الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ قال ابن عباس: لنخرج فيها الثمار والنبات [[أخرج ابن أبي حاتم 8/ 2706، بسنده عن عكرمة، قال: ما أنزل الله -عز وجل- من السماء قطرة إلا نبت بها في الأرض عشبة، أو في البحر لؤلؤة.]]. وقال مقاتل: لنحيي بالمطر بلدة ليس فيها نبت [["تفسير مقاتل" ص 64 أ. وتنكير قال تعالى: ﴿بَلْدَةً﴾ يدل على أن لماء المطر خاصية الإحياء لكل أرض؛ لأنه لخلوه من الجراثيم، ومن بعض الأجزاء المعدنية، والترابية، التي تشتمل عليها مياه العيون، ومياه الأنهار، والأودية، كان صالحًا بكل أرض، وبكل نبات، على اختلاف طباع الأرضين، والمنابت. تفسير ابن عاشور 19/ 48.]]. قال أبو إسحاق: قيل: ميتًا، ولفظ البلدة مؤنث؛ لأن معنى البلدة، والبلد، واحد [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 71. واستدل عليه الزمخشري 3/ 277، بقوله تعالى: ﴿فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ [فاطر: 9].]]. وقال غيره: أراد بالبلدة المكان [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 76. و"تفسير ابن جرير" 19/ 21. ولم يذكرا البيت المشار إليه. والثعلبي 8/ 99 ب، كذلك. واقتصر عليه في "الوسيط" 3/ 342.]]، كقول الشاعر: ولا أرضَ أبقلَ إبْقَالَها [[أنشده سيبويه، "الكتاب" 2/ 46، ونسبه لعامر بن جُوين الطائي، وأنشده كذلك أبو عبيدة، "مجاز القرآن" 2/ 67، وصدره عندهما: فلا مُزْنة ودَقتْ ودْقَها وفي حاشية الكتاب: يصف أرضًا مخصبة لكثرة الغيث. والمزنة: واحدة المزن؛ وهو السحاب يحمل الماء، والودق: المطر، وأبقلت: أخرجت البقل؛ وهو من النبات ما ليس بشجر.]] ذهب بلفظ الأرض إلى المكان. قوله تعالى: ﴿وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ [[قال الزمخشري 3/ 277، في بيان وجه تخصيص الأنعام بالذكر دون غيرها من المخلوقات: لأن الطير، والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب بخلاف الأنعام، ولأنها قنية الأناسي وعامة منافعهم متعلقة بها، فكان الإنعام عليهم بسقي أنعامهم كالإنعام بسقيهم.]] تقدم الكلام في السقي، والإسقاء، عند قوله: ﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ [الحجر: 22] [[قال الواحدي في تفسير هذه الآية: ﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ [الحجر: 22]، قال الأزهري: العرب تقول لكل ما كان من بطون الأنعام ومن السماء أو نهر يجري أسْقيْتُ، أي جعلته شُرْبًا له وجعلت له منها مسقى، فإذا كانت السقيا لشفته قالوا: سقاه، ولم يقولوا: أسقاه .. وقال أبو علي: تقول سقيته حتى روى، وأسقيته نهرًا جعلته شَىرْبًا له، وقوله: ﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ [الحجر: 22] جعلناه سُقيا لكم، وربما قالوا في أسقى سقى.]]، قال ابن عباس: ونسقي من ذلك الماء أنعامًا، ونسقي من ذلك الماء أيضًا بشرًا كثيرًا، وهو قوله: ﴿وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ قال الفراء، والزجاج: واحد الأناسي إنسي، مثل: كرسي، وكراسي. ويجوز أن يكون الأناسي جمع إنسان، وتكون الياء الأخيرة بدلًا من النون؛ الأصل: أناسِين بالنون، مثل: سراحين [["معاني القرآن" للفراء 2/ 269، بمعناه. و"معاني القرآن" للزجاج 4/ 71، بنصه. ونسبه في "الدر المصون" 8/ 488، لسيبويه. وفي حاشية الدر: ليس في الكتاب إشارة إلى ذلك. قوله: سراحين، جمع سِرْحان. إعراب القرآن للنحاس 3/ 163. وهو: الذئب، ويجمع على سَرَاحين، وسَرَاحِيّ. "تهذيب اللغة" 4/ 301 (سرح). وفي الحديث: "فأما الفجر الذي يكون كذنب السِّرحان فلا تحل الصلاة فيه، ولا يحرم الطعام". أخرجه الحاكم 1/ 304 وقال: إسناده صحيح، ووافقه الذهبي. وقد أنكر ابن جني أن يكون: أناسي، جمع إنسان أو جمع تكسير، ونقد في ذلك الفراء. وتعقب أيضًا أبو البركات ابن الأنباري، قول الفراء؛ فقال: وهو ضعيف في القياس؛ لأنه لو كان ذلك قياسًا لكان يقال في جمع سرحان: سراحيّ، وذلك لا يجوز. "البيان في إعراب القرآن" 2/ 206. ولم يذكر وجه المنع، وقد سبق قول الأزهري في جواز جمعه على هذا. والله أعلم.]]. قال الفراء: وإذا قالوا: أناسين، فهو بَيِّن مثل: بستان وبساتين. قال: ويجوز: أناسيَ، مخففة الياء، أسقطوا الياء التي تكون فيما بين لام الفعل، وعينه، مثل: قراقير وقراقر [[جمع: قرقور، وهي: السفينة، أو العظيمة من السفن. "تهذيب اللغة" 8/ 282 (قر).]]. قال: وتقول العرب: أناسيةٌ كثيرة [["معاني القرآن" للفراء 2/ 269.]]. وإنما قال: كثير، ولم يقل: كثيرون كما قال: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ [الشعراء: 54] لأنه قد جاء فعيل مفردًا يراد به الكثرة، نحو قوله: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] وقد مرَّ [[قال الواحدي في تفسير هذه الآية: قال الفراء: وإنما وحد الرفيق وهو حقه الجمع؛ لأن الرفيق والبريد والرسول تذهب به العرب إلى الواحد وإلى الجمع، ولا يجوز أن تقول: حسن أولئك رجلًا ... البسيط 1/ 299 (تحقيق المحيميد).]]. وقوله: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ [المعارج 11،10] فدل عود الذكر مجموعًا إلى القبيلين على أنه أريد بهما الكثرة. وذكرنا هذا عند قوله: ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء 46، 155] [[تفسير الآية 46، من سورة النساء مفقود. وفي تفسير الآية 155، من سورة النساء أحال الواحدي على الآية 88، من سورة البقرة. قال الواحدي في تفسير آية سورة البقرة: ﴿فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 88] يريد: فما يؤمنون قليلًا ولا كثيرًا، والعرب قد تستعمل لفظ القلة في موضع النفي، فتقول: قل ما رأيت من الرجال مثله، وقلَّ ما تزورنا، يريدون النفي لا إثبات القليل. وحكى الكسائي عن العرب: مررت بأرض قل ما تنبت إلا الكُرَّاث والبصل؛ أي: ما تنبت إلا هذين.]]. ومثل هذا في هذه السورة قوله: ﴿وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾ [الفرقان: 38].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب