الباحث القرآني

ولَمّا أتَمَّ سُبْحانَهُ هَذِهِ القِصَّةَ المُؤَسَّسَةَ عَلى العِلْمِ المُشَيَّدِ بِالحِكْمَةِ المُنْبِئَةِ عَنْ أنَّ المَدْعُوِّينَ فِيها أطْبَقُوا عَلى الِاسْتِسْلامِ لِلدُّخُولِ في الإسْلامِ، مَعَ أبالَةِ المُلْكَ ورِئاسَةِ العِزِّ، والقَهْرِ عَلى يَدِ غَرِيبٍ عَنْهم بَعِيدٍ مِنهم، أتْبَعَها قِصَّةً انْقَسَمَ أهْلُها مَعَ الذُّلِّ والفَقْرِ فَرِيقَيْنِ مَعَ أنَّ الدّاعِيَ مِنهم لا يَزُولُ بِاتِّباعِهِ شَيْءٌ مِنَ العِزِّ عَنْهم، مَعَ ما فِيها مِنَ الحِكْمَةِ، وإظْهارِ دَقِيقِ العِلْمِ بِإبْطالِ المَكْرِ، بَعْدَ طُولِ الأناةِ والحِلْمِ، فَقالَ تَعالى مُفْتَتِحًا بِحَرْفِ التَّوَقُّعِ والتَّحْقِيقِ لِمَن ظَنَّ أنَّ هَذا شَأْنُ كُلِّ رَسُولٍ مَعَ يَدْعُوهم، عاطِفًا عَلى ﴿ولَقَدْ آتَيْنا داوُدَ﴾ [النمل: ١٥] ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا﴾ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿إلى ثَمُودَ﴾ ثُمَّ أشارَ إلى العَجَبِ مِن تَوَقُّفِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿أخاهم صالِحًا﴾ فَجَمَعَ إلى حُسْنِ الفِعْلِ حُسْنَ الِاسْمِ وقُرْبَ النَّسَبِ. ثُمَّ ذَكَرَ المَقْصُودَ مِنَ الرِّسالَةِ بِما لا أعْدَلُ مِنهُ ولا أحْسَنُ، وهو الِاعْتِرافُ بِالحَقِّ لِأهْلِهِ، (p-١٧٤)فَقالَ: ﴿أنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ أيْ: المَلِكَ الأعْظَمَ [الَّذِي لا كُفُؤَ لَهُ] وحْدَهُ، ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ولاسِيَّما شَيْئًا لا يَضُرُّ بِوَجْهٍ ولا يَنْفَعُ، بَيانًا لِأنَّ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُتَّفِقُونَ عَلى ذَلِكَ عَرِبُهم وعَجَمُهم. ثُمَّ زادَ في التَّعْجِيبِ مِنهم بِما أشارَتْ إلَيْهِ الفاءُ وأداةُ المُفاجَأةِ مِنَ المُبادَرَةِ إلى الِافْتِراقِ بِما يَدْعُو إلى الِاجْتِماعِ فَقالَ: ﴿فَإذا هُمْ﴾ أيْ: ثَمُودُ ﴿فَرِيقانِ﴾ ثُمَّ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَخْتَصِمُونَ﴾ أنَّها فِرْقَةٌ افْتِراقٌ بِكُفْرٍ وإيمانٍ، لا فِرْقَةَ اجْتِماعٍ في هُدًى وعِرْفانٍ، فَبَعْضُهم صَدَّقَ صالِحًا واتَّبَعَهُ كَما مَضى في الأعْرافِ. وتَأْتِي هُنا الإشارَةُ [إلَيْهِ] بِقَوْلِهِ ﴿وبِمَن مَعَكَ﴾ [النمل: ٤٧] وبَعْضُهُمُ اسْتَمَرَّ عَلى شِرْكِهِ وكَذِبِهِ، وكُلُّ فَرِيقٍ يَقُولُ: أنا عَلى الحَقِّ وخَصْمِي عَلى الباطِلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب