الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٣٧ - ٣٩] ﴿وإذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وأنْعَمْتَ عَلَيْهِ أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتَّقِ اللَّهَ وتُخْفِي في نَفْسِكَ ما اللَّهُ مُبْدِيهِ وتَخْشى النّاسَ واللَّهُ أحَقُّ أنْ تَخْشاهُ فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنها وطَرًا زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أزْواجِ أدْعِيائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنهُنَّ وطَرًا وكانَ أمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا﴾ ﴿ما كانَ عَلى النَّبِيِّ مِن حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ في الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وكانَ أمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب: ٣٨] ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ ويَخْشَوْنَهُ ولا يَخْشَوْنَ أحَدًا إلا اللَّهَ وكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [الأحزاب: ٣٩] . ﴿وإذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ أيْ: بِالإسْلامِ ومُتابَعَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وهو زَيْدُ بْنُ حارِثَةَ: ﴿وأنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ أيْ: بِالعِتْقِ والحُرِّيَّةِ والِاصْطِفاءِ بِالوِلايَةِ والمَحَبَّةِ، وتَزْوِيجِهِ بِنْتَ عَمَّتِكَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ. (p-٤٨٦٥)قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: كانَ سَيِّدًا كَبِيرَ الشَّأْنِ جَلِيلَ القَدْرِ، حَبِيبًا إلى النَّبِيِّ ﷺ يُقالُ لَهُ: (الحِبُّ). ويُقالُ لِابْنِهِ أُسامَةَ: (الحِبُّ ابْنُ الحِبِّ). قالَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: ما بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في سَرِيَّةٍ إلّا أمَّرَهُ عَلَيْهِمْ، ولَوْ عاشَ بَعْدَهُ لاسْتَخْلَفَهُ. رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ ﴿أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ أيْ: لا تُطَلِّقْها: ﴿واتَّقِ اللَّهَ﴾ أيِ: اخْشَهُ في أمْرِها فَإنَّ الطَّلاقَ يَشِينُها وقَدْ يُؤْذِي قَلْبَها، وارْعَ حَقَّ اللَّهِ في نَفْسِكَ أيْضًا، فَرُبَّما لا تَجِدُ بَعْدَها خَيْرًا مِنها، وكانَتْ تَتَعَظَّمُ عَلَيْهِ بِشَرَفِها، وتُؤْذِيهِ بِلِسانِها، فَرامَ تَطْلِيقَها مُتَعَلِّلًا بِتَكَبُّرِها وأذاها، فَوَعَظَهُ ﷺ وأرْشَدَهُ إلى الصَّبْرِ والتَّقْوى: ﴿وتُخْفِي﴾ أيْ: تُضْمِرُ: ﴿فِي نَفْسِكَ ما اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ أيْ: مِنَ الحُكْمِ الَّذِي شَرَعَهُ؛ أيْ: تَقُولُ ذَلِكَ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الطَّلاقَ لا بُدَّ مِنهُ، وأنْ لا مُنْتَدِحَ عَنِ امْتِثالِ أمْرِ اللَّهِ بِنَفْسِكَ، لِتَكُونَ أُسْوَةً لِمَن مَعَكَ ولِمَن يَأْتِي بَعْدَكَ، وإنَّما غَلَبَكَ في ذَلِكَ الحَياءُ، وخَشْيَةُ أنْ يَقُولُوا تَزَوَّجَ مُحَمَّدٌ مُطَلَّقَةَ مُتَبَنّاهُ، وهَذا مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وتَخْشى النّاسَ﴾ أيْ: قالَتَهم وتَعْيِيرَهُمُ الجاهِلِيَّ: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ: الَّذِي ألْهَمَكَ ذَلِكَ وأمَرَكَ بِهِ: ﴿أحَقُّ أنْ تَخْشاهُ﴾ أيْ: فَكانَ عَلَيْكَ أنْ تَمْضِيَ في الأمْرِ مِن أوَّلِ وهْلَةٍ تَعْجِيلًا بِتَنْفِيذِ كَلِمَتِهِ وتَقْدِيرِ شَرْعِهِ، ثُمَّ زادَهُ بَيانًا بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنها وطَرًا﴾ أيْ: حاجَةً بِالزَّواجِ: ﴿زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أزْواجِ أدْعِيائِهِمْ﴾ أيْ: ضِيقٌ مِنَ العارِ في نِكاحِ زَوْجاتِ أدْعِيائِهِمْ: ﴿إذا قَضَوْا مِنهُنَّ وطَرًا﴾ أيْ بِمَوْتٍ أوْ طَلاقٍ أوْ فَسْخِ نِكاحٍ ﴿وكانَ أمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا﴾ أيْ: قَضاؤُهُ واقِعًا، ومِنهُ تَزْوِيجُكَ زَيْنَبَ. ﴿ما كانَ عَلى النَّبِيِّ مِن حَرَجٍ﴾ [الأحزاب: ٣٨] أيْ: مَأْثَمٍ وضِيقٍ: ﴿فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾ [الأحزاب: ٣٨] أيْ: كَتَبَهُ لَهُ مِنَ التَّزْوِيجِ وأباحَهُ لَهُ، وسَنَّ شَرِيعَةً مُثْلى في وُقُوعِهِ: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ في الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ﴾ [الأحزاب: ٣٨] أيِ: الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. وهو أنْ لا حَرَجَ عَلَيْهِمْ في الإقْدامِ عَلى ما أباحَ لَهُمْ، ووَسَّعَ عَلَيْهِمْ في بابِ النِّكاحِ وغَيْرِهِ؛ فَإنَّهُ كانَ لَهُمُ الحَرائِرُ، والسَّرارِيُّ، وتَناوُلُ المُباحاتِ، والطَّيِّباتِ، وبِهُداهُمُ (p-٤٨٦٦)القُدْوَةُ: ﴿وكانَ أمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب: ٣٨] أيْ: قَضاءً مَقْضِيًّا؛ أيْ: لا حَرَجَ عَلى أحَدٍ فِيما أحَلَّ لَهُ، ثُمَّ وصَفَ شَأْنَهم بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٣٩] أيْ: أحْكامَهُ، وأوامِرَهُ، ونَواهِيَهُ، ويَصَدَعُونَ بِها: ﴿ويَخْشَوْنَهُ ولا يَخْشَوْنَ أحَدًا إلا اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٣٩] أيْ: لا يَخافُونَ قالَةَ النّاسِ، ولائِمَتَهُمْ، ولا يُبالُونَ بِها في تَشْرِيعِهِ، ولا رَيْبَ أنَّ سَيِّدَ النّاسِ في هَذا المَقامِ، بَلْ وفي كُلِّ مَقامٍ، حَضْرَةُ نَبِيِّنا ﷺ، كَما عُلِمَ مِن قِيامِهِ بِالتَّبْلِيغِ بِالقُوَّةِ، والفِعْلِ أبْلَغَ قِيامٍ: ﴿وكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [الأحزاب: ٣٩] أيْ: حافِظًا لِأعْمالِ خَلْقِهِ. وكافِيًا لِلْمَخاوِفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب