الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَيِّئاتِ أنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ ﴿مَن كانَ يَرْجُو لِقاءَ اللهِ فَإنَّ أجَلَ اللهِ لآتٍ وهو السَمِيعُ العَلِيمُ﴾ ﴿وَمَن جاهَدَ فَإنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عنهم سَيِّئاتِهِمْ ولَنَجْزِيَنَّهم أحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ﴾
"أمْ" مُعادِلَةٌ لِلْألِفِ في قَوْلِهِ: "أحَسِبَ"، وكَأنَّهُ عَزَّ وجَلَّ قَرَّرَ الفَرِيقَيْنِ، قَرَّرَ المُؤْمِنِينَ عَلى ظَنِّهِمْ أنَّهم لا يُفْتَنُونَ، وقَرَّرَ الكافِرِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَيِّئاتِ بِتَعْذِيبِ المُؤْمِنِينَ وغَيْرِ ذَلِكَ عَلى ظَنِّهِمْ أنَّهم يَسْبِقُونَ عِقابَ اللهِ تَعالى ويُعْجِزُونَهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَيِّئاتِ﴾ -وَإنْ كانَ الكَفّارُ المُرادَ الأوَّلَ بِحَسْبِ النازِلَةِ الَّتِي الكَلامُ فِيها- فَإنَّ لَفْظَ الآيَةِ يَعُمْ كُلَّ عاصٍ وعامِلِ سَيِّئَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ وغَيْرِهِمْ. وقَوْلُهُ: ﴿ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ "ما" بِمَعْنى الَّذِي، فَهي في مَوْضِعِ رَفْعٍ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى تَقْدِيرِ: ساءَ حُكْمًا يَحْكُمُونَهُ. وفي هَذِهِ الآيَةِ وعِيدٌ لِلْكَفَرَةِ، وتَأْنِيسٌ لِلْمُؤْمِنِينَ يَظْهَرُ في وعْدِهِ بِالنَصْرِ في القِيامَةِ، وبِأنَّهُ آتٍ؛ إذْ قَدْ أجَّلَهُ اللهُ تَعالى وأخْبَرَ بِهِ.
وفِي قَوْلِهِ: ﴿مَن كانَ يَرْجُو لِقاءَ اللهِ﴾ تَثْبِيتٌ، أيْ: مَن كانَ عَلى هَذا الحَقِّ فَلْيُوقِنْ بِأنَّهُ آتٍ ولْيَزْدَدْ بَصِيرَةً، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: "يَرْجُو" هُنا بِمَعْنى: يَخافُ، والصَحِيحُ أنَّ الرَجاءَ هُنا عَلى بابِهِ، وقالَ الزَجّاجُ: المَعْنى: لِقاءَ ثَوابِ اللهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهُوَ السَمِيعُ العَلِيمُ﴾ مَعْناهُ: لِأقْوالِ كُلِّ فُرْقَةٍ، العَلِيمُ بِالمُعْتَقَداتِ الَّتِي لَهم.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن جاهَدَ فَإنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ إعْلامٌ بِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مُجازى بِفِعْلِهِ الحَسَنِ، فَهو حَظُّهُ الَّذِي يَنْبَغِي ألّا يُفَرِّطَ فِيهِ، فَإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عن جِهادِهِ وعَنِ العالَمِينَ بِأسْرِهِمْ.
وهاتانِ الآيَتانِ كَأنَّهُما [.....] عَلى سَواءٍ إلى الطائِفَةِ المُرْتابَةِ المُتَرَدِّدَةِ في فِتْنَةِ (p-٦٢٦)الكَفّارِ، الَّتِي كانَتْ تُنْكِرُ أنْ يَنالَ الكُفّارُ المُؤْمِنِينَ بِمَكْرُوهٍ، وتَرْتابُ مِن أجْلِ ذَلِكَ، فَكَأنَّهم قِيلَ لَهُمْ: مَن كانَ يُؤْمِنُ بِالبَعْثِ فَإنَّ الأمْرَ حُقٌّ في نَفْسِهِ، واللهُ تَعالى بِالمِرْصادِ، أيْ: هَذِهِ بَصِيرَةٌ لا يَنْبَغِي أنْ يَعْتَقِدَها لِوَجْهِ أحَدٍ. وكَذَلِكَ مَن جاهَدَ فَثَمَرَةُ جِهادِهِ لَهُ، فَلا يَمُنُّ بِذَلِكَ عَلى أحَدٍ، وهَذا كَما يَقُولُ المُناظِرُ عِنْدَ سَوْقِ حُجَّتِهِ: مَن أرادَ أنْ يَنْظُرَ إلى الحَقِّ فَإنَّ الأمْرَ كَذا وكَذا، ونَحْوُ هَذا فَتَأمَّلْهُ.
وقِيلَ: مَعْنى الآيَةِ: ومَن جاهَدَ عَدُّوَّهُ لِنَفْسِهِ لا يُرِيدُ وجْهَ اللهِ، فَإنَّما جِهادُهُ لِنَفْسِهِ لا لِلَّهِ تَعالى، ولَيْسَ لِلَّهِ بِجِهادِهِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا قَوْلٌ ذَكَرَهُ المُفَسِّرُونَ، وهو قَوْلٌ ضَعِيفٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآيَةُ، إخْبارٌ عَنِ المُؤْمِنِينَ المُهاجِرِينَ الَّذِينَ هم في أعْلى رُتْبَةٍ مِنَ البِدارِ إلى اللهِ تَبارَكَ وتَعالى، أشادَ بِهِمْ عَزَّ وجَلَّ وبِحالِهِمْ لِيُقِيمَ بِهِمْ نُفُوسَ المُتَخَلِّفِينَ عَنِ الهِجْرَةِ، وهُمُ الَّذِينَ فَتَنَهُمُ الكُفّارُ إلى الحُصُولِ في هَذِهِ المَرْتَبَةِ، و"السَيِّئَةُ": الكُفْرُ وما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ، ويَدْخُلُ في ذَلِكَ المَعاصِي مِنَ المُؤْمِنِينَ مَعَ الأعْمالِ الصالِحَةِ واجْتِنابِ الكَبائِرِ، وفي قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهم أحْسَنَ﴾ حَذْفُ مُضافٍ تَقْدِيرُهُ: ثَوابَ أحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن یَسۡبِقُونَاۚ سَاۤءَ مَا یَحۡكُمُونَ","مَن كَانَ یَرۡجُوا۟ لِقَاۤءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَـَٔاتࣲۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ","وَمَن جَـٰهَدَ فَإِنَّمَا یُجَـٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَحۡسَنَ ٱلَّذِی كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"],"ayah":"أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن یَسۡبِقُونَاۚ سَاۤءَ مَا یَحۡكُمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق