حجازية أو غير عاملة؟
الجواب: غير عاملة؛ لأن العمل لـ (كان) وليس لها.
﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ﴾ يعني رسول الله ﷺ ﴿أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾، لم يقل: ما كان رسول الله، بل قال: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ﴾ فتَحَدَّث عنه باعتباره شخصًا من الناس، ثم قال بعد ذلك: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ فأثبت له الرسالة.
وقوله: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ ﴿أَبَا﴾ بالألف؛ لأنها خبر كان، ﴿أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ فليس أبا زيد أي: والده فلا يحرم عليه التزوج بزوجته زينب.
قوله: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ تبنيًا أو تبنيًا وولادة؟ تبنيًا وولادة أيضًا؛ لأن أبناء الرسول ﷺ الثلاثة تُوفوا قبل أن يبلغوا الرجولة، كلهم توفوا وهم صغار.
وقال بعض أهل العلم: إن المراد ﴿أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ تبنيًا؛ لأنه قال: ﴿مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ فأضاف الرجال إليهم، ولم يقل: أبا أحد من الرجال؛ وعلى هذا فلا يكون في الآية دليل على أنه ليس أبًا لأحد من الرجال نسبًا وتبنيًا، وهذا هو الأقرب أن المراد ﴿أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ تبنيًا؛ لأجل أن ينفي ما كان معروفًا عندهم من أن زيد بن حارثة ابن لرسول ﷺ.
وقوله: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ مر علينا فيما سبق ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ أن بعض السلف قرأ: (وهو أبٌ لهم) فكيف يُجْمَع بينه وبين هذه الآية؟
الجمع بينهما أن يقال هنا: ليس أبا أحدًا من الرجال بالتبني ولكنه أبٌ للمؤمنين باعتبار التعليم والتوجيه والإرشاد.
﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ (﴿﴿وَلَكِنْ﴾ ﴾ كان ﴿﴿رَسُولَ اللَّهِ﴾ ﴾) أفادنا المؤلف أن ﴿رَسُولَ اللَّهِ﴾ منصوبة بفعل محذوف تقديره (كان) رسول الله.
﴿رسول﴾ بمعنى: مُرْسَل أي: مرسل الله عز وجل لعباده.
﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ يعني: وكان خاتم النبيين (فلا يكون له ابن رجل بعده يكون نبيًّا)، وهذا التفسير الذي ذهب إليه المؤلف فيه نظر؛ لأنه يقول: ﴿خَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ إذن ليس له ولد بعده يكون رجلًا فيكون نبيًّا، وهذا بناءً على أنه يلزم أن يكون ابن النبي بعده نبيًّا، وهذا ليس بلازم فإن بعض الأنبياء ليس كلهم أولادهم أنبياء، صحيح أن كثيرًا من الأنبياء صار أولادهم أنبياء كإبراهيم مثلًا، ولكن لا يعني ذلك أن جميع الأنبياء يلزم من كونهم أنبياء إذا خلَّفوا أولادًا أن يكونوا أنبياء.
ولكن معنى قوله: ﴿خَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ أنه لا نبي بعده، هذا معنى الآية التي لا يحتمل غيرها.
﴿وَخَاتَمَ﴾ فيها قراءتان إحداهما بالكسر والثانية بالفتح، وهي عندي بالكسرة ﴿﴿وَخَاتِمَ النَّبِيِّينَ﴾ ﴾ على أن ﴿﴿خَاتِمَ﴾ ﴾ اسم فاعل؛ يعني الذي يختمهم، وفي قراءة بفتح التاء كآلة الختْم أي به خُتِم فتح التاء ﴿خَاتَمَ﴾، والخاتم ما يُخْتَم به الشيء مثل الخاتم الذي يكون في الإصبع وكُتِبَ عليه اسم صاحبه فإذا أراد أن يختم الكتاب ختمه بهذا الخاتم.
والنبي عليه الصلاة والسلام خاتِم وخاتَم؛ خاتِم لأنه آخرهم، وخاتَم كأنه طُبِعَ على الرسالات بعد ذلك فلا يمكن أن يأتي بعده رسالة، وهذا هو فائدة القراءتين.
وقوله: ﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ هذا كما ترون في القرآن، وفي السنة أيضًا أدلة كثيرة تدل على أنه خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعلى هذا فلا نبي بعده.
فإن قلت: ألم يثبت أن عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان وهو نبي؟
فالجواب: بلى، ينزل وهو نبي لكن نبوة عيسى لم تتجدد بعد، بل كان نبيًّا من قبل أن يُرْفَع ولم يتجدد له نبوة بعد نبوة النبي ﷺ، فكان النبي عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء.
وهل يأتي عيسى بشريعة جديدة؟ لا، فإن قلت: أليس يضع الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ولا يقبل إلا الإسلام؟
فالجواب: بلى، وهذه الأحكام مخالفة لحكم الشريعة الآن، فهل معنى ذلك بأنه يأتي بأحكام متجددة؟ الجواب: لا؛ لأن إخبار النبي ﷺ بذلك يكون إقرارًا له فيكون هذا من سنة الرسول ﷺ؛ يعني هو من المعلوم أن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام هي قوله وفعله وإقراره، فإذا قال ذلك عن عيسى مقررًا له صار ذلك من سنته، وحينئذ فلم يأت عيسى بنبوة جديدة ولم يأت بتشريع جديد، ولا إشكال في ذلك.
﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ ﴿كَانَ﴾ فيما مضى، وأما الآن؟ لا، إذن ﴿كَانَ﴾ هنا مسلوبة الزمان، وإنما يؤتى بها لتحقق الصفة وهي العلم.
(﴿﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ ﴾ منه بأن لا نبي بعده) يعني: من العلم الذي علمه الله تعالى أنه لا نبي بعده؛ ولهذا قال: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب ٤٠].
وقوله: ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ يشمل حتى أعمال بني آدم؟ نعم ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [ق ١٦] قبل أن يعمله.
قال: (وإذا نزل السيد عيسى يحكم بشريعته) (إذا نزل السيد) هل وصفه الله بالسيد؟
* طالب: نعم، ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا﴾ [آل عمران ٣٩].
* الشيخ: من هو هذا؟ ما هو يحيى؟ ما وصفه الله بالسيد في سورة آل عمران؟ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ [آل عمران ٤٥، ٤٦].
* طالب: ﴿وَجِيهًا﴾.
* الشيخ: ﴿وَجِيهًا﴾. لكن ما قال: (سيد). على كل حال أنا أخشى أن هذه الكلمة دخلت على المؤلف من عبارات النصارى؛ لأنهم دائمًا يقولون: السيد المسيح، السيد المسيح. ولا شك أنه سيد عليه الصلاة والسلام؛ لأنه نبي من الأنبياء.
يقول: (يحكم بشريعته) وحينئذ لا يأتي بشريعة جديدة فلا ينافي الآية: ﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾.
وقد علمتم أنه يَرِدُ على قضية نزول عيسى إيرادان:
أولًا: أنه نبي، فكيف يكون نبيًّا والرسول هو خاتم الأنبياء.
وثانيًا: أنه يحصل به تغيير لبعض أحكام الشريعة، وأجبنا عن ذلك.
{"ayahs_start":36,"ayahs":["وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنࣲ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَمۡرًا أَن یَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن یَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلࣰا مُّبِینࣰا","وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِیۤ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَیۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِی فِی نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِیهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَیۡدࣱ مِّنۡهَا وَطَرࣰا زَوَّجۡنَـٰكَهَا لِكَیۡ لَا یَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ حَرَجࣱ فِیۤ أَزۡوَ ٰجِ أَدۡعِیَاۤىِٕهِمۡ إِذَا قَضَوۡا۟ مِنۡهُنَّ وَطَرࣰاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولࣰا","مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِیِّ مِنۡ حَرَجࣲ فِیمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۥۖ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِی ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرࣰا مَّقۡدُورًا","ٱلَّذِینَ یُبَلِّغُونَ رِسَـٰلَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا یَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِیبࣰا","مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَاۤ أَحَدࣲ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِیِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣰا"],"ayah":"ٱلَّذِینَ یُبَلِّغُونَ رِسَـٰلَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا یَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِیبࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق