الباحث القرآني
سَبَبُ قَوْلِ مُوسَى [عليه السلام] [[زيادة من ف، أ.]] لفتاه -وهو يُشوع بْنُ نُون-هَذَا الْكَلَامَ: أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُحِطْ بِهِ مُوسَى، فَأَحَبَّ الذَّهَابَ إِلَيْهِ، وَقَالَ لِفَتَاهُ ذَلِكَ: ﴿لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ أَيْ لَا أَزَالُ سَائِرًا حَتَّى أَبْلُغَ هَذَا الْمَكَانَ الذي فيه مجمع البحرين، قال الفرزدق: فَمَا بَرحُوا حَتَّى تَهَادَتْ نسَاؤهُم ... بِبَطْحَاء ذِي قَارٍ عيابَ اللطَائم [[البيت في تفسير الطبري (١٥/١٧٦) .]]
قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: وَهُمَا بَحْرُ فَارِسَ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ، وَبَحْرُ الرُّومِ مِمَّا يَلِي الْمَغْرِبَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرظي: مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ عِنْدَ طَنْجَةَ، يَعْنِي فِي أَقْصَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ أَيْ: وَلَوْ أَنِّي أَسِيرُ حُقُبًا مِنَ الزَّمَانِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ الحُقُب فِي لُغَةِ قَيْسٍ [[في ف، أ: "العرب".]] : سَنَةٌ. ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: الحُقُب ثَمَانُونَ سَنَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَبْعُونَ خَرِيفًا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ قَالَ: دَهْرًا. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ، مِثْلَ ذَلِكَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أُمِرَ بِحَمْلِ حُوتٍ مَمْلُوحٍ مَعَهُ، وَقِيلَ لَهُ: مَتَى فقدتَ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمّة. فَسَارَا حَتَّى بَلَغَا مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ؛ وَهُنَاكَ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: "عَيْنُ الْحَيَاةِ"، فَنَامَا هُنَالِكَ، وَأَصَابَ الْحُوتُ مِنْ رَشَاشِ ذَلِكَ الْمَاءِ فَاضْطَرَبَ [[في ف، أ: "فاضطربت".]] ، وَكَانَ فِي مِكْتَلٍ مَعَ يُوشَعَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [[زيادة من ت، ف، أ.]] ، وطَفَر مِنَ المَكْتل إِلَى الْبَحْرِ، فَاسْتَيْقَظَ يُوشع، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسَقَطَ الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ وَجَعَلَ يَسِيرُ فِيهِ، وَالْمَاءُ لَهُ مِثْلُ الطَّاقِ لَا يَلْتَئِمُ بَعْدَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ أَيْ: مِثْلَ السَرَب في الأرض.
قال ابن جريح [[في ت: "جرير".]] : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَارَ أَثَرُهُ كَأَنَّهُ حَجَر.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جَعَلَ الْحُوتُ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا يَبِسَ حتى يكون صخرة [[في ت، ف، أ: "كصخرة".]] .
وقال محمد -[هو] [[زيادة من أ.]] بْنُ إِسْحَاقَ-عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ ذَكَرَ حَدِيثَ ذَلِكَ: "مَا انْجَابَ مَاءٌ مُنْذُ كَانَ النَّاسُ غَيْرُهُ ثَبَتَ [[في أ: "غير مثبت".]] مَكَانَ الْحُوتِ الَّذِي فِيهِ، فَانْجَابَ كالكُوّة حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ مُوسَى فَرَأَى مَسْلَكَهُ"، فَقَالَ: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ .
وَقَالَ قَتَادَةُ: سَرب مِنَ الْبَرِّ [[في ت، أ: "الحر".]] ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى الْبَحْرِ، ثُمَّ سَلَكَ فِيهِ فَجَعَلَ لَا يَسْلُكُ فِيهِ طَرِيقًا إِلَّا جُعِلَ [[في ت، أ: "صار".]] مَاءً جَامِدًا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا﴾ أَيِ: الْمَكَانَ الَّذِي نَسِيَا الْحُوتَ فِيهِ، ونُسب النسيان إليهما وإن كان يُوشَع هُوَ الَّذِي نَسِيَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرَّحْمَنِ:٢٢] ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنَ [[في ف، أ: "على".]] الْمَالِحِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
فَلَمَّا ذَهَبَا عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي نَسَيَاهُ فِيهِ مَرْحَلَةً ﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا [نَصَبًا] [[زيادة من ف، أ.]] ﴾ أَيْ: الَّذِي جَاوَزَا فِيهِ الْمَكَانَ ﴿نَصَبًا﴾ يَعْنِي: تَعَبًا. قَالَ: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ["وَمَا أَنْسَانِيهِ أَنْ أَذْكُرَهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ] [[زيادة من ف، أ، وفي هـ: "أن أذكره".]] ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ﴾ أَيْ: طَرِيقَهُ ﴿فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ أَيْ: هَذَا الَّذِي نَطْلُبُ ﴿فَارْتَدَّا﴾ أَيْ: رَجَعَا ﴿عَلَى آثَارِهِمَا﴾ أَيْ: طَرِيقِهِمَا ﴿قَصَصًا﴾ أَيْ: يَقُصَّانِ أَثَرَ مَشْيِهِمَا، وَيَقْفُوَانِ أَثَرَهُمَا.
﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ وَهَذَا هُوَ الْخَضِرُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. بِذَلِكَ قَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا البِكَالِيّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذِبَ عَدُوّ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئل: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَنَا. فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ لِي بِهِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتًا، تَجْعَلُهُ [[في أ: "فتجعله".]] بِمِكْتَلٍ، فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهُوَ [[في أ: "منهم".]] ثَمَّ. فَأَخَذَ حُوتًا، فَجَعَلَهُ بِمِكْتَلٍ [[في ف: "في مكتل".]] ثُمَّ انْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ بِفَتَاهُ [[في ف: "فتاه".]] يُوشع بْنِ نُونٍ عَلَيْهِمَا [[في ت، ف: "عليه".]] السَّلَامُ، حَتَّى إِذَا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فَنَامَا، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ، فَخَرَجَ مِنْهُ، فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ وَاتَّخَذَ [[في ف: "فاتخذ".]] سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الْحُوتِ جِريةَ الْمَاءِ، فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نَسِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْحُوتِ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَب حَتَّى جاوَزَا الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ. قَالَ لَهُ فَتَاهُ [[في ت: "قتادة" وهو خطأ.]] : ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ قَالَ: "فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا، فَقَالَ: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ . قَالَ: "فَرَجَعَا [[في ف: "فرجعان".]] يَقُصَّانِ أَثَرَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ مُسجّى بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ الخَضِر: وَأنّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ!. قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمت رُشْدًا. ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ ، يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مَنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ، لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مَنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَه اللَّهُ لا أَعْلَمُهُ. فَقَالَ مُوسَى: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ .
فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرَّتْ سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُ [[في ف، أ: "يحملوهم".]] ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ، فَحَمَلُوهُمْ [[في ت: "فحملوه"، وفي ف، أ: "فحملوا".]] بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَفْجَأْ إِلَّا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُومِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَدْ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَعَمَدْتَ [[في ف، أ: "عمدت".]] إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ [[في ف، أ: "أقل لك" وهو خطأ.]] قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا". قَالَ: وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَنَزَلَ [[في ف، أ: "فوقع".]] عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرة، [أَوْ نَقْرَتَيْنِ] [[زيادة من أ.]] فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ.
ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ، فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذْ أَبْصَرَ الْخَضِرُ غُلَامًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ رَأْسَهُ [بِيَدِهِ] [[زيادة من ف، أ.]] فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ ؟! [[في ف، أ: "زاكية".]] قَالَ: "وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى"، ﴿قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا * [[في ف: "قد بلغت مني" وهو خطأ.]] فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ [[في ت: "ينقض فأقامه".]] ﴾ قَالَ: مَائِلٌ. فَقَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ: ﴿فَأَقَامَهُ﴾ ، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا، ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا".
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: "وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا" وَكَانَ يَقْرَأُ: "وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ" [[صحيح البخاري برقم (٤٧٢٥) .]] .
ثُمَّ رَوَاهُ [[في أ: "ورواه".]] الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيينة ... فَذَكَرَ نَحْوَهُ [[في ت، ف، أ: "فذكره بنحوه".]] ، وَفِيهِ: "فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ يُوشع بْنُ نُونٍ، وَمَعَهُمَا الْحُوتُ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَنَزَلَا عِنْدَهَا -قَالَ: فَوَضَعَ مُوسَى رَأْسَهُ فَنَامَ-قَالَ سُفْيَانُ: وَفِي حَدِيثِ غَيْرِ [[في ت، ف، أ: "عن".]] عَمْرٍو قَالَ: وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: الْحَيَاةُ، لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حُيِيَ: فَأَصَابَ [[في ت: "قال: فأصاب".]] الْحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ، قَالَ، فَتَحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنَ الْمِكْتَلِ، فَدَخَلَ الْبَحْرَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا﴾ كَذَا قَالَ: وَسَاقَ [[في أ: "وسباق".]] الْحَدِيثَ. وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: مَا علمي وَعِلْمُكَ وَعِلْمُ الْخَلَائِقِ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مقدارُ مَا غَمَسَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْقَارَهُ وَذَكَرَ تَمَامَهُ بِنَحْوِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٧٢٧) .]] .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيج أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ-وَغَيْرُهُمَا قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِنَّا لَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِهِ، إِذْ قَالَ: سَلُونِي. فَقُلْتُ: أَيْ أَبَا عَبَّاسٍ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، بِالْكُوفَةِ رَجُلٌ قَاصٌّ، يُقَالُ لَهُ: "نَوْفٌ" يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ -أَمَّا عَمْرٌو فَقَالَ لِي: قَالَ [[في أ: "فقال وقال".]] : كَذِبَ عَدُوُّ اللَّهِ! وَأَمَّا يَعْلَى فَقَالَ لِي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ، ذكَّر النَّاسَ يَوْمًا، حَتَّى إِذَا فَاضَتِ الْعُيُونُ، وَرَقَّتِ الْقُلُوبُ، وَلَّى فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ فِي الْأَرْضِ [[في ت: "هل على الأرض"، وفي ف: "هل في الناس".]] أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ: لَا. فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ، قِيلَ: بَلَى قَالَ: أَيْ رَبِّ، وَأَيْنَ؟ قَالَ: بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، اجْعَلْ لِي عِلْمًا أَعْلَمُ ذَلِكَ بِهِ". قَالَ لِي عَمْرٌو: قَالَ: حَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ، وَقَالَ لِي يَعْلَى: خُذْ حُوتًا مَيْتًا حَيْثُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ. فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ، فَقَالَ لِفَتَاهُ: لَا أُكَلِّفُكَ إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنِي حَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ، قَالَ مَا كَلَّفْتَ كَبِيرًا. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ﴾ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، لَيْسَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: "فَبَيْنَا [[في ت: "فبينما".]] هُوَ فِي ظِلِّ صَخْرَةٍ فِي مَكَانٍ ثَرْيَانَ [[في ف، أ: "يريان".]] إِذْ تَضَرَّب [[ف أ: "يضرب".]] الْحُوتُ وَمُوسَى نَائِمٌ فَقَالَ فَتَاهُ: لَا أُوقِظُهُ، حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَظَ نَسِيَ أَنْ يُخْبِرَهُ، وَتَضَرَّبَ الْحُوتُ حَتَّى دَخَلَ الْبَحْرَ، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جَرْيَة الْمَاءِ حَتَّى كَأَنَّ أَثَرَهُ فِي حَجَرٍ". [قَالَ: فَقَالَ لِي عَمْرٌو: هَكَذَا كَأَنَّ أَثَرَهُ فِي حَجَرٍ] [[زيادة من ف، أ، والبخاري.]] ، وَحَلَّقَ بَيْنَ إِبْهَامَيْهِ وَالَّتِي تَلِيهِمَا: ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ قَالَ: "وَقَدْ قَطَعَ اللَّهُ عَنْكَ النَّصَبَ" لَيْسَتْ هَذِهِ عِنْدَ سَعِيدٍ -أَخْبَرَهُ، فَرَجَعَا فَوَجَدَا خَضرًا. قَالَ: قَالَ [[في ف، أ: "قال لى".]] عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: عَلَى طِنْفِسَة خَضْرَاءَ عَلَى كبِد [[في ت: "كبده".]] الْبَحْرِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُسَجى بِثَوْبٍ، قَدْ جَعَلَ طَرَفَهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ، وَطَرَفَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: هَلْ بِأَرْضٍ مِنْ سَلَامٍ؟ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: جِئْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتُ رُشْدًا. قَالَ: يَكْفِيكَ [[في أ: "أما يكفيك"، وفي ت: "ألا تكفيك.]] التَّوْرَاةُ [[في ف: "أما يكفيك أن التوراة".]] بِيَدِكَ، وَأَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيكَ!. يَا مُوسَى، إِنَّ لِي عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْلَمَهُ، وَإِنَّ لَكَ عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَعْلَمَهُ. فَأَخَذَ طَائِرٌ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ [فَقَالَ: وَاللَّهُ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الطَّائِرُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ] [[زيادة من ف، أ، والبخاري.]] ، حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ وَجَدَا مَعَابِرَ صِغَارًا تَحْمِلُ [[في ت: "فحمد".]] أَهْلَ هَذَا السَّاحِلِ إِلَى [[في ت، أ: "إلى أهل".]] هَذَا السَّاحِلِ الْآخَرِ عَرَفُوهُ، فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ الصَّالِحُ؟. قَالَ فَقُلْنَا لِسَعِيدٍ: خَضِرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. لَا نَحْمِلُهُ بِأَجْرٍ. فَخَرَقَهَا، وَوَتَدَ فِيهَا وَتَدًا. قَالَ مُوسَى: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ .
قَالَ مُجَاهِدٌ: مُنْكِرًا. قَالَ: ﴿أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ كَانَتِ الْأُولَى نِسْيَانًا، وَالْوُسْطَى شَرْطًا، وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا. فَانْطَلَقَا﴾ . حَتَّى لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ. قَالَ يَعْلَى: قَالَ سَعِيدٌ، وَجَدَ غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ، فَأَخَذَ غُلَامًا كَافِرًا ظَرِيفًا فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ، فَقَالَ: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ لَمْ تَعْمَلْ بِالْحِنْثِ [[في ت: "لم تعلم بالحنث"، وفي ف، أ: "لم تعمل الحنث".]] . وَابْنُ عَبَّاسٍ قَرَأَهَا ﴿زَكِيَّةً﴾ -" زَاكِيَة " مُسْلمَة، كَقَوْلِكَ [[في ت: "كقوله".]] : غُلَامًا زَكِيًّا فَانْطَلَقَا، فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ، قَالَ [سَعِيدٌ] [[زيادة من ف، أ، والبخاري.]] بِيَدِهِ هَكَذَا، وَرَفَعَ يَدَهُ فَاسْتَقَامَ -قَالَ يَعْلَى: حَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ: فَمَسْحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ -قَالَ: ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ قَالَ سَعِيدٌ: أَجْرًا نَأْكُلُهُ ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾ وَكَانَ أَمَامَهُمْ، قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَمَامَهُمْ مَلِكٌ" يَزْعُمُونَ عَنْ غَيْرِ سَعِيدٍ أَنَّهُ هُدَدُ بْنُ بُدَدَ، وَالْغُلَامُ الْمَقْتُولُ [[في ت: "المقصود".]] اسْمُهُ -يَزْعُمُونَ-جَيسُور [[في أ: "حيسون".]] ﴿مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ فَأَرَدْتُ إِذَا هِيَ مَرَّتْ بِهِ أَنْ يَدَعَهَا بِعَيْبِهَا، فَإِذَا جَاوَزَهُ [[في أ: "جاوزوا".]] أَصْلَحُوهَا فَانْتَفَعُوا بِهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: سَدُّوهَا بِقَارُورَةٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بِالْقَارِ. ﴿فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾ وَكَانَ كَافِرًا، ﴿فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ . أَنْ يَحْمِلَهُمَا حُبّه عَلَى أَنْ يُتَابِعَاهُ [[في ت: "تبايعاه".]] عَلَى دِينِهِ ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ ، ﴿وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ : هُمَا بِهِ أَرْحَمُ مِنْهُمَا بِالْأَوَّلِ الَّذِي قَتَلَ [[في أ: "قتله".]] خَضِرٌ. وَزَعَمَ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمَا أُبْدِلَا جَارِيَةً. وَأَمَّا دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فَقَالَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: إِنَّهَا جَارِيَةٌ [[صحيح البخاري برقم (٤٧٢٦) .]] .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَبَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِأَمْرِهِ مِنِّي. فَأمرَ أَنْ يَلْقَى هَذَا الرَّجُلَ. فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ بِزِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ [[تفسير عبد الرزاق (١/٣٤١، ٣٤٢) .]] ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ [[في ف، أ: "عيينة".]] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: جَلَسْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، إِنَّ نَوْفًا ابْنَ امْرَأَةِ كَعْبٍ، يَزْعُمُ عَنْ كَعْبٍ أَنَّ مُوسَى النَّبِيَّ الَّذِي طَلَبَ الْعَالَمَ إِنَّمَا هُوَ مُوسَى بْنُ مِيشَا؟ قَالَ سَعِيدٌ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أنوفٌ يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ، أَنَا سَمِعْتُ نَوْفًا يَقُولُ [[في ت: "فيقول".]] ذَلِكَ. قَالَ: أَنْتِ سَمِعْتَهُ يَا سَعِيدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَذَبَ نَوْفٌ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: "أَنْ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، إِنْ كَانَ فِي عِبَادِكَ أَحَدٌ [[في ت: "واحد".]] هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي، فَدُلَّنِي عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، فِي عِبَادِي مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. ثُمَّ نَعَتَ لَهُ مَكَانَهُ [[في ف، أ: "بمكان".]] وَأَذِنَ لَهُ فِي لُقِيِّهِ. فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ، وَمَعَهُ حُوتٌ مَلِيحٌ، قَدْ قِيلَ لَهُ: إِذَا [[في أ: "إنه إذا".]] حَيِيَ هَذَا الْحُوتُ فِي مَكَانٍ، فَصَاحِبُكَ هُنَالِكَ، وَقَدْ أَدْرَكْتَ حَاجَتَكَ. فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ، وَمَعَهُ ذَلِكَ الْحُوتُ يَحْمِلَانِهِ، فَسَارَ حَتَّى جَهَدَهُ السَّيْرُ، وَانْتَهَى إِلَى الصَّخْرَةِ وَإِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، وَذَلِكَ الْمَاءُ مَاءُ الْحَيَاةِ، من شَرِبَ مِنْهُ خُلِّدَ، وَلَا يُقَارِبُهُ شَيْءٌ مَيْتٌ إِلَّا حَيِيَ. فَلَمَّا نَزَلَا وَمَسَّ الْحُوتُ الْمَاءَ حَيِيَ ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ فَانْطَلَقَا فَلَمَّا جَاوَزَ مُنْقَلَبَه قَالَ: مُوسَى لِفَتَاهُ: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ قَالَ الْفَتَى -وَذَكَرَ-: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَظَهَرَ مُوسَى عَلَى الصَّخْرَةِ حَتَّى إِذَا انْتَهَيَا إِلَيْهَا، فَإِذَا رَجُلٌ مُتَلَفِّفٌ فِي كِسَاءٍ لَهُ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَالِمُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ إِنْ كَانَ لَكَ فِي قَوْمِكَ لَشُغل؟. قَالَ لَهُ مُوسَى: جِئْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ وَكَانَ رَجُلًا يَعْلَمُ عِلْمَ الْغَيْبِ قَدْ عُلِّم ذَلِكَ -فَقَالَ مُوسَى: بَلَى. قَالَ: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ ؟ أَيْ: إِنَّمَا تَعْرِفُ ظَاهِرَ مَا تَرَى مِنَ الْعَدْلِ، وَلَمْ تُحِطْ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ بِمَا أَعْلَمُ. ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ وَإِنْ رأيتُ مَا يُخَالِفُنِي، قَالَ: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ﴾ [وَإِنْ أَنْكَرْتَهُ] [[زيادة من ف، أ، والطبري.]] ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ : فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ يَتَعَرَّضَانِ النَّاسَ، يَلْتَمِسَانِ [[في ف، أ: "يلتمسان".]] مَنْ يَحْمِلُهُمَا، حَتَّى مَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ جَدِيدَةٌ وَثِيقَةٌ، لَمْ يَمُرَّ بِهِمَا مِنَ السُّفُنِ أَحْسَنُ وَلَا أَكْمَلُ وَلَا أَوْثَقُ مِنْهَا. فَسَأَلَا أَهْلَهَا أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَحَمَلُوهُمَا [[في ت: "فحملوها".]] ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّا فِيهَا وَلجّجَت بِهِمَا مَعَ أَهْلِهَا، أَخْرَجُ مِنْقَارًا لَهُ وَمِطْرَقَةً، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْهَا فَضَرَبَ فِيهَا بِالْمِنْقَارِ حَتَّى خَرَقَهَا. ثُمَّ أَخَذَ لَوْحًا فَطَبَّقَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهَا يُرَقِّعُهَا، فَقَالَ: لَهُ مُوسَى -وَرَأَى أَمْرًا أَفْظَعَ بِهِ-: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ أَيْ: بِمَا تَرَكْتُ مِنْ عَهْدِكَ، ﴿وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ . ثُمَّ خَرَجَا [[في ت: "خرجاه".]] مِنَ السَّفِينَةِ فَانْطَلَقَا، حَتَّى أَتَيَا [[في ف، أ: "حتى إذا أتيا".]] أَهْلَ قَرْيَةٍ، فَإِذَا غِلْمَانٌ يَلْعَبُونَ خَلْفَهَا، فِيهِمْ غُلَامٌ لَيْسَ فِي الْغِلْمَانِ غُلَامٌ أَظْرَفُ مِنْهُ وَلَا أَثْرَى [[في ف، أ: "ولا أبرأ".]] وَلَا أَوْضَأُ [[في أ:"ولا أضوأ".]] مِنْهُ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ، وَأَخَذَ [[في ف: "فأخذ".]] حَجَرًا فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَهُ حَتَّى دَمَغَهُ فَقَتَلَهُ، قَالَ: فَرَأَى مُوسَى أَمْرًا فَظِيعًا لَا صَبْرَ عَلَيْهِ، صَبِيٌّ صَغِيرٌ قَتَلَهُ لَا ذَنْبَ لَهُ [[في ف: "عليه".]] قَالَ: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ [[في أ: "زاكية".]] أَيْ: صَغِيرَةً ﴿بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي [[في ف: "قد بلغت منى". وهو خطأ.]] عُذْرًا﴾ أَيْ: قَدْ أعْذرتَ [[في ت: "عددت"، وفي أ: "عذرت".]] فِي شَأْنِي. ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ ، فَهَدَمَهُ ثُمَّ قَعَدَ يَبْنِيهِ، فَضَجِرَ مُوسَى مِمَّا يَرَاهُ [[في أ: "رآه".]] يَصْنَعُ مِنَ التَّكْلِيفِ، وَمَا لَيْسَ عَلَيْهِ صَبْرٌ، قَالَ: ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ أَيْ: قَدِ اسْتَطْعَمْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا، وَضِفْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيّفونا، ثُمَّ قَعَدْتَ تَعْمَلُ مِنْ غَيْرِ صَنِيعَةٍ، وَلَوْ شِئْتَ لَأُعْطِيتَ عَلَيْهِ أَجْرًا فِي عَمَلِهِ؟. قَالَ: ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ -وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ" -وَإِنَّمَا عِبْتُهَا [[في أ: "عيبتها".]] لِأَرُدَّهُ عَنْهَا، فَسَلِمَتْ [[في ف: "فسلمت منه".]] حِينَ رَأَى الْعَيْبَ الَّذِي صَنَعْتُ بِهَا. ﴿وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ أَيْ: مَا فَعَلْتُهُ عَنْ نَفْسِي، ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَا كَانَ الْكَنْزُ إِلَّا عِلْمًا [[رواه الطبري في تفسيره (١٥/١٨٠) .]] .
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ مُوسَى وَقَوْمُهُ عَلَى مِصْرَ، أَنْزَلَ قَوْمَهُ [[في ت، ف، أ: "قومه مصر".]] ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِهِمُ الدَّارُ، أَنْزَلَ اللَّهُ: أَنْ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ فَخَطَبَ قَوْمَهُ، فَذَكَرَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ، وَذَكَّرَهُمْ إِذْ نَجَّاهُمُ اللَّهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَذَكَّرَهُمْ هَلَاكَ عَدُوِّهِمْ، وَمَا اسْتَخْلَفَهُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، وَقَالَ: كَلَّمَ اللَّهُ نَبِيَّكُمْ تَكْلِيمًا، وَاصْطَفَانِي لِنَفْسِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ مَحَبَّةً مِنْهُ، وَآتَاكُمُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ مَا سألتموه؛ فنبيكم أفضل أهل الأرض، وأنتم تقرؤون التَّوْرَاةَ، فَلَمْ يَتْرُكْ نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا وَعَرَّفَهُمْ إِيَّاهَا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: هُمْ [[في أ: "هن".]] كَذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْنَا الَّذِي تَقُولُ، فَهَلْ عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا. فَبَعَثَ اللَّهُ جِبْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ [[في ف: "جبريل عليه السلام إلى موسى عليه السلام"، وفي أ: "جبريل إلى موسى عليه السلام".]] ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ [عَزَّ وَجَلَّ] [[زيادة من أ.]] يَقُولُ: وَمَا يُدْرِيكَ أَيْنَ أَضَعُ عِلْمِي؟ بَلَى [[في أ: "بل".]] . إِنَّ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ رَجُلًا هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْخَضِرُ-فَسَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ إِيَّاهُ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ: أَنِ ائْتِ الْبَحْرَ، فَإِنَّكَ تَجِدُ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ حُوتًا، فَخُذْهُ فَادْفَعْهُ إِلَى فَتَاكَ، ثُمَّ الْزَمْ شَطَّ الْبَحْرِ، فَإِذَا نَسِيتَ الْحُوتَ وَهَلَكَ مِنْكَ، فَثَمَّ تَجِدُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ الَّذِي تَطْلُبُ. فَلَمَّا طَالَ سَفَرُ مُوسَى نَبِيِّ اللَّهِ وَنَصَبَ فِيهِ، سَأَلَ فَتَاهُ عَنِ الْحُوتِ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ وَهُوَ غُلَامُهُ: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ لَكَ، قَالَ الْفَتَى: لَقَدْ رَأَيْتُ الْحُوتَ حِينَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا فَأَعْجَبَ ذَلِكَ مُوسَى، فَرَجَعَ حَتَّى أَتَى الصَّخْرَةَ، فَوَجَدَ الْحُوتَ، فَجُعِلَ الْحُوتُ يَضْرِبُ فِي الْبَحْرِ وَيَتْبَعُهُ مُوسَى، وَجَعْلَ مُوسَى يُقَدِّمُ عَصَاهُ يُفَرِّجُ بِهَا عَنْهُ الْمَاءَ يَتْبَعُ [[في أ: "حتى يتتبع".]] الْحُوتَ، وَجَعَلَ الْحُوتُ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا يَبِسَ، حَتَّى يَكُونَ صَخْرَةً [[في ت: "حتى يكون مثل الحجر".]] ، فَجَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى انْتَهَى بِهِ الْحُوتُ إِلَى جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، فَلَقِيَ الْخَضِرَ بِهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْخَضِرُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، وَأَنَّى يَكُونُ السَّلَامُ بِهَذِهِ [[في أ: "وأني يكون هذا السلام بهذا".]] الْأَرْضِ؟ وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. فَقَالَ [[في ف، أ: "فقال له".]] الْخَضِرُ: أَصَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ [قَالَ: نَعَمْ] [[زيادة من ف، أ، والطبري.]] فَرَحَّبَ بِهِ وَقَالَ: مَا جَاءَ [[في أ: "ما حاجتك".]] بِكَ؟ قال جئتك ﴿عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ يَقُولُ: لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. قَالَ مُوسَى ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِ، وَقَالَ لَهُ: لَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ أَصْنَعُهُ حَتَّى أُبَيِّنَ لَكَ شَأْنَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾
وَقَالَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتبة بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ خَضِرٌ. فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقيه، فَهَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: "بَيْنَا مُوسَى فِي مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: تَعْلَمُ مَكَانَ رَجُلٍ أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ: لَا؛ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ. فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقيّه فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدت [[في ت: "بعدت".]] الْحُوتَ [فَهُوَ ثَمَّةَ] [[زيادة من أ.]] فَارْجِعْ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ. فَكَانَ مُوسَى يَتْبَعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ. فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ قَالَ مُوسَى ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ فَوَجَدَا عَبْدَنَا [[في أ: "عبدا".]] خَضِرًا فكان من شأنهما ما قص في الله كِتَابِهِ [[في ت: "كتابه العزيز".]] [[رواه الطبري في تفسيره (١٥/١٨٣) .]]
{"ayahs_start":60,"ayahs":["وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَاۤ أَبۡرَحُ حَتَّىٰۤ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ أَوۡ أَمۡضِیَ حُقُبࣰا","فَلَمَّا بَلَغَا مَجۡمَعَ بَیۡنِهِمَا نَسِیَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِیلَهُۥ فِی ٱلۡبَحۡرِ سَرَبࣰا","فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَىٰهُ ءَاتِنَا غَدَاۤءَنَا لَقَدۡ لَقِینَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَبࣰا","قَالَ أَرَءَیۡتَ إِذۡ أَوَیۡنَاۤ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّی نَسِیتُ ٱلۡحُوتَ وَمَاۤ أَنسَىٰنِیهُ إِلَّا ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِیلَهُۥ فِی ٱلۡبَحۡرِ عَجَبࣰا","قَالَ ذَ ٰلِكَ مَا كُنَّا نَبۡغِۚ فَٱرۡتَدَّا عَلَىٰۤ ءَاثَارِهِمَا قَصَصࣰا","فَوَجَدَا عَبۡدࣰا مِّنۡ عِبَادِنَاۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ رَحۡمَةࣰ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَـٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمࣰا"],"ayah":"فَوَجَدَا عَبۡدࣰا مِّنۡ عِبَادِنَاۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ رَحۡمَةࣰ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَـٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق