الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا﴾؛ (مَن) شرطية، وما أقربنا مِن (مَن) الشرطية، لكن ﴿يَبْتَغِ﴾ خرجت عمَّا يظهر من الإعراب؛ لأنها لم تجزم بالسكون، ﴿يَبْتَغِ﴾ اللي عندي مكسورة، مجزومة بأيش؟
* الطلبة: بحذف الياء.
* الشيخ: بحذف حرف العلة الياء، بحذف الياء؛ لأن أصلها: يبتغي؛ وقوله: ﴿مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا﴾؛ ﴿غَيْرَ﴾: مفعول ﴿يَبْتَغِ﴾ و﴿دِينًا﴾: يصح أن تكون مفعولًا ثانيًا؛ أي: مَن يطلبه دينًا، وأن تكون تمييزا لـ(غير) المبهمة؛ لأن غير مبهم اسم مبهم؛ طيب على كل حال ﴿يَبْتَغِ﴾ بمعنى يطلب. وقوله: ﴿غَيْرَ الْإِسْلَامِ﴾ المراد بالإسلام هنا الإسلام الخاص وهو الذي جاء به محمد ﷺ، وإن كان الإسلام في الأصل يطلق على الاستسلام لله في كل زمان ومكان كما تعرفون ما ذكر الله عن الأنبياء السابقين أنهم يطلقون الإسلام؛ ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل ٤٤]. والآيات في هذا كثيرة أن الرسل وأتباعهم مسلمون، لكن هذا الإسلام العام؛ أما بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام فكل ما يسمى إسلامًا فهو ما جاء به الرسول ﷺ فقط؛ إذن ﴿غَيْرَ الْإِسْلَامِ﴾ أي أيش؟ غير شريعة محمد ﷺ؛ لأننا نقول: المراد بالإسلام هنا أيش؟
* الطلبة: الإسلام الخاص..
* الشيخ: الإسلام الخاص الذي هو شريعة محمد ﷺ. ﴿دِينًا﴾؛ أي: عملا يَدين به لله ويرجو أن يُدان به بالثواب من عند الله؛ لأن الدين يطلق على العمل وعلى الجزاء؛ ففي قوله تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون ٦] المراد به العمل، وفي قوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الانفطار ١٧، ١٨]..
* الطلبة: الجزاء..
* الشيخ: الجزاء؛ وفي قوله هنا: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا﴾ المراد به؟
* الطلبة: عملًا..
* الشيخ: العمل، طيب، لكن الدين لا يكون إلا في عمل يرجو الإنسان ثوابه، يعني يرجو أن يدان به؛ ولهذا يقال: «كَمَا تَدِينُ تُدَانُ»[[أخرجه معمر في الجامع (٢٠٢٦٢)، والبيهقي في الزهد الكبير (٧١٠) من حديث أبي قلابة.]]. وقوله: ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾؛ الفاء نقول في إعرابها حسب ما مر علينا في الليلة الماضية أيش؟ رابطة للجواب، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ:
؎............................ ∗∗∗ وَبِمَــــا وَقَــــدْ وَبِلَــــــــنْوَبالتَّنْفِيــــــــــــسِ
هذه لن؛ الفاء رابطة للجواب، ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ فلن يقبل؛ أي: ذلك الدين، وقوله: ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ﴾ لم يقل: فلن يَقبل الله، قال: ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾؛ ليعم الرفض والرد من الله عز وجل ومن الرسول ومن المسلمين؛ ولهذا لا يجوز للمسلمين أن يُقِرُّوا أحدًا على دين خلاف شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، لا يجوز لهم ذلك ﴿لَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾؛ وقوله: ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ المراد بالقبول هنا قبول التمام ولَّا قبول الصحة؟
* الطلبة: الصحة..
* الشيخ: قبول الصحة، ودليل ذلك قوله ﷺ فيما أخرجه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٨) واللفظ له، من حديث عائشة.]] مردود؛ فمن دان بغير الإسلام سواء في الأصل أو في الفرع فإن دينه هذا مردود ومرفوض ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾. وهل يُعطى ثوابًا في الآخرة على عمله؟
لا؛ ولهذا قال: ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ وهذه –والله- هي الخسارة العظيمة؛ أن يعيش الإنسان في الدنيا ما شاء الله أن يعيش ثم لا يكتسب ما ينفعه في الآخرة، إذا قَدِمَ على ربه لم يجد شيئًا، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ﴾ [النور ٣٩] تعرفون السراب بالقيعة؟ القيعة يعني الأرض المستوية الواسعة، هذه الأرض إذا كان في شدة الحر يتراءى للإنسان من بعيد أن فيها ماء، السراب، يُسمى السراب، فإذا جاء إنسان ظمآن ووجد هذا السراب الذي كأنه ماء بحر؛ فَرِح وأسرع إليه حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا فصارت خيبة الأمل بعد قوة الرجاء؛ وهذا أشد ما يكون حسرةً على الإنسان، أن تكون خيبة أمله عند قوة رجائه؛ لأن الإنسان لو لم يرجو من الأصل ما هَمَّ، لكن المشكل كونه يرجو ثم ينتكس هذا يكون أشد، نسأل الله العافية!
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [النور ٣٩] كل من لم يَدِن بالإسلام فإنه في الآخرة خاسر ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان ٢٣]؛ وقوله: ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ يشمل خسارة النفس وخسارة المال وخسارة الأهل، أما خسارة النفس فإنه لن يستفيد من عمله شيئًا، وأما خسارة المال فإنه لو أنفق ماله كله فيما ينفع الخلق لم ينتفع به في الآخرة؛ يعني لو أصلح الطرق وبنى المساجد وبنى المدارس فإنه لا ينفع. وأظنكم لا تتوقعون أن يكون هذا من الكافر الصريح؛ أن يبني المساجد والمدارس، لكن يكون من الكافر المرتد؛ فرجل مثلًا لا يصلي لكنه صاحب خير يبني المساجد ويبني المدارس ويصلح الطرق ويطعم المساكين، لكن لا يصلي؛ هل ينتفع بشيء من هذا العمل؟ لا؛ لأنه كافر، والكافر لن ينفعه عمله يوم القيامة أبدا.
طيب، خسارة المال هو ما ذكرناها الآن أنه إذا أنفق لم ينتفع بشيء؛ خسارة الأهل أيضًا أنهم لا ينتفع بهم في الدنيا، لو دعوا له لم ينتفع بذلك، لو دعوا له لم ينتفع بذلك؛ لأن الله يقول: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة ١١٣] ولا ينتفعون بالدعاء، كذلك في الآخرة لا ينتفعون بأهليهم؛ لأن كل واحد منفصل عن الآخر في نار جهنم، بخلاف المؤمنين فإن الله يقول: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور ٢١] لو كان لك ذرية تكون في الدرجة الخامسة، وأنت في الدرجة السابعة؛ تُرَقَّى الذرية من الخامسة إلى السابعة ولا تُنقص أنت شيئًا، لا يقال: انزل درجة وهم يرقون درجة وتكونون في أيها؟ في السادسة؛ الذرية في الخامسة والآباء في السابعة ترقَّى الذرية من الخامسة إلى السابعة ولا تنزَّل الآباء من السابعة إلى السادسة؛ يعني لو قال قائل: هذا يرقى درجة وهذا ينزل درجة هذا العدل؟ لكن نقول: إن الله يعامل بالفضل عز وجل؛ ولهذا قال: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ﴾؛ لأنه ربما يتوهم متوهم أنه إذا رقيت الذرية نقص ثواب الآباء فقال: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ لماذا؟ ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ ولو أنا نزَّلنا الآباء ما صار العامل رهينًا بما كسب، إي نعم.
* طالب: إذا كان (...) كافران أحدهما مؤذي والثاني مسالم هل يعني سواء ولّا؟
* الشيخ: هما ليسا سواء بنص القرآن، قال الله تعالى: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم ١ - ٥]. نصرَ اللهُ كافرًا على كافر ففرح المؤمنون بنصر الروم على الفرس؛ لأن الروم أقل خطرًا على الإسلام من الفرس، ولأن الروم أهل كتاب والفرس عبدة النار ليسوا أهل كتاب؛ فلذلك بيَّن الله عز وجل أن المؤمنين يفرحون بنصر الله الرومَ على الفرسِ.
* طالب: لكن هم ينتفعون.
* الشيخ: من؟
* طالب: على فرح المؤمنين لكن هم (...) على المسالم هذا (...)؟
* الشيخ:كيف يعني في الآخرة؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: لا أبدًا، لكن الآخرة الكفار دركات.
* طالب: إذا كان الإسلام بعد بعثة محمد فهو إذا يطلق الإسلام فهو دين الإسلام الذي هو دين محمد؟
* الشيخ: نعم.
* طالب: الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن إبراهيم ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الحج ٧٨] فكيف؟
* طالب: من الذي سماه؟
* الشيخ: إبراهيم.
* طالب: أو الله؟
* طالب: الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: إن كان الله ما فيه إشكال.
* طالب: لكن إبراهيم الذي سماه..
* الشيخ: أيه سماه؛ لأن الله قال لأن إبراهيم وإسماعيل قالا: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ [البقرة ١٢٩] وهو إذا كان الأمر كذلك فهم مسلمون.
* * *
* طالب: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٩١)﴾ [آل عمران ٨٥ - ٩١].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾؛ هذه الجملة جملة أيش؟
* طالب: جملة شرطية.
* الشيخ: أين فعل الشرط؟
* الطالب: ﴿يَبْتَغِ﴾.
* الشيخ: وجوابه؟
* الطالب: جملة: ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾.
* الشيخ: جملة: ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾، لماذا اقترن بالفاء يا..؟
* طالب: لأنه جواب شرط (لن).
* الشيخ: مُصَدَّرٌ بـ(لن)، وإذا صُدِّر بـ(لن) وجب؟
* الطالب: وجب اقترانه بالفاء.
* الشيخ: نعم. قوله: ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الواو هنا؟
* طالب: للترتيب، ما ذكرته (...).
* الشيخ: أي مش عاطفة ولّا للمعية، ولّا استئنافية ولّا حَدًا مقصود؟
* الطالب: استئنافية.
* الشيخ: استئنافية؟
* طالب:حاليَّة.
* الشيخ: حالية؟
* الطالب: الواو واو الحال.
* الشيخ: لا ما يصير، يصح فلن يقبل منه، والحال أنه في الآخرة من الخاسرين؟ ما يستقيم.
* الطالب: استئنافية.
* الشيخ: إما استئنافية ولّا عاطفة ﴿فلن فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ﴾ تكون معطوفة على جواب الشرط؛ يعني ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا﴾ فإنه يترتب على ذلك شيئان؛ الشيء الأول؟
* طالب: لن يُقبلَ منه.
* الشيخ: والثاني؟ أنه خاسر في الآخرة؛ لأنه يعمل عملًا لا ينفعه.
هذه أظن آية واحدة الّلي قرأناها؟
* الشيخ: الفوائد وأيش وقفنا عليه؟
* الطالب: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ﴾.
* الشيخ: والّلي قبله مأخوذ؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: هذا نخليه يجي بعد. قال الله تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾؛ (كيف): استفهام بمعنى الاستبعاد؛ أي: يبعد جدًّا إن لم يمتنع أن يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم؛ يعني ارتدُّوا بعد أن آمنوا وعرفوا الحق فإن هدايتهم بعيدة؛ وذلك لأن من عرف الحق ثم ارتد عنه فهو أعظم جرمًا ممن لم يعرف الحق ولم يدخل فيه وبقي على كفره؛ ولهذا نقول: الكافر المرتد أعظم من الكافر الأصلي لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ ففي الدنيا يُترك الكافر الأصلي على دينه ولا يجبر على تركه، لكن المرتد لا يُقَرُّ على رِدته؛ بل يجبر على أن يعود إلى الإسلام أو يقتل؛ لقول النبي ﷺ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»[[أخرجه البخاري (٣٠١٧) من حديث عبد الله بن عباس.]]؛ فالله عز وجل يقول: يَبْعُدُ أن يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم، أما مَن كانوا على الكفر أصلًا فما أكثر الذين اهتدوا بعد أن كانوا على الكفر. ﴿وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ﴾؛ ﴿الرَّسُولَ﴾ هنا (أل) للعهد الذهني؛ لأنه لم يسبق له ذكر لكنه معلوم ذهنًا. وبالمناسبة نقول: إن (أل) العهدية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: للعهد الذهني، والعهد الذكري، والعهد الحضوري. ثلاثة أقسام:
فالعهد الذكري: أن تكون داخلة على ما سبق ذكره.
والعهد الحضوري: أن تكون داخلة على شيء حاضر.
والعهد الذهني: أن تكون داخلة على شيء معلوم في الذهن؛ فمثلًا قوله تعالى: ﴿وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ﴾ المراد به رسول الله محمد ﷺ؛ لأن قوله: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيْمَانِهِمْ﴾؛ معناه أنه يتوقع أن يُهْدَوْا وهذا لا يمكن بعد نزول القرآن إلا أن يكون الرسول محمدًا ﷺ؛ وتقول مثلًا وأنت في البلد: جاء القاضي؛ أيُّ قاضٍ هو؟ قاضي البلد المعروف.
العهد الذكري أن تدخل على ما سبق ذكره، على شيء قد سبق ذكره مثل قوله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ [المزمل ١٥، ١٦] مَنِ المراد بالرسول الأول؟
* الطلبة: موسى.
* الشيخ: الرسول الأول الذي أرسل إلى فرعون وهو موسى، وهنا العهد ذكري.
العهد الحضوري: أن تكون داخلة على شيء حاضر، وهذه أكثر ما تكون في (أل) الواقعة بعد اسم الإشارة، الواقعة بعد اسم الإشارة للحضور، للعهد الحضوري؛ لأن الإشارة تدل على مشار إليه والمشار إليه يكون حاضرًا فتقول مثلًا: هذا اليوم شديد الحر؛ أي يوم؟ الحاضر، يومنا هذا اليوم الحاضر؛ وكقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة ٣] اليوم يعني اليوم الحاضر. (أل) هناك (أل) ثانية قسيمة لـ(أل) العهدية وهي (أل) الجنسية، (أل) الجنسية تكون لبيان الحقيقة، ولبيان استغراق الحقيقة، فإذا قلت: الرجال أكمل من النساء؛ هذه لبيان الحقيقة الجنس، جنس الرجال أفضل من جنس النساء؛ ولا يعني أن كل واحد من الرجال أكمل من كل امرأة من النساء، ففي النساء من هي خير من كثير من الرجال، واضح؟ طيب، وتكون للعموم مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر ٢]. إن الإنسان لفي خسر؛ يعني كل إنسان، إنَّ كل إنسان لفي خسر، وهذه علامتها: أن يحل محلها (كلّ) بتشديد اللام. هنا ﴿وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ﴾؛ أي: حق ثابت صادق فيما أخبر به، عادل فيما حكم به ﷺ، ﴿وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ جاءهم البينات يعني الآيات البينات التي تبيِّن صِدق ما جاء به الرسول ﷺ؛ والبينات مؤنث ولم يؤنث فعله؛ لوجهين:
الوجه الأول: أنَّ تأنيثه غير حقيقي.
والوجه الثاني: أنه فُصل بينه وبين الفعل، وقد جاءت في القرآن مؤنثة ﴿جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [البقرة ٢١٣]؛ لأنه يجوز هذا وهذا؛ ﴿وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾، ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾؛ الجملة استئنافية وهي كالتعليل لِمَا قبلها من حيث المعنى كأنه يقول: إنما لا يهديهم الله؛ لأنهم ظلمة ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، الظالمين الذين ظلموا أنفسهم حيث بان لهم الحق واتضح وجهه ومع ذلك كفروا. ثم قال عز وجل: ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾؛ الآية الأولى لم نعربها، قوله: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا﴾ قوله: ﴿وَشَهِدُوا﴾ معطوفة على ﴿كَفَرُوا﴾؛ ولكن يَحتمل معنًى آخر وهو أن تكون للحال؛ يعني وقد شهدوا أن الرسول حق، كفروا بعد إيمانهم وقد شهدوا أن الرسول حق؛ لأن عطفها على ﴿كَفَرُوا﴾ ﴿كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا﴾ الكفر لو كان فيه شهادة لا تنفع الشهادة فيه. ثم قال: ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾؛ ﴿أُولَئِكَ﴾ أي: المشار إليهم وهم الذين كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات، وأتى بصيغة الإشارة على وجه البُعد، على وجه البعد إشارةً إلى انحطاط مرتبتهم؛ لأن الإشارة إلى القريب بصيغة البعد قد تكون إشارة إلى علوِّ المرتبة وقد تكون إشارة إلى انحطاط المرتبة؛ وهنا إشارة إلى انحطاط مرتبتهم فهم لانحطاط مرتبتهم بعيدون يشار إليهم إشارة البعد. ﴿جَزَاؤُهُمْ﴾؛ أي: مكافأتهم على عملهم ﴿أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ﴾؛ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ هذه: (على) تفيد أنَّ اللعنة أتتهم على وجه الاستحقاق ومِن أمر عالٍ؛ لأنها لعنة، ولعنة الله هي طردُهُ وإبعادُه عن رحمته؛ أي أنه سبحانه وتعالى طرَدَهم وأبعدهم عن رحمة الله.
﴿وَالْمَلَائِكَةِ﴾؛ أي: ولعنةَ الملائكةِ، والملائكة: جمع مَلَكَ، وأصله: مَأْلَك من الأَلُوكَة وهي الرسالة، لكن صار فيه إعلال بالقلب؛ يعني بالقلب قلب المكان ما هو قلب الحرف؛ وذلك بأن قُدِّمت اللام وأُخِّرت الهمزة فصار مَلْأَك، وجمع مَلْأَك: ملائكة، ثم سُهِّلَ وقيل: مَلَك بدل مَلْأَك.
الملائكة: هم جنس من المخلوقات عالَمٌ غيبي خلَقَهم الله تعالى من نور وجعلهم صُمْدًا لا يأكلون ولا يشربون، وإذا لم يأكلوا ولم يشربوا فإنهم لا يبولون ولا يتغوطون؛ ولهذا وصفهم الله بأنهم مطهرون فقال: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة ٧٧ - ٧٩]. ﴿وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ الناس هم بنو آدم، وأصلها: أناس فحذفت الهمزة تخفيفًا؛ لكثرة الاستعمال. وقوله: ﴿أَجْمَعِينَ﴾ توكيد، توكيد لما قبلها مباشرة أو لما قبلها وما قبل الذي قبلها؟
* طالب: نعم، للجميع.
* الشيخ: للجميع، الملائكة أجمعين والناس أجمعين.
طيب، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾؛ خالدين فيها: حال، يعني خالدين في هذه اللعنة، ماكثين فيها إما على سبيل الأبد وإما على سبيل المكث الطويل؛ لأن الخلود كما قال أهل اللغة يُستعمل في المكث الطويل ويستعمل في المكث الدائم. ولكن هنا هل يراد به المكث الطويل أو الدائم؟ الدائم، المراد به الدائم؛ لأن هؤلاء كفرة، والكفرة خالدون خلودًا دائمًا في العذاب ﴿لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾؛ ﴿لَا يُخَفَّفُ﴾ التخفيف ضد التثقيل؛ أي لا يمكن أن يُهَوَّنَ عليهم العذاب يومًا واحدًا؛ ولهذا ﴿قَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ [غافر ٤٩]. شوف -نعوذ بالله- طلبوا دعاء الملائكة ليكونوا واسطة بينهم وبين الله، ثم مع ذلك لم يقولوا: ادعوا ربنا، قالوا: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾ من شدة خجلهم وانكسارهم أمام الله، ثم قالوا: ﴿يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ ولم يطلبوا الإنقاذ من العذاب مطلقًا، ولم يطلبوا أن يخفِّف عنهم العذاب دائمًا؛ لأنهم عارفون أنهم مخطئون بل خاطئون؛ فلهذا طلبوا أن يخفف عنهم العذاب يومًا واحدًا ولكن لن يكون ذلك؛ ولهذا قال: ﴿لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾؛ العذاب يعني العقوبة، ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾؛ أي: يُمْهَلُونَ ويؤخَّرون، بل يبادَرون بالعذاب. وتأملوا -بارك الله فيكم- قوله تعالى في أهل النار: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الزمر ٧١]. وقال في أهل الجنة: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر ٧٣] ﴿جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ﴾. إذن فصار هناك فرق بين هؤلاء وهؤلاء؛ لأن أهل النار -والعياذ بالله- يبادَرون بفتحها فيقابلهم العذاب أول ما يَقْدمون عليها. وأما أهل الجنة فإنهم إذا وصلوا إلى الجنة وُقِفُوا على قنطرة بين الجنة وبين النار فيُقتص لبعضهم من بعض اقتصاصًا خاصًّا غير الاقتصاص الأول الذي يكون في عرصات القيامة من أجل أن يُزال ما في قلوبهم من الغل والحقد حتى يدخلوا الجنة وهم على أصفى ما يكونون من المودة ﴿إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر ٤٧]. ولهذا نقول في الواو هنا: إنها عاطفة على جواب الشرط المحذوف حتى إذا جاؤوها حصل كيت وكيت وفتحت أبوابها، وليست زائدة كما قيل به، ولا واو ثمانية كما قيل به أيضا؛ بل هي واو عاطفة على الوجه المعتاد والمعطوف عليه محذوف. إذن ﴿لَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ يعني لا هم يمهلون ويؤخر عنهم العذاب بل يبادرون به؛ بل إنهم يبادرون به قبل أن تقوم الساعة كما قال الله تعالى لآل فرعون: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر ٤٦]، بل إنهم يبادَرون بالعذاب قبل أن يموتوا ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [الأنفال ٥٠]، ويوبَّخُون قبل أن يموتوا ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام ٩٣]. وتأمل قوله: ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾؛ إنهم والله لأشحاء في هذه الأنفس، أشِحَّاء؛ لأن النفس إذا بشرت بالعذاب نكصت واشمأزت ورجعت في الجسد فيقولون: ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾ أعطونا إياها، إلى أي شيء؟ إلى العذاب ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾. فما بالكم -والعياذ بالله- بهذه البشارة السيئة القبيحة في حال خروجه من الدنيا ومفارقة الأهل والأموال والأوطان؟ إنها لساعة حرجة -نعوذ بالله- ونسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة! حالة حرجة فهم لا يُمْهَلُونَ ولا يُنظرون في العذاب من حين أن يأتيهم الأجل إلى أبد الآبدين -والعياذ بالله- نسأل الله لنا ولكم العافية! يقول: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران ٨٩] اللهم لك الحمد، رحمة الله سبقت غضبه؛ هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم، وشهدوا أن الرسول حق، وجاءهم البينات وقامت عليهم الحجة من كل وجه؛ إذا تابوا إلى اللهِ تاب اللهُ عليهم ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا﴾ تابوا؛ أي: رجعوا إلى الله، فالتوبة الرجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته، ومن الهرب عنه إلى اللجوء إلى بابه.
وللتوبة خمسة شروط أقرأها عليكم وأطالبكم بها:
الشرط الأول: الإخلاص لله؛ بأن يقصد الإنسان بتوبته وجه الله، وأن يتوب عليه ويتجاوز عنه، لا أن يقصد بتوبته مراءاة الخلق أو شيئا من أمور الدنيا؛ لأن التائب قد يريد مراءاة الخلق ليعلم الناس أنه تاب ورجع فيمدحوه على ذلك؛ هذا لا تنفعه التوبة ولا تُقبل منه؛ أو يقصد بتوبته شيئًا من أمور الدنيا؛ يسمع أن الله يقول: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق ٤] وهو يريد زوجة قال: لعلي أتقي الله حتى ييسر الله لي زوجة؛ هذه التقوى أو هذه التوبة ضعيفة جدًّا. ولهذا قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: بابٌ من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا؛ فهذه إرادة نازلة لكنها ليست كالأول، الأول يريد أن يتقرب إلى الناس بما يتقرب به إلى الله، وهذا شيء عظيم، أن يجعل ما لله للخلق؛ أما هذا لا، ما أراد هذا الشيء، أراد أن يتقرب إلى الله من أجل ييسر له شيئًا من أمور الدنيا؛ والآخرة هو في غفلة عنها؛ إذن هذا الذي أراد بالتوبة أحد الأمرين توبتُه مردودة عليه بالنسبة للأول الذي أراد الرياء، وضعيفة جدًّا بالنسبة للثاني، الإخلاص لله.
الثاني من شروط التوبة: الندم على ما فعل من الذنب؛ والندم أَشْكَلَ على بعض الناس، قال: كيف يندم الواحد؟ الإنسان ما يقدر يندِّم نفسه، ولكنه في الحقيقة لا إشكال فيه، لا إشكال فيه إطلاقًا؛ لأن معنى الندم أن يشعر الإنسان بالحسرة على ما فعل، لا أن يكون الفعلُ وعدمُه عنده سواء؛ يعني هو يشعر بأنه الآن متحسر كما يقول العامة: متحسر كيف يَفْرُط منِّي هذا الشيء.
الثالث: أن يُقلع عن المعصية، أن يقلع عن المعصية في الحال، فإن كانت لله؛ فإما أن تكون تركَ واجبٍ أو فعلَ محرَّم، فإن كان فعل محرم أقلع عنه، فارقه حتى لو كانت شَرْبَةُ الخمر في فمه وجب عليه أن يَمُجَّهَا؛ وإن كانت للمخلوق فلا بد أن يعطيه حقَّه أو يتحلَّله منه؛ إن كان ماليًّا أو بدنيًّا أو عِرْضًا علم به صاحبه؛ بدنيًّا مثل الضرب، ماليًّا مثل أخذ المال أو جحد مال يجب عليه لشخص، عِرْضِيًّا مثل الغِيبة؛ هذه إن كان الذي جُنِيَ عليه قد علم بالغِيبة فلا بد من استحلاله، وإن لم يعلم فلا حاجة إلى إخباره ثم استحلاله؛ لأنه ربما إذا علم لا يُحِل، ولكن بدل أن دَنَّسَ سُمعته في المجلس في مجلس من المجالس يمدحه بما فيه في نفس ذلك المجلس؛ لأن ﴿الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود ١١٤]. هذه إذا كان حقًّا للمخلوق فلا بد من أيش؟
* طالب: استحلاله..
* الشيخ: استحلاله إن كان بدنيًّا أو ماليًّا أو عِرْضِيًّا عَلِمَ به. إذا كان لله قلنا: إن كان فعل محرم فلا بد أن يقلع عنه فورًا، وإن كان تركَ واجب وَجَبَ عليه أن يتلافاه إن كان يمكن تلافيه وإن كان لا يمكن سقط. ما تقولون (...) غصب أرضًا وجعل فيها زرعًا، وفي أثناء وجوده فيها تاب إلى الله، فماذا يصنع؟
* الطلبة: يردها.
* الشيخ: هو سيردها لكن الآن هو مستولٍ عليها الآن مشيه من أثنائها إلى طرفها مشي في معصية، وبقاؤه إن بقي فهو في معصية فماذا يفعل؟
* الطلبة: يخرج.
* الشيخ: قال العلماء: إن خروجه هذا ليس بمعصية؛ لأنه خروج للتخلص من المعصية، والتخلص من الشيء لا يُعْطَى حكمَ الشيء؛ ولهذا لو أن الْمُحْرِمَ تلطخ بطِيب وأراد أن يغسله لا بد أن يباشره مباشرته للطيب عند غسله جائزة ولَّا حرام؟ جائزة لأنه يريد أن يتخلص منه، كذلك الاستنجاء، الإنسان إذا أراد أن يستنجي يباشر النجاسة بيده، وهذه المباشرة مباشرة النجاسة باليد جائزة؛ لأنها من أجل التخلص من هذه النجاسة وإزالتها؛ فكذلك هذا الذي تاب من أرض مغصوبة وكان في وسط الأرض ومشى؛ نقول: هذا المشي طاعة؛ لأنك إنما مشيت من أجل التخلص. كم هذه من شرط؟
* الطلبة: ثلاثة.
* الشيخ: ثلاثة.
الشرط الرابع: أن يَعْزِمَ على ألَّا يعود؛ فإن تاب وهو لم يعزم على عدم العود فإن توبته لا تصح؛ كرجل من عادته أن يسهر في شرب الخمر في البارات بارات الخمر -والعياذ بالله- وفي ليلة من الليالي صارت السماء ممطرة وجاء إلى البارة وإذا هي مغلقة فقال: تبت؛ لكن من نيته أنه إذا كانت القابلة صحوًا وفتحت البارات فسيحضر ويشرب الخمر، ما تقولون في هذا؟ هذا ليس بتائب، هذا أقرب ما له أن تكون توبته سخرية؛ كرجل أراد أن يتوب من الغيبة وهو أيضا مع أصحابه الذين يأتون بعباد الله ويجعلونهم بينهم ويسلطون عليهم سكاكين كالَّة يمزِّقون بها لحومهم، فقال أحدهم: أستغفر الله وأتوب إليه ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف ٢٣]، يا فلان وأيش تقول لفلان؟ بيسب؛ هل هذا توبته صحيحة؟ لا؛ لأنه ما أقلع، ولو أقلع في حال قوله: أستغفر الله وأتوب إليه وهو ما عزم على ألَّا يعود بدليل إنه من حين ما قال هذا الكلام يلّا هاتوا فلان، ماذا تقولون فيه؟ نقول: هذا الرجل ما تاب توبة حقيقة؛ نحن نقول: العزم على ألَّا يعود أو الشرط ألّا يعود؟
* الطلبة: العزم على ألّا يعود.
الشرط الرابع: أن يعزم على أن لا يعود، فإن تاب وهو لم يعزم على عدم العود فإن توبته لا تصح، كرجل من عادته أن يسهر في شرب الخمر في البارات؛ بارات الخمر -والعياذ بالله- وفي ليلة من الليالي صارت السماء ممطرة، وجاء إلى البارة وإذا هي مغلقة فقال: تُبت، لكن من نيته أنه إذا كانت القابلة صحوًا وفتحت البارات فسيحضر ويشرب الخمر، ما تقولون في هذا؟
* الطلبة: ما تصح توبته.
* الشيخ: هذا ليس بتائب، هذا أقرب ما له أن تكون توبته سخرية، كرجل أراد أن يتوب من الغيبة وهو أيضًا مع أصحابه الذين يأتون بعباد الله ويجعلونهم بينهم ويُسلطون عليهم سكاكين كالَّة يمزقون بها لحومهم فقال أحدهم: أستغفر الله وأتوب إليه ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف ٢٣] يا فلان، وأيش تقول بفلان؟ (…) هل توبته صحيحة؟
* الطلبة: ليست صحيحة.
* الشيخ: لا؛ لأنه ما أقلع، ولو أقلع في حال قوله: أستغفر الله وأتوب إليه وهو ما عزم على أن لا يعود؛ بدليل أنه من حين ما قال هذا الكلام قال: يلَّا هاتوا فلان، ماذا تقولون فيه؟ نقول: هذا الرجل ما تاب توبة حقيقة. نحن نقول: العزم على أن لا يعود، أو الشرط أن لا يعود؟
* الطلبة: العزم على أن لا يعود.
* الشيخ: العزم على أن لا يعود؛ يعني معناه لو أنه عزم أن لا يعود، ولكن سوّلت له نفسه فيما بعد فعاد هل تبطل التوبة الأولى أو لا؟
* الطلبة: لا تبطل.
* الشيخ: لا تبطل التوبة الأولى، لكن يحتاج إلى توبة جديدة للعودة الأخيرة، أما التوبة الأولى فقد تمت، ولهذا نقول: الشرط العزم ألَّا يعود لا أن لا يعود، واضح؟
لو أنه عاد وتاب توبة نصوحًا، ثم عاد؟ يتوب، ثم عاد يتوب، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَتَابَ مِنْهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَتَابَ مِنْهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ فَتَابَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؛ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٧٥٠٧)، ومسلم (٢٧٥٨ / ٢٩) من حديث أبي هريرة.]].
لأن هذا الرجل كان مخلصًا، ولكن هذا -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- لا ينطبق على كل تائب، إنما أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام عن رجل حصل منه هذا الشيء، ولكن لا يحصل لكل تائب.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت القبول، فإن انقطع وقت القبول فلا توبة، وانقطاع وقت القبول نوعان: عام، وخاص؛ فالخاص: حضور الأجل لكل إنسان بعينه، والعام طلوع الشمس من مغربها، فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء ١٨].
وإذا كان هذا الشرط محققًا دل هذا على أن التوبة واجبة على أيش؟
على الفور؛ لأن أحدًا لا يعلم متى يأتيه الموت، فإذا كنت لا تعلم متى يأتيك الموت لزم من ذلك أن تبادر بالتوبة، وأن يكون دائمًا على بالك أنك تائب إلى ربك راجع إليه حتى إذا قُدر أن الأجل أتاك بغتة وإذا أنت على أتم استعداد، نسأل الله أن يقينا وإياكم من غفلة القلوب، القلوب غافلة ما تحسب لهذا الشيء حسابًا. والواجب أن الإنسان يحسب لهذا الشيء حسابه، يكون دائمًا على ذكر التوبة، ولهذا «كَانَ نَبِيُّنَا ﷺ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً وَيَتُوبُ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً[[أخرجه البخاري (٦٣٠٧) من حديث أبي هريرة.]] »، أما العام فهو طلوع الشمس من مغربها؛ لأن الشمس هذه تدور بإذن الله منذ خلقها الله إلى أن يأذن الله بوقوفها، والعجيب أنها لا تتقدم ولا تتأخر! انظر إلى طلوعها مثلًا اليوم، اليوم الثاني من بُرج السنبلة، تطلع في الساعة كذا، الدقيقة كذا. هذا اليوم نفسه من مئات السنين السابقة وهي تطلع عليه، على هذا القدر الساعات والدقائق ما تختلف، لو أحصيتها منذ علم الناس التاريخ لوجدت أنها لم تختلف، تخرج في هذا اليوم من برج السنبلة في الساعة الفلانية والدقيقة الفلانية إلى يوم القيامة، وهي إذا غربت كما قال النبي ﷺ وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى: «إِذَا غَرَبَتْ تَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَسْتَأْذِنُ هَلْ تَخْرُجُ ولَّا ترجع؟ إِمَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَهَا وإما أن يُقالَ: ارْجِعي من حيثُ جِئْتِ، فترجعُ من حيث جاءتْ، وَتَخْرُجُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنُوا كُلُّهُمْ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣١٩٩)، ومسلم (١٥٩ / ٢٥٠) من حديث أبي ذر.]] كلهم يؤمنون؛ لأنهم حينئذٍ يعلمون أن لها ربًّا مُدبرًا، أما الآن فيظن أنها طبيعة، طبيعة تسود ها العالم على هذا النظام، لكن إذا اختل النظام ورجعت الشمس من المغرب آمنوا كلهم، المؤمن والكافر، كلهم يؤمنون. ولكن كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام ١٥٨] ما ينفعهم الإيمان؛ لأن هؤلاء آمنوا كإيمان الذين نزل بهم العذاب، والله تعالى يقول: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر ٨٤، ٨٥].
فالمهم أن شروط التوبة إذن خمسة، وقد قال بعض العلماء إنها ثلاثة فأسقطوا الإخلاص، وأسقطوا أن تكون في وقت القبول، ولكن لا بد من هذين الشرطين، لا بد من الإخلاص وأن تكون في وقت القبول.
* طالب: شيخ، تبطل إذا طلعت من مغربها أو ترجع؟
* الشيخ: والله ما أعلم في هذا شيئًا، لا أعلم في هذا شيئًا، هل هي ترجع دائمًا أو إذا خرجت على الناس، ورآها كلهم ودارت أربعًا وعشرين ساعة؛ لأنه لا بد أن تدور أربعًا وعشرين ساعة عشان تخرج على الناس كلهم؛ يعني لا بد أن تدور أربعًا وعشرين ساعة فإذا وصلت منتهاها حينئذٍ عاد ما ندري، الله أعلم هل تستمر ولَّا.
* طالب: شيخ، قول الله عز وجل: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ خالدين في لعنة الملائكة والناس أم خالدين في نار جهنم؟
* الشيخ: اللعنة؛ لأن (فيها) أي: في اللعنة.
* الطالب: معنى كده أن هذا ما يكون خلودًا أبديًّا.
* الشيخ: لأيش؟
* الطالب: لأن الناس يموتون مثلًا.
* الشيخ: لا لا، معناه أن الناس يلعنونهم ما هو بلسان المقال حتى بلسان الحال.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، معلوم يا شيخ إن الإنسان يقع في معاصي كبيرة وقد لا يعلم يعني عن هذه المعاصي المعينة؟
* الشيخ: إيه؟
* الطالب: يعني لا يعلم المعصية المعينة اللي ارتكبها مثلًا يصخب ويغضب ولا يدري أن هذه معصية، فتوبته يعني عن هذه المعاصي التي يعني لا يعلمها كيف تكون؟
* الشيخ: يعني كأنك تقول: هل تصح التوبة على وجه الإجمال، هذا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: إي نعم، تصح؛ لأن الإنسان قد لا يحيط بذنوبه، ولهذا قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني.
* الطالب: شيخ، جزاك الله خيرًا، قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء ٣٤] (أل) هنا للجنس؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: طيب، تصدق للجنس ولَّا على كل فرد؟
* الشيخ: لا لا، للجنس.
* الطالب: ما هي صادقة على كل فرد؟
* الشيخ: ما تصدق على كل فرد.
* الطالب: يعني يوجد.
* الشيخ: يعني يُوجد رجال سفهاء، تقوم عليهم النساء، ويوجد رجال ما لهم عقول تقوم عليهم النساء.
* طالب: يا شيخ، الله سبحانه وتعالى يعني ذكر الله لعنة الملائكة والناس، ولم يذكر لعنة الجن مع أن الجن مكلفين يعني عليهم تكاليف ما على الناس، كيف يعني؟
* الشيخ: الله أعلم، والله أعلم، الله أعلم أنه لما كان الجن غالبهم شياطين تضل الناس ذكر الذين أكمل منهم وهم الإنس والملائكة.
* طالب: شيخ، ذكر بعض المفسرين في قوله تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ أن سبب نزولها أن رجلًا ارتد بعد إسلامه ثم أسلم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ يعني ماذا يصنع هل إسلامه صحيح؟ فأنزل الله قوله تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا﴾ ما أدري صحيح؟
* الشيخ: فأنزل الله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾. هذا صحيح، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
* طالب: شيخ، حديث الرسول ﷺ يقول: «إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ ظُهُورًا -يعني- طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا»[[أخرجه مسلم (٢٩٤١ / ١١٨) من حديث عبد الله بن عمرو.]]. يعني طلوع الشمس من مغربها، يعني تكون قبل خروج الدجال وعيسى ابن مريم؟
* الشيخ: ما يمنع أن يكون المراد به الآيات الكبيرة، الآيات الكبار، وإلا ما فيه شك إن فيه آيات تكون قبل طلوع الشمس من مغربها.
* طالب: شيخ، في آل عمران قال الله عز وجل: ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ﴾ [آل عمران ٨٤] وفي البقرة ﴿وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ﴾ [البقرة ١٣٦] أيش (...)؟
* الشيخ: يعني أنه أعاد الفاعل هناك ولم يعده هنا؟ الظاهر -والله أعلم- ما أدري إن لم يكن اختلاف تعبير مثل ﴿أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ [البقرة ٩١] و﴿أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ [البقرة ١٣٦] والمعنى واحد، أو أنه لما قال هناك قال: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة ١٣٦] ووجه الخطاب مباشرة إلى الناس صار لا بد أن يصرحوا بالإيمان بما أوتي النبيون، فالله أعلم.
* طالب: شيخ، هناك علامة لقبول التوبة؟
* الشيخ: إيه كيف؟! علامة؛ لأن الذنوب تؤثر على القلب الحي، القلب الحي تؤثر عليه الذنوب تجد أنه ينقبض ويضيق صدر الإنسان، فإذا تاب انشرح صدره، قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الزمر ٢٢].
* طالب: شيخ، كلما.
* الشيخ: وكذلك أيضًا من علاماتها أن الإنسان بدل أن يكون معه فتور عن الطاعة يجد معه نشاطًا على الطاعة؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [طه ١٢١، ١٢٢] فيزداد الإنسان نشاطًا في الطاعة إذا قبل الله توبته.
* طالب: يا شيخ، يعني كلما رأى (...) في قلبه يكون من أثر المعاصي؟
* الشيخ: لا ما هو على كل حال، قد يدقه واحد يضربه ويضيق صدره، لكن إذا كان الإنسان يعني عاديًا ووجد انقباضًا فإنه من آثار الذنوب. كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً»[[أخرجه مسلم (٢٧٠٢ / ٤١)، من حديث الأغر المزني.]].
* طالب: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا﴾ [آل عمران ٨٩] هذا مستثنى من كفروا يعني من الذين كفروا؟
* الشيخ: مما سبق.
* الطالب: من الذين كفروا؟
* الشيخ: نعم ﴿كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾.
* الطالب: وحاله هو حال النصب؟
* الشيخ: حاله أيش؟
* الطالب: يعني حال الاستثناء حال النصب؟ محله؟
* الشيخ: إي نعم؛ لأن قبله تام موجب.
* طالب: المرتد قلنا: بيستتاب، وإن لم يتُب يُقْتَل، والنبي ﷺ ذكر حديث النبي ﷺ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ...»[[أخرجه البخاري (٣٠١٧) من حديث ابن عباس.]]. ما ذكر النبي ﷺ في الحديث.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: ما ذكر النبي ﷺ في الحديث التوبة، كيف الإجابة يعني؟
* الشيخ: الجواب: أن الآيات الكثيرة أنه إذا تاب الإنسان ارتفع عنه؛ نصوص في القرآن والسنة أنه إذا تاب عاد على ما هو عليه، لكن مسألة الاستتابة.
* طالب: يعني نقول: خاصة السنة.
* الشيخ: إيه، خاصة السنة والقرآن، الاستتابة هي اللي اختلف فيها العلماء هل هي واجبة أو يقتل بدون استتابة، وإلا إذا تاب ما فيه إشكال، إنما هل يلزم أن نستتيبه أولًا فإن تاب تركناه أو نقتله حسابه على الله؟ والصحيح أن الاستتابة راجعة إلى رأي الإمام.
* طالب: شيخ، رجل يا شيخ وجب عليه القصاص (...) ونقول: فات الوقت؟
* الشيخ: ما تقولون؟ يقول: رجل وجب عليه القصاص، فلما أحضروا السيف لقتله قال: أستغفر الله وأتوب إليه، هل تقبل توبته أو لا؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: إيه تقبل، لا يمكن له ذنوب أخرى، لا تقبل؛ لأن الممكن أن لا يقتص منه، أحيانًا يوضع السيف على رقبته، ثم يقول أولياء المقتول: عفونا، إذا قالوا: عفونا يجب يرفع السيف.
* طالب: (...) السنة.
* الشيخ: أي خصت السنة والقرآن، الاستتابة هي التي اختلف فيها العلماء هل هي واجبة أو يقتل بدون استتابة وإلا إذا تاب ما فيه إشكال، إنما هل يلزم أن نستتيبه أولا فإن تاب تركناه أو نقتله حسابه على الله، والصحيح أن الاستتابة راجعة إلى رأي الإمام (.).
* طالب: (...) القصاص (...) ونقول فات الوقت؟
* الشيخ: ما تقولون؟ يقول: رجل وجب عليه القصاص فلما أحضروا السيف لقتله قال: أستغفر الله وأتوب إليه، هل تُقبل توبته أو لا؟
* الطلبة: القصاص.
* طالب: تقبل.
* الشيخ: إيه تقبل، لا، يمكن لذنوب أخرى، لا، تقبل؛ لأنه من الممكن أن لا يقتص منه، أحيانًا يوضع السيف على رقبته، ثم يقول أولياء المقتول: عفونا، إذا قالوا: عفونا يجب يرفع السيف.
* طالب: ولو واحد.
* الشيخ: ولو واحد من ألف.
* الطالب: ذكر أو أنثى؟
* الشيخ: ذكر أو أنثى.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما تقرأ القرآن؟ ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ [البقرة ١٧٨]. وشيء نكرة في سياق الشرط فتعُم.
[[اختُصِرَ كلام المؤلف لشدة طوله]]
{"ayahs_start":85,"ayahs":["وَمَن یَبۡتَغِ غَیۡرَ ٱلۡإِسۡلَـٰمِ دِینࣰا فَلَن یُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ","كَیۡفَ یَهۡدِی ٱللَّهُ قَوۡمࣰا كَفَرُوا۟ بَعۡدَ إِیمَـٰنِهِمۡ وَشَهِدُوۤا۟ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقࣱّ وَجَاۤءَهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ جَزَاۤؤُهُمۡ أَنَّ عَلَیۡهِمۡ لَعۡنَةَ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ","خَـٰلِدِینَ فِیهَا لَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ","إِلَّا ٱلَّذِینَ تَابُوا۟ مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ وَأَصۡلَحُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ"],"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ جَزَاۤؤُهُمۡ أَنَّ عَلَیۡهِمۡ لَعۡنَةَ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق