﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ ٢٧٧ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَذَرُوا۟ مَا بَقِیَ مِنَ ٱلرِّبَوٰۤا۟ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ ٢٧٨ فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُوا۟ فَأۡذَنُوا۟ بِحَرۡبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَإِن تُبۡتُمۡ فَلَكُمۡ رُءُوسُ أَمۡوَ ٰلِكُمۡ لَا تَظۡلِمُونَ وَلَا تُظۡلَمُونَ ٢٧٩ وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةࣲ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَیۡسَرَةࣲۚ وَأَن تَصَدَّقُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٢٨٠﴾ [البقرة ٢٧٧-٢٨٠]
.. والحساب لهلك ما بقي عنده شيء؛ لأن نِعمة واحدة من نعم الله تحيط بكل الأعمال، أوجب الله عز وجل الإنظار، إنظار من كان معسرًا عكس ما كانوا يفعلون في الجاهلية أن المعسِر يُزاد عليه في الدَّين أو يلزم بالتسديد، فقال:
﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾. وقوله:
﴿إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ وإن كانت مجهولة لكن هذا هو الواقع؛ لأنه ما دام معسرًا فسبب الإنظار موجود، أو فسبب وجوب الإنظار موجود فلا يجوز مطالبته ولا طلب الدين منه.
ثم قال الله تعالى:
﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ﴿تَصَدَّقُوا﴾ بماذا؟ قيل: بالإنظار، ولكن فيه نظر، وقيل: بالإبراء يعني أن تعفوا عن الدَّين خير لكم، وهذا هو الصحيح، يكون معنى
﴿أَنْ تَصَدَّقُو﴾ بماذا؟ بإبراء المدِين من دينه خير لكم من إنظاره؛ لأنكم إذا أبرأتموه برئت ذمته، وإذا أنظرتموه فذمته مشغولة، لكنه أُمهل حتى يُوسر، ومعلوم أن الأول أوْلى وأرفق بالمدِين وهو الإبراء، وإنما كان خيرًا للسبب الذي ذكرناه وهو إبراء ذمة المدِين، فإبراء ذمته حتى يبقى سليمًا من الدَّين خير من إنظاره مع بقاء الدَّين.
ثم قال:
﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ هذه الجملة الشرطية مُستقلة يراد بها الحث، وقلت: مستقلة يعني أنها لا توصل بما قبلها؛ لأنها لو وصلت بما قبلها لأوهم معنى فاسدًا، أوهم أن التصدُّق خير لنا إن كنا نعلم فإن لم نكن نعلم فليس خيرًا لنا، ولا شك أن هذا معنى فاسد لا يُراد بالآية، لكن المعنى (...)
* ومن فوائدها: كمال نعيم هؤلاء في الجنة لقوله: ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، لا خوف مما يستقبل ولا حزن على ما مضى.
* ومن فوائدها أيضًا: أن هؤلاء السادة الكرام إنما بنوا عملهم على عقيدة وهي الإيمان ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، ولهذا كلما تحقق الإيمان في قلب العبد صلحت أعماله، أو صارت أعماله أصلح، وكلما ضعف الإيمان في قلب العبد صارت أعماله أسوأ، ولو أننا انتبهنا لهذا وجعلنا الأعمال الصالحة مقاييس لما في قلوبنا لحصلنا خيرًا كثيرًا، إذا قلنا: أعمالنا الآن ما مدى صلاحها؟ هل هي على أكمل شيء أو لا؟ إن كانت على أكمل شيء بقدر المستطاع فهو دليل على أن قلوبنا فيها إيمان، هذا كمال الإيمان، وإن كان فيها نقص فالإيمان في القلب ناقص، بدل من أنك تذهب تتأمل في قلبك وتفكر عندك ميزان ظاهر وهو العمل كلما أكملته فإيمانك أكمل، وكلما ضعف فإيمانك ضعيف، ويشهد لهذا الميزان قول النبي عليه الصلاة والسلام: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»(١) » ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ قلنا: إنها من باب الصفات أيش؟
* الطلبة: السلبية.
* الشيخ: السلبية، والصفات السلبية تكون لكمال ضدها، إذن أهل الجنة في غاية ما يكون من كمال النعيم لا يحزنون على شيء مضى، ولا يخافون من شيء مستقبل، نعيم الدنيا وأيش يكون فيه؟
* الطلبة: على العكس.
* الشيخ: على العكس، محفوف بحزن على ما سبق وخوف مما يلحق، فقارن بين النعيمين وما هي إلا ساعة ثم تنقضي. يقول الله تبارك وتعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة ٢٧٧] ما مناسبة هذه الآية لما قبلها؟
* الطالب: أن القرآن مثاني، مثاني في المعاني، فالله سبحانه وتعالى إذا ذكر معنًى عاقبه بما يضاده أو يقابله، فلما ذكر حال أهل الشر العاصين ذكر حال أهل الطاعة الطيبين.
* الشيخ: لا.
* الطالب: لما ذكر الذين يأكلون الربا وأنهم يقولون: إنما البيع مثل الربا ذكر الذين يعملون الصالحات ويتصدقون بأموالهم.
* الشيخ: نعم، صحيح، لما ذكر الربا وهو أساسه الظلم وأكل المال بالباطل عاقبه بذكر الإيمان والعمل الصالح وإيتاء الزكاة، طيب في هذه الآية أربعة أوصاف ذكرها الله عز وجل ما هي؟
* الطالب: أولًا: الإيمان، والعمل الصالح، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة.
* الشيخ: إيتاء الزكاة، لو قال قائل: إقام الصلاة من عمل الصالحات (...) الزكاة فيها مفعول محذوف. قسموا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة هادول يحزنون كيف ما عملنا؟ لأيش ما عملنا؟ يقول ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ [المؤمنون ٩٩، ١٠٠] لكن هؤلاء لا يحزنون؛ لأنهم ربحوا دنياهم في الواقع فيحزن على أي شيء؟ كذلك لا يحزن على أن غيره أعلى منه منزلة في الجنة، فلا يحزن يقول: ليتني عامل مثل هذا العمل لأجل أن أنال درجته؛ لأن كل واحد قد رضي بما هو فيه من النعيم، كما قال تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾ [الكهف ١٠٨] أما النفي هنا فهو صفة سلبية يراد بها ثبوت كمال الضد، وهو كمال النعيم الذي ليس فيه خوف مما يُستقبل ولا حزن على ما مضى. ثم قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
أولًا: تصدير الخطاب بالنداء يدل على الاعتناء به، لماذا؟ لأن النداء يفيد التنبيه، والتنبيه على خطاب سيُلقى يدل على الاهتمام بهذا الخطاب والعناية به، ثم توجيه النداء إلى المؤمنين يدل على أن هذا الشيء من مقتضيات الإيمان، وأن مخالفته نقص في الإيمان، ثم إن توجيهه أيضًا بلفظ الإيمان يفيد الإغراء، إغراء المخاطب لامتثال ما وُجِّه إليه، يفيد إغراءه لامتثال ما وُجِّه إليه كما لو قلت لك: أيها الرجل، افعل كذا وكذا، يعني أنني أغريك فتذكُر أنك رجل فتأخذك الشهامة فتفعل، كذلك هذا إذا قيل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يذكر أنه مؤمن فيحمله إيمانه على أيش؟ على الامتثال والفعل إن كان أمرًا أو الترك إن كان نهيًا.
طيب فصار عندنا الآن مبحثان: المبحث الأول: تصدير الخطاب بالنداء يدل على الاهتمام به والعناية؛ لأن النداء للتنبيه، والتنبيه المقدم بين يدي الخطاب يدل على أهمية الخطاب، توجيهه للمؤمنين يُقصد به أيش؟ الإغراء والحث؛ يعني يا أيها الذين آمنوا بصفتكم مؤمنين افعلوا كذا وكذا، يدل أيضًا على أن مخالفته نقص في الإيمان، والقيام به كمال في الإيمان، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه:
«إِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ، فَإِمَّا خَيْرٌ تُؤْمَرُ بِهِ وَإِمَّا شَرٌّ تُنْهَى عَنْهُ(٢) »، يقول:
﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ والتقوى مأخوذة من الوِقاية، وهي اتخاذ ما يقي من عذاب الله، ولا شيء يقي من عذاب الله إلا امتثال أمره واجتناب نهيه، وقد اختلفت عبارات المفسرين في معنى التقوى، ولكن كل المعاني ترجع إلى هذا المعنى الذي ذكرنا وهو: امتثال أمر الله واجتناب نهيه؛ لأن به الوقاية من عذاب الله سبحانه وتعالى.
﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ وجه الخطاب إليهم بوصف الإيمان وأمرهم بالتقوى مما يدل على أن التقوى من مقتضيات الإيمان، وأن كل مؤمن حقًّا فلا بد أن يتقي الله عز وجل؛ لأن الإيمان إذا وقر في القلب صدقته الأعمال، وظهرت آثار ذلك على الجوارح، وعُرف الإنسان بإيمانه من تقواه.
وقوله:
﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي احذروا عقابه كما قال الله تعالى:
﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران ٢٨]، والإنسان يجب عليه أن يحذر من عقاب الله عز وجل، وإذا حذر من عقاب الله اجتنب النواهي، ويجب عليه أن يرغب فيما عند الله من الثواب، وإذا رغب في الثواب فعل أيش؟
* الطلبة: الأوامر.
* الشيخ: الأوامر؛ لأن الأوامر عليها جزاء وثواب، فالترغيب فيها يحدو المرء إلى أن يقوم بها، والنواهي عليها عقاب، فالحذر منها يوجب للإنسان أن يبتعد عنها. ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ و﴿اللَّهَ﴾ اسم عَلَم على الرب عز وجل، لا يُسمَّى به غيره، وهو أعرف المعارف على الإطلاق؛ لأن الله متى ذكر لا ينصرف الذهن إلا إلى الخالق عز وجل، ولهذا قالوا إنه أعرف المعارف؛ لأنه لا يشاركه أحد في هذه العلمية، لكن زيد وعمرو وبكر وخالد عَلَم لا شك ومعرفة إلا أنه يُشارَك في ذلك، أما هذا الاسم الجليل فإنه لا يشاركه أحد في مسماه.قالوا: والأصل في كلمة
﴿اللَّهَ﴾ الإله، لكن حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال كما حذفت الهمزة في الناس، وأصلها (الأناس)، وحذفت شر في وخير من قولهم: فلان خير من فلان وفلان شر من فلان، أي أخْيَر وأشَرّ،
﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ واختلف اللغويون هل هذا الاسم مشتق ولّا جامد؛ والصواب بلا ريب أنه مشتق، وأن جميع أسماء الله عز وجل تتضمن المعنى الذي اشتقت منه، فالسميع يتضمن السمع، والعليم يتضمن العِلم، والله يتضمن الألوهية، وهكذا ليس في أسماء الله تعالى اسم جامد لا يدل على معنى أبدًا، فالصواب أنه مشتق.
إذا قلنا: إنه مشتق وأصله الإله فما معنى الإله؟ الإله عند المتكلمين هو القادر على الاختراع، هذا الإله عند المتكلمين الذين يتسمَّون بالعقلاء، ومعلوم أننا إذا قلنا بهذا التفسير لم نخرج بتوحيدنا عن توحيد المشركين؛ لأن المشركين يقولون: لا إله إلا الله، فإذا قلنا: (إله) بمعنى قادر على الاختراع صار معنى كلمة التوحيد: لا قادر على الاختراع إلا الله، وهل هذا توحيد ينجي من النار ويعصم دم الإنسان وماله وأهله؟
إذا قلنا: لا إله إلا الله؛ أي لا قادر على الاختراع إلا الله؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا؛ لأن المشركين يقرون بذلك، ومع هذا فهم مشركون مباحو الدم والمال والذرية، ولم يُدخلهم هذا التوحيد في الإسلام، فهذا التفسير بلا شك تفسير باطل، فليس معنى الإله القادر على الاختراع وإلا لكانت كلمة الإخلاص معناها أيش؟
* الطلبة: غير قادر.
* الشيخ: لا قادر على الاختراع إلا الله، وهذا التوحيد هو توحيد المشركين تمامًا، ولكن معنى (إله) أي مألوه، فإله بمعنى مألوه؛ فهي (فِعال) بمعنى (مفعول)، ونحن نعرف أن اللغة العربية يأتي فيها (فِعال) بمعنى (مفعول) في مواضع كثيرة، مثل: غِراس وبِناء وفِراش، كلها بمعنى مَغروس ومَبني ومَفروش، فمعنى لا إله إلا الله أي لا مألوه إلا الله، إذن الله بمعنى المألوه؛ أي المعبود، المعبود حُبًّا وتعظيمًا، فلحبه نقوم بأوامره ولتعظيمه ندع نواهيه. ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ شوف
﴿ذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ ترك ما بقي من الربا لا شك أنه من تقوى الله، لكن هذا من باب عطف الخاص على العام اعتناءً به، وإلا فهو من تقوى الله، لكن قدَّم الأمر بتقوى الله على الأمر بترك ما بقي من الربا ليكون الإنسان متهيئًا لقبول الأمر بترك ما بقي من الربا؛ لأنه إذا ورد عليه:
﴿ذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ بعد قوله:
﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ ورد على نفس مستعدة متهيئة لقبول ما تُؤمر به بعد ذلك، وقوله:
﴿ذَرُوا﴾ بمعنى اتركوا.
﴿مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ يعني إذا كان لكم معاملة ربوية وإلى الآن لم تقبضوا الربا فالواجب عليكم ترْك ما بقي من الربا أن تدعوا ما بقي من الربا، والربا في الأصل مر علينا أن الربا في الأصل الزيادة والنمو، ومنه قوله تعالى:
﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ [الحج ٥] أي زادت وعلت وارتفعت، وفي الشرع: تفاضل بين شيئين يحرم فيهما التفاضل أو نسأ في شيئين يحرم فيهما النَّسأ، فليس كل تفاضل ربًا وليس كل نَساء ربا، فلو أبدلت سيارتين بواحدة فليس بربا، ولو أبدلت سيارة بسيارة إلى أجل فليس بربا؛ لأن الربا إنما هو في أشياء مخصوصة خصَّها الشارع، وسبقت لنا.
قال:
﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ هذا أيضًا من باب الإغراء مرة أخرى، يعني إن كنتم مؤمنين حقًّا فدعوا ما بقي من الربا، وهذه الجملة يقصد بها الإغراء والإثارة، إغراء الشخص وإثارته، إن كنت مؤمنًا حقًّا فدع الربا، فإن قلت: كيف يوجه الخطاب إلى المؤمنين ويقول:
﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾؟ أفلا يكون في هذا تناقض؟
الجواب: لا؛ لأن معنى الثانية التحدي وليست الشرطية المطلقة أي إن كنت صادقًا في إيمانك فاتقِ الله وذر ما بقي من الربا. واضح؟
وقوله:
﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ سبق لنا أن الإيمان عند كثير من العلماء بمعنى التصديق، والصحيح أنه أخص من التصديق فهو إيمان بإقرار وقبول وإذعان، قالوا: والفرق بين (آمن له(، و(آمن به) أن الإيمان له إيمان بالمخبِر، والإيمان به إيمان بالمخبَر به، فإذا قلت: آمنت لفلان؛ أي صدقته فيما أخبر به، وإذا قلت: آمنت بكذا وكذا؛ أي صدقت بهذا الشيء بما أُخبر عنه، فتعديه باللام بالنسبة لمن؟
* الطلبة: للمخبِر.
* الشيخ: بالنسبة للمخبِر، وبالباء بالنسبة للمخبَر به، هذا هو الفرق بين: آمن له، وآمن به، لكن هنا ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ لله ولَّا بالله؟
* الطلبة: بالله.
* الشيخ: بالله لأن الله أخبر عن صفاته عز وجل، فالإيمان به إيمان به بما أخبر به عن ذاته وعن صفاته.
* في هذه الآية الكريمة عدة فوائد: أولًا: بلوغ القرآن الغاية في البلاغة، وذلك لأن الكلام في القرآن يأتي دائمًا مطابقًا لمقتضى الحال، فإذا كان الشيء مهمًّا أحاطه بالكلمات المثيرة التي تجعل النفوس قابلة لذلك، وهذا غاية ما يكون من البلاغة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا»(٣) ».
* من فوائد الآية الكريمة: أن تصدير الخطاب بالنداء يفيد التنبه والتلقي له لقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
* ومن فوائدها: أنه ينبغي للمتكلم أن يوجِّه الخطاب على وجه يثير المخاطَب ويحمِّسه للقبول والانقياد لقوله هنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب تقوى الله لقوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ والتقوى وصية الله سبحانه وتعالى لعباده الأوَّلين والآخرين، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء ١٣١] فإن قلت: هل هناك فرق بين التقوى وبين البر؟ فالجواب: إن ذُكِرا جميعًا فبينهما فرق، وإن افترقا فهما واحد يتفقان، فـ ﴿تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة ٢] يفسر البر بفعل الطاعات والتقوى بترك المحرمات، وإذا جاءت التقوى مُفردة تعُم هذا وهذا، وإذا جاء البِر مطلقًا يعُم هذا وهذا، يعُم التقوى بالتضمن؛ لأننا إذا أُمرنا بفعل الخير فلازم ذلك أو مقتضى ذلك ترك الشر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب ترك الربا وإن كان قد تم العقد عليه لقوله: ﴿ذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ وهذا في عقد استُوفي بعضه وبقي بعضه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يجوز تنفيذ العقود المحرمة في الإسلام وإن عُقدت في حال الشرك لقوله: ﴿ذَرُوا مَا بَقِيَ﴾ وإلا لو نفَّذنا العقود التي كانت في الشرك مع تحريمها في الإسلام لكان ما بقي من الربا جائزًا، ولكن يجب أن نعلم أن العقود التي مضت ولم يكن سبب تحريمها قائمًا الآن فإنها أيش؟ تنفذ على ما مضى ولا تُبطل، لو أنهما باعا بيعًا محرمًا في حال الكفر ثم أسلما عليه وسبب المانع غير قائم الآن فإنه يمضي على ما مضى عليه حتى لو كان ربًا، لو تعاقدا عقد ربا وهما كافران ثم استوفياه فإن ذلك يمضي وينفذ لقوله تعالى فيما سبق: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾، ولو عقد الكافر على امرأة معتدة ثم أسلما وقد انقضت العدة ها؟
* الطلبة: صحيح.
* الشيخ: فالنكاح صحيح، ولو تزوج أخت زوجته، ثم ماتت الزوجة الأولى وأسلم فالنكاح باقٍ، ولو تزوج أخته ثم أسلم؟
* الطلبة: يفرق بينهما.
* الشيخ: يفرق بينهما؛ لأن سبب التحريم قائم. إذن نستفيد من الآية الكريمة أنه إذا أسلم الإنسان على شيء محرّم، وسبب التحريم قائم وجب إلغاؤه لقوله تعالى: ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم أخذ ما يسمى بالفوائد من البنوك لقوله: ﴿ذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ وزعم بعض الناس أن الفوائد من البنوك تُؤخذ لئلا يستعين بها البنك على الربا، وإذا كان البنك بنك كفار فلئلا يستعين بها على الكفر. عرفت؟ فنقول: أأنتم أعلم أم الله؟ والاستحسان في مقابلة النص باطل، إذا كان الله يقول: ﴿ذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ ولم يقل: خذوه فتصدقوا به، فإنه يجب علينا أن نذر ما بقي من الربا، أن ندعه.فإن قال قائل: إذا كان البنك بنكًا غير إسلامي بنك كفار وتركناه له صرفوه إلى الكنائس وإلى السلاح الذي يُقاتَل به المسلمون، أو أبقوه عندهم ونما به رِباهم فما الجواب؟ نقول: إننا مخاطبون بشيء، فالواجب علينا أن نقوم بما خُوطبنا به، والنتائج ليست إلينا، إذا كان الله يقول:
﴿ذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ نذره، كونهم يصرفونه إلى كذا أو إلى كذا، أو تنمو به أموالهم هذا ليس إلينا، ثم إننا نقول: هل هذه الفائدة التي يسمونها فائدة هل صحيح أنها فائدة من أموالنا؟ الجواب: لا، قد يكون المال الذي أعطيته إياه قد لا يربح، قد يتلف، فهذا الذي يعطيك ليس هو نماء مالك، حتى تقول: والله هذا نماء مالي أبي آخذه، أريد أن آخذه وأتصدق به تخلصًا منه، نقول: من يقول إن هذا نماء مالك قد يكون مالك الخاص اشتروا به شيئًا فخسروا أو احترق، ثم هو ليس نماء مالك أيضًا من جهة أن نماء مالك لا يكون محددًا بل هو قابل للزيادة وقابل للنقص، فليس هو فائدة مالك حتى تقول: والله إني أخشى أن آثم إذا أبقيته عندهم يصرفونه إلى ما حرم الله.
ثم إننا نقول: إذا أخذته فأين تصرفه؟ قال: أصرفه في صدقة، في إصلاح طرق، في بناء مساجد تخلصًا منه، أو تقربًا به، نقول له: إن فعلت ذلك تقربًا لم يُقبل منك ولم تَسلم من إثمه؛ لأنك صرفته في هذه الحال على أنه ملكك، وإذا صرفته على أنه ملكك لم يُقبل منك؛ لأنه صدقة من مال خبيث، ومن اكتسب مالًا خبيثًا فأنفقه وتصدق به لم يُقبل منه، وإن أخرجته تخلصًا منه فأي فائدة من شيء نقول: تلطَّخ به ثم حاول أن تغسله من يدك؟! أيش الفائدة؟! فإذا كنت الآن تعترف بأنه لا يحل لك فلماذا تأخذه ثم تحاول تخلصه؟!
ثم نقول أيضًا: هل كل إنسان يضمن من نفسه أن يُخرج هذا تخلصًا منه؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، ربما إذا شاف الفائدة كبيرة كما يقولون إنها فائدة تغلبه نفسه ولا يُخرجه، (...) يقول: والله هذا مال كثير هذا شينو أطلعه، افتح الصندوق يا ولد حطوه فيه، إذا فتح الصندوق قال: أستغفر الله وأتوب إليه أخاف الله، إذن طلعه بره، إذا أراد يطلعه بره ثقل في يده ثم قال: رجعه للصندوق، ربما في النهاية أن يكون في الصندوق.أيضًا أخذته أنت وقال الناس: إن فلانًا أخذ هذه الفائدة- التي يسمونها الفائدة- أفلا تخشى أن يقتدي الناس بك؛ لأنه ليس كل إنسان يعلم أنك سوف تُخرج هذا المال وتتخلص منه؟ بلى، يمكن يقتدي الناس بك، والله فلان أخذ، لستَ تكتب إعلانًا بأنك أخذت هذا وأنفقته، الناس لا يعملون فيقتدون بك، وإذا اقتدوا بك وأخذوا وحتى لو علموا أنك تصرفه وتتخلص منه يرد عليهم ما أوردناه عليك من قبل وهو الشُّح وعدم التخلص منه، ولهذا نرى أنه لا يجوز أخذ شيء من الربا مُطلقًا، وماذا ستكون مقابلة الله عز وجل يوم القيامة إذا كان الله قد قال لك:
﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ ثم أنت تأخذه باستحسان بعقلك.
ثم إننا نقول: إن الإنسان إذا أخذ هذا الشيء لا يكاد يقلع، لا يكاد يقلع عن وضع الأموال في البنوك الربوية المحرمة الكافرة، لكن إذا قلنا لا تأخذه فسوف يبقى يحسب ألف حساب قبل أن يضع المال في البنك، إذا علم أنه محرَّم عليه، كل هذه الأشياء تدل على حكمة الله عز وجل في قوله:
﴿ذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ ولم يُوجِّه العباد إلى شيء آخر، ما قال: خذوه وتصدقوا به.
* من فوائد الآية الكريمة: أن ممارسة الرِّبا يُنافي الإيمان لقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، ولكن هل يُخرج الإنسان من الإيمان إلى الكفر؟ مذهب الخوارج نعم يُخرجه من الإيمان إلى الكفر، وهو عند الخوارج كافر كفرعون وهامان وقارون، كافر؛ لأنه فعل كبيرة من كبائر الذنوب، ومذهب أهل السنة والجماعة أنه مؤمن ناقص الإيمان، لكنه يخشى عليه من الكفر، لا سيما أكل الربا؛ لأن آكل الربا يتغذى بأيش؟
* الطلبة: بحرام.
* الشيخ: بحرام، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام حين ذكر الرجل «يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، قَالَ: «فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ»(٤) » نسأل الله العافية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، حيث حرَّم عليهم ما يتضمن الظلم وأكَّد هذا التحريم، وأنزل القرآن فيه بلفظ يحمل على ترك هذا المحرم لقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، اثنين: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾، ثلاثة: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، والحُكم: ﴿ذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾. ثم قال:
﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ الله أكبر،
﴿إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾ يعني إن لم تتركوا ما بقي من الربا، ما بقي، كيف هذا اللي بيُجدد عقد الربا؟ إذا لم تفعلوا وتتركوا ما بقي من الربا فهذا الحُكم، أيهما أشد هذا أو الذي يبتدئ الربا؟
* الطلبة: الثاني.
* الشيخ: الثاني أشد، الذي يبتدئ الربا أشد من شخص تعامل بالربا قبل نزول الآية وأخذ ما بقي، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: ﴿إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾ يعني إن لم تتركوا ﴿فَأْذَنُوا﴾ وفي قراءة: ﴿فَآذِنُوا بِحَرْبِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ ائذنوا بمعنى اعلموا، ولكنه ضُمّن معنى اليقين أو الإيقان، أي فأيقنوا بحرب من الله ورسوله هذا على قراءة: ﴿فَأْذَنُوا﴾، أما على قراءة: ﴿فَآذِنُوا﴾ فهي بمعنى: أعلِموا، أعلِموا بالحرب، آذِن بكذا يعني أعلِم به، قال النبي عليه الصلاة والسلام للنساء اللاتي يُغسّلن ميتة: «إِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي»(٥) » يعني أعلمنني، ففي الآية قراءتان: ائذنوا، وآذنوا، (ائذنوا) بمعنى (اعلموا)، لكنه ضُمّن معنى اليقين، أيقنوا بحرب يعني أيقنوا أنكم محاربون، لمن؟
* الطلبة: لله ورسوله.
* الشيخ: لله ورسوله، الله أكبر! من يستطيع أن يقابل الله ورسوله بالحرب؟! أو أعلموا يعني أعلموا غيركم أنكم محاربون لله ورسوله.وقوله:
﴿آذِنُوا بِحَرْبٍ﴾ أو
﴿ائْذَنُوا بِحَرْبٍ﴾ هل معناه أن الإنسان يُصوّت يقول: أيها الناس طالعين نحارب لله ورسوله؟ أو مجرد بقائه على الربا إعلام؟
* الطلبة: الثاني.
* الشيخ: نعم، الثاني، الثاني هو المراد؛ لأن الأول قد لا يفعله الإنسان، قد لا يقوم الإنسان على باب دكانه ويقول: أيها الناس، أخبركم بأني محارِب لله ورسوله ما يقدر، ولا هو قائل هكذا، لو قال هكذا على عتبة دكانه لكان أول من يرجمه صغار الناس بالحجارة، ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: يقول: إحنا جند الله ما دام أنك تحارب الله بس خذ حجارة برأسه وحجارة بصدره، لكنه ما يقول هكذا بلسانه، يقول هكذا بأيش؟
* الطلبة: بأفعاله.
* الشيخ: بفعله، فبقاؤه واستمراره على أكل الربا إيذان بحربه لله ورسوله، أي عقوبة أشد من هذه العقوبة إلا عقوبة الشرك بالله عز وجل؟! ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: إنه جاء في الوعيد على الربا ما لم يأتِ على ذنب دون الشرك. أبدًا أشد من الزنا، ولهذا جاء في الحديث الذي له طرق متعددة: «أَنَّ الرِّبَا بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أُمَّهُ»(٦) » وهذا كل يستبشعه، فالربا ليس بالأمر الهين، والله إن الواحد ترتجف فرائصه إذا سمع مثل هذه الآية إذا كان مؤمنًا ائذنوا بحرب من الله ورسوله وأيش أنت يا ابن آدم؟! تحارب الله ورسوله علنًا تعلنه للناس؛ لأن أعلموا يعني أخبروا الناس بأنكم حرب لله ولرسوله ﴿إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ وإنما كان كذلك لمحبة الله عز وجل للعدل وكراهته للظلم، والربا ظلم، ولكن لما كان ظلمًا تدعو النفوس إليه دعوة قوية؛ لأنه لا يأتي عَنوة، الظلم عنوة لا يقدم الظالم عليه إلا بعد أن يحسب ألف حساب، وسيجد من يمنعه ويصادمه، لكن هذا يأتي باختيار، باختيار منين؟
* طالب: من المحتاج.
* الشيخ: من المرابي من كلا الرجلين، آكل الربا وموكله، يأتي من هذا ومن هذا؛ لأن موكل الربا محتاج، ولولا أنه محتاج ما اختار لنفسه أن يُغلب، وآكل الربا ظالم معتدي ليس فيه قلبه رحمه، ولهذا نجد الآن أولئك القوم الذين يتحيلون على الربا بما يسمونه المداينة نجدهم كلما كان المستدين أفقر كان غُرمه أكثر، هذا هو الواقع، يجي إليهم الإنسان الذي يعرفون أنه سيوفي يقول: تعالَ بندينك العشر إحدى عشر؛ يعني المئة بكم؟
* الطلبة: بمئة وعشرة.
* الشيخ: مئة وعشرة، يجيهم الإنسان الفقير اللي يعرفون أنه ما يوفي إلا بعد سنتين أو ثلاثة إلا أن يموت له قريب غني، ومتى يموت له قريب غني؟! أو إن كان هو طماع يزوج بنته ويأخذ مهرها. على كل حال إذا جاءهم الفقير يعطونه العشر خمسة عشر أو أكثر، يا بن الحلال لأيش؟! قال: لأن الأول دسم وهذا هزيل، الأول دسم وأيش معنى دسم؟
* الطلبة: غني.
* الشيخ: يعني غني يمكن الآن أعوزته الدراهم وبيوفي، لكن ذا هزيل اركع له، هل هذه المعاملة معاملة رحمة ولّا معاملة قسوة؟
* الطلبة: معاملة قسوة.
* الشيخ: معاملة قسوة، لو كان بهم رحمة لكان الفقير أقرب إلى أن يُنزَّل عنه من الغليبة صح ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ومع ذلك يمسحون دموع التماسيح يقول: والله إحنا نرحم الناس يجينا إنسان فقير يبى يتزوج ولّا يبى يبني بيت نرحمه نعطيه، وأيش نسوي؟! لو ما نعطيه قعد ما تزوج ولا قعد بلا بيت، طيب كم أعطيته؟ قال: أعطيته العشرة بخمسة عشرة، لماذا؟ قال: لأنه بيبطي ما يوفي، وذاك الثاني الإنسان اللي فيه دسم على ما يقولون يُعطى العشر إحدى عشر.إذن أنا أريد بهذه الأمثلة أن أخلص إلى أن الربا مبناه أيش؟
* الطلبة: الظلم.
* الشيخ: الظلم، مبناه الظلم، ولهذا كانت من حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين أن جعل هؤلاء المرابين معلنين للحرب على الله ورسوله، يعلنونها أمام الناس ﴿إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾. هل باب التوبة مغلق؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا والله ما هو مغلق، ولا يُغلق من أرحم الراحمين ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر ٥٣] مهما عملت من ذنب فاعلم أن أمامك من يفرح بتوبتك «لَلَّهُ بِتَوْبَتِهِ أَفْرَحُ أَوْ أَشَدُّ فَرَحًا مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي أَضَاعَ نَاقَتَهُ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ وَجَدَهَا»(٧) ». ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ما معنى قوله:
﴿ذَرُوا﴾؟ اتركوا. كيف يقول اتركوا ما بقي ولم يقل: اتركوا الرِّبا؟
* الطالب: لأنه ربما يكون قد عقدوا على الربا فيأمرهم بأن يتركوا هذا الربا.
* الشيخ: حتى ما عُقِد عليه. يقول: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ ما نوع هذا العطف؟
* طالب: لأن من تقوى الله ترك الربا.
* الشيخ: أحسنت هو عطف الخاص على العام (...) والاعتناء به.
* الطالب: (...)
* الشيخ: أحسنت. قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ هذه جملة شرطية أين جوابها؟ عند النحويين؟ أظن قرأنا هذا؟ ما ناقشناه طيب هذا المشهور عند النحويين، فيه رأي آخر؟ من يعرف؟ فيه رأي آخر.
* الطالب: لأن مثل هذا لا يحتاج إلى جواب
* الشيخ: أحسنت؛ لأن مثل هذا التركيب لا يحتاج إلى جواب؛ لأن الجواب ما دام قد ذُكر مضمونه فلا حاجة إلى تقديره، وهذا هو الذي يميل إليه ابن القيم رحمه الله بأن مثل هذا التركيب لا يحتاج إلى جواب؛ لأن مضمونه قد سبق، فلا حاجة أن نقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ فاتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ما حاجة، نقول: لأن مضمون الجواب قد سبق فلا حاجة إليه.إذا قال قائل: كيف يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا﴾؟
* طالب: ﴿فَآذِنُوا﴾
* الشيخ: ما معناها؟
* الطالب: أعْلموا الناس بأنكم تحاربون الله ورسوله.
* الشيخ: أعلموا الناس بأنكم تحاربون الله ورسوله أحسنت. و﴿فَأْذَنُوا﴾؟
* الطالب: فاعلموا.
* الشيخ: فاعلموا، طيب وأيش معنى فاعلموا بحرب (...) بأنفسكم. يؤخذ من مجموع القراءتين؟
* الطالب: (...)
* الشيخ: يعني اعلموا وأعلموا غيركم بذلك كذا؟
* الطالب: (...)
* الشيخ: طيب هذا على قراءة ائذنوا يعني اعلموا أنكم محاربون الله ورسوله هذا على قراءة ائذنوا على قراءة: ﴿آذِنُوا﴾ اللي يؤخذ من مجموع القراءتين؟
* طالب: اعلموا أنتم بأنفسكم.
* الشيخ: يعني اعلموا أنتم بأنفسكم وأعلموا غيركم أيضًا، وهذا أشد، هذا أشد إن الإنسان يَعلَم ويُعلّم.إذا قال قائل: هل آذن هؤلاء الرِّبويون آذنوا غيرهم بأنهم محاربون؟
* الطالب: (...)
* الشيخ: طيب إذا قال قائل: هم محاربون لله. ﴿فَآذِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ إذا قال قائل: إيذانهم بحرب من الله واضح، لكن كيف يأذنون بحرب من رسول الله ﷺ وهو قد مات؟ فالجواب: أن هذا محاربة شريعته، محاربة شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام ومحاربة شريعة الرسول محاربة له كما أن نصر شريعة الرسول نصر له. وقوله:
﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ ﴿تُبْتُمْ﴾ أي رجعتم إلى الله تعالى من معصيته إلى طاعته، والتوبة نوعان؛ توبة مطلقة، وتوبة مقيدة، وإن شئت فقل: عامة وخاصة، توبة عامة من جميع الذنوب بحيث يكون الإنسان محافظًا على أوامر الله وترك نواهيه، وهذه هي التوبة الْمُطلقة ما هي مطلق توبة، توبة مطلقة تامة يستحق بها التائب أن يُلحق بالتوابين الذين قال الله فيهم:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة ٢٢٢] وعلى هذا أن يكون الإنسان تائبًا من كل ذنب، لا يصر على ذنب، هذه التوبة المطلقة، ومنها قوله تعالى:
﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ﴾ إلى آخره
[التوبة: ١١٢].
النوع الثاني: توبة مقيدة أو خاصة، وهي التوبة من ذنب خاص معين، فهذه تصح وتُعتبر، ويقبل منه أن يتوب إلى الله تعالى من هذا الذنب المعين وإن كان مُصرًّا على غيره، فالتائب من الربا تصح توبته وإن كان يشرب الخمر مثلًا، والتائب من شرب الخمر تصح توبته وإن كان يتعامل بالربا، هذه توبة خاصة، لكن لا يستحق التائب هنا أن يلتحق بذوي الوصف المطلق بالتوبة فيقال: إنه من التائبين؛ لأنه لا يمكن أن نُطلق عليه التوبة أنه من التائبين وهو مُصرّ على معصية، لكن توبته من الذنب المعيّن مقبولة؛ لأن هذا هو مقتضى العدل؛ عدل الله عز وجل، وذهب بعض أهل العلم إلى أن التوبة لا تُقبل من ذنب مع الإصرار على غيره، بل لا بد أن يعمل عملًا صالحًا في كل عبادته، وقال آخرون: لا تُقبل التوبة من ذنب مع الإصرار على جنسه، ما هو على غيره، فالتوبة مثلًا من النظر للنساء الأجنبيات لا تُقبل إذا كان يتحدث إليهن؛ لأن الكل من جنس واحد، وإن كان النوع مختلفًا هذا حديث وهذا نظر، لكن الجنس واحد يعود إلى شهوة الفرج، ولا تقبل توبة الإنسان الذي يشرب الخمر مع الإصرار على بيع الخمر؛ يعني لا تصح توبته من شرب الخمر مع الإصرار على أيش؟
* الطلبة: على بيع الخمر.
* الشيخ: على بيع الخمر؛ لأن الجنس واحد، وهذا قول له وجه، لكن أقرب الأقوال عندي القول الأول أنها تصح التوبة من الذنب بعينه، ولو مع الإصرار على غيره؛ لأن هذا هو مقتضى العدل ومقتضى قول الله تعالى: «إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي»(٨) » والمسألة كما قال ابن القيم في مدارج السالكين: لها غور، يعني لها غور بعيد؛ لأن التوبة الحقيقية وهي الرجوع إلى الله عز وجل لا تكون مع الإصرار على الذنوب أبدًا؛ لأن ما يقوم بقلب التائب من تعظيم الله عز وجل والخوف منه يمنعه أن يمارس شيئًا من الذنوب، لكنها توبة قاصرة ناقصة التوبة من ذنب معيّن خاصة.ثم إن التوبة لها شروط، شروط خمسة يعدها علينا؟ (...) الندم على ما فعل طيب كل هذه الشروط واضحة؛ الإخلاص بأن لا يحمل الإنسان على التوبة مراعاة أحد من الخلق، أو مراعاة شيء من الدنيا.
الثاني: الإقلاع عن الذنب، فإن لم يُقلع فهو كاذب، كيف يقول: أتوب إلى الله تعالى من الربا وهو يرابي؟ هذا كاذب.
ثالث: الندم على ما وقع منه، الندم أن الإنسان يشعر بندم وحزن وأسى، فإن قلت: الندم انفعال وليس بفعل فكيف يُكلف الإنسان به؟ فالجواب: أن الانفعالات النفسية يحدثها التفكيرات العقلية، أليست المحبة والبغضاء انفعالًا؟ ومع ذلك يمكن للإنسان أن يحب الشيء إذا ردّد نتائجه وثمراته بفكره أحبه، والبغضاء كذلك يمكن إذا فكّر ونظر في النتائج والعواقب السيئة كره الشيء، كذلك هذا إذا فكر في عواقب الذنوب وآثارها السيئة حصل منه أيش؟
* الطلبة: ندم.
* الشيخ: ندم وأسف وحزن على ما مضى. الرابع: العزم على أن لا يعود، وانتبه لقولك: العزم على أن لا يعود دون أن تقول أن لا يعود؛ لأن بينهما فرقًا عظيمًا؛ العزم على أن لا يعود معناه لو عاد فيما بعد غلبته نفسه وعاد فإن توبته السابقة لا تبطل، لكن لو قلت: الشرط الرابع أن لا يعود لكان إذا عاد بطلت توبته، والأمر ليس كذلك.
الخامس: أن تكون في الوقت الذي تُقبل فيه التوبة بأن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، وقبل حضور الموت لقوله تعالى:
﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء ١٨] هذا ما له توبة، ولقول النبي عليه الصلاة والسلام بل لقول الله تعالى:
﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام ١٥٨] وبعض الآيات هنا المراد به طلوع الشمس من مغربها.
* الطالب: (...)
* الشيخ: نعم، وهو؟
* الطالب: (...)
* الشيخ: يدخل في الإقلاع.
* الطالب: يقلع (...)
* الشيخ: ما يمكن ما أقلع حتى يعطي صاحبه.
* الطالب: الأصل إذا كان أقلع (...)
* الشيخ: طيب ما يحتاج، الإقلاع بالمعنى الحقيقي، لا إقلاع مع إصرار. هذه خمسة شروط للتوبة، بالنسبة للربا التوبة منه تنطبق على هذا، لا بد أن توجد فيها هذه الشروط الخمسة. ﴿إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ رؤوس جمع رأس، والرأس هنا بمعنى الأصل؛ يعني لكم أصول الأموال، وأما الربا فليس لكم، الربا ليس لكم.ثم علل الله عز وجل هذا الحكم بقوله:
﴿لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ ﴿لَا تَظْلِمُونَ﴾ لأنكم لم تأخذوا الزيادة
﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ لأنها لم تُنقص رؤوس أموالكم.
فلا يقول قائل: إن المرابي يجب أن يُعذَّر بأن يؤخذ من رأس ماله بمقدار ما أَخذ من أيش؟
* الطلبة: من الربا.
* الشيخ: من الربا، فمثلًا إذا كان أخذ العشر اثني عشر نقول: ننقص رأس ماله عشرة ننقص عشرة إلى ثمانية وشيء؛ لأن نسبة اثنين لاثني عشر ما هي نسبة الاثنين للثمانية أو العشرة.على كل حال لا نقول هذا ولا هذا، لا يَظلم غيره بأخذ الربا ولا يُظلم بأن ينقص شيء من رأس ماله لتجرئه على الربا، وهذا تمام العدل.
طيب إذا كان له رأس المال لا يظلم ولا يظلم فأين يكون الربا؟ هل يبقى عند المرابي أو يؤخذ منه ويجعل في بيت المال؟ الآية الكريمة يقول الله فيها:
﴿لَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ فالمرابي لا يستحق الآن إلا رأس ماله فقط، بقينا في المأخوذ منه الربا إن أبقينا له الربا معناه أنه كسب، كسب مرتين، مرة بوجود المال عنده كل هذه المدة ينتفع به، والمرة الثانية ببقاء هذا الربح عنده، نرجع إلى القواعد الشرعية فنقول: هذا الربح قد أعطاه المأخوذ منه باختياره، والتزمه باختياره، ولكن لما كان هذا التزامًا غير شرعي قلنا: إننا نأخذه منك ونجعله في بيت المال، كما نقول في مهر البغي وحُلوان الكاهن، نعم لو فُرض أن المرْبي الذي أخذ منه الربا قد بذل الربا كرهًا بأن قال له عند حلول الأجل: إما أن تقضيني وإما أن تزيد وتُربي، فأربى من أجل أن يبقى الدين في ذمته لأنه معسر، فهذا نقول: له الربا، ولا يؤخذ منه شيء.
يقول الله عز وجل:
﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: الرد على الجبرية لقوله: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾؛ لأن الجبرية يقولون: إن الإنسان لا يستطيع الفعل؛ لأنه مجبر، ولا التَّرْك؛ لأنه مجبر، وعلى رأيهم يكون تعطيل الأمر والنهي، يكون الأمر والنهي معطلًا؛ لأن الإنسان ما يقدر يفعل ما أُمر به ولا يترك ما نُهي عنه، وهذا حقيقة تعطيل الأمر والنهي، والبحث في هذا والرد عليهم ومناقشتهم معروف في التوحيد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المصر على الربا معلن الحرب على الله ورسوله لقوله: ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أنه إذا كان معلنًا الحرب على الله ورسوله فهو معلن الحرب على أولياء الله ورسوله، من هم؟ المؤمنون؛ لأن كل مؤمن يجب أن ينتصر لله ورسوله، وكل حرب على الله ورسوله فهي حرب على المؤمنين؛ لأن هؤلاء المؤمنين هم حزب الله عز وجل، وحينئذٍ يكون المرابي معلنًا الحرب على الله ورسوله والمؤمنين، أما على الله ورسوله فدلالة ذلك عليه دلالة المطابقة، وعلى المؤمنين دلالة التزام.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عِظم الربا، وأنا لا أذكر أن شيئًا من الذنوب صار بهذه المنزلة، تذكرون شيئًا؟
* طالب: الشرك.
* الشيخ: لكن الشرك صحيح ذُكر لكن ما ذُكِر بهذه الصيغة ﴿إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ شوف النبي عليه الصلاة والسلام لما قال: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟». قَالُوا: بَلَي يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:
«الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ». وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، ثُمَّ قَالَ:
«لَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ»(٩) لأنها تتعلق بالآدميين، والنفس مجبولة على العدوان على غيرها إلا من عصم الله، فلهذا جاء مثل هذا الوعيد العظيم في آكل الربا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجب على كل من تاب إلى الله عز وجل من الربا أن لا يأخذ شيئًا مما استفاده بالربا لقوله: ﴿إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يجوز أخذ ما زاد على رأس المال لأي غرض كان سواء أخذته لتتصدق به، أو لتبذله في المنافع العامة، أو لتتقي به كما يقال أن يُصرف هذا في كنائس أو في أسلحة ضد المسلمين أو ما أشبه ذلك، المهم أنك إذا كنت صادقًا في التوبة فلا تأخذ أكثر من رأس المال.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى الحكمة في تحريم الربا، وهي: الظلم لقوله: ﴿لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾.فإن قلت: في بعض صور الربا لا ظلم، قلنا: إن العِلّة إذا كانت منتشرة لا يمكن ضبطها، فإن الحكم لا يتخصص بفقدها، أو لا ينتفي بفقدها، صحيح أنه يوجد في بعض الصور صور الربا ما ليس فيه ظلم كما لو اشترى الإنسان صاع بُر طيب بصاعي بُر رديء يساويه في القيمة، فهنا فيه ظلم ولّا لا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ما فيه ظلم، ما فيه ظلم أبدًا، ولهذا لا تجد أحدهما يقول: أنا صابر على الظلم؛ لأنه ما فيه ظلم، لكن محمدًا ﷺ رسول الله الذي جاء بهذا القرآن قال لما أُخبر بمثل هذه الصورة قال: «أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا»(١٠) » فدل هذا على أن تخلف الظلم في بعض الصور لا يخرجها عن حُكم الرِّبا الحكم العام؛ لأن هذه العلة منتشرة لا يمكن ضبطها، وقد يرضى الفقير بأن يُعطى مئة درهم بمئة وعشرين، ويقول: أنا راضٍ بهذا؛ لأنني سوف أنتفع بهذه الدراهم من الآن وهذاك سوف يُحجب نفعها من الآن، فأنا مُنتفع في بمقابل الزيادة، وذاك محجوب عنه النفع أيضًا في مقابل الزيادة التي أُعطيها فلا ظلم، أنا انتفعت بالمال وزاد عليَّ كمية وذاك حجب انتفاع المال وزِيد له.
* طالب: كالبنوك.
* الشيخ: كالبنوك وغير البنوك، المهم أننا نقول: إن مثل هذه العِلَّة لما كانت منتشرة غير منضبطة فإن الحكم يكون أيش؟ يكون فيها عامًّا، وهذا له أمثلة كثيرة ودائمًا نجد في كلام أهل العلم مثل هذا التعليل: إن العلة إذا كانت منتشرة غير منضبطة فإن الحكم يعُمّ ولا ينظر للعلة، علّة القصر في السفر والفطر في السفر المشقّة، لكن إذا كان الإنسان يسافر بالطائرة ما فيه علّة، ما فيه مشقة إطلاقا، هل نقول لا يفطر؟ لا، هل نقول لا يَقصر؟ لا، بِناء على هذا الذي أشرنا إليه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات رسالة النبي ﷺ لقوله: ﴿وَرَسُولِهِ﴾.
* ومن فوائدها: رحمة الله تعالى بالعباد حيث أرسل إليهم الرسل، وذلك لأن العقول لا يمكن أن تستقل بمعرفة ما ينفعها ويضرها على وجه التفصيل، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: العقول تعرف ما ينفعها ويضرها على سبيل الجملة، لكن على سبيل التفصيل لا تعرف لقصورها ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٨٥] فمن أجل ذلك أرسل الله الرسل، فكان في هذا رحمة عظيمة للخلق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن التائب من أخذ أموال الناس لا تصح توبته إلا بردها إليهم لقوله: ﴿لَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ ولكن إذا كان لا يعرف صاحبها أحيانًا يسرق الإنسان من أحد ولا يعرفه بعد ذلك، فماذا يصنع؟ نعم، نقول: يتصدق بها تخلصًا منها لا تقربًا بها فينويها لمن؟
* الطلبة: لصاحبها.
* الشيخ: لصاحبها، والله سبحانه وتعالى يعلم بذلك، ثم إن جاء صاحبها مرة من المرات فيُخيِّره يقول: لك مالك أو أجرك، إن قال: أريد مالي فالأجر للمتصدِّق، إن قال: أريد أجره فأجره له قد نُوي له.ثم قال الله تعالى:
﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾.
* الطالب: اختلاط المالين المحرم والحلال هل يصلح أن (...)؟
* الشيخ: لا، اختلاط المالين المحرم والحلال إن كان على وجه يمكن التمييز بينهما فنعم، يعني يمكن التمييز بحيث يكون هذا مثلًا بُرّ وهذا رز، أو يمكن التمييز بالأجزاء مثل اختلط دهن بدهن، فهذا يمكن يميز بعضها على بعض، أما إذا كان ما يمكن فلا طريق لاجتناب الحرام إلا باجتناب الكل. قال:
﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾. قوله تعالى:
﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ (كان) المعروف أنها من الأفعال الناقصة التي ترفع الاسم وتنصب الخبر، وهنا نلتمس الخبر لا نجد خبرًا
﴿إِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ فكيف نعربها؟ نقول: (كان) هذه تامة، وإذا كانت تامة فإنها تكتفي بمرفوعها قال ابن مالك في الألفية:
........................... ∗∗∗ وَذُو تَمَــــامٍ مَــــا بِرَفْــــعٍيَكْتَفِــــــــــــــــي؎وَمَا سِوَاهُ نَاقِص............. ∗∗∗ ...........................
وذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي، هذه تامة، وعلى هذا نقول: (كان) فعل ماضٍ، و(ذو) فاعل رُفع بالواو؛ لأنه من الأسماء الستة أو الخمسة، والجملة هنا شرطية والجواب قوله:
﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ و
﴿نَظِرَةٌ﴾ مبتدأ خبره محذوف، فيكف نُقدّر هذا الخبر؟ نُقدّر فعليكم ولَّا فله؟
* طالب: فعليكم.
* الشيخ: أو فالواجب عليكم نَظِرة، أو فعليكم نَظِرة، أو فله نَظِرة، يصلح؛ لأنه إذا كان الحق له وجب عليَّ أن أوفيه حقه.وقوله:
﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا﴾ أنا أحب لو نبدأ بالإعراب قبل الشرح، أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ﴿تَصَدَّقُوا﴾ هذه فعل مضارع دخل عليه (أن) المصدرية فيُحوّل إلى مصدر، ويكون التقدير: تَصدُّقكم، فيكون مبتدأ خبره ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾، وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ جملة الشرطية نقول في إعرابها كما سبق في قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.أما القراءات في هذه الآية ففيها قراءات: في
﴿مَيْسَرَةٍ﴾ فيها قراءة:
﴿مَيْسُرَةٍ﴾ بضم السين
﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسُرَةٍ﴾ ، وقوله:
﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا﴾ فيها قراءة:
﴿وَأَنْ تَصَّدَّقُوا﴾ أي تتصدقوا، لكن أدغمت التاء في الصاد.
يقول الله عز وجل:
﴿إِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ يعني إن وُجد ذو عسرة، أي صاحب عُسرة لا يستطيع الوفاء، فهناك ثلاثة طرق: إما التجاوز عنه، وإما الإنظار إلى ميسرة، وإما الرِّبا، الربا محرم فما الذي بقي؟ الإنظار والإبراء؛ يعني الإعفاء، وكلاهما ذكره الله فقال:
﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ فأوجب الله الإنظار وندب إلى الإعفاء، أوجب الإنظار في قوله:
﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ نَظِرة بمعنى إنظار؛ يعني عليكم أن تنظروه، إلى متى؟ إلى ميسرة، الميسرة ليست معلومة، ليست معلومة قد يُوسِر بسنة، قد يُوسر بسنتين بثلاث، قد لا يُوسر أبدًا، فيقال: يُفرّق بين الابتداء والاستدامة، فلو بعت شيئًا على شخص فقير وقلت: إلى ميسرة فالمعروف عند أكثر أهل أكثر العلم أن ذلك ليس بصحيح، لماذا؟ لأنها مجهولة، مجهول، والنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الغرر، لكن لو أنك بِعت عليه ثم تبين إعساره فالواجب أيش؟
* الطلبة: إنظاره.
* الشيخ: إنظاره إلى ميسرة إن لم تختر الفسخ، إن اخترت الفسخ فلا بأس، لكن إذا لم تخترِ الفسخ فالواجب الإنظار، على أن القول الراجح أنك إذا بعته إلى ميسرة فإن البيع صحيح والتأجيل صحيح؛ لأن هذا مقتضى العقد، فإن من باع على شخص يعلم أنه مُعسر فمقتضى العقد أيش؟ أن ينظره؛ لأنه عارف أنه ما يمكن أن يطالبه الآن، فلو قال: أنا أشتريه منك والله ما عندي شيء لكن أشتريه منك حتى يغنيني الله، فالصواب في هذا الصحة، وقد ورد في هذا حديث عن عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ لَهُ بَزٌّ مِنَ الشَّامِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِنَّ فُلَانًا قَدِمَ لَهُ بَزٌّ مِنَ الشَّامِ فَلَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيْهِ لِتَشْتَرِيَ ثَوْبَيْنِ إِلَى مَيْسَرَةٍ(١١) » فهذا يدل على أن مثل هذا جائز.
* طالب: (...) مراده إذا أخذ فائدة الربا بيعطيه مثل ما أخذ؟
* الشيخ: أبدًا ما هو جائز.
* الطالب: يعني يتقاس على البنوك (...)؟
* طالب: شيخ، (...)
* الشيخ: المهم أن هذا موجه إلى شيء معين: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ وأما الآية اللي في الفاتحة فلا شك أن الإنسان محتاج إلى الهداية في كل حين حتى في نفس العمل محتاج للهداية.
* الطالب: يعني ما يخالف (...)؟
* الشيخ: ما أظن.
* طالب: (...).
* الشيخ: هذا يحتاج إلى أن يُنظر في ديونه، فإذا كانت ديونه أكثر من موجوداته فإنه يُحجر عليه، وإذا حُجر عليه يُباع ماله ويُوزع على الغرماء بالقسط.
* الطالب: فائدة من قول الله تعالى: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ»(١٢) » هل تضاف هذه للآية؟
* الشيخ: إي نعم، هذه تضاف إلى الآية صح.
* الطالب: فيه فائدة.. فائدة أخرى أن حرف (...)
* طالب: إذا تاب المرابي، هل يرد كل الربا الذي مضى سابقًا أو نفس العقد اللي تم الآن بين المرابي والمرابى له؟
* الشيخ: لا، الواجب يعيد كل ما أخذ.
* الطالب: حتى السابق.
* الشيخ: حتى السابق.
* الطالب: إذا كان لا يعلم؟
* الشيخ: إذا كان لا يعلم فقد نقول إن قوله تعالى: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ كما عَلِم له ما سلف.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، يجب على المسلمين أن يعطوه.
* الطالب: إذا ما وجدوا؟
* الشيخ: ما وجدوا؟
* الطالب: (...)
* الشيخ: له أن يأخذ من ماله يلتزم بذلك ولا يوفيه، يعني ما يوفيه الربا قصدي الزائد الأصل لازم أن يوفي.
* الطالب: يا شيخ، إنسان موظف في البنك ويتعامل في الربا ثم دعاني للطعام عنده (...) هل أرد دعوته أم لا (...) دعاني إلى وليمة هل أرده أم أجيبه؟
* الشيخ: إي نعم، فهمتم السؤال؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: يقول: هل تجوز إجابة دعوة المرابي أو لا؟ هذه الخلاصة فما تقولون؟ ما هو؟
* طالب: المراد (...).
* الشيخ: أبدًا دعاني (...) عنده خبز ولحم وأشياء زينة ما بأروح (...) ولا أدعيه أبدًا (...)المحرم لكسبه إثمه على الكاسب، وعلى هذا فلا إثم عليك أنت حتى لو أجبته، ثم إن هذا المرابي لا بد له أن له أصلًا، أن لماله أصلًا ولَّا لا؟ لا بد أن لماله أصلًا، ما هو بالربا على طول بيمشي عليه يكون عنده مثلًا مئة ريال بدأ يشتغل فيها بها بالربا وزادت، فلماله أصل، وهذا الربا حصل من المال المباح ومن العمل المحرم من المال المباح ومن العمل المحرم، وقد ذكر بعض العلماء أن الغاصب إذا اتجر بالمغصوب فليس الربح كله لرب المال بل يُعطى الغاصب إذا تاب ما يكون مقابل عمله. على كل حال إجابة دعوة المرابي نقول: جائزة، والأولى تركها، لكن إن أفضت إجابته إلى محظور فإنه تحرم إجابته من هذه الناحية.
قال الله تعالى:
﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ (كان) هنا فيها إشكال، ما هو الإشكال؟
* طالب: من حيث (...)
* الشيخ: من حيث العربية؛ يعني من حيث الإعراب فيها إشكال.
* الطالب: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ هذه كان تُسمى كان التامة لا تحتاج لاسم.
* الشيخ: إي نعم، الإشكال أننا لم نجد خبرها.
* الطالب: فتسمى التامة.
* الشيخ: فنقول هذه تامة، ما معناها إذا كانت تامة؟
* الطالب: تكتفي بالاسم.
* الشيخ: تكتفي بالفاعل.
* الطالب: أيوه بالفاعل.
* الشيخ: لكن وأيش معناها ﴿إِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ أي إن وُجد ذو عسرة طيب. أين جواب الشرط في ﴿إِنْ كَانَ﴾؟
* الطالب: جواب الشرط ﴿فَنَظِرَةٌ﴾
* الشيخ: جملة ولّا مفرد؟
* الطالب: لا، جملة.
* الشيخ: جملة، لماذا ارتبطت بالفاء؟
* الطالب: لأنها (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: جملة اسمية.
* الشيخ: لأنها جملة اسمية. طيب ما هي الجمل التي يجب أن تقترن بالفاء إذا وقعت جوابًا للشرط؟
* الطالب: وَبِجَامِدِ وبقد وبالتنفيس
* الشيخ: أعد البيت
* الطالب:
اسْمِيَّــــــــــــــــةٌ طَلَبِيَّــــــــــــةٌوَبِجَامِــــــــــــــــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِمَــــــــا وَقَـــــــدْ وَبِلَــــــنْوَبِالتَّنْفِيــــــــــسِ
* الشيخ: سبع هي سبع
اسْمِيَّــــــــــــــــةٌ طَلَبِيَّــــــــــــةٌوَبِجَامِــــــــــــــــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِمَــــــــا وَقَـــــــدْ وَبِلَــــــنْوَبِالتَّنْفِيــــــــــسِ
كذا؟ قوله:
﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ هذه أيش نوعها مفرد ولّا جملة ولّا؟ هل هي جملة ولّا مفرد هذا السؤال
﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾؟
* الطالب: جملة.
* الشيخ: جملة، مُكونة من؟
* الطالب: فعل وفاعل.
* الشيخ: لا. جملة اسمية مكونة من؟
* الطالب: حرف وفعل.
* الشيخ: حرف وفعل؟
* طالب: من مبتدأ وخبر.
* الشيخ: من مبتدأ وخبر، أين المبتدأ؟
* الطالب: المصدر.
* الشيخ: المصدر المنسبك من أن والفعل، والتقدير؟
* الطالب: تصدقكم خير لكم.
* الشيخ: وأيش التقدير؟
* الطالب: تصدقكم خير لكم.
* الشيخ: تصدقكم خير لكم تمام. ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ هذه جملة شرطية وين جوابها؟
* الطالب: (...)
* الشيخ: وأيش التقدير؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، بجواب شرط ذلك مفعول به.
* طالب: (...).
* الشيخ: إن كنتم تعلمون ذلك فافعلوا أو فتصدقوا، كذا؟ومن فوائد الآية الكريمة: أن التائب من أخذ أموال الناس لا تصح توبته إلا بردها إليهم؛ لقوله:
﴿فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ ولكن إذا كان لا يعرف صاحبها، أحيانًا يسرق الإنسان من أحد ولا يعرفه بعد ذلك، فماذا يصنع؟ نقول: يتصدق بها تخلصا منها لا تقربها بها، فينويها لمن؟ لصاحبها والله سبحانه وتعالى يعلم بذلك، ثم إن جاء صاحبها مرة من المرات فيخيره، يقول: لك مالك أو أجرك، إن قال: أريد مالي، فالأجر للمتصدق، إن قال: أريد أجره، فأجره له قد نوي له.
ثم قال الله تعالى:
﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾.
* طالب: (...) اختلاط المالين (...) رأس المال الحلال (...)؟
* الشيخ: لا، اختلاط المالين المحرم والحلال إن كان على وجه يمكن التمييز بينهما فنعم، يعني: يمكن التمييز بحيث يكون هذا مثلا بر وهذا رز، أو يمكن التمييز بالأجزاء مثل اختلاط دهن بدهن، فهذا يمكن يميز بعضه على بعض، أما إذا ما يمكن فلا طريق إلى اجتناب الحرام إلا باجتناب الكل. قال:
﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة ٢٨٠]
قوله تعالى:
﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ كان المعروف أنها من الأفعال الناقصة التي ترفع الاسم وتنصب الخبر، وهنا نلتمس الخبر لا نجد خبرا
﴿إِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ فكيف نعربها؟ نقول: كان هذه تامة، وإذا كانت تامة، فإنها تكتفي بمرفوعها، قال ابن مالك في الألفية:
....................... ∗∗∗ وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي ؎وَمَا سِوَاهُ نَاقِصٌ........ ∗∗∗ ..................... وذو تمام ما برفع يكتفي هذه تامة، وعلى هذا نقول: كان فعل ماض وذو فاعل، رفعت بالواو لأنه من الأسماء الستة أو الخمسة، والجملة هنا شرطية، والجواب قوله: ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ ﴿نَظِرَةٌ﴾ مبتدأ خبره محذوف، فكيف نقدر هذا الخبر؟ نقدر فعليكم ولَّا فله؟ أو فالواجب؟ نعم، فالواجب عليكم نظرة، أو فعليكم نظرة، أو فله نظرة، يصلح؛ لأنه إذا كان الحق له وجب علي أن أوفية حقه.
وقوله:
﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا﴾ أنا أحب لو نبتديء بالإعراب قبل الشرح، طيب
﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ﴿تَصَدَّقُوا﴾ هذه فعل مضارع دخل عليه أن المصدرية فيحول إلى مصدر، ويكون التقدير: تصدقكم، فيكون مبتدأ خبره
﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾، وقوله:
﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ جملة شرطية، نقول في إعرابها كما سبق في قوله:
﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة ٢٧٨]
أما القراءات في هذه الآية ففيها قراءات: في
﴿مَيْسَرَةٍ﴾ فيها قراءة:
﴿مَيْسُرَةٍ﴾ بضم السين
﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسُرَةٍ﴾ ، وقوله:
﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا﴾ فيها قراءة:
﴿وَأَنْ تَصَّدَّقُوا﴾ أي: تتصدقوا، لكن أدغمت التاء في الصاد.
يقول الله عز وجل:
﴿إِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ يعني: إن وجد ذو عسرة، أي صاحب عسرة لا يستطيع الوفاء، فهناك ثلاثة طرق: إما التجاوز عنه، وإما الإنظار إلى ميسرة، وإما الربا، الربا محرم، فما الذي بقي؟ الإنظار، والإبراء يعني الإعفاء، وكلاهما ذكره الله فقال:
﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ فأوجب الله الإنظار، وندب إلى الإعفاء، أوجب الإنظار في قوله:
﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ نظرة في معنى إنظار، يعني: عليكم أن تنظروه، إلى متى؟ إلى ميسرة، الميسرة ليست معلومة، ليست معلومة قد يوسر بسنة، قد يوسر بسنتين بثلاث، قد لا يوسر أبدًا، فيقال: يفرق بين الابتداء والاستدامة، فلو بعت شيئا على شخص فقير، وقلت: إلى ميسرة، فالمعروف عند أهل أكثر العلم (...) فالواجب أيش؟ إنظاره إلى ميسرة، إن لم تختر الفسخ إن اخترت الفسخ فلا بأس، لكن إذا لم تختر الفسخ فالواجب الإنظار، على أن القول الراجح أنك إذا بعته إلى ميسرة، فإن البيع صحيح والتأجيل صحيح؛ لأن هذا مقتضى العقد، فإن من باع على شخص يعلم أنه معسر فمقتضى العقد أيش؟ أن ينظره؛ لأنه عارف أنه ما يمكن يطالبه الآن، فلو قال: أنا أشتريه منك، والله ما عندي شيء، لكن أشتريه منك حتى يغنيني الله، فالصواب في هذا الصحة، وقد ورد في هذا حديث عن عائشة رضي الله عنها:
« أن رجلا قدم له بَزٌّ من الشام، فقالت له عائشة رضي الله عنها للنبي عليه الصلاة والسلام: إنّ فلانًا قَدِمَ له بزٌّ منَ الشّامِ فلو أرسلْتَ إليه لتشتريَ ثوبيْنِ إلى مَيْسَرة »(١٣)، فهذا يدل على أن مثل هذا جائز، على كل حال هذا إن شاء الله يأتي في الفوائد.
﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾، وفي قراءة:
﴿مَيْسُرَةٍ﴾ بالضم،
﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا﴾ وفي قراءة:
﴿وَأَنْ تَصَّدَّقُوا﴾ أوجب الله عز وجل الإنظار، إنظار من كان معسرًا، عكس ما كانوا يفعلون في الجاهلية أن المعسر يزاد عليه في الدين، أو يلزم بالتسديد، فقال:
﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ وقوله:
﴿إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ وإن كانت مجهولة، لكن هذا هو الواقع؛ لأنه مادام معسرا فسبب الإنظار موجود أو فسبب وجوب الإنظار موجود، فلا يجوز مطالبته ولا طلب الدين منه.
ثم قال الله تعالى:
﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ﴿تَصَدَّقُوا﴾ بماذا؟ قيل: بالإنظار، ولكن فيه نظر، وقيل: بالإبراء، يعني: أن تعفوا عن الدين خير لكم، وهذا هو الصحيح، يكون معنى
﴿أَنْ تَصَدَّقُوا﴾ بماذا؟ بإبراء المدين من دينه خير لكم من إنظاره؛ لأنكم إذا أبرأتموه برئت ذمته، وإذا أنظرتموه فذمته مشغولة، لكنه أمهل حتى يوسر، ومعلوم أن الأول أولى وأرفق بالمدين وهو الإبراء، وإنما كان خيرا للسبب الذي ذكرناه وهو إبراء ذمة المدين، فإبراء ذمته حتى يبقى سليما من الدين خير من إنظاره مع بقاء الدين.
ثم قال:
﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ هذه الجملة الشرطية مستقلة يراد بها الحث، وقلت: مستقلة يعني أنها لا توصل بما قبلها؛ لأنها لو وصلت بما قبلها لأوهم معنى فاسدا، أوهم أن التصدق خير لنا إن كنا نعلم، فإن لم نكن نعلم فليس خيرا لنا، ولاشك أن هذا معنى فاسد لا يراد بالآية، لكن المعنى
﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ يعني إن كنتم من ذوي العلم فافعلوا أي: تصدقوا، والمراد بالجملة هنا أيش؟ الحث والإغراء؛ لأن كل ذي علم عاقل فلابد أن يختار ما هو خير، فلابد أن يكون يختار ما هو خير.
في هذه الآية فوائد منها: ثبوت رحمة الله عز وجل، وجه ذلك: أنه أوجب على عباده إنظار المعسر، وهذا رحمة بمن؟ بالمعسر، ففيه إثبات رحمة الله عز وجل التي منها أنه ألزم من له الدين أن ينظر المعسر.
ومنها: حكمة الله عز وجل في انقسام الناس إلى موسر ومعسر، من الموسر في هذه الآية؟ الدائن، والمعسر المدين، وحكمة الله عز وجل هذه لا يمكن أن تستقيم أمور العباد إلا بها أبدا؛ ولذلك بدأ الشيوعيون الذي يريدون أن يساووا الناس بدؤوا يتراجعون الآن، بدؤوا يتراجعون؛ لأنهم عرفوا أنه لا يمكن أن يصلح العباد إلا هذا الاختلاف، قال الله عز وجل:
﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف ٣٢] لولا هذا الرفع، هل يمكن أن يسخر لنا أحد يعمل لنا ما نريد؟ أبدا، تجيء للعامل تقول: تعال اعمل عندي، وبأعطيك فلوس، وأيش يقول؟ يقول (...) ما أنا بعامل، أنت تعمل عندي. تجد التاجر تقول له مثلا: أورد لي التجارة وأعطيك كذا وكذا، وأيش يقول؟ يقول اللي عندك عندي.. (...) وأنت ورد لي. وهكذا، فلا يمكن إصلاح الخلق إلا بما تقتضيه حكمة الله عز وجل وشرعه من التفاوت بينهم، هذا معسر وهذا موسر حتى يتبين بذلك حكمة الله عز وجل وتقوم أحوال العباد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب إنظار المعسر يعني إمهاله، وجوب إنظار المعسر؛ لقوله: ﴿فَنَظِرَةٌ﴾. ومنها أي من فوائد الآية: وجوب إمتداد إنظاره إلى الميسرة، لا إلى شهر ولا إلى سنة، وإلا إلى أسبوع إلى الميسرة، طيب وإن طالت مدة الميسرة؟ وإن طالت نعم.
* ومن فوائد الآية: أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، كيف ذلك؟ لأنه لما كان وجوب الإنظار معللًا بالإعسار صار مستمرًا إلى أن تزول العلة وهي العسرة حتى يجوز مطالبته، وفي عكس ذلك ما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»(١٤) الغني يحرم عليه المماطلة، والدائن تحرم عليه المطالبة إذا كان المدين معسرا، لو أن الناس مشوا على تقوى الله عز وجل في هذا الباب لسلمت أحوال الناس من المشاكل، لكن نجد الغني يماطل، الدراهم عنده في الدرج أو في الصندوق، يأتيه صاحب الحق يقول: اقضني حقي. يقول: بكرة. يجيئهم بكرة، يقول: بعد بكرة، وهكذا، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»(١٥)، ونجد أولئك القوم الأشحاء ذوي الطمع لا ينظرون المعسر ولا يرحمونه، يقول: أعطني وإلا فالحبس، ويحبس فعلا، وإن كان لا يجوز حبسه إذا تيقنا أنه معسر، لا يجوز أن يحبس، بل يعزر الدائن إذا ألح عليه في الطلب وهو معسر، يعزر الدائن، لماذا؟ لأن طلبه مع الإعسار معصية، والتعزير عند أهل العلم واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة الإبراء، فضيلة الإبراء من الدين؛ لقوله: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ الإبراء سنة و الإنظار واجب، وهنا السنة أفضل من الواجب بنص القرآن ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ أليس كذلك؟ السنة الآن أفضل من الواجب بنص القرآن، وحينئذ يرد علينا إشكال وهو كيف نجمع بين مدلول القرآن الكريم هنا وبين قوله الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: «مَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ»(١٦) فإن هذا يقتضي أن الفرائض أفضل من النوافل، أليس كذلك؟ وهذا لاشك فيه أن الفرائض أفضل من النوافل، وإن كان الجهلة منا والسفهاء يعتنون بالنوافل أكثر مما يعتنون بالفرائض، تجده في صلاة نافلة خاشعا يتدبر ما يقول وما يفعل، وفي صلاة الفريضة على العكس ينظر إلى الساعة تارة، وإلى القلم تارة، ويذكر شيئا نسيه فيخرج القلم يكتب براحته حتى لا ينسى، وفي النفل تجده خاشعا متدبرا ما يقوله ويفعل، وهذا لاشك أنه من جهلنا، وإلا فالعناية بالفرائض أولى من العناية بالنوافل، المهم كيف نجمع بين مدلول هذه الآية الكريمة وبين ما دل عليه الحديث القدسي؟ الجواب أن الجمع بينهما هو أنه إذا كان النفل شاملًا للواجب، شاملًا للواجب يعني يتضمن الواجب فهو أفضل؛ لأنه صار واجبا وزيادة، صار واجبا وزيادة عرفتم؟ طيب، الإبراء يتضمن الإنظار ولَّا لا؟ إي نعم، فيه إنظار وزيادة، أليس كذلك؟ فيه إنظار وزيادة، إذن فنقول إنما كان أفضل؛ لأنه مشتمل على الواجب وزيادة، ونظير ذلك ما قاله بعض العلماء: الوضوء ثلاثا سنة والوضوء مرة واجب، والثلاث أفضل من الواجب، كيف الثلاث أفضل من الواجب، وهي سنة والواجب فريضة؟ الجواب: لأن هذه السنة متضمنة للواجب، فهي واجب وزيادة، قالوا أيضا: ابتداء السلام سنة ورده فرض، والابتداء أفضل من الرد؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «خَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ»(١٧)، كيف هذا؟ والحديث: «مَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ»(١٨). قالوا: نعم؛ لأن هذا الرد مبني على الابتداء، فصار الابتداء مشروعا لذاته ولغيره، لولا الابتداء ما حصل الرد، فلما كان الرد مبنيا على الابتداء صار الابتداء هنا أفضل؛ لأنه صار سببًا وذاتًا، فهو سلام ابتدائي وسبب لواجب فأعطي فضيلة الواجب؛ لأنه سببه، وفضيلة الابتداء؛ لأنه الابتداء، عرفتم؟ من فوائد الآية الكريمة: تفاضل الأعمال، كيف؟ لقوله:
﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ وتفاضل الأعمال يقتضي تفاضل العامل، وأن العاملين بعضهم أفضل من بعض، وهذا أمر معلوم بالضرورة الشرعية والعقلية، أن العمال يختلفون
﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ [النساء ٩٥] ولَّا يستوون؟ لا يستوون،
﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [الحديد ١٠]، يتفرع على ذلك عندنا الآن من الآية الكريمة نأخذ تفاضل الأعمال يتفرع عليه: تفاضل العامل، يتفرع على ذلك: تفاضل الإيمان، تفاضل الإيمان، كيف ذلك؟ لأن الأعمال من الإيمان عند أهل السنة والجماعة، فإذا تفاضلت لزم من ذلك تفاضل الإيمان؛ ولهذا كان مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة العلم، وأن العلم يهدي صاحبه إلى الخير؛ لقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، هل يستفاد من الآية الكريمة: أن إبراء الغريم يجزئه من الزكاة؟ انتبهوا يعني إنسان عليه مائة ريال زكاة، يطلب شخصا فقيرا مائة ريال: وقال: أبرأت هذا الفقير، أبرأته عن زكاتي، هل تجزئه أو لا؟ نشوف من الآية، هل تقولون إن الآية تدل على إجزاء إبراء الفقير عن الزكاة؟ لو قال قائل نعم الآية تدل على أنه يجزئ لأن الله سمى الإبراء صدقة وقال: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة ٦٠] فإذا كان الإبراء صدقة، وأبرأت الفقير فقد أديت الزكاة، ولكن الصحيح أنه لا يجزئ، الصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا يجزئ، كيف؟ لأن الله عز وجل قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة ٢٦٧] وجعل الدين زكاة للعين هذا من تيمم الخبيث لإخراجه عن الطيب، والمراد بالخبيث هنا الرديء ما هو الحرام، أليس كذلك؟ لأن العين ملك قائم بيد المالك يتصرف فيه كيف يشاء، والدين الذي على معسر مال تالف في الواقع، مال تالف؛ لأن الأصل بقاء الإعسار ولَّا زواله؟ الأصل بقاء الإعسار، وحينئذ يكون هذا الدين بمنزلة المال التالف، فلا يصح أن يجعل هذا المال التالف زكاة عن العين؛ ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن هذا لا يجزئ بلا نزاع، بلا نزاع لا يجزئ، ولو قلنا يجزئ لكان كل إنسان له غرماء لا يستطيعون الوفاء يقول: أبرأته ونويتها من الزكاة فتبقى الأموال عنده، والديون التالفة الهالكة التي لا يرجى حصولها تكون هي الزكاة، هذا لا يمكن؛ ولهذا لو خيرت شخصا فقلت: أنا أعطيك عشرة ريالات أو أحولك على إنسان فقير بالعشرة، وأيش يختار؟
* طلبة: العشرة.
* الشيخ: تعطيني عشرة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: الله يهديكم تأملوا؟ قلت لإنسان: أنا باعطيك عشرة ريالات نقدا ولَّا باحولك على إنسان فقير، وأيش يأخذ؟
* الطلبة:العشرة.
* الشيخ: العشرة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ولا يتردد؟
* الطلبة: ولا يتردد.
* الشيخ: ولا يتردد، إذن صارت العشرة بالنسبة للدين من باب الطيب، وذاك من باب الرديء، لو أردت أن تعطي شخصا شاة سمينة صحيحة، وتعطيه شاة هزيلة مريضة، أيٍّ اللي يختار؟ الأول، هذا نفس الشيء، إذن نقول لا يجوز إبراء الفقير واحتساب ذلك من الزكاة، نعم، لو فرض أنه سيجعلها زكاة عن دين، زكاة عن دين، إذا قلنا بوجوب الزكاة في الدين فهذا ربما نقول إن هذا صحيح؛ لأن هذا الدين الذي أبرأت صار من جنس المال الذي زكيت به عنه.
(١) متفق عليه؛ البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩ / ١٠٧) من حديث النعمان بن بشير.
(٢) أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (٥٠) من حديث مسعر بن كدام عن عبد الله بن مسعود.
(٣) متفق عليه؛ البخاري (٥٧٦٧) من حديث ابن عمر، ومسلم (٨٦٩ / ٤٧) من حديث عمار.
(٤) أخرجه مسلم (١٠١٥ / ٦٥) من حديث أبي هريرة.
(٥) متفق عليه؛ البخاري (١٢٥٣)، ومسلم (٩٣٩ / ٣٦) من حديث أم عطية الأنصارية.
(٦) أخرجه ابن ماجه في سننه (٢٢٧٤) من حديث أبي هريرة، والحاكم في المستدرك (٢٢٩٠) من حديث عبد الله بن مسعود بنحو هذا اللفظ.
(٧) أخرجه مسلم (٢٧٤٤ / ٣) من حديث عبد الله بن مسعود بنحو هذا اللفظ.
(٨) متفق عليه؛ البخاري (٧٤٢٢)، ومسلم (٢٧٥١ / ١٥) من حديث أبي هريرة، واللفظ للبخاري.
(٩) متفق عليه؛ البخاري (٥٩٧٦)، ومسلم (٨٧ / ١٤٣) من حديث أبي بَكْرة نفيع بن الحارث، واللفظ للبخاري.
(١٠) متفق عليه؛ البخاري (٢٣١٢)، ومسلم (١٥٩٤ / ٩٦) من حديث أبي سعيد الخدري.
(١١) أخرجه الترمذي في جامعه (١٢١٣) من حديث عائشة.
(١٢) أخرجه البخاري (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة.
(١٣) أخرجه الترمذي (١٢١٣) من حديث عائشة.
(١٤) متفق عليه؛ البخاري (٢٢٨٧) ومسلم (١٥٦٤ / ٣٣) من حديث أبي هريرة.
(١٥) سبق تخريجه.
(١٦) أخرجه البخاري (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة.
(١٧) متفق عليه؛ البخاري (٦٠٧٧) ومسلم (٦٢٣٧) من حديث أبي أيوب الأنصاري.
(١٨) سبق تخريجه.