الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَهُوَ الَّذِي أرْسَلَ الرِياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وأنْزَلْنا مِنَ السَماءِ ماءً طَهُورًا﴾ ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ونُسْقِيَهُ مِمّا خَلَقْنا أنْعامًا وأناسِيَّ كَثِيرًا﴾ ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهم لِيَذَّكَّرُوا فَأبى أكْثَرُ الناسِ إلا كُفُورًا﴾ ﴿وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا﴾ ﴿فَلا تُطِعِ الكافِرِينَ وجاهِدْهم بِهِ جِهادًا كَبِيرًا﴾
قَرَأتْ فِرْقَةٌ: "الرِياحَ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "الرِيحَ" عَلى الجِنْسِ، فَهي بِمَعْنى الرِياحِ، وقَدْ نَسَبْنا القِراءَةَ في سُورَةِ الأعْرافِ، وقِراءَةُ الجَمْعِ أوجُهٌ؛ لِأنَّ عُرْفَ "الرِيحِ" مَتى ورَدَتْ في القُرْآنِ مُفْرَدَةً فَإنَّما هي لِلْعَذابِ، ومَتى كانَتْ لِلْمَطَرِ والرَحْمَةِ فَإنَّما هي رِياحٌ؛ لِأنَّ رِيحَ المَطَرِ تَتَشَعَّبُ وتَتَداءَبُ وتَتَفَرَّقُ وتَأْتِي لَيِّنَةً مِن ها هُنا وها هُنا، وشَيْئًا إثْرَ شَيْءٍ، ورِيحُ العَذابِ حَرْجَفٌ لا تَتَداءَبُ، وإنَّما تَأْتِي جَسَدًا واحِدًا، ألا تَرى أنَّها تُحَطِّمْ ما تَجِدُ وتَهْدِمُهُ؟ قالالرُمّانِيُّ: جُمِعَتْ رِياحُ الرَحْمَةِ لِأنَّها ثَلاثَةُ لَواقِحَ: الجَنُوبُ والصَبا والشَمالُ، وأُفْرِدَتْ رِيحُ العَذابِ لِأنَّها واحِدَةٌ، لا تُلَقِّحُ، وهي الدَبُورُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
"وَيَرِدُ" عَلى هَذا قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ إذا هَبَّتِ الرِيحُ: «اللهُمُ اجْعَلْها رِياحًا ولا تَجْعَلْها (p-٤٤٤)رِيحًا». واخْتَلَفَ القُرّاءُ في "النَشْرِ" في النُونِ والباءِ وغَيْرِ ذَلِكَ اخْتِلافًا قَدْ ذَكَرْناهُ في سُورَةِ الأعْرافِ، و "نَشْرًا" مَعْناهُ: مُنْتَشِرَةً مُتَفَرِّقَةً.
و"الطَهُورُ" بِناءُ مُبالَغَةٍ في "طاهِرٍ"، وهَذِهِ المُبالَغَةُ اقْتَضَتْ في ماءِ السَماءِ وفي كُلِّ ما هو مِنهُ وبِسَبِيلِهِ أنْ يَكُونَ طاهِرًا ومُطَهِّرًا، ووَصَفَ البَلْدَةَ بِالمَيِّتِ لِأنَّهُ جَعَلَهُ كالمَصْدَرِ الَّذِي يُوصَفُ بِهِ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ، وجازَ ذَلِكَ مِن حَيْثُ "البَلْدَةِ" بِمَعْنى "البَلَدِ"، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "لِنُنْشِئَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ونُسْقِيَهُ" بِضَمِّ النُونِ، وهي قِراءَةُ الجُمْهُورِ، ومَعْناهُ: نَجْعَلُهُ لَهم سُقْيا، هَذا قَوْلُ بَعْضِ اللُغَوِيِّينَ في "أسْقى"، قالُوا: و "سَقى" مَعْناهُ لِلشَّفَةِ، وقالَ الجُمْهُورُ: سَقى وأسْقى بِمَعْنى واحِدٍ، ويُنْشَدُ عَلى ذَلِكَ بَيْتُ لَبِيدٍ:
؎ سَقى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وأسْقى نُمَيْرًا والقَبائِلَ مِن هِلالِ
وقَرَأ أبُو عَمْرٍو: "نَسْقِيَهُ" بِفَتْحِ النُونِ، وهي قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وابْنِ أبِي عَبْلَةَ، وأبِي حَيْوَةَ، ورُوِيَتْ عن عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ. و"أناسِيَّ" قِيلَ: هو جَمْعُ إنْسانٍ، والياءُ المُشَدَّدَةِ بَدَلٌ مِنَ النُونِ في الواحِدِ، قالَهُ سِيبَوَيْهَ، وقالَ المُبَرِّدُ: هو جَمْعُ إنْسِيٍّ، فَكانَ القِياسُ أنْ يَكُونَ "أناسِيَةٌ"، كَما قالُوا في مُهْلَّبِيٍّ: مَهالِبَةٌ، وحَكى (p-٤٤٥)الطَبَرِيُّ عن بَعْضِ اللُغَوِيِّينَ في جَمْعِ إنْسانٍ: أناسِينَ بِالنُونِ، كَسَرْحانَ وبُسْتانٍ، وقَرَأ يَحْيى بْنُ الحارِثِ: "أناسِيَ" بِتَخْفِيفِ الياءِ.
والضَمِيرُ في "صَرَّفْناهُ" قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ: هو عائِدٌ عَلى الماءِ المُنَزَّلِ مِنَ السَماءِ، المَعْنى أنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى جَعَلَ لَهم إنْزالَ الماءِ تَذْكِرَةً بِأنْ يَصْرِفَهُ عن بَعْضِ المَواضِعِ إلى بَعْضٍ، وهو كُلُّهُ في كُلِّ عامٍ بِمِقْدارٍ واحِدٍ، وقالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وقَوْلُهُ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ-: ﴿فَأبى أكْثَرُ الناسِ إلا كُفُورًا﴾ أيْ في قَوْلِهِمْ: بِالأنْواءِ والكَواكِبِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ، وقِيلَ: "كُفُورًا" عَلى الإطْلاقِ لَمّا تَرَكُوا التَذَكُّرَ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: الضَمِيرُ في "صَرَّفْناهُ" لِلْقُرْآنِ، وإنْ كانَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ لِوُضُوحِ الأمْرِ، ويُعَضِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿وَجاهِدْهم بِهِ﴾، وعَلى التَأْوِيلِ الأوَّلِ الضَمِيرُ في "بِهِ" يُرادُ بِهِ القُرْآنُ عَلى نَحْوِ ما ذَكَرْناهُ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: يُرادُ بِهِ الإسْلامُ. وقَرَأ عِكْرِمَةُ: "صَرَفْناهُ" بِتَخْفِيفِ الراءِ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، والكُوفِيُّونَ: "لِيَذْكُرُوا" بِسُكُونِ الذالِ، وقَرَأ الباقُونَ: "لِيَذَّكَّرُوا" بِشَدِّ الذالِ والكافِ.
وفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنا﴾ الآيَةُ اقْتِضابٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ما ذَكَرْناهُ، تَقْدِيرُهُ: ولَكُنّا أفْرَدْناكَ واصْطَفَيْناكَ فَلا تُطِعِ الكافِرِينَ.
{"ayahs_start":48,"ayahs":["وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ طَهُورࣰا","لِّنُحۡـِۧیَ بِهِۦ بَلۡدَةࣰ مَّیۡتࣰا وَنُسۡقِیَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَاۤ أَنۡعَـٰمࣰا وَأَنَاسِیَّ كَثِیرࣰا","وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَـٰهُ بَیۡنَهُمۡ لِیَذَّكَّرُوا۟ فَأَبَىٰۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورࣰا","وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِی كُلِّ قَرۡیَةࣲ نَّذِیرࣰا","فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَجَـٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادࣰا كَبِیرࣰا"],"ayah":"لِّنُحۡـِۧیَ بِهِۦ بَلۡدَةࣰ مَّیۡتࣰا وَنُسۡقِیَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَاۤ أَنۡعَـٰمࣰا وَأَنَاسِیَّ كَثِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق