الباحث القرآني
بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾ إلى آخره [النمل: ١].
يقول: هذه (سورة النمل)، وسُمِّيَت به لذكر النمل فيها، وتسمية السور يكون بأدنى مناسبة، ولهذا البقرة سُميت سورة البقرة بذكر البقرة فيها، ولا يَمتنع أن تُسَمَّى سورة بعدة أسماء لعدة مناسبات.
وقوله: إنها (مكيّة)، الصواب في المكي والمدني أن الفرق بينهما ما نزل قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعدها فهو مدني.
وقيل: المكي ما نزل بمكة، والمدني ما نزل بالمدينة، وقيل: المكي ما فيه ذكر الأصول -أصول الإسلام أو الإيمان- والمدني ما فيه ذكر الفروع.
فعلى الأول يكون المعتبَر الزمن، وعلى الثاني المعتبَر المكان، وعلى الثالث المعتبَر الموضوع.
ولكن الذي عليه المحقِّقون أن ما كان بعد الهجرة فهو مدني، وما قبلها فهو مكي، وقد ذكروا في أصول التفسير لذلك ضوابط يُرجَع إليها.
أما البسملة فقد تقدم الكلام عليها عدة مرات، وبيَّنَّا أن أحسن ما تُقَدَّر به أن يكون فعلًا مناسبًا متأخِّرًا.
أن يكون فعلًا؛ لأنه الأصل في العوامل، متأخرًا؛ لفائدتين، هما: التبُّرك بتقديم اسم الله، والثاني: إفادة الحصر، يعني: باسم الله لا باسم غيره.
ومناسبًا؛ لأنه أخص من العام. وفعلًا، قلنا: لأنه الأصل في العوامل، وهو أيضًا أدل على الحدوث.
بسم الله الرحمن الرحيم، التقدير: بسم الله الرحمن الرحيم أقرأ، ويجوز أن تُقَدِّر: أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ويجوز أن تُقَدِّر: قراءتي بسم الله الرحمن الرحيم، أو: بسم الله الرحمن الرحيم قراءتي.
لكن ما ذكرنا أولًا هو الأرجح، وأشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى رجحانه في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «مَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٩٨٥)، ومسلم (١٩٦٠ / ١) عن جندب بن سفيان.]]، فذكرها فعلًا، ولم يقل: فليكن ذبحه، قال: «فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ».
لما قال: قال الله تعالى: (﴿طس﴾ الله أعلم بمراده بذلك).
هذا ما سلكه المؤلف وجماعة من أهل العلم؛ بأن هذه الحروف الهجائية الموجودة في أوائل بعض السور موقفنا منها أن نقول: الله أعلم بمراده بذلك.
وقد سبق في درس التفسير في الليل أن الراجح من ذلك أن هذه الحروف هجائية، وأنه بمقتضى كون القرآن بلسان عربي يقتضي أنه لا معنى لها، وذكرنا أن هذا قد رُوِيَ عن مجاهد، وأنها حروف هجائية ابتدأ الله بها، ليس لها معنى، وعلى هذا نجزم بأنه لا معنى لها؛ لأنه لا معنى لها، ولكن لها مغزى وهو أن هذا القرآن الذي أعجز هؤلاء الفصحاء البلغاء إنما هو من هذه الحروف الهجائية التي يكون منها كلامهم، يعني: ما أتى بحروف جديدة، مثلًا يقولون: والله هذه حروف ما نعرفها! أتى بنفس الحروف التي هم يتكلمون بها.
ويؤيد ذلك أنه ما من حروف هجائية إلا ويأتي بعدها ذكر القرآن، اللهم إلا في سورتين أو شبهها، على أن هاتين السورتين مثل: ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا﴾ [العنكبوت ١، ٢]، ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم ١، ٢] فيها ما يدل على القرآن، كالأخبار في قوله: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم ٢، ٣]، وهذا من خصائص الوحي.
و﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا﴾ [العنكبوت ٢] فيها أيضًا إخبار عمن مضى؛ ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ إلى آخره [العنكبوت: ٣].
وأما ما زعمه المتأخرون الخالِفون من أن هذه الحروف تدل على إعجاز من نوع العدد والحسبان، حيث زعموا أن هذه الحروف الهجائية يوجَد نظيرها في السورة المفتَتَحة بها، ويكون مجموع هذا منقسمًا على تسعة عشر، ويزعمون أن هذا أكبر آية بأن القرآن كلام الله، ويحتجون لذلك بأن أول آية نزلت -على زعمهم- هي بسم الله الرحمن الرحيم، وأنها مكوَّنة من تسعة عشر حرفًا، وأن هذا هو معنى قوله تعالى: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [المدثر ٣٠]، وأن هذا -تسعة عشر- هي هذه الحروف، كل هذا -والعياذ بالله- كذب ولا ينضبط، وهو متناقض أيضًا وغير مُطَّرِد، لكن هم فرحوا بهذا الكمبيوتر الذي أخرج لهم عدد الحروف، وأنها بمجموعها تنقسم.
ونحن نقول: لا يمتنع أن الله سبحانه وتعالى أراد هذا، لا يمتنع، ولكننا نقول: لا نجزم بأن الله أراد هذا، فهنا فرق بين الجزم بأن هذه آية في القرآن، وبين أن نقول: لا نقول هذا.
أولًا: لأنه ليس في ذلك إعجاز، والبشر قد يسمعون خطبة مثلًا أو كلامًا تتكون الحروف الموجودة فيه، وتنقسم على هذا العدد، أو على أي عدد شاء، وليس بمعجِز.
ثم إن البسملة ليست أول ما نزل من القرآن، أول ما نزل ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق ١]، ثم إن البسملة أيضًا حروفها ليست كما قالوا أنها تسعة عشر؛ لأن القرآن إنما نزل مقروءًا ولَّا مكتوبًا؟
* طلبة: مقروءًا.
* الشيخ: مقروءًا، وهي بحروفها باعتبار القراءة ليست كذلك، والكتابة كما تعلمون هي صناعة، ربما لو فرض أن الكتابة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعهد الخلفاء ليست على هذا الشكل، يمكن ولَّا ما يمكن؟ يمكن، الآن فيه بعض الكتابات في بعض اللغات يجعلون الحركة حرفًا، ويجعلون الحرف حرفين، أو يختصرون؛ يجعلون الحرفين حرفًا واحدًا، فالحاصل أن القرآن ما نزل مكتوبًا، وإنما نزل مقروءًا، ولا حجة في ذلك.
إذن: نقول: (الله أعلم بمراده بذلك) هذا أحد الأقوال في المسألة.
والقول الثاني: أنها رموز لأشياء معيَّنة، مثل ما ذهب إليه المتأخِّرون، أو مثل ما يذكر بعضهم أنها إشارة إلى حروب وملاحم تكون في آخر الزمان وما أشبهها.
والثالث: أن يقال: إنه ليس لها معنى، وإذا أورد علينا كيف نجزم بذلك؟
فالجواب: أن هذا القرآن نزل بلغة العرب، ولغة العرب لا تجعل لهذه الحروف معنى، لكنها إذا قلنا بأنه ليس لها معنى فإنما لها مغزًى يظهر -والله أعلم- أن الله أراد بها ذلك.
قال: (﴿طس تِلْكَ﴾ أي: هذه الآيات، ﴿آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾ : آيات منه، ﴿وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾ : مُظْهِر للحق من الباطل، عطف بزيادة صفة هو ﴿هُدًى﴾ أي: هاد من الضلالة).
﴿تلك آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾ المشار إليه سابق أو لاحق؟
* طالب: لاحق.
* الشيخ: المشار إليه لاحق وليس بسابق، وهذا مما تعود فيه الإشارة على متأخِّرٍ لفظًا ورتبة، وهو جائز إذا دل الدليل عليه.
وقوله: ﴿آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾ يقول: (آيات منه)، وإنما لجأ المؤلف إلى قوله: (آيات منه)؛ لأننا لو أخذنا بظاهر الآية ﴿آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾، لكان في ذلك حصر للقرآن في هذه الآيات، أليس كذلك؟ ﴿تلك آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾، يعني: هذا الذي يشير إليه، ومعلوم أن هذا ليس آيات القرآن كلها، ولكنه بعض منها.
ويجوز مثلًا أن نجعل الآية على ظاهرها، ولا حاجة إلى التأويل، ونقول: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾ يُشَار إلى بعض الجنس بإشارة الجنس كله، كما تقول مثلًا: هذا البشر، وتشير إلى رجل واحد، أو هذا الإنسان، وتشير إلى رجل واحد.
فالمعنى أن الإشارة إلى بعض الجنس بالجنس كله هذا سائغ، ولا يحتاج إلى تأويل كما قال المؤلف.
وقوله: ﴿وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾، يقول: (عطف بزيادة صفة هو ﴿هُدًى﴾ )، عطف ويش على إيه، ﴿وَكِتَابٍ﴾.
* طالب: على ﴿آيَاتُ﴾.
* الشيخ: على ﴿آيَاتُ﴾، كذا؟ يصح ولَّا ما يصح هذا القول؟
* طالب: يصح، آيات مو مكتوبة.
* طالب آخر: ﴿آيَاتُ﴾ مرفوعة، ﴿كِتَابٍ﴾ مجرور..
* الشيخ: إي، ﴿كِتَابٍ﴾ مجرور، إذن على ﴿الْقُرْآنِ﴾ ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾، وتلك آيات كتاب.
وإنما وصف هذا القرآن بالقرآن والكتاب؛ لأنه مقروء ومكتوب، فهو مكتوب في اللوح المحفوظ، وهو مقروء بالألسن، وهو مكتوب في المصاحف أيضًا، فكتابته سابقة ولاحقة، وقراءته لاحقة ولَّا سابقة؟
* طلبة: لاحقة.
* الشيخ: لاحقة؛ لأنها بعد أن تكلم الله به ونزل به جبريل، ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القيامة ١٧، ١٨]، والقرآن مشتق ولَّا مصدر؟
* طالب: مشتق.
* طالب آخر: مصدر.
* الشيخ: مصدر؛ لأنه مثل الغُفْران والشُّكْران، فهو مصدر (قرأ، يقرأ) بمعنى: تَلَا.
وقيل: إنه بمعنى جمع؛ لأن القاف والراء تدل على الجمع، ومنه القرية؛ لأنها مجتمع الناس.
وفي الحقيقة أن القرآن جامع للوصفين؛ فهو مَتْلُوٌّ، وهو مجموع أيضًا.
وأما قوله: ﴿كِتَابٍ﴾ فهي (فِعَال) بمعنى (مَفْعُول)، أي: مكتوب، و(فِعَال) بمعنى (مفعول) تأتي كثيرًا في اللغة العربية مثل بِنَاء بمعنى مَبْنِيّ، وغِرَاس بمعنى مَغْرُوس، وفِرَاش بمعنى مَفْرُوش، وأمثلتها كثيرة.
وسُمِّيَ كتابًا؛ لما أشرنا إليه قبل.
وقوله: ﴿مُبِينٍ﴾ أي: مُظْهِر للحق من الباطل، كلمة (مُبِين) فعلها؟
* طالب: أَبَانَ.
* الشيخ: أَبَانَ، و(أبان) يأتي لازمًا، ويأتي متعديًا، أي: يأتي بمعنى أَظْهَر، ويأتي بمعنى بَانَ.
ولهذا تجد المفسِّر أحيانًا يفسِّر (مُبِين) بمعنى (بَيِّن)، وعلى هذا التفسير تكون من اللازم ولَّا المتعدي؟
* طالب: من اللازم.
* الشيخ: من اللازم، ويفسِّرها أحيانًا بمعنى (مُظْهِر)، فتكون من المتعدي، ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران ١٦٤] أيش معنى مُبِين؟
* طالب: بَيِّن.
* الشيخ: أي: بَيِّن، لفي ضلال بَيِّن، فهي من (أَبَان) اللازم.
وأما مثل هذه الآية؛ أن القرآن مُبِين فهو بمعنى مُظْهِر، وهل يستلزم كونه مُظْهِرًا أن يكون هو بَيِّنًا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: نعم، يستلزم، أو نقول: إنه من باب استعمال المشترَك في معنيين، والصحيح جوازه، وقد مر علينا هذا، هل يجوز استعمال المشترَك في معنيين؟ والمشترَك أيضًا فاهمينه من قبل، وهو ما اتَّحد لفظه وتعدد معناه، هذا المشترَك، وسُمِّي بذلك؛ لأن المعاني مشتركة في لفظ واحد.
المشترَك الصحيح أنه يجوز استعماله في معنيين، بشرط أو بشرطين ذكرناهما قبل ليلتين، وأيش هي؟ أن لا يقع بينهما تعارض، وأن يكون محتمِلًا لهما، فإن كان لا يحتملهما ما يمكن يُحْمَل عليه، أو وقع بينهما تعارض ما يمكن، لا بد أن يكون أحدهم هو المقصود.
هنا مثلًا إذا قلنا: إن (مُبِين) من (أَبَان) اللازم، ومن (أبان) المتعدي، يجوز ولَّا ما يجوز؟ يجوز، وإن كان هذا مشترَكًا، لكنه إذا استُعْمِل في المعنيين فإنه مُسْتَعْمَل على وجه لا تعارض فيه، فالقرآن بَيِّن، والقرآن أيضًا مُظْهِر، وعلى هذا التقدير تكون دلالة (مُبِين) على أن القرآن بَيِّن دلالة مطابَقَة ولَّا دلالة التزام؟
* طالب: دلالة مطابَقَة.
* الشيخ: دلالة مطابَقَة، إذا جعلنا (مُبِين) مستَعْمَلة في المعنيين فالدلالة المطابَقَة، لكن لو قلنا: إن (مُبِين) بمعنى (مُظْهِر) فدلالته على كونه بَيِّنًا من باب دلالة الالتزام.
﴿وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾ بَيِّنٌ مُظْهِر للحق من الباطل، هل هو على عمومه، ولَّا خاص بما نزل به القرآن؟
يقول الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل ٨٩]، وهو عام في كل شيء، لكن البيان قد يكون بيانًا للشيء على وجه التفصيل، وقد يكون بيانًا لأسبابه وطرقه وأنت امشِ فيها.
فالقرآن في الحقيقة تبيانٌ لكل شيء، حتى في غير الأمور الشرعية يُبَيِّنها، لكن ما يُبَيِّن تفصيلها؛ لأن هذه غير الأمور الشرعية، خاضعة للزمن، والمكان، وأفهام الناس، وقُوَّتِهم، لكنه يذكر الأسباب والطرق، وأنت تستعملها في نفسك.
ولهذا إذا قال قائل: كيف يصح هذا القول منكم ونحن لا نرى في القرآن عدد ركعات الصلاة، ولا نرى فيها أنها خمس صلوات، ولا نرى أنصبة الزكاة، ولا مقادير (...) فيها، فما هو الجواب؟
* طالب: نقول: القرآن، يقول الله سبحانه وتعالى، كما قال ابن مسعود: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر ٧]، فالآية تشمل ما بَيَّنَه الرسول، ثم أيضًا قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ [النحل ٨٩]، ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ [آل عمران ٧]، ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل ٤٤] يعني..
* الشيخ: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾.
إذن يكون القرآن دالًّا على هذا ببيان سببه وطريقه، فعندنا الآن طريق العلم بهذا الشيء هو ما فَسَّرَه الرسول عليه الصلاة والسلام في السُّنَّة، وهذا بَيَّنَه القرآن، ولا يلزم أن يكون هذا القرآن لا بد أن يكتب كل التفاصيل، ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء ٨٠].
وابن مسعود الذي أشار إليه الأخ في قصة لَعْن النامصة والْمُتَنَمِّصة، حيث جاءت إليه امرأة فقالت: إنَّا لا نجد هذا في كتاب الله، فقال: بلى، هو في كتاب الله، ثم تلا عليها هذه الآية[[أخرجه أحمد (٣٩٤٥)، والطبراني في المعجم الكبير (٩٤٦٦) عن ابن مسعود.]].
الحاصل أن القرآن مُبَيِّن لكل شيء، لكن البيان قد يكون تفصيليًّا، وهذا في بعض الأمور موجود، كما في المواريث مثلًا، في الْمُطَلَّقَات، هذا تجده ما يَشِذّ عن هذا إلا مسائل قليلة جدًّا، ومع ذلك بيانها موجود عند التأمل، ولَّا لا؟
يعني تفصيل الفرائض تفصيلٌ ما شذ عنه شيء، ما شَذَّ إلا كان مسألة واحدة وهي الْجَدَّة، هذه ما هي مذكورة في القرآن، لكنها جاءت بها السنة، وأما ما عدا ذلك، حتى المسائل الخلافية كالْمُشَرَّكة مثلًا وكالعُمَرِيَّتَيْن نجد أنها موجودة في القرآن، وكالجد والإخوة نجد أنه موجود بيانها في القرآن، لكنه يحتاج إلى تأمل.
قال الله تعالى: (﴿وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾ مُظْهِر للحق من الباطل، عطف بزيادة صفةٍ هو ﴿هُدًى﴾ ).
بزيادة صفة، وين الصفة؟
* طالب: ﴿مُبِينٍ﴾.
* الشيخ: ﴿مُبِينٍ﴾.
ثم قال: (هو ﴿هُدًى﴾ )، قَدَّر المؤلِّف (هو)؛ ليبين لنا إعراب (هدى)، فعلى تقديره يكون (هدى) خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو (﴿هُدًى﴾ أي: هاد من الضلالة).
ومعلوم أن (هدى) مصدر، وأن (هادٍ) اسم فاعل، فيكون المؤلف هنا فَسَّر المصدر باسم الفاعل، وفي تفسيره نظر؛ لأن الأَوْلى أن يُجْعَل المصدر على بابه؛ لسببين:
السبب الأول: أن تحويل اسم الفاعل إلى المصدر أبلغ، فإنك إذا قلت: فلان عدْل، وفلان عادِل، أيهم أبلغ؟
* الطلبة: عَدْل.
* الشيخ: عَدْل أبلغ، يعني كأنه مصدر العَدْل، لكن (عادل) مُتَّصِف بالعدل الموجود في غيره، لا شك أن المصدر أبلغ.
السبب الثاني في هذه الآية: أنَّ جَعْله هُدًى، معناه أن القرآن نفسه هدى يهتدي به الإنسان، فهو كالعلم الذي يسير الإنسان وراءه حتى يصل إلى غايته، مثل ما سَمَّاهُ الله تعالى نورًا، ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء ١٧٤].
فنحن نقول: إن (هدى) يجب أن تبقى على ما هي عليه، أي أنها مصدر، وهو أبلغ من تحويلها إلى اسم الفاعل، والثاني أنها مصدر؛ لأن القرآن نفسه هدى، ليس هاديًا، بل هو هدى يُهْتَدى به، مثل ما قال: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾.
* * *
وقوله تعالى: ﴿هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [النمل ٢] (بشرى) أيضًا بمعنى بشارة، لكن لمن؟ (﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ الْمُصَدِّقِين به بالجنة).
قوله: (بالجنة) نذكر هذا بعد.
قوله: ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: الْمُصَدِّقِين به، ما يكفي هنا الإيمان مجرد التصديق، بل الإيمان الموجود في القرآن لا بد فيه من قبول وإذعان مع التصديق، أما مجرد التصديق ما يكفي، والدليل على أن مجرد التصديق لا يكفي أن أبا طالب كان مصدِّقًا لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول:
؎لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ ∗∗∗ لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِ الْأَبَاطِلِ؎وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّــــــــدٍ ∗∗∗ مِــــــنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّـــــةِدِينَــــا؎لَــــوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حِذَارُ مَسَبَّــــةٍ ∗∗∗ لَــرَأَيْتَنِي سَمْحًا بِـذَاكَ مُبِينَا
فإذن هو ما قَبِل ولا أذعن، وليس بمؤمن، فالإيمان كلما وجدت الإيمان في كتاب الله فالمراد به التصديق المستَلْزِم للقبول والإذعان، فليس مجرد تصديق.
فإذن للمؤمنين المصدِّقين به القابلين له المذْعِنين لأحكامه، لا بد من هذا.
وقوله: ﴿هُدًى وَبُشْرَى﴾ لهؤلاء ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، يُسْتَفَاد من ذلك أنه كلما كمُل الإيمان في العبد كمُل اهتداؤه بالقرآن، ولَّا لا؟ لأن الشيء إذا عُلِّق بوصف زاد بزيادة ذلك الوصف، ونقص بنقصه، الحكم إذا عُلِّق بوصف فإن هذا الوصف يزيد الحكم بزيادته، وينقص بنقصانه، وهذا معلوم حتى في المحسوس، تجد أن الشيء المعلَّق بشيء يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه.
فنقول: كلما ازداد الإنسان إيمانًا ازداد اهتداء بالقرآن، ويدلك على هذا قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة ١٢٤].
ويدل أيضًا على هذا قوله تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة ١٣].
وأيضًا ﴿بُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، البشارة هي الإخبار بما يَسُرّ، وقد تُطلَق على الإخبار بما يسوء، لكن بقرينة.
وهنا يقول: بشرى بالجنة.
ولكن الصحيح أنها بشرى بما هو أعم؛ بالجنة، وبالعزة، والكرامة، وبالنصر، قال الله تعالى: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ [الصف ١٣] بعدما ذكر الجنة في المؤمنين، ثم قال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، يعني: بَشِّرْهم بما لهم في الجنة، وبَشِّرْهم بما لهم في الدنيا من النصر.
وكل إنسان بطبيعته البشرية يحب أن ينتصر على عدوه، أليس كذلك؟ ويحب أن يكون له العز والكرامة، هذا لا يمكن أن يكون إلا بالإيمان، وكلما ازددنا إيمانًا ازددنا انتصارًا على عدونا، وكلما تخاذلنا في الإيمان خُذِلْنَا، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد ١١]، وإذا أردتم دليلًا على هذا فانظروا إلى الذين يُطَنْطِنُون بالقومية العربية، من متى يُطَنْطِنُون بها؟
* طالب: من أول القرن.
* الشيخ: إي، أظن من أول القرن، يعني من زمان، وتبلغ هذه الدعوة أوجها في التدجيل، ومع ذلك لا يزدادون إلا تأخرًا وضعفًا؛ لأنها ما على إيمان، لكن لما ظهرت بادرة الدعوة إلى الإسلام والتضامن الإسلامي، ماذا حصل؟
حاولوا بكل ما يستطيعون أن يقضوا على هذا، ليس من الدول الكافرة، بل حتى من الدول التي تزعم أنها مسلمة، وهي عربية، وصاروا يقولون: هذه دعوة رجعية، إلى آخره، وأخيرًا قُضِيَ على من قام بها وبالدعوة إليها، فالحاصل: إنا الآن إذا أردنا أن نرجع إلى العزة والكرامة والنصر فلا يكون ذلك إلا بالإيمان.
وقد يقول قائل: كيف ننتصر بالإيمان على القنابل الذرية والهيدروجينية؟
* طالب: معنا قوة الله سبحانه وتعالى، ونستعد بالقوة كما أمرنا الله.
* الشيخ: نعم، نقول: نحن إذا أخذنا بالقوة المعنوية فإن توفرت لنا القوة المادية وإلا جاءت القوة الإلهية، فنحن مثلًا من جملة الإيمان أن نستعد، لكن إذا عجزنا عن الاستعداد جاء دور النصر الإلهي، فيُبْطِل ما عليه هؤلاء الأعداء من القوة، والله تبارك وتعالى على كل شيء قدير، التغيرات الجوية تؤثر في أسلحتهم هذه ولَّا لا؟ الصواعق تدمرها، الخسف يذهب بها وبأهلها، وكل هذا بيد الله عز وجل.
وقد حدثني إنسان في العام الماضي ذهب إلى أفغانستان للقتال معهم وهو شاب متخرِّج من أمريكا، لكنه أصرَّ -وأظن قد قصصت عليكم قصته- أصرَّ إلا أن يجاهد، وقال: ما يمكن أموت بدون جهاد، ولزَّم على أمه وأبيه، وجعلوا الحكم إلى الله سبحانه وتعالى، ثم إليّ أحكم بينهم، هم يقولون: لا تروح، وهو يقول: لا، أبغي أروح، يقولون: لا تروح، ما حجيت، ما أديت الفريضة، وهو يقول: لا، أبغي أروح وألتزم لكم أني أرجع في ذي الحجة وأحج.
المهم بعدما أفطر رمضان العام الماضي راح، وشاهد شاهد عيان يقول: مع قلَّة العُدَّة التي عندهم، حتى يقول: الأدوية، ما عندهم أدوية إلا أدوية قديمة فاسدة، تبيع عليهم الشركات وتغشّهم، لكن يقول: شاهدت بعيني، هم بانين -يقول- مسجد للجمعة يجتمعون فيه، يقول: الروس يحرصون يوم الجمعة على أنهم يأتون إلى هذا المسجد ليدَمِّروه، هم يقول: يجعلون على المناطق ناسًا يحرسون المسجد وما حوله.
فجاءت –يقول- القنابل وضربت على المسجد، يريدون المسجد، لكن يقول: كلها ما تضرب المسجد، وتضرب اللي حوله ولا تطوله، سبحان الله العظيم!
يقول: ما طارت إلا واحدة فقط طارت على أحد الجنود وقتلته، والباقي يقول: أبدًا، يعني يخرجون ما كأن شيئًا أبدًا، وهذه من آيات الله سبحانه وتعالى.
فالحاصل إننا نقول: إن النصر –يعني- يجب أن نعرف أنه لا يُعْتَمَد على القوة المادية فقط، هناك وراءها شيء.
ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر﴾ [الحج ٤٠، ٤١] أربع صفات.
قد يقول قائل: وما لنا وللنصر مع هذه الصفات عند القنابل وغيرها، لكن ختم الآية بقوله: ﴿وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج ٤١]، ما هي بالأمور الحسية، العاقبة لله عز وجل، فهو سبحانه وتعالى يُدِيل الأيام على من عصى وخالف.
* طالب: أو يؤمن أحد الرؤساء ويمنح المسلمين قوة؟
* الشيخ: نعم صحيح، ربما يكون هذا، على كل حال لا تستبعد، لكن نحن نستبعد النصر بسبب أعمالنا في الحقيقة، ما عندنا رصيد يخوِّل لنا أن ننتصر.
إذن: ﴿وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ بالجنة، كما قال المؤلف، أو بما هو أعم؟
* طلبة: بما هو أعم.
* الشيخ: ويش الدليل؟
* طالب: لقوله تعالى في سورة الصف.
* الشيخ: في سورة الصف: ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ﴾ [الصف ١١، ١٢].
ثم قال: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ ثم قال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الصف ١٣].
* * *
ثم قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ [النمل ٣] يأتون بها على وجهها، أقام الشيء: أتى به مستقيمًا، ولا تكون الصلاة مستقيمة إلا إذا أتى بها على وجهها.
وإقامة الصلاة كما تعرفون نوعان: نوع لا بد منه؛ وهو الإتيان بالأركان والواجبات والشروط، ونوع يكون على وجه الكمال، وهو الإتيان بالمكَمِّلات من السنن وغيرها.
(﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ : يأتون بها على وجهها، ﴿وَيُؤْتُونَ﴾ : يعطون، ﴿الزَّكَاةَ﴾ إلى آخره).
قوله: ﴿يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾، هل المراد الفريضة ولَّا النافلة؟
* طالب: الفريضة.
* طالب آخر: عامٌّ.
* الشيخ: نعم، عامٌّ؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يأتي بالسُّنَّة مثلًا على وجه ينافي الكمال الواجب، لو قال واحد: أنا بتسَنَّن تَطَوُّع، لكن ما أنا بقارئ الفاتحة، سُنَّة، يجوز ولَّا لا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما يجوز، نقول: الآن يجب عليك أن تقرأ الفاتحة، لو قال: ما أنا براكع، ما أنا بساجد، ما يمكن هذا.
فإذن الآية الصلاة عامة، إقامتها في الواجب وفي التطوع.
وقوله: ﴿يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ ما بَيَّنَ المفعول الثاني لـ﴿يُؤْتُونَ﴾، لكنه معلوم، ويش التقدير؟ يؤتون الزكاة مُسْتَحِقَّها، وقد بَيَّنَ الله تبارك وتعالى مُسْتَحِقّ الزكاة في سورة (براءة) ببيان واضح مُفَصَّل.
وقوله: ﴿يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ الزكاة ما حاجة إلى تعريفها عندكم؛ لأنكم تعرفونها، وسُمِّيَت زكاة لأنها تُزَكِّي الإنسان، ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة ١٠٣].
قوله: ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ هذا ثناء على الْمُؤْتِين للزكاة، والسورة كما رأينا مَكِّيَّة، فهل معنى ذلك أن الزكاة فُرِضَت في مكة أو في المدينة؟
المعروف عند أهل العلم أنها فُرِضَت في المدينة، ولكن الصحيح أنها فُرِضَت في مكة، ولكن تقدير أنصبائها وبيان الأموال على وجه التفصيل كان ذلك في المدينة، هذا هو الصحيح، وهو الذي به تجتمع الأدلة.
وقوله: ﴿وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾.
* طالب: التقدير الصلاة بَيَّنَها وبَيَّن الزكاة بعدها، ما يكون من باب تأخير بيان الأحكام؟
* الشيخ: لا. هذا من باب التطوع.
* الطالب: يُبَيِّن الزكاة؟
* الشيخ: يُبَيِّن الزكاة، وخَلَّاها موكولة للإنسان يُخْرِج ما شاء لأجل النفوس تتعود، ثم بعد ذلك يُفْرَض عليها الشيء الذي أراده الله سبحانه وتعالى.
* الطالب: يعني كان الإنسان يختاره.
* الشيخ: إي، يختار ما يُخرج، إي نعم، هذا مثل غيره من الأشياء التي تطورت، الصلاة فُرِضَت ركعتين، ثم أُقِرَّت صلاة السفر، وزِيد في صلاة الحضر، الزكاة هكذا فُرِضَت أولًا على اختيار الإنسان، ثم حُدِّدت، الصيام فُرِض على سبيل التخيير ثم عُيِّن، الحج هو الذي ما أعلم فيه إلا أنه فُرِض مرة واحدة، ولكن السبب في ذلك أنه أتى في السنة التاسعة أو العاشرة بعد أن استقر الإيمان في القلوب، فلا حاجة إلى أن تُدَرَّج النفوس من مرحلة إلى مرحلة.
* طالب: قول ابن عباس: «أَوَّلُ ما فُرِضَت الصلاة أربعًا»[[أخرجه مسلم (٦٨٥ / ٥) من حديث مجاهد عن ابن عباس.]]؟
* الشيخ: ما هو بصحيح، لو كان هذا قوله فحديث عائشة صريح بأن أول ما فُرِضَت الصلاة ركعتين.
* الطالب: حديث صحيح.
* الشيخ: لكن هذا أصح منه، وأنا ما علمت اللي تقول هذا عن ابن عباس، حتى لو قاله ابن عباس فحديث عائشة أصح.
* الطالب: هناك من العلماء مثل ابن حجر جمع بين الحديثين بأن عائشة ذَكَرت أول (...)، وابن عباس ذكر ما استقر عليه الناس، كأنها أول ما فُرِضَت أربعة، ثم فُرِضَت ركعتين، وزيد في ..
* الشيخ: يعني فُرضت مرتين يعني؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: إن حديث عائشة صريح صحيح: «أول ما فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٠٩٠)، ومسلم (٦٨٥ / ٣) عن عائشة.]]، فعلى هذا الجمع معناه أنها أولًا فُرِضَت أربعًا، ثم فُرِضَت ركعتين، ثم قُسِّم إلى حضر وسفر؟
* طالب: هل يجوز التدريج بالأحكام لمن يُسْلِم؟
* الشيخ: الظاهر لي أنه يجوز، وأن يأمره بالأهم فالأهم، مثل ما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل، مع أن الأحكام مستقرة، قال: «أَوَّلُ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ إِقَامُ الصَّلَاةِ، ثُمَّ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ»[[أخرجه مسلم (١٩ / ٢٩) عن معاذ بن جبل.]]، مع أن كل هذه كانت مفروضة، وحتى الصوم والحج أيضًا مفروض.
* * *
قال: (﴿وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ يعلمونها بالاستدلال، وأُعِيدَ (هم) لِمَا فُصِلَ بينه وبين الخبر).
وقوله: ﴿وَهُمْ﴾ مبتدأ، و﴿يُوقِنُونَ﴾ خبره، و﴿بِالآخِرَةِ﴾ متعلق بـ(يوقنون).
ولكن كلمة (هم) أعيدت مرة ثانية، هل هذا من باب التوكيد، ﴿وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾، يعني: وهم هم الذين يوقنون دون غيرهم، أو أنه كما قال المؤلف: للفصل بينه وبين الخبر، والفاصل قوله: ﴿بِالآخِرَةِ﴾؟
يحتمل هذا وهذا، وقد يجوز أن يكون المراد الجميع، فبَيَّن الله سبحانه وتعالى أنهم هم أهل الإيقان، حيث كرر الضمير مرتين، وكُرِّرَ أيضًا مرتين ليطول الفصل بين الخبر وبين المبتدأ بالفصل.
ولكن الإيقان يقول المؤلف: (يعلمونها بالاستدلال)، إنما قال: (بالاستدلال)؛ لأن اليقين أخص من العلم؛ إذ إن اليقين معناه العلم الذي لا يتطرق إليه الاحتمال، فهو أعلى درجات العلم، وهذا إنما يكون بالاستدلال، يعني: بالأدلة المبيِّنَة الْمُقْنِعة، فلهذا فَسَّر المؤلف اليقين بأنه العلم بالأشياء عن طريق الاستدلال.
وقوله: ﴿بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ المراد بالآخرة أنه يُبْعَث الناس فقط؟ لا، كل ما أخبر الله تعالى به مما يكون في هذا اليوم، أو أخبر به رسوله، فإنه داخل بالآخرة.
بل إن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إنه يدخل في الإيمان باليوم الآخر كل ما أخبر به النبي ﷺ مما يكون بعد الموت.
فعلى هذا يكون الآخرة المراد بها ما بعد الدنيا، يشمل عذاب القبر، ونعيم القبر، ويشمل كذلك الموازين في يوم القيامة، والحوض المورود للرسول عليه الصلاة والسلام، وما ذُكِر.
هل بقي شيء من الإيمان؟ لأنه ذَكَر إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيقان بالآخرة.
* طالب: الإيمان بالله.
* طالب آخر: الإيمان بالرسل.
* الشيخ: لا، نحن ذكرنا أن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بالرسل، ويتضمن الإيمان بالكتب، بل ويتضمن الإيمان باليوم الآخر أيضًا، والإيمان بالملائكة.
* طالب: بالقدر.
* الشيخ: الإيمان بالقدر من الإيمان بالله؛ لأن القدر قدر الله سبحانه وتعالى، لكن بقي عندنا الصيام والحج، وهو من أركان الإسلام.
والجواب على ذلك: أن السورة مكيَّة، والصيام والحج لم يُفْرَض بمكة بالاتفاق، فالصيام فُرِض في السنة الثانية، والحج فُرِض في السنة التاسعة، أو العاشرة، على القول الراجح، وعلى هذا ما في الآية إشكال.
* ويستفاد منها: أن الإنسان إذا آمن بالشرائع الْمُنَزَّلة فهو كامل الإيمان وإن لم يدرك الفرائض المتأخِّرة، فالذين ماتوا من الصحابة قبل فرض الصيام إسلامهم كامل، بل إن الرجل يمكن أن يؤمن ويموت قبل أن يصلي صلاة واحدة، ويكون بذلك كامل الإيمان، يعني إيمانه هو كامل، وإن كان غيره اللي أدرك أكمل منه، لكن هو بالنسبة إليه ما يقال: إيمانه ناقص، أي أنه ناقص نقصًا يُخِلّ به.
* * *
(﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ [النور: ٤] القبيحة بتركيب الشهوة حتى رأوها حسنة، ﴿فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ : يتحيرون فيها؛ لقبحها عندنا).
﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ أي: لا يُصَدِّقون بها، كذا نقول؟
* طالب: لا يصدقون المستلزِم..
* الشيخ: هم إذا لم يُصدِّقوا معلوم ما هم بقابلين ولا مُذْعِنين؛ لأن مَن لم يُصَدِّق لا يمكن أن يقبل أو يُذْعِن، طيب إذا صَدَّقوا بها ولم يقبلوا ولم يُذْعِنوا؟ نفس الشيء.
إذن: ﴿لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ يشمل نفي التصديق، ونفي القبول، ونفي الإذعان، وأظنكم تعرفون الفرق بين القبول والإذعان؟
أقبل مثلًا أن هذا الشيء فرض وأعتقده فرضًا، لكن ما أفعله، ويش اللي تخلَّص؟
* الطلبة: الإذعان.
* الشيخ: الإذعان، وأما عدم القبول يرفض هذا، وهذا ما هو بواجب، ولا نعترف بأنه فرض، وأما (...) فهو الإنكار المطلَق.
﴿الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالهمْ﴾.
* طالب: الفرق بينهم.
* الشيخ: التصديق والقبول، التصديق: أنه يُصدِّق بأن هذا حق لكنه ما يقبله، يقول: نعم، هذا الرجل جاء بالحق لكن أنا ما أقبله، والقبول: في الغالب يكون في المعتَقَدات، والإذعان في الأعمال الظاهرة كأعمال الجوارح.
﴿زَيَّنَّا لَهُمْ﴾ هذه الجملة ﴿زَيَّنَّا﴾ خبر (إن)، وتفيد أن العِلََّة في التزيين عدم الإيمان بالآخرة، وأن الله تعالى لم يُزَيِّن لهم هذه الأعمال إلا بسبب عدم إيمانهم، ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ (...).
﴿فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر ٨] (...) ومن هنا نعرف أن الذي يُزَيَّن له سوء عمله يكون ذلك دليلًا على نقص إيمانه بالآخرة؛ إذ لو كمُل إيمانه بالآخرة لكان يعرف الحسن من السيئ، فيفعل الحسن ويتجنب السيئ، ولكن لضعف إيمانه بالآخرة يُحْسِن له هذا الفعل القبيح ويراه حسنًا.
ولا حاجة إلى أن نعدد أنواعًا من ذلك؛ لأن الأنواع ممن زُيِّن له سوء عمله كثيرة جدًّا، لا شك، من العمل السيئ أنه إذا نزل في أرض أخذ أربعة أحجار ووضع ثلاثة للقِدْر وواحدًا يعبده.
ولا شك أن من العمل السيئ المزيَّن أن الإنسان يعبث له تمرًا على صورة صنم فيعبده، فإذا جاع أكله، ولا شك أن من سوء العمل الْمُزَيَّن أن الإنسان يأتي بابنته وهي ثمرة فؤاده ويحفر لها الحفرة ويغمسها وهي حية، هذا ما يكون -والعياذ بالله- ولا من السباع، ومع ذلك زُيِّن لقومٍ من أهل الجاهلية هذا العمل، حتى إنه يقولون: إنه يقف على الحفرة ليلقيها، وهي إذا هَمَّ أن يلقيها تَشَبَّثُ به وتقول: يا أبت، يا أبت! فتستجير به وهو داؤها، نسأل الله العافية.
وقوله: (﴿فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ يتحيرون فيها) وهذا -والعياذ بالله- من عدم الإيمان أن الإنسان لا يوفَّق للهداية، تجده حائرًا؛ لأنه لم يؤمِن، وأبرز مثال لذلك ما يقع من أهل الكلام من الْحَيْرة؛ لأنهم لم يؤمنوا بالله حق الإيمان به، أنكروا صفاته، وأنكروا ما جاء به كتابه وسنة رسوله، فصاروا مُتَحَيِّرين، ولهذا قال بعض الناس: أكثر الناس شَكًّا عند الموت أهل الكلام -والعياذ بالله-؛ لأنهم -نسأل الله العافية- ما آمنوا.
فكل إنسان يضعف إيمانه فإنه يترتب عليه هذان الأمران السيئان:
أولًا: تزيين العمل السيئ في عينه، حتى يمارسه ولا ينتزع منه.
والثاني: شكه وحيرته وتردده.
بهذا نعرف الآن أنه كلما قوي الإيمان بالآخرة عرف الإنسان القبيحَ ولم يتردد فيه، ولَّا لا؟ لأن هذه نتيجة عملية كتابية، إذا كان هذا الوصف يقتضي هذا الوصف، فعدمه يقتضي عدمه، معادلة بَيِّنة جدًّا.
فالذين لا يؤمنون بالآخرة ابتُلُوا بهذين الأمرين، والذين يؤمنون بالآخرة ينتفي عنهم هذان الأمران، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين.
* طالب: ومن آمن بالآخرة من الصوفية يا شيخ؟
* الشيخ: لا، ما عندهم إيمان حقيقة، لو كان عندهم إيمان حقيقة ما زُيِّن لهم؛ لأن هذه الآية مقياس كل إنسان يُزَيَّن له سوء عمله، فاعلم أنه ناقص الإيمان أبدًا؛ لأنه لو كان عندهم إيمان حقيقي ويش اللي يُخْرِجهم عن طريق الرسول عليه الصلاة والسلام؟
* طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين (...).
* الشيخ: إذن كلما ضعف الإيمان بالآخرة ازداد التزيين -تزيين القبيح- في عين الإنسان، وكلما ازداد إيمانه بالآخرة كره القبائح، وهذا أمر مُسَلَّم الآن.
على هذا يمكن أن نستنتج من أن الرجل الذي يستحسن القبائح أنه ضعيف الإيمان بالآخرة؛ لأنه لو قوي إيمانه بالآخرة ما حسن في نفسه قبائح الأعمال، وهذه الآية تدل عليه.
وفي الآيات دليل على أن عدم الإيمان بالآخرة سبب للحيرة؛ لقوله: ﴿فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾.
وعلى هذا فالإيمان بالآخرة سبب لليقين والنور، وهذا أمر أيضًا مشاهَد، والإنسان ما يصاب بعدم اليقين إلا بسبب أعماله ونقص إيمانه، وكلما قوي الإيمان فإنه يزداد معرفة الإنسان حتى بالأمور غير العلمية الشرعية، يعطيه الله تبارك وتعالى فراسة يتبين بها الأشياء.
* * *
يقول الله سبحانه وتعالى: (﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ [النمل: ٥] أشده في الدنيا القتل والأَسْر).
﴿أوْلَئِكَ﴾ المشار إليه مَن؟ الذين لا يؤمنون بالآخرة، لما ذكر -والعياذ بالله- طريقهم، وأنه زُيِّن لهم سوء أعمالهم ذكر جزاءهم ومآلهم، فقال: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ﴾، قيَّده المؤلف -رحمه الله- بما يكون في الدنيا من الأَسْر والقتل، ولكنه لا ينبغي أن يُقَيَّد به، بل يقال: إن هذا من سوء العذاب الذي ينالهم، وهم ينالون سوء العذاب في الدنيا وفي الآخرة، ومن أجل ذلك لم يكن لهم نصيب في الآخرة، بل قال: ﴿وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ﴾.
﴿وَهُمْ﴾ ﴿هُمُ الأَخْسَرُونَ﴾ (هم) الأولى مبتدأ، والثانية؟
* طالب: توكيد.
* الشيخ: توكيد، ويجوز أن تكون ضمير فصل، لكن لما سبق لها نظير وهي كلمة (هم)، فالأحسن تكون توكيدًا.
ونستفيد الحصر من تعريف المبتدأ والخبر ﴿هُمُ الأَخْسَرُونَ﴾، و(الأخسر) اسم تفضيل، مأخوذ من الخسران، وهو النقص، وحصر الأخسرية فيهم دليل على أن هناك خسارة لغيرهم، لكن هم الأخسرون.
والخسارة التي تكون لغيرهم هو أن الفُسَّاق من المؤمنين يعذَّبون بقدْر ذنوبهم، وهذا خسارة؛ لأنه لم يكمُل لهم النعيم في الآخرة، حيث عُذِّبوا على ما فعلوا من الذنوب، فهذا لا شك أنه وقص وأنه خسارة، أليس كذلك؟
ولكن الأخسر هؤلاء الذين يُخَلَّدون في النار، ولهذا يقول المؤلف: (لمصيرهم إلى النار المؤبَّدة عليهم)، فهم الأخسرون.
فعليه يكون الناس في الآخرة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: رابحون، وخاسرون، وأخسرون.
فالرابح: الذي مَنَّ الله عليه، فخرج من الدنيا وهو لا يستحق العقاب في الآخرة، سواء كان ذلك بتوبة، أو بمصائب تُكَفِّر، أو بأعمال صالحة جليلة جدًّا تَضْمَحِلّ معها الأعمال السيئة، مثل أهل بدر، قال الله لهم: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٠٠٧)، ومسلم (٢٤٩٤ / ١٦١) عن علي بن أبي طالب.]]، لو عملوا مهما عملوا من الذنوب فإن الله سبحانه وتعالى يغفره لهم بسبب الحسنة العظيمة التي قاموا بها في غزوة بدر.
وقد يكون أيضًا هذا الإنسان الذي عمل سيِّئًا في الدنيا قد يعفو الله عنه؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨]، فتكون حاله في الآخرة تامة.
والثاني: الخاسر غير الأخسر، وهو الذي أصاب بعض الذنوب ولم يقدَّر له الخلاص منها، فعُوقِب عليها.
والأخسر: هو الذي لا حَظَّ له في الآخرة، ﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة ٢٠٠] وهم الكفار.
﴿وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ﴾، وفي الآية من الفوائد (...).
المهم أن الآية تفيد أنهم الأخسرون أيشنو؟
* طالب: في الدنيا والآخرة.
* الشيخ: لا، في الآخرة فقط، ﴿وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ﴾. وهل يلزم أن يكونوا هم الأخسرين في الدنيا؟
* طلبة: لا، ما يلزم.
* الشيخ: ما يلزم..
* طالب: لكن من مفهوم الآية.
* الشيخ: إي، لكن ما يُفْهَم من الآية أنهم رابحون في الدنيا، يُفْهَم من الآية أنهم في الدنيا مسكوت عنهم، قد يربحون، وقد يخسرون، يعني مسكوت عنهم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: سوء العذاب قد يُغْفَر للإنسان إذا فَسَّرْنا سوء العذاب بكلام المؤلف: بـ (أشد من القتل) قد يُقتَل ويُؤْسَر وهو غني، فيكون رابحًا مع أنه يُؤْسَر ويُقْتَل. ما فيه إثبات الآخرة؟
* طالب: قد يكون.
* الشيخ: ﴿وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ﴾، ومعنى هذه أيضًا؟
* طالب: نقول: مَن لم يؤمن بالآخرة فهو كافر.
* الشيخ: منين ناخد؟
* الطالب: من قوله: ﴿هُمُ الأَخْسَرُونَ﴾.
* الشيخ: من لم يؤمن بالآخرة فهو كافر؟ ما يخالف، (هم) يعنى: الذين لا يؤمنون بالآخرة هم الأخسرون، يعني إذا أعدنا الآية على ما قبل.
* الطالب: (...) هم الأخسرون.
* الشيخ: إي، لكن ﴿هُمْ فِي الآخِرَةِ﴾، هذا خبر؛ لأنهم خاسرون في الآخرة، لكن لماذا؛ لأن الآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾، ثم ذكر..
* طالب: (...).
* الشيخ: صحيح.
﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل ٦]
* طالب: نقول مثلًا: الكفار الخسران فيهم، الخسران البليغ في الدين.
* الشيخ: إي، إن الأخسر..
* الطالب: ما عاد مُسْنَد إليه ضمير متصل..
* الشيخ: صحيح، على كل حال، فيه حصر، ولا شك إنهم هم الأخسرون، اللي غيرهم لو خَسِرُوا ما بهذا الوصف.
* طالب: (...).
* الشيخ: ويش يكون فيه؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لأنه لو خُلِّدُوا لكانوا أَخْسَرِين.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، يمكن يؤخذ منها هذا، هذا صحيح، يقول: يؤخذ منها الرد على الخوارج والمعتزلة، ليش؟ لأنهم لو خُلِّدُوا في النار كما يقول هؤلاء لكانوا داخلين في الأخسرين؛ لأن أهل الكبائر يؤمنون بالآخرة، ومَن الأخسرون؟ الذين لا يؤمنون بالآخرة، فإذا قلنا: إن أهل الكبائر الذين يؤمنون بالآخرة يكونون أخسرين أيضًا، صار الحصر أو الخسران أو الأخسرية ما اختصت بهؤلاء، أظن واضحة للجميع.
لو قلنا: إن أهل الكبائر الذين يؤمنون بالآخرة أنهم مُخَلَّدون في النار لاتصفوا بهذا الوصف، لكانوا من الأخسرين، ولَّا لا؟ مع أن الله إنما حصر الأخسر بالذين لا يؤمنون بالآخرة.
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني أن له رِبحًا، ما هو الرابح؛ لأنه قد يخسر، إحنا قلنا: إن الناس ثلاثة أقسام: خاسر، ورابح ربحًا لا خسارة فيه، وأخسر؛ فصاحب المعاصي من المؤمنين هو في حكم الخاسرين، لكنه ليس الأخسر.
* طالب: يُبَصِّر المؤمنين (...).
* الشيخ: أن الله يبصر المؤمنين بأوصاف غير المؤمنين وجزائهم.
* الطالب: بأحوال الكافرين في الآخرة.
* الشيخ: بأحوال الكافرين في الآخرة، لماذا؟ للتحذير.
* طالب: هذا من قوله: ﴿هُدًى﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿هُدًى﴾؟ لا، هذا غير هذا اللي يقول، يعني قصده يقول: فيه دليل على بلاغة القرآن مثلًا، إنه يُبَيِّن أحوال الكافرين للتحذير منها (...).
ما سنبحثه إن شاء الله في الدرس القادم؛ لأني أحب أن يكون، ما دام إننا فهمنا -الحمد لله- منكم فَهْم للفوائد، أحب أن يكون استخراجها منكم، وفي الدرس القادم إن شاء الله نشوف.
* طالب: قوله: ﴿وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ﴾.
* الشيخ: لا، ما يستنبط من قوله: ﴿وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ﴾؛ لأن العذاب في الآخرة قد يكون مع الخسران فقط.
* * *
ثم قال: (﴿وَإِنَّكَ﴾ خطاب للنبي ﷺ)، وهذا الخطاب مؤكَّد بـ (إن)، ثم مؤكَّد بتأكيد آخر، وهو قوله: ﴿لَتُلَقَّى﴾؛ لأن اللام هذه للتوكيد.
وفي إعراب بعضكم أمس قال: إنها اللام الْمُزَحْلَقة، أيش معنى الْمُزَحْلَقة؟
* طلبة: التأخر..
* الشيخ: يعني: مُؤَخَّر، هذا معناها، يقولون: إن الأصل أن تكون في أول الكلام، ولكن لما كان في أول الكلام مؤكد غيرها صار الأنسب أن تُؤَخَّر؛ لئلا يجتمع مؤكِّدان في مكان واحد، ولَّا هي تسمى للتوكيد، لكن إذا سُئِلْنَا: أين محلها؟ نقول: في أول الجملة، ولكنها زُحْلِقَت من أجل أنه في أول الجملة مؤكِّد آخر.
(﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ﴾ أي: يُلْقَى عليك بشدة، ﴿مِنْ لَدُنْ﴾ : من عند، ﴿حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ في ذلك) إلى آخره.
﴿لَتُلَقَّى﴾ معنى التلقية التلقين والإعطاء، لَقَّيْتُك كذا، بمعنى: لَقَّنْتُه إياه إذا كان ذِكْرًا، وأعطيته إياه إذا كان عَيْنًا، وهنا ذِكْر القرآن، ليس عَيْنًا يُعْطَى، ولكنه ذِكْرُ يُلَقَّن، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يُلَقَّن القرآن، وكان إذا سمعه من جبريل في أول الأمر يتعجل ﷺ بقراءته، فنهاه الله عن ذلك، قال: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ [القيامة ١٦، ١٧]، ضمان من الله سبحانه وتعالى أن يجمعه ويقرأه.
﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة ١٨، ١٩]: بيانه لفظًا، ومعنًى، وحُكْمًا.
﴿إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ﴾، وسبق معنى القرآن، وأنه مُشْتَقٌّ من (قرأ) بمعنى (تَلَا)، ومن (قرأ) بمعنى (جَمَع).
وقول المؤلف: أي: (يُلْقَى عليك بشدة)، منين أَخَذ كلمة (بشدة) من اللفظ؟
* طالب: من التوكيد.
* طالب آخر: من التشديد.
* الشيخ: (تُلَقَّى)، ولم يقل: تُلَقَّى أنت، فكأنه يُلَقَّاه، كأنه يُشْعِر بالشدة، ولكنه ما يتبين لي كثيرًا، إنما لا شك أن الرسول عليه الصلاة والسلام يجد من تَلَقِّي الوحي شِدَّة، معكم الحاشية؟
* طالب: قوله: (بشدة، أي: لما فيه من التكاليف الشاقة).
* الشيخ: بس دلالة (تُلَقَّى) عليه فيها غموض الحقيقة.
(﴿مِنْ لَدُنْ﴾ : من عند)، يعني أن (لَدُن) بمعنى (عند)، ويقال فيها أيضًا: لَدَى، ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ [ق ٢٩]، ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف ٦٥]، (لدُنَّا) هي (لدن)، و(لدي) هي (لدى)، فيقال هذا وهذا، ولكن القرآن كما هو معلوم توقيفي، ما يمكن نبدل لفظًا بدل آخر ولو كان بمعناه.
وقوله: ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ المراد به الله سبحانه وتعالى، و(الحكيم) مر علينا أنه مشتق من الْحُكم والإحكام الذي بمعنى الإتقان وهو الحكمة.
والحكم الثابت لله عز وجل أو المتصف به الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين: حُكْم شرعي، وحُكْم قدَرِي.
فالْحُكم الشرعي كثير في القرآن، كما في قوله تعالى في سورة الممتحنة: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ [الممتحنة ١٠]، لما ذكر أحكام النساء الكافرات والمهاجرات، قال: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾.
والحكم القدري: مثل قول أخي يوسف: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾ [يوسف ٨٠]، يعني: يُقدِّر، ما هو ينتظر حكمًا شرعيًّا، ينتظر حكمًا قدَريًّا.
الحكم الشرعي هل تمكن مخالفته؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، تمكن، من الناس من يقبله، ومن الناس من لا يقبله، والحكم القدري؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لا تمكن مخالفته، إذن فهو واقع لا محالة، إذا حَكَم الله تعالى بشيء قدَرًا فهو واقع لا محالة.
الحكم الشرعي محبوب لله ولَّا مبغوض إليه؟
* طالب: نعم، ومبغوض.
* الشيخ: محبوب ومبغوض، فإذا حَكَم بفعل الشيء؟
* الطالب: فهو محبوب.
* الشيخ: فهو محبوب، وإن حكم بتركه فهو..؟
* طلبة: مبغوض.
* الشيخ: فهو مكروه، فالله تعالى حكم بتحريم الزنا مثلًا ولَّا لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: وهو مكروه له، حكم بتحريم الشرك وهو مكروه له.
الحكم الكوني؟
* طالب: كذلك.
* الشيخ: كذلك، فيه محبوب، وفيه مكروه لله، ولا يمكن أن نعارض ذلك فنقول: كيف يقع الحكم الكوني وهو مكروه له؟ إذن معناه الله يُجبر، يعني: يفعل شيئًا وهو يكرهه، هذا ما يكون إلا في إنسان يُجْبَر، أو إلا في فاعل يُجْبَر، فهل الله تعالى يُجْبَر؟
* طالب: لا.
* الشيخ: إذن: كيف تقول: إن في الحكم الكوني ما هو مكروه لله؟
* طالب: هذا واقع، قد يفعل إنسان ما يكرهه لحكمة منه، كما أن الإنسان مثلًا يكره كَيَّ ابنه بالنار، ولكنه يحبه لما فيه من المصالح الأخرى، لما فيه من شفاء المريض.
* الشيخ: يعني معناه إذن هو مكروه من وجه، ومحبوب من وجه آخر، فهو من حيث ذاته مكروه لله سبحانه وتعالى، كالمعاصي، فالله يقدِّرُها، الله تعالى يُقَدِّر المعاصي مع أنه يكرهها، لكنه محبوب إليه من وجه آخر، ويكون هذا الوجه أقوى من الوجه الآخر، فيقع هذا الشيء.
إذن يا جماعة (حكيم) مشتقة من الْحُكم والإحكام، والْحُكم المتصف به الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين: كوني، وشرعي، ولكل منهما حُكم:
أولًا: الحكم الشرعي لا يلزم منه وقوع المحكوم به؛ لأنه قد يقع وقد لا يقع.
والحكم الكوني يلزم منه وقوع المحكوم به بكل حال.
أما انقسامهما من حيث الكراهة والبغض لله فنقول: كلاهما محبوب ومكروه لله سبحانه وتعالى.
* طالب: ما نقول يا شيخنا: الشرعي محبوب لله، لكنه محكوم بطريقة مكروهة؛ الزنا من حيث الحكم حُكم الله فيه فهو محبوب لله تحريمه؟
* الشيخ: مكروه إليه.
* الطالب: حكمه بتحريمه محبوب لله.
* الشيخ: لا، يعني قصدي الآن الحكم الشرعي تحريم الزنا.
* الطالب: تحريم الزنا محبوب لله.
* الشيخ: هذا الحكم، تحريم الزنا محبوب إليه، لكن المحكوم به، هذا مكروه إلى الله.
* طالب: كيف يحب الحكم الشرعي؟
* الشيخ: الحكم الشرعي منه محبوب ومنه مكروه، بمعنى المحكوم به، يعني مثلًا: حكم الله سبحانه وتعالى بتحريم الزنا؛ لأن الزنا مكروه إليه، حكم بوجوب الصلاة؛ لأن الصلاة محبوبة إليه.
وأما نفس الحكم الذي هو فعله فهذا أمر معروف أنه ما حَكَم بهذا الشيء إلا وهو يحب أن يكون كذلك.
* طالب: يحب ترك الزنا.
* الشيخ: يحب ترك الزنا ويحب فعل الصلاة.
بالنسبة للإحكام، الإحكام بمعنى الإتقان وهي الحكمة، تنزيل الأشياء في منازلها، ووضعها في مواضعها، لا شك أن هذا إتقان، والله تبارك وتعالى مُتَّصِف بالحكمة البالغة، ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ [القمر ٥]، فهي وضع الأشياء في مواضعها.
وقد ذكرنا في التوحيد -ونعيده الآن للتذكير- أن الحكمة تكون في صورة الشيء وفي غايته، في صورة الشيء ووقوعه على هذا النحو، وتكون أيضًا في غاية هذا الشيء.
وتكون أيضًا الحكمة في الأمور الشرعية وفي الأمور القدرية؛ لأن الحكمين السابقين: الكوني، والشرعي، كلاهما مشتمل على الحكمة، فعلى هذا تكون الحكمة في الأحكام الكونية، وفي الأحكام الشرعية، وتكون صورية، بمعنى أنه على هذه الصورة الْمُعَيَّنة حكمة، وغائية بمعنى ما ينتج عليه أو منه من الغايات المحمودة.
مثلًا عندما تتأمل الشريعة تجد أن وضعها على ما هي عليه في غاية الحكمة؛ لأنها كلها تنشد المصالح، وتدرأ المفاسد، هذه القاعدة العامة في الشريعة.
إذن فهي على هذا الوجه، أو بهذه الصورة، موافِقَة للحكمة، ثم إن الحكمة الغائية ما هي ثمرة هذه الشريعة والتمسك بها؟ هي السعادة في الدنيا وفي الآخرة، وهذه لا شك أنها غاية محمودة، وأن تشريع الأمور من أجل هذه الغاية أنه حكمة، واضح؟
كذلك نأتي إلى الأمور القدرية، نقول: الأمور القدرية أيضًا وضْعها على ما هي عليه بهذه الصورة هو حكمة، ثم الغاية منها حكمة أيضًا، ولكن هذه الحكمة في صورة الشيء وفي غاية الشيء شرعًا أو قدرًا قد تكون معلومة للعباد، وقد تكون مجهولة، ولكن ما هو فَرْضُنا نحن فيما نجهله من حكم هذه الأمور؟ فَرْضُنا الإيمان والتسليم، نحن نؤمن بأنه ما من شيء يشرعه الله، وما من شيء يفعله الله، إلا وله حكمة، يجب علينا أن نؤمن بهذا؛ لأن هذا مقتضى وصفه بالحكيم.
لكننا قد نفهم هذا الشيء وقد لا نفهمه، ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة ٢٦٩]، ما هو كل الناس، ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة ٢٦٩].
لكن علينا أن نؤمن هذا الإيمان، ونحن إذا آمنا هذا الإيمان فسوف نستسلم، وسوف نرضى بالشرع، أيش بعد؟ وبالقدر؛ لأننا نعلم أن هذا لحكمة.
عندما نتأمل الآن أحوال الناس المسلمين، وضعف دينهم وانصرافهم عن الدين، لا شك أن هذا يهمنا ويُحْزننا، ولكننا إذا نظرنا إليه من جهة أخرى وجدنا أنه مُقَدَّر من جهة الله، وأنه لا بد أن يكون لهذا حكمة، لكننا قد لا نعلمها نحن.
وهذا يجب أن تجعله جاريًا على جميع أحوالك الخاصة والعامة، أنك تتيقن أن هذا لحكمة، ولكن تَيَقُّنُنَا للحكمة لا يمنعنا من فعل الأسباب الشرعية التي أُمِرْنا بها.
مثال ذلك: هذا المثال اللي إحنا ذكرنا -مسألة ضعف المسلمين وانصرافهم- هذا يوجب لنا أن نتحرك أكثر للدعوة إلى الإسلام، وبيان محاسنه، والتحذير من مخالفته، وسوء العاقبة للعصاة والفاسقين، أليس كذلك؟ هذا يوجب لنا أن نتحرك أكثر.
وهذا من الحكمة أن يتحرك أهل الخير للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وبيان الحق، وبيان العاقبة الحميدة لمن تَمَسَّك بدين الله؛ لأجل أن يكثر ثوابهم، ولأجل أن يدخل الناس في دين الله عن اقتناع؛ لأني أظن أنكم تتصورون كما أتصور أن الناس لو وُجِدُوا على حالة معيَّنَة، هل يجدون في هذه الحال المعيَّنة، أو هل يدركون هذه الحال المعيَّنة على حقيقتها؟ لا؛ لأنها أمر معتاد عندهم، وقد لا يفهمون ما ينتج عنها من خير أو من شر، لكن عندما يُوغِلُون في الشر، وينتهون إلى غايته، ثم يُبَيَّن لهم الحق ويرجعون إليه، يكون هذا أحسن حالًا من الحال الأولى التي وجدوا آباءهم على شيء فمشوا عليه؛ لأنهم الآن يأتون على أي وجه؟
* طلبة: اقتناع.
* الشيخ: يأتون عن اقتناع، وعن محبَّة لهذا الأمر الجديد الذي بُيِّن لهم.
ولذلك الآن -الحمد لله- فيه بادرة طيبة في جميع الأقطار الإسلامية، بادرة رجوع إلى الإسلام عن اقتناع ولا شك فيه، وهذا من الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى يُقَدِّر مثل هذه الأمور المكروهة في الدين لأجل أن تكون غاية لما هو أحمد.
﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ العليم معناه: المتَّصِف بالعلم، والعلم كما حَدَّه أهل الأصول هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا مطابقًا، ولا شك أن الله سبحانه وتعالى له من هذا الوصف أَتَمُّه وأعلاه، فهو سبحانه وتعالى عليم علمًا مطلَقًا، لم يُسبَق بجهل ولم يُلْحَق بنسيان، ولا يُحَد بِحَدّ، وعلم المخلوق مسبوق بالجهل، ومُلْحَق بالنسيان، ومحدود أيضًا، ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٨٥]، بخلاف علم الله.
وهنا قُدِّم الحكيم على العليم، وأكثر ما يرد في القرآن تقديم العليم على الحكيم، ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ما هي الحكمة من تقديم الحكيم هنا على العليم؟
* طالب: ربما لأن الوصف بالحكمة لأساليب القرآن أقرب من الوصف بالعلم.
* الشيخ: كيف ذلك؟ (...).
* طالب: ثم ذكر الله سبحانه وتعالى أهل الإيمان وجزاءهم، وذكر الذين لا يؤمنون بالآخرة وجزاءهم ومعاقبتهم بسوء أعمالهم، يناسب ذلك الحكمة أقرب من العلم.
* الشيخ: إي، بس الجملة الأخيرة هذه مستقلة عن الأول؛ لأن الواو للاستئناف فيما يظهر.
نقول الآن: تَلَقِّي القرآن، القرآن مُشتَمِل على الشريعة ولَّا لا؟ والشريعة فيها أوامر ونواهي، وإذا لم نعتقد أن هذه الأوامر والنواهي مبنيَّة على الحكمة فإنه يضعف انقيادنا لها، فلهذا قَدَّم الحكمة.
أما العلم فإنه مفهوم من قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ﴾؛ لأنه بمجرد تَلَقِّي القرآن يكون العلم، لكن هل هذا الموجود في القرآن موافق للحكمة، هو نعم موافق في الواقع، ولذلك قُدِّمَت الحكمة لأجل أن يشعر الإنسان قبل كل شيء بأن ما تَلَقَّاه الرسول عليه الصلاة والسلام من القرآن فإنه حكمة، نظير ذلك في سورة الذاريات قال: ﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيم﴾ [الذاريات ٢٩، ٣٠]، ولَّا قال: العليم الحكيم، لأيش؟ لأن ولادة العجوز أمر خارج عن العادة وعن المألوف، كيف تلد العجوز، ولماذا؟ فقُدِّمَت الحكمة لأجل أن يشعر الإنسان قبل كل شيء أن هذا الأمر النادر الخارج عن العادة صادر عن حكمة، وليس عن سفه، ولا عن أمر صَدَفِيّ بالصدفة.
إذن هذا مثلها، نقول: قُدِّم اسم الحكيم الذي يدل على وصف الله تعالى بالحكمة في هذا المقام؛ لأن ما يُلَقَّاه الرسول ﷺ من القرآن مُشْتَمِل على التشريع، ولَّا لا؟ الذي يحتاج إلى بيان الحكمة فيه حتى يقتنع به المرء، فلذلك قُدِّمَت الحكمة على العلم.
أما العلم فإنه مفهوم من كلمة (تُلَقَّى)؛ إذ إنه إذا لُقِّيَ القرآن فقد علم، لذلك صارت في المرتبة الثانية.
السؤال الثاني: ما هو الحكمة من جمع الحكمة والعلم؟ حكيم وعليم، ودائمًا في القرآن تجد أن الحكيم مقرون بالعليم كثيرًا، ويُقْرَن بالعزيز: عزيز حكيم، أيضًا، فما هي الحكمة من ذلك؟
* طالب: لأن حكمًا أيضًا هو من الإحكام، ومن الْحُكم أيضًا، فالْحُكم يحتاج إلى علم، والحكمة أيضًا تحتاج إلى علم، فحُكْم بلا علم يعتبر ناقصًا.
* الشيخ: كذا؟ توافقون عليه؟
* طالب: الحكيم أخص من العليم؛ لأن الإنسان قد يعلم الشيء ولا يعلم الحكمة مثلًا.
* الشيخ: يعني يمكن له جوابان وبعدُ يتضح جواب ثالث.
* طالب: تدل على أن هذا العلم مبني على الحكمة.
* الشيخ: أو الحكمة مبنية على العلم، أيها المبني على الآخر؟ أيها السابق في تصورك الآن؟
* الطالب: السابق حكيم.
* الشيخ: لا، خَلِّ الترتيب هنا، السابق حسب ذهن الإنسان.
* الطالب: حكيم.
* الشيخ: عجيب، الظاهر أن العلم يسبق الحكمة، كيف تدري أن هذا مناسب أو غير مناسب؟
* الطالب: إذا علمت.
* الشيخ: إذا علمت أنه مناسب ووضعتَه في محله.
* طالب: أن الْحَكَم مستلزِم للعلم.
* الشيخ: على كل حال كل هذه أجوبة لا بأس بها، إنما الجواب البَيِّن أن نقول: إن الحكمة قد تخفى على بعض الناس، فهل خفاؤها علينا هنا يقتضي أنها ليست معلومة عند الله؟ لا.
فكأنه جمع بينهما ليتبين أن هذه الحكمة معلومة عند الله وإن خفيت علينا، فهو سبحانه وتعالى حكيم عليم، يضع الأشياء في مواضعها، وإن خَفِي علينا ذلك، ما نقول أنه مثلًا إذا شرع الله شيئًا أو قضى بشيء: إن هذا ليس عن علم، بل هو عن علم، حتى لو فُرِض أننا نحن لم نعلم حكمته ووجهته.
فهذا هو وجه الجمع في القرآن الكريم في آيات كثيرة بين العلم والحكمة.
الخلاصة أن نقول: لما كانت الحكمة تخفى على العباد قَرَنَها الله تعالى بالعلم؛ ليطمئن المرء إلى أن هذه الحكمة معلومة عند الله عز وجل وإن كان خفي علينا.
* * *
يقول: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى﴾ [النمل ٧].
المفسّر قال: (اذكر إذ قال)، وهذه طريقته، وهي أيضًا معروفة عند النحويين بأن (إذ) ظرف، والظرف لا بد له من عامل وهو المتعلَّق، فيُقَدِّرون اذكر دائمًا في مثل هذا التركيب: اذكر ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ﴾، وموسى معروف أنه هو ابن عمران أخو مريم.
* الطلبة: لا.
* الشيخ: كيف، ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾ [التحريم ١٢]؟
* طالب: بينهما فرق، مريم يعني قدم..
* طالب آخر: موسى قديم.
* الشيخ: ويش هو الجواب البَيِّن لهذا، إذا قال قائل: إن موسى أخٌ لمريم؟
* طالب: تشابه في الاسم.
* الشيخ: لأن هذا موسى بن عمران، وهي مريم بنت عمران، وموسى أخو هارون، و﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم ٢٨].
* طالب: يسمون بأسماء أنبيائهم.
* الشيخ: إي، يسمون بأسماء أنبيائهم، والتاريخ -مثلما عرفتم وقلتم الآن- التاريخ بين موسى ومريم بعيد جدًّا، فموسى عليه الصلاة والسلام هو أفضل أنبياء بني إسرائيل، ويقع بين أولي العزم في المرتبة؟
* طلبة: الثانية.
* الشيخ: الثالثة؛ لأن أولي العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام أفضلهم النبي ﷺ، ثم إبراهيم، ثم موسى، وعيسى ونوح ما يجد الإنسان بينهم مفاضلة؛ لأن لكل واحد منهما مزية ليست للآخر، ولهذا ما نرجِّح واحدًا منهما على الآخر، أما الأولون الثلاثة فالترجيح بينهم واضح.
* طالب: الترجيح بينهم، أليس فيه نهي؟
* الشيخ: لا، بس بيان الفضل، لكن المفاضلة على سبيل المفاخرة ما يجوز، ولهذا قصة اليهودي مع المسلم.
* طالب: ترتيبهم في القرآن ما يدل على التفضيل؟
* الشيخ: إلَّا، التقديم.
* طالب: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [الأحزاب ٧]
* الشيخ: وفي الآية الثانية ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾ [الشورى ١٣].
والظاهر -والله أعلم- أن نوح قُدِّم هنا لأنه هو أول الرسالات رسالةً، ما هو لأنه أفضل، وهو لا شك أنه أول رسول.
* طالب: هارون من هو؟
* الشيخ: هارون هذا أخوها، لكنه لم يُذكر له نبوة في القرآن.
* طالب: سُمِّي لأن هارون من الأنبياء؟
* الشيخ: إي نعم، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام (...).
* طالب: مريم كان لها أخ اسمه هارون.
* الشيخ: إي.
* الطالب: لكن ما هي بأمه يا شيخ، نذرت ما في بطنها لله سبحانه وتعالى؟
* الشيخ: يجوز أن يكون أخًا من أبيها (...).
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بالأمس قلنا: إنه بناء على تقدمكم -ولله الحمد- في معرفة استنباط الفوائد نجعل ذلك إليكم.
فأولًا: قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ ما الذي يستفاد من هذه الآية؟
أولًا: يستفاد من قوله: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [النمل ١] يلا أعطنا فائدة؟
* طالب: أن هذه الآيات هي من القرآن الكريم، ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾ أن القرآن آية وعلامة على صدق الرسول ﷺ.
* الشيخ: زين، هذه واحدة، أن القرآن آية، لما تضمنه من الأخبار الصادقة والأحكام العادلة إلى آخره، الفائدة الثانية؟
* طالب: أن القرآن مكتوب سابقًا ولاحقًا.
* الشيخ: لقوله؟
* الطالب: ﴿وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
* الشيخ: الثالثة؟
* طالب: أن..
* الشيخ: أن القرآن مكتوب سابقًا ولاحقًا.
* طالب: ذكر بعض الآيات يعم ذكر فيه هدى أشار إلى بعض الآيات.
* الشيخ: لا ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾ بس ها الآية ما (...) تعم.
* الطالب: ﴿وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾ مبين أن القرآن بيّن بنفسه مبين لغيره.
* الشيخ: عمومًا ولّا في بعض الأشياء؟
* الطالب: في بعضها.
* الشيخ: ها؟
* الطالب: مبين كلمة مبين في هذه الآية مبين أنه..
* الشيخ: ويش تقول؟
* طالب: في الآية هذه؟
* الشيخ: إي، هو مبين في كل الأشياء ولّا في بعض الأشياء، عام؟
* الطالب: لم يقل في بعضها مبين..
* الشيخ: هل فيه آية صريحة في هذا الموضوع؟
* طالب: آية يعني صريحة في ذلك؟
* الشيخ: إي، بأن القرآن مبين لكل شيء.
* طالب: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل ٨٩].
* الشيخ: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾.
* يستفاد أيضًا من الآية -يمكن بعيدة لكن أنا أبينها- أن القرآن لا يخرج عن كونه قرآنًا ولو كتب؛ لقوله: ﴿كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، فهو كلام الله، سواء قرئ أو كتب، وذلك مفهوم من قوله: ﴿آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾ ولا يكون آية إلا إذا كان من كلام الله.
﴿هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [النمل ٢] يستفاد منها؟
* طالب: أن القرآن هدى، هاديًا، يعني يهدي إلى (...) ولكن في نفسه هادٍ مثل هدى، أن القرآن هادٍ للناس ﴿وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وكذلك أن فيه أي في هذا الكتاب ما يبشر، ما يخبر المؤمنين بخير (...).
* الشيخ: يمكن في نفسك لكن ما عرفت تعبر عنها، أحد عنده جواب غير هذا؟ تمام، أن يقال: هدى للناس المراد بالهداية هنا هداية الإرشاد، كل الناس يسترشدون به لو شاءوا، يعني معناه أن ما فيه نقص في دلالته، لكن هداية التوفيق لمن؟
* الطلبة: للمؤمنين.
* الشيخ: للمؤمنين، خاصة بالمؤمنين، كمل من الآية ﴿هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: أنه بشرى للمؤمنين بأي شيء، بالجنة وبس؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: مؤكدًا بـ(إن) واللام.
* وفيه أيضًا دفاع الله تبارك وتعالى عن أهل ولايته؛ لأنه لا شك أن هذا الدفاع من الله عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
* وفيه أيضًا: أن حكمة الله تبارك وتعالى مبنية على العلم، يعني ما جاءت عفوًا، قد يفعل منا الواحد يفعل الشيء ويكون هذا الشيء الذي فعله في موضعه، لكن قد يكون عفوًا جاء، كما يقول الناس: (...)، لكن حكمة الله تبارك وتعالى صادرة عن أيش؟ عن علم.
* وفيه أيضًا: إقناع الناس بما يقضيه الله تبارك وتعالى من قضاء قدري أو قضاء شرعي، وجه ذلك: أننا إذا علمنا أنه صادر عن حكمة فإننا نسلم ونرضى، ما نقول: لم وكيف، ما دام علمنا هذا، إنْ علمنا نحن الحكمة فهذا من الله سبحانه وتعالى، وهو لا شك أنه يزيد في طمأنينة العبد، وإذا لم نعلم فإننا نجزم أنه حكمة.
* طالب: بيان فضيلة الرسول عليه الصلاة والسلام.
* الشيخ: منين نأخذ؟ يعني علو الشريعة تقصد ولا إيه؟
* الطالب: لا، فضيلة الرسول عليه الصلاة والسلام.
* الشيخ: فضيلة الرسول.
* الطالب: نعم، حيث اختص بالقرآن..
* الشيخ: إي نعم، حيث اختص بالرسالة تقصد.
* الطالب: نعم، العلم والحكمة.
* الشيخ: إي نعم، هذه ذكرناها العلم والحكمة.
* طالب: ما يتضمن أيضًا ما يدل أيضًا على أن القرآن متضمن للعلم، كما أنه متضمن للحكمة؟
* الشيخ: إلا هو القرآن علم بالحقيقة، إي ما فيه شك، إي نعم يدل على أن القرآن علم (...).
﴿ ﴾
{"ayahs_start":1,"ayahs":["طسۤۚ تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابࣲ مُّبِینٍ","هُدࣰى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِینَ","ٱلَّذِینَ یُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ یُوقِنُونَ","إِنَّ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ زَیَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَـٰلَهُمۡ فَهُمۡ یَعۡمَهُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡعَذَابِ وَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ","وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ عَلِیمٍ"],"ayah":"وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ عَلِیمٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق