الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: (﴿قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾ في الهمزتين ما تقدم) ﴿المَلَأُ أَيُّكُمْ﴾، ويش اللي تقدم؟ تحقيقهما، تحقيق الهمزتين ﴿يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ﴾ [النمل ٣٨]. وتسهيل الثانية بقلبها واوًا ﴿يَا أَيُّهَا المَلَأُ وَيُّكُمْ﴾ .
(﴿يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ منقادين طائعين، فلي أخذه قبل ذلك لا بعده). قال: ﴿قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ من أين عرف أنهم سيأتون مسلمين إليه؟
عرف ذلك من أنهم إذا سمعوا بما قال الرسول الذي قال له: ارجع إليهم، فإنه لا بد أن يستسلموا وينقادوا، فهو أيضًا حكم بالقرائن، ويجوز أن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه بذلك لأنه نبي، فالمسألة دائرة بين أن يكون حكم بكونهم يأتون مسلمين بناءً على القرينة، ويحتمل أن يكون ذلك بوحي من الله سبحانه وتعالى.
ولكن قوله: ﴿قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ نبّه المفسّر على أنه إذا كان العرش أُخذ قبل أن يأتوا مسلمين إليه، فهو جائز، وإذا كان بعد ذلك فليس بجائز.
وفي هذا نظر؛ لأنها هي بمجرد ما تفارقه مسلمة تكون قد أحرزت مالها، ولّا لا؟ وقد حمته، فمالها محترم قبل أن تصل إلى سليمان بمجرد إسلامها، وهي إذا غادرت ستأتي بلا شك مستسلمة، فإنه قال لهم بالأول: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل ٣١] وليس غرضه -والله أعلم- أنه إذا كان قبل إسلامهم جاز له أخذه، وإذا كان بعده لم يجز.
ثم إن الظاهر أيضًا أن سليمان لا يريد تملك هذا العرش، وإنما يريد إظهار قوته أمامها، وأنه استطاع أن يأتي بعرشها قبل أن يصلوا إليه، ولا يريد أن يتملكه حتى يرد ما قاله المؤلِّف.
لما قال: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ (﴿قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ هو القوي الشديد).
العفريت: القوي الشديد، ولا زال هذا المعنى إلى الآن موجودًا، إذا قلنا: فلان عفريت يعني: قوي شديد أو نقول بعد أبلغ من هذا.
﴿قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾. آتي هي اسم فاعل ولّا فعل؟
* طالب: فعل.
* الشيخ: ويش تقولون أنتم؟
* طالب: نعم فعل.
* الشيخ: طيب ما يخالف، ويش الفاعل من (أتى)؟
* طالب: آت.
* الشيخ: آت، (كل آتٍ قريب)، وهنا؟
* الطالب: أصلها أأتي (...).
* الشيخ: يعني ما يصلح أن أقول: أنا آتٍ إليك به، أن التقدير: أنا آتٍ إليك به قبل أن تقوم من مقامك؟
* الطالب: يصح.
* الشيخ: يصح، لكن الظاهر أنها فعل؛ لأن هذا العمل من الأفعال.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، حتى هذه: أنا آتٍ به.
﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ﴾، ولكن الأقرب أنه فعل، يقربه أن الأصل في العمل الأفعال، والكاف معمول، ضمير مفعولٌ به، فهذا هو الأصل ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، عندنا همزة ممدودة.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) لا ما وضح، كأنه خطأ، هذا عندك الصاوي ؟ حاشية ويش هو؟ غير الجلالين؟
* طالب: إي غير الجلالين.
قال: (﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ الذي تجلس فيه للقضاء، وهو من الغداة إلى نصف النهار).
هذا لا دليل عليه، هذا من الأمور التي لا دليل عليها، ولكن قوله: ﴿قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ المراد أنا آتيك به بسرعة، وهذا أسلوبٌ معروف، أنا أجيبه قبل أن تقوم، لا زال إلى الآن موجودًا هذا الأسلوب، فالمعنى: أنا آتيك به بسرعة.
﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ﴾ أي: على هذا العرش (﴿لَقَوِيٌّ﴾ أي: على حمله ﴿أَمِينٌ﴾ أي: على ما فيه من الجواهر وغيرها).
لما قال: آتيك به، هذا إخبار، ولكن يحتاج إلى تأكيد لهذا الأمر أن يحضره قبل أن يقوم من مقامه، فقال: ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ﴾ ولست بضعيف، بل سوف أحضره بهذه السرعة.
وأيضًا ﴿أَمِينٌ﴾ أي: لا أخون فيه بشيء، لا على نفس العرش ولا على نفس ما فيه من الجواهر وغيرها.
وهذان الوصفان يحتاج إليهما كل عامل، كما قال الله تبارك وتعالى عن بنت صاحب مدين: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ [القصص ٢٦]، وهذان الوصفان مطلوبان في كل عمل؛ لأنه إذا فاتت القوة لم يحصل العمل من أجل العجز، وإذا وجدت القوة ولكن فاتت الأمانة فإنه أيضًا يتخلف العمل بسبب الخيانة.
(قال سليمان: أريد أسرع من ذلك) من الذي قالها؟
* طالب: سليمان.
* الشيخ: لا دليل عليه، ولكن (﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ المنزل، وهو آصف بن برخيا، كان صدِّيقًا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعا به أجاب) عندي: (دعا به) ولكن المعروف أنه (إذا دُعِيَ به). هو المعروف اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب لكن يحتمل أنه إذا دعا به هذا الرجل الذي عنده علم من الكتاب، يعني: أن هذا الرجل قد جرّب وقد عرف أنه إذا دعا الله تعالى بهذا الاسم أجابه، فيكون هنا أنسب أن يقال: (إذا دعا به أجاب)؛ لأن هذا الرجل اللي عنده علم من الكتاب يعلم أو قد جرّب إذا دعا بهذا الاسم أجاب.
وهذا أيضًا ليس بلازم أن يكون هذا الإنسان الذي عنده علم من الكتاب يريد أن يدعو الله تبارك وتعالى باسمه الأعظم، وإنما نقول: هذا الرجل أعطاه الله تعالى علمًا من الكتاب المنزّل. ولا شك أن الإنسان العالم يعرف الأدوات والصيغ التي تكون أقرب إلى الإجابة، سواء باسم الله الأعظم أم بغيره.
يقول: (﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ إذا نظرت به إلى شيء) الله أكبر! أيهما أسرع؟
* طلبة: الثاني.
* الشيخ: الثاني، هذا كلمح البصر.
﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ﴾ أي: يرجع ﴿إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ أي: نظرك.
فأنت مثلًا إذا نظرت هكذا أمامك، انظر هكذا بسرعة فائقة، وتأمل سبحان الله العظيم اللي بيأتي من اليمن إلى الشام بهذه السرعة العظيمة؛ لأنه يأتي بأمر الله سبحانه وتعالى، والله تعالى ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُْ﴾ [يس ٨٢]، ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر ٥٠].
فالله تبارك وتعالى إذا أجاب الداعي ما يحتاج إلى مدة ولا إلى مهلة، ولكن مع ذلك يقدّر الله تبارك وتعالى الأمور بأسبابها، قد يدعو الإنسان لمريض أن يشفيه الله سبحانه وتعالى، لكن هل يُشفى كلمحٍ بالبصر؟ لا، له أسباب تقدَّر، لكن الأسباب تنعقد فورًا إذا أراد الله تبارك وتعالى أن يجيب، مع أن الله قادر على أن يبرئ هذا المريض بلحظة، مثلما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يؤتى أحيانًا بالمريض فيدعو له فيشفى بلحظة، جيء إليه بعلي بن أبي طالب في خيبر وهو يشتكي عينه، فبصق فيها ودعا فبرئت كأن لم يكن بها وجع في الحال.
والله تبارك وتعالى على كل شيء قدير، ولكن تأخر الشيء لا يدل على أن الله سبحانه وتعالى ليس بقادر على إبرائه حالًا، ولكنه يدل على أن الله حكيم يقدّر الأمور بأسبابها، حتى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ذكرنا فيما سبق أنه لفائدتين:
أولًا: ما اشتهر عند أهل العلم من أن الله تعالى جعلها في ستة أيام ليعلم العباد التأني في الأمور، وأن المهم إحكام الأمر لا التعجيل فيه.
وشيءٌ آخر: أن خلق هذه الأشياء يحتاج إلى أسباب ومكونات تتفاعل وتنتهي إلى الكمال، فلهذا صارت في ستة أيام.
هنا قال: (﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ فقال له: انظر إلى السماء، فنظر إليها، ثم رد بطرفه فوجده موضوعًا بين يديه، ففي نظره إلى السماء دعا آصف بالاسم الأعظم أن يأتي الله به، فحصل بأن جرى تحت الأرض حتى نبع تحت كرسي سليمان) الله اكبر! يعني غرائب القصص! أولًا: هل أن هذا هو الذي عنده علم الكتاب قال لسليمان: انظر إلى السماء؟
طالب: لا دليل.
الشيخ: ما فيه دليل، ولا حاجة يقول: انظر إلى السماء ﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل ٤٠] في أي نظرٍ أدرت طرفك إليه.
ثانيًا: لو نقول: إنه جاء من الأرض ونبع من تحت الكرسي! يجوز أنه جاء من الأرض، يجوز جاء من فوق الأرض، أو جاء من محل عالٍ جدًّا ونزل، كل هذا لا ينبغي الجزم به، بل يقال: إن الله على كل شيء قدير، المهم أن العرش حضر بلحظة قبلما يرتد إليه طرفه.
وفي قوله: (﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ﴾ أي: ساكنًا) هذه أشكلت على النحويين لأنهم يقولون من قواعدهم: إذا كان الظرف أو الجار والمجرور متعلقه عامًّا فإنه يجب حذفه. مثلًا تقول: زيدٌ في البيت، ما يجوز تقول: زيدٌ كائنٌ في البيت، بل يجب حذف كائن لأنه عام، أما إذا كان خاصًّا، مثل: زيدٌ محبوسٌ في البيت فيجب ذكره؛ لأن (محبوس) لو حذفت ما يدل عليها دليل، بخلاف (زيدٌ في البيت) فإنه بمجرد النطق به يبتبين إياه، يعني يتبين للمخاطب أن المعنى كائنٌ فيه أو موجود فيه.
فهم يقولون: إذا كان الجار والمجرور متعلقًا أو الظرف متعلقه عامًّا وجب حذفه. وهنا مستقر عام ولا خاص؟
* طلبة: عام، هذا يقول: فعل خاص.
* الشيخ: خلينا نشوف كلمة مستقر عام، إذا قلت: زيدٌ في البيت أي مستقر في البيت يعني: كائنٌ فيه، وابن مالك يقول:
؎وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أَوْ بِحَرف جَرْ ∗∗∗ نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أَوِ اسْتَقَرْ
لكن قالوا: إن الاستقرار هنا ليس الاستقرار العام، حتى يجب حذفه، بل هو استقرار خاص غير مطلق الوجود، فلما كان استقرارًا خاصًّا غير مطلق الوجود صار كالمعنى الخاص، ولذلك ذُكر ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا﴾ لاحظوا لو قال: فلما رآه عنده ما تدل على المعنى في كلمة مستقر، صحيح لما رآه عنده كائنًا عنده، لكن ما تدل على أن هذه الكينونة كانت باستقرارٍ وثبات.
وأيضًا ربما يفهم من قوله: ﴿مُسْتَقِرًّا﴾ ما أشار إليه العفريت في الأول وهو القوّة والأمانة؛ لأنه بالقوة والأمانة يأتي العرش على ما هو عليه، ما يتكسّر، الإنسان الضعيف مثلًا ربما عند حمله وهو ضعيف يسقط من يده أو ما أشبه ذلك فيتكسّر، أو إذا لم يكن أمينًا ما يهمه أن يضربه جبل أو شجر أو ما أشبه ذلك، أو هو نفسه يتسلط عليه. فالحاصل: أن هذا الاستقرار له معنى خاص غير الاستقرار العام، فلذلك ذُكر.
﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا﴾ أي: الإتيان لي به ﴿مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ إلى آخره.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٤)﴾ [النمل ٤٣، ٤٤].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل ٣٨].
في هذا دليل على جواز الخطاب إلى المبهم، إذا كان يتعين بعد ذلك بقوله: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾ نعم ما قال: ائتني يا فلان. وهذا النوع من الخطاب يترتب عليه فوائد كثيرة حكمية وخبرية:
فمنها مثلًا: أنه يجوز أن يقول: زوجتك إحدى ابنتي هاتين، ثم يختار إحداهما، مثلما فعل صاحب مدين مع موسى.
ومنها: أنه يجوز أن يقول: بعتك إحدى هاتين السلعتين بكذا، فيختار إحداهما.
ومنها: بعتك هذا بعشرة نقدًا أو بعشرين نسيئة، فيختار أحد الثمنين.
وليست هذه المسألة الأخيرة من باب بيعتين في بيعة، خلافًا لمن زعم ذلك، فإن هذه بيعة واحدة؛ لأنهما لم يتفرقا إلا على إحدى البيعتين.
وأيضًا بيعتان في بيعة سبق لنا أنه جاء فيها نص صحيح صريح في سنن أبي داود، ويش يقتضي؟ أن بيعتين في بيعة هي مسألة العينة؛ لقول النبي ﷺ: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا»[[أخرجه أبو داود (٣٤٦١) عن أبي هريرة.]].
وهذا صريح في أن ذلك مسألة العينة.
* الشيخ: مسألة العينة أن يبيع الشيء عليه بثمن مؤجل ثم أشتريه منه بأقل منه نقدًا، هذه مسألة العينة.
* طالب: نفس البائع يشتريه؟
* الشيخ: إي نفس البائع يشتريه بأقل.
فصار الآن أنه يجوز الخطاب حكمًا وخبرًا المبهم، لكن بشرط أن يتعين قبل تمام الحكم.
طيب هنا: ﴿يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي﴾ وفي هذا دليلٌ على أنه يجوز للإنسان أمام عدوه أن يظهر العظمة؛ لأن سليمان أراد بإحضار هذا العرش، ويش أراد به؟
* طلبة: إظهار عظمته.
* الشيخ: إظهار عظمته وقدرته، وأنه استطاع أن يأتي بعرشها المحصّن بلا شك؛ لأنه كما جرت العادة قصور الملوك لا بد أن تكون محصّنة وعليها حرس، لا سيما مثل العرش.
وأما زعم المؤلِّف أنه إنما أتى به ليتملكه فهذا لا دليل في الآية عليه، لا دليل في الآية على ذلك.
* طالب: ما يرد عن هذا اشتراط تعيين بالنسبة للإنسان؟
* الشيخ: أصلًا ما ينفع العقد إلا بالتعيين، فهو يصح إنه كيف قال: قبلت نكاح فلانة، حصل التعيين، ما يصح يقول: قبلت إحداهما.
كما أن البيع أيضًا بعتك بعشرة نقدًا أو عشرين نسيئة بيقول: قبلت بعشرين نسيئة، قبلت بعشرة نقدًا. لا بد من هذا؛ لأن اللي جاء القبول يعيّن، المهم الكلام على الإيجاب.
وفيها دليل: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ وفيها دليل على أن سليمان عليه الصلاة والسلام إما أنه تفرّس أو أوحي إليه بأن هؤلاء القوم سوف يأتونه، يعني لما رد الرسول بالهدية وقال: ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل ٣٧] ما جاءه الجواب، فطلب أن يُحضر عرشها، مما يدل على أنه علم بأنها ستأتي وقومها، ولكن من أين علم ذلك؟
إما من وحي، وإما من فراسة؛ لأن مثل هذه العبارات التي تُرسل ﴿لَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ بهذه القوة يقتضي أن العدو يخنع ويخضع.
إن كان بفراسة فهو دليلٌ على جواز الحكم بالفراسة، وقد ذكرنا عدة مرات أنه يجوز الحكم على الشيء بمقتضى غلبة الظن، بل يجوز أن يحلف عليه بمقتضى غلبة الظن. والفراسة تؤدي إلى غلبة الظن، ولكن ليس مجرد الوهم يجوز أن تحكم بالظن، بل لا بد للفراسة من قرائن تدل عليه، إما قرائن سابقة، وإما قرائن مقارنة.
وأما أن تحكم بشيء ما فيه قرينة فهذا حكم بالظن.
﴿قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾.
أولًا: في هذه الآية دليل على تسخير الجن لسليمان؛ لقوله: ﴿قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ﴾ هو أول من تكلم.
ثانيًا: دليلٌ على قوة الجن؛ لأنه سوف يأتي بهذا العرش العظيم، يحمله من سبأ؛ من اليمن إلى الشام.
ثالثًا: دليل على سرعتهم، وهو من أوصاف القوة؛ لقوله: ﴿قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ وهذه سرعة فائقة، سرعة عظيمة، ومعلومٌ أنهم عندهم سرعة عظيمة، بدليل أنهم يسترقون السمع من السماء، ولا يصل إلى السماء إلا من عنده سرعة هائلة عظيمة.
وفيه دليل على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما اتصف به من صفات الكمال ترغيبًا أو ترهيبًا، من أين يؤخذ؟ ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ هذا ترغيبًا، ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾ ترهيبًا، فيجوز هذا وهذا، لكن شرط أن يكون متصفًا به حقيقة، أما دعوى فلا، فهذا مثلما جاء في الحديث: «مَنْ تَشَبَّعَ بِمَا لَمْ يُعْطَ فَهُوَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ»[[متفق عليه البخاري (٥٢١٩)، ومسلم (٢١٣٠/ ١٢٧) من حديث أسماء بنت أبي بكر.]]، فالإنسان اللي يمدح نفسه بما ليس فيها هذا لا شك أنه مزوِّر بالخبر، ومزوّر بالصفة؛ هوأخبر عن نفسه بما ليس فيها، فالخبر كذب، وثبوت الوصف هذا للنفس مثلًا كذب، فلذلك قال: «كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ».
* طالب: (...)؟
* الشيخ: نعم مثله، مثلًا العلماء أيضًا يتكلمون بمثل هذا، قول ابن مسعود: «لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا تَنَالُهُ الْإِبِلُ أَعْلَمُ مِنِّي بِكِتَابِ اللهِ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠٠٢)، ومسلم (٢٤٦٣/ ١١٥) من حديث عبد الله بن مسعود.]] أو كما قال.
وفيه دليل على أن مدار العمل على هذين الوصفين وهما: القوة والأمانة؛ لقوله: ﴿لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ لأن من ليس بقوي لا يتقن العمل، لماذا؟ لضعفه، ومن ليس بأمين لا يتقن العمل أيضًا، ليش؟ لخيانته.
فقد يكون الإنسان قويًّا، ويستطيع أن يعمل هذا العمل بكل سهولة، لكنه ليس بأمين، فلا يثق الإنسان به، ثم إن العمل لو أنه أتقنه يبقى الإنسان شابًّا، يقول: يمكن يقدر على أحسن من هذا، لكن ما فعل لأنه خائن.
وكذلك أيضًا لو كان الإنسان أمينًا لكنه عاجز، فإنه لن يتقن العمل لعجزه، أيهما أشد لومًا؟
* طالب: الخائن أشد؛ لأن..
* الشيخ: الخائن أشد، وهذا أيضًا عنده نوع خيانة؛ لأن كونه يدخل في العمل وهو ليس بقادر عليه أو ليس بقوي عليه، هذه لا شك أنه أيضًا خطأ وخيانة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذر: «إِنَّكَ رَجُلٌ ضَعِيفٌ، فَلَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَا تَتَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ»[[أخرجه مسلم (١٨٢٦/ ١٧) عن أبي ذر.]].
فالإنسان الضعيف ما يجوز أنه يتدخل في شيء يعرف أنه ما يستطيع إتقانه، لا سيما إذا كان يوجد في الناس من يحسنه، فهذه تعتبر خيانة لنفسه ولغيره، خيانة لنفسه لأنه في الحقيقة جشمها مرقى صعبًا، يريد يظهر ضعفه أمام الناس، وخيانة لغيره حيث تقبّل أعمالهم وهو لا يحسنها ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ [القصص ٢٦].
إذا قال قائل: إذا اجتمع عندنا أربعة أشخاص: أحدهم قوي أمين، والثاني قوي غير أمين، والثالث أمين غير قوي، والرابع ضعيف خائن.
القوي الأمين مقدّم ما فيه إشكال، والخائن الضعيف مؤخر بلا شك. هذان طرفان معلومان. بقينا: قويٌ خائن، وضعيف أمين.
* طالب: الضعيف الأمين أولى أن يقدّم.
* طالب آخر: الضعيف الأمين يقدّم؛ على حسب المهنة، إذا كانت من شأنها تتطلب القوة أشد شيء فإنه يقدّم، وإذا كانت الأمور التي تحتاج إلى اتخاذ وحفظ فيقدم على الخائن هذا.
* الشيخ: هذا هو الصحيح: يعني يجب أن نشوف أيهما أولى مراعاة:
إذا كان في عملٍ القوة فيه أظهر، فهنا يقدم القوي؛ لأن القوي وإن كان عنده خيانة، ربما تحمله قوته على إتقان العمل لأجل أن يشتهر بهذه القوة، مثلًا ما وجد إلا هو. أما إذا كانت المسألة ما تحتاج إلى عمل وقوة، لكنها تتطلب الأمانة، فهنا يقدَّم الأمين.
طيب. هذا واضح إذا كان في عملين أحدهما يظهر فيه قصد الأمانة، والثاني يظهر فيه قصد القوة، كالأمير مثلًا. الأمير ويش يظهر فيه؟
* طلبة: قصد القوة.
* الشيخ: قصد القوة، يعني: قوة الأمير وإن كان غير أمين أنفع للمجتمع من أمير ضعيف أمين، والقاضي بالعكس، القاضي الأمانة في حقه أظهر؛ لأنه إذا كان أمينًا وإن كان ضعيفًا، اللي بينفذ ما هو هو، المفروض أن عندنا في عصرنا الآن التنفيذ لمن؟ لجهة الإمارة. القاضي يحكم، فإذا كان أمينًا فهنا قصد الأمانة في القضاء أظهر من قصد القوة. وعلى هذا فقس.
ولكن إذا كان العمل يتعارض فيه القوة والأمانة، فهذا محل نظر، ولا يمكن أن نحكم بحكم عام، بل إننا ننظر في القضية المعينة ونشوف، يعني: إذا تشاح اثنان في عمل يتطلب القوة والأمانة معًا، ولا يظهر فيه فضل أحدهما على الآخر، حينئذ ما أستطيع أن أحكم هنا حكمًا عامًّا، بل إنما يُنظر في كل مسألة بخصوصها، ويُنظر للقرائن ويُنظر أيضًا للأشخاص ومن تظهر فيه القوة أكثر من ظهور الأمانة في الثاني، أو الأمانة في هذا أكثر من ظهور القوة في الثاني.
على كل حال هذه المسألة ما نحكم فيها بحكم عام، بل نحكم فيها بأيش؟ بالقضية المعينة، ونقول: يقدَّم هذا على هذا، عندما تحصل القضية المعيّنة.
فالحاصل إذن أقسام الناس باعتبار القيام بالعمل أربعة: قوي أمين، وقوي خائن، وضعيف أمين، وضعيف خائن. هذه أربعة أقسام.
ومعلوم أن الأول يقدّم على كل حال، والثاني يؤخر على كل حال، والثالث والرابع بينهما تزاحم، فيُنظر إلى ما كان يستدعي القوة أكثر يقدَّم فيه القوي، وما كان يستدعي الأمانة أكثر يقدّم فيه الأمين، وما احتمل الأمرين يُنظر فيه إلى القضية المعينة حتى نستطيع أن نقدم هذا على هذا إلى آخره.
وفيه دليل قلنا: إنه يجوز أن يصف الإنسان نفسه بما يتصف به، لكن بشرط أن يكون ذلك حقيقة. وقوله..
* طالب: (...).
* الشيخ: إحنا نقول: مباح، وتعرف أن المباح تعتريه الأحكام الخمسة، قد يكون واجبًا أحيانًا، وقد يكون محرمًا، إنما هو على سبيل الإباحة، ولا يمكن نقول: المطلوب بكل حال؛ لأنه قد يكون الغرض سيئًا، ولا إنه منهي بكل حال؛ لأنه قد يكون لغرض حسن. فهو على سبيل الجواز..
* طالب: ما يقدر أيضًا يجد ما يصلح نفسه إلا إذا اقتضت الحال.
* الشيخ: إحنا نقول والله: مباح، هذا الأصل. لكن إذا اقتضى الحال البيان يكون مطلوبًا، إما وجوبًا أو استحبابًا.
* الطالب: ما يكون من باب التزكية للإنسان نفسه؟
* الشيخ: لا فرق، يعني الناس يختلفون، أنا ما قصدي منها التزكية، إذا كان قصدي التزكية من باب المنهي عنه، قد يكون: للتحدث بنعمة الله فيكون مطلوبًا، وقد يكون لأجل أن يمنع من ليس بأهلٍ من مباشرة هذا العمل، فيكون هنا قد يجب أن يبين نفسه.
فيه: يمكن نأخذ من قوله: ﴿قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ نأخذ منها فائدة: وهي أن سليمان عليه الصلاة والسلام قد رتّب شئون حياتهم، وأن له مجلسًا خاصًّا معروفًا معيَّنًا؛ لأن قوله: ﴿قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ لا شك أنه مقدّر بمدة معلومة، وإلا لم يكن لذلك فائدة؛ لأن قيامه من مقامه إذا لم يكن معلومًا فهل يُدرى مثلًا ذلك قد يبقى يومًا كاملًا في مكانه، وقد لا يبقى إلا دقيقة واحدة، فلولا أنه عليه الصلاة والسلام قد رتّب أوقاته حتى أصبحت معلومة للناس، ما قال مثل هذا الكلام، وأما عن تقرير ما قاله المفسِّر: (من الغداة إلى نصف النهار) فهذا ما ندري الله أعلم.
على كل حال يؤخذ منه: أن سليمان عليه الصلاة والسلام كان قد رتّب أوقاته حتى صارت معلومة، وهذا لا سيما بالنسبة للإنسان المراد الذي يريده الناس أمرٌ من أهم الأمور أنه يرتّب أموره، حتى إن الإنسان الذي يريده في حاجة يعلم أنه في هذه الساعة يجده، وفي الساعة الأخرى لا يجده فيستريح.
مثلًا: يرتب لنفسه جلسة مثلًا في بيته أو في مكان مناسب على سبيل العموم؛ إما بين العشاءين أو بعد العصر أو الضحى المهم شيء يعرفه الناس، يرتب لنفسه مثلًا عملًا معيّنًا يعرفه الناس، حتى من أراده في هذا العمل يأتي إليه. المهم أنه ينبغي للإنسان أن يستفاد من ذلك: أن سليمان قد رتّب عمله في وقته، والثاني: أنه ينبغي للإنسان، خصوصًا المراد من أميرٍ وقاضٍ وعالمٍ ووجيه وغيره، أنه يجعل له وقتًا معيَّنًا تكون أوقاته محددة، حتى إن الناس يشعرون بأن هذا الرجل رجل منظّم، ويشعرون بأن الإنسان الفوضوي إن شاء جلس وإن شاء قام أنه ليس بمنظّم، فلا يعتبرونه شيئًا.
﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل ٤٠].
في هذا دليل على أن جنود الله سبحانه وتعالى وهم الملائكة أقوى من الجن أو لا؟ لأن ذاك قال: ﴿قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾، وهذا قال: ﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ أيهما أسرع؟ الأخير بلا شك ولا سواء.
* طالب: (...).
* الشيخ: لأن الذي عنده علم الكتاب عابد ولا صلة له إلا بالدعاء.
* طالب: ما يقال (...) أن يبين للناس العلم الذي عنده.
* الشيخ: لا ما هو بالظاهر؛ لأنه كونه يقول: ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ مفصولة عن قوله: ﴿قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ والأصل أن الكلام مع الإنس، فالظاهر أنه رجل ليس من الجن.
* طالب: يقال: إنه جبريل هو الذي قال هذا؟
* الشيخ: لا، ما هو صحيح؛ لأن كل إنسان أو كل قائل ليس من البشر لا بد أن ينوه عنه؛ لأن الأصل أن البشر هم الذين يتخاطبون وهم الذين يتفاهمون، فإذا كان من غيرهم نوه عنه.
* طالب: مثلما نوّه عن الجن.
* الشيخ: مثلما نوّه عن الجن
طيب وفي هذا دليل على كمال قدرة الله عز وجل؛ لأن كون هذا العرش العظيم يأتي من اليمن إلى الشام بلحظة، لا شك أنه من كمال قدرة الله التي لا يتصور الإنسان كيف تكون.
الآن هل يمكن أن نتصور كيف جاء هذا من اليمن إلى الشام قبل أن يرتد إلى الإنسان طرفه؟
لو يطير طيرانًا أشد من الدخان ما تصورنا أنه يأتي بهذه السرعة، ولا نتصور أن الأرض كشطت كشطًا حتى التقى هذا بهذا أيضًا.
فقدرة الله سبحانه وتعالى ما يمكن للإنسان أن يتصورها، تأتي فوق التصور، وهكذا جميع صفات الله ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات ١٣ - ١٤] كن.
فجميع الخلائق كلهم على ظهر الأرض، مين يتصور هذا؟ تستطيع تصور هذا؟ ما تستطيع تصوره. يعني: لو كان من الأرض فتشقق تتفتح (...).
المهم أن هذه نموذج من صفات الله سبحانه وتعالى في عجز العقل مهما بلغ عن إدراك كنه قدرة الله، وكذلك بقية صفاته، فأنت الإنسان علمك محدود وطاقتك محدودة، ولا يمكن أن تتجاوز أكثر مما تشاهد أو ما أطلعك الله عليه.
وفي هذا دليل على فضل الله سبحانه وتعالى على سليمان، حيث سخّر له أهل العلم والجن، الجن بالأول، وصاحب العلم بالثاني.
وهل قوله: ﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ مبالغة ولّا حقيقة؟ حقيقة، وإلا لقلنا: إنه يجوز المبالغة في الأمور، ولكن على كل حال المبالغة في الأمور قد وردت في غير هذا النص، أن الإنسان يبالغ وإن كان ليس مقصودًا على سبيل الحقيقة، وقد جاء ذلك في القرآن وفي السنة أيضًا؛ المبالغة في الأمور.
وفي هذا (﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا﴾ أي: ساكنًا ﴿عِنْدَهُ قَالَ هَذَا﴾ أي: الإتيان لي به ﴿مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ ). ﴿فَلَمَّا رَآهُ﴾ أي: سليمان، رأى العرش ﴿مُسْتَقِرًّا﴾.
والاستقرار هنا أمرٌ زائد على مجرد الكينونة، ولو كان المراد بالاستقرار هنا مجرد الكينونة لكان ذكره غير بليغ، ولهذا فسّر المؤلِّف الاستقرار هنا بالسكون، يعني كأن له أزمانًا وهو في هذا المكان، فإن الذي ساب مثلًا أي شيء تسيبه، وتحطه في مكان تيجي تراقبه مثلًا، تعدله وتزينه، لا سيما مثل العرش الذي له قوائم في العادة، وهذا ثابت كأن له سنين، وهذا من كمال القدرة أيضًا.
﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ﴾ (مِن) هذه لبيان الجنس ولّا للتبعيض؟
* طلبة: للتبعيض..
* الشيخ: يجوز هذا وهذا؛ لأنه إذا قصدنا بالفضل الجنس فهي لبيان الجنس، وإذا قصدنا بالفضل هذا الشيء المعيّن فهي للتبعيض على كل حال، هي صالحة لهذا وهذا.
وقوله: ﴿فَضْلِ رَبِّي﴾ الفضل هو العطاء الزائد، وفضل الله تبارك وتعالى على العبد لا يُعد ولا يحصى ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم ٣٤]، ومن فضله على عبده أن يُحسن إليه، ثم يعد إحسانه إحسانًا؛ من فضل الله على العبد أن يحسن إليه ثم يعد إحسان العبد إحسانًا، فاهمين ذا؟ ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ﴾ [الرحمن ٦٠].
تقول: ما جزاء المحسنين الذين أحسنوا عملهم إلا أن يحسن إليهم، وإحسانهم عملهم إحسانٌ من الله، ولكن هذا من باب تمام الفضل من الله على عباده أن يعد إحسان عمله وهو منه إحسانًا منهم، كأنهم ما هم مستقلون به ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ﴾ اللهم لك الحمد.
وقوله: ﴿رَبِّي﴾ الربوبية هنا خاصة، ولهذا أضافها إلى نفسه فقال: ﴿رَبِّي﴾.
وقد مر علينا أن الربوبية عامة وخاصة، وأن العبودية كذلك عامة وخاصة، وأن الخاصة فيها ما هو أخص.
وقوله: (﴿لِيَبْلُوَنِي﴾ ليختبرني) واللام هنا للتعليل ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢] فإن الربوبية لموسى وهارون غير ربوبية عباد الله الصالحين الآخرين.
(﴿لِيَبْلُوَنِي﴾ ليختبرني) واللام للتعليل (﴿أَأَشْكُرُ﴾ بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفًا وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه) (...).
(بتحقيق الهمزتين): ﴿أَأَشْكُرُ﴾. (إبدال الثانية ألفًا): ﴿آشكر﴾ هذه إبدالها ألفًا، (تسهيلها): ﴿أاشكر﴾ خليها همزة مسهلة بين الألف وبين الهمزة. (إدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه): يعني معناه إذا قرأت بالتسهيل فلها صورتان: إدخال ألف: ﴿آاشكر﴾ اللي بعد الألف همزة مسهلة، أو (...) بدون ألف يعني أن التسهيل يجوز فيه المد قبل التسهيل وعدم المد.
(﴿أَمْ أَكْفُرُ﴾ للنعمة) فبماذا يكون الشكر؟ يكون الشكر بالثناء على الله تبارك وتعالى على هذه النعمة في ذاتها، وكذلك الاعتراف بالقلب بأنها محض فضلٍ من الله، وأنه ليس لك بها منة على ربك.
والثالث: القيام بما تقتضيه هذه النعمة من واجب، وهذا الشكر الخاص ما هو الشكر العام؛ لأن الشكر يكون عامًّا بحيث يوصف الإنسان بأنه من الشاكرين على الإطلاق، ويكون خاصًّا بحيث يوصف بأنه من الشاكرين على هذه النعمة فقط.
مثال ذلك: رجل آتاه الله مالًا، فالشكر خاص على هذا المال أن يتحدث بهذا المال على أنه من فضل الله ونعمته، وأن يعترف بقلبه أنه فضل من الله، ما يقول: ﴿أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص ٧٨].
والثالث: أن يقوم بواجب هذا المال من دفع زكاته، وما يترتب عليه من نفقات بسبب هذا المال، لكن قد يكون الإنسان مثلًا من جهة أخرى يعصي الله، يفرّط في الصلاة، مفرّط في الصيام، هذا نقول له: هل نصفه بأنه شاكرٌ على الإطلاق؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لكنه قائمٌ بشكر النعمة المعيَّنة. أفهمتم؟
إذن الشكر نوعان: شكر مطلَق وشكر خاص. فالشكر الخاص: أن يقوم بشكر النعمة المعيّنة بما تقتضيه، والشكر العام: أن يكون قائمًا بطاعة المنعم مطلقًا في جميع الأحوال. وأنت لو تأملت هذا وجدته موجودًا في عامة الأوصاف المحمودة والمذمومة أيضًا، فالتوبة قد يوصف الإنسان بأنه تائب توبة خاصة مقيّدة من ذنبٍ معيّن، وقد يوصف بأنه من التائبين على سبيل الإطلاق.
قول سليمان ﷺ: ﴿أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ على أي وجه نحمله؟
* طالب: هو أشار إليه هذا، الظاهر أنه خاص.
* الشيخ: إذا قلنا: إنه على العموم معناه أننا رمينا سليمان بأنه ليس بشاكرٍ لنعمة الله في غير هذا، وإذا قلنا: إنه على الخصوص، يعني: على هذه النعمة المعيّنة، فهو أولى، ولهذا قال: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي﴾ به ليختبرني به أأشكر الله عليه أم أكفر.
فالظاهر أنها هنا على سبيل الخصوص، يعني: على هذه النعمة، أما النعمة الأخرى فنحن نؤمن بأن سليمان قد قام بشكرها؛ لأنه ﷺ كما مر علينا في قصة النملة قال مثل هذا الكلام ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ [النمل ١٩].
* طالب: نقول: هذه فعلًا قد تكون (...) في تأثيرها على ما أنزل الله به عليه من نعم أخرى..
* الشيخ: لا ما نقوله؛ لأن اللي نعتقد -وهو أقرب من حال سليمان- أنه قد شكر الله على النعم الأخرى.
* طالب: قد تكون في الزيادة؟
* الشيخ: لا تحاول، أبدًا، هي على هذه النعمة، ﴿أَأَشْكُرُ﴾ ما قال: أأتم الشكر، لو قال: أأتم الشكر. أشكر: فعل مطلق.
فالحاصل أن الذي يظهر لنا أنها على هذه النعمة، هل أشكرها أم أكفرها؛ لأن كل نعمة تحتاج إلى شكر خاص، والشكر العام معروف، الإنسان يقول: أشكر الله ويؤمن بقلبه أنه شاكرٌ لله على جميع النعم، لكن عند نعمة معيّنة تحتاج هي أيضًا إلى شكرٍ خاص، فالشكر على المال ليس كالشكر على الولد.
مثلًا: إنسان عنده قوة وقدرة على الرمي والجهاد، ويش شكر ها النعمة ذه، أن يستعملها في الجهاد يجاهد، عنده قدرة على بيان الحق بما أعطاه الله تعالى من العلم والفهم، شكر الله على هذه النعمة أن يبيّن هذا الأمر. فتجد أن الشكر يختلف إذا اعتبرنا أيش؟ كل نعمة بحسبها؛ لأنه يختلف، نقول: شكر هذا غير شكر هذا، لكن الشكر المطلق أن نعتقد بأن جميع الفضائل والإنعامات كلها من الله سبحانه وتعالى، هذه يشترك فيها جميع الناس.
﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ إذا قال قائل: كيف يقول سليمان: أم أكفر؟ والكفر كلمة نابية تنفر منه النفس، فلماذا لم يقل: أأشكر أم لا أشكر؟ مع أن المعنى واحد لكن هذه أهون.
نقول: لأجل ردع نفسه عن المخالفة وعدم الشكر، حتى يبيّن لنفسه أنه إذا لم يشكر فمعناه هو الكفر، فلكل مقام مقال. قد تخاطب إنسانًا ترى أنه لم يشكر نعمة الله عليه، فتخشى إذا قلت: أنت كافرٌ بالنعمة أن ينفر منك ويزداد نفورًا حتى من النعمة، وإذا قلت: أنت لم تشكر تمام الشكر أو حق الشكر أو ما أشبه ذلك، وجدت أنه أهون، والأساليب تؤثر.
يقال: إن ملكًا من الملوك رأى رؤيا فأفزعته، فقال: عليَّ بالمعبّرين أو بالعابرين، فأحضروا له العابرين وقال لهم: إني رأيت أن أسناني قد سقطت، فما ترون؟ فقام كبيرهم فقال: أرى أن أهلك سيموتون. انزعج الملك فقال: أوجعوه ضربًا. فأوجعوه ضربًا، وقال: اصرفوه، ها دول ما فيهم خير.
ثم دعا بمعبّرين آخرين وقال لهم: إني رأيت أن أسناني قد سقطت، فقام كبيرهم وقال: الملك أطول أهله عمرًا، هذا فرح وقال: يلا ها دول هدهدوهم، مع أن المعنى واحد؛ لأنهم لو ماتوا لصار أطولهم عمرًا.
الحاصل أن التعبير له دخل في قبول الحق والنفور منه، وقد مر علينا قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث قال لأبيه: ﴿إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ [مريم ٤٣] ما قال: أنت جاهل ولا تدري ولا تعرف. ﴿قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾ [مريم ٤٣] وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، بعض الناس يهبه الله سبحانه وتعالى قدرة على التعبير حتى إن العبارات تكون بيده كالعجينة، يلان له القول في كل ما يريد، فتجده يستطيع حتى لو أراد أن يخرج من لسانه كلمة لا يريدها على طول يجد بدلها، وبعض الناس ما يستطيع، فالله سبحانه وتعالى يهب فضله من يشاء.
إذن: ﴿مَنْ كَفَر﴾ نقول: عبّر بهذا التعبير لأجل أن يردع نفسه عن المخالفة وعدم القيام بالشكر.
(﴿فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ﴾ عن شكره ﴿كَرِيمٌ﴾ بالإفضال على من يكفرها ).
يعني: من كفر فإن ربي غني عن شكره، أو غني مطلقًا، ومن جملة ما هو غني عنه شكر هذا الإنسان على نعمة الله، فإن الله تعالى ما أنعم على العباد لحاجته إلى أن يشكروه، بل لفضله عليهم وظهور آثار أوصافه. ظهور آثار صفاته العظيمة ما يكون إلا بأفعاله التي من جملتها النعم، أو النقم أيضًا ليظهر بذلك صفات الانتقام والغضب.
وقوله: ﴿كَرِيمٌ﴾ أي: أنه سبحانه وتعالى قد يبقي النعمة على من كفرها تكرمًا منه أحيانًا، وأحيانًا استدراجًا، والله تبارك وتعالى حكيم يهب فضله من يشاء، قد يبقي الله النعمة على الكافر بها استدراجًا؛ ولّا لا؟ لقوله تعالى: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ [آل عمران ١٧٨]، ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ [الأعراف ١٨٢، ١٨٣].
وقد يبقي الله تعالى النعم مع الكفر تربيةً، بحيث أن الإنسان يفتح الله عليه في التأمل فيخجل من الله عز وجل أن يكون هو يبادر الله تعالى بالمعاصي والله تبارك وتعالى يدر عليه النعم، فيرتدع.
وهذا هو ظاهر قوله: ﴿كَرِيمٌ﴾؛ لأن الكرم في مقابل الكفر ما يكون إلا حيث يكون ذلك الكرم من مصلحة من؟ الكافر بها، وإلا ما ظهر آثار الكرم بل ظهر آثار الحكمة، لو قال: حكيم صار هذا يشمل من تدرج الله به حتى أهلكه، لكن (كريم) ما يتم الكرم للكافر بالنعمة إلا حيث كان إبقاء النعمة عليه مصلحة له، لأجل أن يعود.
ثم قال سليمان: ﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾ [النمل ٤١] نكروه (أي: غيروه إلى حال تنكره إذا رأته).
والتنكير يحصل بتغيير أدنى صفة من صفاته ولّا لا؟ أدنى صفة من صفاته يحصل بها التنكير، إذا كان مثلًا قوائمه طويلة يمكن يقصّر القوائم فيكون تنكيرًا، إذا كان لون إحدى عواضده مثلًا أحمر ممكن يخليها أخضر، يعني سواء هذا التنكير بالأجزاء أو باللون أو بالفرش بغير فُرُش، الظاهر أن هذا داخل في التنكير.
﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ﴾، ﴿نَنظُرْ﴾ ويش اللي جابها (...)؟
* طالب: ﴿قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾ [النمل ٤١] (نكروا) هذا طلب.
* الشيخ: (نكّروا) فعل أمر، و(ننظر) مجذوم على أنه جواب الأمر، نعم هذا صحيح.
نكّروا ننظر، شوف العظمة كلمة نكّروا ولم يوجه الخطاب إلى شخص معيّن يدل على أن كل جنوده في طاعته ولَّا لا؟ لأنه لو كان يخشى أن أحدًا من الجنود يتمرد لكان يوجه الخطاب إلى شخصٍ معيّن لأجل أن يحرجه فلا يستطيع أن يقول: لا، وهكذا عظمة السلطان تكون بمثل هذا، عندما يقول السلطان مثلًا أو الأمير: قهوة يا ولد. كل الحاضرين يفزعون، قهوة قهوة وتجيه بسرعة.
﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾ نقول: هذه أيضًا خطاب عظمة، ولهذا قال: ﴿نَنظُرْ أَتَهْتَدِي﴾؛ إما أنه يقصد نفسه ويكون تعظيمًا، أو مع جنوده وحاشيته ينظرون جميعًا ﴿أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل ٤١].
وهذا كله أيضًا من أساليب الاختبار الذي يختبر به سليمان هذه المرأة كما اختبرها أيضًا فيما يأتي في مسألة الصرح، وأما عن قول المؤلّف وغيره أن رجلها رجل حمار، فهذه من الإسرائيليات المكذوبة، فقدمها كقدم غيرها.
* طالب: خشي أن فيها برصًا فيريد أن يتزوجها.
* الشيخ: كل هذه ما هي صحيحة، وبيجينا إن شاء الله تعالى.
* الطالب: تزوجها يا شيخ؟
* الشيخ: على كل حال هي جديرة بأن تزوج لأنها أسلمت وكانت ذكية.
* طالب: ما فيه دليل على تصرف الإنسان في ملك غيره، فيتصرف بالعقل؟
* الشيخ: إن كان هو بالآيات السابقة نحن نقبل منك الفائدة هذه، وإن كان هو بالآيات اللاحقة درس اليوم ما نقبله.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
* طالب: في قوله: (...). لا يدل بأن مقام النبوة أعظم كثيرًا من الملك (...) ما يقدمونه العوام (...) علم.
* الشيخ: لا. حتى الإنسان العادي يقول كذا؛ لأن (...) هذه، صارت هذه خاصة في مثل مقام سليمان، وليس كذلك، حتى الإنسان (...) نفسه، يقول: أنا الله ما أعطاني هذه إلا ليبلوني أأشكر أم أكفر.
* طالب: وأيش كفر نعمة في الواقع؟ ماهو كفر مطلق، وإنما كفر نعمة؟
* الشيخ: احنا قلنا قبل قليل: الشكر، والتوبة، والكفر، والإيمان كل هذه تتبعض وتكمل، مطلق شيء وشيء مطلق.
* طالب: لا أقصد هذه يعني..
* الشيخ: لا. هنا المراد به كفر النعمة.
* طالب: كفر نعمة واحدة، يعني ما بيحذف من واحد.
* الشيخ: محذوفين لكن ما يناسب..
الطالب: (...) العلم.
* الشيخ: لا، ما حاجة هذه؛ حتى الإنسان العادي يقول كذا؛ لأنك إذا قلت هذه، صارت هذه خاصة بمثل مقام سليمان وليس كذلك، حتى الإنسان اللي (...) نفسه، يقول: إن الله ما أعطاني هذه إلا ليبلوني أأشكر أم أكفر.
* طالب: كفر نعمة الله، ما هو كفر مطلق، وإنما..؟
* الشيخ: قلناها قبل قليل، الشكر والتوبة والكفر والإيمان كل هذه تتبعض وتكمُل، مطلق شيء وشيء مطلق.
* الطالب: لا أقصد، هل هي..؟
* الشيخ: لا، هنا المراد بها كفر النعمة.
* الطالب: كفر النعمة واحد، ما فيه قسم واحد.
* الشيخ: معلوم، فيه قسمان (...).
* طالب: شيخ، من فضل الله جل وعلا على عباده إنما هو لأجل فطوره (...) طيب قول بعض السجع: فهو الخالق وإن لم يوجد المخلوق؟!
* الشيخ: كان الله خالقًا؛ بمعنى هذه الصفة صفة له قبل أن يوجد المخلوق.
* الطالب: وإن لم يوجد المخلوق.
* الشيخ: قصدهم قبل أن يخلق، كما أنه سبحانه متصف بالكلام مع أنه يتكلم بمشيئته، فهو متصف بالخلق مع أنه يخلق بمشيئته (...).
﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل ٤٠].
* أولًا، في هذه الآية من الفوائد: التحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى بإضافة النعمة إليه؛ لقوله: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾، وهذا هو الواجب شرعًا والمقتضى عقلًا؛ لأن إضافة النعم إنما تكون إلى مُسْدِيها ومُولِيهَا، وفي هذا دليل على إثبات التعليل لأحكام الله سبحانه وتعالى الكونية كما ثبت ذلك في الأحكام الشرعية، من أين يؤخذ؟
* طالب: ﴿لِيَبْلُوَنِي﴾.
* الشيخ: نعم، منين؟
* طالب: من اللام، للتعليل.
* الشيخ: من اللام، للتعليل.
* وفيه: دليل على تعليل أحكام الله الكونية، كما أن أحكامه الشرعية كذلك معللة؛ ففيه ردٌّ على الجهمية الذين يقولون: إن فعل الله سبحانه وتعالى ليس معلَّلًا، إنما يفعل لمجرد المشيئة، إذا شاء فعل لحكمة ولغير حكمة.
* وفيه: دليل على اختبار المرء فيما يُظْهِر حقيقةَ أمره؛ لقوله: ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾.
* وفيه أيضًا، ننظر ها الفائدة الآتية: إنه يجوز اختباره، وإن كان المختبِر يعلم مآله، هل يمكن أن يؤخذ هذا؟ أو نقول: إن هذا خاصٌّ فيما يتعلق بالله، أنك تختبر إنسانًا لو إنك تعلم مآله، وأما بالنسبة لله فهذا أمر واقع، لكن بالنسبة للإنسان تختبر الإنسان وأنت تعرف مآله، هذا يُنْظَر فيه إلى المصلحة، قد يكون محرَّمًا، كما لو أردت أن تُظْهِر ضعفه أمام الناس وتُخَجِّلُه، وقد يكون واجبًا كما لو كان إنسانًا داعية إلى ضلالة وأردت أن تختبره ليتبين أمره للناس، وأنت تعرف أن ما عنده جواب لما اختبرتَه به، لكن تريد أن تظهر للناس أمره، فهو بالنسبة لله سبحانه وتعالى ممدوح كله؛ لأن الله يعلم المآل، لكن بالنسبة للإنسان، فاختباره عما يعلم مآله على حسب المصلحة والفائدة.
وفيه إشكال؛ حيث قد يقال: أليس الله تعالى يعلم فيما يؤول إليه الأمر؟ فالجواب: بلى، إذن ما فائدة الاختبار، وهو يعلم؟
* الطالب: ابتلاء الخلق بهذا العاصي، مثل ما فعل في إبراهيم؛ لما أمره بذبح ابنه، هو يعلم أنه لن يحصل هذا وهو أنه سيذبحه، لكن أمره ليبتليه.
* الشيخ: ليترتب الجزاء على ظاهر الحال؛ لأن الله لو جازى الإنسان على ما يعلم من حاله قبل أن يبلوه لكان ذلك ظلمًا في ظاهر الحال، فإذا ابتلاه فأطاع أو عصى تبيَّن الأمر، فيكون هنا الفائدة عظيمة وهي ظهور أثر هذا الشيء للناس، وأنه ليس بظلم من الله سبحانه وتعالى للعباد، (...) وظهور أيضًا نعمة الله على العبد العامل إذا أطاع حيث يشكر الله سعيه.
فالحاصل: أن الابتلاء في مثل هذه الأمور فائدته أن يجري الجزاء على ظاهر الحال لا على علم الله.
وهل يؤخذ منه أنه لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه؛ لأنه إذا كان الله سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين لا يحكم بمجرد العلم حتى تظهر الآثار، فالقاضي من باب أولى؟ ولهذا ذكر أهل العلم أنه لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه، لقول النبي ﷺ: «إِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٩٦٧)، ومسلم (١٧١٣ / ٤) من حديث أم سلمة.]].
هذه قد يقال: إنها تؤخذ، وقد يقال: إن هذا توسُّع في الاستدلال وأنها لا تؤخذ من هذه الآية، وفي هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يخاطب نفسه بما تقتضيه الحال؛ لقوله: ﴿أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾؛ فإننا ذكرنا أن قوله: ﴿أَمْ أَكْفُرُ﴾ هذه العبارة شديدة من أجل أن يَرْدَع نفسه عن ممارسة كفر النعمة.
* وفي هذا دليل على: أن الإنسان الذي يشكر الله ليس يُسْدِي إلى الله سبحانه وتعالى نفعًا أو يدفع عنه ضررًا، وإنما هو إذا شكر فإنما يشكر لنفسه، المصلحة لنفسه، ليست لله.
* وفيها أيضًا دليل على: أن الشاكر يثاب؛ لقوله: ﴿فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾، ولم يقل: عن نفسه، بل قال: لنفسه، فدل ذلك على أن للشاكر ثوابًا يُجازى به، وهو كذلك.
* وفي هذا دليل -في قوله: ﴿فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ - دليل على أن العامل عملُه له وليس لغيره، إلَّا أنه قد يؤخذ منه مقاصَّة كما جاء في الحديث الصحيح في المفلس «الذي يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، وقد ظلم هذا وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته»[[أخرجه مسلم (٢٥٨١ / ٥٩) من حديث أبي هريرة.]]، وإلَّا فثوابك لك، ما يمكن أحد يعتدي عليه أبدًا أو يأخذه، فهو مدخَّر عند الله سبحانه وتعالى.
* طالب: الصدقة عن الميت؟
* الشيخ: الصدقة عن الميت من عملك؛ لأنك أنت الذي اخترت أن يتحوَّل إلى هذا إنما ما يؤخذ منك، وأما إذا أنت أردته فهذا من عملك؛ لأن عملك قد يكون تريده لك أو لغيرك، وهذا أيضًا مقيَّد بما جاءت به السنة.
وقوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ ما قال: ومن كفر فإنما يكفر على نفسه كما قال: ﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾؛ لأن رحمة الله تعالى سبقت غضبه، وإلا فالحقيقة أن من كفر فعلى نفسه، مثلما قال الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ [فصلت ٤٦] لكن أحيانًا يكون السياق يقتضي خلاف ذلك، فهنا يقول: من كفر فإنه لا يضرُّ الله شيئًا؛ لأن الله تعالى غنيٌّ عنه وعن شكره، وهو مع ذلك كريم، قد يجود على الكافر في الإمهال لعله يشكر؛ ولهذا قال: ﴿فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾.
قال الله تعالى..
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم؛ إضافة الفعل إلى العبد.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: على أيش؟
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، هو على الجَبْري واضح، لأنه أضاف الشكر إلى نفسه.
* الطالب: ﴿لِيَبْلُوَنِي﴾ (...)؟
* الشيخ: ﴿لِيَبْلُوَنِي﴾ هذا من فعل الله.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي، لكن هو الآن العطاء من فضل الله سبحانه وتعالى، وما هو بيتحدث عن عمله، ما قال: إن عملي من الله، قال: هذا العطاء الذي تفضل الله به هو من الله سبحانه وتعالى.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: على الجبري، نعم، اللهم إلا في قوله: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ مع أن الذي قال: أنا آتيك به، هو الذي عنده علم من الكتاب، لكن حتى ما يستقيم؛ لأن الذي عنده علم من الكتاب ما جاء به بنفسه.
﴿قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل ٤١].
* يستفاد من هذا أيضًا: امتحان الغير بما يُعْرف به ذكاؤه وفطنته؛ لقوله: ﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾ وقد سبق أن المراد بتنكيره تغييره؛ والعلة في ذلك قوله: ﴿نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾ ﴿أَتَهْتَدِي﴾ أتعرف أم تكون من الذين لا يعرفون، وكيف تعرف أو لا تعرف؟
لأنه لو بقي العرش على ما هو عليه لعرفته، ولو غُيِّر نهائيًا لكان لها العذر في أن لا تعرفه، ولكنه إذا غُيِّرت صفته وبقي أصله حينئذٍ يعرف به ذكاؤها هل تعرفه، والمقام في الحقيقة هنا مقام مدهش، ليس مقامًا عاديًّا طبيعيًّا؛ لأنها هي سوف تستبعد أن يُؤْتَى بعرشها وهو محفوظ في مكانه ومحروس ثم يؤتى به إلى سليمان.
ثم أيضًا لعلها حسب الطبيعة والعادة تستبعد جدًّا أن يسبقها العرش، مع أن الظاهر أنها أتت إلى سليمان بأسرع ما يمكن من السير.
فعلى كل حال، هذا التنكير سوف يدل على دهائها وعقلها، والأمر سيأتي بيانه إن شاء الله قريبًا.
وقوله: ﴿أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾ مثل قوله للهدهد: ﴿أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ ما قال: أم لا تهتدي، بل قال: ﴿أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾.
وفيه أيضًا: في هذا الامتحان إشارة إلى أنها إذا كانت تعرف عرشها مع تغييره فكيف لا تعرف أن الذي يستحق العبادة هو الله؟ لأنها هي وقومها يسجدون للشمس من دون الله، كما مر، فإذا كانت هي تعرف عرشها مع تنكيره فإنه لا شك أن معرفتها بأن الله تعالى هو المستحق للعبادة من باب أولى، فهذا وجه من أوجه الاختبار في هذه القصة.
﴿أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾.
* طالب: سليمان قال: إذا عرفت عرشها..؟
* الشيخ: فهي أولى أن تعرف أنه مستحق للعبادة.
* الطالب: تمهيد لها بأن تعرف.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، هنا ما في؟ لأنه ما في مخاطبة الله، لكن تغيير ها العبارة مثل الأول، وإلَّا ما هو يخاطب، يخاطب قومه، يخاطب الملأ من قومه.
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْ﴾ أظن ما قرأنا كلام المفسِّر؟
* الطالب: حتى الآية: ﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾.
* الشيخ: (﴿نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي﴾ إلى معرفته ﴿أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾ إلى معرفة ما يُغَيِّر عليهم، قصد بذلك اختبار عقلها).
* طالب: (...).
* الشيخ: للمصلحة، يجوز للمصلحة، لمصلحة الغير؛ لأن هذا لمصلحتها هي، وقد يقال: إن سليمان عليه الصلاة والسلام تصرف فيه بناء على أنها لم تظهر إسلامها بعد، وأنها إلى الآن وهي في حرب، ما بعد استقر الأمر.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إلى الآن ما علم ولا تحقق، وإن كان هو يقول: قبل أن يأتوني مسلمين، لكن قد يكونوا مسلمين لله أو مستسلمين له.
وعلى كل حال إلى الآن ما بعد ما يُحكَم عليها حتى الآن إلا بعد أن تظهر إسلامها.
(قيل له: إن فيه شيئًا فغيروه بزيادة أو نقص أو غير ذلك).
{"ayahs_start":38,"ayahs":["قَالَ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَؤُا۟ أَیُّكُمۡ یَأۡتِینِی بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن یَأۡتُونِی مُسۡلِمِینَ","قَالَ عِفۡرِیتࣱ مِّنَ ٱلۡجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِیكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَۖ وَإِنِّی عَلَیۡهِ لَقَوِیٌّ أَمِینࣱ","قَالَ ٱلَّذِی عِندَهُۥ عِلۡمࣱ مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ أَنَا۠ ءَاتِیكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن یَرۡتَدَّ إِلَیۡكَ طَرۡفُكَۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّی لِیَبۡلُوَنِیۤ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا یَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیࣱّ كَرِیمࣱ"],"ayah":"قَالَ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَؤُا۟ أَیُّكُمۡ یَأۡتِینِی بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن یَأۡتُونِی مُسۡلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق