الباحث القرآني
قال الله تعالى: (﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ [العنكبوت ٤] الشرك والمعاصي، ﴿أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ يفوتونا فلا ننتقم منهم).
قوله: ﴿أَمْ حَسِبَ﴾ (أم) هذه منقطعة؛ لأن (أم) تأتي في اللغة العربية على قسمين: متصلة ومنقطعة، فالفرق بينهما أن المتصلة بمعنى (أو)، وأنها تأتي بعد همزة التسوية، وأنها تأتي بين متقابلين، ثلاث علامات لها، مثالها قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ﴾ [البقرة ٦] فهنا تجدون أن (أم) بمعنى (أو)؛ يعني: هذا وهذا سواء، وثانيًا تجدون أنها بعد همزة التسوية: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ﴾، وتجدون أنها بين متقابلين (أنذرتهم، لم تنذرهم).
ومثلها قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المنافقون ٦]، ومنها أيضًا: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا﴾ [إبراهيم ٢١]، فلها أمثلة متعددة.
أما المنقطعة فهي التي تأتي بمعنى (بل)، ما هي بمعنى الواو، ولا تقع بعد همزة التسوية، ولا بين متقابلين.
فهنا ﴿أَمْ حَسِبَ﴾ بمعنى: بل أَحَسِب، وهذا الإضراب إضراب انتقال وليس إبطالًا؛ يعني بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى وأنكر على الذين حسبوا أن يتركوا أن يقولوا: آمنا وهم لا يفتنون انتقل سبحانه وتعالى إلى ذكر صنف آخر من الناس وهم الذين لم يقولوا: آمنا ولم يؤمنوا، بل هم يعملون السيئات ويظنون أن الله تعالى لن يحيط بهم.
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ يعني: يعملون الأعمال السيئة، والسيئ ما يسوء فاعله، وكل عمل محرم فإنه سيئ؛ لأنه يسوء صاحبه بما يجد فيه من العقوبة الحاضرة والمستقبلة.
وقوله: (الشرك والمعاصي) أفادنا المؤلف أن السيئات هنا تعم الصغائر والكبائر؛ الكبائر اللي أعلاها الشرك، والصغائر ما دون الكبائر وهي المعاصي، فهي تشمل كل ما يسوء فاعله من معصية الله تعالى بالشرك فما دونه.
﴿أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ هذا مفعول ﴿حَسِبَ﴾، ﴿أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ (يفوتونا فلا ننتقم منهم)، والسبق بمعنى الفوات، كما تقول: سبقت فلانًا؛ يعني: فُتّه فلم يدركني، فهؤلاء يظنون -الذين يعملون السيئات- أن الله سبحانه وتعالى لا يدركهم، وأن الله لا ينتقم منهم، وهذا بلا شك سوء ظن بالله تبارك وتعالى؛ ولهذا قال: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ أي: ساء حكمهم هذا؛ وهو حسبانهم بأن الله تعالى لن يدركهم.
يقول: (﴿سَاءَ﴾ بمعنى بئس)، و(بئس) فعل ماضٍ جامد لإنشاء الذم، فيحتاج إلى فاعل ويحتاج إلى مخصوص، والمخصوص دائمًا يحذف استغناء عنه، أو بعبارة: لدلالة الفاعل عليه؛ ولهذا قال المؤلف: ﴿سَاءَ﴾ بمعنى (بئس).
(ما) بمعنى (الذي)، فهي اسم موصول، (يحكمونه) قدَّر المؤلف الهاء؛ لتكون عائدًا إلى الموصول؛ ساء الذي يحكمونه، إذن (الذي) فاعل، أين المخصوص؟ قال المؤلف: (حكمهم هذا) هذا هو المخصوص، وكل فعل من الأفعال الجامدة التي للذم أو للمدح تحتاج إلى فاعل وتحتاج إلى مخصوص، تقول مثلًا: نِعْمَ دار المتقين الجنةُ، أين الفاعل؟ (دار)، (الجنة) هي المخصوص بالمدح.
و(الجنة) هذه إعرابها لك فيه وجهان: أحدهما أن تجعلها مبتدأ مؤخرًا، والجملة خبر مقدمًا، والثاني: أن تجعلها خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره: هي الجنة، أما الأول: نعم دار المتقين فهي فعل وفاعل على ما هي عليه.
يقول: بئس ما يحكمون حكمهم هذا، ولا ريب أن ما حكموه وظنوه لا ريب أنه ظن سوء لا يليق بالله؛ فإن الله تعالى يقول في آيات كثيرة: ﴿وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الزمر ٥١]، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ﴾ [فاطر ٤٤]، فهؤلاء الذين استمروا في عمل السيئات وظنوا أن الله تعالى لا يقدر عليهم ولا ينتقم منهم أضافوا -والعياذ بالله- شرًّا إلى شرهم.
قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾ [العنكبوت ٥] (فليستعد له، ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوال العباد، ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأفعالهم)، قال: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو﴾ ﴿مَنْ﴾ هذه شرطية، وجواب الشرط على رأي المؤلف محذوف تقديره: فليستعد له، وسنناقشه في هذا الأمر.
قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو﴾ وقال المؤلف في تفسير ﴿يَرْجُو﴾: (يخاف)، وهذا صرف للفظ عن ظاهره، والرجاء غير الخوف؛ الرجاء أي الأمل، وهذا هو الصواب، المعنى ﴿يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ﴾ أي: يأمل أن يلقى الله عز وجل راضيًا عنه، ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾، كما في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف ١١٠]، وليس هناك ما يوجب صرف اللفظ عن ظاهره، بل إن المعنى: أيُّ إنسان يرجو لقاء الله وأنه يلقاه وهو راضٍ عنه فإن الأمر ليس ببعيد.
﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ﴾ أي: المدة التي جعلها الله سبحانه وتعالى حائلًا بينك وبين لقائه سوف تأتي؛ يعني سوف يأتي ذلك.
ويحتمل أن قوله: ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ﴾ أي: المدة التي قدرها للقاء، وهذا أحسن، المدة التي قدرها للقائه لا بد أن تأتي، (﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ﴾ به) أي: باللقاء؛ يعني: اللقاء مؤجل، كل شيء مؤجل لأجل معلوم.
﴿لَآتٍ﴾ اللام ويش إعرابها؟ هذه مرت علينا في الألفية.
* طالب: واقعة في جواب..
* الشيخ: لا، اللام للتوكيد؛ لأنها واقعة في خبر (إن)، ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾ فهي للتوكيد، وقد ذكرنا لكم ونحن نشرحها في الألفية أن محلها أن تكون في أول الجملة، ولكنهم أخروها؛ لأن (إن) للتوكيد، فكرهوا أن يجتمع مؤكدان متواليين وزحلقوا اللام إلى مكانها في الخبر.
﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾ و(آت) قلت: إنها خبر (إن)، ومع ذلك فهي مكسورة، والمعروف أن خبر (إن) يكون مرفوعًا، فكيف صح ذلك؟
نقول: إن (آتٍ) اسم ناقص أو منقوص؟ منقوص؛ لأن الاسم إما منقوص، أو مقصور، أو ممدود، أو صحيح الآخر. فهنا نقول: لأنها منقوصة، أصلها (لآتي) بالياء، فحذفت الياء وعوض عنها التنوين ﴿لَآتٍ﴾، وعلى هذا فنقول: ﴿آتٍ﴾ خبر (إن) مرفوع بها، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره؛ على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين.
﴿وَهُوَ﴾ -أي: الله سبحانه وتعالى- (﴿السَّمِيعُ﴾ لأقوال العباد ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأفعالهم) ﴿السَّمِيعُ﴾ يعني: ذو السمع الذي لا يخفى عليه شيء، كل شيء من المسموعات فإن الله تعالى مدركه، كما أن السمع -كما مر علينا- ينقسم إلى قسمين: سمع إدراك، وسمع إجابة، فالأول مثل قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ [المجادلة ١]، والثاني مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم ٣٩]، ومثل قول المصلي: سمع الله لمن حمده، فإن المعنى أنه استجاب.
وذكرنا فيما سبق أن سمع الإدراك ينقسم إلى أقسام: منها ما يقتضي التهديد، ومنها ما يقتضي النصر والتأييد، ومنها ما يقصد به مجرد الإدراك، فمثال الأول الذي للتهديد؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦].
* الشيخ: لا، نبغي شيئًا واضحًا ما يحتاج بالنسبة لكذا وبالنسبة لكذا.
* طالب: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران ١٨١].
* الشيخ: نعم، هذا المراد به التهديد، ومثال المراد به النصر والتأييد؟
* طالب: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦].
* الشيخ: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾، إي نعم.
ومثال للمقصود به مجرد الإدراك الذي يراد به مجرد بيان أن الله تعالى محيط بالشيء سامع له؟
* طالب: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ [المجادلة ١].
* الشيخ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾.
وكونه تعالى سميعًا هل يلزم منه إثبات الأذن؟ الجواب: لا يلزم، كما أن كونه بصيرًا لا يلزم منه إثبات العين، ولكن العين ثبتت بدليل آخر، لولا أن الله أثبتها لنفسه بدليل آخر ما أثبتناها، فالسميع ما نقول: يلزم من كونه سميعًا أن يكون له أذن، كما لا يلزم من كونه متكلمًا أن يكون له لسان وشفتان، وما أشبه ذلك، فإننا نعلم أن الأرض تحدث أخبارها، ولا تحدث إلا بعد سماع، وهل لها أذن؟ ما لها أذن -فيما نعلم- ليس لها أذن، وهل لها لسان؟ ما نعلم أن لها لسانًا، فعلى هذا نقول: لا يلزم من إثبات السمع إثبات الأذن.
فإذا قال قائل: إنه ثبت في الحديث الصحيح: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ إِذْنَهُ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠٢٤)، ومسلم (٧٩٢ / ٢٣٣) واللفظ له من حديث أبي هريرة.]]؟
فالجواب: أن معنى (ما أذن له) أي: ما استمع له، ولا يلزم من هذا أيضًا إثبات الأذن؛ لأنه ما هو صريح، والصفات ما يمكن أن نثبتها بالاحتمال، لا بد من أن تكون المسألة واضحة وصريحة.
* طالب: (...) ما أذن (...)؟
* الشيخ: لا، (ما أذن) بمعنى قدَّر، لا، معناها استمع؛ لأنه معلق بصوت؛ «لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ»، إن الله أذن للناس من جهة الإذن الشرعي مثلًا أنه رخص لهم أو أباح لهم ما هو أعظم من هذا، فإن التوحيد وغيره مما هو أكبر من قراءة القرآن لا شك أنه يأذن به أكثر.
وقوله: ﴿الْعَلِيمُ﴾ يقول المؤلف: (بأفعالهم)، والحقيقة أن العلم يتعلق بالأفعال والأقوال أيضًا، فتخصيصه بالأفعال هذا فيه نظر؛ لأن الذي يختص بالأفعال إنما هو الرؤية، أما العلم فإنه أعم؛ يتعلق بالأفعال، يتعلق بالأقوال، ويتعلق بحديث النفس، ويتعلق بالجهر، بكل شيء.
يقول تعالى: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ﴾ قال المؤلف: (جهاد حرب أو نفس).
نسيت أن أقول: أين جواب ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ﴾؟ المؤلف قدَّره بقوله: (فليستعد له) وجعله محذوفًا، وعندي أنه لا بأس أن نقول: إن جواب الشرط هو قوله: ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾، ويكون المعنى: أن الذي يرجو لقاء الله فإنه سيحصل له، ولا حاجة أن نقدر شيئًا محذوفًا؛ لأن الأصل عدم الحذف، وهذا الذي قدَّره المؤلف مثل ما قدَّره في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [البقرة ٩٧]، قد تقدم أن المؤلف قدَّره بقوله: (فليمت غيظًا)، وذكرنا هناك أنه لا حاجة لهذا التقدير.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: يؤمل، لكن الأمل مبني على المحبة، أنت ما تؤمل الشيء إلا وأنت تحبه، فرجاء الشيء بمعنى الأمل على حصوله.
قال: (﴿وَمَنْ جَاهَدَ﴾ [العنكبوت ٦] جهاد حرب أو نفس) أفادنا المؤلف من هذه العبارة أن الجهاد ينقسم إلى قسمين: جهاد حرب؛ وذلك بجهاد الأعداء، وجهاد نفس بأن تجاهد نفسك على فعل الطاعات وعلى ترك المحرمات.
﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ قال في معناها: (فإن منفعة جهاده له لا لله)، فالذي يجاهد -والجهاد بذل الجُهد في الشيء- لا يجاهد لله وإنما يعمل لنفسه، كقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾ [فصلت ٤٦].
وقول المؤلف: (فإن منفعة جهاده له لا لله)، نعم له؛ لأنه مأجور، سواء جاهد نفسه أو جاهد غيره، مع أنه إذا جاهد غيره قد تكون المنفعة أيضًا للغير، فإن هذا الغير بالجهاد ربما يدخل في دين الله، وحينئذٍ يحصل له منفعة.
المهم أن الله سبحانه وتعالى لا ينتفع بهذا الجهاد؛ ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ هذا كالتعليل لقوله: ﴿فإنما يجاهِدُ لنفسه﴾، فالله تعالى غني عنه؛ لا ينتفع بطاعته ولا يتضرر بمعصيته.
وقوله: (غني عنهم) ويش معنى الغني؟ معناه: الذي لا يحتاج إليهم لما عنده من الجود والسعة والتدبير للأمور، فهو لا يحتاج إلى العالمين كلهم، قال المؤلف: (﴿الْعَالَمِينَ﴾ الإنس والجن والملائكة) أيش بعده؟
* طالب: (وعن عبادتهم).
* الشيخ: (وعن عبادتهم) إي نعم، غني عنهم لا يحتاج إليهم، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات ٥٦، ٥٧].
كذلك غني عن عبادتهم؛ لأن عبادتهم إنما تكون لهم، أما الله سبحانه وتعالى فإنه لا ينتفع بطاعة الطائعين، ولا يتضرر بمعصية العاصين.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ﴾ الجملة هنا مؤكدة بكم مؤكد؟ باثنين وهما: (إن) واللام؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
(﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ [العنكبوت ٧] بعمل الصالحات، ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ﴾ بمعنى (حسن)، ونصبه بنزع الخافض؛ الباء، ﴿الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وهو الصالحات).
قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ هذا في مقابل ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾، أما هنا فيقول: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ والإيمان -كما تقرر كثيرًا- هو التصديق مع القبول والإذعان، وليس مجرد التصديق.
وقوله: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ هذا في أعمال الجوارح، فالإيمان في القلب، وعمل الصالحات في الجوارح، والعمل يتناول الفعل والقول؛ ولهذا ليس قسيمًا للقول، كما يظنه بعض الناس فيقول: قول وعمل، بل إن قسيم القول هو الفعل، أما العمل فإنه يشمل القول ويشمل الفعل أيضًا، فـ﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ إذن يتناول الأفعال؛ مثل الركوع والسجود والصلاة والقيام والقعود فيها، ويتناول الأقوال؛ كقراءة القرآن والتكبير والتحميد، وغير ذلك.
وقوله: ﴿الصَّالِحَاتِ﴾ يعني: الأعمال الصالحات، فهو صفة لموصوف محذوف تقديره: الأعمال الصالحات، والعمل الصالح هو الذي جمع كم شرطًا؟
* طالب: الإخلاص والمتابعة.
* الشيخ: نعم، العمل الصالح هو الذي جمع شرطين هما: الإخلاص والمتابعة؛ فالإخلاص أن تقصد بعملك وجه الله سبحانه وتعالى والدار الآخرة، والمتابعة أن تكون في ذلك متبعًا للنبي ﷺ، ضد الأول الإشراك، وضد الثاني البدعة، فلا تكون مشركًا ولا مبتدعًا.
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِم﴾ هنا قال: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ﴾ والجملة جواب لقسم مقدر تقديره: واللهِ لنكفرن، فهي إذن مؤكدة بثلاث مؤكدات: القسم واللام والنون.
وقوله: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِم﴾ التكفير بمعنى الستر، ومنه الكُفُرَّى، وهي القشرة التي تستر طلع النخلة، فمعنى (نكفر عنهم سيئاتهم) أي: نسترها، والمراد بالستر لازمه وهو العفو، لكن نكفر عنهم سيئاتهم بماذا؟ بإيمانهم وعملهم الصالح؛ لأن الإيمان يهدم ما قبله، والعمل الصالح يقول الله فيه: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء ٣١].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي، هذه سترها؛ لأنها مأخوذة من الكفر وهو الستر.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، صحيح، ومنه: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾؛ لأنها مأخوذة من التغطية، وتغطية السيئات معناها: إزالتها وعدم المؤاخذة عليها.
وقوله: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِم﴾، قال المؤلف: (بعمل الصالحات)، فأعمالهم الصالحة تكون مكفرة للسيئات، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ»[[أخرجه مسلم (٢٣٣ / ١٦) من حديث أبي هريرة. ]]، وقال ﷺ: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا»[[متفق عليه؛ البخاري (١٧٧٣)، ومسلم (١٣٤٩ / ٤٣٧) من حديث أبي هريرة. ]]، فالأعمال الصالحة تكون بمنزلة الغلاف على الأعمال السيئة حتى لا يظهر لها أثر.
قال: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ﴾ نجزينهم، الجزاء بمعنى: المكافأة على الشيء، وقوله: ﴿لَنَجْزِيَنَّهم﴾ يقال فيها بالنسبة للتوكيد ما قيل في قوله: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ﴾.
وقوله: ﴿أَحْسَنَ﴾ قال المؤلف: (بمعنى حسن)، وكأنه فرَّ من إشكال قد يورد وهو: أن الآية تدل على أنهم يجزون أحسن الذي كانوا يعملون، والحسن يعني: العمل الصالح حسن وأحسن، فإذا كانت الآية أحسن ما كانوا يعملون معناه أن الحسن يجازون عليه ولَّا لا؟ ما يجازون؛ فلهذا أوَّل المؤلف (أحسن) بمعنى (حسن)؛ حسن ما كانوا يعملون، ولكن نحن نرى أنه لا حاجة إلى التأويل وأن ما دلت عليه الآية أولى مما قدره المؤلف؛ وهو أن الله يقول: لنجزينهم أحسن جزاء الذي كانوا يعملون، فهي على تقدير محذوف: لنجزينهم أحسن جزاء.
وأحسن الجزاء بيَّنه الله تعالى في قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام ١٦٠]، وقال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة ٢٦١]، فهذا الجزاء أحسن جزاء ولَّا لا؟ أحسن جزاء؛ لأن الجزاء غايته أن يكون مثل ما فعل الفاعل، لكن هنا يجازى بأحسن وأعظم، وعلى هذا فيكون (أحسن) ليس منصوبًا بنزع الخافض كما قال المؤلف: (ونصبه بنزع الخافض؛ الباء) بل هو مفعول ثانٍ لقوله: (نجزي)، والمفعول الأول هو الهاء، والنون في قوله: ﴿لَنَجْزِيَنَّهُمْ﴾ للتوكيد.
هذا هو معنى الآية الكريمة؛ يعني: أن الله وعدهم بأمرين: بتكفير السيئات بالأعمال الصالحة، وبالجزاء على هذه الأعمال شنو به؟ أحسن جزاء يعطون، وذلك أن تكون الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبع مئة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.
وقوله: ﴿أحسن الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من أين يقول المؤلف: (وهو الصالحات)، فهذه الأعمال الصالحة التي يعملونها يجازيهم الله عليها أحسن جزاء يجازون به.
ثم قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [العنكبوت ٨] لما ذكر سبحانه وتعالى مجمل حقه وما توعد به المخالفين وما وعد به الموافقين قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ وصيناه بهم؛ أي: عهدنا إليه بهم، والوصية إنما تكون في الأمور الهامة، وقوله: ﴿بِوَالِدَيْه﴾ أي: أمه وأبيه.
﴿حُسْنًا﴾ قال المؤلف: (أي: إيصاء ذا حسن)، فعلى رأيه يكون قوله: ﴿حُسْنًا﴾ وصفًا لمحذوف؛ أي: إيصاء حسنًا، و(حُسن) -كما تعرفون- مصدر وليست حَسَنًا، فإذا كانت مصدرًا فإنه يجب أن يقدر لها مضاف، وهو: ذا حسن، هكذا قال المؤلف، ويحتمل احتمالًا قويًّا أن ﴿حُسْنًا﴾ هذه منصوبة بنزع الخافض؛ أي: عهدنا إليه بحسن، وأن الحُسن هنا بمعنى الإحسان، كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ [الأحقاف ١٥]، وهذا أقرب من تقدير المؤلف، والله أعلم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي، هذا هو الظاهر بعينه، كما قال تعالى: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر ١٤] أي: بمرأى منا بأعيننا.
* طالب: الدليل من السنة (...)؟
* الشيخ: على من ظن أن الله تعالى لا يقدر على الانتقام منه بعمل السيئات؛ لقوله: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾.
* ويستفاد منها أيضًا: تهديد عامل السيئات بأخذ الله لهم وأنهم لن يعجزوا الله.
* ويستفاد من هذا: تحريم ظن السوء بالله؛ لقوله: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾، فإن من ظن أن الله عاجز عن إدراكه..
(...) ثم قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت ٥].
* من فوائد هذه الآية: تطْمِينُ أولئك الذين يرجون لقاءَ الله بأنَّ ما رَجَوْه فسيأتي.
* ثانيًا، من فوائدها: إثبات الجزاء.
* وثالثًا: إثبات يوم القيامة؛ لقوله: ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات اسْمَي ﴿السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ لله.
* ومن فوائدها: إثبات ما تضمَّناه من صفةٍ؛ فالأوَّل تضَمَّن صفة السمْع، والثاني تضمَّن صفة العِلم.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت ٦] .
* من فوائد هذه الآية: أنَّ الإنسان لا بد أن يَحْصُل له مَشَقَّةٌ في القيام بما يجب عليه؛ لأنَّ الجهاد معناه بذْلُ الجهد لإدراك أمْرٍ شاقٍّ.
* ومن فوائدها: أنَّ مَن جاهَدَ في العمل الصالح فإنَّ جهاده لنفسه لا ينتفع الله به.
* ومن فوائدها: إثبات غِنَى اللهِ سبحانه وتعالى عن خلْقِه؛ لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
* ومن فوائدها: أنَّ مَن لم يُجاهِد فإنَّ ضرره على نفسه؛ لأنَّه إذا كانت منفعةُ الجهاد لك فمضرَّةُ ترْكِهِ عليك.
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت ٧] .
* من فوائد الآية هذه: فضيلة الإيمان والعمل الصالح.
* ومن فوائدها: أنه تُكَفَّرُ به السيئات، والمراد بالسيئات الصغائر ولَّا لا؟ الصغائر؛ لقوله ﷺ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ»[[أخرجه مسلم (٢٣٣ / ١٦) من حديث أبي هريرة.]].
* طالب: (...).
* الشيخ: ما تُكَفَّر عنه بعمل الصالحاتِ، فلا بُدَّ فيها من توبة.
* ومنها: أنَّ جزاءَ الله تعالى أفضلُ مِن عَمَلِ المؤمن وأحسنُ؛ لقوله: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
* ومن فوائدها: أنَّه لا بُدَّ في العمل من أنْ يكون صالحًا، والصالح ما جمع شرطينِ: الإخلاصَ لله عز وجل، والمتابعةَ للرسول ﷺ؛ فإذا لم يكنْ مُخْلَصًا فهو فاسدٌ، وإذا لم يكنْ على وَفْقِ الشريعة فهو أيضًا فاسدٌ؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٨) واللفظ له، من حديث عائشة.]].
* طالب: (...).
* الشيخ: التصديق مِن الإيمان.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) الإخلاص والمتابعة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: التصديق؟ ما يمكن إخلاص إلا بالتصديق، وما يمكن متابعة إلا بالتصديق، الإيمان سابق على..
* الطالب: (...).
* الشيخ: أنَّ الإيمان بمعنى التصديق؟
* طالب: (...).
* الشيخ: القَبول لا بُدَّ مِن الإيمان، الإيمان شرطٌ في القَبول؛ أيُّ إنسانٍ غير مؤمنٍ ما يُقْبَل منه عَمَلٌ، لا بُدَّ من التصديق السابق على العمل الصالح، ثم الإخلاص؛ ما يكون إخلاصٌ إلا بالتصديق، كيف تُخْلِص لِمَن لا تُصَدِّقُ به؟! أو كيف تَتَّبِع من لا تُصَدِّق به؟! فالإخلاص والمتابعة متضمِّنانِ للتصديق.
* طالب: (...).
* الشيخ: المعروف عند أهل العلم شرطان، ولا يوجد شرطٌ ثالثٌ، شرطان فقط.
* * *
قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [العنكبوت ٨] الوصِيَّة معناها العهدُ بالشَّيءِ المهِمِّ؛ فمعنى وصَّيْناه أي: عهِدْنا إليه بأمرٍ مُهِمٍّ ليقوم به.
وقوله: ﴿بِوَالِدَيْهِ﴾ أي: أُمِّه وأبيه.
وقوله: ﴿حُسْنًا﴾ مفعولٌ لـ﴿وَصَّيْنَا﴾، أو منصوبٌ بنزع الخافض؛ أي: عَهِدْنا إليه بِحُسنٍ؛ أي بإحسانٍ إليهما، ولا حاجةَ إلى ما قاله المؤلِّف رحمه الله: (أي: إيصاءً ذا حُسْنٍ بأنْ يَبَرَّهما). بلْ إنَّ الموصَى به ما هو؟ نفس الْحُسْنِ، وليس الْحُسْنُ هنا وصْفًا للإيصاء، بلْ هو وَصْفٌ للمُوصَى به. المؤلِّف يريد مِن تقديره أن يكون الْحُسْن وصْفًا لإيصاء الله، والصواب أنه وَصْفٌ لأيِّ شيء؟ للموصَى به؛ أي: وصَّيْناه بأمْرٍ ذي إحسان؛ كما قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ [الأحقاف ١٥].
وقول المؤلِّف: (بأنْ يَبَرَّهما) ما هو البِرُّ؟
البِرُّ هو الإحسانُ (...) يُحْسِنُ إليهما بالقول وبالفعل وبالمال، والمالُ في الحقيقة من الفعل، فيُحسِن إليهما بالقول لقوله تعالى: ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء ٢٣]، وبالفِعْل: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَة﴾ [الإسراء ٢٤]، وبالمال: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ﴾ [الإسراء ٢٦]؛ فمثلًا إذا كان الإنسان يُحْسِن على والديه بالمال ولا (...) عليهما (...) أبدًا، قد أَغْرقَهما إغراقًا بالمال، لكنَّه مُجْنِفٌ عنهما مِن قِبَل الكلام، شَكِسٌ عليهما، عَبُوسٌ في وجههما، هل يكون قد قام بالبِرِّ؟ لا، كذلك لو كان ضَحُوكًا إليهما وليِّنًا معهما بالقول مُغْدِقًا لهما بالمال، لكنْ لا يخدِمُهما بنفسِه إذا دَعَتِ الحاجة إلى ذلك؛ فإنَّه ليس بِبَارٍّ؛ فالبِرُّ لا بُدَّ أنْ يكون بالقول والفعل والمال.
قال: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ [العنكبوت ٨].
﴿إِنْ جَاهَدَاكَ﴾ أي: بَذَلا جُهْدَهما، وتعرفون أنَّ الجهاد معناه: الإلزام والإرغام والإحراج.
﴿جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي﴾ يعني أمَرَاك بالشِّرك وبَذَلا الجهد في ذلك بالتلْزِيم عليك والإحراج؛ تارةً بمدح الشِّرك، وتارةً بذَمِّ التوحيد، وتارةً بالإلزام والإرغام، وتارةً بالتَّوَعُّد بالقطيعة، إذا جاهدَاك على هذا يقول الله تعالى: ﴿فَلا تُطِعْهُمَا﴾. لِماذا؟ لأنَّ حقَّ الخالق مُقَدَّمٌ على حقِّ المخلوق، والإشراك بالله ظُلْمٌ في حقِّ الخالق كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان ١٣]، فلا يجوز أن تُفَرِّطَ في حقِّ الله من أجْلِ حقِّ هؤلاء.
وقوله: ﴿جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي﴾ هو مثل قوله: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي﴾ [لقمان ١٥].
وقوله: ﴿لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ﴾ (أي: بِإشْراكِهِ) ﴿عِلْمٌ﴾ يقول المؤلِّف: (موافَقةٌ للواقع، فلا مفهوم له).
لاحظ الآية ﴿لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ هلْ يقول قائل: فإنْ جاهَدَاك على أنْ تُشرِك بي ما لك به عِلْم فأطِعْهُما؟
لو أخذْنا بظاهر الآية لقُلنا: إنَّها تدُلُّ على أنَّ الإشراك بالله ينقسم إلى قِسْمين: إشراك ليس به عِلم، وإشراك به عِلم؛ فالإشراك الذي به عِلم يجوز، والإشراك الذي ليس به عِلم لا يجوز.
قلنا: ليس الأمر كذلك، ولكنَّ هذا بيانٌ للواقع أنَّ كلَّ شِرك بالله فإنه لا عِلمَ به عند الإنسان؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ [الأعراف ٣٣]، ومعلومٌ أنَّ الله تعالى ما جَعَل شِركًا فيه سلطانٌ، كُلُّ الشرك ليس فيه سلطانٌ، بلْ إنَّ الشرك قد قامَ السلطانُ والعلمُ الصحيح على أنَّه باطلٌ ولَّا لا؟ على أنَّه باطلٌ، فصار معنى قوله: ﴿مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ معناه أنَّه موافقٌ للواقع، فيكون كالتعليل لتحريم الشِّرك؛ كأنَّه يقول: على أنْ تُشرك بي والحالُ أنَّ الشِّرك ليس لك به عِلم؛ فإنَّ الشِّرك قطْعًا لا يُمْكن أن يقومَ الدليلُ على وجوده، بلْ إنَّ الدليلَ الصحيحَ على انتفائه؛ فإنَّ الله تعالى لا شريك له.
(﴿فَلا تُطِعْهُمَا﴾ في الإشراك). لو قال الوالدُ والوالدةُ مثلًا: إذا لم تُشرك فإنَّنا نُقاطِعك ولا نكلِّمك ولا نأتي إلى بيتك. ما تقول في هذا؟
* الطلبة: ما يُطاعون.
* الشيخ: ما يُطاعون مَهْمَا كان الأمر؛ لأنَّ هذا هو معنى قوله: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ﴾.
﴿فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ معناه: ولا تظُنّ أنك بمعصيتك لهما يَلحَقُك إثمٌ في هذا؛ فإنَّ مَرجعكم إليَّ، متى؟ يومَ القيامة.
﴿فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ والمراد بالإنباء هنا لازمُهُ، وهو المعاقَبة والمؤاخَذة؛ فأنت بقِيتَ على التوحيد فتُجازَى جزاءَ الموحِّدِ، وهما بَقِيَا على الشرك فيُجازَيانِ جزاءَ المشرك، بل أَبْلَغ مِن ذلك يُجازَيانِ جزاءَ المشرك الداعي إلى الشِّرك؛ يعني هما ما جاهَدَاهُ على الإشراك إلا وهما مُقِيمانِ عليه ومُصِرَّانِ عليه، فيكون عليهما عقوبتانِ: إحداهما عقوبةٌ على إشراكهما، والثانية عقوبة على دعْوتهما إلى الشرك، بلْ ليس دعوة فقط؛ مجاهدةٌ للولد على أن يُشرك.
﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ يعني: أنت وهُما.
﴿فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أُخْبركم، والمراد بالإخبار لازِمُهُ، ولهذا قال المؤلِّف: (فأُجازيكم به).
* * *
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾ [العنكبوت ٩] بَيَّن الله فيما سبق أنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات يُكَفِّر الله عنهم سيِّئاتهم ويجزيهم أحسنَ الذي كانوا يعملون، هُنَا جزاءٌ آخرُ وهو أنَّه يُدخِلهم في الصالحين، واللام في قوله: ﴿لَنُدْخِلَنَّهُمْ﴾ موطِّئةٌ للقَسَم، والنون للتوكيد، فالجملة مؤكَّدة بثلاثة مؤكِّدات.
وقوله: ﴿لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾ أليسوا هم صالحين؟
الجواب: بلى هُم صالحون ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، لكن المراد بالصالحين: الذين سبقوهم ودَلُّوهم إلى الخير، وهُم الأنبياء، والأنبياء بلا شَكٍّ من الصالحين؛ كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقابِلون النبيَّ ﷺ في المعراج ويقولون:« «مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ والنَّبِيِّ الصَّالِحِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٨٨٧) ومسلم (١٦٤ / ٢٦٤) من حديث مالك بن صعصعة.]]. فوصفوه بالصلاح، وكذلك أيضًا في سورة الأنبياء قال: ﴿كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الأنبياء ٨٥، ٨٦]، ولا شكَّ أن أَخَصَّ الناس بوصْفِ الصلاح هم الأنبياء؛ لأنهم صالحون مُصلِحون عليهم الصلاة والسلام.
قال المؤلِّف رحمه الله: (﴿فِي الصَّالِحِينَ﴾ الأنبياء والأولياء، بِأنْ نحشرهم معهم). قوله: (والأولياء) فيه نظرٌ؛ لأنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الأولياء؛ قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة ٢٥٧]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس ٦٢]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ إلى آخره [المائدة: ٥٥]، لكنْ لنُدخِلنَّهم في الأنبياء؛ لأنَّ مرتبة الأنبياء أعلى من مرتبة الأولياء.
* طالب: الآية يا شيخ قال الله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ﴾..
* الشيخ: ﴿وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ [النساء ٦٩].
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: (...) لأنَّ هؤلاء هُم أَوْلى، ولا ذَكَر اللهُ في هذه الآية أربعةَ أصنافٍ، ما ذَكَر إلَّا صِنفًا واحدًا فقط (...) الصالحين؛ الأنبياء، والأصناف -صحيح- أربعةٌ؛ الذين أَنْعَمَ الله عليهم: النبيُّون ويدخل فيهم الرُّسُل، والصِّدِّيقون، والشهداء، والصالحون، الصالحون هذه عامَّة لعموم المؤمنين، لكن اعلمْ أنَّ كُلَّ صالِحٍ فهو وَلِيٌّ.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، لأنَّ الولاية أَعَمُّ، حتى الأنبياء من الأولياء بالمعنى العام.
* طالب: (...).
* الشيخ: الحالُ أنَّه يقول المؤلِّف: إنهم يحشرون معهم؛ يعني أنهم يومَ القيامة يُحشَرون مع الأنبياء، ما هو معناه أنهم يَلْحَقون بدرجتهم؛ فالأنبياء أعلى منهم؛ كما قال الله ﴿فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ﴾ [النساء ٦٩] والنبي عليه الصلاة والسلام معه اللواء يُحشَر في زُمْرته كُلُّ مَن آمن به.
* * *
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [العنكبوت ١٠] ﴿مِن﴾ هذه للتبعيض، وهي خَبَرٌ مقدَّم، و﴿مَن﴾ مبتدأ مؤخَّر ﴿مَنْ يَقُولُ﴾.
وقوله: ﴿مَنْ يَقُولُ آمَنَّا﴾ معناه أنَّه يقوله بلسانه، ولكنَّه لم يرسخ الإيمان في قلْبه، ولهذا ﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾، فهو يقول بلسانه: آمَنَّا بالله، ﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ﴾ أي: لَحِقَتْه أَذِيَّةٌ ﴿فِي اللَّهِ﴾ أي: في دِين الله في الدين الذي كان يعتنقه، ويحتمل أن تكون ﴿فِي﴾ للسببية؛ أي: بسبب الله؛ أي: بسبب قيامه بِدِينِ الله، والمعنى واحدٌ سواء قلنا للظرفية أو للسببية.
﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ﴾ هذا شَرْطٌ، الجواب: (﴿جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ﴾ أي: أذاهم له ﴿كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ في الخوف منه فيُطِيعهم فينافق). يجعل فتنةَ الناس؛ يعني: إيذاءَهم له؛ لأنَّ إيذاء المؤمن مِن غيرِه فتنةٌ يُخْتَبَر به المرءُ؛ فإنَّ بعض الناس-نسأل الله العافية- إذا أُوذِيَ في الله ما يصبر، بعض الناس إذا كان مؤمنًا وحَصَل له أَذِيَّةٌ ما صبر وارتَدَّ، وبعض الناس -الذي في إيمانه قوَّة- لو أُوذِيَ يصبر ويزدادُ قوَّة في إيمانه، لكن هذا الذي قال: آمنَّا بالله، ما عنده إيمانٌ في القلب راسِخ؛ ﴿إِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ في الخوف منه، فيجعل هذا عذابًا، ماذا يكون له؟ يرتدُّ بسبب هذا الإيذاء ويقول: هذه عقوبة، فأنا أرجع عمَّا أنا عليه، وحينئذٍ يُنافِق، ولكنَّه مع هذا يدَّعِي أنَّه مؤمن، متى يدَّعي أنه مؤمن؟
﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ لاحِظ أنَّه ﴿وَلَئِنْ جَاءَ﴾ يقول المؤلِّف: إنها لام القَسَم و(إنْ) ويش هي (إن)؟ شرطية، و﴿جَاءَ﴾ فِعْل الشرط، وجملة ﴿لَيَقُولُنَّ﴾ جواب؟
* طالب: جواب الشرط.
* الشيخ: لا، ما هي جوابه، جوابُ القَسَم، ولهذا أُجيبتْ باللام؛ ﴿لَيَقُولُنَّ﴾، فإذا اجتمع قَسَمٌ وشرْطٌ فابن مالك يقول:
؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَــــــوَابَ مَــــــا أَخَّــــرْتَ فَهْـــوَمُلْتَـــــــــزَمْ
وهُنا الذي أُخِّرَ الشرطُ ولَّا القَسَم؟ الشرطُ، فحُذِف جوابُه لدلالة جواب القَسَم عليه.
(﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ﴾ للمؤمنين ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ فَغَنِمُوا) ﴿لَيَقُولُنَّ﴾ هذه جماعة ولَّا واحد؟
* الطلبة: جماعة.
* الشيخ: ﴿لَيَقُولُنَّ﴾ جماعة، فعاد الضمير على ﴿مَنْ﴾ في قوله تعالى: ﴿مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ باعتبار المعنى، وعاد إليه بالأول -﴿مَنْ يَقُولُ﴾ ولم يَقُلْ: مَن يقُولون- باعتبار اللفظ، وقد مَرَّتْ علينا هذه القاعدة غيرَ مرَّةٍ وقُلنا: إنه إذا جاء اسم الموصول أو اسم الشرط العامُّ للواحد والجماعة فإنَّه يجوز في ضميره أنْ يكون مجموعًا وأنْ يكون مفردًا، فإن رُوعِيَ اللفظ صارَ مفردًا، وإنْ رُوعِيَ المعنى صار بحسَب ما يُرادُ به في المعنى، وسواء كان ذلك في أسماء الشرط أو في الأسماء الموصولة. اللِّي عندنا الآن في الاسم الموصول.
في أسماء الشرط قال الله تعالى في سورة الطلاق: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار﴾ هذا راعَى اللفظَ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ راعَى المعنى ﴿أبدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ﴾ [الطلاق ١١] راعَى اللفظَ؛ ففي هذه الآية مراعاةُ اللفظِ ثم مراعاةُ المعنى ثم مراعاةُ اللفظِ مرةً ثانيةً.
قال: (﴿لَيَقُولُنَّ﴾ حُذِفَتْ منه نونُ الرفعِ لتوالي النوناتِ، والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين) وبَقِيَتْ الضمَّة -﴿لَيَقُولُنَّ﴾ - دالَّةً على الواو المحذوفة.
(﴿إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ في الإيمان، فأشرِكونا في الغنيمة). أعوذ بالله، هؤلاء إذا أُوذُوا في الله ارتَدُّوا على أدبارهم ووافقوا مَن آذاهم، ولكنَّهم إذا أصاب المؤمنين نصرٌ قالوا: إنَّا كُنَّا معكم؛ يعني فنريد أن يَحْصُل لنا ما حَصَل لكم من الغنيمة. قال الله تعالى ردًّا عليهم: ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ ويش الجواب؟ بلى.
وقوله: ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ﴾ قال المؤلِّف: (أي: بعالِمٍ). وسبق لنا أنَّ قوله هذا لا يُعتبَر تفسيرًا، ولكنَّه تحريف؛ لأنَّ (أعلم) أَبْلَغ من (عالِم)، فكيف يرُدُّها إلى (عالِم) وهو أنقص!
وقوله: ﴿بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ المراد بما في صدورهم أي: قلوبهم؛ يعني: أَعْلم بقلوب الناس؛ لأنَّ القلب محلُّه الصَّدْر، والقلب مَحَلُّ الإرادة، وفي هذا إن شاء الله دليلٌ على أنَّ مَحَلَّ التصديق والتكذيب هو القلب.
وقوله: (بما في قلوبهم من الإيمان والنفاق) الجواب: (بلى).
وعلى هذا فنقول لهذا الذي قال: إني معكم؛ نقول: لسْتَ معهم في الحقيقة؛ وذلك لأنَّك كافرٌ بالله عز وجل حينما ارتدَدْتَ لَمَّا أوذِيتَ.
* * *
﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ [العنكبوت ١١] ﴿لَيَعْلَمَنَّ اللَّه﴾ في المستقبل ولَّا في الماضي؟ في المستقبل؛ لأنَّ المضارع إذا دخلتْ عليه نون التوكيد جعلَتْهُ للمستقبل، والجملة هذه مؤكَّدة بثلاثة مؤكِّدات؛ وهي القَسَم واللام ونون التوكيد، والمراد بالعِلم هنا الذي أكَّده الله وجعله مستقبلًا، أيش المراد بالعلم ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ﴾؟
* طالب: عِلم المشاهدة.
* الشيخ: إي نعم، علم المشاهدة والْمُجازاة؛ لأنَّ الله تعالى عالِمٌ بالمنافق وبالمؤمن من قبْلِ هذا، لكن عِلمه السابق عِلمٌ بأنَّ هذا سيقع، وعِلمه اللاحِق عِلمٌ بأنَّه واقع، وثانيًا: عِلمُه السابق لا يترتَّب عليه الْمُجازاة؛ إذْ لا مُجازاة إلا بعد الاختبار، وعِلمه اللاحِق يترتَّب عليه الْمُجازاة، إذَنْ فكُلَّما رأينا أنَّ الله تعالى عبَّر في القرآن عن عِلْمه بالمستقبل فإننا نَحمِلُه على أيش؟ على عِلْم المشاهدة والمجازاة وليس على العلم السابق في الأَزَل؛ لأنَّ العِلْم السابق في الأَزَل هذا ثابِتٌ قبْل أنْ يُخْلَقَ الناسُ فضلًا عن كونه قبْل أن يعملوا، ولكنَّ العلم الذي يترتَّب عليه الْمُجازاة والمشاهدة ما كان بعد ذلك ووقع.
(﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بقلوبهم). قال المؤلِّف: (بقلوبهم) يعني: لا بألْسنتهم، والذي سبَقَ ذكره ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ هذا إيمانٌ باللسان، ولكنَّ هذا الإيمان باللسان لا ينفعهم عند الله، صحيحٌ أنه ينفع في الدنيا، ولهذا لم يَقتُل النبيُّ ﷺ المنافقين مع عِلمه بهم، لكنَّه امتنع من ذلك لأنَّ ظاهِرهم الإسلام، ولو أنَّه قتلهم لكان في ذلك وسيلة إلى أن يُقتل المسلمُ بِحُجَّة أنه منافق، مع أنَّ قلْبه لا يعلمه إلَّا الله، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٩٠٥) ومسلم (٢٥٨٤ / ٦٣) من حديث جابر بن عبد الله. ]]. والحمد لله أنَّ هذا مقتضى الشرع؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لكان كلُّ واحدٍ من الوُلاةِ الظَّلَمةِ في عصرنا هذا يرى شخصًا متديِّنًا يقول: إنه مُنافِق ومُراءٍ وهو كافرٌ في الباطن. ثم يقتله، ولكن مِن نعمة الله سبحانه وتعالى أنَّ الشرع جَعَل الحكْم في هذه الدنيا على الظواهر، أمَّا في الآخرة فعلى السرائر.
﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ (فيُجازِي الفريقين). المؤمن يُجازيه جزاءَ المؤمنِ، والمنافق يُجازيه جزاءَ المنافق، وجزاءُ المنافق أنَّه في الدَّركِ الأسفلِ من النار والعياذ بالله؛ ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ [النساء ١٤٥].
قال: (واللام في الفِعْلينِ لام قَسَمٍ). أين الفعلان؟ ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ ﴿لَيَعْلَمَنَّ﴾، ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ الثانية، فهي لامُ قَسَمٍ، فالجملة على هذا مؤكَّدة بثلاثة مؤكِّداتٍ.
* طالب: معنى قوله تعالى: ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ (...)؟
* الشيخ: يحتمل هذا أو كعذاب الله الذي يعلمه الله، يعني جعلوه كأنَّه عذاب، وإنْ كانوا هم ما يُصدِّقون بهذا.
* * *
(...) * أولًا: وجوب الإحسان إلى الوالدَيْنِ في القول والفعل والمال.
* ثانيًا: إثبات رحمة الله سبحانه وتعالى؛ حيثُ وصَّى الإنسانَ بوالديه.
* ثالثًا: أنَّ للوالدَيْنِ حقًّا وإنْ كانا كافرَيْنِ، من أين نأخذه؟
* طالب: ﴿جَاهَدَاكَ﴾.
* الشيخ: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾، فهُمَا مشركانِ ويجاهدانِ أيضًا بأن يُشرِك، ومع ذلك أوجَبَ اللهُ لهما الإحسانَ.
* ومن فوائدها: أنَّه لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق؛ لقوله: ﴿فَلَا تُطِعْهُمَا﴾.
* ومن فوائد الآية: وجوب طاعتهما في غير المعصية؛ لأنَّه إنما نهى عن طاعتهما في المعصية.
وهنا انتبهوا يا جماعة؛ لأنَّ هذه قد تحتاج إلى مناقشة؛ يُقال نُهِيَ المرءُ عن طاعة الوالدَينِ في الشِّرك وسُكِتَ عن طاعتهما في غير الشِّرك.
خلُّونا نجعلها المعصية أعمّ؛ نُهِيَ عن طاعتهما في المعصية وسُكِتَ عن طاعتهما في غير المعصية، أو لا؟ المنهي عنه (...) يا جماعة، المنهي عنه طاعتهما في المعصية، طاعتهما في غير المعصية مسكوتٌ عنها؛ نشوف:
طاعتهما في الواجب واجبة؛ لأنَّ الله أوجبها؛ مثل إذا قال والدك لك: قم صَلِّ مع الجماعة. وجَبَ عليك أن تصلي.
طاعتهما فيما ليس فيه طاعةٌ ولا معصيةٌ هلْ تدُلّ الآيةُ على الوجوب أو ما تدلُّ على الوجوب؟
ما تدلُّ على الوجوب، ولكن إنْ كان في طاعتهما إحسانٌ إليهما فإنَّ الآية تدُلُّ على الوجوب؛ لقوله: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾، فإنْ لم يكنْ في طاعتهما إحسانٌ إليهما فالآية لا تدُلُّ على الوجوب، ولهذا قال شيخ الإسلام: إنَّ طاعة الوالدَيْنِ إنَّما تجب فيما لهما فيه منفعةٌ وليس عليه فيه مَضَرَّةٌ. الآية تدُلُّ على ما قاله الشيخ؛ لأنَّ الله نهى عن طاعتهما في المعصية وسكتَ عن طاعتهما في غير المعصية.
نشوف؛ طاعتهما في غير معصيةٍ إنْ كانتْ تتضمَّن الإحسانَ إليهما فهي واجبة؛ لقوله: ﴿وبالوالدين إحسانًا﴾، فإذا أمَرَك أبوك مثلًا أن تذهب وتشتري من السوق حاجةً كان ذلك واجبًا عليك؛ لأنه من الإحسان إليه، فيجب عليك أن تفعل.
إذا أمَرَك أبوك ألَّا تُصاحِبَ فلانًا لأنَّه مستقيم، يجب عليك ولَّا ما يجب؟
* الطلبة: ما يجب.
* الشيخ: ما يجب؛ لأن في ذلك مَضَرَّة أو على الأقل عدم (...) لكن ليس فيه منفعةٌ له.
إذا قال: لا تُصاحِبْ فلانًا. لأنَّ فلانًا بينه وبينه عداوةٌ شخصيةٌ، وأنت ما لك منفعة من مصاحبته ولا عليك مَضَرَّة، تجب طاعته؟ نعم، تجب طاعته؛ لأنَّ مصاحبتك لعدوِّ أبيك هذا تغيظ أباك، فيكون في ذلك منفعة.
فالمهم الآن أننا نقول: القاعدة في هذا الأمر أنَّهما إذا أمَرَاك بمعصية تطيعهم ولَّا لا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: طيب، لو قال لك أبوك: لا تَحُجَّ هذا العام. وأنت قادِرٌ على الحج بمالك وبَدَنِك ولم تؤدِّ الفريضةَ، تطيعه ولَّا لا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ما تطيعه، يجب عليك وجوبًا أنْ تحجَّ ولو كان لا يرضى.
طالب : (...).
* الشيخ: إذا كان محتاجًا فهُنا يُنظَر؛ إذا كان ما فيه أحدٌ يقوم مقامَك وهو مُضطرٌّ إليك فارجع؛ لأنَّ الحجَّ يسقط عنك في هذا الحال.
إذا أمَرَك بألَّا تحُجَّ هذا العامَ حَجَّ نفْلٍ وهو ما له مصلحةٌ من هذا، بس يقول: يا ولدي الْحُجَّاج كثير (...). ما تجب الطاعة، لكن تجوز الطاعة؛ لأنَّها ما هي بفريضةٍ، وإذا قُلنا: تجوز ولا تجب، فحينئذٍ ينبغي للإنسان أن ينظر ماذا يترتَّب على سَفَره، قد يكون الوالد ما يستطيع أن يستقِرَّ وولدُه قد سافر إلى هذا الجمْع الكثير ويبقى قلِقًا مُدَّة غياب ولده، فهُنا ويش يترجح؟ الطاعة وعدم السفر، أمَّا إذا علِمْنا أنه لا يُبالِي ولكنه مثلًا من باب المشورةِ ولَّا ما هو متأثر، فحينئذٍ ما تجب طاعته في هذا الأمر، إلا أنَّه ينبغي مُداراته ما أَمْكن.
* طالب: إذا قال: طلِّقْ زوجتَك.
* الشيخ: إذا قال: طلِّقْ زوجتَك، ما يجب عليك أن تجيبه إلَّا إذا كان في ذلك مصلحةٌ شرعيَّةٌ؛ مثل أنْ يكون الأب اطَّلَع على أمْرٍ ما يتحمَّل أن تبقى زوجتك معك من أجْله.
* طالب: (...).
* الشيخ: بينه وبينها عداوةٌ شخصيَّةٌ، ما يجب عليك، لكنْ مثل هذا تستطيع تُدارِيه بنقْلها إلى مكانٍ آخر، تبعد عنه ويستريح هو وتستريح هي.
وأمَّا فِعْل ابن عمر مع أبيه فهذا أُورِدَ على الإمام أحمد لَمَّا سأله رجلٌ عن الرجل يأمر أو أنَّ أباه أمَرَه بأن يُطَلِّق زوجتَه، قال: لا تُطَلِّقْها. قال: أليس عُمَر أمَرَ ابنَ عُمَر أنْ يُطلِّق زوجتَه فأمَرَه النبي ﷺ بتطليقها؟! قال: بلى، حَصَلَ هذا، ولكنْ هل أبوك عُمَر؟
ويش قال؟ لا ولا أيوه؟ طبْعًا: لا، ليس هو عُمَر.
إذَنْ الآية الكريمة تدُلُّ على تحريم طاعتهما في المعصية، وسكتَتْ عن طاعتهما في غير المعصية، وعلى هذا فلا تجبُ طاعتُهما إلَّا إذا كان داخلًا في أوَّل الآية، ويش هو؟ إذا كان إحسانًا إليهما؛ إذا كان في ذلك إحسانٌ إليهما كانت واجبة بقوله: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، ما يجب عليه الإجابة (...).
* يُستفاد من هذه الآية: وجوب طاعتهما في غير معصية الله إنْ كان ذلك من الإحسان إليهما.
* من فوائد الآية: أنَّ حقَّ الله أَعظمُ من جميع الحقوق. وهلْ يدخُل في ذلك حقُّ نبِيِّه؟ نعم، يدخل فيه؛ فحقُّ النبي عليه الصلاة والسلام عليك أَعظمُ من حقِّ والِدَيْك.
* ومن فوائد الآية: أنَّ الإشراك بالله ما يُمْكن أن يقومَ عليه دليلٌ، بلْ الأدلَّة كلها على خِلافِه وبُطْلانه.
* ومنها: إثبات البعث والرجوع إلى الله؛ لقوله: ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية أيضًا: أنَّ الإنسان مجازًى بعَمَلِه؛ لقوله: ﴿فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
* ومنها: إثبات عِلْم الله. من أين نأخذه؟ ﴿فَأُنَبِّئُكُمْ﴾؛ لأنَّ الإنباء هو الإخبار، ولا يكون إخبارٌ إلا عن عِلْم.
ثم قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾.
* من فوائد الآية: فضيلة الإيمان والعمل الصالح.
* ومن فوائدها: أنَّه يُتوصَّل بهما إلى اللُّحُوق في الصالحين؛ لقوله: ﴿لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾.
* ومن فوائدها: أنَّ الإيمان وحده لا يَكْفي في اللُّحوقِ بالصالحين.
* ومنها: أنَّ العمل لا ينفع إلَّا إذا كان صالحًا، وهو ما جَمَع شَرْطَيِ الإخلاص لله والمتابعة للرسول ﷺ.
ثم قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾.
* من فوائدها: أنَّ الإيمان باللسان لا ينفع.
* ومنها: حِكْمةُ الله تعالى في ابتلاء المرْءِ بإيذاء الناس له بإيمانه.
* ومن فوائد الآية: أنَّ الابتلاء هو الْمَحَكُّ الذي يتبيَّن به الصادق مِن غيره، وإلَّا لكان كلُّ الناس يقول: أنا مؤمن.
* ومنها: أنَّ مَن لم يرسخ الإيمان في قلْبه رجَعَ عنه إذا أُوذِي فيه.
* ومنها: أنَّ المنافقينَ يَدَّعون مشاركة المؤمنينَ عند الرَّخاء ويُفارقونهم في الشدائد.
* طالب: عند الرخاء (...).
* الشيخ: عند الرخاء عام (...) مِن باب أَوْلَى، ويُفارقونهم عند الشدائد؛ إذا أُوذُوا في الله ارتدُّوا.
* ومن فوائد الآية أيضًا: أنَّ النصر من عند الله.
* ومنها: التحذير من النفاق؛ لقوله: ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾.* من فوائد الآية في قوله: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ﴾: أنَّ الحكمة من الامتحان إظهار المؤمن من المنافق.
* ومنها: إثباتُ النِّفاق؛ لقوله: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾.
* ومنها: أنَّ المنافقين ليسوا بمؤمنين، من أين نأخذه؟
جَعَل المنافقين قَسِيمًا للمؤمنين، وقَسِيمُ الشيء خلاف الشيء.
* ومنها: إثبات عِلم الله سبحانه وتعالى بما في القلوب.
* ومنها: أن الإيمان محلُّه القلب وليس الجوارح؛ إذ لو كان الجوارحَ لكان المنافقون مؤمنين، الإيمان محلُّه القلب.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن یَسۡبِقُونَاۚ سَاۤءَ مَا یَحۡكُمُونَ","مَن كَانَ یَرۡجُوا۟ لِقَاۤءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَـَٔاتࣲۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ","وَمَن جَـٰهَدَ فَإِنَّمَا یُجَـٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَحۡسَنَ ٱلَّذِی كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰلِدَیۡهِ حُسۡنࣰاۖ وَإِن جَـٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِی مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمࣱ فَلَا تُطِعۡهُمَاۤۚ إِلَیَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن یَسۡبِقُونَاۚ سَاۤءَ مَا یَحۡكُمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق