الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ هم لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ﴾، في المُرادِ بِالزَّكاةِ هُنا وجْهانِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفانِ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ:
أحَدُهُما: أنَّ المُرادَ بِها زَكاةُ الأمْوالِ، وعَزاهُ ابْنُ كَثِيرٍ لِلْأكْثَرِينَ.
الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِالزَّكاةِ هُنا: زَكاةُ النَّفْسِ أيْ: تَطْهِيرُها مِنَ الشِّرْكِ، والمَعاصِي بِالإيمانِ بِاللَّهِ، وطاعَتِهِ وطاعَةِ رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وعَلى هَذا فالمُرادُ بِالزَّكاةِ كالمُرادِ بِها في قَوْلِهِ ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها وقَدْ خابَ مَن دَسّاها﴾ [الشمس: ٩ - ١٠]
• وقَوْلِهِ ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن تَزَكّى﴾ الآيَةَ [الأعلى: ١٤]،
• وقَوْلِهِ ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ ما زَكا مِنكم مِن أحَدٍ أبَدًا﴾ [النور: ٢١]
• وقَوْلِهِ ﴿خَيْرًا مِنهُ زَكاةً﴾ الآيَةَ [الكهف: ٨١]
• وقَوْلِهِ ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ [فصلت: ٦ - ٧]
عَلى أحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ، وقَدْ يُسْتَدَلُّ لِهَذا القَوْلِ الأخِيرِ بِثَلاثِ قَرائِنَ:
الأُولى: أنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، بِلا خِلافٍ، والزَّكاةُ إنَّما فُرِضَتْ بِالمَدِينَةِ كَما هو مَعْلُومٌ، فَدَلَّ عَلى أنَّ قَوْلَهُ ﴿والَّذِينَ هم لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ﴾ نَزَلَ قَبْلَ فَرْضِ زَكاةِ الأمْوالِ المَعْرُوفَةِ، فَدَلَّ عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ غَيْرُها.
القَرِينَةُ الثّانِيَةُ: هي أنَّ المَعْرُوفَ في زَكاةِ الأمْوالِ: أنْ يُعَبَّرَ عَنْ أدائِها بِالإيتاءِ؛ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وَآتُوا الزَّكاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] وقَوْلِهِ ﴿وَإيتاءَ الزَّكاةِ﴾ [الأنبياء: ٧٣] ونَحْوَ ذَلِكَ. وهَذِهِ الزَّكاةُ المَذْكُورَةُ هُنا، لَمْ يُعَبَّرْ عَنْها بِالإيتاءِ، بَلْ قالَ تَعالى فِيها ﴿والَّذِينَ هم لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ﴾ [المؤمنون: ٤] فَدَلَّ عَلى أنَّ هَذِهِ الزَّكاةَ: أفْعالُ المُؤْمِنِينَ المُفْلِحِينَ، وذَلِكَ أوْلى بِفِعْلِ الطّاعاتِ، وتَرْكِ المَعاصِي مِن أداءِ مالٍ.
الثّالِثَةُ: أنَّ زَكاةَ الأمْوالِ تَكُونُ في القُرْآنِ عادَةً مَقْرُونَةً بِالصَّلاةِ، مِن غَيْرِ فَصْلٍ (p-٣٠٨)بَيْنَهُما
• كَقَوْلِهِ ﴿وَأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ﴾ [البقرة: ١١٠]
• وقَوْلِهِ ﴿وَأقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ﴾ [البقرة: ٢٧٧]
• وقَوْلِهِ ﴿وَإقامَ الصَّلاةِ وإيتاءَ الزَّكاةِ﴾ [الأنبياء: ٧٣] وهَذِهِ الزَّكاةُ المَذْكُورَةُ هُنا فُصِلَ بَيْنَ ذِكْرِها، وبَيْنَ ذِكْرِ الصَّلاةِ بِجُمْلَةِ ﴿والَّذِينَ هم عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: ٣] .
والَّذِينَ قالُوا المُرادُ بِها زَكاةُ الأمْوالِ، قالُوا: إنَّ أصْلَ الزَّكاةِ فُرِضَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الهِجْرَةِ، وأنَّ الزَّكاةَ الَّتِي فُرِضَتْ بِالمَدِينَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ هي ذاتُ النُّصُبِ، والمَقادِيرِ الخاصَّةِ.
وَقَدْ أوْضَحْنا هَذا القَوْلَ في الأنْعامِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ [ ١٤١ ] وقَدْ يُسْتَدَلُّ؛ لِأنَّ المُرادَ بِالزَّكاةِ في هَذِهِ الآيَةِ غَيْرُ الأعْمالِ الَّتِي تُزَكّى بِها النُّفُوسُ مِن دَنَسِ الشِّرْكِ والمَعاصِي، بِأنّا لَوْ حَمَلْنا مَعْنى الزَّكاةِ عَلى ذَلِكَ، كانَ شامِلًا لِجَمِيعِ صِفاتِ المُؤْمِنِينَ المَذْكُورَةِ في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَيَكُونُ كالتَّكْرارِ مَعَها، والحَمْلُ عَلى التَّأْسِيسِ والِاسْتِقْلالِ أوْلى مِن غَيْرِهِ، كَما تَقَرَّرَ في الأُصُولِ، وقَدْ أوْضَحْناهُ في سُورَةِ النَّحْلِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً﴾ الآيَةَ [الأنعام: ٩٧] والَّذِينَ قالُوا: هي زَكاةُ الأمْوالِ قالُوا: فاعِلُونَ أيْ: مُؤَدُّونَ، قالُوا: وهي لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَصِيحَةٌ، ومِنها قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أبِي الصَّلْتِ:
؎المُطْعِمُونَ الطَّعامَ في السَّنَةِ الأزْ مَةِ والفاعِلُونَ لِلزَّكَواتِ
وَهُوَ واضِحٌ، بِحَمْلِ الزَّكاةِ عَلى المَعْنى المَصْدَرِيِّ بِمَعْنى التَّزْكِيَةِ لِلْمالِ؛ لِأنَّها فِعْلُ المُزَكِّي كَما هو واضِحٌ، ولا شَكَّ أنَّ تَطْهِيرَ النَّفْسِ بِأعْمالِ البِرِّ، ودَفْعِ زَكاةِ المالِ كِلاهُما مِن صِفاتِ المُؤْمِنِينَ المُفْلِحِينَ الوارِثِينَ الجَنَّةَ.
وَقَدْ قالَ ابْنُ كَثِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقَدْ يُحْتَمَلُ أنَّ المُرادَ بِالزَّكاةِ ها هُنا: زَكاةُ النَّفْسِ مِنَ الشِّرْكِ، والدَّنَسِ إلى أنْ قالَ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ كِلا الأمْرَيْنِ مُرادًا وهو زَكاةُ النُّفُوسِ، وزَكاةُ الأمْوالِ فَإنَّهُ مِن جُمْلَةِ زَكاةِ النُّفُوسِ، والمُؤْمِنُ الكامِلُ هو الَّذِي يَفْعَلُ هَذا وهَذا واللَّهُ أعْلَمُ، اهـ مِنهُ.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَـٰعِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق