الباحث القرآني
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ تقدم أن مثل هذا التعبير هذه الجملة فيها ثلاثة مؤكدات: القسم واللام وقد.
﴿أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ ﴿أَخَاهُمْ﴾: مفعول ﴿أَرْسَلْنَا﴾، و﴿صَالِحًا﴾: عطف بيان له، عطف بيان وليس بدلًا؛ لأن كونه عطف بيان أوضح؛ إذ إنه يبين المبهم في قوله: ﴿أَخَاهُمْ﴾.
يقول المؤلف: يقول الله تعالى: ﴿إِلَى ثَمُودَ﴾ ثمود هذه قبيلة موجودة في مكان يُسَمَّى الآن..
* طالب: مدائن.
* الشيخ: مدائن صالح، ويُسَمَّى الحِجْر، ويُسمَّى ديار ثمود، هذه القبيلة يسَّر الله تبارك وتعالى لها من أسباب العمران في السهل والجبل ما برزت به على غيرها، كما قال لهم نبيهم مذكِّرًا لهم: ﴿تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾ [الشعراء ١٤٩] أرسل الله إليهم صالحًا، وآتاهم بآية عجيبة وهي ناقة لها شِرْب وللقوم شِرْب، يعني: أن هذه البئر التي تشرب منها الناقة وهي أوسع الآبار وأغزرها ماء أُذِن لهم بأن يشربوا منها يومًا، وأُمِروا بأن يدعوها يومًا للناقة تشرب منه وتذهب في اليوم الثاني للرعي، وفي اليوم الذي تشرب منه قيل: إنهم يأتون إليها، ومن سقاها دلوًا أعطته دلوًا من اللبن، هذا من الأمور الإسرائيلية اللي ما تصدق ولا تكذب، لكنه مع هذه النعمة العظيمة في هذه الناقة كفروها والعياذ بالله ﴿فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ﴾ [القمر ٢٩] وعقروا هذه الناقة وكفروا بهذه النعمة العظيمة.
يقول: ﴿أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ (﴿أَخَاهُمْ﴾ من القبيلة)، ليش قال: (من القبيلة)؟ احتراز من الدِّين؛ لأنه ليس أخًا لهم إلا نفرًا يسيرًا آمنوا معه.
﴿صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ (أي: بأن اعبدوا الله) أفادنا المؤلف أن (أن) هنا مصدرية، ولكن يجوز فيها وجه آخر: أن تكون تفسيرية؛ لأن أرسلنا يتضمن أوحينا، والوحي فيه معنى القول دون حروفه، وهذا هو دلالة (أن) التفسيرية أن يسبقها فعل فيه معنى القول دون حروفه.
إذا قلنا: إنها تفسيرية ما صح أن نقدر الباء، أي: بأن، بل نقدر أن بمعنى: أي، (أي اعبدوا الله)، يعني: أوحينا إليه أي اعبدوا الله.
﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ قال: (وحدوه)، وهذا مأخوذ من تفسير ابن عباس -فيما أظن- لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦] قال: ليوحدون، فجعل العبادة هي التوحيد، ولكن الصحيح أن العبادة: التذلل لله سبحانه وتعالى بالطاعة؛ لأن هذه المادة العين والباء والدال تدل على الذُلّ، ومنه قولهم: طريق معبَّد أي: مذلَّل لسالكيه، فعبادة الله معناها: الذلُّ له بالطاعة؛ ومنه، بل من أعظم ذلك توحيده.
فالصواب أن المراد بالعبادة: التذلل لله سبحانه وتعالى بالطاعة ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي، هو الغالب أن التزلف على هذا، التعظيم بلا شك والمحبة معه.
قال: ﴿فَإِذَا هُمْ﴾ (الفاء) حرف عطف، و (إذا) فجائية، يعني: فما الذي حصل بعد إرساله؟ إذا هم، المفاجأة بالتفرق.
(﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾ في الدين، فريق مؤمنون من حين إرساله إليهم، وفريق كافرون).
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: (من حين) يكون أحسن؛ لأن (إذا) فجائية.
انقسم قومه إلى قسمين؛ قسم آمنوا به، وقسم آخر كفروا به.
مَنِ الذين آمنوا به؟ المستضعفون، كما قال الله تعالى في سورة الأعراف..
* الطالب:(...)؟
* الشيخ: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الأعراف ٧٥] شوف ما قال: أتؤمنون به، أتعلمون.
فماذا قال هؤلاء؟ ﴿قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ يعني: لسنا نعلم فقط، بل نعلم ونؤمن، ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الأعراف ٧٦] ما قالوا: إنا به كافرون، ﴿بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ﴾ بإظهار المضادة لهم والمعاندة، يعني: ما دام آمنتم أنتم فأنتم الضعفاء (...) ضدكم على طول ﴿إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾، وهذا أبلغ ما يكون -والعياذ بالله- من المضادة والمحادة والاستكبار أيضًا، كأنهم يقولون: أنتم الذين تؤمنون به هذا نكفر به، هؤلاء الفريق آمنوا وفريق كفروا.
﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾ يعني: يجري بينهم خصام، وهذا الخصام الذي جرى بين قوم صالح جرى أيضًا في قوم الرسول ﷺ، وكل الناس قومه ولا بد: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان ٣١] لا بد من هذا، ولا يمكن أن يتمحص الحق إلا بظهور العدو؛ لأن العدو يورد والوحي يجيب حتى يتمحص الحق بيِّنًا ظاهرًا، حتى في الأمور الواقعية، حتى في الانتصار وفي الخذلان يحصل هذا أيضًا.
فالله تبارك وتعالى ذكر من فوائد الخذلان في أحد: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٤١] فلا يتبيَّن الحق تمامًا إلا بظهور عدوٍّ له يناقضه ويعاديه حتى يظهر الحق على الباطل.
﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾.
(﴿قَالَ﴾ للمكذبين ﴿يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ أي: بالعذاب قبل الرحمة؛ حيث قلتم: إن كان ما أتيتنا به حقًّا فأتنا بالعذاب).
﴿لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ الاستفهام هنا للإنكار والتوبيخ والتعدد؛ يعني: أنه يوبخهم وينكر عليهم هذا الأمر ويتعجَّب من حالهم؛ لأن حال العاقل أن يستعجل بالحسنة قبل السيئة، لا أن يستعجل بالسيئة قبل الحسنة، لكن السفيه –والعياذ بالله- سفيه، مثلما قالت قريش: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال ٣٢] ما قالوا: (إن كان هذا هو الحق فاهدنا إليه)، ﴿أَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً﴾ [الأنفال ٣٢]، وهذا -نسأل الله العافية- في غاية ما يكون من الاستكبار والاستفساق.
هؤلاء يستعجلون بالسيئة قبل الحسنة ويقولون: ﴿ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [العنكبوت ٢٩].
وهذا التحدي من أعداء الرسل للرسل يدل على تماديهم في العناد، وأنهم غير مؤمنين، ولكن هذا الأمر لا يجابون إليه، وإن كان في ذلك نصر للرسول لكنهم لا يجابون إلى ذلك؛ لأنه إذا أجيبوا إليه صار معناه: أنهم يجابون على اقتراحاتهم، مثلما قالوا لما قيل لهم عن البعث قالوا: ﴿ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الجاثية ٢٥] فيقال لهم: الرسل ما قالوا لكم إنكم تبعثون الآن، تبعثون متى؟ يوم القيامة، لو قالوا تبعثون الآن كان يقول: نعم، جيبوا آباءنا، لكن هم قالوا: تبعثون يوم القيامة، وانتظروا يوم القيامة وستجدون آباءكم.
نقول: يقول الله عز وجل حكاية عن صالح: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ﴾ (من الشرك) (لولا) بمعنى: هلَّا، وهذا من معاني لولا؛ أن تكون للتحضيض، ولها معانٍ أخرى أيضًا ويش هي؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، ويقال فيها: حرف؟
* الطالب: امتناع.
* الشيخ: حرف امتناع لوجود، ﴿لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ﴾ [الحج ٤٠] أيش اللي امتنع؟
* الطالب: تهديم الصوامع.
* الشيخ: تهديم الصوامع لدفع الله سبحانه وتعالى الناس بعضهم لبعض، ما الذي يُعَيِّن هذا المعنى من هذا المعنى؟
* الطلبة: السياق.
* الشيخ: يُعَيِّنُه السياق، وبهذا وبكثير من أمثاله يتبين أن الكلمات ليس لها معنىً ذاتيّ بمعنى أنها خلقت له، وإنما هي قوالب وثياب للمعنى الذي يدل عليه السياق، فأي ثوب يركبه لمعنى يدل عليه السياق فهو فهو، وبهذا التقرير أيضًا يَتَبَيَّن أن ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أنه لا مجاز في اللغة العربية أنه أمر صحيح، وأن كل كلمة استُعملت في مقامها فهي حقيقة فيه، وكل مثلًا ما تُعرف في هذا اللفظ إلا لذاك المعنى الذي لم تُسْتَعمل فيه ما يدل على أن ذاك هو معناها الذاتي؛ لأننا نقول: ليس للكلمات معنىً ذاتي، والله أعلم.
* * *
ذكر الله سبحانه وتعالى أنه أرسل إلى ثمود أخاهم صالحًا وأكد هذا الخبر.
* فيستفاد منه: أنه ينبغي أو يجب أحيانًا تأكيد الأخبار المهمة ليكون المخاطب على يقين منها، ولا تقل: أنا لست ملزومًا ولا يهمني صَدَّق أم كذَّب، بل إن مقتضى النصح أن تؤكد ما ينبغي تأكيده للمخاطَب.
* والفائدة الثانية: دليل على أن الرسل السابقين رسالتهم خاصة، ليست عامة؛ لقوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ﴾ ما قال: إلى الناس جميعًا، ﴿إِلَى ثَمُودَ﴾، وهذا ثبت به الحديث عن النبي ﷺ في قوله: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١ / ٣) من حديث جابر بن عبد الله.]].
* الفائدة الثالثة: أنه يصح إطلاق الأُخُوَّة النَّسَبِيَّة بين المسلم والكافر، فلا يقال: إذا انتفت الأخوة الإيمانية انتفت الأخوة النسبية، بل كلٌّ منهما إذا انتفى يبقى الآخر، لقوله..
* طالب: ﴿أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾.
* الشيخ: ﴿أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾.
* وفي الآية أيضًا الفائدة الرابعة: أن الذي أُرسِلَت به الرسل هو ما خُلِقَ له البشر، بل الجن والإنس: وهو عبادة الله؛ لقوله: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾، والعبادة سبق معناها.
* طالب: (...).
* الشيخ: أي: هي عبادة الله، أن الذي أُرسل به الرسل هو ما خُلِق له الخلق وهو عبادة الله.
* الفائدة الخامسة: انقسام الناس إلى فريقين في مقابلة الرسل أو في مواجهة الرسل: مؤمن وكافر، وهذا لتحقيق الحكمة الابتدائية، والغائية في خلق الله، قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن ٢] لو كانوا كلهم مؤمنين ما صار منهم كافر ومؤمن هذه حكمة ابتدائية بالخلق منذ خُلِق.
أيضًا: لتتم الحكمة الغائية، الحكمة الغائية: هو أن الله تعالى خلق جنة ونارًا، وخلق لكلٍ منهما أهلًا، فلو كان الناس كلُّهم مؤمنين لم يكن لخلق النار فائدة؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود ١١٨، ١١٩] هذا ابتداء.
ثانيًا: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود ١١٩] هذا الغاية، إذ لو لم يكن مؤمن وكافر هل تتم كلمة الله في ملء جهنم؟ ما تتم.
* إذن فالفائدة الخامسة: انقسام الناس في مجابهة الرسل إلى قسمين: مؤمن، وكافر، والحكمة من ذلك: هو تمام حكمة الله تبارك وتعالى ابتداء وغاية، ابتداء حيث خلق الناس منهم مؤمن ومنهم كافر، وغاية، عليكم هذا؟
* الطالب: (...) وخلق (...).
* الشيخ: نعم، ولولا ذلك لم يكن لخلق النار فائدة، ولما تمت كلمة الله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود ١١٩].
* الفائدة السادسة: وقوع الخصام بين المؤمنين والكافرين، وأنه أمر لا بد له، حتى أنه ربما يصل إلى الصدام المسلح، وهذا واضح ﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾، وقال تعالى في هذه الأمة: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ [الحج ١٩] الخصام لا بد منه مع آباء الرسل وأولياء الرسل وربما يصل ذلك إلى الصدام المسلح والقتال وهذا أمر مشاهد نستفيد من هذه الفائدة السادسة.
* الفائدة السابعة: وهو أن كل متصدٍّ للدعوة إلى الله فلا بد أن يجد خصومًا، كل متصدٍّ للدعوة إلى الله لا بد أن يجد خصومًا؛ لأنه إذا كانت الدعوة في ابتدائها مع من جاء بها وهو الرسول تلاقي ذلك فما بالك بانتهائها.
وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان ٣١] قد نتوسع في معناها ونقول: لكل نبيٍّ لا لشخص النبي ولكن لدعوة النبي؛ بدليل أن النبي قبل أن يُبعَث هل له عدو؟ لا، الرسول ﷺ كان يُسمَّى الأمين عند قريش قبل أن يُبعَث وكانوا يقدِّرونه ويعظِّمونه ويُحِبُّونه، وبعد أن بعث وصار نبيًّا قامت الحرب بينهم وبينه.
إذن ممكن أن نقول: إن قول الله سبحانه وتعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ﴾ [الفرقان ٣١] أي: من حيث الدعوة، وعلى هذا فما بقيت هذه الدعوة سوف يكون لها عدوٌّ من المجرمين.
نأخذ أيضًا من الفائدة التي استشهدنا بها: أعظم مؤيِّد للداعي إلى الله نأخذ منها أعظم تأييد للداعي إلى الله حيث وصف الله خصومه بالإجرام.
إذن ما دام الداعي معتقدًا وواثقًا من نفسه أنه على بصيرة فليبشر بالتأييد ولو بالعاقبة؛ لأن خصومه وصفهم الله تعالى بالإجرام، والله تبارك وتعالى لا يصلح عمل المجرمين.
ثم قال: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
* يستفاد من هذه الآية: الإنكار على من استعجل بالسيئة قبل الحسنة ولّا لا؟
والاستعجال على نوعين؛ أحدهما: استعجال بالقول، بأن يقولوا: ﴿أْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الأعراف ٧٠]، ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال ٣٢].
واستعجال بالفعل والحال: بأن يسلكوا مسلكًا يكون به العذاب، وذلك بالمعاصي، فإن المعصية استعجال بالعذاب بلا شك، الذين يعصون الله سبحانه وتعالى معناه أنهم استعجلوا عذابه؛ حيث إنه سبحانه وتعالى أخبر بأن المعاصي سبب للعقوبة والعذاب فإذا صار الإنسان يمارس هذه المعاصي فإنه يقول بلسان حاله أين العذاب؟ وعلى هذا فإذا رأيت الأُمَّة على معصية الله، وإن لم تقل: أين عذاب الله؟ وأين ما وعدتم به؟ فإنها في الحقيقة تستعجل عذاب الله سبحانه وتعالى.
إذن يؤخذ منه الإنكار على من استعجل عذاب الله والاستعجال يكون بالقول وبالفعل اللي هو الحال يعني بقول الإنسان وحاله.
أما القول فأن يقول: أين عذاب الله؟ ائتنا بعذاب الله وما أشبه ذلك.
وأما الحال فإن المعصية استعجال بالعذاب؛ لأن الله تعالى رتَّب العذاب عليها ففاعلها يقول: هات؛ لأن فاعل السبب أيش يريد؟ يريد وقوع المسبب.
وفي هذا يستفاد منه فائدة تاسعة أظن؛ * يستفاد من ذلك: نصح الرسل لأممهم؛ لأن إنكار صالح على قومه ماذا يريد منهم؟
يريد منهم أن يستقيموا على أمر الله؛ ولهذا قال: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ﴾.
* وفي هذا دليل على: أن الاستغفار سبب لرفع العقوبة (...)؛ لقوله: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ﴾.
وهو كذلك فإن الاستغفار سبب لرفع العقوبة.
* وفيه دليل على: أن الاستغفار سبب لجلب الرحمة، وهو أمر فوق دفع العقوبة؛ لقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، وقد قال نوح لقومه: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح ١٠ - ١٢] وهذه رحمة من الله عز وجل نتيجة الاستغفار؛ إذن فالاستغفار سبب لاندفاع النِّقَم وجلب النِّعَم، وما هو الاستغفار؟
* طالب: الاستغفار طلب التوبة.
* الشيخ: لا.
* طالب: الاستغفار مأخوذة من المغفر.
* الشيخ: لا مش معناه.
* الطالب: معناه..
* الشيخ: طلب أيش؟
* الطالب: معناه ستر الذنب مع التجاوز.
* الشيخ: لكن ويش طلب؟ طلب المغفرة.
* الطالب: طلب المغفرة.
* الشيخ: يعني أخطأ بقوله: طلب التوبة، طلب المغفرة، والمغفرة ستر الذنب مع التجاوز عنه وطبعًا يستلزم طالب المغفرة يستلزم طلبه للمغفرة إذا كان حقيقة أن يقلع عن الذنب لأنه كيف يقول: أستغفر الله من الربا، وهو يقع في الربا، ما يصلح هذا، فطالب الشيء لا بد أن يسعى بأسبابه.
إذا قلت: اللهم ارزقني ولدًا صالحًا، قال: ما أنا متزوج، إن شاء الله يقدِّر لي ولدًا صالحًا، بييجي؟
يصلح؟ تستغفر الله وأنت لم تفعل أسباب المغفرة؟ ما ينفع، فلا بد من فعل أسباب المغفرة بالاقلاع عن المعصية، ثم طلب أن يغفر الله لك.
وإذا كان الاستغفار سببًا لجلب الرحمة فإنه من أسباب الفتح على المرء فتح العلم؛ أن الله يفتح عليه علمًا لم يكن يعلمه من قبل، يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ١٠٥، ١٠٦].
وكان بعض أهل العلم إذا سئل عن مسألة قدَّم بين يدي إجابته الاستغفار فقال: استغفر الله استغفر الله حتى يفتح له وهذا ظاهر؛ لأن الذنوب تحول بين المرء وبين العلم وبين المرء وبين الفهم فإذا غُفِرَت زال هذا الحجاب؛ قال الله تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة ١٣] الأول باختيارهم وهو التحريف، والثاني بغير اختيارهم وهو النسيان؛ فالمعاصي سبب للحرمان من العلم والفهم، والاستغفار رفع للمعاصي وآثارها، فيقتضي العلم والفهم، ومناسبته من الآية التي سقناها من آية النساء واضحة ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ١٠٥، ١٠٦] فتعقيب الحكم بين الاستغفار دليل على أنه من أدوات الحكم بالحق الاستغفار، وكان رسول الله ﷺ يكثر الاستغفار «حتى إنه ليستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة»[[أخرجه البخاري (٦٣٠٧) من حديث أبي هريرة بلفظ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ...».]].
ويُحْصَى له في المجلس الواحد أكثر من مئة مرة: «أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ»[[أخرجه أبو داود (١٥١٦)، والترمذي (٣٤٣٤) من حديث ابن عمر بنحوه.]]؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكانت أسباب المغفرة في حقِّه أكثر من غيره.
ومن أسباب المغفرة أن يستغفر بلسانه وهو عليه الصلاة والسلام يعلم أن الأشياء بأسبابها علم أن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فجعل يكثر من أسباب مغفرته هذه بالاستغفار بلسانه، وكذلك أيضًا بفعل أسباب المغفرة بأفعاله، وهكذا ينبغي للإنسان إذا مَنَّ الله عليه بشيء أن يحقق ذلك الشيء بفعل الأسباب ولا يتكل، لولا تتقون الله.
وفي هذا الآية من الفوائد أيضًا: إثبات الحكمة لله عز وجل؛ لقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ الرحمة لها سبب، وكون الله تبارك وتعالى يُقْرِن أفعاله بأسبابها يدل على كمال الحكمة؛ لأن من يفعل أفعالًا عنجهية ليس لها أسباب..
﴿لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ﴾ [النمل ٤٦].
* وفي هذا؛ أي في الآية من الفوائد أيضًا: إثبات الحكمة لله عز وجل؛ لقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، الرحمة لها سبب، وكون الله تبارك وتعالى يقرن أفعاله بأسبابها يدل على كمال الحكمة؛ لأن من يفعل أفعالًا عنجهية ليس لها أسباب هذا سفيه، لكن من يربط الأفعال بأسبابها (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: عشرة؟ لا.
* طالب: أربعة عشر.
{"ayahs_start":45,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَـٰلِحًا أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمۡ فَرِیقَانِ یَخۡتَصِمُونَ","قَالَ یَـٰقَوۡمِ لِمَ تَسۡتَعۡجِلُونَ بِٱلسَّیِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِۖ لَوۡلَا تَسۡتَغۡفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ"],"ayah":"وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَـٰلِحًا أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمۡ فَرِیقَانِ یَخۡتَصِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق