الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة 79] ﴿فَوَيْلٌ﴾ هذه كلمة وعيد يتوعد الله تعالى من اتصفوا بهذه الصفة، وهي مبتدأ، وجاز الابتداء بها وهي نكرة.
* طالب: (...) الخبر جار ومجرور.
* الشيخ: ما يكفي هذا، لو قلت: رجل في البيت، ما صح، ما عندك غير هذه؟
* طالب: نكرة مخصصة.
* الشيخ: ويش هو فيه؟
* الطالب: ﴿لِلَّذِينَ﴾.
* الشيخ: لا، ﴿لِلَّذِينَ﴾ خبر المبتدأ، ﴿لِلَّذِينَ﴾ هي خبر مبتدأ ما هي بصفة لها.
* الطالب: ﴿لِلَّذِينَ﴾ هي الخبر؟
* الشيخ: إي نعم، وما تقولون: لأنها أفادت، ابن مالك ويش يقول؟
* طالب: قال: النكرة.
* الشيخ: ما لم تفد، فمعنى ذلك أن مناط الجواز الإفادة، يكفي أن نقول: أفادت، فويل لفلان -مثلًا- أفادت، أما هذا المعنى الخاص لها فيقولون: لأنها وعيد، فهي قد أفادت الوعيد، ويقولون في مثل: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام ٥٤]؛ لأنها دعاء، فأما قولنا: اللي سوغ بها الابتداء أنها وعيد، والوعيد يفيد، إي نعم.
﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾، ﴿لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾ قوله: ﴿الْكِتَابَ﴾ بمعنى المكتوب، و(فِعَال) بمعنى (مَفْعول) تأتي في اللغة العربية كثيرًا، ولها أمثلة منها (فِراش) بمعنى (مَفْروش)، و(غِراس) بمعنى (مَغْروس)، و(بِناء) بمعنى؟
* طالب: مبني.
* الشيخ: (مَبني)، و(صِراط) بمعنى (مَصْروط).
قوله: ﴿يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾ هذا الجمع مفعول مؤكد للفعل، إذ إن الكتابة لا تكون إلا باليد، يعني: يكتبونه بأيديهم لا يأمرون غيرهم، هم يباشرون هذه الجناية العظيمة.
﴿ثُمَّ يَقُولُونَ﴾ بعدما كتبوه بأيديهم وعرفوا أنه من صنع أيديهم ﴿يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾، ﴿هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ -أعوذ بالله- نزل من عند الله، وقولهم: ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أي: كتاب الله؛ لأن الكتاب اللي يأتي من عنده فهو كتاب الله، لماذا؟ التعليل: ﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا﴾.
قوله: ﴿هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ مبتدأ وخبر؟
* الطلبة: إي نعم.
* الشيخ: مبتدأ مبني على السكون، ﴿هَذَا﴾ (ها) للتنبيه، و(ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، و﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.
وقوله: ﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ﴾ اللام للتعليل، أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ﴾، واللام الداخلة على الفعل تكون للتعليل مثل: ﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ﴾، وتكون للعاقبة مثل قوله: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص ٨]، وتكون زائدة مثل: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ﴾ [الصف ٨] أي: يريدون أن يطفئوا؛ لأن الفعل (يريد) يتعدى بنفسه بدون حرف الجر، وتأتي للأمر، مثل: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ [الطلاق ٧]، وتأتي لتحقيق النفي وتسمى لام الجحود مثل: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ﴾ [الأنفال ٣٣]، ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ [النساء ١٣٧].
فصار اللام المتصلة بالمضارع تكون على خمسة أوجه، تحبون هذا ولَّا نتركها؟ لكني أنا أشوف أنكم ترغبون بالنحو؟ يقولون: النحو في الكلام كالملح في الطعام، إذن نقول: اللام الداخلة على الفعل المضارع لها خمسة أوجه، اللام هنا ﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ﴾ لام التعليل، يكتبونه ويقولون: هذا من عند الله، يزيفون لهذا الغرض.
* طالب: اللام الأخيرة؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: ﴿لِيَشْتَرُوا﴾.
* الشيخ: اللام هذه للتعليل ﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ﴾.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لام الجحود.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، الصحيح أنها للوعيد.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: ما عليها دليل، إي نعم.
يقول: ﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا﴾ ﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ﴾ أصل يشتروا أصلها: يشترون، لكن حذفت النون؛ لأن الفعل منصوب بـ(أن)، التقدير: لأن يشتروا، قوله: ﴿يَشْتَرُوا﴾ أي: يبيعوا ولَّا يأخذوا؟
* الطلبة: يأخذوا.
* الشيخ: وشرى؟
* الطلبة: باع.
* الشيخ: باع، العامة عندهم الآن شرى أي: اشترى أخذ، وحقيقة شرى يعني: أعطى بمعنى باع، وباع بمعنى أعطى، وابتاع بمعنى أخذ، صار يبتاع يعني: افتعل من شرى، وافتعل من باع هي التي بمعنى الأخذ ولَّا لا؟ وفعل من شرى، ومن باع بمعنى أعطى، إي نعم، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة ٢٠٧] ﴿يَشْرِي﴾ بمعنى يبيع.
﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ الثمن: العوض، عوض الشيء يسمى ثمنًا، أي: ليأخذوا به ثمنًا، ﴿قَلِيلًا﴾، أي: ضد الكثير، ومعلوم الكثير في الكمية ولا في الكيفية؟
* طالب: في الكمية.
* الشيخ: في الكمية، ما هو هذا الثمن القليل؟ هو الرئاسة والجاه وما أشبه ذلك، يكتبون ويقولون: هذا من عند الله؛ لأجل أن يداروا به عباد الله في تحليل حرام أو إسقاط واجب أو تزلف لرئيس أو ما أشبه ذلك، علشان الناس يقضون عليهم، ولكن كل هذا الأمر اللي حصل ثمن قليل، قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ [النساء ٧٧]، مهما حصل في الدنيا من رئاسة وجاه ومال وولد فهو قليل، قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح اللي رواه أحمد من حديث المستورد بن شداد: «لَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»[[أخرجه البخاري برقم (٢٨٩٢)، وأحمد في مسنده برقم (١٥٥٦٣) من حديث سهل بن سعد بن مالك واللفظ لأحمد.]]، من الدنيا، أي دنيا؟ كلها، من أولها إلى آخرها، برئاساتها وأموالها وبنيها وقصورها وكل ما فيها، موضع سوط السوط، ويش يجي منه؟ متر تقريبًا، موضع سوط خير من الدنيا وما فيها، إذن الدنيا قليل؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧]، أنت إذا ارتقيت بعلمك درجة واحدة خيرٌ لك من أن تكون فوق قمم الرؤوس على وجه دنيوي ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأن كل هذا سيزول، لكن ما عند الله سبحانه وتعالى يبقى ولا يزول، إي نعم، ﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾.
ثم أكد فقال: ﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ الجزاء بقدر العمل، بالأول أطلق، يعني هنا الآية ما فيها تكرار، ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ﴾ هذا مطلق، (ويل) ما ندري ويش قدر هذا الويل، قال: ﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ يقول: هذا الويل على قدر أيش؟ قدر ما كتبوا، ﴿وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ وويل لهم مما يكسبون على هذه الكتابة، هذا المتاع القليل أو الثمن القليل اللي كسبوه يعذبون به ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: يعذبون به، ثم ما ينتج من إضلال الخلق إلى يوم القيامة يعذبون به، «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» »[[أخرجه مسلم برقم (١٠١٧ / ٦٩)، والطبراني في الأوسط برقم (٨٩٤٦) من حديث جرير بن عبد الله البجلي بنحو هذا اللفظ.]]، لكن عندنا في الأمة الإسلامية كتبوا بأيديهم وقالوا: هذا خير مما عند الله -أعوذ بالله- كتبوا كتبًا يسمونها الكتاب الأخضر وقال: هذا أحسن من القرآن، وأتوا بصلاة تسمى صلاة الفاتح وقالوا: هذه خير من تلاوة القرآن ست مئة مرة -أعوذ بالله- ليتهم قالوا: هذا من عند الله، يعني: كلامهم هذا يتضمن أن ما كتبوه خيرٌ مما جاء من عند الله -والعياذ بالله- إي نعم، صاروا -والعياذ بالله- أخبث من هؤلاء اليهود صاروا أخبث من اليهود.
﴿وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ الفوائد إن شاء الله في الدرس القادم؛ لأن هذه الآية فيها فوائد عظيمة تتعلق بهذه الأمة وخصوصًا في علمائهم، وقالوا من جملة كذبهم. سؤالك يا أخ؟
* طالب: (...) ألا يشمل المالي؟
* الشيخ: قلنا: يشمل كل ما في الدنيا من مال وجاه ورئاسة.
* طالب: القليل (...)؟
* الشيخ: المعروف أن القليل أنه يكون في الكمية، والضعيف يكون في الكيفية، هذا المعروف، ولكن ما يمنع أنه يكون قليلًا بهذا وهذا، أنه يستعمل في المعنى هذا وهذا.
* طالب: الآن يا شيخ لما أنك تنصح كثيرًا من الناس بالبعد عن الترف في الحياة الدنيا بالذات يستدلون عليك بحديث الرسول ﷺ (...): «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ -مثلاً- أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» »[[أخرجه الترمذي برقم (٢٨١٩) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.]].
* الشيخ: يحب أن يرى أثر نعمته عليه، صحيح، لكن أثر النعمة بالشكر ما هو بالبطر؛ لأن آثار النعمة من أهمها الشكر لله عز وجل؛ ولهذا الرسول (...) الله أنعم عليه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وماذا فعل؟
* طالب: قام الليل.
* الشيخ: قام حتى تفطرت قدماه وقال: «أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري برقم (٤٨٣٧) من حديث عائشة واللفظ له، ومسلم برقم (٢٨١٩ / ٧٩) من حديث المغيرة بن شعبة.]]، أما واحد يعطيه الله مال يقول: بأبذخ وأبذخ، وهذا أثر النعمة ما هو صحيح.
* طالب: يستدلون من الكتاب يا شيخ يقول لك: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص ٧٧]؟
* الشيخ: أحسنت، نصيبك منها أن يقول: لا تنس نصيبك، لا يعطيك الله مالًا ولا تتمتع به على الوجه المباح، واه أنا عندي مال لكن أبغي أحط كتابي شينة، بأحط مركبي شين، وأجي أحط فراشي شين، وبيتي شين، ولا نبغي أتزوج إلا عجوز، لا، ما هو بصحيح، لا تنس نصيبك من الدنيا ما قال الله: خل الدنيا كلها ذكر واقعد، نحن ما نخالف نرد عليهم، أقول لك هذا لترد عليهم به.
* طالب: هذه الآية، فيه بعض الناس يكتبون آيات يعني: يريدون سنة العلاج والدواء (...)؟
* الشيخ: هذه إن شاء الله تجي في الفوائد.
﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ من جُملة ما قالوا وكذبوا يقولون اليهود: نحن لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة وبعد هذه الأيام المعدودة نخرج وتخلفونا فيها، يعني: الرسول ﷺ وأصحابه، هذا كلام باطل وأماني كاذبة، كيف هؤلاء ما تمسهم النار إلا أيام معدودة! ولهذا أنكر الله عليهم.
﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا﴾ ﴿تَمَسَّنَا﴾: تصيبنا، (...).
أنه الأمر الواقع، وليس معنى ذلك أنه لو أن أحدًا قال شيئًا وادعى أنه من عنده وليس من عنده لا يخرج عن هذا الوعيد.
* الفائدة الثانية: أن هؤلاء الذين يكتبون الكتاب يكتبونه بأيديهم (...) تحقيقًا لهذا الأمر، يعني: ليسوا -مثلًا- يأمرون أو يلمحون، وإنما يباشرون ذلك بأيديهم عتوًّا وعنادًا من غير مبالاة.
* الثالث هنا: الوعيد على الذين يكتبون الكتاب بأيديهم فقط؟ أو ثم يقولون: هذا من عند الله؟ ثم يقولون: هذا من عند الله.
* الفائدة الثالثة: أنهم يفعلون ذلك من أجل الرئاسة والمال والجاه؛ لقوله: ﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾.
* الفائدة الرابعة: أن الدنيا كلها مهما بلغت فإنها قليل، كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ [النساء ٧٧]، ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: مهما بلغت فهي قليل، وقد مر علينا في الحديث الصحيح: «أَنَّ مَوْضِعَ سَوْطِ أَحَدِنَا فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»[[أخرجه أحمد في المسند (22797).]].
* الفائدة الخامسة: أن الجزاء من جنس العمل؛ لقوله: ﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾.
* الفائدة السادسة: إثبات العلل والمسببات؛ لقوله: ﴿مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ فإن هذا بيان للعلة علة الوعيد ﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ﴾، والسبب أنهم كتبوا بأيديهم، وهذه غير الفائدة الأولى؛ لأن الفائدة الأولى أن الجزاء من جنس العمل فجزاهم بقدر ما كتبوا.
* الفائدة السابعة: أن عقوبة القول على الله بغير علم تشمل الفعل وما ينتج عنه من كسب محرم؛ لقوله: ﴿وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾، فهذه دليل على أن ما نتج عن المحرم من الكسب فإنه يأثم فيه الإنسان، يعني: يأثم الإنسان بفعل المحرم وبما كسبه منه، فهمتم؟ مثلًا إنسان عمل عمل محرم -كالغش مثلًا- فهو آثم بالغش، وهذا الكسب الذي أخذه هو أيضًا آثم به، فالفعل المحرم وما نتج عنه كله إثم؛ لقوله: ﴿وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾. هل يستفاد من هذه الآية تحريم أخذ الأجرة على كتابة القرآن؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾.
* طالب: ﴿ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾.
* الشيخ: ﴿ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ وليس من عند الله، وليس من عنده، إذن ما يستدل به على تحريم أخذ الأجرة على كتابة القرآن، أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إي نعم؛ لأن هنا ما هم عوقبوا على كتابة التوراة مثلًا، لو كتبوا التوراة كما أنزلت ما عوقبوا عليه، لكن عوقبوا على أنهم كتبوا وقالوا: هذا من عند الله وليس من عنده، إي نعم.
من جملة كذبهم على الله قولهم: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ ﴿قَالُوا﴾ الضمير يعود على اليهود، ﴿لَنْ تَمَسَّنَا﴾ يعني: لن تصيبنا، ﴿النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ النار يعنون نار الآخرة.
وقوله: ﴿إِلَّا أَيَّامًا﴾ ﴿أَيَّامًا﴾ نكرة للتقليل، و﴿مَعْدُودَةً﴾ مؤكدة للقلة أيضًا، يعني: إلا أيام قليلة معدودة، فما هذه الأيام المعدودة؟ المشهور -وهو الأظهر، والله أعلم- أنها أيام عبادتهم العجل، كم؟
* طالب: أربعين.
* الشيخ: أربعون يومًا، هذه الأيام المعدودة، قالوا: إنها لن تمسنا النار إلا هذه الأيام فقط، ثم بعد ذلك نخرج منها وتخلفوننا فيها، يعنون الرسول ﷺ وأمته، فهم يقولون: أنتم النار لكم، لكن نحن تصيبنا أيامًا معدودة فقط، فنحن نقول: إقراركم على أنفسكم مقبول، ودعواكم الخروج من النار دعوى لا بينة لها.
ولهذا قال الله متحديًا إياهم: ﴿أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا﴾؟ ﴿قُلْ﴾ الخطاب للنبي ﷺ، ﴿أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا﴾ ﴿أَتَّخَذْتُمْ﴾ بمعنى أخذتم، يعني: صار معكم عهد، والعهد الميثاق والالتزام، يعني: هل عندكم التزام من الله سبحانه وتعالى بذلك؟ إن كان عندكم ﴿فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ﴾؛ لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد، ومعنى يُخلف أي: يجعل بدل الوفاء خلفًا وهو عدم الوفاء، وهنا فرق بين خَلَفَه يَخْلُفه، وأَخْلَفَه يُخْلِفه، الفرق: أخلفه جعل له خلفًا، يخلفه يجعل له خلفًا ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ ٣٩]، وأما خلف يخلف، فمعناه: أن الشيء صار خليفة لما سبقه تقول: خلف البردَ الحرُّ، أي: جاء بعده، فصار خليفة له، إذن «اللَّهُمَّ آجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَاخْلُفْ لِي خَيرًا مِنْهَا»[[أخرجه مسلم (٩١٨ / ٣)، من حديث أم سلمة رضي الله عنها.]].
* طالب: جعل له خلفًا.
* الشيخ: واخلف ولا: وأخلف لي خيرًا منها؟
* طالب: واخلف.
* الشيخ: «وَأَخْلِفْ لِي خَيرًا مِنْهَا»، أي: اجعل لي خيرًا، مثل ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ (...) خلفًا، هنا ﴿فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ﴾، أي: لن يجعل لعهده خلفًا، وهو عدم الوفاء به، بل سيوفي به سبحانه وتعالى، ﴿فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ﴾.
* طالب: الماضي؟
* الشيخ: أخلف.
قال: ﴿أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ ﴿أَمْ﴾ هنا قيل: إنها متصلة، وقيل: إنها منقطعة، وقد مر علينا الفرق بين المتصلة والمنقطعة، أليس كذلك؟ وأما الفرق بينهما من؟
* طالب: الاستفهام.
* الشيخ: لا، أم المتصلة وأم المنفصلة؟
* طالب: المنقطعة تكون بمعنى (بل)، والمتصلة لا تكون بمعنى (بل).
* الشيخ: بمعنى أيش؟
* طالب: بمعنى الاستفهام.
* الشيخ: لا.
* الطالب: بمعنى (هل).
* الشيخ: لا، (أم) المنقطعة بمعنى (أو) ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ [البقرة ٦] يعني: أو لم تنذرهم، هذا فرق، والفرق الثاني؟
* طالب: المنقطعة لا يذكر معها المقابل.
* الشيخ: لا يذكر معها معادل ما هو المقابل، وأما المتصلة تكون بين متعادلين. هذا فرق، ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ متعادلين، أنذرتهم أم لم تنذرهم، هنا هل هي متصلة أو منقطعة؟ قيل: إنها منقطعة، وعلى هذا فيكون معناها: بل تقولون على الله ما لا تعلمون، وقيل: إنها متصلة بمعنى: هل أنتم اتخذتم عند الله عهدًا فادعيتموه؟ أو أنكم تقولون على الله ما لا تعلمون؟ وعلى كلا التقديرين، فلا هذا ولا هذا؟ تأملوا.
* طالب: يقولون..
* الشيخ: يقولون على الله ما لا يعلمون، على كلا التقديرين: فهم يقولون على الله ما لا يعلمون، يعني: سواء كانت بمعنى: بل تقولون على الله ما لا تعلمون، يعني: ولم تتخذوا عند الله عهدًا، أو أن المعنى أتخذتم عند الله أو تقولون، فالجواب: لما انتفى الأول وهو اتخاذ العهد، ثبت الثاني وهو قول: ما لا يعلمون، فيكون على هذا التقدير الحكم إلى الإنسان، ويكون على التقدير الأول -التي تكون (أم) بمعنى بل- الحكم من أين؟ من الله، الحكم من الله، يعني: على التقدير الأول أنها متصلة، يصير المعنى: هل أنتم أتخذتم على الله عهدًا، أو قلتم على الله ما لا تعلمون، حينئذٍ نبحث نشوف هل عندهم من الله عهد؟ الجواب: لا، فإذا انتفى الأول ثبت الثاني، يعني: نعرف إنه نثبت الثاني بالتتبع، تتبعنا ما وجدنا عهدًا، تعين أن يكون قالوا على الله ما لا يعلمون.
على الثاني -أن تكون (أم) بمعنى بل- ما حاجة نتتبع، يصير الله سبحانه وتعالى هو الذي حكم عليهم بأنهم يقولون على الله ما لا يعلمون؛ لأنه قال: ﴿أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا﴾ وهذا الاستفهام للإنكار، يعني: لم تتخذوا عهدًا بل تقولون على الله ما لا تعلمون، أفهمتم الآن؟
فالآية على كلا التقديرين تدل على أنهم قالوا على الله ما لا يعلمون، لكن على تقدير أن تكون (أم) متصلة، يكون الحكم بقولهم على الله ما لا يعلمون راجع إلى الإنسان الذي يتتبع ويجد أنه ليس عندهم عهد، وعلى القول بأنها بمعنى (بل) يكون الحكم من الله، يكون الله سبحانه وتعالى أبطل اتخاذهم عند الله عهدًا، ثم حكم سبحانه وتعالى بأنهم يقولون على الله ما لا يعلمون، إذن: إذا ما كان عندهم عند الله عهد وقد قالوا على الله ما لا يعلمون، فتكون دعواهم هذه حقًّا؟
* الطلبة: باطلًا.
* الشيخ: باطلًا، إي نعم، تكون دعواهم هذه باطلًا؛ لأنه ما دام ما عندهم عهد ولا قالوا ما يعلمون، فتكون دعواهم باطلة.
قال الله تعالى مبينًا من الذي تمسه النار ومن الذي لا تمسه، فقال: ﴿بَلَى﴾، قال المفسرون (بلى) هنا بمعنى (بل)، فهي للإضراب الانتقالي، ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾، وفيها قراءة: ﴿خَطِيآتُهُ﴾ بالجمع.
قوله: ﴿مَنْ كَسَبَ﴾ هل (من) موصولة أو شرطية؟
* طالب: شرطية.
* الشيخ: إذا قلنا: إنها شرطية، فإنه يؤيده قوله: ﴿فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾، فإنه جواب مقترن بالفاء، وهذا يؤيد أنها شرطية، وإذا قلنا: إنها موصولة، فيؤيده قوله في الآية الثانية: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ والذين آمنوا حيث جاء بـ(الذين) اسم موصول، فيكون ﴿مَنْ كَسَبَ﴾ يعني: الذي كسب، والجواب عن الفاء في قوله: ﴿فَأُولَئِكَ﴾ أنه لما شابه اسم الموصول اسم الشرط في الدلالة على العموم جاز اقتران خبره بالفاء.
قوله: ﴿مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ شوف ﴿كَسَبَ﴾ ولم يقل: عمل، مع أنه في بعض المواضع يقال: عمل، ﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ﴾ [الأعراف ١٥٣] معروف، والكسب معناه حصول الشيء نتيجة لعمل.
﴿كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ وقوله: ﴿سَيِّئَةً﴾ السيئة ما يسوء، وأصلها سيوئة؛ لأنه من ساء يسوء واو، فأصلها سَيْوِئَة على وزن فَيْعِلَة، حصل فيها إعلال، وأيش الإعلال اللي حصل؟ قلب الواو ياء، وأيش سببه؟ اجتمعت الواو والياء في كلمة واحدة وسبقت إحداهما بالسكون، فلزم قلب الواو ياء، ثم أدغمت الياء بالياء فصارت (سيئة).
﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ الإحاطة في اللغة: الشمول، ﴿وَأَحَاطَتْ﴾ أي: صارت كالحائط عليه وكالسور، أي: اكتنفته من كل جانب، وقوله: ﴿خَطِيئَتُهُ﴾ الأنسب إذا رأينا أحاطت كانت صيغة الجمع أنسب يعني: كثيرة، والإحاطة من كل جانب تقتضي الكثرة ولَّا لا؟ تقتضي الكثرة؛ فلهذا القراءة الثانية قد تكون أنسب، ولكن مع ذلك لا تتنافى مع القراءة التي في المصحف وهي ﴿خَطِيئَتُهُ﴾؛ لأن خطيئة مفرد مضاف والمفرد المضاف يفيد العموم؛ ولهذا لو قال الرجل: عبدي حر وكان له أربعة أعبد، كلهم يعتقون، مع أنه قال: عبدي فقط، ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم ٣٤] شوف ﴿تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ﴾ هنا مفرد نعمة، والمضاف يفيد العموم ولَّا يفيد الوحدة؟ لو كان يفيد الوحدة لكنا نحصيها.
* طالب: شيخ، ألا يقال: هذا دليل على العظم؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: يعني: قراءة ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾؟
* الشيخ: إي، لكن الإحاطة إذا قلنا: إنها من جنس الحائط والسور المحيط بالشيء، يحتاج إلى كمية هي بمعنى القراءة الثانية.
وقوله: ﴿خَطِيئَتُهُ﴾ و﴿سَيِّئَةً﴾ وأيش معنى: ﴿سَيِّئَةً﴾ ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ هل هما بمعنى واحد؟ وأن هذه السيئة امتدت حتى أحاطت به؟ أو أن المراد بالسيئة شيء، والخطيئة شيء آخر؟ هذا هو المعروف عند المفسرين يقولون: السيئة هنا سيئة الكفر، وخطيئته ما سوى الكفر؛ لأنها -والعياذ بالله- تحيط بالإنسان، وهذه إذا قلنا بها، فإن خطيئة قد تناسب سيئة بالنسبة لأيش؟ لكونها واحدة، يعني: هذه السيئة أحاطت به حتى -والعياذ بالله- حالت بينه وبين التوفيق.
﴿فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ هذه نبغي (...) ﴿فَأُولَئِكَ﴾ وأيش إعرابها؟
* طالب: الفاء رابطة للجواب.
* الشيخ: للجواب على جعل (من) شرطية، أو رابطة للخبر بالمبتدأ على أنها موصولة.
* الطالب: أولاء: اسم إشارة، والكاف.
* الشيخ: وأيش محله من الإعراب؟
* الطالب: في محل رفع مبتدأ.
* الشيخ: وأيش هو مبني عليه؟
* الطالب: أولاء: اسم إشارة مبني على الضم المقدر، أولاء مكسورة ولكن مبني على.
* الشيخ: مبني على أيش؟ مبني على الكسر؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: عجيب، ابن مالك وأيش يقول؟ ومنه ذو فتح
* الطالب: وذو كسر.
* الشيخ: بس (...) وكسر.
* الطالب: إذن مبتدأ مرفوع، مش مرفوع.
* الشيخ: هذا ما يصير.
* الطالب: مبتدأ مرفوع.
* الشيخ: لا، ما تقول: مرفوع، كل مبني ما يمكن تقول: مرفوع ولا منصوب ولا مجرور، تقول: مبني على الكسر في محل رفع، مبني على كسر في محل رفع مبتدأ.
* الشيخ: والكاف؟
* الطالب: الكاف ضمير متصل.
* الشيخ: لا.
* الطالب: منفصل.
* الشيخ: لا، وأيش تقول؟ الكاف.
* طالب: الكاف ضمير متصل في محل.
* الشيخ: الكاف أيش؟
* الطالب: للخطاب.
* الشيخ: وأيش، اسم ولا فعل؟
* الطالب: خبر المبتدأ.
* الشيخ: الكاف خبر المبتدأ؟ أولاء مبتدأ، فيكون الكاف؟
* الطالب: خبره.
* الشيخ: خبره، ليس بصحيح. أيش تقول؟ (أولئك) الكاف وأيش إعرابها؟
* طالب: مفعول.
* الشيخ: مفعول؟ وأيش اللي نصبه؟ وأيش تقول الكاف؟ ما قرأنا النحو دا الحين هذه النقطة غافلين عنها؟
* طالب: ضمير الخطاب متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ولكن خطأ، حرف دال على الخطاب لا محل له من الإعراب.
* الشيخ: نعم صح، كاف حرف خطاب لا محل الإعراب، قلنا لكم: الكاف ابن مالك يقول: ؎...................... ∗∗∗ ....... وَبِهِ الْكَافَ صِلاَ ؎فِي الْبُعْدِ أَوْ بِثَمَّ فُهْ أَوْ هَنَّا ∗∗∗ ..................... حرف ما هو (...) وَبِهِ الْكَافَ صِلاَ فِي الْبُعْدِ.
* طالب: أيش البعد؟
* الشيخ: أي: إذا صار المشار إليه بعيدًا يؤتى بالكاف.
﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ (أصحاب) خبر المبتدأ مرفوع بالمبتدأ، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره، (أصحاب) مضاف و(النار) مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره، (هم) ضمير منفصل.
* طالب: فصل.
* الشيخ: ما هو ضمير فصل؟ مالك يعني أصلي، (هم) ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفعٍ مبتدأ، (في) حرف جر و(ها) اسم مجرور مبني على السكون في محل جر، (خالدون) خبر المبتدأ، أي المبتدآت؟ (هم)، (خالدون) مرفوع بالمبتدأ، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع تكسير.
* طالب: جمع مذكر سالم.
* الشيخ: جمع مذكر سالم أو تكسير؟
* طالب: مذكر سالم.
* الشيخ: سالم إي نعم؛ لأن علامة المذكر السالم إذا ما تغير المفرد هو سالم، (خالد) مفرد، حط واو ونون: (خالدون)، لكن رجال وأيش مفردها؟
* الطلبة: رجل.
* الشيخ: تغير؟
* الطلبة: تغير.
* الشيخ: أي تغير؟ تغير الحروف وتغير الشكل أيضًا.
* طالب: إذا عكس يا شيخ ﴿خَالِدُونَ﴾ مبتدأ، و﴿هُمْ﴾ خبر؟
* الشيخ: لا ما يجوز، ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
يقول الله عز وجل: ﴿فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ ﴿أَصْحَابُ﴾ جمع صاحب، أي: أهل النار، وسموا أصحابًا لها لملازمتهم إياها، والعياذ بالله.
وقوله: ﴿خَالِدُونَ﴾ أي: ماكثون، الخلود بمعنى المكث والدوام، ومنه قوله تعالى: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ﴾ [ق ٣٤].
ثم قال تعالى في مقابلة الكفار، وهي طريقة القرآن غالبًا: إذا أتى بالشيء أتى بما يقابله فقال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ﴿آمَنُوا﴾ أي: صدقوا بما يجب الإيمان به مع القبول والإذعان، هذا الإيمان، ما يمكن الإيمان بمجرد التصديق لا بد من قبول للشيء واعتراف به، ثم إذعان وتسليم للشريعة التي جاء بها من آمن به، كذا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: وأيش معنى ﴿آمَنُوا﴾؟
* الطالب: ﴿آمَنُوا﴾ يعني صدقوا.
* الشيخ: بأيش؟
* الطالب: بالشريعة ﴿آمَنُوا﴾ صدقوا.
* الشيخ: (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: شوف ﴿آمَنُوا﴾، كلما جاءت ﴿آمَنُوا﴾ في القرآن، أي: بما يجب، آمنوا، أي: صدقوا بما يجب الإيمان به مع القبول والإذعان، يعني: يقبلون ويعترفون به ويذعنون له.
وقوله: ﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي: عملوا الأعمال الصالحات، والعمل يصدق بالقول والفعل، وليس العمل مقابل القول، بل الذي يقابل القول الفعل، وإلا فالقول والفعل كلاهما عمل؛ لأن القول عمل اللسان، والفعل عمل الجوارح، إذن ﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ لو قال قائل: هو ما قال: قالوا الصالحات؟ نقول: داخل في العمل؛ لأن العمل يشمل القول والفعل، أما إذا قيل: فعل، فهو مقابل للقول.
قوله: ﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي: قالوها بألسنتهم، وفعلوها بجوارحهم، و﴿الصَّالِحَاتِ﴾ أي: الأعمال الصالحات، فما هو الصالح؟ العمل الصالح قال أهل العلم: ما جمع بين شرطين: الإخلاص، والمتابعة للرسول ﷺ، الإخلاص لمن؟ لله، والمتابعة للرسول ﷺ، الدليل على هذا أنه هو العمل الصالح قوله تعالى في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]].
هذا وأيش اللي فقد فيه؟ الإخلاص، وقوله ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[أخرجه مسلم (١٧١٨ / ١٨) من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي رواية: «مَنْ أَحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليْسَ فيهِ فهو ردٌّ» البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٧).]] فقد فيه؟ المتابعة، وكذلك قال رسول الله ﷺ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ»[[أخرجه البخاري (٤٥٦)، ومسلم (١٥٠٤ / ٦)، وابن ماجه (٢٥٢١)، واللفظ له من حديث عائشة رضي الله عنها.]].
فالمهم إذن العمل الصالح ما جمع بين؟ ما جمع بين الإخلاص والمتابعة.
الذين جمعوا بين هذين الأمرين -الإيمان والعمل الصالح- ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ هنا ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ نريد نعربها الآن ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ مبتدأ، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ معطوف على ﴿آمَنُوا﴾، و(أولاء) وأيش إعرابها؟
* طالب: خبر.
* الشيخ: لا، خطأ، مبتدأ ثان، ونحن مر معنا أن الخبر ؎وَمُفْرَدًا يَـــــــأْتِي وَيَــــأْتِي جُمْلَهْ ∗∗∗ حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهُ
أليس كذلك؟ إذن نقول (أولاء) مبتدأ ثان، و﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، صحيح الكلام؟ إذن الخبر هنا جملة اسمية ولَّا فعلية؟ اسمية.
﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ أصحاب الجنة: أهلها الملازمون لها؛ لأن الصحبة تقتضي الملازمة، والجنة ما هي؟ الدار التي أعدها الله للمتقين هذه الجنة، وفيها -كما قال الرسول ﷺ-: «مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٤٤)، ومسلم (٢٨٢٤ / ٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، من قوله تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧]، وقوله: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ سبق الكلام عليه.
إذن حكم الله سبحانه وتعالى حكمًا عدلًا، اليهود قالوا: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾، والله تبارك وتعالى قال: لا، من كسب سيئة، ففي النار أبدًا، ومن آمن وعمل صالحًا، ففي الجنة أبدًا، لا فرق بين الإسرائيلي والعربي والعجمي وغيرهم، ولَّا لا؟ لأن الله سبحانه وتعالى ما ينظر إلى صورنا وأجسامنا وأنسابنا وإنما ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، فكل من كان قائمًا بأمر الله سبحانه وتعالى، فهو أولى الناس بالله تبارك وتعالى، من أي لون، ومن أي جنس، ومن أي قبيلة.
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ﴾: اذكر إذ أخذناه.
* طالب: الناس اللي يقولون: النار يفنى، يعني أخذوا من هذا الدليل؟
* الشيخ: لا، اللي يقولون: النار يفنى، نقول لهم: لستم على صواب، النار ما تفنى.
* طالب: في قول عمر بن الخطاب[[ذكر ذلك القرطبي في تفسيره (١٩ / ١٧٩) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعًا: «الحقب بضع وثمانون سنة، والسنة ثلاث مئة وستون يومًا، كل يوم ألف سنة مما تعدون» وقال: ذكره الثعلبي.]] رضي الله عنه فسر قوله تعالى: ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ [النبأ ٢٣] أي: سنين معدودة، صحيح ذلك؟
* الشيخ: أنا ما أدري صحيح ولَّا لا، لكنه ما يدل على الحصر ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾: سنين، سنين عظيمة طويلة -نسأل الله السلامة- وبعضهم يقولون: ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ مقيدة بقوله: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا﴾ [النبأ ٢٤]، وأنه بعد هذه الأحقاب اللي ما ﴿يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا﴾ [النبأ ٢٤، ٢٥] يؤتى لهم بأصناف أخرى من العذاب، إنما على كل حال كل هذه من الآيات المشتبهة، ولدينا آيات محكمة، والواجب على المؤمن أن يرد المتشابه إلى المحكم.
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: عهد بني إسرائيل، الميثاق يعني: العهد، وسمي العهد ميثاقًا؛ لأنه يوثق به المعاهد، كالحبل الذي توثق به الأيدي والأرجل يعني يلزم.
وقوله: ﴿بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ من هو إسرائيل؟ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، إذن فبنو إسرائيل بنو عمٍّ للعرب؛ لأن العرب بنو إسماعيل، وهؤلاء من بني إسرائيل، وجدهم واحد وهو إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ ما هذا الميثاق؟ ﴿لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ الميثاق اشتمل على ثماني مواد:
المادة الأولى: ﴿لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ﴾ وفوا ولا ما وفوا؟ عبدوا غير الله، عبدوا المسيح بن مريم، ولَّا لا؟ والعزير قالوا: ابن الله، فلم يفوا. وقوله: ﴿لَا تَعْبُدُونَ﴾ ما معنى العبادة؟ الذل والخضوع، مأخوذة من: طريق معبد، يعني: مذلل، هذه واحدة.
المادة الثانية: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ يعني: أحسنوا بالوالدين، أحسنوا بالوالدين إحسانًا، أو اعملوا بالوالدين إحسانًا، قوله: ﴿بِالْوَالِدَيْنِ﴾ المراد بهما: الأب والأم، الأقربون ولا حتى الأبعد؟ الأقرب، لكن الأبعد لهم حق، لكن ليسوا كحق الأب والأم الأدنى؛ ولهذا اختلف إرثهم، واختلف ما يجب لهم في بقية الحقوق.
قال: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ ﴿إِحْسَانًا﴾ بأي شيء؟ في القول والفعل والمال والجاه وجميع طرق الإحسان؛ لأن الله أطلق، كل ما يسمى إحسانًا فهو داخل في قوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وإنما وجب ذلك؛ لأن نعمة الوالدين على ولدهما هي التي تلي نعمة الله عليهما؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى عن لقمان: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان ١٤].
فهما سبب وجودك، وسبب إمدادك وإعدادك، وإن كان الوجود من الله والإمداد من الله، لكن بأي طريق أتيت؟ عن طريق الوالدين، لولا الوالدان ما كنت شيئًا.
* طالب: العم والخال يعدون والدين ولا؟
* الشيخ: هم ما والدين، لكن صلتهما من بر الوالدين.
* الطالب: يعني مثلًا يقطع بالعم والخال؟
* الشيخ: ما أتم بر والديه.
* الطالب: شيخ، تقدم الجار والمجرور ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ تفيد الحصر؟
* الشيخ: هي ما تعلقت بإحسان، لو تعلقت بإحسان كان تفيد الحصر ويكون تقديمها لأجل العناية، لكن هي ما تعلقت؛ ولهذا قدرنا لكم تقديرًا قلنا: إن التقدير: اعملوا، أو أحسنوا بهما، فهو مصدر لفعل محذوف.
﴿وَذِي الْقُرْبَى﴾ (ذي) بمعنى صاحب (...) ذو، ذو القربى؟
* طالب: معطوفة على: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ﴾.
* الشيخ: يعني: ذو القربى معطوفة على قوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ﴾؟ يعني: وإحسانًا بذي القربى، وذي بمعنى صاحب و﴿الْقُرْبَى﴾ القرابة، ويشمل القرابة من قبل الأم، والقرابة من قبل الأب؛ لأن القربى جاءت بعد الوالدين، أي: قربى الأم وقربى الأب.
كلمة ﴿الْقُرْبَى﴾ أظنها وصف أو لا؟ بمعنى القرابة، فكل من كان أقرب كان بهذا الحق أولى، فمثلًا يجب عليك من صلة العم أكثر مما يجب عليك من صلة أولاد العم، يجب عليك من صلة الخال أكثر مما يجب عليك من صلة أولاد الخال؛ لأن دولا أخص بالقرابة ممن بعدهم.
* طالب: شيخ، ما يخالف اللغة العربية؟
* الشيخ: وهو؟
* الطالب: القرابة أقارب الرجل؟
* الشيخ: لا حتى اللغة العربية، من قال لك: القرابة قرابة الرجل ينتمي لأبيه، هذه لغة عرفية وحتى ولا عرفية، حتى إن بعض الناس يسمي خواله أهل، أبغي أروح (...) إلى الآن، أليس كذلك؟ أنت لما كنت تصبح عند خوالك ما تقول: بأصبح عند أهلي اليوم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، أنا أقولها وأنا صغير: أبغي أصبح عند أهلي آل فلان.
* طالب: العامة يقول: الخال والد؟
* الشيخ: لا، هذا الخال (...).
* طالب: يقول: الخال أقرب من العم لسبب، يعني: الواحد لما بيجي يوصي على أولاده، يعني -مثلًا- واحد توفي وأولاده صغيرين بيوصي عليهم خالهم.
* الشيخ: (...).
* الطالب: أقرب من عمهم؛ لأن عمهم يأكلهم.
* الشيخ: لا، يعني أرحم؟
* الطالب: أرحم.
* الشيخ: يأتي من قبل الأم وهي أرحم من الأب.
* الطالب: أرحم فعلاً، هذه حقيقة واقعة.
* الشيخ: على كل حال: قرابة الأم قرابة بلا شك حتى في العرف، إي نعم.
﴿وَالْيَتَامَى﴾ اليتامى جمع يتيم، وهو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ، من ذكر أو أنثى، وليس من ماتت أمه مع وجود أبيه يتيمًا؛ لأن أباه موجود، يأتي له بالعيش والتربية والتعليم، لكن الأب إذا مات فهو الكاسب على أولاده، فيكون أولاده الصغار الذين ما بلغوا، أيتامًا، يكونون أيتامًا، وأوصى باليتامى؛ لأنه ليس لهم من يربيهم أو يعولهم؛ إذ إن أباهم قد توفي، فهم محل للرأفة والرحمة والرعاية.
﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾ ﴿الْمَسَاكِينِ﴾ جمع مسكين، وهو الفقير الذي أسكنه الفقر، إذا أطلق المساكين دخل فيه الفقراء، وإذا أطلق الفقراء دخل فيهم المساكين، وإذا جمعوا صار الفقراء لهم معنى، والمساكين لهم معنى.
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾.
قوله هنا: ﴿الْمَسَاكِينِ﴾ يدخل فيها الفقراء ولَّا ما يدخل؟ ﴿وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾؟ المساكين هم الفقراء هنا، وسموا مساكين؛ لأن الفقر أسكنهم؛ لأن الإنسان إذا اغتنى فإنه يطغى ويزداد ويرتفع ويعلو، وإذا كان فقيرًا فإنه بالعكس، وهنا يدخل الفقراء مع المساكين؛ لأن الفقراء والمساكين من الأسماء التي إذا قرنت افترقت، وإذا افترقت اجتمعت، في كلمات إذا جمعت افترقت، وإذا افترقت اجتمعت، وأيش لون هذا؟ كلمات إذا اجتمعت افترقت، وإذا افترقت اجتمعت، الفقراء إذا كانت وحدها صارت بمعنى الفقراء والمساكين، والمساكين إذا كانت وحدها صارت بمعنى الفقراء والمساكين، وإذا قيل: فقراء ومساكين مثل آية الزكاة ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة ٦٠] صار الفقراء لها معنى، والمساكين لها معنى، لما اجتمعت الآن افترقت، فالفقير من لا يجد شيئًا من الكفاية، أو يجد دون النصف، والمسكين من يجد النصف دون الكفاية، نصف الكفاية دون الكمال، فهمتم الفرق بينهما؟ ومثلًا البر والتقوى، إذا قيل: البر، وحده دخل فيه التقوى، وإذا قيل: التقوى، وحدها دخل فيها البر، وإذا قيل: البر والتقوى، صار البر: فعل الطاعة، والتقوى: اجتناب المعصية، ومثل الإيمان والإسلام.
المهم في كلمات في اللغة العربية ولا سيما الحقائق الشرعية إذا اجتمعت افترقت، وإذا افترقت اجتمعت.
وقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾، وفي قراءة: ﴿حَسَنًا﴾ ، ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَنًا﴾ ، هذا أيضًا مما أخذه الله على بني إسرائيل من العهد: أن يقولوا للناس قولًا حسنًا، والقول الحسن يشمل الحسن في هيئته، وفي معناه، ففي هيئته أن يكون باللطف واللين وعدم الغلظة والشدة، هذا في هيئته، وفي معناه بأن يكون خيرًا؛ لأن كل قول حسن فهو خير، وكل قول خير فهو حسن، إذن، حسن في هيئته وفي معناه، فهيئته أن يكون بلطف ولين، ومعناه أن يكون خيرًا، مثل الأمر بالمعروف حسن، ولَّا لا؟ حسن، النهي عن المنكر؟ حسن، تعليم العلم النافع؟ حسن، مخاطبة الناس بالسلام وكيف أصبحت وكيف أمسيت وما أشبه ذلك، هذا حسن.
ضد القول الحسن قولان: قول السوء، وقول ليس بسوء ولا حسن، أما قول السوء فإنه منهي عنه، وأما القول الذي ليس بسوء ولا حسن، فليس مأمورًا به؛ ولهذا قال الرسول ﷺ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠١٨)، ومسلم (٤٧ / ٧٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، فهمتم الآن؟ إذن ﴿قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ أو ﴿حَسَنًا﴾ ضدها أيش؟ أمران: قول السوء وهو منهي عنه، أو ما لا يوصف بحسن ولا سوء وهو غير مأمور به.
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ معناها قولوا: الله أكبر الله أكبر، حي على الصلاة حي على الفلاح، قد قامت الصلاة؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، إي نعم، هذه تسمى إقامة للصلاة، لكن ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ معناها: ائتوا بها قائمة، يعني: قويمة ليس فيها نقص، وذلك بأن تكون بأركانها وشروطها وواجباتها ومكملاتها أيضًا، فإن فعل المكملات من إقامتها، من صلى بلا طمأنينة لم يقمها، ومن صلى بعد الوقت بدون عذر لم يقمها، ومن صلى قبل الوقت لم يقمها، ومن صلى بلا طهارة لم يقمها، المهم إذن لا بد أن يأتي بها بهذه الشروط وأركانها وواجباتها، ويتمم ذلك من مكملاتها، وقوله: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ الصلاة هذه شاملة لإقامة الفريضة والنافلة؛ ولهذا أنت قبل أن تدخل في النافلة ليست النافلة واجبة عليك، لكن إذا دخلت فيها وجب عليك أن تأتي بشروطها وأركانها وواجباتها. ما تقول: أنا بأصلي على ما أبغي (...)، حضرت بين يديه وقلت: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة ٥].
كذلك هنا ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ لو قال: ثم تولوا، صار هذا ليس إلا في بني إسرائيل السابقين، لكن إذا قال: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾، وهو نازل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأيش يشمل؟ حتى الموجودين في عهد الرسول ﷺ ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ يعني: توليتم يا بني إسرائيل من الآن إلى ما سبق، تكون الفائدة هنا هو انتقال الكلام من أسلافهم إلى خلفهم، وفيها أيضًا ثانية: هل أسلافهم كلهم تولوا؟
* طالب: إلا قليلًا.
* الشيخ: إلا قليلًا منهم، حتى الذين في عهد الرسول ما تولوا كلهم أيضًا، فيهم قليل آمنوا بالرسول عليه الصلاة والسلام مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فإنه آمن بالرسول ﷺ، وكثير أيضًا عدة أناس إذا سمعتم فلان القرظي، فإنه من بني قريظة من اليهود أسلموا.
﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ﴾ ﴿تَوَلَّيْتُمْ﴾ أعرضتم عن الوفاء بهذا الميثاق، ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ﴾ يعني: إلا نفرًا قليلًا منكم، و﴿قَلِيلًا﴾ هنا منصوب على أيش؟ على الاستثناء؛ لأنك إذا قلت: قام القوم إلا زيدًا وجب عليك أن تنصب (زيد)، إذا قال القائل: وأيش نصبته؟ نقول: شوف الاستثناء، يجيء واحد يقرأ: قام القوم إلا زيدٌ، قلنا: هذا خطأ، ما يصح في اللغة العربية؛ لأنه في الاستثناء يجب أن يكون منصوبًا إذا كان الكلام تامًّا موجبًا.
﴿إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ توليتم وأنتم معرضون الجملة هنا حالية، يعني: توليتم في إعراض، وذلك أن المتولي قد لا يكون عنده إعراض، قد يتولى ولكن قلبه متعلق بما وراءه، ولكن إذا تولى مع الإعراض، فإنه لا يرجى لتوليه أن يكون يقبل بعد ذلك، وهذا أشد، المتولي المعرض أشد من المتولي غير المعرض، أما فهمتم؟ ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ وهذه الجملة ﴿وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ محلها نصب على الحال من التاء في قوله: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾.
* طالب: أليس معنى التولي الإعراض؟
* الشيخ: لا، التولي معناه ترك الشيء وراء الظهر، لكن إذا قرن معه لا بد أن يفسر؛ لأن الإعراض معناه بالقلب، والتولي بالبدن، يعني معنى التولي لا يمكن أن يؤمل معه الرجوع.
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ يعني: واذكروا: إذ أخذنا ميثاقكم، يذكرهم الله تعالى بالعهود التي أخذها عليهم، ما هذا الميثاق؟ والميثاق تقدم اللي معناه: العهد، لكن ما هو الميثاق الذي حصل والوثيقة؟
أولًا ﴿لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ﴾ السفك والسفح بمعنى واحد، وسفك الدم: إراقته، والمراد بسفك الدم القتل، كما قال الرسول ﷺ في مكة: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا»[[متفق عليه؛ البخاري (١٠٤)، ومسلم (١٣٥٤ / ٤٤٦) من حديث أبي شريح رضي الله عنه.]]، وأيش معنى: «يَسْفِكَ بِهَا دَمًا»؟ يقتل نفسًا محترمة، وقوله: ﴿لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ﴾ أي: لا تريقوها بالقتل، وقوله: ﴿دِمَاءَكُمْ﴾ كيف دماءكم، هو الواحد بيريق دم نفسه؟ دماءكم أي: دماء بعضكم، لكن الأمة الواحدة كالجسد الواحد؛ ولهذا قال الرسول ﷺ: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ»[[أخرجه البخاري (٧٣٠٠)، ومسلم (١٣٧٠ / ٤٦٧) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى «أدناهم»، وبقية الحديث من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عند أبي داود (٢٧٥١).]]، فالأمة الواحدة كأنها جسد واحد مفهوم؟
﴿وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ نفس الشيء ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾ الإنسان ما هو مخرج نفسه من داره، ولكنه يخرج بعضهم، يعني: يخرج قومه. وقوله: ﴿تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ أي: هذا الجلاء، فلا عدوان بقتل ولا عدوان بإجلاء عن الوطن.
ولا شك أن الإجلاء عن الوطن -والعياذ بالله- هو مثل القتل، وربما يكون أشد؛ لأن الإنسان يعيش ذليلًا، ذليلًا إذا أخرج من بلده، يعيش ذليلًا من وجهين: من وجه: أنه غلب على بلده، وهذا ذل، من وجه آخر: أنه صار في البلد الثاني غريبًا، صار غريبًا، ليس عائشًا بينهم؛ لذلك صار إخراج الأنفس من الديار مقارنًا بالقتل ﴿وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾.
﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ ثم بعد هذا الميثاق بقيتم عليه، وأقررتم به، وشهدتم عليه، ولم يكن الإقرار غائبًا عنكم أو منسيًا لديكم، بل هو باق لا زال، وبعد هذا الميثاق والإقرار به والشهادة عليه بعد هذا ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ أيش معنى هؤلاء؟ يعني: يا هؤلاء، وليست خبر المبتدأ، قد يجيء طالب علم مبتدئ بالنحو يقول: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ (أنتم) مبتدأ، و(هؤلاء) خبره، فنقول: لا (أنتم) مبتدأ، و(هؤلاء) منادى حذف منه حرف النداء، يعني: ثم أنتم يا هؤلاء، والخطاب لمن كان في عهد الرسول ﷺ؛ لأنه جرى بينهم حرب، ﴿تَقْتُلُونَ﴾ هي خبر المبتدأ، ﴿تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ خبره هنا جملة ولَّا مفرد؟ ابن مالك وأيش يقول في الألفية؟
* طالب: وخبرًا يأتي ويأتي جملة.
* الشيخ: ؎وَمُفْرَدًا يَأْتِي وَيَأْتِي جُمْلَهْ ∗∗∗ .....................
أتى جملة ﴿تَقْتُلُونَ﴾ خبر مبتدأ وهو جملة، ﴿تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ يعني: يقتل بعضكم بعضًا، ﴿وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ تخرجونهم عن الديار، وهذا وقع بين طوائف اليهود قرب بعثة النبي ﷺ حصل منهم أنهم قتل بعضهم بعضًا، وأخرج بعضهم بعضًا من ديارهم.
ثم قال: ﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ عندي فيها قراءة ﴿تَظَّاهَرُونَ﴾ بتشديد الظاء المبدلة من التاء، وأصل ﴿تَظَّاهَرُونَ﴾ تتظاهرون، وتظَاهرون أي: تعالون؛ لأن الظهور معناه العلو، قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة ٣٣] يعني: ليعليه، وسمي العلو ظهورًا من الظهر؛ لأن ظهر الحيوان أعلاه، فقوله: ﴿تَظَاهَرُونَ﴾ أي: تتعالون عليهم.
﴿بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ الإثم والعدوان، وأيش الفرق بينهما؟ الإثم: المعصية، والعدوان: الاعتداء على الغير، كل عدوان معصية، وليست كل معصية عدوانًا، إلا على النفس، فالرجل الذي –مثلًا- يشرب الدخان هذا عاصٍ، ومعتدٍ.
* طالب: على نفسه.
* الشيخ: على نفسه، دعنا من على نفسه، لكن على غيره لا.
الرجل الذي يقتل معصومًا؟ هذا آثم ومعتد، الذي يخرجه من بلده؟ آثم ومعتد؛ ولهذا قال: ﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ الإثم: المعصية، والعدوان: الاعتداء على الغير بغير حق والجور عليه، فهم -والعياذ بالله- هؤلاء بعد ما أخذ عليهم الميثاق مع الإقرار والشهادة، مع ذلك ما قاموا به، أخرجوا أنفسهم من ديارهم وتظاهروا عليهم بالإثم والعدوان.
إنما هل وجد من هذه الأمة من فعل مثلهم؟ نعم، وجد، وجد تصديقًا لقول الرسول ﷺ: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»[[أخرجه الترمذي (٢١٨٠)، وأحمد (٢١٨٩٧) واللفظ له، من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه، وأخرجه البخاري (٧٣٢٠)، ومسلم (٢٦٦٩)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بلفظ: «لتتبعن سنن من كان قبلكم...».]]، لقد وجد من المسلمين من أخرجوا أنفسهم من ديارهم، ومن قتلوا أنفسهم، يقتل بعضهم بعضًا ويخرج بعضهم بعضًا من دياره.
* الطالب: شيخ، معنى ﴿مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ (من) هذه للتبعيض ولا؟
* الشيخ: لا، هذه للابتداء.
﴿وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ﴾ وفي قراءة: ﴿تَفْدُوهُمْ﴾ ، شوف التناقض: ﴿إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى﴾ يأتوكم ولا يؤتوكم؟ ﴿يَأْتُوكُمْ﴾ يعني: يجيئون إليكم، ﴿أُسَارَى﴾ ويقال: أسرى، لكن ما هي بقراءة، أسارى جمع أسير، والأسير هو الذي استولى عليه عدوه، ولا يلزم أن يأسره بالحبل، ما هو لازم، لكن الغالب أنه يؤسر به، يقول الله لليهود: أنتم الآن تقتلون أنفسكم، وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم، وتتعالون عليهم بالإثم والعدوان، ثم تتناقضون: إذا أتوكم أسارى فديتموهم، يعني: فككتموهم من الأسر بفداء؛ لأنه واجب عليهم هذا، واجب عليهم أن يفدي بعضهم بعضًا، ويزيل بعضهم عن بعض الأذى، فهل هذا إيمان ولَّا لا؟ إيمان ببعض وكفر ببعض؛ ولهذا قال: ﴿وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ﴾ يعني: تفدوهم -المأسورين- وهو محرم عليكم إخراجهم، إخراجهم من أين؟ من ديارهم، فأنتم -والعياذ بالله- ما قمتم بالإيمان بالكتاب كله؛ ولهذا قال: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾؟ والاستفهام هنا للإنكار والتوبيخ، والفاء في قوله: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ﴾ حرف عطف، والمعطوف عليه؟ وين المعطوف عليه؟ من يعرف المعطوف عليه؟
* طالب: محذوف.
* الشيخ: وأيش التقدير؟
* الطالب: يقدر بحسب السياق فهنا (...).
* الشيخ: أتناقضون مثلًا؟
* الطالب: أتناقضون.
* الشيخ: أتناقضون؟ فتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، وفيه وجه آخر للنحويين: إنه ما حاجة أن نقدر معطوفًا عليه، أن نقول: إن الهمزة للاستفهام، والفاء حرف عطف، وفيه تقديم وتأخير والأصل: فأتؤمنون، وهذه الأمثلة مرت علينا كثيرًا، وقلنا لكم: إن هذا أحسن؛ لأنه أسهل؛ لأن التقدير في الحقيقة أحيانًا يعوز الإنسان، أحيانًا ما يدري وأيش الكلمة المناسبة، لكن إذا قلت: الفاء حرف عطف، وهذا الذي ذكرنا في كل همزة يأتي بعدها حرف عطف، فهذا سبيلها أن تجعل الهمزة للاستفهام، والفاء حرف عطف، أو والواو، أو ثم، حسب ما يأتي في الكلام، والمعطوف عليه إما مقدر بحسب السياق، وإما ما سبق، ويكون في الكلام تقديم وتأخير بين حرف العطف وهمزة الاستفهام، إي نعم.
يعني: معناه فأتؤمنون على هذا الوجه، أو أتناقضتم أو أتتناقضون فتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، اللي يناسبكم تنفذونه واللي ما يناسب تتركونه ما تنفذونه، هذا الذي يعبد الله على هذه الطريق، حقيقةً لم يعبد الله وإنما عبد هواه، إذا صار الحكم الشرعي يناسبه قال: أهلًا وسهلًا وعلى العين والرأس، نحكم الكتاب والسنة ونذعن لله ورسوله، وإذا صار الحق عليه أو ما يحبه: والله هذا يحتاج إلى تأويل، أو لعلنا ما فهمنا المعنى، أو لعله ينزل على بعض الحالات، أو يعصي الله مباشرة، يعني: صراحة بدون تأويل وبدون أي شيء، فيه الآن من الأمة من يفعل هكذا؟ فيه، كثيرٌ جدًّا، حتى بعض الناس في نفسه يقول: والله هذا مذهب أبي حنيفة السهل في ها المسألة بيأخذه، يجيء في موضع آخر مذهب أبي حنيفة أشد من مذهب الحنابلة يأخذ بمذهب الحنابلة، يجيء في موضع ثالث مذهب الشافعي أسهل منهم كلهم يأخذ بالمذهب الشافعي، يجيء لمذهب إمام مالك يقول: مالك إمام دار الهجرة، بنأخذ المذهب؛ لأنه أسهل المذاهب، واحد يحب بطنه ويحب الأكل، ومالك معروف أنه يتوسع في المأكولات يقول: جميع الحيوانات حلال إلا أشياء بسيطة، يقول: مذهب مالك هو المذهب الصحيح، ويبدأ يأكل ما هب ودب، ولكنه في مسائل أخرى ما يوافق على هذا، وأيش رأيكم فيه؟
هل هذا مؤمن حقًّا؟ لا؛ لأن اللي بيتبع شريعة الله ما هو يروح يتتبع الرخص، ويأخذ بأقوال أهل العلم إن وافقت هواه، وإلا تركها، يعرف أن هذا العالم أقرب إلى الصواب من هذا العالم يأخذ بقوله، سواء وافق هواه أو خالف هواه، واضح؟ هذا هو الواجب على المسلم، أما (...) كل مسألة يتبع فيها رأي عالم إذا وافقت هواه، حتى ربما عمل بمذهبين في حالين، يكون اللي يناسبه في هذه السنة مذهب فلان يأخذه، واللي يناسبه في السنة الأخرى مذهب فلان، فيأخذ به.
* طالب: في الحج.
* الشيخ: في الحج وغير الحج، إنسان -مثلًا- أكل لحم إبل ومس امرأة لشهوة، فقال: أنا بأخذ المذهب الشافعي في أنه لا ينتقض وضوئي بأكل لحم الإبل، وبأخذ بمذهب من يرى إن مس المرأة لشهوة لا ينقض الوضوء، أو مذهب الحنابلة أن مس المرأة مطلقًا؛ لأن الشافعي يرى أن مس المرأة مطلقًا ينقض الوضوء، لو تلمس يده توضأ، فهذا الرجل صافح امرأة وهز يدها، وكيف أنتِ؟ كيف حالكِ؟ وقال: أنا بأخذ مذهب الحنابلة في عدم نقض الوضوء، وبأخذ بمذهب الشافعي في عدم نقض الوضوء بلحم الإبل وبأصلي، نقول له: صلاتك الآن غير صحيحة، على المذهبين غير صحيحة، أو لا؟ لأن الحنابلة يقولون: صلاتك ما صحت؛ لأنك أكلت لحم الإبل، والشافعي يقول: ما صحت؛ لأنك مسست امرأة، ولكنه هو ما يهمه، ما عليكم أنا حر فيما أخطأت، فنقول له: ليس هذا بصحيح؛ لأن هذا تلاعب بدين الله؛ ولذلك قال بعض العلماء: إن من تتبع الرخص تزندق، المعروف فسق، لكن بعضهم يقولون: تزندق؛ لأن حقيقة الأمر أنه ما أراد الله سبحانه وتعالى بهذه العبادة، هؤلاء يقول الله عنهم: يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، اللي يوافقهم يؤمنون به، واللي ما يوافقهم يكفرون به ويردونه، وهذا ليس دأب العابد لله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ﴿فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ -أعوذ بالله- فما جزاؤه إلا خزي، وين الحجازية ما عملت، كلنا نعرف قرأنا في ألفية ابن مالك أن الحجازية تعمل، والقرآن بلغة الحجاز، النفي انتقض: (فما جزاء) (إلا)؛ لهذا بطل عملها، وابن مالك رحمه الله يقول في الألفية اقرؤوا البيت:
* طالب: ؎إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا دُوْنَ إِنْ ∗∗∗ مَعَ بَقَا الْنَّفْي وَتَــــــرْتِيبٍ زُكِنْ
* الشيخ: ؎إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا دُوْنَ إِنْ ∗∗∗ مَعَ بَقَا الْنَّفْي وَتَــــــرْتِيبٍ زُكِنْ
هنا ما بقي النفي؛ ولذلك ألغي عمله فما جزاؤه، والجزاء والمجازاة والمعاقبة معناهما واحد أو متقارب، والجزاء هو إثابة العامل على عمله، يعني: ما ثوابكم على عملكم هذا إلا خزي في الحياة الدنيا، وأيش معنى الخزي؟ الخزي: الذل -والعياذ بالله- الذل.
﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ ، وفي قراءة أظن القراءة المشهورة ﴿تَعْمَلُونَ﴾ اللي في المصحف، وفيها قراءة: ﴿عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ والله أعلم.
قوله: ﴿بِغَافِلٍ عَمَّا يعملون﴾ هذه صفة سلبية وإلا ثبوتية؟ ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ سلبية ولا ثبوتية؟ ما قلنا: إن صفات الله نوعان سلبية وثبوتية؟ الثبوتية هي التي أثبتها الله لنفسه، والسلبية هي التي نفاها، فهنا ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ﴾ نفي ولا إثبات؟
* طالب: نفي.
* الشيخ: قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ الضمير يعود على من؟
* طالب: على بني إسرائيل.
* الشيخ: نعم، ما معنى الميثاق؟
* الطالب: الميثاق: العهد.
* الشيخ: ما وجه مشابهته للميثاق؟
* الطالب: العهد يعنى كون الله قد أخذ عليهم عهدًا.
* الشيخ: لا من ناحية اللغوية؟
* طالب: لأن العهد يوثق الإنسان ويحجزه عن خارج العهد.
* الشيخ: يعني كما يوثق الإنسان بالرباط وشبهه؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: قوله: ﴿لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ﴾ ما المراد بها؟
* طالب: لا تقتلوا النفس المعصومة.
* الشيخ: المراد بسفك الدماء قتل النفس؟ قوله: ﴿تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ﴾ هو يمكن الواحد يسفك دمه؟
* طالب: (...) لا يقتل (...) نفسه، وإنما يقع على بني إسرائيل.
* الشيخ: لأيش؟ لماذا؟
* الطالب: فإنه من قتل مسلمًا.
* طالب آخر: أي لا يقتل بعضكم بعضًا.
* الشيخ: لكن لأيش قال: تقتل نفسك؟
* طالب: إشارة إلى أن الفرد من الأمة، أن الأمة كالفرد.
* الشيخ: أن الأمة كالفرد كالجسد الواحد، فقتل واحد منهم كأنه قتل لنفسه.
قوله: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ وأيش إعراب ﴿هَؤُلَاءِ﴾؟
* طالب: ثم أنتم يا هؤلاء.
* الشيخ: وأيش إعرابه، وأيش تكون؟
* الطالب: منادى.
* الشيخ: منادى حذفت منه ياء النداء، ما يصح يكون خبر المبتدأ؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: وين خبر المبتدأ؟
* الطالب: ما يصلح أن يكون.
* الشيخ: أين خبره؟
* الطالب: خبره؟
* الشيخ: إي، (أنتم) أين خبره؟
* الطالب: ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾.
* الشيخ: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ﴾ ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾، ما يصلح.
* طالب: جملة ﴿تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾.
* الشيخ: جملة ﴿تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾.
قوله: ﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ﴾ وأيش معناه؟
* طالب: تعالون.
* الشيخ: تعالون، ﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ﴾ كيف معنى تعالون؟
* الطالب: (...) بالاعتداء.
* الشيخ: وقيل: تعينون أيضًا، ﴿تَظَاهَرُونَ﴾ ظاهره: أعانه، تظاهرون عليهم.
قوله: ﴿وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى﴾ وأيش معناها؟
* طالب: أي: أسرى.
* الشيخ: ومعنى ﴿تُفَادُوهُمْ﴾؟
* طالب: يقدمون شيئًا من المال (...).
* الشيخ: هؤلاء الحلفاء الذين هم الأوس والخزرج كانوا عبدة أوثان قبل الإسلام، وكان يكون بينهم حروب وقتال، فيأتي اليهود ويعينون حلفاءهم على قومهم، مثلًا بنو النضير يعينون الخزرج على من؟ على الأوس، ثم تقوم بنو قريظة مع حلفائها الأوس، فيقتل اليهود بعضهم بعضًا مع أنه محرم عليهم في التوراة، ثم إذا أخذ أحد منهم أسير جاؤوا يفدونه، يعني: يأخذونه بفداء، مثلًا إذا أسر الأوس أحدًا من بني النضير طلبوا قدموا فداء له ليأخذوه، فصاروا بذلك متناقضين؛ لأن شوفوا العهد الذي أخذ عليهم: ﴿لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ نقضوا العهد (...) ولَّا لا؟ ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ نقضوا العهد في المسألتين ولَّا لا؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: ﴿وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ﴾ هذه من جملة العهد، يعني: أخذ عليكم العهد أيضًا أنهم إن أسروا وجب عليكم أن تفدوهم، فهمتم؟
ثم قال: ﴿وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ﴾ هذه الجملة عائدة على ما سبق، يعني: تخرجون أنفسكم من دياركم وتظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وهو محرم عليكم إخراجهم، فصاروا الآن يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، كيف يؤمنون؟ في مسألة الفداء يؤمنون به ويفدون، ومسألة قتل النفس والإخراج لا يؤمنون به، فصاروا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فالذي أخذ عليهم الآن ثلاثة عهود، وهو: أن لا يقتلوا أنفسهم، ولا يخرجوها من ديارهم، ويفدوهم، فوفوا بواحد وتركوا اثنين.
وقيل: إن قوله: ﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ أيضًا من جملة العهد، يعني: أنكم لا تظاهرون عليهم، لا تعينون أحدًا عليهم، يعني: أنتم لا تفعلون بأنفسكم ولا تعينون أحدًا، فعلى هذا يكون العهد مشتملًا على أربع فقرات، ونقضوا كم؟ ثلاثًا منها، وآمنوا بواحدة؛ ولهذا وبخهم الله بقوله: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾.
قوله: ﴿فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ﴾ المراد بالجزاء أيش؟ العقوبة ما عقوبته ﴿إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾، الخزي الذي أصابهم في الدنيا واضح جدًّا، في بني قريظة قتلوا –مقاتلتهم- وسبيت نساؤهم وذريتهم، بني النضير أجلوا أجلاهم النبي عليه الصلاة والسلام من ديارهم، كما قال الله تعالى في سورة الحشر: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحشر ٢].
وهذا من الخزي في الدنيا -والعياذ بالله- أما في الآخرة فإنهم لهم العذاب ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾، وبذلك اتضح معنى الآية تمامًا وأنها خطاب لمن؟ بني قريظة وبني النضير، حيث أخذ عليهم العهد في هذه الأمور، ولكنهم وفوا بالبعض وتركوا البعض.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ ﴿أُولَئِكَ﴾ المشار إليه هؤلاء اليهود الذين نقضوا العهد، اشتروا الدنيا بالآخرة، الاشتراء هنا بمعنى الاختيار، يعني: أخذوا الدنيا وبذلوا الآخرة، فالآخرة عندهم مزهود فيها مبيعة، والدنيا مرغوب فيها مشتراة، وما أكثر الذين يشبهون اليهود في وقتنا هذا من المسلمين! ما أكثر الذين يشترون الدنيا بالآخرة على الرغم من كثرة العلم في الوقت الحاضر! لكنه كثر القراء وقل الفقهاء، القراء كثيرون، والعلم كثير، والحجة قائمة، ولكن أكثر الناس يعصون الله سبحانه وتعالى -والعياذ بالله- على بصيرة، يشترون الحياة الدنيا بالآخرة، يقال -مثلًا-: الكذب في البيع والشراء حرام، ولكنهم يكذبون، يقال: الغش حرام، ولكنهم يغشون، يقال: خيانة ولاة الأمور حرام، ولكنهم يخونون، يقال: الولاية على نسائكم يجب أن تتبعوا فيها ما هو أصلح لهم، ولكنهم يتبعون ما هو أصلح لأنفسهم، وعلى هذا فقس، فصار في أمة المسلمين اليوم أناس يشبهون هؤلاء اليهود في كونهم اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، زهدوا في الآخرة ولا كأنها شيء، ولكنهم عضوا على الدنيا بالنواجذ، نسأل الله السلامة وأن يهدينا وإياهم.
وقوله: ﴿الدُّنْيَا﴾ ﴿الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ وصفت هذه الحياة بالدنيا و﴿الدُّنْيَا﴾ اسم تفضيل.
* طالب: لا.
* الشيخ: لا؟ اسم تفضيل، مذكره أدنى، يقال: رجل أدنى، وامرأة دنيا، من الدنو، سواء كان هذا الدنو دنو المنزلة أو دنو الزمن، فالدنيا في الحقيقة تتصف بدنوين: دنو الزمن؛ لأنها سابقة للآخرة ولَّا لا؟ أين الأول؟ الدنيا، فهي أقرب، ودنو المرتبة والمنزلة، كقوله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧].
ومعنى قولنا: اسم تفضيل ما هو المعنى أن فيها فضل يعني، لا، اسم تفضيل من جهة الوزن الصرفي؛ لأن الميزان الصرفي لهم ميزان يسمونه اسم التفضيل.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: الدنيا الحقيرة، أنت فهمت معنى غير اللي أنا أريد.
وقوله: ﴿بِالْآخِرَةِ﴾ الباء هذه للبدل، وهي تدخل دائمًا على الثمن ولا على المثمن؟
* طالب: على المثمن.
* الشيخ: لا، على الثمن يا أخي، الباء تدخل على الثمن، اشتريت الثوب بدينار، إذن الثمن عندهم الآخرة مبذول، والمثمن الدنيا.
وقوله: ﴿بِالْآخِرَةِ﴾ هي الحياة الآخرة، والحياة الآخرة هي كما قال الله عز وجل هي: ﴿الْحَيَوَانُ﴾ [العنكبوت ٦٤] الدنيا حياة، والآخرة حيوان، ومعنى ﴿الْحَيَوَانُ﴾ الحياة الكاملة؛ ولهذا جاءت على هذا الوزن بالألف والنون للدلالة على أنها كاملة، أكمل ما يكون هي حياة الآخرة.
قال: ﴿فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ -أعوذ بالله- ﴿لَا يُخَفَّفُ﴾ يعني: لا يهون، لا زمنًا، ولا شدة وقوة، وهل أحد يدفع عنهم؟ ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ يمنعون من عذاب الله، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ [غافر ٤٩] -أعوذ بالله- يائسون، ما قالوا: يخرجنا من النار، ﴿يُخَفِّفْ عَنَّا﴾، ولا قالوا: يخفف عنا دائمًا ﴿يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ -أعوذ بالله- يتمنون أن العذاب يخفف عنهم يومًا واحدًا من أين؟ مما لا نهاية له، أبد والعياذ بالله، يتمنون أنهم يذوقون التخفيف ولو يومًا واحدًا من الأبدي السرمدي -والعياذ بالله- ولكن ذلك لا يحصل لهم فيقال لهم: ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا﴾ [غافر ٥٠] بينفعهم ولَّا لا؟ ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ ما هو نافعهم، والعياذ بالله.
إذن هنا يقول: ﴿فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ أبدًا ولَّا في بعض الأحيان؟ أبدًا ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾، وما أعظم الأمر لو أن القلوب وعيت ولكن أكثر القلوب في غفلة، نسأل الله أن يوقظ قلوبنا وإياكم.
* طالب: ﴿وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾، ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ﴾
* الشيخ: هذا مبتدأ الفوائد.
* يستفاد من هذه الآية: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ﴾ أن اليهود يقرون بالآخرة وأن هناك نارًا؛ لقولهم: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾.
* الفائدة الثانية: أنهم قالوا على الله ما لا يعلمون، إما كذبًا وإما جهلًا، والأقرب أنه كذب، وأنها دعاوي باطلة يقولون: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾.
* الفائدة الثالثة: حسن مجادلة القرآن؛ لأنه حصر هذه الدعوى بواحد من أمرين وكلاهما منتفٍ ﴿أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا﴾ ﴿أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ وهذا طبعًا على القول بأن (أم) هنا متصلة ولَّا منقطعة؟
* طالب: متصلة.
* الشيخ: على القول بأنها متصلة، أما على القول بأنها منقطعة، فإنه ليس فيها إلا إلزام واحد وهي ﴿أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ﴾، وعلى كل حال ففيها حسن مجادلة القرآن.
* الفائدة الرابعة: أن الله سبحانه وتعالى لن يخلف وعده، فهمتم؟ وكونه لا يخلف الوعد يتضمن صفتين عظيمتين هما: الصدق، والقدرة؛ لأن مخلف الوعد إما لكذب وإما لعجز، فقول الله جل وعلا: ﴿لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ دليل على كمال صدقه وكمال قدرته.
وقوله: ﴿وَعْدَهُ﴾ لكن هل يخلف وعيده؟
* طالب: قد يغفر.
* الشيخ: إي، قد يغفره، لكن هذا كمال ومدح، قال الشاعر: ؎وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ∗∗∗ لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ، أوعدته: في الشر، ووعدته: في الخير؛ ولهذا قال
لَمُخْلِفٌ إِيعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِي.
فالله تبارك وتعالى قد يعفو ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨].
هنا وعد ولا وعيد؟ وعد؛ يعني لو كان اليهود ما تمسهم النار إلا أيامًا معدودة ثم (...) منها هذا وعد.
* الفائدة الخامسة: أن من دأب اليهود القول على الله بلا علم؛ لقوله: ﴿أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
والقول على الله -كما سبق في التفسير- يتضمن القول عليه في أحكامه وفي ذاته وصفاته، فهمتم؟ من قال عليه بما لا يعلم، يعني: حلل أو حرم، فقد قال على الله بلا علم، ومن قال شيئًا من أسمائه وصفاته، فقد قال على الله بلا علم، من قال: المراد باليد القدرة، فقد قال على الله ما لا يعلم، من قال لك: إنها القدرة؟ اليد تحتمل القدرة، وتحتمل اليد الحقيقية، وتحتمل النعمة، فمن قال لك: إن الله أراد بها القدرة أو القوة؟ فيكون من قال ذلك قد قال على الله بلا علم.
{"ayahs_start":79,"ayahs":["فَوَیۡلࣱ لِّلَّذِینَ یَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِأَیۡدِیهِمۡ ثُمَّ یَقُولُونَ هَـٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِیَشۡتَرُوا۟ بِهِۦ ثَمَنࣰا قَلِیلࣰاۖ فَوَیۡلࣱ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَیۡدِیهِمۡ وَوَیۡلࣱ لَّهُم مِّمَّا یَكۡسِبُونَ","وَقَالُوا۟ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّاۤ أَیَّامࣰا مَّعۡدُودَةࣰۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدࣰا فَلَن یُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥۤۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ","بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَیِّئَةࣰ وَأَحَـٰطَتۡ بِهِۦ خَطِیۤـَٔتُهُۥ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ","وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ","وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ إِحۡسَانࣰا وَذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَقُولُوا۟ لِلنَّاسِ حُسۡنࣰا وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّیۡتُمۡ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ","وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَاۤءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ","ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِیقࣰا مِّنكُم مِّن دِیَـٰرِهِمۡ تَظَـٰهَرُونَ عَلَیۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِ وَإِن یَأۡتُوكُمۡ أُسَـٰرَىٰ تُفَـٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَیۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضࣲۚ فَمَا جَزَاۤءُ مَن یَفۡعَلُ ذَ ٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡیࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یُرَدُّونَ إِلَىٰۤ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ ٱشۡتَرَوُا۟ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا بِٱلۡـَٔاخِرَةِۖ فَلَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنصَرُونَ"],"ayah":"فَوَیۡلࣱ لِّلَّذِینَ یَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِأَیۡدِیهِمۡ ثُمَّ یَقُولُونَ هَـٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِیَشۡتَرُوا۟ بِهِۦ ثَمَنࣰا قَلِیلࣰاۖ فَوَیۡلࣱ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَیۡدِیهِمۡ وَوَیۡلࣱ لَّهُم مِّمَّا یَكۡسِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق