﴿وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَیَوٰةࣲ وَمِنَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۚ یَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ یُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةࣲ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن یُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ ٩٦ قُلۡ مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّجِبۡرِیلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَهُدࣰى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِینَ ٩٧ مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّلَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِیلَ وَمِیكَىٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوࣱّ لِّلۡكَـٰفِرِینَ ٩٨ وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲۖ وَمَا یَكۡفُرُ بِهَاۤ إِلَّا ٱلۡفَـٰسِقُونَ ٩٩ أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُوا۟ عَهۡدࣰا نَّبَذَهُۥ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ ١٠٠ وَلَمَّا جَاۤءَهُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَهُمۡ نَبَذَ فَرِیقࣱ مِّنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَرَاۤءَ ظُهُورِهِمۡ كَأَنَّهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ ١٠١ وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟ یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَیَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا یُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَیَتَعَلَّمُونَ مَا یَضُرُّهُمۡ وَلَا یَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُوا۟ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقࣲۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ ١٠٢ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَمَثُوبَةࣱ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ خَیۡرࣱۚ لَّوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ ١٠٣ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقُولُوا۟ رَ ٰعِنَا وَقُولُوا۟ ٱنظُرۡنَا وَٱسۡمَعُوا۟ۗ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابٌ أَلِیمࣱ ١٠٤ مَّا یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِینَ أَن یُنَزَّلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ ١٠٥﴾ [البقرة ٩٦-١٠٥]
ثم قال الله تعالى:
﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاة﴾ هذا (...).
* الطالب: حكم المباهلة؟
* الشيخ: حكم المباهلة جائز في الأمور الهامة التي يقصد بها إثبات الحق وإبطال الباطل، وقد« رُوي أن ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه أنكر العول في الفرائض وقال: من شاء باهلته على ذلك إن الذي أحصى عدد رمل عالج لا يمكن أن يجعل في المال. »(١)، وذكر الفروض التي توجب العول. فالأشياء الهامة لا بأس الإنسان يباهل عليها لإثبات الحق، ولكن بشرط أن يكون على علم من ذلك لئلا يقع الأمر بخلاف هذا ويصاب.
* الطالب: شيخ، هل الرسول ﷺ دعا (...)؟.
* الشيخ: إيه، دعاهم لكن ما أجابوا، في وفد نجران دعاهم، أما في قصة اليهود ما ورد أن رسول الله ﷺ دعاهم للمباهلة، لكن كان ابن كثير يرجح هذا ويقول: ما يستدل على هذا الأمر.
* الطالب: كيف المباهلة؟ المباهلة كيف؟
* الشيخ: المباهلة أصلها من الابتهال إلى الله بالدعاء؛ يعني مثلًا أنا أقول كذا وأنت تقول كذا، تقول: تعالَ، ونجتمع ونقول: لعنة الله على الكاذبين، أو الكاذب منا يصاب بكذا، أو ما أشبه ذلك. قال الله تعالى:
﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ اللام هنا موطِّئة للقسم، والجملة مؤكدة باللام وبنون التوكيد الثقيلة في قوله:
﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ﴾ وفي القسم المقدَّر وهو: والله لتجدنهم، وهنا
﴿لَتَجِدَنَّهُمْ﴾ الدال مفتوحة وهو فعل مضارع، وليس فيه ناصب ينصبه، فلماذا فتحت الدال؟
لأنه متصل بنون التوكيد، والمضارع إذا اتصل بنون التوكيد يبنى على الفتح، وقوله:
﴿لَتَجِدَنَّهُمْ﴾ هذا فعل مر علينا قريبًا، وأنه ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، المفعول الأول الهاء في
﴿لَتَجِدَنَّهُمْ﴾، والمفعول الثاني
﴿أَحْرَصَ النَّاسِ﴾.
والخطاب هنا
﴿لَتَجِدَنَّهُمْ﴾ إما للرسول ﷺ؛ لأنه المخاطَب بالقرآن أولًا، والخطاب للرئيس أو للإمام خطاب لأتباعه، فكل خطاب في القرآن للرسول ﷺ فهو خطاب لأمته إلا ما دل الدليل على أنه خاص به مثل قوله:
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ [الشرح ١، ٢] وما أشبه ذلك فهو على خصوصه. والخطاب للرسول، وإما لكل من يتأتى خطابه؛ أي لتجدنهم أيها المخاطَب بهذا القرآن الكريم، والقرآن الكريم مخاطَب به مَن؟
* الطلبة: جميع الناس.
* الشيخ: جميع الناس، مخاطب قال: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ ﴿أَحْرَصَ﴾ اسم تفضيل ﴿أَحْرَصَ النَّاسِ﴾ اسم تفضيل، وما هو الحِرص؟ الحِرص هو: أن يكون الإنسان طامعًا في الشيء مشفقًا من فواته، الطمع في الشيء مع الإشفاق من فواته يسمى حرصًا، والحرص يستلزم بذل المجهود، ولهذا قال الرسول ﷺ: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزَنَّ»(٢)
* الطالب: شيخ، الواو؟
* الشيخ: وأيش؟
* الطالب: واو حيوة؟
* الشيخ: حيوة؟
* الطالب: مكتوب الواو أقول: الواو وأيش؟
* الشيخ: على (حيوة)، هذا -سلمك الله- الرسم القديم رسم المصحف القديم على هذا الوجه، فالعلماء رحمهم الله رأوا أن الأولى إبقاء الرسم القديم العثماني على ما كان عليه، وإلا فإنه على (حياة) بالألف.
* الطالب: تغلط بعض الناس اللي ما تقدر؟
* الشيخ: إيه اللي ما تتقرا ما نفهم، ولهذا اختلف العلماء في هذه المسألة وأظن حكينا أقوالهم لكم، وقلنا: إن العلماء اختلفوا في كتابة القرآن الكريم: هل يجب أن يبقى على الرسم العثماني، أو يجوز أن يُنقل إلى الاصطلاحي الرسم الاصطلاحي أو يُفصَّل بين العالم والجاهل؟ وذكرنا في هذا ثلاثة أقوال، وأن القول الصحيح أنه جائز؛ لأنه لو كان الوضع في وقت عثمان رضي الله عنه حين كتب المصحف على غير هذا الاصطلاح لكتب به، والقرآن نزل مقروءًا أو مكتوبًا؟
* الطلبة: مقروءًا.
* الشيخ: مقروءا، ولكن مع ذلك اللي ذُكِر (...) يُخشى منه يعني بعض اللي يتهجون القرآن تهجيًا ولم يتلقوه تلقيًا من أفواه المشايخ يقولون: الصلاة أيضًا (الصلوة)، والزكاة كذلك، والربا بالواو، وهلم جرًّا، ولهذا من أهم ما يكون أن يكون الإنسان يتلو كتاب الله على يد قارئ يلقنه حتى يعرفه تمامًا. ﴿أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاة﴾ ﴿لَتَجِدَنَّهُم﴾ يعني اليهود،
﴿أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاة﴾ هنا نكَّر
﴿حَيَاة﴾ ولم يقل: على الحياة؛ يعني معناه أنهم حريصون على الحياة وإن قل حتى لو ما يجيئهم إلا لحظة فهم أحرص الناس عليها، ما هي الحياة الكاملة الطويلة، لا، أي حياة هم حريصون عليها.
قال:
﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ اختلف المفسرون في قوله:
﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ هل هي مبتدأ كلام منقطع عما قبله، وأن التقدير: ومن الذين أشركوا من يود أحدهم لو يعمر، وهذا وإن كان محتملًا لفظًا لكنه في المعنى بعيد جدًّا، ولهذا الصواب الرأي الثاني أنه معطوف على قوله:
﴿النَّاسِ﴾ يعني ولتجدنهم أحرص الناس وأحرص من الذين أشركوا؛ يعني اليهود أحرص من المشركين على الرغم من أن اليهود أهل كتاب يؤمنون بالبعث بالجنة وبالنار، والمشركون ما يؤمنون بذلك واللي ما يؤمن بالبعث يصير أحرص الناس على حياة؛ لأنه يرى أنه إذا مات انتهى الأمر ما عاد يعود فتجده يحرص على ها الحياة اللي يرى أنها هي رأس ماله، ولا يرى هناك حياة أخرى، فهؤلاء اليهود أحرص الناس حتى من الذين أشركوا، وهذا الرأي هو الصواب ويكون من باب عطف الخاص على العام لأيش؟ لأن المشركين من أين؟
* الطلبة: من الناس.
* الشيخ: من الناس، المشركين من الناس، فإذن أحرص الناس ومن الذين أشركوا مع أن المشركين من الناس فيكون أحرص حتى من هذا الصنف من الناس الذين لا يؤمنون بالبعث. وقوله:
﴿مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ أي بالله، والشرك تفاصيله ما هو هذا محلها، محلها إن شاء الله تعالى في كتاب التوحيد، وأنه ينقسم إلى أقسام ثلاثة كل قسم من التوحيد يقابله قسم من الشرك، وهذه الأقسام الثلاثة هي كل منها يتنوع إلى أصغر وأكبر، ومنها أيضًا ما يتنوع إلى خفي وجلي.
* طالب: الوجه الأول.
* الشيخ: وأيش هو؟
* الطالب: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ الوجه الأول.
* الشيخ: الوجه الأول يقول: إن هذه منفصلة عما قبلها، وأن معنى الآية: ومن الذين أشركوا من يود أحدهم لو يعمر. وقوله: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾. ﴿يَوَدُّ﴾ أيش معنى المودة؟
* طالب: التمني.
* طالب آخر: الحب.
* الشيخ: الحب والتمني. وقوله: ﴿أَحَدُهُمْ﴾ الضمير يعود على من؟ اليهود ولَّا على المشركين؟
* الطالب: على اليهود إذا أخذنا بالقول الثاني يعود على اليهود.
* الشيخ: أما القول الأول واضح أنه يعود على المشركين لا غير، والقول الثاني يحتمل أن يكون الضمير عائدًا على اليهود، ويصير انقطع الكلام عند قوله: ﴿أَشْرَكُوا﴾ ويحتمل أن يكون عائدًا إلى المشركين ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ أيهما أرجح في نظركم؟
* طالب: الثاني أبلغ.
* الشيخ: الثاني أبلغ؟ أنه يعود على المشركين؟ ما وجهه؟
* الطالب: يكون على اليهود، بما أن المشركين يود أحدهم لو يعمر ألف سنة، وأن اليهود يرغبون في الحياة فاليهود أعظم منهم.
* طالب آخر: شيخ، ممكن نقول: إن اليهود يدخلون في المشركين يعني عندهم شرك.
* الشيخ: لا، لا ما هو صحيح، هذا ما هو صواب، ليس صواب.
* الطالب: يعود على اليهود لأن الخطاب..
* الشيخ: يرجحه السياق يعني؟ ترجيح السياق؟ وفيه ترجيح المعنى إذا كان ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ﴾ أي المشركين، يعني محمود يرى أن الضمير يعود على المشركين أرجح، يرجح ما قال محمود أمران؛ أحدهما: أن الضمير في الأصل يعود إلى أقرب مذكور، والمشركون هنا أقرب، والثاني: أنه إذا كان المشرك يود أن يعمر ألف سنة وكان اليهودي أحرص منه على الحياة فيلزم أن يكون اليهودي يتمنى أن يُعمر أكثر من ألف سنة، ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إذا قلنا: إن الضمير يعود على اليهود فيرجِّحه أن السياق فيه، ولكنه يدل على أن الذي يتمنى ألف سنة من هم؟
* الطلبة: اليهود.
* الشيخ: اليهود، فتبين أن الأول أبلغ؛ لأنه إذا كانوا أحرص من المشرك الذي يتمنى أن يعمر ألف سنة وهو أعظم دليلًا على أنهم- أي اليهود- يحبون الحياة. وقوله:
﴿أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَة﴾ ﴿لَوْ يُعَمَّرُ﴾ وأيش معنى التعمير؟ الزيادة في العمر، والعمر هو الحياة.
وقوله:
﴿لَوْ يُعَمَّرُ﴾ (لو) هذه هل هي شرطية؟
* طالب: لا، ما هي شرطية.
* الشيخ: ما هي شرطية لكنها مصدرية، وكلما جاءت بعد (ود) فهي مصدرية؛ ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم ٩] ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ﴾ فـ (لو) هنا مصدرية، ﴿يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ﴾ [الأحزاب ٢٠] يعني (لو) هذه مصدرية كلما جاءت (لو) بعد (ود) فهي مصدرية. وأيش معنى مصدرية؟ يعني بمعنى (أن) تؤول وما بعدها بمصدر، فيقال: يود أحدهم لو يعمر يود أحدهم تعميره. ﴿أَلْفَ سَنَة﴾ معروف الألف سنة، والسنة هي العام وما المراد بالسنة هنا؟ السنة الميلادية أو السنة القمرية؟
* طالب: الميلادية.
* الشيخ: الميلادية؟
* الطالب: لأنهم هم على الميلاد، حسابهم على الميلاد، هذا صريح (...).
* الشيخ: التاريخ الميلادي هذا حادث، واليهود لا يعترفون بالمسيح نبيًّا، والكلمات إذا أُطلقت تحمل على المعنى الشرعي، لقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة ٣٦] فالميقات الذي وضعه الله للعباد إنما هو بالأشهر الهلالية ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ﴾ [البقرة ١٨٩] لمن؟ للعرب والحج. ﴿لِلنَّاسِ وَالْحَج﴾ كل الناس، ولذلك التاريخ هذا الأخير ليس مبنيًّا على أصل من الدين ما هو على دين، فإن التواريخ كلها إلى أن حدث هذا فيما نعلم كلها على التاريخ الهلالي، التاريخ الهلالي؛ لأنه علامة حسية ظاهرة، لكن هذه الأشهر الإفرنجية هي علامتها حسية ظاهرة؟
* طالب: لا.
* الشيخ: أبدًا، اصطلاحية محضة، ولذلك بعضها يصل إلى واحد وثلاثين، وبعضها يرجع إلى ثمان وعشرين بدون أي سبب وبدون أي علة، فهي ما هي مبنية على أصل، وقد حاول بعض الحسّابين أن يحول هذه الأشهر إلى عدد ثابت، ويجعل السنة ثلاثة عشر شهرًا بدلًا من اثني عشر شهرًا، وبعضهم حاول أن يجعلها إلى عدد ثابت بدون أن تزيد الأشهر، ولكن رجال الكنيسة قاموا على هذا. (...)
﴿وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة ٩٧، ٩٨].
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا﴾ يشير إلى منْ؟
* الطالب: الذين يقولون إن جبريل هو روح شريرة نزلت للحروب.
* الشيخ: هو عدو لنا؟ من اللي قال؟
* الطالب: اليهود.
* الشيخ: اليهود. قوله: ﴿لِجِبْرِيلَ﴾ فيها قراءات؟
* الطالب: ﴿جَبْرِيل﴾ و ﴿جَبْرَئِل﴾ و﴿جَبْرَائِيل﴾ .
* الشيخ: أحسنت، جبرائيل ملك ولا نبي؟
* الطالب: ملَك.
* الشيخ: ملك مُوكّل؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: بأيش؟
* الطالب: موكل بإنزال القرآن على الرسول ﷺ.
* الشيخ: بالوحي، مُوكّل بالوحي. وقوله:
﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ﴾ هل هذا جواب الشرط أو دال عليه؟
* الطالب: دال عليه.
* الشيخ: وين جواب الشرط؟
* الطالب: الجملة.
* الشيخ: وين الجملة؟
* الطالب: ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ﴾.
* الشيخ: إي نعم، يعني إذن هو جواب الشرط، تخالف مصطفى في قوله: إنه دال عليه تخالفه؟ تخالفه؟
* الطالب: أخالف.
* الشيخ: زين، والخلاف إلى الخير خير.
* الطالب: قيل: إن جواب الشرط ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ﴾ هذا جواب الشرط، وقيل: إنه ليس جواب الشرط، وإنما هذا علة لجواب الشرط، وجواب الشرط محذوف تقديره: فليمت غيظًا.
* الشيخ: ما تقولون في هذا الجواب؟
* الطلبة: صحيح.
* الشيخ: صحيح. وأيهم أقرب؟
* الطالب: الأقرب أنه محذوف.
* الشيخ: الأقرب أنه محذوف؟
* الطالب: الذي رجحته.
* الشيخ: الذي رجَّحْتُهُ ولَّا رجحتَهُ؟
* الطالب: رجحتُه.
* الشيخ: أنا، ما تقولون؟
* الطالب: لا، الأرجح أنها جواب شرط.
* الشيخ: أنها جواب شرط؟ لأن الأصل؟
* الطالب: لأن الأصل وجود جواب الشرط.
* الشيخ: عدم الحذف، الأصل عدم الحذف، ثم إن قوله: فليمت غيظًا بهذا الأسلوب يعني تقدير ما ينبغي، وإن كان يقول: ﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾، لكنه في هذا المقام ما ينبغي، الصواب أن قوله: ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ﴾ هو جواب الشرط، لكن ما وجهه؟ ما وجه ارتباط قوله: ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ﴾ بقوله: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ﴾؟
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا من الناحية المعنوية، وإلا النحو جواب للشرط، من الناحية المعنوية؟
* الطالب: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ﴾ فإنه أنزل القرآن على قلب بشر.
* الشيخ: لكن ما وجه ارتباط جواب الشرط بفعل الشرط من الناحية المعنوية؟
* الطالب: يعني الذين يقولون: إن جبريل عدو لهم فالعدو دائمًا يأتي بالأشياء الخبيثة، وجبريل عليه السلام يأتي بالأشياء المنزلة من الله عز وجل فهو يعني يأتي بأشياء الخير.
* الشيخ: كأنه جواب يكون عِلّة للحكم؛ يعني فالمعنى ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيل﴾ فإنه ليس فيه من أوصاف ما يعادَى عليه إلا أنه نزله على قلبك، وهذا لا ينبغي أن يكون سببًا للعداوة. وفي البلاغة يقولون: تأكيد الذم بما يشبه المدح، وتأكيد المدح بما يشبه الذم، هذا شبيه به، ويقول الشاعر: وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ∗∗∗ بِهِنَّ فُلُولٌ مِــــــــــــــــنْ قِرَاعِالْكَتَـــــــــــــــــــــائِبِ ما بهم عيب إلا هذا، وهذا عيب ولّا مدح؟
* الطلبة: مدح.
* الشيخ: مدح، لكن تأكيد الذم بما يشبه المدح. إذن فالصواب أن هذا هو جواب الشرط. وقوله:
﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾ لماذا اختير القلب؟
﴿نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ ما قال: عليك؟ لماذا خص القلب؟
* الطالب: لأنه موضع العلم موضع..
* الشيخ: الوعي، موضع الوعي والفهم. قوله تعالى: ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ المراد بإذن الله هنا؟
* الطالب: بأمر الله.
* الشيخ: بأمر الله؟ صح.
* الطالب: لا يصح بمشيئته؟
* الشيخ: يصح (...) الأمر المراد بالمشيئة. الإذن ينقسم إلى قسمين: إذن كوني، وإذن شرعي، فما تعلق بالأحكام الشرعية فإنه إذن شرعي؛ إذن الله نوعان: شرعي وقدري، فما تعلق بالأحكام الشرعية فهو شرعي، وما تعلق بالأحكام الكونية كالخلق والرزق والتدبير وغير ذلك فهو إذن قدري، قال الله تعالى:
﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس ٥٩] أيش هو؟ شرعي ولّا قدري؟
* الطلبة: شرعي.
* الشيخ: شرعي؛ لأنه قدرًا قد أذن لهم؛ لأنهم فعلوا هذا، حرَّموا ما شاؤوا وأباحوا ما شاؤوا. ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى ٢١]
* طالب: شرعي.
* الشيخ: شرعي، وأيش الدليل على أنه شرعي؟
* الطالب: قوله: ﴿شَرَعُوا﴾.
* الشيخ: قوله: ﴿شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ﴾ وأيضًا هو قدرًا مأذون فيه، هذا الذي شرعوه من الدين قدرًا مأذون فيه ولو لم يُؤذن ما وقع، لو لم يأذن فيه قدرًا ما وقع، فهم شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله شرعًا ولكنه أذن به قدرًا. ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة ٢٥٥] ما قولكم في هذا الإذن شرعي ولّا كوني قدري؟
* الطلبة: كوني وشرعي.
* الشيخ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ هذا كوني؛ لأنه يتعلق بالتدبير والفعل ﴿يَشْفَعُ﴾ فعل يتعلق بإذن الله وقضائه، فيكون المراد بالإذن هنا الإذن الكوني القدري. الفرق بينهما من حيث المعنى ومن حيث الأثر، قلنا: من حيث المعنى ما تعلق بالأحكام الشرعية فهو إذن شرعي، وما يتعلق بالأمور الكونية فهو إذن كوني. الفرق بينهما من حيث الأثر: الإذن الشرعي يقع فيه المأذون وقد لا يقع، أما الإذن الكوني فلا بد أن يقع.
الفرق الثاني أيضًا من (...): الإذن الشرعي يكون مما رضيه الله وأحبه
﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة ٣] والإذن الكوني قد يكون مما يرضاه الله، وقد يكون مما لا يرضاه الله، مفهوم يا جماعة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: هنا اللي عندنا بالآية: ﴿نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أي القسمين هذا؟
* الطلبة: القدري.
* الشيخ: القدري، ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ ﴿مُصَدِّقًا﴾ حال، حال من أين؟ من الضمير في قوله: ﴿نَزَّلَهُ﴾ يعني: نزله حال كونه مصدقًا لما بين يديه، وقوله: ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي لما سبقه؛ لأن ما بين يديه قد تقدمك، والمراد بما بين يديه التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب التي أخبرت عن نزول القرآن، وتصديق القرآن لها له وجهان: الوجه الأول: أنه شهد لها بالصدق ولّا لا؟
والوجه الثاني: أنه جاء مطابقًا لما أخبرت به، فقد صدقها وقوعًا؛ لأنها هي أخبرت بهذا القرآن فجاء مصدقًا لها.
وقوله:
﴿وَهُدًى﴾ معطوفة على
﴿مُصَدِّقًا﴾ ﴿هُدًى﴾، والهدى معناه الدلالة أي دلالة، وقد يراد به التوفيق، والقرآن كذلك هداية بمعنى دلالة وبمعنى توفيق، فإن الله تعالى يقول:
﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ [المائدة ١٦] وهذه هداية التوفيق بلا ريب؛ لأن هداية الدلالة لمن اتبع رضوان الله ولمن لم يتبع، لكن هداية التوفيق لا تكون إلا لمن اتبع رضوان الله.
وقوله:
﴿هُدًى وَبُشْرَى﴾ ﴿بُشْرَى﴾ أي بشارة، والبَشارة الإخبار بما يسُر، وقد تأتي في الإخبار بما يضر مثل قوله تعالى:
﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران ٢١].
وقوله:
﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ المراد بالإيمان هنا الإيمان الشرعي لا الإيمان اللغوي الذي هو مشهور بين الناس وهو مجرد التصديق على أن الإيمان في الحقيقة ما هو ليس مطابقًا للتصديق، ولذلك يختلف مع التصديق في المتعلق، فالإيمان يقال: آمن به، ولا يقال: صدَّق به، أو يقال؟
* طالب: لا.
* الشيخ: صدق به لكن ما هي مثل.. ليست على غرار آمن به، لها معنى آخر، ثم إن الإيمان يدل على أمن واستقرار، ولهذا قال بعض العلماء: إنه يكون في الأمور الغيبية دون الأمور المحسوسة، وهذا قد يكون فيه نظر؛ لأن قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما قال الله له: ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة ٢٦٠] فهنا ازداد قلبه بأمر محسوس، وأيضًا يقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة ٣] فدل هذا على أن الإيمان قد يكون بما يشاهَد، وإلا لم يكن لقوله: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ فائدة. على كل حال الإيمان هنا هو في الحقيقة: التصديق المتضمن شنو؟
للقبول والإذعان، لا بد من أن يكون متضمنًا للقبول والإذعان؛ قبول في الأخبار وإذعان في الأحكام، أما إذا لم يكن قبول ولا إذعان فليس بإيمان حتى لو، وقد ذكرنا كثيرًا من شواهد هذا بأن مجرد التصديق ليس بإيمان.
هنا يقول الله عز وجل:
﴿هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِين﴾ قوله:
﴿لِلْمُؤْمِنِين﴾ متعلق بـ
﴿هُدًى وَبُشْرَى﴾، ولّا بالثاني فقط؟
* طالب: بالثاني.
* الشيخ: إن قلنا بالثاني فلا إشكال، وإن قلنا بالأولى ففيه إشكال؛ لأن القرآن هدى للناس كما قال الله عز وجل: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة ١٨٥] وحينئذٍ إذا قلنا: إن المتعلق بهدى وبشرى بهما جميعًا فإنه يحتاج إلى بيان وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾، ووجه الجمع أن يقال: إن المراد بالهداية هنا هداية الانتفاع؛ يعني ما ينتفع به ويهتدي به إلا المؤمنون، والله تبارك وتعالى يقول في القرآن عن الإنسان: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان ٣] يعني سواء كان شاكرًا أو كفورًا، فإن الله قد هداه السبيل يعني بينه له وأظهره وأوضحه، لكن من الناس من يكون شاكرًا ومنهم من يكون كفورًا.
* الطالب: غالبًا ما تأتي (...).
* الشيخ: إلا تأتي لكن مقيدة، ما تأتي إلا مقيدة.
* الطالب: ما الفرق بينهما؟
* الشيخ: بينهما فرق كما بين الحركة والسكون، إذا قلنا: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي أنه شاهد لها بالصدق، هل معنى إنه يقول: إن هذه الكتب صادقة، وأنها من عند الله، فيقتضي أن نؤمن بها، هذا إذا قلنا: مصدقًا لها يعني شاهدًا لها بالصدق، وإذا قلنا: إنه مطابق لما أخبرت به هو معناه أنها هي أخبرت بأنه سيكون القرآن ينزل فنزل، بينهما فرق.
* الطالب: في الأحكام يعني (...)؟
* الشيخ: هذا معروف أن إيماننا بالكتب السابقة ليس إيمان الشهداء، بل إيمان تصديق واتباع لما تقتضيه شريعتنا أن نتبعها فيه، وأما ما خالفتها شريعتنا فـ ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة ٤٨].
* الطالب: شيخ، قوله في رمضان: ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ ما نخص الناس بالمؤمنين؟
* الشيخ: لا.
* الطالب: وأيش معنى يهدي غيرهم؟
* الشيخ: هداية الدلالة مثل ما تلونا عليك الآية: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾.
* الطالب: هذه ما فيها إشكال، لكن رمضان فيه إشكال؛ وأيش معنى يهدي غير المؤمنين؟
* الشيخ: نعم، يهديهم دلالة لهم ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ يعني دلالة لهم.
* الطالب: القرآن يعني يعود عليه؟
* الشيخ: القرآن دلالة نعم، دلالة في جميع القرآن.
* الطالب: يعني ما هو بيعود على الشهر؟
* الشيخ: لا، ما يعود على الشهر، القرآن. قال: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ (مَنْ): اسم شرط ولّا لا، أو شرطية؟
* الطالب: شرطية.
* الشيخ: شرطية، الدليل على ذلك جوابها ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِين﴾ فهي شرطية. وقوله:
﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ﴾ بعد قوله:
﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ﴾ دليل على أن من كان عدوا لجبريل فهو عدو لله، وهذا يشهد له الحديث الصحيح:
«مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ»(٣) «فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» يعني معناه أعلنت الحرب عليه، فإذن وجه المناسبة لما قبلها أن من كان عدوًّا لجبريل فإنه عدو لله.
وقوله:
﴿وَمَلَائِكَتِهِ﴾ يعني وعدوًّا لملائكته، والملائكة جمع (ملَك)، والملك قالوا: إنه مشتق من (الأَلُوكَة) وهي الرسالة؛ لأن الله يقول:
﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ [فاطر ١] فمعنى إذن ملائكة أي رسلًا، أي رسل، وقوله:
﴿وَمَلَائِكَتِهِ﴾ يشير إلى أن العداوة لجبريل عداوة لجميع الملائكة؛ لأن حقيقة الأمر أن مثل هذه العداوة هي عداوة لشخص متمثلًا في جنس، متمثل في جنس، فالعدو لواحد من هذا الجنس عدو للجميع.
وقوله:
﴿وَرُسُلِهِ﴾ ما في ذكر في الآية الكريمة للرسل، لكن من المعلوم أن من كان عدوًّا للملائكة فهو عدو للرسل عليهم الصلاة والسلام؛ لأن الملائكة ولا سيما جبريل ينزلون على الرسل بالوحي والنصر والتأييد
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الأنفال ١٢] فاللي يكون عدوًّا للملائكة يكون عدوًّا للرسل وعدوًّا لغير الرسل أيضًا من أتباعهم.
وقوله:
﴿وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ جبريل معروف، وفيها القراءات السابقة، عندي
﴿جَبْرَئِل﴾ ﴿جَبْرَئِيل﴾ القراءات السابقة.
وقوله:
﴿مِيكَالَ﴾ فيها قراءتان أخريان، وهي
﴿مِيكَائِل﴾ و
﴿مِيكَائِيل﴾ مثل جبريل، فاللي يكون عدوًّا لجبريل هو عدو لميكائيل أيضًا، وقد سبق أن اليهود يقولون: إن ولينا من الملائكة مَن؟ ميكائيل، وأما جبريل فهو عدونا، ولكن الله تعالى بيَّن في الآية الكريمة أن من كان عدوًّا لجبريل فهو عدو لميكائيل أيضًا؛ لأن ميكائيل وجبريل كلاهما رسول يفعلان ما أُمرا به، فكما أن ميكائيل موكل بالقطر والنبات فإن جَبرئيل موكل بأيش؟
* طالب: بالوحي.
* الشيخ: بالوحي، فكلاهما ممتثل مطيع، فكيف تكون عدوًّا لهذا دون هذا مع أنهما سواء في عبادة الله سبحانه وتعالى والسمع له والطاعة؟! وقوله:
﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ هذا جواب الشرط،
﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ من كان عدوًّا لله فالله عدو له، هذا المعنى، من كان عدوًّا لجبريل فالله عدو له، من كان عدوًّا للملائكة فالله عدو له، من كان عدوًّا لميكائيل فالله عدو له، وهنا قال:
﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ وفيه نكتة بلاغية وهي؟
* طالب: الانتقال من الغيبة.
* الشيخ: الإظهار في مقام الإضمار، لم يقل: فإن الله عدو له لفائدتين، إحداهما لفظية، والثانية معنوية؛ أما اللفظية: فهي مناسبة رؤوس الآي، ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأن كل.. لو قال: فإن الله عدو له ما تناسبت الآية مع ما قبلها وما بعدها، فلأجل تناسب رؤوس الآي جاءت: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾. فإذا قال قائل: ما دليلكم على أن الله تعالى يلاحظ أو يراعي مناسبة رؤوس الآي؟ قلنا: إنا عندنا دليل في سورة طه قالت السحرة:
﴿آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ [طه ٧٠] ونحن لا نعلم لهذا فائدة إلا مراعاة رؤوس الآي، وإلا فإن موسى في كل ما ذُكر يقدم على هارون وهو أحق بالتقديم منه؛ لأنه أفضل منه، لكن في هذه الآية قدم هارون على موسى فدل ذلك على أن القرآن من بلاغته أن تتناسب رؤوس الآيات حتى لا يحصل التنافر بينها، وأحيانًا قد لا تتناسب في بعض الأحيان لكن يكون لها علة تفهم من السياق.
الفائدة الثانية معنوية: وهي تتضمن أمرين:
أولًا: الحكم على أن من كان عدوًّا لله وما عُطف عليه سبحانه وتعالى فإنه يكون كافرًا؛ يعني الحكم على هؤلاء بالكفر.
ثانيًا: الأمر الثاني: أن كل كافر سواء كان سبب كفره معاداة الله أو لا، فهو عدو لله، كل كافر فهو عدو لله
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة ١] والمراد بهم كفار قريش، ومع ذلك هم ما هم أعداء لجبريل ما نعلم أنهم أعداء لجبريل وميكائيل وإسرافيل.
إذن الفائدة، الفائدة في كونه قال:
﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ له فائدتان: الفائدة الأولى؟
* الطالب: مراعاة رؤوس الآيات.
* الشيخ: نعم، وهذه فائدة لفظية. بس نشوف الثاني منها، الثانية؟
* الطالب: الثانية حكم من كان عدوًّا لله.
* الشيخ: تتعلق بالمعنى وتحته أمران.
* الطالب: حكم من كان عدوًّا لله الكفر (...)
* الشيخ: والثاني: أن العداوة لا تختص بمن عادى الله، عداوة الله للكافر ما تختص بمن عادى الله، ولكن كل كافر فهو عدو لله سبحانه وتعالى. إذن من عادى الله وأبغضه- والعياذ بالله- أو أبغض شريعته أو رأى أنه ظالم له بما يجري عليه من أقداره فهو كافر ولّا لا؟ فهو كافر؛ لأن الله يقول:
﴿عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ فكل من عادى الله عز وجل فإنه كافر به، لو صلى وصام وزكّى وحج ما دام أنه يشعر بأن الله عدو له- والعياذ بالله- فهو كافر.
إذن فهمنا من هذا أن اليهود بهذه العداوة لجبريل كانوا كفارًا، ومع ذلك فإن لهم أحكام اليهود من أخذ الجزية منهم، وإقرارهم على دينهم، وحل ذبائحهم، وجواز نكاح نسائهم، مع أن الله أثبت بأنه عدو لهم، ولكن سورة المائدة من آخر ما نزل، ولذلك قال أهل العلم: إن جميع الأحكام المذكورة في سورة المائدة مُحكمة ما فيها شيء منسوخ، كل ما فيها فهو غير منسوخ. ثم قال الله تعالى.
* الطالب: قوله: ﴿وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ هو من عطف الخاص على العام؟
* الشيخ: إي نعم، من عطف الخاص على العام.
* الطالب: إضافة الملائكة للرسل من أي أنواع الإضافة؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: ﴿وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ﴾؟
* الشيخ: لأن مثل ما قلت: إن المعادِي لفرد من جنس يعتبر مُعاداة للجنس كله.
* الطالب: لا قصدي إضافة الله للملائكة لنفسه؟
* الشيخ: لأنهم رسله.
* الطالب: إضافة عبادة؟
* الشيخ: إضافة تشريف وتكريم كما قال الله تعالى: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء ٢٦، ٢٧]. وقال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾. ثم قال الله تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ ﴿لَقَدْ﴾ تتكرر علينا كثيرًا في القرآن الكريم وقد بينا أنها؟
* طالب: موطئة.
* الشيخ: أن اللام موطئة للقسم، وأن (قد) للتحقيق، وأنه بناء على ذلك تكون الجملة مؤكدة بثلاث مؤكدات. ﴿أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ الإنزال إنما يكون من الأعلى إلى الأسفل؛ وذلك لأن القرآن كلام الله، والله تعالى فوق عباده، استوى على عرشه على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى، والعلو من صفاته الذاتية اللازمة له أزلًا وأبدًا، وإنكار علوه بذاته كفر؛ لأنه من الصفات الذاتية اللازمة، وأما استواؤه على العرش فإنه من الصفات الفعلية؛ لأنه يتعلق بمشيئته، ولهذا العقل يدرك أن الله سبحانه وتعالى في العلو، ولكنه لا يدرك أنه استوى على العرش لولا ثبوت السمع به، وقد ذكرنا فيما سبق قصة أبي المعالي الجويني، كان رحمه الله له كرسي يوم الجمعة يجلس عليه ويقرر للناس، وكان أبو المعالي الجويني من الأشاعرة من المتكلمين، وكان ينكر العلو، فقال في جملة كلامه: كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه. وأيش قصده؟ إنكار أن يكون في العلو، فقال له مَنْ؟
* الطلبة: أبو العلاء الهمداني.
* الشيخ: أبو العلاء الهمداني. قال له: أيها الشيخ، دعنا من ذكر العلو لكن ما تقول فيما يجده كل إنسان يقول: يا رب يجد من نفسه ضرورة بطلب العُلو؟ فلطم على رأسه وقال: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني؛ لأنه ما وجد عنها جوابًا، الأمور الفطرية ما يمكن الجواب عنها صح ولّا لا؟
* الطلبة: صح.
* الشيخ: أنت الآن تجد العجوز اللي ما قرأت ولا تفهم القرآن ولا شيء عندما تدعو وين تروح بيديها؟ تذهب بها إلى فوق مع أنها ما درست ولا تفهم القرآن، لكن هذا شيء ضروري فطري، فإذن علو الله عز وجل من لوازم ذاته من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها أزله أبدًا. وقوله:
﴿إِلَيْكَ آيَاتٍ﴾ ﴿آيَاتٍ﴾ جمع (آية)، والآية في اللغة العلامة، لكنها في الحقيقة أدق من العلامة، العلامة تفسر بها الآية للإيضاح وإلا فإنها أدق؛ لأنها علامة بدليل يعني تتضمن العلامة والدليل، والفرق بين العلامة والدليل: إن العلامة مجرد علامة فقط، لكن الدليل مقنع للنفس موجب أن تنقاد، هذا الفرق بين العلامة المجردة وبين الدليل، في الحقيقة أن الآية علامة بدليل، وهذا العلماء رحمهم الله دائمًا يفسرون الشيء بما يقاربه وإن كان بينهما فرق مثل ما يقولون:
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة ٢] وأيش معنى
﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾؟
* طالب: لا شك.
* الشيخ: لا شك، مع أن الريب غير الشك، بينهما معنى دقيق؛ إذ إن الريب شك بقلق، لكن الشك شك مطلق ما عند الإنسان شيء يوجب أن يقلق بهذا الشك، لكن المفسرون الأشياء بما قاربها تقريبًا. إذن الآيات معناها العلامات، لكنها علامات دلائل موجبة لتصديق النفس، موجبة للتصديق، وهذه الآيات التي أنزلها الله على رسوله ﷺ كونية ولّا شرعية؟
* الطلبة: شرعية.
* الشيخ: شرعية، والآيات آيات الله تنقسم إلى قسمين: كونية، وشرعية، فالليل والنهار والشمس والقمر هذه آيات كونية ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ﴾ [فصلت ٣٧] فهذه آيات كونية، وأما الآيات الشرعية فهي ما أنزله الله على رسوله، وأشرفها وأعظمها هذا القرآن العظيم. وقوله:
﴿آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ البيِّن بمعنى الواضح؛ يعني اللي هو واضح الدلالة والعلامة، فالقرآن بيِّن، ولكن لاحظوا أنه بيِّن بنفسه ولا يلزم أن يكون مُبينًا لكل أحد، فإن من الناس من تزيده الآيات عمى كما قال الله تعالى في سورة فصلت:
﴿وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ﴾ [فصلت ٤٤] مع أنه يقول:
﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران ١٣٨]، فالقرآن لا شك أنه بيان يُبين، لكنه لمن لم يُعمِ الله بصيرته، أما من أعمى الله بصيرته- والعياذ بالله- فإنه لا يستفيد من القرآن
﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [المطففين ١٣]؛ لأنه ما تأخذه بلبه وقلبه بسبب أنه ران على قلبه ما كان يكسب
﴿كَلَّا﴾ ليست أساطير الأولين ولكن
﴿بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين ١٤]؛ إذن هي بينات من حيث هي ذاتها، ولكن هل تكون بيانًا لكل أحد؟
نقول: من أعرض عنها واستكبر فإنها لا تكون بيانًا له
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة ١٢٥] وأما من كان مقبلًا عليها حريصًا عليها يتخذها نبراسًا له، يتخذها منهجًا يسير عليه؛ فإنها بلا شك آيات بينات له ينتفع بها غاية الانتفاع.
ولهذا قال:
﴿وَمَا يَكْفُرُ بِهَا﴾ أي بهذه الآيات البينات
﴿إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ و
﴿وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ [البقرة ٩٩]. هنا الكفر بمعنى الستر على سبيل التقريب، لكنه مُضمّن لمعنى الجحد، ولهذا تعدى بالباء فقيل: كفر به، وأما الستر فإنه يتعدى بنفسه وسترها، سترته، لكن الكفر هنا يُعدَّى بالباء؛ لأنه يتضمن معنى الجحد، وكل جحد فهو ستر بلا شك. وقوله:
﴿إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ الفاسق الخارج عن الطاعة؛ لأن الفسق معناه الخروج عن الطاعة، ولكن الفسق ينقسم إلى قسمين: فسق يُراد به فسق الكفر، وفسق يراد به ما دون ذلك، قال الله تعالى:
﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ [الحجرات ٧] هنا الفسق غير الكفر؟ غير الكفر، والدليل على ذلك: عطفه عليه، والأصل في العطف التغاير، لكن قوله تعالى:
﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا﴾ [السجدة ١٦ - ١٨].
المراد بالفسق هنا فسق الكفر، والدليل قوله:
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ [السجدة ٢٠]. هنا ما يكفر بآيات الله، أي المراد، وهنا (ما) عاملة ولّا لا؟
* طالب: لا ما هي عاملة.
* الشيخ: وأيش السبب؟
* الطالب: (...)
* الشيخ: (...) أن تكون منوطة. (...) فهي كقوله تعالى:
﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [المؤمنون ٢٤] فما رأيك هل توافق على رأيه؟
* الطالب: ما أدري.
* الشيخ: نحن قرأنا هذا.
* الطالب: هذه دخلت على الجملة الفعلية فليست.
* الشيخ: فليست من هذا الباب صح، هذه ليست من هذا الباب أصلًا؛ لأن ما الحجازية تدخل على المبتدأ والخبر على الجمل الاسمية، فهذه ليست من هذا الباب أصلًا.
* الطالب: ما يصير المبتدأ جملة؟
* الشيخ: لا ما يصير، اللي يأتي مفردًا يأتي ويأتي جملة: الخبر، وهذه في بعض الأحيان يعطي الإنسان السؤال يشوف يعني يعطي نظر المسؤول.
* الطالب: فيه شُبهة الآن يروجوها أن الأرض كروية، وبناءً على هذا بعض الناس اللي يعتقدون هذا الاعتقاد يقولون: إذا كانت الأرض كروية مثلًا أنا هنا في السعودية فالله فوق أروح أمريكا كروية الشكل، الأرض كروية يكون تحت، فالله معناه يكون تحت؟
* الشيخ: أصلها الأرض ليست بالنسبة إلى الله بشيء السماوات السبع والأرضين السبع كما قال ابن عباس: «فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ كَخَرْدَلَة فِي كَفِّ أَحَدِكُمْ»(٤)، ومن هذه العظمة لا يتصور أن يكون شيء فوقه أبدًا، هذه ليست بشيء بالنسبة إلى الله، لله المثل الأعلى، لو فُرض أن تحت قدمك بيضة فهل أنت مهما كان ما تكون تحتك؟ هذا خطأ، وأما مسألة أن الأرض كروية فلا شك أن الأرض كروية، إي نعم الأرض كروية؛ لأن القرآن يدل على ذلك، وكذلك كلام أهل العلم يدل على هذا، الفقهاء رحمهم الله، فأما القرآن فقال الله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ [الانشقاق ١ - ٤] متى هذا إذا الأرض مدت؟
* الطلبة: يوم القيامة.
* الشيخ: يوم القيامة، إذن الآن ليست ممدودة، ما مُدَّت فهي مُكوَّرة. وكذلك قال الله تعالى:
﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ [الزمر ٥]، ومعلوم أن الليل والنهار يتعاقبان على الأرض، وأما كلام أهل العلم فإنهم قالوا: لو مات رجل في المشرق عند غروب الشمس ومات رجل في المغرب عند غروب الشمس ورث الذي في المغرب الذي في المشرق، مع أنهما ماتا عند غروب الشمس تمامًا، كل واحد لما غربت الشمس طلع فوق، وهذا دليل على أيش؟
* طالب: الكروية.
* الشيخ: على أن الأرض كروية؛ لأنه لو لم تكن كذلك لكانت الشمس تغيب عن الأرض جميعها مرة واحدة، وهذا في الحقيقة ما فيه جدال، الآن الناس صاروا يجادلون في مسألة حركة الأرض ودوران الأرض، وهذا لا شك أنه من فضول العلم الذي لا ينبغي للإنسان أن يُضيع الأوقات ويتعب الأفكار في إثباته أو نفيه، نحن نقول: الحمد لله الذي جعل الأرض راسية قرارًا لمصالحنا ومنافعنا.
* طالب: ومن السنة كمان يا شيخ.
* الشيخ: إي نعم، مثل؟
* الطالب: (...) يسمعهم الداعي (...).
* الشيخ: إيه، في يوم القيامة مثل الآية وأيضًا الرسول قال: «تُمَدُّ مَدَّ الأَدِيمِ»(٥) يوم القيامة. ﴿أَوَكُلَّمَا﴾ الهمزة هنا للاستفهام والواو للعطف، ومثل هذه الصيغة متكررة في القرآن كثيرًا، وقد اختلف النحويون فيها على قولين: فمنهم من يقول: إن الهمزة داخلة على مقدّر. نقول: منهم من يرى أن المعطوف عليه محذوف مقدر بما يناسب المقام فيقول مثلًا:
﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ إلى آخره، أينقضون العهد وكلما عاهدوا عهدا نبذه، هذا وجه، والوجه الثاني يقول: إن الهمزة للاستفهام، وأن الواو للعطف، وأصل الواو قبل الهمزة، وهذا الرأي لا يحتاج قائله إلى تقدير، ويقول: إن الأصل: وأكلما عاهدوا عهدًا (وأكلما) فلا يحتاج إلى تقدير، وهذا لا شك أنه أيسر، والأول أقعد؛ يعني من جهة القواعد العامة في النحو الأول أقعد، لكن هذا أيسر، لماذا؟
لأنه لا يحتاج إلى تكلف المقدر، وأحيانًا يصعب على المرء أن يقدر شيئًا يناسب المقام، وما دام هذا أسهل فإنه ينبغي أن يكون هو المعتمد، ويصير التقدير أن الهمزة مؤخرة بعد حرف العطف، ونقول:
﴿أَوَكُلَّمَا﴾ أي: وأكلما عاهدوا عهدًا، أما (كلما) فإنه أداة شرط تفيد التكرار، أداة شرط تفيد التكرار؛ يعني تكرار الشرط جوابها بتكرر شرطها، ولهذا لو قال القائل لزوجته: كلما كلمتِ زيدًا فأنتِ طالق مثلًا، وقلنا بصحة هذا التعليق، فإنها كلما كلمته طلقت، إذا كلمته مرة طلقت، إذا كلمته الثانية طلقت، إذا كلمته الثالثة طلقت، بخلاف (إن) إذا قال: إن كلمتِ زيدًا فأنتِ طالق، فهي ما تطلق إلا مرة واحدة.
هنا يقول الله:
﴿كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا﴾ والعهد الميثاق الذي يكون بين الطوائف سواء كان ذلك بين أمة مسلمة وأمة كافرة، أو بين أمتين مسلمتين، أو بين أمتين كافرتين، والضمير في
﴿عَاهَدُوا﴾ يعود على اليهود
﴿كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ﴾ والنبذ بمعنى الطرح والترك؛ أي نبذوا هذا العهد وطرحوه ولم يفوا به، وهذا هو حال بني إسرائيل لا مع الله ولا مع عباد الله، فالله تعالى أخذ عليهم العهد والميثاق، ومع ذلك نبذوا العهد والميثاق، والنبي عليه الصلاة والسلام عاهدهم، ومع ذلك نبذوا عهده، عاهدهم لما قدم المدينة وإذا فيها ثلاث طوائف: بنو النضير، وبنو قريظة، وبنو قينقاع، فعاهدهم النبي عليه الصلاة والسلام كلهم نقضوا العهد، ولكن كانت الدائرة عليهم، فهنا يقول:
﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ ﴿فَرِيقٌ﴾ جماعة،
﴿مِنْهُمْ﴾ أي من هؤلاء اليهود، وإنما قال:
﴿فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾؛ لأن من اليهود من لم ينقض العهد بل وفى به، بل أسلم ودخل في الإسلام، ولكن غالبهم نبذه، ولهذا قال:
﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ وهذا الإضراب ليس للإبطال، ولكنه للانتقال من وصف إلى وصف، من وصف نقض العهد ونبذه إلى وصف عدم الإيمان، فعليه يكون هذا الإضراب إثباتًا لما قبله بـ (بل) وزيادة وصف وهو: أن
﴿أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ وقوله:
﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ لأن المؤمن حقيقة لا بد أن يفي بالعهد كما قال الله تعالى:
﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء ٣٤] وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن آية المنافق ثلاث منها:
«إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ»(٦).
﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ ولو أنهم آمنوا ما نقضوا العهد الذي بينهم وبين الله أو الذي بينهم وبين عباد الله، وهذا من الأوصاف الذميمة التي من اتصف بها من هذه الأمة كان فيه شبه من اليهود الذي كلما عاهد غدر، ومن المنافقين في هذا العمل وهو أيضًا مشابه لليهود حيث إن هذا دأبهم.
* الطالب: فيه ناس صالحون يورد للكفار ويجيبوا يعني يقول هادول اللي بنى بالعمارة أحسن من المسلمين؛ يعني يقول: أهل أمانة ولا يخونون؟
* الشيخ: إيه، هذا من تزيين الشيطان، هذا من تزيين الشيطان لهم، وهؤلاء وإن كانوا مؤتمنين من حيث العمل الفردي الخاص، لكنهم غير مؤتمنين من حيث الأمة الإسلامية عمومًا؛ لأن دولا جواسيس للنصارى، ثم إن كل درهم نبذله لهؤلاء ففي الحقيقة أننا نبذله ليقيموا به رصاصة تكون في نحور المسلمين خصوصًا الشرقيين مثل الفلبيين؛ لأنهم الآن الحرب بينهم وبين المسلمين قائمة، ومع ذلك نأتي بهم، ثم إنه مهما كان الأمر لو فرض أن هؤلاء يريدون أن يُحسنوا المعاملة بينهم وبين الناس لأجل أن يسكتوا؛ لأنهم لو ساءت معاملتهم بينهم وبين الخلق ما أحد (...) يقول: حشف وسوء كيله، لكن هم يقولون: نحن نحسِّن المعاملة لأجل أن نرغب، فهذه سياسة وخيانة مكر، فالواجب على المسلم أن يكون حذرًا، ولا ينبغي لمسلم أن يعرف كراهة النبي عليه الصلاة والسلام بوجود اليهود والنصارى في هذه الجزيرة ثم يذهب يجلبهم، وهو الذي يقول ﷺ فيما صح عنه: «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»(٧) ويقول فيما ثبت في صحيح مسلم: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا»(٨). وفي السنن أنه قال: «أَخْرِجُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»(٩) كيف الرسول يقول: أخرجوهم وإحنا نجيبهم؟! ولذلك حصل منهم مفاسد عظيمة الآن، وهم إذا كثروا يبغوا يطالبون بحقوق، يطالبون مدارس، ويطالبون بالكنائس، ويطالبون بكل ما يكون لهم في البلاد الأخرى.
* طالب: المسيحية اللي بتجيبوها من مصر وهذا داخلين فيها؟
* الشيخ: داخلين فيها أيوه، والمسيحيون من العرب قد يكونون أخبث من المسيحيين من غيرهم. قال الله تعالى:
﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ﴾.
* الطالب: فضيلة الشيخ، كلما، قولنا: كلما كلمت زيدًا فأنتِ طالق ما يصح يعني يقول: إذا استمريت في تكليم زيد فأنت طالق؟
* الشيخ: لا، كلما وقع منها كلام؛ يعني لو كلمته ثلاث مرات طلقت ثلاث.
* الطالب: يعني هي تدل على استمرار الجواب كلما؟
* الشيخ: لا لا، تدل على وقوع الشرط وتكراره.
* الطالب: استمرار وقوع الشرط؟
* الشيخ: نعم، وقوع الشرط وجوابه. فيه عند الناس الآن أسلوب خطأ في اللغة العربية وهو أنهم إذا جاؤوا بـ(كلما) يكررونها في الجواب فيقولون: كلما جاء زيد كلما جاء عمرو، كلما حصل كذا كلما حصل كذا، هذا خطأ في أسلوب العرب، ويعتبر لحنًا؛ لأن إذا قال:كلما كان كذا كلما كان كذا صار الآن كرر أيش؟ كرر الشرط، ولم يأتِ بالجواب، والجواب ما يحتاج إلى أن تأتوا بالأداة مرة ثانية. ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ﴾ ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ ﴿لَمَّا﴾ هذه شرطية، وقد تقدم لنا أنها تأتي على أربعة أنحاء في اللغة العربية؛ شرطية، ونافية، وبمعنى إلا، وبمعنى حين (لما)، وهنا شرطية وقوله:
﴿رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ هذه صفة للرسول؛ يعني رسول مرسل من عند الله وهو محمد ﷺ.
وقوله:
﴿مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ﴾ مصدق للذي معهم من التوراة إن كانوا من اليهود، ومن الإنجيل إن كانوا من النصارى، والحديث في الآيات كلها عن اليهود.
وقوله:
﴿مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ﴾ تقدم أن تصديق القرآن لما سبقه من الكتب له ناحيتان أو وجهان: الوجه الأول: أنه جاء مصدقًا لما أخبرَت به من نزوله، فإن الكتب السابقة أخبرت بنزول القرآن فجاء تصديقًا لها، والثاني: أنه شاهد لها في الصدق، وأنها من عند الله، فهذا إذن كان على اليهود والنصارى أن يفرحوا بهذا القرآن؛ لأنه مؤيد لما معهم، ولكن الأمر كان بالعكس
﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ﴾ ﴿نَبَذَ﴾ هذه الجملة جواب الشرط في قوله:
﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ والنبذ بمعنى: الطرح.
﴿فَرِيقٌ﴾ جماعة
﴿أُوتُوا﴾ بمعنى أعطوا وأما (أتوا) بدون واو بمعنى جيء إليه، فـ (أتى) و(آتَى) بينهما فرق، آتى بمعنى أعطى، وأتى بمعنى جاء.
وهنا
﴿أُوتُوا﴾ بمعنى أُعطوا،
﴿الْكِتَابَ﴾ مفعول ثاني لأوتوا، ومفعولها الأول الواو التي هي نائب الفاعل (أوتوا)، وهذه (آتى) من باب (ظن وأخواتها) ولا أيش؟
* طالب: لا.
* الشيخ: من باب أيش؟
* طالب: اسم مرة.
* الشيخ: لا، من باب كسا، عندكم ابن مالك يقول: وَالثَّانِ مِنْهُمَا كَثَانِي اثْنَيْ كَسَا ∗∗∗ ............................
فهو من باب (كسا) يعني ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، والمفعولان هنا الأول (الواو) اللي هي نائب الفاعل، والثاني (الكتابَ).
وقوله:
﴿أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ (أل) هنا للعهد الذهني، وهو بالنسبة لليهود التوراة، وبالنسبة للنصارى الإنجيل.
وقوله:
﴿كِتَابَ اللَّهِ﴾ كتاب مفعول نبذ، والمراد بكتاب الله هنا القرآن، وأُضيف إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه المتكلم به، وسُمي القرآن كتابًا؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، وفي الصحف التي بأيدي الملائكة، وفي الصحف التي بأيدي البشر.
﴿كِتَابَ اللَّهِ﴾ وإضافته إلى الله؛ لأنه كلام الله، فالقرآن الذي نقرؤه الآن هو كلام ربنا تبارك وتعالى، تكلم به حقيقة بلفظه ومعناه، وسمعه منه جبريل، ثم أتى به إلى النبي ﷺ فنزل به على قلب النبي ﷺ حتى وعاه وأداه إلى الصحابة، والصحابة أدوه إلى التابعين، وهكذا حتى بقي إلى يومنا هذا ولله الحمد.
وقوله: كتاب الله نبذوه
﴿وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ طرحوه وراء الظهر، وهو عبارة عن الانصراف التام عنه؛ لأنهم لو نبذوه أمامهم لكان من الجائز أن يكونوا يأخذون به، أو عن اليمين، أو الشمال، لكن من ألقاه إلى وراء ظهره كان ذلك أبلغ في التولِّي والإعراض عنه، وعدم الرجوع إليه؛ لأن الشيء إذا خُلِّف وراء الظهر فإنه لا يُرجع إليه، كما أن فيه أيضًا -والعياذ بالله- إهانة أو استهانة بالقرآن، فإن الشيء الذي يُلقى وراء الظهر، هذا غاية ما يكون من الإهانة له، فصار التعبير بوراء الظهور يدل على أمرين؛ أحدهما: أنه لا مطمع في رجوعهم إليه، كذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأن اللي وراء ظهرك ما ترجع إليك، اللي أمامك يمكن إذا وصلت أخذت به، لكن وراء ظهرك هذا إعراض كلي لا مطمع في الرجوع إليه، والثاني: أنه يدل على الاستهانة به واحتقاره، وأنه ليس بشيء عند هؤلاء والعياذ بالله، فهم نبذوه وراء ظهورهم ﴿كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿كَأَنَّهُمْ﴾ (كأن) لها معنى ولها عمل، عملها أيش؟
* طالب: عمل (إنَّ).
* الشيخ: عمل (إن) تنصب الاسم وترفع الخبر، وأما معناها فهو هنا التشبيه؛ يعني كأنهم في نبذهم لكتاب الله لا...بل قال
﴿كَأَنَّهُمْ﴾ وأظن بينهما فرقًا، أو لا؟ فلأنهم لا يعلمون قد يكونون معذورين، إذا كانوا لا يعلمون، لكن إذا كانوا عالمين لكن نزَّلوا أنفسهم منزلة الجاهل بإنكار هذا القرآن فهذا أشد -والعياذ بالله- وأفظع،
﴿كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾. إذن من نظر إلى هاتين الآيتين عرف حال هؤلاء اليهود، وأنهم -والعياذ بالله- عندهم من العتو والعناد ما أوجب أن يكونوا غير وافين بالعهد لله ولا لعباد الله، أين خبر (كأن)؟
* طالب: خبرها محذوف.
* الشيخ: ويش التقدير؟
* الطالب: كأنهم لا يعلمون الكتاب.
* الشيخ: عندك خلاف كلامه؟
* طالب: جملة (لا يعلمون).
* الشيخ: جملة (لا يعلمون)، ماذا تقولون أنتم، أيهما أصوب؟
* طالب: جملة (لا يعلمون).
* الشيخ: إي نعم، جملة (لا يعلمون)، ﴿كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ لو حذفت (كأن) وقلت: هم لا يعلمون، وين الخبر يصير؟
* طالب: جملة..
* الشيخ: جملة ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ الخبر موجود لكنه جملة. قال الله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾. نعم؟
* طالب: ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ أين نائب الفاعل؟
* الشيخ: الواو في ﴿أُوتُوا﴾.
* الطالب: ما هي بالمفعول الأول؟
* الشيخ: إي وأين هو المفعول الأول؟ نائب الفاعل في معنى المفعول به، لو قلت مثلًا: ضُرِبَ زيدٌ، فزيد مضروب، فهو بمعنى المفعول به، ولهذا نائب الفاعل في المعنى مفعول به.
* الطالب: يعني في الأصل؟
* الشيخ: في المعنى، في المعنى مفعول به.
* الطالب: قبل أن تُبنى جملة المبني للمجهول هو المفعول.
* الشيخ: إي نعم، قبل أن تبنى للمجهول هو المفعول به.
* الطالب: ﴿أُوتُوا﴾ تصريفها؟
* الشيخ: تصريفها؟ يعني تحويلها إلى فعل مضارع ولا أيش؟
* الطالب: لا، الواو، كيف بُنِي للمجهول أصلها؟
* الشيخ: أصلها لو كانت مبينة للفاعل لقيل (آتَوْا) كما في قوله تعالى: ﴿أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ [الحج ٤١]، فلما بُنِي للمجهول (أُوتُوا) صار المفعول به نائبًا للفاعل.
* الطالب: الواو لأيش أُتِي بها (أُوتُوا).
* الشيخ: أيهم.
* الطالب: اللي بين الهمزة والتاء؟
* الشيخ: الواو من الفعل.
* الطالب: اللي هي الأخيرة؟
* الشيخ: كيف الأخيرة؟ الواو الثانية نائب الفاعل اسم، والواو الأولى في (أوتوا) هي فاء الفعل، فهي من الفعل، تعرف الفاء، فاء الفعل؟
* طالب: الهمزة ما هي فاء الفعل؟
* الشيخ: لا، الهمزة زائدة، فاء الفعل هي الواو، ﴿أُوتُوا﴾ أصلها (أُفْعِلُوا) هذا أصلها (أُفْعِلُوا)، فالواو هذه هي فاء الفعل.
* طالب: الآن (أوتوا) قلنا أنها نائب الفاعل الواو الأولى.
* الشيخ: لا، الواو الثانية نائب الفاعل، أنت حين كل ها السؤال عشان نفهم إن الواو الأولى هي نائب الفاعل؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: لا لا، الواو الثانية، الواو الأولى من الفعل، هي فاء الفعل. قال الله تعالى:
﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ ﴿اتَّبَعُوا﴾ أي: اليهود،
﴿مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ تتلوه هنا ليست بمعنى تقرؤه، ولكنها من تَلَاهُ يَتْلُوهُ بمعنى تبعه، أي: ما تتبعه الشياطين وتأخذ به،
﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ أي: في ملكه، وملك سليمان جمع بين الملك والنبوة؛ فإن سليمان ﷺ كان ملكًا نبيًّا، وكل اللي ذُكِرُوا في القرآن من الأنبياء فهم أنبياء رسل؛ لقوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ﴾ [غافر ٧٨]، خذوا هذه الفائدة؛ لأن بعض الناس يقول: الذين ذُكِرُوا في القرآن بعضهم ذُكِر إنه وكان رسولًا نبيًّا، وبعضهم ما ذكر إنه رسول، ولكن نقول: كل من قُصّ في القرآن فهو رسول؛ لقوله:
﴿مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ﴾ [غافر ٧٨]، فكل اللي قصهم الله على محمد ﷺ فهم رسل،
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر ٧٨]،
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ﴾ مثلًا،
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾ [مريم ٥٦]، ولا في قصة في القرآن إن الله يقول: وأرسلنا إدريس إلى قومه، إنما فيه (اذكر إدريس)، فنقول: كل من ذُكِر في القرآن من الأنبياء فإنهم رسل؛ لقوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ﴾ يعني: منهم الذين قصصنا عليك،
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ فهنا نقول: سليمان ﷺ هل هو نبي أو ملك أو رسول؟ كل الثلاثة، نبي ورسول وملك، وعند اليهود قتلهم الله يقولون: إنه ملك، ملك، ولكنه بلا ريب إنه نبي، رسول، ملك، أعطاه الله تعالى من الملك ما لا ينبغي لأحد من بعده.
* طالب: داود؟
* الشيخ: وداود نفس الشيء، ملك، نبي، رسول. نعم، يقول: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ وهو، أي: سليمان من بني إسرائيل، قبل موسى ولّا بعده؟
* طالب: بعد موسى.
* الشيخ: أو قبله؟
* الطلبة: قبل موسى.
* الشيخ: قبل موسى؟ وإن كان داود عقب موسى يصير سليمان قبل موسى؟
* طالب: إي.
* الشيخ: يعني إن كان داود عقب موسى سليمان قبل موسى؟
* طالب: لا لا، واحد فيهم أب للثاني.
* الشيخ: سليمان هو الابن.
* طالب: سليمان بن داود.
* الشيخ: ابن داود، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا﴾ [البقرة ٢٤٦]، ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ﴾ [البقرة ٢٤٧] إلى أن قال: ﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ﴾ [البقرة ٢٥١]، وهنا يقول: ﴿إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ على هذا يكون سليمان بعد موسى، يكون سليمان بعد موسى. وقوله:
﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ واليهود يزعمون إن سليمان يتعلم السحر، وأنه ساحر، ويدَّعون هذا، والسحر كفر، ولهذا قال الله تعالى:
﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ يعني: ليس بكافر، أي: ما كفر بسحره حيث زعم اليهود أنه كان كذلك،
﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ وفي قراءة سبعية
﴿وَلَكِنِ الشَّيَاطِينُ كَفَرُوا﴾ ، فعلى قراءة
﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ تكون الواو حرف عطف، و(لكنّ) حرف استدراك يعمل عمل (إنّ) ينصب الاسم ويرفع الخبر، والشياطين اسمها، وجملة (كفروا) خبرها، وعلى قراءة التخفيف يجب أن تكون (الشياطين) بالرفع،
﴿وَلَكِنِ الشَّيَاطِينُ كَفَرُوا﴾ ، هنا نقول: الواو حرف عطف، و(لكن) حرف استدراك مبني على السكون وحُرِّك بالكسر؛ لالتقاء الساكنين، و(الشياطين) مبتدأ، و(كفروا) خبر المبتدأ. وقوله:
﴿الشَّيَاطِينَ﴾ جمع شيطان، وهو على الحقيقة، فالشياطين ليست واحدًا، ولكنهم متعددون كثيرون؛ لأن له جنودًا وذرية، كما قال الله تعالى:
﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف ٢٧]، وقال:
﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي﴾ [الكهف ٥٠]، فالشياطين كثيرون،
﴿كَفَرُوا﴾ بماذا؟ فَسَّرَ هذا الكفر بقوله:
﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ يعني الشياطين كفروا بهذا، فهم يعلِّمون الناس السحر، والسحر في اللغة: كل شيء خَفِي ولطف، كل شيء خفي صار خفيًّا ولطيفًا يسمى سحرًا، فكل شيء خفي سببه ولطف يسمى سحرًا، ومنه قول الرسول عليه الصلاة والسلام:
«إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا»(١٠)؛ لأن البيان والفصاحة يجذب النفوس والأسماع، حتى إن الإنسان يجد من نفسه ما يشده إلى سماع هذا البيان، فيسحر الناس، الساعة الآن تعتبر سحرًا ولّا لا؟
* طالب: الآن لا.
* الشيخ: في المعنى اللغوي، في المعنى اللغوي، الكمبيوتر سحر.
* طالب: في بدايته.
* الشيخ: إي، في المعنى، أصله خفي على عامة الناس، خفي حتى إن الرازي في تفسيره لما قسم السحر وأنواعه قال: إن الساعة من السحر، الساعة من السحر؛ لأنه يخفى سببه ويش اللي خلاه مثلًا، في الزمن الأول الساعة ما هي مثلها الآن، ترقت أكثر وتعقدت أكثر الآن، ويش اللي خلاها تنبض الآن، عندنا فيه الساعات الآن اللي بتشر بالنبض ولّا لا؟ ويش يخليها المسمار هذا اللي يسمونه، أيش يسمونه اللي يمشي ده؟
* طالب: العقارب.
* الشيخ: العقارب، ويش اللي يخليها تمشي، ما نشوف شيء يحركها، ويش اللي يخليها ما إن وصلت الساعة المعينة صوتت، بعضهم بعد جاؤوا بشيء يؤذن، كل هذا مما خفي سببه، فهو في اللغة العربية يعتبر من السحر، لكنه ليس هو السحر الذي ورد ذمه؛ لأن هذا مآله إلى العلم، وهو أمر طبيعي صناعي، لكن السحر الذي يراد هو -والعياذ بالله- التأثير بسبب أدوية ورقى وتعوُّذات، تأثير بأسباب خفية من قراءات وتعاويذ وأدوية تُصنع من إنسان حتى يصيبه السحر -والعياذ بالله- وهو أنواع، من السحر ما يقتل، يبدأ الإنسان المسحور -والعياذ بالله- ينقص شيئًا فشيئًا حتى يموت، ومنه ما يُمْرِض، ومنه ما يزيل العقل ويخبّل الإنسان، ومنه ما يُغير حواس المرء بحيث يسمع ما لم يكن، أو يشاهد الساكن متحركًا أو المتحرك ساكنًا، ومنه ما يجلب المودة، ومنه ما يوجب البغضاء، المهم أنه أنواع -والعياذ بالله- أنواع، وأهله يعرفون هذه الأنواع، هذا السحر حكمه محرم بلا شك، وهل هو كفر أو ليس بكفر؟ هذا فيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أنه كفر مُخْرِج عن الملة، وأن الساحر يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتِل، بل بعض العلماء يرى أنه لا توبة له، وأنه يُقتل بكل حال، ولكن الصحيح أنه ما من ذنب إلا وله توبة، ومن العلماء من يرى أنه لا يكفُر ولكن يُقتل حدًّا، يقتل حدًّا وجوبًا، يعني يُعدم ولكنه مسلم يصلَّى عليه، ومنهم من يرى أنه يعزَّر تعزيرًا بليغًا، إن ارتدع وإلا قُتِل إذا لم يرتدع بدون قتل، ولكن سيأتينا إن شاء الله في الفوائد أن القرآن يدل على أنه كفر. وقوله:
﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ إذا كان الكفر في تعليم السحر فما بالك في ممارسة السحر، هو من باب أولى.
﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ يعني واتبعوا أيضًا ما أُنزل على الملكين، (مَلَكَيْنِ) بفتح اللام وليست بكسرها، والفرق بين الملَك والملِك أن الملَك الرسول، والملِك الحاكم الذي له سلطة، هذا الملِك، وهنا هما ملِكين أو ملَكين؟
* طالب: ملَكين.
* الشيخ: ملَكين أرسلهما الله تبارك وتعالى إلى الأرض، أحدهما اسمه هاروت، والثاني اسمه ماروت، واحد هاروت وواحد ماروت، ولهذا قال، وقوله: ﴿بِبَابِلَ﴾ هذا اسم للمكان، أنزل الله في هذا المكان أي في بابل وهي بلد معروفة، في أي مكان؟
* الطلبة: في العراق.
* الشيخ: في العراق، أرسلهما الله إلى هذا البلد وجعلَا يعلِّمان الناس السحر اختبارًا من الله وفتنة، لا يقال: كيف أنهما ملَكان فيعلِّمان السحر؟ نقول: إن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يبتلي قومًا ابتلاهم بما شاء، فأراد الله أن يبتلي هؤلاء الناس بنزول هذين الملَكين يعلِّمان الناس السحر، يقول تعالوا، تبغي تتعلم السحر؟ صنعة تحصل بها فلوس، تخلي الناس المتحابين يتباغضون، والمتباغضين يتحابون، إذا صار لك عدو تقدر تقتله، وهكذا، لكن مع ذلك ما يعلِّمان من أحد حتى يقولَا: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ شوف سبحان الله العظيم، هذا من تمام النصح، من تمام النصح، ما يمكرون بالناس ويعلّمونهم ويفتحون الباب لهم، لا، من جاء ليتعلم حذراه، فما ﴿يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾ ولم نعلِّم السحر اختيارًا ولا رغبة فيه، ولكن اختبارًا من الله سبحانه وتعالى، وهذا لله أن يفعل ما شاء، لله أن يفعل ما شاء، والله تعالى قد يُيَسِّر أسباب المعصية ليختبر العبد، كما يُسِّرَت أسباب المعصية لبني إسرائيل في؟
* الطلبة: الصيد.
* الشيخ: في الحيتان يوم السبت، وكما يُسِّرَت أسبابها للصحابة رضي الله عنهم وهم محرِمون، ويش هو فيه؟
* الطلبة: صيد البر.
* الشيخ: في صيد البر، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ﴾ [المائدة ٩٤]، فأنت إذا يُسِّرَت لك أسباب المعصية فلا تفتتن؛ فإن الله تعالى قد يبتليك، ولهذا إذا عدلت عنها مع تيسر أسبابها كان في ذلك منقبة عظيمة لك، «رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ (...)»(١١)، منعته عفته أن يفعل مع تيسرها له، فهذا من الذين يظلّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إذن هذان الملَكان ما يعلِّمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة، واعلموا أن كثيرًا من المفسرين في هذه الآية ذكروا قصصًا إسرائيلية كلها كذب، كلها كذب، ذكروا أن امرأة حصل منها ما حصل، ثم إنها صعدت إلى السماء وأنها هي النجمة المعروفة بالزهرة، رُكِّبَت في السماء وصارت نجمة، وعلى كل حال كل هذا اللي ذُكِر هنا كلها إسرائيليات يجب إنكارها، ولا يجوز أن يفسَّر بها كلام الله تبارك وتعالى. قال:
﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا﴾ يتعلمون من؟ اليهود، يعني قال:
﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ ثم قال:
﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ ثم قال
﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ وهذا يقول العلماء: من أشد أنواع السحر، إنه يفرق بين المرء وزوجه، ويش شو زوجه؟
* الطلبة: زوجته.
* الشيخ: زوجته نعم، لكنه قلنا مرارًا: إن اللغة الفصحى (زوج) للرجل والمرأة، وأن الفرَضيين رحمهم الله هم الذين اصطلحوا على أن تكون (زوجة) للأنثى، و(زوج) للرجل؛ لئلا تلتبس المسائل بعضها ببعض، ﴿مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ ومن أقوى المودة والمحبة التي تكون بين البشر هي التي تكون بين المرء وزوجه إذا صلحت الحال، فإذا صلحت حال الزوجين فإنه لا يوجد أحد يماثلهما في المودة والمحبة، ومن المعلوم أن المحبة بين الزوجين ليست كالمحبة بين الأم وابنها، أو لا؟ فتلك محبة لها لون، والأخرى لها لون آخر، لكن الالتئام والوفاق بين الزوجين إذا أصلح الله حالهما لا يكون له نظير، حتى إن المرأة تفدي نفسها بزوجها، وبالعكس، وحتى إن المرأة لتدع أمها وأباها من أجل زوجها، فعلى هذا هؤلاء -والعياذ بالله- يتعلمون ﴿مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ﴾ أي: بسببه، بين المرء وزوجه، طيب هنا يتعلمون ما يفرقون به، أين المفعول، (ويتعلمون)؟
* طالب: (ما).
* الشيخ: (ما) الاسم الموصول، وهذه من المعرفة ولّا من العلم اليقين؟ من المعرفة التي لا (...) إلا مفعولًا واحدًا ﴿يَتَعَلَّمُونَ﴾ على قراءة (لكنَّ) عاملة ولّا مهملة؟
* طالب: لا، عاملة.
* الشيخ: عاملة، وعلى قراءة (لكنْ) لماذا أُهْمِلت؟
* طالب: لأنها مخففة.
* الشيخ: طيب، وهل إذا خُفِّفت (لكن) تُهْمَل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ويش الدليل من قول ابن مالك؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: طيب من يستحضر؟ وألحقت بإنّ، لأ، ما هي هذه، لكن وأن، ما هي هذه، هذه في اتصاله بـ(ما) وَخُفِّفَـــــــتْ إِنَّ فَقَــــــــــــــــــلَّالْعَمَــــــــــــــــلُ ∗∗∗ وَتَلْزَمُ اللَّامُ إِذَا مَاتُهْمَـــــــــــــــــــــــــــلُ ؎وَرُبَّمَـــــــــــــــــــــــا اسْتُغْنِيَعَنْهَـــــــــــــا إِنْ بَدَا ∗∗∗ مَا نَــــاطِقٌ أَرَادَهُمُعْتـــــــــــــــــــــــــــــــــَمِدَا ؎وَالْفِعْـلُ إِنْ لـَمْ يَكُ نَـــــــــــــــــاسِخًافَلَا ∗∗∗ تُلْفِيهِ غَالِبًا بِإِنْ ذِي مُــــــــــــــوصِلَا؎وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَـــــــــــــــااسْتَكَنْ ∗∗∗ وَالْخَبَرَ اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنْ ؎وَإِنْ يَكُنْ فِعْلًا وَلَمْ يَكُنْدُعَـــــــــــــــــــــــا ∗∗∗ وَلَمْ يَــــــــــــــــــكُنْ تَصْرِيفُهُمُمْتَنِعَــــــــــــــــــا ؎فَالْأَحْسَنُ الْفَصْلُ بِقَدْ أوْ نَفْيِ أوْ ∗∗∗ تَنْفِيسٍ اوْ وَلَوْ وَقَلِيْلٌ ذِكْرُ لَــــــــوْ؎وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ أَيْضًافَنُـــــــــــــــــــــــــــــوِي ∗∗∗ مَنْصُوبُهَا وَثَابِتًا أَيْضًــــــــــــــــــارُوِي
ما ذكرها ابن مالك؟
* طالب: (...) حرف جر؟
* الشيخ: لا، تكون هي للاستدراك فقط، حرف عطف، مهملة على أنها حرف عطف، وإذا سُبِقت بحرف العطف صارت للاستدراك فقط. قوله تعالى:
﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ الجملة في
﴿يُعَلِّمُونَ﴾ ويش موضعها من الإعراب؟
* طالب: جملة حالية.
* الشيخ: جملة حالية، من الفاعل في؟
* طالب: ﴿كَفَرُوا﴾.
* الشيخ: ﴿كَفَرُوا﴾ يعني: حال كونهم ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ طيب قوله تعالى: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ﴾ ﴿وَمَا أُنْزِلَ﴾ أيش محلها من الإعراب؟
* طالب: معطوف.
* الشيخ: معطوف على أيش؟
* طالب: معطوف على ﴿مَا تَتْلُو﴾.
* الشيخ: ﴿مَا تَتْلُو﴾ ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو﴾ واتبعوا أيضًا ما أنزل على الملكين، الملكين تثنية ملَك ولا ملِك؟
* طالب: ملَك.
* الشيخ: ملَك، طيب يعني فيه ملَكان نزلا إلى الأرض؟
* طالب: إي نعم نزلا إلى الأرض.
* الشيخ: زين، قوله: ﴿بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ أيش معناها؟
* طالب: نزلوا ببابل.
* الشيخ: نزلوا ببابل؟ ويش معنى ﴿بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾؟
* طالب: نزلا ببابل.
* الشيخ: إضافة ببابل هاروت وماروت؟
* طالب: أسماء ملَكين.
* الشيخ: إذن ما هي مضافة، يعني ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ﴾ و﴿هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ بدل أو عطف بيان، وليست ﴿بِبَابِلَ﴾ مضافة، و﴿هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ مضاف إليه، ما يصلح هذا، ما يستوي به الكلام. قوله:
﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾ ويش معنى فتنة؟
* طالب: الاختبار والامتحان.
* الشيخ: الاختبار والامتحان، وما هي هذه الفتنة؟
* طالب: هي السحر.
* الشيخ: السحر، يعلِّمون السحر فتنة من الله سبحانه وتعالى، طيب هل هؤلاء الملَكان خدعا الناس أو بيّنّا لهم الأمر؟
* طالب: بينا الأمر.
* الشيخ: كيف ذلك؟ أو ما الدليل على أنهما بينا ذلك؟
* طالب: الدليل أنهما يقولان: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾.
* الشيخ: ما يعلّمون أحدًا حتى يقولوا: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ طيب ما الذي يتعلمون من هذين الملَكين؟
* طالب: السحر.
* الشيخ: ويش هو ويش نوع هذا السحر؟
* طالب: الله أعلم.
* الشيخ: الله أعلم؟
* طالب: ما حضرت.
* الشيخ: أي ما حضرت، طيب نعم؟
* طالب: ما يفرق الرجل بين المرء وزوجته.
* الشيخ: ما يفرقون به بين المرء وزوجته، صح، ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ طيب قوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ما المراد بالإذن هنا، الكوني ولّا الشرعي؟
* طالب: الشرعي.
* الشيخ: الشرعي؟ هل يمكن أن يأذن الله شرعًا بالسحر؟ أو (...) بضرر السحر؟
* طالب: لا لا، لكن (...).
* الشيخ: يعني (...) الكلام هذا ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ويش يصير؟
* طالب: الكوني.
* الشيخ: الكوني؟ ما تقولون يا جماعة؟
* الطلبة: الكوني.
* الشيخ: الكوني؟ طيب صح، طيب إذن الإذن ينقسم إلى قسمين: كوني وشرعي، فنريد أمثلة لذلك، مثال الكوني؟
* طالب: الكوني؟
* الشيخ: نعم الإذن الكوني؟
* الطالب: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة ٢٥٥].
* الشيخ: نعم ﴿إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ صح، وكذلك الآية التي معنا أيضًا يصح أن نمثل بها، الإذن الشرعي؟
* طالب: الإذن الشرعي قوله في المساجد ما قيل أنها تُرفع ويُذكر فيها اسمه.
* الشيخ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النور ٣٦]، هذا الإذن الشرعي، الفرق بينهما الإذن الكوني والشرعي؟
* طالب: الكوني يلزم منه إذن (...).
* الشيخ: وقوع المأذون.
* طالب: وقوع المأذون، والشرعي لا يلزم منه وقوعه.
* الشيخ: صح، الفرق الثاني؟
* طالب: الشرعي يكون على ما يحبه الله تعالى.
* الشيخ: فيما يحبه الله.
* طالب: والكوني لا يكون كذلك، قد يكون فيما يحبه الله سبحانه وقد..
* الشيخ: فيما لا يحبه، أمثلة: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى ٢١]، هذا ﴿مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ﴾ إذنًا شرعيًّا؛ لأنه يكرهه، طيب نشوف الفوائد، فوائد الآيات. قال الله تعالى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة ٩٦]. * يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن اليهود أحرص الناس على الحياة.
* ومن فوائدها أيضًا: إبطال قولهم: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ ثم نخرج منها ونكون في الجنة؛ لأن من كان كذلك هل يكره الموت؟ ما دام هم أولياء الله وأحباؤه فإنهم لا يكرهون ذلك، فهذا يكذِّب دعواهم أنهم أبناء الله يعني أولياءه وأحباءه، ويكذِّب قولهم: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾.
* ومن فوائد الآية: أن الناس يتفاوتون في الحرص على الحياة؛ لقوله: ﴿أَحْرَصَ﴾ يعني هذه أحرص اسم تفضيل، والناس يختلفون، ولما دخل أحد القواد المسلمين على أحد قواد المجوس وأظنه رستم قال له«: إنّ معي قومًا يحبون الموت كما تحبون الحياة »(١٢)؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أزهد الناس في الدنيا، ولا تهمهم الدنيا إذا كانوا في مرضاة الله سبحانه وتعالى.
* ومن فوائد الآية: أن المشركين أيضًا من أحرص الناس على الحياة، وأنهم يكرهون الموت، (...) بالكم يا جماعة من أين نأخذها؟ ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ مما يدل على أن الذين أشركوا في القمة في كراهة الموت.
* ويستفاد من هذين الأمرين: كون اليهود أحرص الناس على حياة، وأن المشركين أيضًا حريصون على الحياة، يستفاد منه تشجيع المؤمنين على قتال أعداء الله من المشركين واليهود؛ لأن اللي يحب الحياة يكره أسباب الموت، ولّا لا؟ والقتال من أسباب الموت، هذا مما يقوي عزيمة المسلمين على قتالهم، ولكن ما رأيكم لو أننا قلنا: إن المسلمين اليوم يكرهون الموت؟
* الطلبة: صحيح.
* الشيخ: صحيح؟ ولهذا يعمرون للدنيا أكثر مما يعمرون للآخرة، ويكرهون الجهاد في سبيل الله إلا من شاء الله.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أن طول العمر لا يفيد المرء شيئًا إذا كان في معصية الله، طول العمر لا يفيد المرء شيئًا إذا كان في معصية الله، من أين نأخذه؟ ﴿وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ﴾.
* ويستفاد منه: غَوْر فهم السلف حين كرهوا أن يُدْعَى للإنسان بالبقاء، فإن الإمام أحمد كره أن يقول للإنسان: أطال الله بقاءك، السبب؟ لأن طول البقاء قد ينفع وقد يضر، ولّا لا؟ إذن الطريق السليم أن تقول: أطال الله بقاءك على طاعة الله. أطول المخلوقات عمرًا إبليس، وهو أخسر الناس من وقته، ما نفعه طول العمر.
* طالب: الناس يا شيخ يقولون: لو درينا أن الإمام قرأ خطبة يقول: اللهم (...) ما قلنا: آمين.
* الشيخ: عجيب، والله مشكلة، (...) الجهاد شيء يعطون إياه.
* طالب: إي نعم لكن لو درينا ما قلنا.
* الشيخ: الله يهدينا وإياهم، طيب خلونا نمشي، أنا قائل لكم لا تسألونا شيء ونحن نستدرك في الفوائد.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى محيط بأعمال هؤلاء اليهود كغيرهم؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ والبصر هنا بمعنى العلم، ويمكن أن يكون بمعنى الرؤية، قال النبي ﷺ: «لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»(١٣)، فأثبت لله بصرًا، فإذن البصير يحتمل أن يكون بمعنى العلم، أو أن يكون بمعنى البصير أي الذي يرى ما يعملونه، والأول أي أعم؟
* طالب: الأول.
* طالب: الثاني.
* الشيخ: الأول أعم، العلم. قال الله تعالى:
﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ * يستفاد من هذه الآية: أن من الناس من يكون عدوًّا لملائكة الله؛ لقوله:
﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا﴾ ووجه ذلك أن مثل هذا الكلام لو لم يكن له أصل لكان؟
* طالب: عنتًا.
* الشيخ: لكان لغوًا من القول، لولا أن هذا موجود لكان التعبير بمثل ذلك لغوًا من القول، والقرآن منزَّه عن اللغو.
* ويستفاد من الآية الكريمة أيضًا: فضيلة جبريل عليه الصلاة والسلام، فإن الله تعالى دافع عنه.
* ويستفاد منه: ذكر الوصف الذي ينبغي للإنسان أن يكون وليًّا لجبريل، من أين يؤخذ؟ ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ يعني: ومن كان هذا وظيفته فإنه يُتَّخذ عدوًّا؟
* طالب: وليًّا.
* الشيخ: وليًّا، يتخذ وليًّا، وهذا الذي سلكناه الآن أحسن مما ذكرنا لكم أن صاحب الجلالين سلكه، حيث قدَّر جواب الشرط؟
* طالب: فَلْيَمُت غيظًا.
* الشيخ: فليَمُتْ غيظًا، وقلنا: إن جواب الشرط هو قوله: ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ﴾ يعني والمعنى: فإن جبريل لا ينبغي أن يُتَّخَذ عدوًّا، بل يتخذ وليًّا.
* ويستفاد من هذه الكريمة: علو الله، إثبات علو الله.
* طالب: ﴿نَزَّلَهُ﴾.
* الشيخ: ﴿نَزَّلَهُ﴾؛ لأن النزول ما يكون إلا من أعلى، والقرآن بلا شك كلام الله، ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [الشعراء ١٩٣، ١٩٤].
* ويستفاد من هذا أيضًا: أن النبي عليه الصلاة والسلام قد وعى القرآن وعيًا كاملًا لا يتطرق إليه الشك؛ لقوله: ﴿نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾؛ لأن ما نفذ إلى القلب حلّ في القلب، طيب الكلام قد ينزل على الأذن وأين يصل؟
* طالب: لا يتعدى الأذن.
* الشيخ: يمكن ما يتعدى الأذن، ما يتعدى الأذن، لكن إذا نزل على القلب معناه إنه نفذ من الأذن إلى القلب وحلّ فيه، وإذا حل في القلب فهو في حِرز مكين.
* ويستفاد من هذه الآية: أن هذا القرآن إنما نزل بأمر الله، أو لا؟ لقوله: ﴿نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ والإذن هنا ما تقولون فيه؟ كوني ولّا شرعي؟
* الطلبة:كوني.
* الشيخ: نعم، إذا كانت الباء للسببية فهو كوني، وإن كانت الباء للمصاحبة ﴿نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ بشرع الله فإنه يكون شرعيًّا، ولا مانع من حمل الآية عليهما جميعًا؛ لأنها تحتملهما وتصح.
* ويستفاد من الآية الكريمة: الثناء على القرآن، من وجوه ثلاثة: أنه مصدِّق لما بين يديه، وأنه هدى، وأنه بشرى للمؤمنين، كذا؟ طيب.
* يستفاد منه أيضًا، من هذه الآية: أن القرآن قد أخبرت به الكتب السابقة، كيف؟
* الطلبة: مصدِّقًا.
* الشيخ: لأن معنى ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ على وجهين، الوجه الأول: أنه شهد لها بالصدق، شهد لها بالصدق وأنها حق، فإن القرآن يأمر بتصديق التوراة والإنجيل والكتب السابقة، والوجه الثاني: أنه نزل مصداقًا لما أخبرَت به، فإنها أخبرت به فصدقها.
* ويستفاد من هذه الآية أيضًا: أن القرآن هدى لجميع الخلق.
* الطلبة: ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
* الشيخ: نشوف الآن، نتناقش إحنا وإياكم فيها، هل ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ متعلقة بـ﴿بُشْرَى﴾ فقط أو بـ﴿هُدًى وَبُشْرَى﴾؟ (...) حتى تصل إليه وتسر به، إذن أنت مؤمن أبشر بأن القرآن بشرى لك، فإذا قيل: ما هي العلامة أن يكون بشرى لك؟ نقول: العلامة أن تنتفع به، فكلما وجدت نفسك منتفعًا به حريصًا عليه تاليًا له حق تلاوته فهذه علامة البشرى، وكلما رأى الإنسان من نفسه كراهة القرآن مثلًا أو كراهة العمل به، أو التثاقل في تطبيقه، فليعلم أنه إما فاقد الإيمان، وإما ناقص الإيمان.
ثم قال تعالى:
﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة ٩٨].
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن من عادى الله فهو كافر، كذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأن من كان عدوًّا لله فإن الله عدو للكافرين، ما قال: عدو له، ﴿عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ فأظهر في موضع الإضمار ليسجل حكم الكفر على من اتصف بهذه الصفة وهي عداوة الله، طيب ولأجل العموم يعم مَن كفر بهذا وبغيره، فإن كل كافر فهو عدو لله.
* ويستفاد من هذه الآية أيضًا: أن كل كافر فالله عدو له، كل كافر فالله عدو له؛ لقوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن من كان عدوًّا للملائكة أو للرسل فإنه عدو لله؛ أو لا؟ لأن الملائكة رسل الله ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ [فاطر ١]، والرسل البشريون أيضًا رسل لله سبحانه وتعالى، فمن عادى ملائكة الله من جبريل أو غيره، أو عادى الرسل من محمد ﷺ أو غيره فقد عادى الله. طيب هل يستفاد منه أن من عادى المؤمنين فقد عادى الله؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: من الآية، هي من الآية، الكلام من الآية هل يستفاد أن من عادى المؤمنين فهو عدو لله؟
* طالب: ما يستفاد.
* الشيخ: أو نقول: من عادى المؤمنين فالآية ساكتة عنه، لكن الله قال في الحديث القدسي: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ»(١٤)، والإيذان بالحرب لا يلزم منه العداوة أو يلزم منه العداوة؟
* الطلبة: يلزم منه.
* الشيخ: طيب إذن مَن رابى فهو عدو لله؛ لأن الله يقول: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة ٢٧٩]، وهذه مشكلة في الواقع، فالأولى أن نقول: من عادى الرسل فالله عدو له، ومن عادى غيرهم فقد آذن الحرب على الله، اللهم إلا أن يقال بالمعنى العام: إن عداوة الرسل لعداوة ما جاؤوا به، فمن عادى ما جاءت به الرسل فإن الله عدو لهم، ومعنى يعني عادى المؤمنين؛ لأنهم تمسكوا بما جاءت به الرسل، فيكون معاداتهم لهم بناء على هذا، وفي الحقيقة معاداة للرسل كما قال أهل العلم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ [الكوثر ٣]، أي: مبغضك ومبغض ما جئت به من السنة هو الأبتر، على كل حال هذا بالنسبة للمؤمنين محل توقف في دلالة الآية عليه، اللهم إلا إذا عادى المؤمنين لكونهم تمسكوا بشريعة الرسل فهذا قد يظهر أن الله تعالى يكون عدوًّا لهم.
* طالب: ما تكون العداوة هنا تطبيقًا للشريعة؟
* الشيخ: للشريعة إي.
* طالب: فكون المسلمين تعلقوا بالشريعة أبغَضَهم؟
* الشيخ: إي نعم هذه، فيكون بغضه لهم بناء على الشريعة التي تمسكوا بها، ولو كانوا غير متمسكين بها ما عاداهم، يمكن يواليهم، طيب إذن ما فيه سؤال.
* طالب: اللي يعادي المؤمنين يكون معادي للرسول، ومن عادى الرسول فهو عدو لله؟
* الشيخ: كيف ذلك؟ مشكلة؛ لأن الله قال: ﴿وَرُسُلِهِ﴾ على كل حال محل توقف، محل توقف، إلا إذا عاداهم من أجل تمسكهم بشريعة الرسول فإن الأظهر إن الله عدو لهم.
* ومنها أيضًا، من فوائد الآية: فضيلة جبريل وميكائيل، وجه ذلك: تخصيصهما بعد التعميم؛ لأن قوله: ﴿وَمَلَائِكَتِهِ﴾ يعم جميع الملائكة، لكن التنصيص على جبريل وميكائيل فإنه يدل على فضيلتهما، فهمتم؟ طيب، إذا قيل: ألا يقول قائل: إن ذكرهما بالتخصيص ليس لمزيتهما، ولكن لأن الكلام في شأنهما؛ إذ إن اليهود يقولون: جبريل عدو لنا؛ لأنه ينزل بالحرب والقتال، وميكائيل ولي لنا لأنه ينزل موكل بالقطر والنبات، فيكون ذكرهما بناء على أن القضية فيهما؟ نقول في جواب ذلك: ميكائيل ما عاداه هؤلاء اليهود الذين كانت القضية فيهم، ولّا لا؟ هب أن جبريل كذلك نص عليه وبيّن مزيته من هذا الوجه، لكن ميكائيل ليس هكذا، فالظاهر أن لهما مزية على غيرهما، وكما مر علينا في التفسير أن الرسول ﷺ كان يستفتح صلاة الليل بذكرهما، ومع إسرافيل: «اللَّهُمَّ رَبْ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(١٥)، كان الرسول ﷺ يستفتح صلاة الليل بهذا؛ لأن صلاة الليل بعد النوم، فهي حياة بعد وفاة، وهؤلاء الثلاثة الكرام موكلون بما فيه الحياة، فجبريل بما فيه حياة القلوب، وميكائيل بما فيه حياة النبات، وإسرافيل بما فيه حياة الأبدان بعد البعث.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات صفة العداوة من الله، ولّا لا؟ إن الله يعادي، يعادي مثل الرضا والغضب والسخط والكراهة، أو لا؟ يعادي، والمعاداة ضدها الموالاة، ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ هل هما صفتان ذاتيتان؟ أو صفتان فعليتان؟
* الطلبة: فعليتان.
* الشيخ: فعليتان؛ لأنهما تتعلقان بالمشيئة، طريقة أهل السنة والجماعة فيهما إثباتهما على الوجه اللائق بالله سبحانه وتعالى، وطريقة أهل التأويل من الأشاعرة وغيرهم ما يثبتون العداوة، يثبتون لازمها، وهي المعاقبة، فيفسرون العداوة بالمعاقبة أو بإرادة العقاب؛ لأنهم يُثبتون لله الإرادة، ولكننا نحن معشر أهل السنة والجماعة نقول: إن العداوة صفة غير إرادة العقوبة وغير العقوبة، فهي صفة حقيقية ثابتة لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به، ولا يمكن أن يكون لها نظير من عداوات بني آدم، ما لها نظير، ويش الدليل إن ما لها نظير؟ قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى ١١]، وهكذا بقية الصفات، والذين أنكروا مثل هذه الصفات إنما أوتوا حيث ظنوا أن إثباتها يستلزم التشبيه والمماثلة، فقالوا: إذا أثبتناها مثّلنا والتمثيل محال، فإثباتها محال؛ لأن ما استلزم المحال فهو محال، فيقال لهم: من الذي قال لكم: إن الإثبات يستلزم التشبيه؟ ما قاله إلا عقولكم الفاسدة، ولا يمكن أن تكون عقولكم الفاسدة ميزانًا لمعاني كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ولهذا قال الإمام مالك كلمة، قال:« ليت شعري بأي شيء يوزن الكتاب والسنة، إذا كان كلما جاءنا رجل أجدل من رجل أخذنا بقوله وتركنا قول الثاني. »(١٦)، وهذا صحيح، إذا بغينا نزن دلالات الكتاب والسنة بعقول الناس فبأي عقل نأخذ؟ أليس كذلك؟ فالمهم أننا نقول: إن العداوة هنا صفة فعلية ثابتة لله على وجه الحقيقة، ولا نؤولها بإرادة العقوبة ولا بالعقوبة نفسها، بل هي صفة ثابتة لله على الوجه اللائق به.
* طالب: المشابهة يا شيخ المخلوقات ما هي متشابهة؟
* الشيخ: إي نعم، مثل ما تعرف.
* طالب: مثل الذرة لها يد، والجمل له يد، والإنسان له يد.
* الشيخ: إي نعم، ولها إرادة، وللإنسان إرادة، والإرادات تختلف.
* طالب: مثل القتال؟
* الشيخ: كيف القتال؟
* الطالب: مثل قاتله الله؟
* الشيخ: لا لا، القتال هذا معناه إن الله تعالى يهلكه، يعني من قتله الله فهو هالك، ولهذا بعضهم يفسر (قاتله الله) بـ(لعنه)، وبعضهم يفسرها بـ(أهلكه)، وهذا هو الصحيح.
* الطالب: ما نقول صفة؟
* الشيخ: نعم، نقول: صفة يراد بها لازمها، يراد بها لازمها بلا شك، واللازم قد يكون من معنى الكلمة أحيانًا. قال الله تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ [البقرة ٩٩].
* طالب: فيه فائدة.
* الشيخ: وهي؟
* الطالب: يقال: إن الرسول ليس أفضل الخلق، وأن العطف ﴿وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ﴾.
* الشيخ: ليس أفضل الخلق، (...).
* الطالب: يعني الملائكة أفضل (...).
* الشيخ: يعني هذا فيه دليل لمن قال: إن الملائكة أفضل من البشر، من صالح البشر؟ ما رأيكم في هذا؟ صحيح؛ لأن هذه فائدة قد يحتج بها من يرى إن الملائكة أفضل من البشر، وتعلمون إن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، وذكرناه لكم ونحن نتكلم على العقيدة السفارينية على قوله: وَعِنْدَنَا تَفْضِيلُ أَعْيَانِ الْبَشَرْ ∗∗∗ عَلَى مَلَائِكِ رَبِّنَا...................فهل نقول: إن الآية تشهد بهذا القول؛ لأن التقديم في مقام الثناء يدل على التفضيل، ما رأيكم؟
* طالب: جبريل أتى بعد..
* الشيخ: لا هيّن، جبريل خُصص بعد التعميم، ما فيه تنقيص له.
* طالب: يقال تقديم الملائكة لأنهم هم المعنيون.
* الشيخ: إي، هذا هو، يقال بأن تقديمهم لأنهم هم المعنيون، إذ القصة فيهم يعادون جبريل، هم ما قالوا: نحن نعادي محمد أو نعادي موسى أو عيسى، أو ما أشبه ذلك، قالوا: نحن نعادي جبريل، فالقصة فيهم، فلهذا كان التقديم للعناية، لمزيد العناية في هذا الأمر، وليس من أجل أن الملائكة أفضل من الرسل.
* طالب: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ قدم الملائكة؟
* الشيخ: هذا معلوم؛ لأن مقام الإيمان يُبدأ بما هو أهم، فالملائكة ما هم بأمامنا، فقُدِّموا لأجل أن نعتني بهم أكثر، الرسل نشاهدهم، فإنكار الملائكة أقرب من إنكار الرسل. قال:
﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ [البقرة ٩٩]، * يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن القرآن وحي من الله.
* ويستفاد منه: عظمة القرآن، حيث جعله الله تعالى آيات، سماه الله آيات، والآية العلامة، فإذا كانت هذه علامة على الله فهي آية عظيمة، آية عظيمة، ففيه أيش قلنا؟ عظمة هذا القرآن، حيث جعله الله آيات.
* وفيه أيضًا الثناء على القرآن بالبيان؛ لقوله: ﴿بَيِّنَاتٍ﴾ وهنا يُشكل علينا أن الله قال في آية أخرى: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ والمتشابه غير بيّن، والجواب عن ذلك أن نقول: إن هذا المتشابه يُحمل على المحكم، فيكون الجميع بينًا، ولهذا الراسخون في العلم يقولون: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران ٧] وينزّلون هذه المتشابه على المحكم فلا يقع فيه اشتباه، والذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه، سواء كان ذلك فيما يتعلق بذات الله، أو بأحكام الله، أو برسل الله، مثلًا يقول لك: محمد ﷺ شاكّ غير مؤمن بالقرآن؛ لأن الله يقول: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [يونس ٩٤]، هذه آية مشتبهة، صح ولّا لا؟ ويقولون: الرسل أيضًا يشكون في وعد الله، ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ [يوسف ١١٠]، الرسل يظنون أنهم كذبوا؟ مشكلة هذه، يعني معناه أن الرسل أنفسهم يظنون أن الله قد كذَبَهم في وعده بالنصر، يعني كذب عليهم، فيأتون بهذه الآيات المشتبهات، وهذه الآيات المشتبهات في الحقيقة لا شك أنها توجب الاشتباه لكثير من الناس؛ لأنهم مثل ما قال الله: ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾ [آل عمران ٧]، وهو صد الناس عن هذا الكتاب، ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران ٧] يعني تنزيله على غير ما أراد الله، أفهمتم ولّا لا؟ لكن نحن عندما نرد هذه الآيات المشتبهات إلى المحكمات يتبين إنه محكم ما فيها شيء، الآية الأولى ﴿إِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ نقول: (إن) لا تقتضي وجود المعلَّق عليها في اللغة العربية، ما تقتضي، أنا أقول مثلًا مثل ما قال: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزخرف ٨١]، هل يمكن هذا؟ مستحيل، ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ [مريم ٩٢]، ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ﴾ هذا تعليق لكن لا يلزم منه وجوده، إذا كان لا يلزم بقي الأمر هل يمكن أو لا يمكن، من أدلة أخرى لا يمكن، ولكن الغرض من هذا تطوير الرسول ﷺ أن يقع في قلبه أدنى شك من هذا الأمر، وبعض العلماء يقول: إن المراد بذلك أمته، يعني إن كنتم أيها الشاكون أن محمد ﷺ في شك فاسألوا الذين أوتوا الكتاب، أما الثانية ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾ فأصح ما نرى فيها: قد كُذِبوا مِن أممهم، ويش معنى من أممهم؟ أي: ظنوا أن من قال: إني أنا مؤمن متبع لكم، أنه قد كذَبهم في هذا، وحينئذ لا يتحقق لهؤلاء النصر وهم قد كذَبوا الرسل، ما هم كُذِبوا من عند الله، كُذِبوا مِن عند مَن؟
* الطلبة: أممهم.
* الشيخ: أممهم الذين قالوا: نحن مؤمنون، فإذا لم يأت النصر يظن هؤلاء الرسل أن قومهم كذَبوهم وقالوا: إنهم مؤمنون، وليسوا كذلك، وحينئذ تبقى الآية من الأشياء البينة ولّا المشتبهة؟ من الآيات البينة، فالحاصل إن هذا القرآن ولله الحمد آيات بينات لكن يحتاج إلى قلب ينفتح له، ينفتح لهذا القرآن حتى يتبين، أما قلب يكره القرآن ثم يأتي بما يشتبه فيه هذا ما يتبين له، ما يتبين له أبدًا، إنما يتبين الهدى من القرآن لمن أراد الهدى، وأما من لم يرد فلا، ولهذا قال: ﴿وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾. ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ أخذنا فوائد هذه، وأن القرآن كله بيّن وواضح، وما كان منه مشتبهًا فإنه يُرَد إلى الواضح فيكون واضحًا.
* من فوائد الآية الكريمة: أنه لا يكفر بهذه الآيات إلا الفاسق، أنه لا يكفر بالقرآن إلا الفاسق.
* ومنها أيضًا: أن من كفر به فهو فاسق.
* ومنها، من فوائد الآية أيضًا: إطلاق الفاسق على الكافر، ويتفرع على هذا أن يكون الفسق ينقسم إلى قسمين: فسق معصية، وفسق كفر مخرج عن الملة. ثم قال تعالى:
﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن بني إسرائيل أو اليهود، اليهود خاصة؛ لأن السياق فيهم، أن اليهود لا يوثق منهم بعهد؛ لأنه كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم.
* من فوائدها أيضًا: أن نبْذ فريق من الأمة يعتبر نبذًا من الأمة كلها ما لم يتبرؤوا منه، فإن تبرؤوا منه فإنه لا يلحقهم عاره، لكن إذا سكتوا فإن نبْذ الفريق نبْذ من الأمة كلها.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة من قوله: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ أن من اليهود وهم الأقل من يكون مؤمنًا، وهذا هو الواقع؛ فإن منهم من آمن بعيسى ثم آمن بمحمد ﷺ.
* طالب: عيسى ولّا..؟
* الشيخ: موسى، هم من أصل أتباع موسى، لكن فيهم من دخل في دين النصارى، الحواريون دخلوا في دين النصارى وهم من بني إسرائيل. ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة ١٠١].
* من فوائد هذه الآية: أن رسالة النبي ﷺ حق؛ لقوله؟
* طالب: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾.
* الشيخ: لقوله: ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: أن النبي ﷺ كان قد أخبرت به الرسل من قبل أو الكتب؛ لقوله: ﴿مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ﴾.
* ومن فوائدها: أن رسالة النبي ﷺ تقرِّر ما سبق من رسالات الرسل؛ لأن كلمة ﴿مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ﴾ تتضمن كما فسرناها معنيين، أيش تقول؟
* طالب: مصدق مع التوراة، يعني لما معه؟
* الشيخ: إي، من التوراة والإنجيل كلهم.
* ومنها: أنه مع هذا البيان والوضوح لصدق رسالة محمد عليه الصلاة والسلام فإن فريقًا من الذين أوتوا الكتاب نبذوا هذا الكتاب الذي جاء به، ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾.
* ومنها: أن نبْذ مَن عنده كتاب وعلم أقبح ممن ليس كذلك، ولهذا نص على قوله: ﴿فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ ولم يقل: فريق منهم، كما قال في الآية الأولى؛ لأجل إظهار شدة القبح من هؤلاء في نبذهم؛ لأن النبذ مع العلم أقبح من النبذ مع الجهل، ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾.
* ومن فوائد الآية: أن القرآن كلام الله؛ لأن الله أضافه إليه في قوله: ﴿كِتَابَ اللَّهِ﴾.
* ومنها أيضًا: التسجيل على هؤلاء بالقبح مرة أخرى في قوله: ﴿كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ وهم في الواقع يعلمون، لكن فعلهم كان فعل كأنه فعلُ مَن لم يعلم، وكفر من علم أشد من كفر من لم يعلم. طيب ثم قال:
﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾.
* طالب: ﴿وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ هذه فائدة.
* الشيخ: ويش الفائدة؟
* الطالب: أن ترك العمل بالقرآن نبذ وراءه.
* الشيخ: لا، فيها يعني غير هذه الفائدة، فيها أن هذا النبذ الذي كان منهم نبذ لا يُرجى بعده قبول، يستفاد من قوله: ﴿وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ أن نبذهم هذا لا يرجى بعده قبول؛ لأن النبذ لو كان أمامهم ربما يتلقونه بعد، كذلك لو كان عن اليمين أو الشمال، لكن إذا كان وراء الظهر فمعناه استبعاد القبول منهم مرة أخرى، فهذه هي الفائدة في قوله: ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ إي نعم.
* وربما أيضًا يستفاد منه: قبح هذا النبذ، من هذه الكيفية نبذ وراء الظهر، يعني ما ألقوه إلقاء رفيقًا بل نبذًا، وهو طرح، ومن وراء الظهر؛ لأنه أعظم استكبارًا، فيؤخذ منها إذن فائدتان: أولًا: أنه نبذ لا يرجى بعده إقبال. والثاني: أنه نبْذ في غاية ما يكون من القبح، حيث كان دالًّا على الاستكبار والإعراض بالكلية.
* طالب: آية ﴿وَاتَّبَعُوا﴾ ما أخذناها؟
* الشيخ: ما قرأناها.
* طالب: لا، قرأنا.
* الشيخ: أقول ما أخذنا فوائدها إلى الآن؛ في التفسير يعني؟ سبحان الله.
* طالب: إلى ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾.
* الشيخ: طيب يستفاد أيضًا من الآية من كلمة ﴿نَبَذَ﴾ شدة كراهيتهم لكتاب الله؛ لأن النبذ معناه الطرح بقوة، فهذا دليل على شدة كراهيتهم لكتاب الله سبحانه وتعالى، فكم فائدة الآن أخذنا من الآية؟
* طالب: عشرة.
* الشيخ: عشر فوائد؟ الحمد لله، ثم قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ نأخذها ولا ما نأخذها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾ ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ﴾ هذه (ما) إعرابها أنها نافية تعمل عمل (ليس)، وبالاختصار تقول: (ما) حجازية، أنت إذا قلت: (ما) حجازية معناه أنها تعمل عمل (ليس)، واسمها الضمير (هم)، وخبرها (بضارين)، لكن الباء هنا حرف جر زائد إعرابًا لا معنى، وأظن ابن مالك أشار إلى هذا الحرف الزائد في قوله: وَبَعْدَ مَا وَلَيْسَ جَرَّ الْبَا الْخَبَرْ ∗∗∗ ............................. هذه هي، وتفيد الباء الزائدة في خبر (ما) تفيد التأكيد، يعني تأكيد النفي، أي أنه لا يمكن أن يحصل أي ضرر من هؤلاء المتعلمين للسحر، ﴿مِنْ أَحَدٍ﴾ (من) أيضًا حرف جر زائد إعرابًا، فائدته التنصيص على العموم؛ لأن (أحد) نكرة في سياق النفي، فتقتضي العموم، لكن إذا دخلت عليها (من) صارت نصًّا في العموم، فإذن ما يضرون أحد أبدًا، و(من) حرف جر زائد، و(أحد) مفعول لـ(ضارين) منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وقولهم: ﴿بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ﴾ يعني: لا الزوج مع زوجته، ولا أي إنسان، ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ الإذن القدري، والمراد به المشيئة، الإذن القدري هو المشيئة، يعني: إلا أن يشاء الله، إن أذن الله بذلك ضروا، وإلا فلا؛ لأن السحر سبب للضرر، والسبب ليس فاعلًا بنفسه وإنما هو فاعل بما جعل الله فيه من القوة المؤثرة، والذي جعل فيها هذه القوة المؤثرة قادر على أن يسلبها منه فلا يضر؛ لأن الأسباب أسباب ما هي مستقلة بالفعل، ولهذا قال: ﴿مَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾.
قال تعالى:
﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾ وهذا شر أنواع التعلم،
﴿يَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾؛ لأن العلوم التي يتعلمها الإنسان تنقسم إلى ثلاثة أقسام: ضار، ونافع، وضار من وجه ونافع من وجه؛ ضار ونافع على سبيل الإطلاق، وضار من وجه، ونافع من وجه، ويمكن نأتي بقسم رابع إنه لا ضار ولا نافع، وهذا في الحقيقة ضار؛ لأن فيه من الضرر إضاعة الوقت والاشتغال عما هو أهم، فالمهم أن الله يقول هنا:
﴿مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾ إذن هو علم لا خير فيه، ولا يمكن أن يتعلم الإنسان علمًا ليس فيه نفع بل فيه الضرر إلا وهو أحمق جاهل.
قال:
﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ اللام موطئة للقسم، و(قد) للتحقيق، وعلى هذا فالجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المقدر، واللام، و(قد)، فالضمير في قوله:
﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾ يعود إلى اليهود الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما أنزل على الملكين من تعلّم السحر، علم هؤلاء
﴿لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ اللام هذه لام الابتداء، وهي معلِّقة عن العمل، عمل (علم)، ومن أين علموا ذلك؟ علموا من قول الملَكين:
﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ والكافر ما له خلاق في الآخرة، وهؤلاء علموا بذلك لكنهم والعياذ بالله أصروا على أن يمارسوا هذا العمل، وقوله:
﴿لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ اللام أقول: إنها للابتداء معلِّقة (علم) عن العمل، و(مَن) مبتدأ اسم موصول، وجملة:
﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ﴾ هذه خبر (من)، وهو أيضًا جملة:
﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ هي جملة مكونة من مبتدأ وخبر، وهي في محل رفع خبر عن الجملة عن اسم الموصول
﴿لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ ومعنى (اشتراه): تعلّمه؛ لأن هؤلاء كأنهم في تعلّمهم له بمنزلة المشتري للشيء، والمشتري آخذ للشيء عن رغبة؛ إذ إن المشتري لا يبذل المال إلا فيما هو أحب إليه منه، فشبّه الله هذا التعلم بالاشتراء؛ لشدة تعلقهم به، وقوله:
﴿مَا لَهُ﴾ أي: ما لمن اشتراه،
﴿فِي الْآخِرَةِ﴾ والآخرة هي ما بعد الدنيا، وهي الدار التي هي دار استقرار؛ لأن دار الدنيا دار ممر، لكن الآخرة هي دار الاستقرار، وقوله:
﴿مِنْ خَلَاقٍ﴾ أي: من نصيب، وإنما علموا أن من اشتراه ما له في الآخرة من خلاق؛ لأن كل كافر ليس له نصيب في الآخرة، كل كافر ما له نصيب في الآخرة؛ لأن نصيبهم من الآخرة أيش؟ النار، والنار ما هي نصيب، النار يتمنون أن يتخلصوا منها، يقولون:
﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون ١٠٧]، ويقولون:
﴿يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف ٧٧]، فهل الذي يتمنى الخلاص مما هو فيه له نصيب منه؟ أبدًا، إلا العذاب -والعياذ بالله-
﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾.
قال الله تعالى:
﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ ﴿وَلَبِئْسَ﴾ اللام ما نقول في إعرابها؟ إن قلنا: للابتداء ما يصلح؛ لأنها دخلت على جملة فعلية، ولكن نقول: موطئة للقسم، واللهِ لبئس ما شروا به أنفسهم، و(بئس) فعل ماض لإنشاء الذم، وهو جامد، لو نحن بالقيظ؟
* طالب: هو جامد، لا يتصرف.
* الشيخ: ما يتصرف، جامد حتى في أيام القيظ، ومثله أيضًا (نِعْم)، و(عسى)، و(ليس)، وأفعال كثيرة يسمونها الأفعال الجامدة؛ لأنها ما تتغير عن مكانها، ما تذوب حتى تكون مضارعًا أو أمرًا، وقوله: ﴿لَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ (ما) اسم موصول هي فاعل (بئس)، والمخصوص بالذم محذوف، وقوله: ﴿مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ (شروا) بمعنى باعوا؛ لأن الشراء بيع، والاشتراء هو الأخذ، أخذ السلعة، فالمشتري طالب والشاري جالب، ولّا لا؟ في اللغة العامية عندنا نقول: فلان شرى من فلان كذا وكذا، يعني اشترى، لكن في اللغة العربية لا، (شرى) بمعنى (باع)، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة ٢٠٧] يعني: من يبيعها، هنا ﴿لَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ أي: باعوا به أنفسهم، كيف باعوا به أنفسهم؟ نعم؛ لأنهم في الحقيقة لما اشتروا السحر ما هو الثمن الذي بذلوه في هذا السحر؟ أنفسهم؛ لأنهم في الحقيقة خسروا أنفسهم، صارت الدنيا الآن ما لهم فيها ربح إطلاقًا، والآخرة ما لهم فيها ربح أيضًا، فلهذا قال: ﴿لَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ هنا (لو) ينبغي أن تبتدئ بها، وأن تقف على قوله: ﴿لَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾؛ لأنك لو وصلت لكان محل الذم في حال علمهم، أما إذا لم يعلموا فليس مذمومًا، يعني لو أنك قلت: ﴿لَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ لكان محل الذم متى؟ إذا كانوا يعلمون، يعني: وإذا كانوا لا يعلمون فليس بذم، ولكن الأمر بالعكس، يعني بمعنى أقول: إنه لبئس ما شروا به أنفسهم علموا أو لم يعلموا، فتكون (لو) محل ابتداء كلام، فالأحسن الوقف على قوله: ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ ثم تبتدئ فتقول: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ يعني: لو كانوا من ذوي العلم المنتفعين بعلمهم ما شروا أنفسهم بهذا السحر ولتجنبوه، لكن عملهم يدل على أنهم من ذوي الجهل، عملهم هذا يدل على أنهم من ذوي الجهل، وليس المراد بالجهل الذي هو عدم العلم، ولكن الجهل الذي هو السفه؛ لأنه مر علينا أن الجهل قد يراد به السفه، وقد يراد به عدم العلم، ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾. قال الله تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ﴾.
* طالب: (لو) هنا شرطية؟
* الشيخ: إي نعم، ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ شرطية، يعني: لو كانوا يعلمون ما شروا أنفسهم، كما قدرناه. ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا﴾ آمنوا بقلوبهم واتقوا بجوارحهم، فالإيمان بالقلب، والتقوى بالجوارح، هذا إذا جُمِع بينهما، وإن لم يُجمع بينهما صار الإيمان شاملًا للتقوى والتقوى شاملة للإيمان؛ لقول النبي ﷺ:
«التَّقْوَى هَهُنَا»، وأشار إلى قلبه »
(١٧)، وقوله:
﴿لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا﴾ الإيمان يتكرر في القرآن كثيرًا، والتقوى تتكرر كثيرًا، ونحن ذكرنا أن الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو التصديق مع القبول والإذعان، وإلا فليس بإيمان، والتقوى اتخاذ وقاية من عذاب الله، وذلك بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه؛ لأنها من الوقاية، وأصل التقوى: (وَقْوَى)، لكن صار فيها إعلال صرفي، فصارت (تقوى)، فالتقوى هذه اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وهذا أجمع ما قيل في معناها وإلا فبعضهم قال: إن التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله، وبعضهم قال:
خَلِّ الذُّنُـــــــــــــوبَ صَغِيرَهَــــــا ∗∗∗ وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقــــــــــــــى ؎وَاعْمَلْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ ∗∗∗ ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَــــرَى ؎لَا تَــــــــــــــــــــــــحْقِرَنَّصَغِيـــــــــــــرَةً ∗∗∗ إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى لكن ما قلناه هو الأجمع بمعنى كله.
وقوله:
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ﴾ المثوبة والثواب بمعنى الجزاء، وسمي بذلك؛ لأنه من: ثاب يثوب، إذا رجع؛ لأن الجزاء كأنه عمل الإنسان رجع إليه وعاد إليه منفعته وثمرته، وقوله:
﴿لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾.
يقينًا
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [الرعد ٣١].
والفائدة الثانية في إضافتها إلى الله: أنها تكون أعظم مما يتصوره العبد؛ لأن العطاء من العظيم عظيم، ولَّا لا؟ فالعطية على حسب المعطي، عطية البخيل قليلة، وعطية الكريم كثيرة، البخيل إذا أعطى الإنسان واحدًا قرشًا قال: والله، إني اليوم خسرت، أعطيت واحدًا قرش، لكن الكريم لو يعطيه ألف ريال ما يهمه، ولا يفتخر بها؛ لأنه كريم، فالله تعالى أضاف المثوبة إليه
﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ للأمرين جميعًا، هما: اطمئنان العبد على حصولها، والثاني: بيان عظمة هذه المثوبة؛ لأن مثوبة العظيم لا بد أن تكون عظيمة.
وقوله:
﴿خَيْرٌ﴾ خير من أيش؟ الأَوْلى أن نقول: إنها خيرية مطلقة، خير من كل شيء، ما هو من الفائدة التي حصلوا عليها بالسحر، خير من كل شيء، قال رسول الله ﷺ:
«لَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»(١٨)، بل قال:
«رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»(١٩) يعني: سنة الفجر ركعتين خير من الدنيا وما فيها، فإذن
﴿خَيْرٌ﴾ الأَوْلى أن نجعله مطلقًا، خيرية مطلقة يعني: خير من كل شيء، لا من النفع الذي حصلوه بتعلم السحر ولَّا من غيره.
إعراب الآية:
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا﴾ (أن) هنا مفتوحة الهمزة، فمعنى ذلك أنها تؤول بمصدر وما بعدها؛ لأن (أن) المفتوحة الهمزة من حروف المصادر، (أنَّ) و(أنْ) كلها حروف مصدرية فتؤول وما بعدها بمصدر، هذا المصدر الذي تؤول به اختلف النحويون في إعرابه: فمنهم من قال: إنه فاعل لفعل محذوف، والتقدير: ولو ثبت إيمانهم واتقاؤهم، ومنهم من قال: بل هو مبتدأ، وخبره محذوف، ولو إيمانهم وتقواهم ثابتة.
قوله:
﴿لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ اللام واقعة في جواب (لو)، و
﴿مَثُوبَةٌ﴾ مبتدأ، وهي نكرة، وساغ الابتداء بها وهي نكرة لأنها وصفت بقوله:
﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾، وخبر المبتدأ قوله:
﴿خَيْرٌ﴾، والجملة جواب (لو) وليست خبر المبتدأ؛ لأن خبر المبتدأ محذوف.
﴿لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ هذه مثل التي قبلها، يوقف على قوله:
﴿لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ﴾.
وقوله:
﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ يعني: لو كانوا يعلمون لآمنوا واتقوا، فـ(لو) هذه الشرطية وجوابها محذوف تقديره: لآمنوا واتقوا.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ تصدير الحكم بالنداء دليل على الاهتمام به؛ لأن النداء يوجب انتباه المنادى، فأنا لو أقول لك: افعل كذا، أو أقول: يا فلان افعل كذا، أيهم أبلغ في الانتباه؟ يا فلان أبلغ، فتصدير الحكم بالنداء دليل على الاهتمام به، ثم النداء بوصف الإيمان دليل على أن هذا الحكم تنفيذه من مقتضيات الإيمان، وعلى أن فواته نقص في الإيمان؛ لأنه ما يمكن تخاطب أحدًا تقول: يا مؤمن، افعل كذا وكذا إلا لأن إيمانه يقتضي أن يفعل كذا وكذا، ولا يمكن تقول: يا مؤمن افعل كذا إلا لأنه إذا لم يفعل نقص إيمانه، وعلى هذا فنقول: تصدير الحكم بالنداء بوصف الإيمان يدل على أن التزامه من مقتضيات الإيمان، وأن مخالفته أو فواته من نقص الإيمان.
قال ابن مسعود رضي الله عنه:
«إذا سمعت الله يقول: » ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ «فأرعها سمعك». يعني استمع لها؛ لأنها نداء من الله لك،
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ نداء من الله لك أرعها سمعك، يعني استمع إليها،
«فإنها إما خيرٌ فتؤمر به، وإما شرٌّ فتنهى عنه»(٢٠)، الذي معنا من النهى
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ يعني: لا تقولوا عند مناداة النبي عليه الصلاة والسلام: راعنا، راعنا من المراعاة، وهي العناية بالشيء والمحافظة عليه، وكان الصحابة يقولون: راعنا إذا أرادوا يكلمون الرسول ﷺ، يا رسول الله راعنا، وكان اليهود يقولون: يا محمد راعنا، لكن اليهود يريدون بها معنى سيئًا، يريدون راعنًا اسم فاعل من الرعونة يعني: راعنًا، فمعنى الرعونة أن الإنسان يكون ليس بذي مروءة، فاليهود يريدون بهذا اللفظ معنى سيئًا، المسلمون لا يريدون معنى سيئًا بلا شك يريدون من المراعاة، لكن لما كان اللفظ واحدًا، وهو محتمل لهذا وهذا نهوا - أي: المؤمنون - أن يقولوه تأدبًّا وابتعادًا عن سوء الظن؛ ولأن من الناس من يتظاهر بالإيمان مثل المنافقين، فربما يقول: راعنا، وهو يريد ما أرادت اليهود، فلهذا نُهِي المؤمنون عن ذلك
﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾.
* طالب: معنى ﴿رَاعِنَا﴾؟
* الشيخ: قلنا لك: من المراعاة، راعنا فعل طلب.
* طالب: المقصود؟
* الشيخ: المقصود اسمعوا.﴿وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ يعني: مثلًا إذا أردتم من الرسول أنه ينتظركم لا تقولوا: راعنا، ولكن قولوا: انظُرْنا، من النظر بمعنى الانتظار، يعني ما تقولون: راعنا؛ لأن اللفظة هذه تقولها اليهود، وتريد بها معنى سيئًا.
﴿وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ فعل أمر من أين؟ من النظر بمعنى الانتظار، والنظر يأتي بمعنى الانتظار، كما في قوله تعالى:
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾ [البقرة ٢١٠] فأنتم إذا أردتم من النبي عليه الصلاة والسلام أن ينتظركم في وقوف أو قعود، أو أي حال من الأحوال لا تقولوا: راعنا، قولوا: انظرنا، ولما نهى عن الشيء ذكر بدله حتى لا يقع الإنسان في حَيْرة إذا نهي عن شيء ماذا يقول إذن؟ فبين الله البدل الذي ما فيه احتمال.
﴿وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا﴾ اسمع
﴿اسْمَعُوا﴾ سمع إدراك ولَّا قَبُول؟ إدراك وقبول، لكن الإدراك، قد يكون أمرًا معلومًا
﴿اسْمَعُوا﴾ يعني: سماع تفهم وقبول
﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال ٢١]، يعني: اسمعوا ما تؤمرون به، وما تنهون عنه، فما تؤمرون به فافعلوه، وما تنهون عنه فاتركوه.
ثم توعد فقال:
﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ﴿أَلِيمٌ﴾ بمعنى مؤلم، والعذاب بمعنى العقوبة، والمراد بالكافرين هنا: اليهود، وكذلك من خالف الأمر من المسلمين، فله عذاب أليم، فإن مخالفة أمر الله إذا كانت على سبيل الإطلاق فهي ردة والعياذ بالله، وصاحبها مستحق للعذاب الأليم،
﴿وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، وأما المؤمنون فلهم نعيم مقيم.
* طالب: مثل قرية راعنا (...) فيها شيء؟
* الشيخ: لا، ما فيها شيء، بعد الرسول ما فيها شيء، هذا خاص بمخاطبة الرسول ﷺ.
* الطالب: سمعت في ناس ينهون، يقولون: ما يجوز..؟
* الشيخ: لا لا.
* الطالب: (...) قولوا: انظرنا؟
* الشيخ: دولا ما يدرون، ما يدرون، (...) تقول راعن (...) الدكان ما فيها بأس.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما فيها بأس.
* طالب: شيخ، اليهود ما هي لغتهم اللغة العبرانية؟
* الشيخ: إي، لكن اللغة العبرية قريبة جدًّا من اللغة العربية قريبة، من أقرب اللغات إلى العربية هي، وأيضًا اليهود في المدينة تعلموا من العرب، تعلموا لغة العرب فصاروا يقرؤون يتخاطبون باللغة العربية.قال:
﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ﴾ (ما) شرطية؟
* طالب: لا، نافية.
* الشيخ: نافية؟ نعم، ﴿يَوَدُّ﴾ بمعنى: يحب، والود أعلى أنواع الحب، يعني: هو الذي يلي الخلة، الخلة أعلى الأنواع، والود هو الذي يقرب منها، ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ أي: ما يحبون، ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ﴾، قوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ (من) للتبعيض ولَّا للبيان؟
* طالب: للبيان.
* الشيخ: ويش الفرق بين هذا وهذا؟
* الطالب: إذا قلنا
* الشيخ: يصير المعنى: أن أهل الكتاب كلهم كفار، ويصير المعنى: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، وتصير أيضًا ﴿وَلَا الْمُشْرِكِينَ﴾ معطوفة على قوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾، يعني: ما يود الذين كفروا من هؤلاء ولا هؤلاء، ولهذا قال: ﴿وَلَا الْمُشْرِكِينَ﴾، ولم يقل: ولا المشركون؛ لأنه لو كانت معطوفة على ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لكانت بلفظ: ولا المشركون، فعلى هذا تكون (من) لبيان الجنس أي: الذين كفروا من هذا الصنف اللي هم أهل الكتاب، وكذلك من المشركين، وتقدير الآية: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا من المشركين، ويش ما يودون؟ ما يودون أي شيء؟ ﴿أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ ﴿أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ هذه مفعول ﴿يَوَدُّ﴾، يعني: ما يودون تنزيل خير. ﴿أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾ ﴿مِنْ﴾ زائدة إعرابًا، و
﴿خَيْرٍ﴾ نائب الفاعل يعني أن ينزل عليكم خير، والخير هنا يشمل خير الدنيا والآخرة، لو حصل للكافرين من أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمشركين أن يمنعوا القطر عن المسلمين لفعلوا؛ لأنهم ما يودون ينزل علينا أي خير، لو تمكنوا من أن يمنعوا العلم النافع عنا لفعلوا، وهذا خاص في أهل الكتاب في عهد الرسول ﷺ؟
* طالب: عام.
* الشيخ: عام، ولهذا جاء بصيغة المضارع ﴿مَا يَوَدُّ﴾ وهو دال على الاستمرار، فهم ما يودون أن ينزل علينا من خير من ربنا، وقال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.قوله:
﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: لا يحبون.
وقوله:
﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ بيان لـ(الذين)، وقوله:
﴿وَلَا الْمُشْرِكِينَ﴾ معطوف على قوله:
﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾، فيكون
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ شاملًا لأهل الكتاب وللمشركين، هؤلاء ما يودون أن ينزل عليكم، وفي قراءة:
﴿أَنْ يُنْزَلَ عَلَيْكُمْ﴾ قراءة سبعية، وقوله:
﴿أَنْ يُنَزَّلَ﴾ و
﴿أَنْ يُنْزَلَ﴾ الفرق بينهما أن التنزيل هو إنزاله شيئًا فشيئًا، وأما الإنزال فهو إنزاله جملة واحدة، فهم لا يودون لا هذا ولا هذا، لا يودون أن ينزل الخير جملة واحدة، ولا أن يُنزَّل شيئًا فشيئًا.
* طالب: بالتشديد شيئًا فشيئًا؟
* الشيخ: إي نعم، بالتشديد شيئًا فشيئًا.وقد ذكر أهل العلم أنه إذا جاءت قراءتان، وفي إحداهما زيادة حرف فالأولى القراءة بها، قالوا: من أجل زيادة الثواب، لأن كل حرف فيه عشر حسنات، ولكن الصحيح في هذه المسألة أن الأولى أن يقرأ الإنسان بهذا تارة وبهذا تارة، كما نقول في السنة العملية: إذا اختلفت أنواعها فإن الأولى أن يفعل هذا مرة وهذا مرة، ولكن هذا بالنسبة لقارئ القرآن الذي يقرؤه لنفسه أو يقرؤه لطلبة العلم، وأما الذي يقرؤه لغيره من العامة فلا ينبغي أن يخرج عن القراءة المألوفة، وذلك لأن العامة إذا قرئ عليهم القرآن بغير القراءة المألوفة تنكره قلوبهم، ثم يستطيلون على القرآن ويستهونون به، فلهذا ينبغي للإنسان أن يراعي هذا الأمر، بعض الناس يقرأ بالقراءات المتعددة أمام العامة، الله أعلم بنيته هل يريد أن يعلم أو يريد أن يقال: إنه عالم في القراءات، الله أعلم بنيته، نحن ما شققنا عن قلبه، ولكنَّ هذا ليس من باب التربية الحكيمة، فإن العامة لهم شأن غير شأن طلبة العلم.
وقوله:
﴿أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾ يصلح أن نقول: إن (من) زائدة، وإن المعنى: أن ينزل عليكم خير من ربكم، أو نجعل أن (من) داخلة في ضمن النفي فتكون للعموم، يعني: أي خير يكون قليلًا كان أو كثيرًا، وهذا أولى.
وقوله:
﴿مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ ما المراد بالخير هنا؟ هل هو خير الآخرة يعني الوحي؟ أو خير الدنيا والآخرة فيشمل هذا وما ينزل من المطر أو غيره؟ الثاني هو الأولى أن يكون شاملًا، فإن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ما يودون أن ينزل للمسلمين خير أبدًا، لا خير ديني ولا خير دنيوي، ولكن الله تعالى رد هذا عليهم بقوله:
﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ (يختص) تستعمل لازمة ومتعدية، فإن كانت لازمة فإن
﴿مَنْ﴾ فاعل
﴿يَخْتَصُّ﴾، ومعنى يختص: أي ينفرد برحمته من يشاء، كما تقول: خصصته بهذا الشيء أي: أفردته به، وعلى هذا فتكون من؟ فاعلًا، وتستعمل (يختص) متعدية بمعنى (يخص)، يخص برحمته من يشاء، وعلى هذا فتكون
﴿مَنْ﴾ مفعولًا به لـ
﴿يَخْتَصُّ﴾، والمعنى على كلا الوجهين، المعنى واحد، أي: أن الله تعالى يخص برحمته من يشاء فيختص بهذه الرحمة من خصه الله.
وقوله:
﴿بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ يعم الرحمة التي تعود برحمة الدين والدنيا، والتي تعود برحمة الدين أو الدنيا؛ لأن الله تعالى يختص بهذا من يشاء، وقوله:
﴿بِرَحْمَتِهِ﴾ لأن هذا الوحي الذي نزل على الرسول الله ﷺ هو من رحمة الله عليه وعليهم.
وقوله:
﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ هذا كما أسلفنا مرارًا مقرون بأي شيء؟ بالحكمة، يعني اختصاصه لمن يشاء بالرحمة مبني على حكمته تبارك وتعالى، فمن اقتضت حكمته أن يرحمه رحمه، ومن اقتضت رحمته أن لا يختصه بالرحمة لم يرحمه.
﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ ﴿اللَّهُ﴾ مبتدأ و
﴿ذُو﴾ خبره، وذو بمعنى صاحب، و
﴿الْفَضْلِ﴾ العطاء، العطاء الزائد عما تتعلق به الضرورة، وقوله:
﴿الْعَظِيمِ﴾ يعني: الواسع الكثير الكبير، فالعِظَم هنا يعود إلى الكمية وإلى الكيفية، ومن فضله تبارك وتعالى أنه خص هذه الأمة بخصائص عظيمة ما جعلها لأحد سواها، منها مثلًا ما في حديث جابر في الصحيحين:
«أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»(٢١) إلى آخر الحديث، فهذا مما اختص الله به من يشاء.
ثم قال تعالى:
﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ أولًا الإعراب والقراءات:
﴿مَا نَنْسَخْ﴾ (ما) شرطية، اسم شرط جازم تجزم فعلين، الأول فعل الشرط، والثاني: جوابه وجزاؤه.
* طالب: يا شيخ، ما أخذنا فوائد الآية السابقة؟
* الشيخ: إي ما أخذناها نمشي.
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني ممكن نقف على هذا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إذن إن شاء الله نقف على هذا، نأخذ الفوائد.قال الله تعالى:
﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾
* يستفاد من هذه الآية: أن اليهود أخذوا السحر عن الشياطين؛ لقوله: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾، ويدلك على هذا: أن أحدهم سحر النبي ﷺ وهو «لَبِيدُ بن الأَعْصَم سحر النبي عليه الصلاة والسلام »(٢٢) كما هو معروف.
* ومنها: أن السحر من أعمال الشياطين؛ لقوله: ﴿مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ أي: ما تَتْبَعُه على ملك سليمان.
* ومنها: أن الشياطين كانوا يأتون السحر حتى في عهد سليمان مع قوة سلطانه عليهم؛ لقوله: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾.
* ومن فوائد الآية: أن سليمان لا يقر ذلك؛ لقوله: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ لا يقرهم على هذا الأمر، ولهذا نفى عنه الكفر؛ إذ لو أقرهم على ذلك لكان -وحاشاه من أن يقرهم- لكان مقرًّا على كفر.
* ومنها: أن الله تعالى قد يقدر أسباب المعصية فتنة للناس، من إنزال الملكين يعلمان الناس السحر، فإن هذا من التيسير تيسير هذا الأمر ابتلاء وامتحانًا، وله شواهد أيضًا وهو الامتحان بتيسير أسباب المعصية منها؟
* طالب: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف ١٦٣].
* الشيخ: منها قصة أصحاب السبت الذين يُسِّرَت لهم الحيتان متى؟ في يوم السبت اليوم الذي يحرم عليهم صيد السمك فيه.
* ومنها: ما ابتلى الله به بهذه الأمة من الصيد ﴿لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ﴾ [المائدة ٩٤].
* ومنها: ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: «رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ»(٢٣).
* ومنها أيضًا: قصة يوسف حينما غَلَّقت الأبواب امرأة العزيز وانفردت به ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ [يوسف ٢٣]، فإن هذا ابتلاء من الله عز وجل في هذا الأمر العظيم، فالمهم أن الله تعالى يبتلي المرء بتيسُّر أسباب المعصية له، فإياك إياك إذا تيسرت لك أسباب العصية لا تفعل، احذر ترى هذا مثل العصفور الذي يُقدم له السم في الطعم، فلتكن على حذر.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أنه يجب على الإنسان أن ينصح للناس، وإن أوجب ذلك إعراضهم عنه، قالوا: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾، فإذا كان عندك سلعة ما هي طيبة، وأراد أحد يشري منك تسكت وتخليه يشري يمشي؟
* طالب: لا.
* الشيخ: يجب عليك تحذره، تقول: ترى ما هي بطيبة، إن شرى فهو شأنه وإلا بكيفه، وكان أحد الناس المعروفين عندنا بالصدق إذا كان عنده السلعة، وسُئل عنها أخبر بالصدق حتى إنه كان من جملة ما يخبر به يقول: الناس يمدحونها وأنا ما (...) إلى هذا الحد، لكن أين هذا في وقتنا الحاضر؟ فالمهم أن هذا فيه دليل على أن من النصح أن يخبر الإنسان بالأمر على وجهه وإن أدى ذلك إلى نفور الناس عنه.
* ومنها: أن تعلم السحر كفر؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾.
* ومنها: أن تعليم السحر كفر أيضًا ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ فإن جملة ﴿يُعَلِّمُونَ﴾ تعليل للكفر، إذن فتعلُّم السحر وتعليم السحر كفر.وهل تقبل توبة الساحر؟ فيه خلاف، فقال بعض أهل العلم: إنها لا تقبل توبته، وقال آخرون: إنها تقبل توبته، وهذا هو الصحيح؛ لقوله تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر ٥٣] أما إذا قلنا: بأن السحر ليس بكفر وأن قتل الساحر حد، فإنه إن تاب قبل القدرة عليه سقط عنه الحد، وإن تاب بعد القدرة عليه لم يسقط؛ لأن الحدود ما تسقط إذا تاب الإنسان بعد القدرة عليه.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ما لهم دليل إلا أنهم يقولون: إن هذا لعظم كفره؛ لأنه كفر عظيم فلا تقبل توبته، فيقال: ما هو بأعظم من سب الله تعالى.
* طالب: الصواب أنه يقتل حدًّا أو كفرًا؟
* الشيخ: الصحيح أنه يقتل كفرًا، الآية تدل على هذا؛ لأنه يكفر.
* طالب: حكمه حكم الكافر على القتل؟
* الشيخ: حكمه حكم الكافر على القتل، إلا إذا تاب فإنه تقبل توبته ويُرفع عنه القتل.
* طالب: التوبة تسقط الحدود؟
* الشيخ: تسقط الحدود إذا كانت قبل القدرة، قبل القدرة عليه، لأن الله قال في قطاع الطريق: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣٤].
* طالب: حق الناس؟
* الشيخ: لا، حق الناس ما يسقط بالتوبة، الناس مثلًا لو كان هذا الساحر قد أتلف أموالًا، فإنه لا تسقط بالتوبة، يُضمَّن هذه الأموال أو مثلًا أصاب الإنسان بشلل، سحره فأصابه بشلل أو ما أشبه بذلك فيؤخذ منه.
* طالب: (...) ما يحبون اللحية (...).
* الشيخ: يسحرون الواحد؟
* الطالب: لحية (...) ما يحبون اللحية.
* الشيخ: إي ما يحبونها.
* الطالب: (...) اللحية كيف (...)؟
* الشيخ: إحنا نبحث في السحر.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إذن هذا من باب القياس، إذا قالوا هكذا فاقرأ قول الله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت ٢]، واقرأ قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت ١٠] قل ما أنا بحالق، لا تحلق اللحية، إن يمسكوك وغصبوك وحلقوها هم فالإثم عليهم.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي هي.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم.
* ومن فوائد الآية: أن من أعظم السحر أن يكون أثره التفريق بين المرء وزوجه، أن هذا من أعظم أنواع السحر؛ لقوله: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾؛ لأن من أعظم الأمور المحبوبة إلى الشياطين أن يفرق بين المرء وزوجه، وقد ثبت في الحديث الصحيح: «أن الشيطان يضع كرسيه أو عرشه على الماء، ويبث جنوده في الأرض للإفساد، فيأتي أحدهم ويقول: فعلت كذا، والثاني: فعلت كذا، والثالث: فعلت كذا، ثم يأتي أحدهم فيقول: ما زلت به حتى فرقت بينه وبين زوجته »، وحينئذ ماذا يصنع به؟ «يلتزمه ويقول: أنت أنت »(٢٤) فهذا دليل على أن من أعظم ما يكون، وأهم ما يكون في السحر التفريق بين المرء وزوجه، وفيه سحر مقابل لهذا، وهو الربط بين المرء وزوجه حتى إنه -والعياذ بالله- يبتلى بالهيام، ما يستطيع أن يعيش ولا لحظة إلا وزوجته أمامه، ولهذا بعضهم يقضي عليه هذا الأمر نسأل الله العافية.
* ومنها أيضًا: أن الأسباب لا تأثير لها إلا بإذن الله، ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾.
* ومنها: أن قدرة الله عز وجل فوق الأسباب، وأنه مهما وجدت الأسباب، والله لم يأذن فإن ذلك لا ينفع، هل هذا الحكم اللي استنبطناه من الآية يوجب لنا أن لا نفعل الأسباب؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لأيش؟ إذا قلنا: إن السبب ما يفعل إلا بإذن الله (...) ما نسوي شيء.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، نقول: الأصل أن الأسباب مؤثرة بإذن الله فأنت افعل السبب، تزوج ليولد لك، اعمل صالحًا لتدخل الجنة، وهكذا نقول في بقية الأسباب، واضح؟ تداو لتشفى، ابتعد عن المجذوم لتسلم منه، وما أشبه ذلك، فالحاصل أن هذه الأسباب ما هو معناها مؤثرة بنفسها، لا يمكن أن تمنع من تأثيرها، بل هي مؤثرة بإذن الله.
* ومنها: الإشارة إلى أنه ينبغي اللجوء إلى الله دائمًا؛ لقوله: ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، فأنت إذا علمت أن كل شيء بإذن الله فإذن تلجأ إلى من؟ إليه سبحانه وتعالى في جلب المنافع وفي دفع المضار.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن تعلم السحر ضرر محض ولا خير فيه؛ لقوله: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾ ﴿مَا يَضُرُّهُمْ﴾ فأثبت ضرره، ﴿وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾ نفى نفعه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كفر الساحر كفر مخرج عن الملة من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ ﴿مِنْ خَلَاقٍ﴾ يعني: من نصيب، ولا هنا أحد ما له نصيب في الآخرة إلا الكافر، أما المؤمن مهما عذب فإن له نصيبًا من الآخرة.
* طالب: هل هناك تفصيل في كفر الساحر؟
* الشيخ: لا، ما في تفصيل، الصحيح، ما فيه تفصيل.
* ومن فوائد الآية أيضًا: إثبات الجزاء؛ لقوله: ﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن هؤلاء اليهود ارتكبوا تعلم السحر عن علم؛ لقوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾، وبذلك استحقوا وصف الغضب، فصاروا مغضوبًا عليهم، لأن كل من علم الحق وخالفه فهو مغضوب عليه؛ ولهذا قال سفيان بن عيينة قال: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عُبَّادنا ففيه شبه من النصارى، لأن العلماء يرتكبون عن علم فهم كاليهود، والعباد يرتكبون عن ضلال فهم كالنصارى.ومنها أيضًا: ذم هؤلاء اليهود لما اختاروه لأنفسهم
﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية: أن ذا العلم الذي ينتفع بعلمه هو الذي يحذر مثل هذه الأمور؛ لقوله: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ يعني: لو كانوا ذوي علم نافع ما شروا هذا الأمر الذي يضرهم ولا ينفعهم، والذي علموا أن من اشتراه ما له في الآخرة من خلاق.ثم قال تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُ﴾ في هذا دليل على سعة حلم الله؛ حيث يعرض عليهم الإيمان والتقوى
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا﴾ يعني: فيما مضى وفيما يستقبل، وهذه من عادته سبحانه وتعالى أن يعرض التوبة على المذنبين، وانظروا إلى قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ [البروج ١٠] شوف يحرقون أولياءه، ثم يعرض عليهم التوبة
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ مفهومه إن تابوا ما عليهم شيء، ما لهم عذاب جهنم.
* ومن فوائد الآية: أن الإيمان والتقوى ينال به ثواب الله ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: أن ثواب الله خير لمن آمن واتقى من كل الدنيا؛ لقوله: ﴿خَيْرٌ﴾ ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ من أين؟ من كل شيء، كل شيء يناله في الدنيا فالمثوبة اللي عند الله على الإيمان والتقوى خير.ونأخذ منها ومن قول قوم قارون له، ومن قول الناصحين من بني إسرائيل، قالوا للذين تمنوا أن يكونوا لهم مثل ما لقارون:
﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [القصص ٨٠] هنا قابل
﴿آمَنُوا وَاتَّقَوْا﴾ يتبين لك أن التقوى هي العمل الصالح، وقد سبق لنا أن التقوى هي اتخاذ الوقاية من عذاب الله بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه.
* ومنها أيضًا: أن فعل هؤلاء اليهود واختيارهم لما فيه الكفر من تعليم السحر فعلهم هذا فعل الجاهل؛ لقوله: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
* يستفاد من هذه الآية: أنه ينبغي استعمال الأدب في الألفاظ؛ لقوله: ﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾، وأصل هذا أن أصل ﴿رَاعِنَا﴾ من أين؟ أصلها من المراعاة، راعاه يُراعيه، وراعنا فعل أمر من راعى يُراعي، لكن اليهود يقولونها ويريدون أن تكون من الرعونة، سب وشتم وهي الحمق، فالصحابة يقولون للرسول عليه الصلاة والسلام: إذا طلبوا منه المهلة في شيء يقولون له: راعنا، فاليهود فرحوا بذلك أن أصحاب محمد يسبونه، فنهاهم الله عن هذا، فيستفاد منه استعمال الأدب في الألفاظ. وبمعنى تجنب الألفاظ التي توهم أيش؟ سبًّا وشتمًا، لو ما هو سب وشتم في لغة القوم، لكن توهم السب والشتم فإن من الأدب أن يتجنبها المرء.
* ومنها: أن الإيمان مقتض لكل الأخلاق الفاضلة؛ لأن مراعاة الأدب في اللفظ من الأخلاق الفاضلة، ووجه هذا الأمر لمن؟ للمؤمنين، فهو دليل على أن الإيمان مقتض لهذا، فالإيمان إذن مقتض لكل الأخلاق الفاضلة.
* وعليه تتفرع الفائدة الثالثة: أن مراعاة الأخلاق الفاضلة من الإيمان، أنها من الإيمان، كما أن الأخلاق الفاضلة أيضًا انشراح صدر وسعة، والإنسان اللي عنده أخلاق فاضلة يكون محبوبًا عند الناس، وموقرًا بينهم، فهو أيضًا من الإيمان الذي ينفعه عند من؟ عند الله.
* ومنها؛ من فوائد الآية: أنه ينبغي لمن نهى عن شيء أن يُعطِي الناس بدله، ما ينهاهم ويخليهم في حيرة (...) ﴿وَاسْمَعُوا﴾ والمراد بالسمع هنا سمع الإجابة ولَّا سمع الإدراك؟
* الطلبة: الإجابة.
* الشيخ: أو هذا وهذا، هذا وهذا، ولكن إذا قلت: سمع الإجابة ما يمكن سمع الإجابة إلا بعد سمع الإدراك، ليس المراد: أنك تسمع وتعصي، تسمع وتطيع ﴿وَاسْمَعُوا﴾.ومنها: التحذير من مخالفة أمر الله وأنه من أعمال الكافرين؛ لقوله:
﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
ثم قال تعالى:
﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم﴾.
* يستفاد من هذه الآية: بيان عداوة غير المسلمين للمسلمين؛ لأنه ذكر صنفين ينتظمان جميع الأصناف الذين أوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى، والمشركين وهم كل أصحاب الأوثان، هؤلاء يستفاد من الآية الكريمة أن كلهم أعداء للمسلمين، من أين نأخذ أنهم أعداء؟ أنهم ما يودون الخير للمسلمين.
* ومن فوائد الآية: أنه يجب علينا أن نحذر من كل تصرف يصدر عن اليهود والنصارى والمشركين، وأن نعلم أن جميع تصرفاتهم يحاولون أن يمنعوا الخير عن المسلمين.
* ومنها؛ نستفيد من الآية الكريمة: أن أعداء المسلمين من اليهود والنصارى والمشركين يحاولون أيضًا -لأن من ود شيئًا حاول الحصول عليه - يحاولون أن يقضوا على اقتصاد المسلمين، ولَّا لا؟ لأن استقامة الاقتصاد والتكافل الاجتماعي هذا من الخير.
* ومنها أيضًا نستفيد: أن هؤلاء الكفار يودون أيضًا أن يمنعوا عن المسلمين التقدم العسكري؛ لأنه من الخير.
* ومنها أيضًا: نعلم أن هؤلاء الكفار يسعون للمسلمين بكل ما يصدهم عن دينهم، لأيش؟ لأن إقبال المؤمنين على الدين خير وسبب خير ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف ٩٦]، هؤلاء الكفار كل شيء يصد الناس عن دينهم من ملاهي وملاعب وحيلولة دون أي شيء هم يودون هذا، وإذا أردت أن تعرف فانظر إلى مخططاتهم الرهيبة المخيفة الذين يقدمونها للمسلمين، وكأنها لابس ثوبي زور على أنها هي الحسنة، وهي المقدمة للناس ولكنها في الحقيقة كذب، كذب.
* ومنها: أنه يحرم على المسلمين أن يولوا هؤلاء الكفار أي قيادة، بأن نعلم ما دام ما يودون لنا الخير فإنهم لا يقودوننا إلى الخير أبدًا مهما كان الأمر، اللي ما يريد لك الخير يمكن يقود لك الخير؟ أو يقودك إلى الخير؟ لا يمكن، ولهذا يحرم أن يجعل لهم سلطة على المسلمين لا في تخطيط ولا في نظام ولا في أي شيء، يجب أن يكونوا تحت إمرة المسلمين وتحت تدبير المسلمين، وإذا استعنا بهم فإنما نستعين بهم لما نعلمه من مصالحنا وهم تحت سلطتنا، أما أن نجعل لهم الأمر على المسلمين فهذا نعلم علم اليقين من كلام ربنا اللي يعلم ما في القلوب أنهم لا يريدون لنا إلا الشر، ما دام أنهم ما يودون لنا الخير يجينا من غيرهم، ما يودون أن الخير يجينا من غيرهم ما يودوا ﴿أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ ما هم منهم، كيف يجيبوا لنا خير؟ ولَّا هذا يجب علينا نحن شباب المسلمين أن ننتبه لهذا الأمر من شيوخ المسلمين، يجب كل المسلمين أن ينتبهوا لهذا الأمر، وأن أعداءهم من أهل الكتاب والمشركين لا يريدون لهم إلا الشر، وأنهم لو استطاعوا أن يمنعوا القطر وينبوع الأرض لفعلوا، فإذن يجب علينا على هذا الأساس أن نحذر من مخططاتهم وأن نكون دائمًا على سوء ظن بهم، لأن إحسان الظن بمن ليس أهلًا له ما هو إلا ذل، ذل وضعف، من كان أهلًا لإحسان الظن أحسن به الظن؛ لأنك ما يمكن تمشي مع أي شخص إلا وأنت محسن الظن به، لكن من لم يكن أهلًا لذلك فإن إحسان الظن به خور وجبن وضعف وذل، ولهذا يجب علينا أن نحذر منهم ومن قياداتهم ومن مخططاتهم؛ لأنهم ما يودون أن ينزل علينا من خير من ربنا، ولهذا قال: ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ أي خير يكون سواء كان دينيًّا أو دنيويًّا، ولذلك اليهود حسدوا المسلمين لما جاءهم الرسول محمد ﷺ وآمنوا به ونزل عليهم هذا الكتاب، أي هذا الكتاب كرهوا ذلك وهم لا يودون هذا.
* ومن فوائد الآية: أن خير الله لا يرده وُدُّ وَادٍّ أو كراهة كاره، من أين نأخذها؟ ﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ فلا يمكن لهؤلاء اليهود والنصارى والمشركين أن يمنعوا فضل الله، وعلى هذا جاء الحديث الصحيح: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ»(٢٥).
* ومن فوائد الآية أيضًا: إثبات المشيئة لله؛ لقوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾، وإثبات الرحمة؛ لقوله: ﴿بِرَحْمَتِهِ﴾، وإثبات الإرادة؛ لقوله: ﴿يَخْتَصُّ﴾ فإن التخصيص يدل على الإرادة، وإثبات الفضل؛ لقوله: ﴿ذُو الْفَضْلِ﴾، وإثبات أن فضله ليس كفضل غيره، فضل غيره فضل محدود، وفضل الله فضل عظيم لا حدود له، فإن الله تعالى يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.ما يعارض هذه الآية قوله تعالى:
﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة ٨٢]؟
* طالب: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ [المائدة ٨٣] إلى آخر الآية، تكملة الآية تدل على أن هؤلاء النصارى الذين هم أكثر الناس مودة للمؤمنين (...)؟
* الشيخ: يعني أنهم نصارى من نوع معين، ما هم كل النصارى وإلا فالله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [المائدة ٥١] بعض اليهود والنصارى أولياء بعض، وهذا أمر مشاهد، ومن تتبع التاريخ وجد أن النصارى دائمًا مع اليهود، واليهود دائمًا مع النصارى؛ لأنهم ضد عدو مشترك وهو المسلمون، ومن كان لهم عدو مشترك لو كانوا فيما بينهم أعداء يحبون أن يقضوا على هذا العدو فيجتمعون عليه.
* طالب: النوع الخاص من النصارى وجد في عهد الرسول ﷺ ولا باق؟
* الشيخ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ﴾ [المائدة ٨٢، ٨٣] فإذا وجد هذا النوع من النصارى سواء في حياة الرسول أو بعد مماته.
* الطالب: حتى اليهود قد يسلموا؟
* الشيخ: ما هو من نصرة، لكن منهم قسيسين ورهبانًا، وأنهم لا يستكبرون؛ لكن النصارى الآن مستكبرون، مو معنى أنه إذا أسلم حتى واحد حكمنا هذا للجماعة فإن رؤساءهم وكبراءهم وأحبارهم على العكس من ذلك.
* طالب: شيخ أن الآية ألا تشير إلى أنهم آمنوا؟
* الشيخ: من؟
* الطالب: هؤلاء النصارى (...).
* الشيخ: لا ﴿بِأَنَّ مِنْهُمْ﴾ ما هم كلهم.
* الطالب: إي نعم، لكن ما يرد على هذه الشبهة بأن الآية (...)؟
* الشيخ: لا، الآية ما دلت على أنهم كلهم آمنوا؛ لأن قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ﴾ إلا أن يقال: وبأنهم إذا سمعوا، ولا يجعل ﴿وَإِذَا سَمِعُوا﴾ عائدًا على القسيسين والرهبان، يمكن أن نقول: إن في نصارى آمنوا في عهد الرسول ﷺ، النصارى الذين آمنوا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إي نعم (...).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: (...).
* طالب: يا شيخ، ما يؤخذ من الآية أن كل من لم يود للمسلمين الخير (...)؟
* الشيخ: نعم، إلا يؤخذ، أن من لم يود الخير للمسلمين، فإنه فيه شبهًا من اليهود والنصارى، هذه فائدة جميلة أن الإنسان اللي ما يود الخير للمسلمين فإن فيه شبهًا من اليهود والنصارى، لأن في الحقيقة من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أراد لهم الشر أو ما أراد لهم الخير ما وده لهم فإن فيه شبهًا من اليهود والنصارى. الذين لا يودون أن تستقيم الأمة على نهج السلف الصالح؟ هؤلاء ما يودون أن ينزل علينا من خير من ربنا، لأن الاستمرار على نهج السلف الصالح هو الذي فيه الخير. فالذين يريدون منا مثلًا أن نسير على ما سار عليه هؤلاء اليهود والنصارى من الانفتاح على الدنيا وترك الآخرة وراء الظهور يقول: نعتني بالترفيه البدني دون حياة القلوب فهؤلاء فيهم شبه من اليهود والنصارى؛ لأن حقيقة الأمر أن المؤمن المخلص للإيمان وللمؤمنين هو الذي يريد للمؤمنين أن يستقيموا على دين الله بأي وسيلة ما هو بيريد أن يترفهم فيتلفهم، الإتراف الذي يستلزم إعراض الناس عن دين الله هذا في الحقيقة ليس إترافًا بل إنه إتلاف، هو سبب دخول النار
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾ [الواقعة ٤٥ - ٤٨] كل هذه الأوصاف الآن وجدت في كثير من المسلمين بسبب ما فُتح عليهم من الدنيا، نسأل الله السلامة.
* طالب: شيخ، النصارى (...) من العرب، نحن لسنا نصارى إنما مسيحيون، فأحد يوافقهم يقول: أنتم مسيحيون؛ لأنهم (...) نصارى يطلق عليهم القرآن، هم قريبون من المسلمين (...) الآية (...) فإذا كان هذا عبارتهم فنقول: من يطلق عليهم نصارى (...)؟
* الشيخ: حتى بعد إطلاق أنهم مسيحيين خطأ؛ لأن المسيحي معناه المنتسب للمسيح، وهذا المسيح بريء منه، هذه أشكل من النصارى.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، لأنهم هم يقولون: مسيحيين؛ لأجل أن يبرروا أنهم على دين، هذا السبب أنهم عدلوا؛ ولهذا ما عدل عن النصارى إلا في العصور المتأخرة عصور الاستعمار، وإلا كانوا في كتب الفقهاء حتى المتأخرين يسمون نصارى، لكن لما استولى الاستعمار وقويت شوكته في بعض البلاد وصار في البلدان التي استعمرت كُتَّاب صاروا يتكلمون: المسيحيين، والمسيحيين بمجرد ما تسمع المسيحي تشعر بأنه على دين صحيح، لأن المسيح عيسى بن مريم رسول الله فدينه صحيح، لكن (نصارى) ما تفهم منها هذا الفهم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: أبدًا ما.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أنا أظن أنه قال: نصارى، نسميهم نصارى كما سماهم الله، وصار معنى نصارى ما هو من النصرة نصارى نسبة للبلد.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي معلوم، إحنا نقول: إن اللي يؤمن بما جاء به الرسول له الأجر مرتين.
* الطالب: يطلق عليهم نصارى؟
* الشيخ: لا، نقول الآن: مسلمين، إذا آمنوا صاروا مسلمين.
* طالب: نسبوا إلى أي البلاد؟
* الشيخ: إلى بلد تسمى قيل: الناصرة وقيل: إن في بلد (...).
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٦/ ٢٥٣).
(٢) أخرجه مسلم (٢٦٦٤ / ٣٤) من حديث أبي هريرة بلفظ: «... وَلَا تَعْجِز».
(٣) أخرجه البخاري (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة.
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره (٢٠ / ٢٤٦) طبعة هجر.
(٥) أخرجه ابن ماجه في سننه (٤٠٨١) من حديث ابن مسعود.
(٦) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٣)، ومسلم (٥٩ / ١٠٧) من حديث أبي هريرة بلفظ: «... وَإِذَا اؤُتُمِنَ خَانَ».
(٧) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٠٥٣)، ومسلم (١٦٣٧ / ٢٠) من حديث ابن عباس.
(٨) أخرجه مسلم (١٧٦٧ / ٦٣) من حديث عمر بن الخطاب.
(٩) أخرجه البزار في مسنده (٢٣٠)، والبيهقي في المعرفة (٥٥٣٨) من حديث عمر بن الخطاب.
(١٠) أخرجه البخاري (٥١٤٦) من حديث عبد الله بن عمر.
(١١) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٤٢٣)، ومسلم (١٠٣١ / ٩١) من حديث أبي هريرة.
(١٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٣٤٢٩٢)، وابن أبي يعلى في مسنده (٧١٩٠) من طريق عامر الشعبي، ولفظه: «لَأَلْقَيَنَّكُمْ بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَحُبِّكُمُ الْحَيَاةَ».
(١٣) أخرجه مسلم (١٧٩ ٢٩٣) من حديث أبي موسى الأشعري.
(١٤) أخرجه البخاري (٦٥٠٢).
(١٥) أخرجه مسلم (٧٧٠ / ٢٠٠).
(١٦) أخرجه ابن بطة في الإبانة (٥٨٢)، والبيهقي في شعب الإيمان (٨١٣١) بمعناه، وذكر هذا اللفظ الشيخ مرعي في أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات (ص: ١٣٢).
(١٧) أخرجه الترمذي في السنن (١٩٢٧) وأحمد في المسند (٧٧٢٧) من حديث أبي هريرة.
(١٨) أخرجه البخاري (٢٨٩٢) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
(١٩) أخرجه مسلم (٧٢٥ / ٩٦) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢٠) أخرجه ابن المبارك في الزهد (٣٦) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٢١) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١ / ٣) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٢٢) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٢٦٨)، ومسلم (٢١٨٩ / ٤٣) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢٣) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٤٢٣)، ومسلم (١٠٣١ / ٩١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢٤) أخرجه مسلم (٢٨١٣ / ٦٧) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٢٥) أخرجه الترمذي (٢٤٢٥) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.