الباحث القرآني
يقول: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا﴾ ﴿جَعَلْنَا﴾ بمعنى (صيَّرنا)، وجعل تأتي بمعنى (خلق)، وتأتي بمعنى (صير)، إن تعدّت مفعولًا واحدًا فإنها بمعنى (خلق)، مثل قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام ١]، جعل يعني خلق، وإن تعدّت إلى مفعولين تأتي بمعنى (صير)، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [الزخرف ٣] أي: صيرناه بلغة العرب، وإنما نبّهت على ذلك؛ لأن الجهمية يقولون: إن الجعل بمعنى الخلق في جميع المواضع، ويقولون: معنى ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ أي: خلقناه، ولكننا نقول: (...) جعل إن تعدت لمفعول واحد فهي بمعنى (خلق)، ولمفعولين بمعنى (صير).
قال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا﴾ هنا (جعل) بمعنى خلق أو بمعنى صير؟
بمعنى صير، والمفعول الأول ﴿مَا﴾، والمفعول الثاني ﴿زِينَةً لَهَا﴾، ﴿مَا عَلَى الأَرْضِ﴾ جعله الله زينة للأرض، وذلك لارتباط الناس، هل يتعلقون بهذه الزينة أو يتعلقون بالخالق؟ الناس ينقسمون إلى قسمين: منهم من يتعلق بالزينة، ومنهم من يتعلق بالخالق، واسمع إلى قول الله عز وجل مبينًا هذا: ﴿فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾ [الأعراف ١٧٥، ١٧٦] إلى أين؟ إلى منازل عالية.
﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ﴾ مال إليها واطمأن إليها ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ أعاذنا الله وإياكم.
إذن جعل لهم الزينة لاختبار الناس، وسواء كانت هذه الزينة فيما خلقه الله عز وجل وأوجده، أو فيما صنعه الآدمي كالقصور الفخمة المزخرفة، زينة، لكنها من صُنع الآدمي، والأرض بجبالها وأنهارها ونباتها، وإذا أنزل الله الماء عليها اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج يبهج الناظر إليه، هذه زينة من عند الله تعالى.
﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ أي: نختبرهم.
﴿أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ والضمير يعود للخلق، وهنا قال: ﴿أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ لم يقل: (أكثر عملًا)؛ لأن العبرة بالأحسن لا بالأكثر، وعلى هذا لو صلَّى إنسان أربع ركعات، لكن على يقين ضعيف، وصلى آخر ركعتين بيقين قوي ومتابعة قوية، أيهما أحسن؟
الثاني أحسن وأفضل؛ لأن العبرة بإحسان العمل وإتقانه إخلاصًا ومتابعة.
في بعض العبادات الأفضل التخفيف كركعتي الفجر مثلًا، لو قال إنسان: أنا أحب أن أطيل، أحب القراءة في الركوع، وفي السجود، وفي القيام، وفي القعود، وآخر قال: أنا أحب أن أخفِّف، أيهما أفضل؟
الثاني أفضل، ولهذا ينبغي علينا إذا رأينا عاميًّا يطيل في ركعتي الفجر فلنسأل: هل هاتان الركعتان ركعة الفجر أو تحية المسجد؟
إن كان تحية المسجد فشأنه، وإن كانت ركعتي الفجر قلنا: لا، الأفضل أن تخفف.
في الصيام رخّص النبي ﷺ لأمته أن يواصلوا إلى الفجر؛ يعني ألَّا تفطر إلا بعد السحور، وندبهم إلى أن يفطروا من دون غروب الشمس، فصام رجلان أحدهما: امتد صومه إلى السحور، والثاني: أفطر من حين غابت الشمس، أيهما أفضل؟
الثاني بلا شك، والأول وإن كان لا ينهى عنه، لكنه جائز وليس بمشروع، جائز، ولكن انتبه لهذا.
﴿أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ ولذلك تجد النبي ﷺ يفعل من العبادات يحث على اتباع الجنائز، وتمر به الجنائز ولا يتبعها، يحث على أن نصوم يومًا ونفطر يومًا ومع ذلك هو لا يفعل هذا، لا يصوم يومًا ويفطر يومًا، بل كان أحيانًا يطيل الصوم حتى يقال: لا يفطر، وبالعكس، كل هذا يدفع ما كان أرضى لله عز وجل وأصلح لقلبه.
﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ [الكهف ٨] حال الأرض بقصورها وأشجارها ونباتها سوف يجعلها الله عز وجل صعيدًا خاليًا كما قال عز وجل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا﴾ [طه ١٠٥]، أي: نسفًا عظيمًا، ولهذا جاء منكّرًا؛ أي: نسفًا عظيمًا فيجعلها ﴿قَاعًا صَفْصَفًا﴾ [طه ١٠٦] ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ [طه ١٠٧]، وليحذر كل ما يكون سبحان الله.
إذن هذه الأرض -يا أخي- لا يتعلق قلبك بها؛ هي زائلة، هي ستكون كأن لم تكن، كما قال الله تعالى: ﴿كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ [يونس ٢٤].
﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾، وتأمل الآن ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ﴾، فيها مؤكدان؛ (إن)، و(اللام)، ثم إنها جاءت بالجملة الاسمية الدالة على القدرة المستمرة.
﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ إذا قامت القيامة أين القصور؟ لا قصور، لا جبال، لا أشجار، الأرض كأنها حجر واحد أملس، ما فيه لا نبات، ولا بناء، ولا أشجار، ولا غير ذلك.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا","وَإِنَّا لَجَـٰعِلُونَ مَا عَلَیۡهَا صَعِیدࣰا جُرُزًا"],"ayah":"إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق