الباحث القرآني

(p-٢٧٨)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ تَفْسِيرُ سُورَةِ المُؤْمِنُونَ قوله عزّ وجلّ: ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ ﴿والَّذِينَ هم عَنِ اللَغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ ﴿والَّذِينَ هم لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ﴾ ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ ﴿إلا عَلى أزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ ﴿فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ أخْبَرَ اللهُ -تَبارَكَ وتَعالى- عن فَلاحِ المُؤْمِنِينَ وأنَّهم نالُوا البُغْيَةَ وأحْرَزُوا البَقاءَ الدائِمْ، ورُوِيَ عن كَعْبِ الأحْبارِ أنَّ اللهَ -تَعالى- لَمّا خَلَقَ جَنَّةَ عَدْنٍ قالَ لَها: تَكَلَّمِي، فَقالَتْ: "قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ". ورُوِيَ عن مُجاهِدٍ أنَّ اللهَ -تَعالى- لَمّا خَلَقَ الجَنَّةَ وأتْقَنَ حُسْنَها قالَ: "قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ". وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفِ: "قَدْ أفْلَحُ المُؤْمِنُونَ" بِضَمِّ الحاءِ، يُرِيدُ: قَدْ أفْلَحُوا، وهي قِراءَةٌ مَرْدُودَةٌ، ورُوِيَ عنهُ "قَدْ أُفْلِحَ المُؤْمِنُونَ" بِضَمِّ الهَمْزَةِ وكَسْرِ اللامِ. ثُمْ وصَفَ -تَعالى- هَؤُلاءِ المُفْلِحِينَ فَقالَ: ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ والخُشُوعُ: (p-٢٧٩)التَطامُنُ وتَساكُنُ الأعْضاءِ والوَقارُ، وهَذا إنَّما يَظْهَرُ في الأعْضاءِ لِمَن في قَلْبِهِ خَوْفٌ واسْتِكانَةٌ، ورُوِيَ عن بَعْضِ العُلَماءِ أنَّهُ رَأى رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ في الصَلاةِ فَقالَ: لَوْ خَشَعَ هَذا خَشَعَتْ جَوارِحُهُ، ورُوِيَ أنَّ سَبَبَ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ المُسْلِمِينَ كانُوا يَلْتَفِتُونَ في صَلاتِهِمْ يُمْنَةً ويُسْرَةً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وأُمِرُوا أنْ يَكُونَ بَصَرُ المُصَلِّي حِذاءَ قِبْلَتِهِ أو بَيْنَ يَدَيْهِ، وفي الحَرَمِ إلى الكَعْبَةِ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ سَيْرَيْنِ وغَيْرِهِ «أنَّ رَسُولَ اللهِ -ﷺ- كانَ يَلْتَفِتُ في صِلاتِهِ إلى السَماءِ فَنَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ». و"اللَغْوِ": سَقْطُ القَوْلِ، وهَذا يَعُمْ جَمِيعَ ما لا خَيْرَ فِيهِ، ويَجْمَعُ آدابَ الشَرْعِ، وكَذَلِكَ كانَ النَبِيُّ -ﷺ- وأصْحابُهُ، وكَأنَّ الآيَةَ فِيها مُوادَعَةٌ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ هم لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ﴾ ذَهَبَ الطَبَرِيُّ وغَيْرُهُ إلى أنَّها الزَكاةُ المَفْرُوضَةُ في الأمْوالِ، وهَذا بَيِّنٌ، ويَحْتَمِلُ اللَفْظُ أنْ يُرِيدَ بِالزَكاةِ الفَضائِلَ، كَأنَّهُ أرادَ الأزْكى مِن كُلِّ فِعْلٍ، كَما قالَ تَعالى: ﴿خَيْرًا مِنهُ زَكاةً وأقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف: ٨١]. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ صِفَةُ العِفَّةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا عَلى أزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾ الآيَةُ، يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الزِنا والِاسْتِمْناءِ ومُواقَعَةَ البَهائِمْ، وكُلَّ ذَلِكَ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وَراءَ ذَلِكَ﴾، ويُرِيدُ: وراءَ هَذا الحَدِّ الَّذِي حَدَّ، ومَعْنى " ما مَلَكَتْ أيْمانُهم " مِنَ النِساءِ، ولَمّا كانَ "حافِظُونَ" بِمَعْنى (مَحْجُوزُونَ) حَسُنَ اسْتِعْمالُ "عَلى"، و"العادِي": الظالِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب