الباحث القرآني

ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ إرْشادِهِ إلى الإعْراضِ عَنْهم بِغَيْرِ ما يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ التَّبْلِيغِ لِلْبِشارَةِ والنِّذارَةِ بِأنَّهم لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ مُرادِهِ سُبْحانَهُ، وأنَّ الإيمانَ لا يَقْدِرُ عَلى إدْخالِهِ قُلُوبَهم غَيْرُهُ فَقالَ تَعالى: ﴿إنّا﴾ أيْ لا نَفْعَلُ ذَلِكَ لِأنّا ﴿جَعَلْنا﴾ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿ما عَلى الأرْضِ﴾ مِنَ المَوالِيدِ الثَّلاثَةِ: الحَيَوانِ والمَعْدِنِ والنَّباتِ ﴿زِينَةً لَها﴾ بِأنْ حَسَّنّاهُ في العُيُونِ، وأبْهَجْنا بِهِ النُّفُوسَ، ولَوْلا مَضَرَّةُ الحَيَواناتِ المُؤْذِيَةِ مِنَ الحَشَراتِ وغَيْرِها كانَتِ الزِّينَةُ بِها ظاهِرَةً، والظّاهِرُ أنَّهُ لَوْ أطاعَ النّاسُ كُلُّهم لَذَهَبَتْ مَضَرَّتُها فَبَدَتْ زِينَتُها، كَما يَكُونُ عَلى زَمَنِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ حَيْثُ تَصِيرُ لَعِبًا لِلْوِلْدانِ. ولَمّا أخْبَرَ بِتَزْيِينِها، أخْبَرَ بِعِلَّتِهِ فَقالَ تَعالى: ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ أيْ نُعامِلَهم مُعامَلَةَ المُخْتَبِرِ الَّذِي يَسْألُ لِخَفاءِ الأمْرِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أيُّهم أحْسَنُ عَمَلا﴾ أيْ بِإخْلاصِ الخِدْمَةِ لِرَبِّهِ، فَيَصِيرُ ما كُنّا نَعْلَمُهُ مِنهم ظاهِرًا بِالفِعْلِ (p-١٤)تُقامُ بِهِ عَلَيْهِمُ الحُجَّةُ عَلى ما يَتَعارَفُونَهُ بَيْنَهم بِأنَّ مَن أظْهَرَ مُوافَقَةَ الأمْرِ فِيما نالَ مِنَ الزِّينَةِ حازَ المَثُوبَةَ، ومَنِ اجْتَرَأ عَلى مُخالَفَةِ الأمْرِ بِما آتَيْناهُ مِنها فَعَمِلَ عَلى أنَّها لِلتَّنَعُّمِ بِها فَقَطِ اسْتَحَقَّ العُقُوبَةَ. ولَمّا كانَ دُعاءُ الزِّينَةِ إلى حَقِيقَةِ الحَياةِ الدُّنْيا مِنَ اللَّهْوِ واللَّعِبِ ظاهِرًا لِمُوافَقَتِهِ لِما [طُبِعَتْ] عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنَ الهَوى لَمْ يَحْتَجْ إلى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ أكْثَرَ مِن لَفْظِ الزِّينَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب