الباحث القرآني
وفي قوله: ﴿جَزَآؤُهُمْ﴾ وجهان:
أحدهما: أن يكون مبتدأ ثانياً، و ﴿أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله﴾ في محل رفع؛ خبراً ل «جَزَاؤُهُمْ» والجملة خبر ل «أولئك» .
والثاني: أن يكون «جَزَاؤُهُمْ» بدلاً من «أولَئِكَ» بدل اشتمال، و ﴿أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله﴾ خبر «أولئك» .
وقال هنا: ﴿جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله﴾ وقال - هناك -: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله﴾ [البقرة: 161] دون «جزاؤهم» قيل: لأن هناك وقع الإخْبار عمن توفِّيَ على الكُفْر، فمن ثَمَّ حتم الله عليه اللعنة، بخلافه هنا، فإن سبب النزول في قوم ارتدوا ثم رجعوا للإسلام، ومعنى: «جَزَاؤُهُمْ» أي: جزاء كفرهم وارتدادهم، وتقدم القول في قراءة الحسن «النَّاس أجمعون» وتخريجها.
قوله: «خالدين» حال من المضير في «عَلَيْهِمْ» والعامل فيها الاستقرار؛ أو الجارّ؛ لقيامه مقام الفعلِ، والضمير في «فِيهَا» للَّعنة، ومعنى الخلود في اللعن فيه وجهان:
الأول: أنهم يوم القيامة لا تزال تلعنهم الملائكةُ والمؤمنون، ومَنْ معهم في النار، ولا يخلو حالٌ من أحوالهم من اللعنة.
الثاني: أن اللَّعْنَ يوجب العقابَ، فعبَّر عن خلود أثر اللعن بخلود اللعنِ، ونظيره قوله: ﴿مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْراً خَالِدِينَ فِيهِ﴾ [طه: 100 - 101] وقال ابن عباس: قوله: «خالدين فيها» أي في «جهنم» ، فعلى هذا الكناية عن غير مذكور. و ﴿لاَ يُخَفَّفُ﴾ جملة حالية أو مستأنفة، و ﴿إِلاَّ الذين﴾ استثناء متصل.
فصل
اعلم أن لعنة الله مخالفة للعنة الملائكة؛ لأن لعنته بالإبعاد من الجنة، وإنزال العذاب، واللعنة من الملائكة، ومن الناس هي بالقول، وكل ذلك مستحق لهم بسبب ظلمهم وكفرهم.
فإن قيل: لم عَمَّ جَمِيع النَّاس، ومَنْ يُوافِقهُ لا يَلْعَنُهُ؟ فَالجوابُ مِن وُجوهٍ:
أحدها: قال أبو مُسْلِمٍ: لَهُ ان يَلْعَنَهُ، وَإن كَانَ لاَ يَلْعَنُهُ.
الثاني: أنَّهُم فِي الآخرةِ يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، لِقَوْلِهِ تَعالَى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَ﴾ [الأعراف: 38] وقال: ﴿ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضا﴾ [العنكبوت: 25] وعلى هَذا فَقَدْ حَصَلَ اللَّعْنُ للكفارِ ومن يوافقهم.
الثالث: كأن الناسَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، والْكُفَّار لَيْسُوا مِن النَّاس.
الرابع: وهو الأصح - أنَّ جميعَ الْخَلقِ يَلْعَنُونَ المُبْطِلَ والكَافِرَ، وَلَكِنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ أنَّهُ لَيْسَ بمُبْطِلٍ وَلا بكافرٍ فَإذا لَعَن الكافِرَ - وَكَانَ هُو فِي عِلم اللهِ كَافراً - فَقَدْ لَعَنَ نَفْسَه، وَهُوَ لا يَعْلَم ذَلكَ.
قوله: «لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون» مَعْنَى الإنْظَار: التَّأخِيْرُ، قَالَ تَعالى: ﴿فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَة﴾ [البقرة: 280] والمَعْنَى: لاَ يُخَفَّفُ، وَلا يُؤخَّر من وَعتٍ إلى وَقْتٍ، ثُم قَال: ﴿إِلاَّ الذين تَابُواْ﴾ ثمَ بَيَّن أن التوبة وحدَها لا تَكْفِي، حَتَّى يُضافَ إليها العملُ الصالحُ، فَقالَ: ﴿وَأَصْلَحُواْ﴾ أي: أصلحوا باطنهم مع الحق بِالمُراقَباتِ، وَمَعَ الْخَلْقِ بالعِبَادَاتِ، وَذَلِكَ أنَّ الحَارثَ بن سُويد لَمَّا لَحِق بالكُفَّار نَدِم، وأرسل إلى قومه أن سَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَفَعَلُوا فَأنْزَلَ اللهُ ﴿إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فَحَمَلَهَا إليه رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَقَرأها عَلَيهِ، فَقَالَ الْحَارثُ: إنك واللهِ ما عَلِمْتُ - لَصَدُوقٌ، وَإنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأصدقُ منك؛ وإنَّ اللهَ - عَزَّ وجل - لأصْدَقُ الثلاثة، فرجع الحارثُ إلى المَدِينَةِ، وَأسْلَمَ، وحسن إسلامه.
وفي قوله: ﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ وجهان:
الأول: أن الله غفور لقبائحهم في الدنيا بالستر، رحيم في الآخرة بالعفو.
الثاني: غفور بإزالة العقاب، رحيم بإعطاء الثواب، ونظيره قوله: ﴿قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَف﴾ [الأنفال: 38] . ودخلت الفاء في قوله: «فإن الله» لشبه الجزاء؛ إذ الكلام قد تضمَّن معنى: إن تابوا فإن الله يغفر لهم.
{"ayahs_start":87,"ayahs":["أُو۟لَـٰۤىِٕكَ جَزَاۤؤُهُمۡ أَنَّ عَلَیۡهِمۡ لَعۡنَةَ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ","خَـٰلِدِینَ فِیهَا لَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ","إِلَّا ٱلَّذِینَ تَابُوا۟ مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ وَأَصۡلَحُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ"],"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ جَزَاۤؤُهُمۡ أَنَّ عَلَیۡهِمۡ لَعۡنَةَ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق