الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾ [آل عمران ٧٨]:
﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ﴾ الضمير يعود على أهل الكتاب؛ لأن الآيات سياقها واحد، وفي أول الآيات قال: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ﴾ [آل عمران ٧٥] وهنا قال: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾ اللّيّ معناه العطف، عطف ومنه ليّ الحبل، فمعنى ﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ﴾ أي: يعطفونها، والليّ هنا يشمل الليّ اللفظي والليّ المعنوي.
واللّيّ اللفظي تارة يأتون بكلام من عندهم ويقرؤونه قراءة الكتاب المنزَّل فيتوهم من يسمعه من الناس أنه من الكتاب المنزل؛ يعني يلحن الكلام كما يلحن القرآن، فيظنه السامع أنه من عند الله، هذا نوع.
النوع الثاني: اللّيّ من اللفظي: التحريف؛ تحريف الكلم بلفظه كما حرّف بعض المبتدعة قول الله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء ١٦٤] إلى قوله: (وكلم اللهَ موسى تكليمًا)، يريد بذلك أن يكون التكليم من موسى إلى الله، أما التحريف المعنوي فهو تفسير الكلام بغير ما أراده الله به، فيقول: معنى الآية كذا وكذا على خلاف ما أرادها الله به.
فصار اللّيّ ثلاثة أقسام: ليّ باللفظ، لكنه لا يتعلق بنفس الكتاب المنزّل، إنما يأتي بكلام من عنده فيأتي به يتغنّى به كما يتغنى بالكتاب المنزّل فيظن السامع أنه من عند الله.
والثاني من الليّ: ليّ لفظي يتعلق بتغيير هيئة الكتاب المنزّل، وذلك ما يسمى بالتحريف اللفظي.
والثالث: الليّ المعنوي فيقول: معنى الآية كذا وكذا، وهذا لا شك أنه ليّ باللسان ﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾ لأن الكتاب يريد كذا وهم يقولون: المراد كذا. مَنْ هؤلاء الطائفة؟ نقول: هؤلاء المحرفة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه.
﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران ٧٨] اللام هذه يحتمل أن تكون للتعليل، ويحتمل أن تكون للعاقبة؛ والفرق بينهما أن لام التعليل تحمل على الشيء، ولام العاقبة تكون غاية للشيء، فمثلًا إذا قلت: حضرت لأقرأ، اللام؟
* طلبة: للعاقبة.
* طالب: للتعليل.
* الشيخ: اللام للتعليل؛ يعني أن الذي حملني على الحضور هو القراءة، وإذا قلت: اصطدت هذا الصيد ليكون عذابًا لي.
* طلبة: للعاقبة.
* الشيخ: هذه عاقبة، ومنه قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص ٨] فإن آل فرعون لم يلتقطوه لهذا السبب أبدًا، ولو علموا أنه يكون عدوًّا وحزنًا لهم ما التقطوه.
هنا ﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾ هل المعنى أنهم يلوون ألسنتهم بالكتاب من أجل أن يضلوكم فتظنوا أنه من عند الله، أو أنهم يلوون ألسنتهم بالكتاب من غير قصد فتظنونه من عند الله؟
الظاهر الأول؛ أنهم يفعلون هذا ليوهموا الناس أنه من عند الله ﴿لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ أي: لتظنوه من الكتاب المنزّل وهو من الكتاب الملويّ الذي حصل فيه الليّ والتبديل.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران ٧٨] هذا إبطال لما أرادوه من ليِّهم ألسنتهم بالكتاب، فيظن الظانّ أنه من الكتاب فقال الله: ﴿وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ﴾.
أي الكتاب الذي أُشير إليه هنا؟ التوراة إذا كان هذا الليّ واقعًا من اليهود، والإنجيل إذا كان هذا الليّ واقعًا من النصارى، والكتاب -كما تعلمون- اسم جنس صالح لهذا وهذا.
﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ ﴿هُوَ﴾ الضمير يعود على ما لَوَوا ألسنتهم بالكتاب، ﴿يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ فأبطل الله هذه الدعوى بقوله: ﴿وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران ٧٨].
ولهذا يحسن بالقارئ أن يقف فيقول مثلًا: ﴿لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ ثم يقول: ﴿وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ﴾، ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ ويقف ثم يقول: ﴿وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾.
قال الله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [آل عمران ٧٨] أيضًا هم يقولون على الله الكذب سواء بالتحريف اللفظي أو بالتحريف المعنوي.
وقوله: ﴿يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ سبق لنا نظيرها، وقلنا: إن ﴿يَقُولُونَ﴾ هنا مضمَّنة معنى يفترون، ولهذا تعدت بـ﴿عَلَى﴾، ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ يقولون على الله الكذب في أحكامه، وفي أفعاله، وفي أسمائه، وفي صفاته، وفي كل ما يتعلق به سبحانه وتعالى، فهم مثلًا قالوا: يد الله مغلولة، وكذبوا، وقالوا: إن الله فقير، وكذبوا، وقالوا: إن الله تعب واستراح، وكذبوا، وكل ما وصفوا الله به مما لا يليق به فهم كاذبون فيه.
وقوله: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران ٧٨] الجملة حالية، حال من الواو في ﴿يَقُولُونَ﴾ يعني يقولون الكذب وهم عالمون بأنه كذب فيكون هذا أشد إثمًا ممن قال الكذب وهو لا يعلم أنه كذب.
في هذه الآية من الإعراب، أولًا: قوله: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا﴾ [آل عمران ٧٨] هذه الجملة مؤكَّدة، مؤكَّدة بكم مؤكِّد؟
* طالب: اللام.
* الشيخ: وغيرها؟
* الطالب: وإنّ.
* الشيخ: وإنَّ. ﴿لَفَرِيقًا﴾ ما الذي نصب فريقًا؟
* طالب: اللام يا شيخ.
* الشيخ: اللام؟ ما هي تنصب اللام، أظنك لست من أبناء سيبويه؟! طيب يلّا؟
* الطالب: منصوبة لأنها اسم (إنّ) مؤخر.
* الشيخ: اسم (إن) مؤخر، صح. وقوله: ﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾ لماذا حذفت النون؟
* طالب: لأن اللام الجارّة لا يدخلون على الأفعال لازم بعده أنْ مقدرة حتى يؤول بالمصدر أن ناصبة، وأن ناصبة إذا دخل على فعل مضارع ويوجد في آخره شيء فبعده نصبه بحذف النون.
* الشيخ: طويلة يا شيخ!!
* الطالب: لأنه (أن) ناصبة..
* الشيخ: إذن لأنه منصوب.
* الطالب: منصوب.
* الشيخ: حُذفت النون لأنه منصوب، ناصبه أنْ المقدرة بعد اللام، كذا؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: من أي أنواع الأفعال هذا؟
* الطالب: من أفعال الذي هو قبل آخره شيء.
* الشيخ: لا.
* الطالب: فعل مضارع، فعل مضارع.
* الشيخ: ﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾.
* الطالب: فعل مضارع.
* الشيخ: إي، من أي الأفعال؟
* الطالب: من باب (حسِب- يحسِب).
* الشيخ: لا.
* الطالب: من باب (الافتعال).
* طالب آخر: من الأفعال الخمسة.
* الشيخ: من الأفعال الخمسة.
* الطالب: ظنته شيئًا آخر.
* الشيخ: ولهذا حُذفت النون. فيها قراءتان: ﴿لتحْسِبُوهُ﴾ و﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾. قوله: ﴿وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ هذه ﴿مَا﴾؟
* الطالب: نافية.
* الشيخ: ولها اسم خاص عند النحويين ما هو؟
* الطالب: ما نافية.
* الشيخ: ما هو؟
* طالب: ما الحجازية.
* الشيخ: إي نعم، (ما) حجازية، أين اسمها؟
* الطالب: اسمها ضمير.
* الشيخ: أين هو؟ مستتر؟ لا يستتر الضمير إلا في فعل أو معناه.
* طالب: هو.
* الشيخ: أين هو؟
* الطالب: ﴿وَمَا هُوَ﴾.
* الشيخ: ﴿وَمَا هُوَ﴾ أحسنت. قوله: ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ جملة ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ ويش محلها من الإعراب؟
* الطالب: أيه؟
* الشيخ: ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾.
* الطالب: في محل نصب مقول القول.
* الشيخ: في محل نصب مقول القول. ﴿الْكَذِبَ﴾ ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ بآخره؟ ويش محلها من الإعراب؟
* الطالب: منصوبة.
* الشيخ: على أنها؟
* الطالب: مفعول ليفترون.
* الشيخ: ما عندنا يفترون.
* الطالب: لأنها مقول القول في محل نصب مفعول (...).
* الشيخ: مفعول ﴿يَقُولُونَ﴾؟
* الطالب: إي نعم؛ لأنه متضمن معنى القول.
* الشيخ: ثم قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ إلى آخره [آل عمران: ٧٩].
قوله: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ كلمة ﴿مَا كَانَ﴾ تستعمل في الشيء الممتنع، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم ٦٤] هذا شيء ممتنع النسيان عليه، ممتنع شرعًا وممتنع قدرًا، فقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ﴾ هذا ممتنع شرعًا وقدرًا، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ ممتنع قدرًا، بل ممتنع وصفًا؛ لأنه لا يتصور أن يأتي به القدر، مستحيل أن يكون الله تعالى ناسيًا أو نسِيًّا. ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال ٣٣] ممتنع شرعًا ولو شاء أن يعذبهم وهو فيهم لعذبهم، لكنه ممتنع شرعًا.
هنا ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ قلنا: إنه ممتنع شرعًا وقدَرًا، وبشر البشر هو الإنسان من بني آدم، وسمي بشرًا لظهور بشَرته، فإن بشرة الإنسان ظاهرة بارزة ليس عليها شعر ولا صوف ولا وبَر، ولا ريش ولا زعانف، بادية، وقيل: سمي بشرًا لظهور أثر البَشارة عليه فيما إذا أخبر بما يسرّه، ولا مانع من أن يكون سمي بشرًا لهذا ولهذا، والحكمة من أن الله تعالى جعل الآدمي بارز البشرة ليعلم الآدمي أنه مفتقر إلى اللباس الحسي فينتقل من ذلك إلى العلم بأنه مفتقر إلى اللباس المعنوي؛ وهو التقوى، وأنه بحاجة إلى أن يعمل الأسباب التي تستره معنى كما هو يعمل الأسباب التي تستره حسًّا، وهذا من حكمة الله عز وجل.
يقول: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ أي: لواحد من البشر أي إنسان ﴿أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ ﴿أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ﴾ أي: يعطيه إياه إيتاء شرعيًّا، وكذلك إيتاء قدريًّا. ثم ﴿وَالْحُكْمَ﴾، الحكم يعني بما أوتي من الكتاب، كما قال الله تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة ٤٩].
﴿وَالنُّبُوَّةَ﴾ يعني الإخبار بالوحي، وإنما قال: ﴿وَالنُّبُوَّةَ﴾ مع قوله: ﴿أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ﴾ قال ذلك؛ لأنه قد يطلق إيتاء الكتاب على من أُرسل إليهم به، لا من أُرسل به، كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة ١٤٦] ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [البقرة ١٢١]، فالذين أوتوا الكتاب هنا هل هم أنبياء؟ كلام معلوم ولَّا عجمي؟ ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ هل هم أنبياء؟
* الطلبة: ليسوا أنبياء.
* الشيخ: إذن لا يلزم ممن أوتي الكتاب أن يكون نبيًّا، ولهذا قال: ﴿وَالنُّبُوَّةَ﴾ لئلا يتوهم واهم أن الذين أوتوا الكتاب هم الذين أرسل إليهم بالكتاب، والمراد بالذي أوتي الكتاب هنا الذي أرسل بالكتاب، لا الذي أُرسل إليهم به، بل الذي أرسل بالكتاب إلى غيره.
وقوله: ﴿النُّبُوَّةَ﴾ بتشديد الواو إما أنها من (النَّبْوة) وهي الارتفاع، وعلى هذا فتكون الواو أصلية؛ لأن رتبة النبي أعلى طبقات الخلق، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ [النساء ٦٩]، وإما أن تكون الواو مسهّلة وأصلها (النُّبوءة) فتكون مأخوذة من (النَّبأ) وهو الخبر، وذلك لأن الرسول مُنبَأ ومُنبِئ، مُنبَأ من قِبل الله عز وجل، مُنبِئ لمن أرسل إليهم يخبرهم ويبشرهم وينذرهم.
﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ لم ينتهِ الكلام بعد، لكن الممتنع هو ﴿ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [آل عمران ٧٩] هذا هو الممتنع، وهو الذي انصب عليه النفي؛ أي: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب بالرسالة، والحكم بين الناس بهذا الكتاب، والنبوة والرفعة، ثم بعد ذلك مع هذا يقول للناس ﴿كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي: كونوا متعبدين لي، اعبدوني من دون الله، اعبدوني بالطاعة، اسجدوا لي، اركعوا لي، انذروا لي، وما أشبه ذلك، هذا لا يمكن؛ لأن من آتاه الله الكتاب والحكمة والنبوة إنما جاء لضد هذه الأشياء، ليمحق هذا الشيء لا ليدعو الناس إليه.
وقوله: ﴿كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ إذا قال قائل: هل المراد: اعبدوني ولا تعبدوا الله، أو المراد: اعبدوني وإن عبدتم الله؟
* طلبة: يشتمل.
* الشيخ: لأن المسألة إما أن يكون الإنسان عابدًا لله وحده، أو عابدًا لغيره، أو عابدًا معه غيره، عرفتم؟ أما العابد لله وحده فهذا مخلص، والعابد لغير الله دون الله هذا؟
* طلبة: مشرك.
* الشيخ: مشرك، أو نقول: مستكبر عن عبادة الله ومتعبّد لغيره، والعابد لله ولغيره هذا مشرك، فنقول: من دعا الناس إلى عبادته وحده دون الله فهذا قد دعاهم إلى عبادته دون الله، واضح، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ولم ينههم عن عبادة الله فإن حقيقة دعوته أنه دعا الناس ليعبدوه دون الله، كيف ذلك؟ لأن الله غني عن عبادة هؤلاء، فإذا أشركوا بالله غيره تمحضت العبادة لمن؟ لغير الله، تمحّضت لغير الله.
لقول الله تعالى في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءُ عَنِ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة.]]. وبهذا يزول الإشكال في قوله: ﴿كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ فنقول: هل أحد قال للناس: اعبدوني ولا تعبدوا الله، أو هل إن المراد بالآية هذه هذا المعنى؟ نقول: لا، لا يتعيّن، فالآية تشمل الوجهين جميعًا، تشمل من دعا إلى عبادة نفسه، وأن لا يُعبد الله، ومن دعا إلى عبادة نفسه وإن عُبد معه الله؛ لأن الأول واضح أنه يقول: اعبدوني ولا تعبدوا الله، والثاني: من لازم الإشراك أن لا تكون العبادة لله؛ لأن الإنسان إذا أشرك مع الله أحدًا فإن عبادته لله باطلة؛ يعني سواء وجدت أم لم توجد، ويحتمل أن يكون المراد بالدون هنا بمعنى سوى ﴿عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي: من سواه، وليس المراد منع الجمع، بل من سواه أي: معه، فإن صح هذا التفسير فلا إشكال وإن لم يصح فقد علمتم الإشكال وجوابه.
قال: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران ٧٩] هذا الاستدراك استدراك واقع في مقابلة النفي الذي صُدِّرت به الآية ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ﴾ ﴿ثُمَّ يَقُولَ﴾ ﴿وَلَكِنْ﴾ إذن لا بد أن يكون هناك حذف، وتقديره: ولكن يقول: كونوا ربانيين، أي: يقول للناس: كونوا ربانيين، كونوا ربانيين كونًا شرعيًّا أو قدريًّا؟
* طلبة: شرعيًّا.
* الشيخ: شرعيًّا؛ لأنه لا يملك أن يقول لهم كونوا كونًا قدريًّا، لكن يملك أن يأمرهم شرعًا بأن يكونوا ربانيين. ﴿رَبَّانِيِّينَ﴾ نسبة إلى الرب ونسبة إلى التربية، فالربّاني هو من كان عبدًا للرب عز وجل، الربّاني هو الذي يربِّي الناس على شريعة الله بالعلم والدعوة والعبادة والمعاملة، إذن الربّاني منسوب إلى التربية وإلى الربوبية، فباعتباره مضافًا إلى الله؟
* طلبة: ربوبية.
* الشيخ: ربوبية، وباعتباره مضافًا إلى الإصلاح؟
* طلبة: تربية.
* الشيخ: تربية. ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ أي: مخلصين للرب متعبدين له. و﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ أي: مربين للخلق على ما تقتضيه الشريعة.
﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾ [آل عمران ٧٩] (الباء) هنا للسببية؛ أي: بسبب تعليمكم الكتاب. ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾ لأن الذي يعلّم الكتاب مربّي، ولهذا كل ما كثر الطلبة عند شخص كثرت تربيته للناس؛ لأن المفروض في المعلّم أن لا يكون معلمًا للناس تعليمًا نظريًّا جدليًّا؛ لأن هذا يمكن أن يدركوه بالكتب، لكن ينبغي أن يعلمهم تعليمًا نظريًّا وتعليمًا تربويًّا، وهذا هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه، إذا نظرتم إلى السيرة النبوية وجدتم كيف كان الرسول ﷺ يُعلّم الناس تعليمًا مقرونًا بالتربية مصحوبًا بها، وإذا تأملتم سيرة الخلفاء الراشدين وجدتموها كذلك، فانظروا مثلًا إلى عمر بن الخطاب رفع عقوبة الخمر إلى ثمانين ليردع الناس، ومنع المطلِّق ثلاثًا من الرجوع إلى زوجته من أجل أن يردع الناس، فالحقيقة أن العالم ليس هو الذي يملأ أذهان الناس علمًا، أو المعلم ليس هو الذي يملأ أذهان الناس علمًا، ولكن الذي يملأ أفكارهم أو أذهانهم علمًا وأخلاقهم تربية.
* * *
* طالب: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران ٧٩ - ٨٢].
* الشيخ: نعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران ٧٨] الضمير في قوله: ﴿مِنْهُمْ﴾ يعود؟
* طالب: إلى أهل الكتاب.
* الشيخ: إلى أهل الكتاب، ما الدليل؟
* الطالب: لأنهم هم الذين حرّفوا الكتاب.
* الشيخ: لكن ما فيه شيء من السياق ما يدل عليه؟
* طالب: في بداية الآيات قال: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ﴾ [آل عمران ٧٥]؟
* الشيخ: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ﴾ نعم تمام. ما الذي نصب ﴿فَرِيقًا﴾؟
* الطالب: إنَّ.
* الشيخ: (إنَّ) على أنها أيش؟ (إنَّ) ويش تعمل؟
* الطالب: تنصب المبتدأ وترفع الخبر.
* الشيخ: طيب إذن على أنها أيش؟
* الطالب: منصوبة، مبتدأ.
* الشيخ: كيف مبتدأ لو كان مبتدأ مرفوع؟
* الطالب: تنصب المبتدأ اسم (إنَّ) موخر.
* الشيخ: نعم، على أنها اسم (إنَّ) مؤخرًا. قوله: ﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾ كيف هذا الليّ؟ أو ما هذا الليّ؟
* الطالب: الليّ ينقسم إلى قسمين: قلنا: إنه ليّ لفظي، وليّ معنوي.
* الشيخ: طيب الليّ المعنوي ما المراد به؟
* طالب: هو عطف، هو أن يعطفوا بألسنتهم آيات الكتاب.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: قلنا إنهم يغيرون معاني الكتاب.
* الشيخ: تغيير المعنى، وسمى الله تغيير المعنى ليًّا؛ لأنه صرف للكلام عن ما يراد به.
* الشيخ: طيب، التغيير اللفظي؟
* الطالب: هو تغيير نفس اللفظ.
* الشيخ: يعني ليس له إلا وجه واحد؟
* طالب: نعم، لا، الليّ اللفظ يشمل المعنى.
* الشيخ: لا.
* طالب: الليّ اللفظي قد يكون بأنه يأتي بصوت مثل صوت القرآن يتغنّي به ويُوهم السامع.
* الشيخ: والكلام من عنده.
* الطالب: والكلام من عنده ويوهم السامع أنه كلام الله سبحانه وتعالى، أو ربما يغيّر ذات اللفظ فيحرّفه ويغير كلمة أخرى ويقول: هذا من عند الله عز وجل.
* الشيخ: تمام، إذن تارة يكون الليّ يأتي بكلام من عنده وينسبه إلى الله، وتارة يأتي بالليّ بنفس الكتاب لكن يحرف ألفاظه يبدّل ويغيّر. اللام في قوله: ﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾، أيش اللام دي؟
* الطالب: اللام للتعليل.
* الشيخ: للتعليل. وفي (تحسبوه) قراءة؟
* طالب: ﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾، القراءة الثانية؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: (تَحْسِبوه).
* الشيخ: (تَحْسِبوه) بالكسر؛ يعني بكسر السين، وأيش؟
* الطالب: وفتحها.
* الشيخ: وفتح السين. قوله: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران ٧٩] على أي شيء يَنصبّ النهي؟
* طالب: على الذين عندهم العلم.
* الشيخ: على الأول أو على الثاني أو عليهما جميعًا؟
* طالب: على الذين (...) الله عز وجل (...).
* الشيخ: يعني هل الممتنع أن يقول البشر للناس: كونوا عبادًا لي من دون الله، أو الممتنع أن الله يؤتيهم الكتاب والحكم والنبوة، أو الممتنع أن يقول للناس: كونوا عبادًا لي مع إتيان الحكم والنبوة؟
* الطالب: الأخير.
* الشيخ: الأخير، إذن يكون النهي على مجموع الحالين. أنتم فاهمين يا جماعة؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: قوله: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ محل الجملة ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ ويش محلها من الإعراب؟
* طالب: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ محلها من الإعراب معطوفة..
* الشيخ: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ بس هذه ويش محلها من الإعراب؟
* طالب: في محل نصب مقول القول.
* الشيخ: وين القول؟
* الطالب: ولكن يقولوا، على تقدير محذوف ولكن يقولوا: كونوا ربانيين.
* الشيخ: إي، ولكن يقول: كونوا ربانيين. من هو الرباني؟
* الطالب: الربّاني تارة يضاف إلى الله، وتارة إلى المربي، فإن أضيفت إلى الله كان هذا الشخص ربانيًّا بطاعته لله تعالى وبعبادته، وإذا أضيف للتربية أي ربّوا الناس بشريعة الله عز وجل.
* الشيخ: إي يعني رباني إما من الربوبية أو من التربية، فإن كان من الربوبية فمعناه؟
* الطالب: إن كان من الربوبية يكونوا عبادًا لله مخلصين مطيعين له عاملين بشريعته.
* الشيخ: وإن كان من التربية؟
* الطالب: أي: ربّوا الناس بشريعة الله.
* الشيخ: تمام. وقوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾ قال: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ﴾ الباء هذه للسببية و(ما) مصدرية أي: بكونكم، فإذا قال قائل: ما هي علامة ما المصدرية؟ قلنا: علامتها أن يحوَّل ما بعدها إلى مصدر، تُسبق هي وما بعدها بمصدر فيكون ما بعدها مصدرًا، فقوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ﴾ أي: بكونكم تعلّمون، وقوله: ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ فيها قراءتان: إحداهما: ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ أي: تعلمون غيركم من التعليم، وقراءة أخرى: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي: تعلمون أنتم بأنفسكم، وأيهما أعم ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ أو ﴿تَعْلَمُونَ﴾ ؟
* طلبة: ﴿تُعَلِّمُونَ﴾.
* الشيخ: ﴿تُعَلِّمُونَ﴾؛ لأنه لن يُعلِّم إلا من علم، ولكن مع ذلك نقول: إن القراءتين كل واحدة منهما تدل على معنى لازم من الآخر، فيكون المعنى بما كنتم تعلَمُون وتُعَلِّمُون.
وقوله: ﴿الْكِتَابَ﴾ هذا مفعول على التشديد أي: ﴿تُعَلِّمُونَ﴾، لكنه مفعول واحد وحذف المفعول الثاني، أي: بما كنتم تعلِّمون الناس الكتاب، وأما على قراءة ﴿تَعْلَمُونَ﴾ فالكتاب مفعول واحد فقط ولا تتعدى إلى مفعولين.
وقوله: ﴿تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾ المراد بالكتاب الجنس ليشمل التوراة والإنجيل والبعض منها والكل.
﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ أي: بما كنتم تقرؤون أنتم، بما كنتم تعلَمون وتدرسونه تقرؤونه، فيكون عندكم للكتاب علم لفظي وعلم معنوي؛ فالعلم اللفظي يكون بالدراسة والمعنوي يكون بالعلم والتعليم. وقوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ نقول فيها ما قلنا فيما سبقها بأن الباء للسببية و(ما) مصدرية.
ثم قال: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ﴾ [آل عمران ٨٠] فيها قراءتان، قراءة: ﴿وَلَا يَأْمُرْكُمْ﴾ وقراءة: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ﴾.
أما على قراءة النصب ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ﴾ فهي معطوفة على قوله: ﴿ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران ٧٩] يعني ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يأمركم أن تتخذوا الملائكة، فتكون معطوفة على قوله: ﴿ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ﴾.
وأما على قراءة التسكين فإن الفتحة تقدَّر عليها؛ لأن التسكين هنا ليس تسكين إعراب ولكنه تسكين تخفيف، تخفيف اللفظ؛ لأن قول القائل: ولا يأمُرْكُم أخفّ من قوله: ولا يأمُرَكم، توافقون على هذا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: ولا يأمركم أخف من قوله: ولا يأمرَكم، فالتسكين هنا ليس تسكين إعراب ولكنه تسكين تخفيف، ولهذا نقول: هو منصوب على القراءتين، لكنه منصوب على قراءة الفتح بالفتح الأصل، ومنصوب على قراءة التسكين بفتحة مقدرة على آخره، وسُكّن للتخفيف.
﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا﴾ [آل عمران ٨٠] يعني وما كان له أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا كما أنه لا يقول لكم: كونوا عبادًا لي فإن هذا مستحيل غاية الاستحالة أن يمنّ الله على شخص بالكتاب والحكمة، ثم يأمر الناس بعبادته أو يقول: اعبدوا الملائكة والنبيين اتخذوهم أربابًا هذا شيء مستحيل.
وقوله: ﴿الْمَلَائِكَةَ﴾ الملائكة جمع (ملَك) وأصله (مَأْلَك) من (الأَلُوكة) وهي الرسالة، فصار قُلِب على وجه الإعلال الصرفي إلى (مَلْأَك)، فُزحزحت الهمزة إلى مكان اللام وقُدّمت اللام إلى مكان الهمزة، وأصل (الأَلُوكة) هي الرسالة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ [فاطر ١].
للمرة الثانية نقول: الملائكة جمع (ملَك) وأصله من (الألوكة) وهي الرسالة، وعلى هذا فيكون أصلها (مَأْلك)، ثم نقلت الهمزة إلى محل اللام واللام إلى محل الهمزة فصار (مَلْأك) وملأك جمعه (ملائك) والتاء للتأنيث اللفظي، ثم خُفّفت أيضًا (ملأك) بحذف الهمزة فصارت ملكًا.
الملائكة هم عالم غيبي خلقهم الله عز وجل من نور، لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتناسلون وإنما هم عباد لله مكرمون ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء ٢٧]، ولهم أعمال وأوصاف سبق لنا الكلام عليها بما يغني عن إعادته.
قال: ﴿وَالنَّبِيِّينَ﴾ فيها قراءة: ﴿وَالنَّبِيئِينَ﴾ على تحقيق الهمزة.
﴿أَرْبَابًا﴾ جمع (ربّ) يعني أربابًا تعبد من دون الله وتُقصد من دون الله، فإن هذا مستحيل أن يقع ممن آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة.
قال الله تعالى: ﴿أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران ٨٠] الاستفهام هنا للنفي؛ يعني لا يمكن أن يأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون.
وفي قوله: ﴿يَأْمُرُكُمْ﴾ قراءتان: ﴿يَأْمُرْكُمْ﴾ تخفيفًا، و﴿يَأْمُرُكُمْ﴾ على الأصل، وقوله: ﴿بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ يعني بعد أن تقرر إسلامكم وثبت فإنه لا يمكن أن يأمركم بالكفر.
قال الله تعالى ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾.﴾ من فوائد هذه الآية وما بعدها: أن فريقًا من أهل الكتاب يحرفون الكلم إما لفظًا وإما معنى.
* ومن فوائد الآيات: سوء مقصد هؤلاء الذين يلوون ألسنتهم بالكتاب، ما هو المقصد؟ لإضلال الناس ليحسبوه من الكتاب.
* ومن فوائدها: أن الله عز وجل يحب من عباده الهدى وأن يهتدوا، ولهذا قال: ﴿وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران ٧٨] حتى لا يغتر الناس بهذا الليّ الذي حصل من هؤلاء.
* ومن فوائد هذه الآية: الحذر من الكفار، ومن زخارف القول التي تصدر منهم؛ لأنهم يلبسون الحق بالباطل ويريدون أن يضلّوا الناس.
* ومن فوائد هذه الآية أيضًا: الحذر ممن اتصف بصفاتهم من هذه الأمة فصاروا يلوون ألسنتهم بالكتاب، وإنما قلنا ذلك؛ لأن الرسول ﷺ قال: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»[[أخرجه أحمد (٢١٨٩٧) من حديث أبي واقد الليثي، وأصل الحديث في البخاري (٣٤٥٦) ومسلم (٢٦٦٩ / ٦) من حديث أبي سعيد الخدري.]] فإذا كان في أهل الكتاب من يلوون ألسنتهم بالكتاب فسيوجد في هذه الأمة أيضًا من يلوي لسانه بالكتاب.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة أيضًا: أن أهل الكتاب منهم من يفتري الكذب على الله؛ ومن ذلك كذبهم في عقوبة الزاني المحصن، فإن عقوبة الزاني المحصن عندهم الرجم؛ أن يُرجم حتى يموت، ولكن لما كثر الزنا في أشرافهم عدلوا عن هذا وقالوا: كيف نقتل أشرافنا؟ إذن ماذا نعمل؟ قالوا: نسوّد وجهه ونطوف به هو والمرأة التي زنا بها على حمار يكون دبر أحدهما إلى دبر الآخر وهما راكبان على الحمار ونطوف بهم في العشائر بين الناس، ثم تنتهي القضية، فحرَّفوا وكتموا؛ حرَّفوا حيث ادعوا أن هذا هو حد الزنا للمحصن، وكتموا حيث قالوا: ليس في التوراة الرجم، ولهذا لما أنكروا أن يكون في التوراة الرجم طلب النبي ﷺ منهم أن يأتوا بالتوراة، فأتوا بها، فجعل القارئ يقرأ ووضع يده على آية الرجم، لأيش؟ لأجل أن يخفيها، ولكن أُمِر أن يرفع يده، فلما رفع يده وإذا بآية الرجم تلوح بينة واضحة، فأمر النبي ﷺ برجمهما؛ أي رجم الزاني والزانية، فالحاصل أن من طريق أهل الكتاب أنهم يقولون على الله الكذب وهم يعلمون.
ثم قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ [آل عمران ٧٩]. إلى آخره.
* فمن فوائد هذه الآية: الرد على النصارى الذين زعموا أن عيسى عليه الصلاة والسلام له الحق في أن يُعبد من دون الله، ولهذا يقول الله له يوم القيامة: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة ١١٦]، فيقول: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ يعني لا يمكن أن أقول هذا، والنصارى يدَّعون أن من دينهم التثليث؛ أي: أن الله ثالث ثلاثة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن مَن مَنَّ الله عليه بالعلم النافع فإنه لا يمكن أن يدعو الناس إلى عبادة نفسه فيقول: كونوا عبادًا لي من دون الله.
* ومن فوائدها: أن من ألزم الناس أو أراد منهم أن يتّبعوا قوله مهما كان فإنه قد أمرهم أن يتخذوه بل قد جعلهم عبادًا له؛ لأن طاعة الشخص من العبادة كما قال الله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [آل عمران ٧٩] فقال له عدي بن حاتم: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم، قال: «أَلَيْسَ يُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتُحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ؟». قال: نعم. قال: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ»[[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٢١٨) والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (٢٦١) من حديث أبي سعيد الخدري.]] فقد لا يقول الإنسان للناس: اعبدوني اركعوا لي واسجدوا، لكن قد يقول: التزموا بما أقول، وهذا نوع من العبادة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن مَن مَنَّ الله عليه بالكتاب والحكمة والحكم والنبوة فإنه لا يأمر إلا بخير لقوله: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران ٧٩].
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: الإشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يكون معلّمًا ربانيًّا لقوله: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ أما ما يحصل من بعض الناس وهو أن يكون معلمًا لا ربانيًّا فإن علمه قاصر، قاصر جدًّا؛ لأن فائدة العلم وثمرته هو العمل والتأدب بآداب العلم، فإذا كان هذا الرجل يملأ أدمغة الطلاب علمًا ولكن ليس هناك سلوك وأخلاق وأعمال وعبادة فإن تعلميه ناقص جدًّا، ولهذا قال: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على منكري الأسباب لقوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾ والباء للسببية، ولا شك أن الأسباب ثابتة، ولكنها ليست مستقلة بالإيجاد أو الإعدام، بل هي مؤثرة بما أودع الله فيها من قوة التأثير، وبهذا ندفع شبهة من قالوا بنفي الأسباب محتجّين بأن إثبات الأسباب يستلزم إثبات خالق مع الله، ونحن نقول لهم: إننا نثبت الأسباب لكنها أيش؟
* طالب: غير مؤثرة بنفسها.
* الشيخ: لا تؤثر بنفسها، بل بما أودع الله فيها من القوة، والدليل على هذا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقي في النار قال الله للنار: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء ٦٩] فكانت بردًا وسلامًا عليه، ما تأثر بها مع أنها مُحرقة، قال أهل العلم: ولو قال الله تعالى: كوني بردًا ولم يقل: وسلامًا لأهلكته من البرد؛ لأنها تمتثل أمر الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المعلم للناس يصح أن نسميه ربانيًّا؛ لأنه قال: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾ [آل عمران ٧٩]، ولهذا نجد في تراجم العلماء رحمهم الله نجد كثيرًا ما يصفون العالم بأنه العالم الرباني.
* ومن فوائد الآية الكريمة في قوله: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ﴾ [آل عمران ٨٠] إثبات الملائكة، والإيمان بهم أحد أركان الإيمان الستة، فلا يتم إيمان العبد حتى يؤمن بالملائكة.
* ومن فوائدها أيضًا: أن هذا الذي منّ الله عليه بالكتاب والحكم والنبوة لا يمكن أن يأمر غيره باتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا كما أنه لا يدعو الناس إلى عبادة نفسه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من أمر غيره أن يكون عبدًا له فقد أمر بالكفر، ومن أمر أن تُتخذ الملائكة والنبيون أربابًا فقد أمر بالكفر لقوله تعالى: ﴿أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران ٨٠].
* ومن فوائدها: أن هذا الكفر مخرج عن الملّة لقوله: ﴿بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
{"ayahs_start":78,"ayahs":["وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِیقࣰا یَلۡوُۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَـٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَیَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَیَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ","مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُؤۡتِیَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ یَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا۟ عِبَادࣰا لِّی مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُوا۟ رَبَّـٰنِیِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ","وَلَا یَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ أَرۡبَابًاۗ أَیَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ"],"ayah":"وَلَا یَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ أَرۡبَابًاۗ أَیَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق