الباحث القرآني

(وترى الجبال تحسبها) بفتح السين وكسرها (جامدة) الخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح للرؤية، والرؤية بصرية، وهذه هي العلامة الثالثة لقيام الساعة، والمعنى تظنها واقفة قائمة ساكنة مكانها قاله ابن عباس. (وهي تمر مر السحاب) أي: وهي تسير سيراً حثيثاً كسير السحاب التي تسيرها الرياح، وذلك أن كل شيء عظيم، وكل جسم كبير، وكل جمع كثير يقصر عنه البصر لكثرته وعظمه، وبعد ما بين أطرافه، فهو في حساب الناظر واقف وهو سائر، كذلك سير الجبال يوم القيامة لا يرى لعظمها، كما أن سير السحاب لا يرى لعظمه. وقال القتيبي: وذلك أن الجبال تجمع وتسير، وهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير. قال النسفي: وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد إذا تحركت أي: في سمت واحد، لا تكاد تبين حركتها، ونحوه قال البيضاوي. قال القشيري: وهذا يوم القيامة، ومثله قوله تعالى: وسيرت الجبال فكانت سراباً. وقال أبو السعود: هذا مما يقع بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق، يبدل الله الأرض غير الأرض، ويغير هيئتها، ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئة الهائلة، ليشاهدها أهل المحشر، وهي وإن اندكت وتصدعت عند النفخة الأولى لكن تسيرها إنما يكون بعد النفخة الثانية، كما نطق به قوله: فقل ينسفها ربي نسفاً الخ وقوله: يوم تبدل الأرض. وقد قيل: إن المراد بالنفخة هي النفخة الأولى، والفزع هو الذي يستتبع الموت، فيختص أثرها بمن كان حياً عند وقوعها دون من مات قبل ذلك من الأمم، والمراد بالإتيان داخرين رجوعهم إلى أمره تعالى، وانقيادهم له، ولا ريب في أن ذلك مما ينبغي أن تنزه ساحة التنزيل عن أمثاله وأبعد من هذا ما قيل: إن المراد بهذه النفخة نفخة الفزع التي تكون قبل نفخة الصعق فإنه مما لا ارتباط له بالمقام قطعاً، والحق الذي لا محيد عنه ما قدمناه، ومما هو نص في الباب، ما سيأتي من قوله تعالى: وهم من فزع يومئذ آمنون. (صنع الله الذي أتقن كل شيء) أي صنع الله ذلك صنعاً، وهو مصدر مؤكد لقوله: يوم ينفخ في الصور، وقيل: انظروا صنع الله الذي أحكم، يقال: رجل تقن بكسر التاء أي حاذق بالأشياء، والإتقان الإتيان بالشيء على أكمل حالاته، وهو مأخوذ من قولهم تقن أرضه إذا ساق إليها الماء الخاثر بالطين لتصلح للزراعة، وأرض تقنة والتقن فعل ذلك بها، والتقن أيضاً ما رمي به في الغدير من ذلك، أو الأرض، ذكره السمين قال ابن عباس: أتقن أي أحسن كل شيء صنعه وخلقه وأوثقه. (إنه خبير بما تفعلون) تعليل لما قبله من كونه سبحانه صنع ما صنع وأتقن كل شيء، والخبير المطلع على الظواهر والضمائر، قرئ بالفوقية على الخطاب، وبالتحتية على الخبر، قال المحلى: أي ما يفعلون أعداؤه من المعصية وأولياؤه من الطاعة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب