قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها، أي ما على وجه الأرض من الرجال زينة لها، أي للأرض. ويقال: جعلنا ما على الأرض من النبات والأشجار والأنهار زينة لها، أي للأرض لِنَبْلُوَهُمْ، أي لنختبرهم أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، أي أخلص، ويقال: أيهم أخلص في الزهد في الدنيا وأترك لها. وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها، أي ما على الأرض في الآخرة من شيء من الزهرة. صَعِيداً جُرُزاً، أي تراباً أملس لا نبات فيه. وقال القتبي: الصعيد المستوي قال:
ويقال وجه الأرض، ومنه يقال للتراب صعيد، لأنه وجه الأرض، والجرز الذي لا نبات فيه.
يقال: أرض جرز وسنة جرز، إذا كان فيه جدوبة.
قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ، أي غار في الجبل وَالرَّقِيمِ الكتاب.
وقال قتادة: دراهمهم، وقال عكرمة، عن ابن عباس قال: «كل القرآن أعلمه إلا أربعة غسلين، وحنان، والأواه، والرقيم» ، وقال القتبي: الرَّقِيمِ لوح كتب فيه خبر أصحاب الكهف، ونصب على باب الكهف. وَالرَّقِيمِ الكتاب، وهو فعيل بمعنى مفعول ومنه: كِتَابٌ مَرْقُومٌ أي مكتوب. وقال الزجاج: هو اسم الجبل الذي فيه الكهف، وقال كعب الأحبار: الرَّقِيمِ اسم القرية.
روي عن ابن عباس: أن قريشاً اجتمعوا، وكان فيهم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، وأبو جهل بن هشام، وأمية وأبي أبناء خلف، والأسود بن عبد المطلب، وسائر قريش، فبعثوا منهم خمسة رهط إلى يهود يثرب- أي يهود المدينة- فسألوهم عن محمد وعن أمره وصفته، وأنه خرج من بين أظهرنا ويزعم أنه نبي مرسل، واسمه محمد، وهو فقير يتيم.
فلما قدموا المدينة، أتوا أحبارهم وعلماءهم، فوجدوهم قد اجتمعوا في عيد لهم، فسألوهم عنه ووصفوا لهم صفته، فقالوا لهم: نجده في التوراة كما وصفتموه لنا، وهذا زمانه، ولكن سلوه عن ثلاث خصال، فإن أخبركم بخصلتين ولم يخبركم بالثالثة، فاعلموا أنه نبي فاتبعوه، فإنا قد سألنا مسيلمة الكذاب عن هؤلاء الخصال، فلم يدر ما هن، وقد زعمتم أنه يتعلم من مسيلمة الكذاب. سلوه عن أصحاب الكهف، أي: قصوا عليه أمرهم، وسلوه عن ذي القرنين أن كان ملكاً وكان أمره كذا وكذا، وسلوه عن الروح، فإن أخبركم عن قليل أو كثير فهو كاذب، ففرحوا بذلك. فلما رجعوا وأخبروا أبا جهل، ففرح وأتوه فقال أبو جهل: إنا سائلوك عن ثلاث خصال، فسألوه عن ذلك، فقال لهم: «ارجعوا غداً أخبركم» ولم يقل: إن شاء الله. فرجعوا ولم ينزل عليه جبريل إلى ثلاثة أيام وفي رواية الكلبي: إلى خمسة عشر يوماً [[عزاه السيوطي: 5/ 337 إلى ابن جرير وابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.]] ، وفي رواية الضحاك: إلى أربعين يوماً، فجعلت قريش تقول: يزعم محمد أنه يخبرنا غداً بما سألناه، وقد مضى كذا وكذا يوماً. فشق ذلك على رسول الله ﷺ، ثم أتاه جبريل، فقال لجبريل: «لقد علمت ما سألني عنه قومي، فلم أبطأت علي؟» فقال: أنا عبد مثلك وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [مريم: 64] وقال: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الكهف: 23- 24] . وكان المشركون يقولون: إن ربه قد ودعه وأبغضه، فنزل: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى [الضحى: 3] ونزل: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً. فلما قرأ عليهم، قالوا: هذان ساحران، يعني: محمداً وموسى عليهما السلام ولم يصدقوه. وقوله:
عَجَباً يقول هم عجب، وأمرهم أعجب، وغيرهم مما خلقت أعجب منهم: الشمس والقمر والجبال والسموات والأرض أعجب منهم.
ثم بيَّن أمرهم، فقال تعالى: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ، أي صاروا إِليه وجعلوه مأواهم. والفتية: جمع فتى، غلام وغلمة، وصبي وصبية. فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، أي ثبتنا على الإسلام. وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً، أي هب لنا من أمرنا مخرجا.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا","وَإِنَّا لَجَـٰعِلُونَ مَا عَلَیۡهَا صَعِیدࣰا جُرُزًا","أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِیمِ كَانُوا۟ مِنۡ ءَایَـٰتِنَا عَجَبًا","إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡیَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُوا۟ رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةࣰ وَهَیِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدࣰا"],"ayah":"إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا"}