الباحث القرآني
تظنها واقفة؛ وهي ﴿تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ [النمل ٨٨] نقول: من أجل عِظم هذه الأهوال وارتفاعها، الشيء إذا كان مرتفعًا ولو كان يجري بسرعة فإنه يُظن أنه واقف.
* الفائدة الثانية من هذه الآية؛ يُستفاد من ذلك: أن هذا الأمر الذي حصل لهذه الجبال هو من صنع الله عز وجل؛ لقوله: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل ٨٨]، فالذي جعلها جامدة في الدنيا راسية عظيمة ثقيلة، كانت في الآخرة ﴿تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾، وذلك صنع من صنع الله الذي لا يستطيع البشر أن يفعلوه.
* الفائدة الثالثة: جواز إضافة الصنع إلى الله ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾.
ولكن هل يؤخذ منه إثبات اسم الصانع لله أو لا؟ لا يؤخذ منه، ولكنه يُخبر به عن الله، فيقال: إن الله تعالى صانع كل شيء، على سبيل الخبرية، وأما إثبات اسم الصانع فلا.
على أنه يوجد في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام ابن القيم رحمه الله دائمًا كلمة (الصانع)، والظاهر أنهم أرادوا بهذا مخاطَبة الكلام بمثلما يتكلمون به، ولذلك يقولون مثلًا: إثبات الصانع يدل عليه كذا وكذا.
مع أننا نرى أن الأولى والأفضل ألا يثبت حتى بهذا اللفظ، بل يقال: إثبات الخالق دل عليه كذا وكذا، والخالق جاءت في القرآن، وهو أبلغ من الصانع.
إنما على كل حال، الإخبار عن الله بأنه صانع مضافًا إلى التعميم مثل: صانع كل شيء، هذا جائز لا بأس به، والناس يقولون في عباراتهم العامية: (صانع كل مصنوع)، هذا خبر صحيح، أما أن تجعله اسمًا من أسماء الله، فلا؛ لأنه يُفرّق بين الاسم وبين الخبر.
* طالب: صفة، يصفونه (...).
* الشيخ: كيف يصفونه؟
* الطالب: قال..
* الشيخ: يعني يقال: صنعة الله عليه مثلًا؟
* الطالب: لا، يقال: هو صانع.
* الشيخ: لا، هذا خبر.
* طالب: أيش الفرق بين الخبر والاسم؟
* الشيخ: الخبر ضد الاسم؛ يعني: الشيء إما أن يخبر به عن الله، أو يسمى به الله.
فالخبر عن الله يجوز أنك تخبر عن الله تعالى بكل ما ثبت له من فعل، مقيدًا إن كان مقيدًا، ومطلقًا إن كان مطلقًا، وأما الاسم فلا تسمِّ الله إلا بما سمى به نفسه؛ ولهذا يصح أن نقول عن الله سبحانه وتعالى: إنه مُدبّر الأمور، مُسخّر السماوات والأرض، مُذلِّل الإبل لراكبيها، وما أشبه ذلك، لكن كونك تسميه بهذا الاسم ما يصح.
* طالب: الأسماء توقيفية، لكن الصفة بالنسبة للخبر؟
* الشيخ: الصفة نعم، الصفة التي يصح إضافتها إلى الله تخبر بها عن الله، لا مانع، ضرورة أن المشتق دال على صفته، كل مشتق هو دال على صفته، ولا يمكن أن تقول عن شيء إنه مشتق، ثم تنفي الصفة التي اشتق منها.
* الفائدة الرابعة: أن هذا الأمر الذي يقع للجبال يوم القيامة أمر عظيم؛ وجه عظمته إضافته إلى الله حيث قال: ﴿صُنْعَ اللَّهِ﴾، وما أضيف إلى العظيم فهو عظيم، كما أن ما أُضيف إلى الحقير فهو حقير.
* الفائدة الخامسة: أن الله تعالى متقِن لكل شيء من الأفعال والأحكام؛ لقوله: ﴿الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾، مما صنع ولَّا مما صنع وشرع؟
مما صنع وشرع، وأما تقييد المؤلف بقوله: (صنعه) ففيه نظر، ولا يقال: إن السياق في الكلام على الصنع؛ لأننا نقول: الكلام على الصنع، لكنه جاء بعد ذلك تعميم، ما قال: أتقن كل ما صنع، قال: ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾، إذن فالله تعالى متقِن لكل ما صنع ولكل ما شرع.
* يستنتج من هذه الفائدة: إثبات الحكمة لله عز وجل؛ لأنه لا إتقان إلا بحكمة، فلا يمكن أن يتقن الشيء إلا بعلم من المتقِن كيف يتقن، والثاني: بحكمة بحيث يُنزل كل شيء منزلته، وإلا لفاته الإتقان، كيف يتقن الشيء من لا يعلم كيف يتقنه؟ ممكن هذا ولَّا لا؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: ليس بممكن، وكيف يتقنه وهو يعلم كيف يتقنه، لكنه سفيه لا يُحسن أن يتصرف.
أيضًا لا يصل للإتقان، فلا إتقان إلا بعلم وحكمة، فمن إتقان الله نستنتج هذه الفائدة وهي إثبات الحكمة والعلم له سبحانه وتعالى ضرورة أنه لا إتقان إلا بعلم وحكمة.
* الفائدة السادسة: قطع اعتراض كل معترض على ما يحدث في الكون من تدبيرات أو تشريعات، وجه ذلك أن الله أتقنه، والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم من عباده.
فأنت متى علمت هذا الشيء انقطع عنك كل اعتراض، سواء سمعته من غيرك أو أوردته على نفسك، والإنسان يعرض له أحيانًا شبهات؟ تجد واحد (...) الشيطان في قلبه: كيف كان كذا؟ لمَ كان كذا؟ وما أشبه ذلك.
نقول: متى آمنت بأن الله سبحانه وتعالى قد أتقن كل شيء، انقطع عنك هذا الاعتراض، وأمكنك أن تقطع به اعتراض غيرك أيضًا.
لو فرضنا أن المطر جاء في غير وقته وأفسد الثمار، إذا علمنا أن الله أتقن كل شيء، وأن هذا المطر من فعله ومن صنعه لا يمكننا أن نعترض ولَّا لا؟ لأنا نعلم أنه نتيجة إتقان مبني على علم وحكمة، تتقاصر علومنا وحكماتنا عن قدراته، وهذا أمر يفيد الإنسان في أشياء كثيرة:
في الشرع: أحيانًا تأتي أحكام يخفى على المرء وجه التفريق بينها، وهي ثابتة عن الشرع، ولكنك تقول: الله تعالى أتقن كل شيء.
ومن ثم أحدث العلماء أو الفقهاء، أحدثوا مسائل: سموها بالتعبديات؛ يعني هم ما أحدثوها في الحقيقة؛ هي مسائل ثابتة، لكنهم وضعوا لها هذا الاسم التعبّدي.
ومعنى التعبدي: ليس الذي ليس له حكمة؛ لأن ما من شيء إلا وله حكمة، ولكن معناه الذي تخفى حكمته علينا، وليس لنا فيه إلا التعبد؛ كعدد الركعات في الصلوات، وكونها خمسًا، وكذلك أشياء كثيرة في الطهارة، يخفى على المرء حكمتها، وكذلك في الحج، فالمهم أنا متى بنينا اعتقادنا على هذه المسألة؛ وهي أن الله أتقن كل شيء، زالت عنا شبهات كثيرة.
* الفائدة السابعة: كمال علم الله سبحانه وتعالى، وذلك بالخبرة، التي هي أخص من مطلق العلم؛ لأن الخبرة -كما سبق لنا- هي العلم ببواطن الأمور، مأخوذة من (الخبير)، وهو المزارع الذي يدفن الحبّة في الأرض فتخفى، فالخبرة: العلم ببواطن الأمور.
* الفائدة الثامنة: تحذير المرء أن يعمل ما يخالف حكم الله، منين يؤخذ؟ ﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾.
لو أن أباك قال لك: اذهب سوِّ ما تريد، أنا أعلم بما تفعل، ويش يقتضي هذا؟
يقتضي هذا التحذير، وأن تحذر من مخالفة أبيك، فكيف بالله عز وجل الذي هو خبير بكل ما نفعل؟
إذن فالجملة تفيد تحذير المرء من المخالفة، وأنك عندما تسوّل لك نفسك معصية لله عز وجل، فإنك تعرض عليها مثل هذه الآية، إن الله: ﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾، ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد ٤]، وأشباه ذلك من الأشياء التي يجب على المرء إذا هَمَّ بسيئة أن يستعرض هذه الآيات حتى تمنعه.
* الفائدة التاسعة: هو أن ما يتعلق بالهم المجرد فإنه لا يؤاخذ به العبد؛ لأن المقصود من قوله: ﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ التحذير من هذا الفعل المخالف، فإذا قُدّر أنه هم مجرد، فإنه ليس بفعل، فلا يؤاخذ عليه العبد، وهذه الفائدة بعيدة التصور، ولكنها دلّت عليها السنة، وأن مجرد الهم لا يؤاخذ به العبد حتى يفعل، إلا الهم بالحسنة فإنه يُكتب للمرء، ولكنه لا يدخل في الآية هنا؛ لأن الآية سِيقت للتحذير، والهم بالحسنة يُحذّر منه ولا يُرغب فيه؟
يرغب فيه؛ فالهم بالسيئة لا يُعاقب عليه العبد، والهم بالحسنة يُثاب عليه العبد، ما مقتضى العدل؟
مقتضى العدل أن يعاقب على السيئة، وأن يثاب على الحسنة، أو ألا يعاقب على السيئة، ولا يُثاب على الحسنة، ولكن رحمة الله تعالى اقتضت الفضل دون العدل، فصار الهم بالسيئة ليس فيه شيء، والهم بالحسنة فيه ثواب.
{"ayah":"وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةࣰ وَهِیَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ أَتۡقَنَ كُلَّ شَیۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِیرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق