الباحث القرآني

(p-٤٤)سُورَةُ المُؤْمِنُونَ ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: مَعْناهُ قَدْ سَعِدَ المُؤْمِنُونَ ومِنهُ قَوْلُ لَبِيَدٍ ؎ فاعْقِلِي إنْ كُنْتِ لَمْ تَعْقِلِي إنَّما أفْلَحَ مَن كانَ عَقَلْ الثّانِي: أنَّ الفَلاحَ البَقاءُ ومَعْناهُ قَدْ بَقِيَتْ لَهم أعْمالُهم، وقِيلَ: إنَّهُ بَقاؤُهم في الجَنَّةِ، ومِنهُ قَوْلُهم في الأذانِ: حَيَّ عَلى الفَلاحِ أيْ حَيَّ عَلى بَقاءِ الخَيْرِ قالَ طُرْفَةُ بْنُ العَبْدِ ؎ أفَبَعْدَنا أوْ بَعْدَهم ∗∗∗ يُرْجى لِغابِرِنا الفَلاحُ (p-٤٥)الثّالِثُ: أنَّهُ إدْراكُ المَطالِبِ قالَ الشّاعِرُ: ؎ لَوْ كانَ حَيٌّ مُدْرِكَ الفَلاحِ ∗∗∗ أدْرَكَهُ مُلاعِبُ الرِّماحِ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: المُفْلِحُونَ الَّذِينَ أدْرَكُوا ما طَلَبُوا ونَجَوْا مِن شَرِّ ما مِنهُ هَرَبُوا. رَوى عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ قالَ «كانَ النَّبِيُّ ﷺ إذا نَزَلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ يُسْمَعُ عِنْدَ وجْهِهِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا فَلَمّا سَرى عَنْهُ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ ورَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قالَ: (اللَّهُمَّ زِدْنا ولا تُنْقِصْنا، وأكْرِمْنا ولا تُهِنّا، وأعْطِنا ولا تَحْرِمْنا، وآثِرْنا ولا تُؤْثِرْ عَلَيْنا، وأرْضِنا وارْضَ عَنّا ثُمَّ قالَ: (لَقَدْ أنْزَلَ عَلَيَّ عَشْرَ أياتٍ مَن أقامَهُنَّ دَخَلَ الجَنَّةَ، ثُمَّ قَرَأ عَلَيْنا ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ حَتّى خَتَمَ العَشْرَ» . رَوى أبُو عِمْرانَ الجَوْنَيُّ قالَ: «قِيلَ لِعائِشَةَ: ما كانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟، قالَتْ أتَقْرَأُونَ سُورَةَ المُؤْمِنُونَ؟ قِيلَ: نَعَمْ، قالَتِ اقْرَؤُوا فَقُرِئَ عَلَيْها ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ حَتّى بَلَغَ ﴿يُحافِظُونَ﴾ . فَقالَتْ: هَكَذا كانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: خائِفُونَ، وهو قَوْلُ الحَسَنِ، وقَتادَةَ. والثّانِي: خاضِعُونَ، وهو قَوْلُ ابْنِ عِيسى. والثّالِثُ: تائِبُونَ، وهو قَوْلُ إبْراهِيمَ. (p-٤٦)والرّابِعُ: أنَّهُ غَضُّ البَصَرِ، وخَفْضُ الجَناحِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الخامِسُ: هو أنْ يَنْظُرَ إلى مَوْضِعِ سُجُودِهِ مِنَ الأرْضِ، ولا يَجُوزُ بَصَرُهُ مُصَلّاهُ، فَقَدْ رُوِيَ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ إلى السَّماءِ فَنَزَلَتْ: ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ فَصارَ لا يُجَوِّزُ بَصَرَهُ مُصَلّاهُ» . فَصارَ في مَحَلِّ الخُشُوعِ عَلى هَذِهِ الأوْجُهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: في القَلْبِ خاصَّةً، وهو قَوْلُ الحَسَنِ وقَتادَةَ. والثّانِي: في القَلْبِ والبَصَرِ، وهو مُقْتَضى قَوْلِ الحَسَنِ وقَتادَةَ. قَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ هم عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّ اللَّغْوَ الباطِلُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: أنَّهُ الكَذِبُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّالِثُ: أنَّهُ الحَلِفُ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. الرّابِعُ: أنَّهُ الشَّتْمُ لِأنَّ كَفّارَ مَكَّةَ كانُوا يَشْتُمُونَ المُسْلِمِينَ فَهو عَنِ الإجابَةِ، حَكاهُ النَّقّاشُ. الخامِسُ: أنَّها المَعاصِي كُلُّها، قالَهُ الحَسَنُ. قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الوارِثُونَ﴾ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «ما مِنكم إلّا لَهُ مَنزِلانِ: مَنزِلٌ في الجَنَّةِ ومَنزِلٌ في النّارِ، فَإنْ ماتَ ودَخَلَ النّارَ، ورِثَ أهْلُ الجَنَّةِ مَنزِلَهُ، وإنْ ماتَ ودَخَلَ الجَنَّةَ، ورِثَ أهْلُ النّارِ مَنزِلَهُ، فَذَلِكَ قَوْلَهُ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الوارِثُونَ﴾» . ثُمَّ بَيَّنَ ما يَرِثُونَ فَقالَ: ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ اسْمٌ مِن أسْماءِ الجَنَّةِ، قالَهُ الحَسَنُ. (p-٤٧)الثّانِي: أنَّهُ أعْلى الجِنانِ قالَهُ قُطْرُبٌ. الثّالِثُ: أنَّهُ جَبَلُ الجَنَّةِ الَّذِي تَتَفَجَّرُ مِنهُ أنْهارُ الجَنَّةِ، قالَهُ أبُو هُرَيْرَةَ. الرّابِعُ: أنَّهُ البُسْتانُ وهو رُومِيٌّ مُعَرَّبٌ، قالَهُ الزَّجّاجُ. الخامِسُ: أنَّهُ عَرَبِيٌّ وهو الكَرَمُ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب