الباحث القرآني
قال: ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [النور 48] ﴿إِذَا دُعُوا﴾ الضمير يعود على هؤلاء القائلين الذين يقولون: آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولون.
(﴿إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ –أي: إلى رسول الله ﷺ- المبلِّغ عنه، ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ عن المجيء إليه).
﴿إِذَا دُعُوا﴾ أي: دعاهم مَن يخاصمهم إلى الله وإلى رسوله ليحكم بينهم أعرضوا.
قوله: ﴿إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ﴾ هل المراد أن يُدْعَوْا إلى الله سبحانه وتعالى ليصلوا إليه فوق عرشه؟ لا، أيُّ شيء يكون الدعاء إلى الله؟ إلى كتابه؛ لأن كتاب الله كلام الله عز وجل، فالدعاء إلى الله هو الدعاء إلى كتاب الله.
وقوله: ﴿وَرَسُولِهِ﴾ هل المراد أن يَصِلُوا إلى النبي ﷺ في بيته، أو في مسجده، أو في سوقه؟
* طالب: إلى سنته.
* الشيخ: لا، نقول: في حياته إليه؛ إليه شخصيًّا في المسجد، أو في البيت، أو في السوق، وبعد وفاته إلى سنته؛ لأن سنته قوله وفعله وإقراره، فكأننا نشاهده عندما ندعو إلى قوله، أو إلى فعله، أو إلى إقراره.
وقوله: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾، اللام للتعليل، يعني دُعُوا لهذا الغرض، ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾.
الضمير في قوله: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ يعود على (الله) ولَّا على الرسول ﷺ؟ عليهما لا يصح أن يعود عليهما، لو كان عائدًا إليهما لوجب أن يكون بصيغة التثنية: إلى الله ورسوله ليحكمَا بينهم، لكنها تعود إلى واحد منهما، إلى الرسول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، إلى الرسول؛ لأنه أقرب مذكور، لكن بالنسبة لله سبحانه وتعالى إما أن يُقَدَّر جملة مثل هذه الجملة، يعني: إلى الله ليحكم بينهم، ورسوله ليحكم بينهم، مثلما قلنا في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ [التوبة ٦٢]، ولم يقل: أن يرضوهما، بل قال: ﴿أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾، فقالوا: إن التقدير: والله أحق أن يُرْضُوه ورسوله أحق أن يُرْضُوه، وإما أن يُقَال: إن حكم الرسول عليه الصلاة والسلام هو حكم الله، ويشير إلى هذا قول المؤلف: -أي إلى رسول الله- (المبلِّغ عنه)، فإذا كان النبي ﷺ هو المبلِّغ عن الله صار حكمه حكم الله.
وفي الحقيقة أن الحاكم المباشر مَن؟ الرسول ﷺ، فعند النزاع في حياته نرجع إليه مباشرة.
لذلك نقول: ﴿لِيَحْكُمَ﴾ الضمير يعود على الرسول ﷺ، لماذا؟ لأنه أقرب مذكور، ثم يقول: إن حكم الرسول ﷺ هو حكم الله؛ لأنه مبلِّغ عنه، لا يحكم إلا بما حكم الله به، هؤلاء ﴿إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾، (إذا) يسميها النحويون فُجائية، يعني للمفاجأة، يعني عندنا (إذا) الأولى ﴿إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ﴾ ويش هي (إذا) الأولى؟
* طلبة: شرطية.
* الشيخ: شرطية، جوابها: ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾، لكنه صُدِّرَ بـ(إذا) الفجائية؛ لأنه جملة اسمية، وإذا كان جملة اسمية فهو لا بد أن يُصَدَّر بالفاء أو بـ(إذا) الفجائية.
إذن (إذا) الثانية فُجائية، أيش معنى فجائية؟ يعني تدل على المفاجأة؛ مفاجأة ما بعدها لما قبلها، هؤلاء إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم هل يفكرون وينظرون هل يقبلون أو لا يقبلون؟ ويش الجواب؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لا، يَرُدُّون مباشرة -والعياذ بالله- ما يتأنون في الأمر يقولون: نفكر، ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ على طول، يعني بدون تروٍّ، فكأنهم من الأصل مستعدون لأي شيء؟ لرد حكم الله ورسوله.
﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾، وهذا -والعياذ بالله- أشد في الاستكبار وفي العتو من رجل يقول: أنا بتَرَوَّى، وإن كان الكل واحد في حكمه؛ إذ الواجب قبول ما حكم الله به ورسوله، لكن كون الإنسان يفاجئ به دليل على أنه مستكبِر، ولا يريد أبدًا أن يخضع للحق، ولهذا قال: ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾، شوف المحترَزَات في القرآن الكريم؛ في الأول: ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ﴾ [النور ٤٧]؛ لأنه ليس كل من قال: آمنا بالله وأطعنا، ليس كلهم يتولون، بل منهم من هو مؤمن حقيقة ولا يتولى، كذلك إذا دُعُوا إلى الله ورسوله هل كلهم يتولون؟
طالب: لا.
* الشيخ: لا، منهم من ينقاد لحكم الله ورسوله، ويتخاصم إلى الله وسوله، ويقبل حكم الله ورسوله، ولهذا يقول: يتولى فريق منهم وهم معرضون عن المجيء إليه، أو عن حكمه؟ شوف: يتولى وهم معرضون، التولي بالجسم، والإعراض بالقلب؛ لأن المتولِّي قد يتولى وفيه أمل أن يرجع، لكن إذا تولى وهو معرِض -والعياذ بالله- والمعرِض كاره لما دُعِيَ إليه، ما أعرض عنه إلا وهو يكرهه، هذا أشد (...) التولي، فالتولي في الجسم، والإعراض في القلب، يعني أنهم يتولون وليس من نيتهم أيش؟
* طلبة: الرجوع.
* الشيخ: الرجوع، يتولون وليس من نيتهم الرجوع.
* وفي الآية دليل على خطأ من يتعصب للمذهب، أو لقول واحد من أهل العلم إذا دُعِيَ إلى الله ورسوله، وقيل: هذا كتاب الله، وهذه سنة رسول الله ﷺ، فالواجب التحاكم إليهما والرجوع إليهما، بعض الناس يقول: لا، المذهب كذا، وقال العالم الفلاني كذا، وما أشبه ذلك، هذا فيه شَبَهٌ من هؤلاء المنافقين الذين إذا دُعُوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم تجده متوليًا ومعرضًا.
وبعض الناس -والعياذ بالله- ما يتأنى أبدًا، على طول يغضب ويقوم، يقول: أبدًا ما نبغي هذا، نريد أن نتبع فلانًا، طيب وهل فلان هو الرسول؟ لا، فلان بشر يأخذ من قول الرسول عليه الصلاة والسلام، تارة يخطئ، وتارة يصيب.
فإذا قيل: وأنت أيضًا تخطئ وتصيب؟ أقول: صحيح إني أخطئ وأصيب، لكن هذا كتاب الله وسنة رسوله، تأمله أنت، أنا لا أُلْزِمُك أن تأخذ بما فهمتُ أنا من كتاب الله وسنة رسوله، لكني أُلْزِمُك أن تنظر إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ثم تنظر في قول من قَلَّدْتَ هل يكون موافقًا أو مخالفًا، أما أن تعرض عن كتاب الله وسنة رسوله وتقول: أبدًا ما أنظر فيها؛ لأني أتبع فلانًا وفلانًا، هذا لا أوافقك عليه.
فهنا فرق بين أن أدعوك إلى كتاب الله وسنة رسوله لتنظر فيه وتتبعه، وبين أن أقول: هذا كتاب الله وسنة رسوله، ولكن الزم ما أفهمه أنا منهما، هذا لا أُلْزِمُك به؛ لأني إذا ألزمتك به فقد دعوتك إلى ما نهيتك عنه، دعوتك إلى تقليدي، ولكننا ندعوك إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، المهم ألا تَتَحَجَّر وتقول: أنا لا أتبع إلا فلانًا. (...) ما يدل عليه الكتاب والسنة، سواء وافق رأي مقلَّدِك أم خالفه، لكن البلية كل البلية هو مسألة التقليد المحض.
إلا أننا -ولله الحمد- نبشِّركم كما ترون الآن أن هذا بدأ يضعف في الناس، أي أعني التقليد المحض الذي يكون حتى مع ظهور الحق وبيانه، هذا بدأ -ولله الحمد- يضعف في الناس، وصار الناس يتطلَّبون الأقوال التي تكون راجحة حسب دلالة الكتاب والسنة، بقطع النظر عن كون فلان أخذ بها أو ما أخذ بها، إي نعم.
* طالب: المبلَّغ عنهم؟
الشيخ : المبلِّغ.
* الطالب: المبلِّغ عنهم؟
* الشيخ: عنه، عن الله.
* الطالب: عنه.
* الشيخ: عنه؟ لا، غلط، لا (...)، المبلِّغ عنه؛ عن الله، وإنما قال المؤلف هذا لأجل أن يُبَيِّن أن حكم الرسول ﷺ هو حكم الله، علشان ما يقع إشكال في قوله: ﴿لِيَحْكُمَ﴾ مع أنهم مَدْعوون إلى الله ورسوله.
* في هذه الآية دليل على أن الحكم لمن؟ لله ورسوله، والتحاكم إلى الله ورسوله، وقد أقسم الله تعالى قسمًا مؤكدًا بأنه لا يمكن يؤمن الإنسان حتى يُحَكِّم النبيَّ ﷺ فيما شَجَرَ بينهم، ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾، هذه مرحلة.
المرحلة الثانية: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ﴾ هاتان مرحلتان، يعني ما يكون في نفسك ضيق أو كراهة لما حكم به الرسول عليه الصلاة والسلام.
المرحلة الثالثة: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء ٦٥]، يعني ينقادوا انقيادًا تامًّا؛ لأن الناس كل منهم التزم مرحلة؛ فمن الناس من لا يُحَكِّم الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا من الأصل ما دخل في المراحل الثلاث، ومن الناس من يُحَكِّم الرسول عليه الصلاة والسلام لكن يجد في نفسه حرجًا من حكم الله ورسوله؛ لأنه يخالف هواه، فتجد المتحرِّج يعني يمشي بالحكم، لكن مع ضيق ومع حرج، هذا أيضًا ليس بمؤمن، من الناس من يُحَكِّم الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يكون في صدره حرج من حكمه، لكن ما يستسلم، يكون مثلًا فيه تأنٍّ وفيه تهاون، أو فيه تقصير في بعض التنفيذ، هذا أيضًا ليس بمؤمن، لا بد من الأمور الثلاثة: التحكيم، وانتفاء الحرج، والثالث التسليم.
وتأمل قوله: ﴿تَسْلِيمًا﴾، ﴿يُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، إشارة إلى أنه تسليم كامل، ولهذا يسمي النحويون هذا المصدر مصدرًا مؤكِّدًا، يعني أنهم يُسَلِّمُون تسليمًا كاملًا ما فيه أي التواء أو إعراض، هذه الآية مثلها.
{"ayah":"وَإِذَا دُعُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَهُمۡ إِذَا فَرِیقࣱ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق