الباحث القرآني

فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ: "فَوَيْلٌ" اخْتُلِفَ فِي الْوَيْلِ [[قال أبو حيان في البحر المحيط بعد أن ذكر الأقوال التي وردت في معنى الويل: "لو صح في التفسير الويل شي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لوجب المصير إليه، وقد تكلمت العرب في نظمها ونثرها بلفظ الويل قبل أن يجئ القرآن ولم تطلقه على شي من هذا التفاسير، وإنما مدلوله ما فسره به أهل اللغة".]] مَا هُوَ، فَرَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ. وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ الْوَيْلَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ بين جَبَلَيْنِ يَهْوِي فِيهِ الْهَاوِي أَرْبَعِينَ خَرِيفًا. وَرَوَى سُفْيَانُ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: إِنَّ الْوَيْلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَادٍ يَجْرِي بِفِنَاءِ جَهَنَّمَ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ. وَقِيلَ: صِهْرِيجٌ فِي جَهَنَّمَ. وَحَكَى الزَّهْرَاوِيُّ عَنْ آخَرِينَ: أَنَّهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْوَيْلُ الْمَشَقَّةُ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْوَيْلُ شِدَّةُ الشَّرِّ [[كذا في نسخ الأصل، وكتاب البحر لابي حيان.]]. الأصمعي: الويل تفجع، والويح ترحم. سِيبَوَيْهِ: وَيْلٌ لِمَنْ وَقَعَ فِي الْهَلَكَةِ، وَوَيْحٌ زَجْرٌ لِمَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَكَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَيْلُ الْحُزْنُ، يُقَالُ: تَوَيَّلَ الرَّجُلُ إِذَا دَعَا بِالْوَيْلِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحُزْنِ وَالْمَكْرُوهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ، "فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ". وَقِيلَ: أَصْلُهُ الْهَلَكَةُ، وَكُلُّ مَنْ وَقَعَ فِي هلكة دعا بالويل، ومنه قوله تعالى:" يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ [[راجع ج ١٠ ص ٤١٨]] ". وَهِيَ الْوَيْلُ وَالْوَيْلَةُ، وَهُمَا الْهَلَكَةُ، وَالْجَمْعُ الْوَيْلَاتُ، قَالَ: لَهُ الْوَيْلُ إِنْ أَمْسَى وَلَا أُمَّ هَاشِمٍ وَقَالَ أَيْضًا: فَقَالَتْ لك الويلات إنك مرجلى وارتفع "فَوَيْلٌ" بِالِابْتِدَاءِ، وَجَازَ الِابْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الدُّعَاءِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ أَلْزَمَهُمُ اللَّهُ وَيْلًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْأَصْلُ فِي الْوَيْلِ "وَيْ" أَيْ حُزْنٌ، كَمَا تَقُولُ: وَيْ لِفُلَانٍ، أَيْ حُزْنٌ لَهُ، فَوَصَلَتْهُ الْعَرَبُ بِاللَّامِ وَقَدَّرُوهَا مِنْهُ فَأَعْرَبُوهَا. وَالْأَحْسَنُ فِيهِ إِذَا فُصِلَ عَنِ الْإِضَافَةِ الرَّفْعُ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ. وَيَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ، كَمَا ذَكَرْنَا. قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَمْ يُسْمَعْ عَلَى بِنَائِهِ إِلَّا وَيْحُ وَوَيْسُ وَوَيْهُ وَوَيْكُ وَوَيْلُ وَوَيْبُ، وَكُلُّهُ يَتَقَارَبُ فِي الْمَعْنَى. وقد فرق بينها انتصاب المصادر ويله وعوله وويحه وويسه، إذا أَدْخَلْتَ اللَّامَ رَفَعْتَ فَقُلْتَ: وَيْلٌ لَهُ، وَوَيْحٌ له. الثانية- قوله تعالى: "لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ" الكأبة مَعْرُوفَةٌ. وَأَوَّلُ مَنْ كَتَبَ بِالْقَلَمِ وَخَطَّ بِهِ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَجَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، خَرَّجَهُ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُعْطِيَ الْخَطَّ فَصَارَ وراثة في ولده. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿بِأَيْدِيهِمْ﴾ تَأْكِيدٌ، فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكَتْبَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْيَدِ، فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: "وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ"، وَقَوْلِهِ "يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ" وَقِيلَ: فَائِدَةُ "بِأَيْدِيهِمْ" بَيَانٌ لِجُرْمِهِمْ وَإِثْبَاتٌ لِمُجَاهَرَتِهِمْ، فَإِنَّ مَنْ تَوَلَّى الْفِعْلَ أَشَدُّ مُوَاقَعَةً مِمَّنْ لَمْ يَتَوَلَّهُ وَإِنْ كَانَ رَأْيًا لَهُ. وَقَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: "بِأَيْدِيهِمْ" كِنَايَةٌ عَنْ أَنَّهُمْ مِنْ تِلْقَائِهِمْ دُونَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَقِيقَةً فِي كَتْبِ أَيْدِيهِمْ. الرَّابِعَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا التَّحْذِيرُ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالزِّيَادَةِ فِي الشَّرْعِ، فَكُلُّ مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ أَوِ ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُمَّتَهُ لَمَّا قَدْ عَلِمَ مَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَقَالَ: (أَلَا مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً) الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي. فَحَذَّرَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ فِي الدِّينِ خِلَافَ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّتِهِ أَوْ سُنَّةِ أَصْحَابِهِ فَيُضِلُّوا به الناس، وقد وقع ما حدره وشاع،. كثر وَذَاعَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. الْخَامِسَةُ- قوله تعالى: "لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا" وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَأْخُذُونَهُ بِالْقِلَّةِ، إِمَّا لِفَنَائِهِ وَعَدَمِ ثَبَاتِهِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ حَرَامًا، لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا بَرَكَةَ فِيهِ وَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ: كَانَتْ صِفَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي كِتَابِهِمْ رَبْعَةً أَسْمَرَ، فَجَعَلُوهُ آدَمَ سَبْطًا طَوِيلًا، وَقَالُوا لِأَصْحَابِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمُ: انْظُرُوا إِلَى صِفَةِ النَّبِيِّ- ﷺ- الَّذِي يُبْعَثُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَيْسَ يشبهه نعت هذا، وكانت للأحبار والعلماء رئاسة وَمَكَاسِبُ، فَخَافُوا إِنْ بَيَّنُوا أَنْ تَذْهَبَ مَآكِلُهُمْ ورئاستهم، فَمِنْ ثَمَّ غَيَّرُوا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: "فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ" قِيلَ مِنَ الْمَآكِلِ. وَقِيلَ مِنَ الْمَعَاصِي. وكرر الويل تغليظا لفعلهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب