﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ ذِكۡرࣰا كَثِیرࣰا ٤١ وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلًا ٤٢ هُوَ ٱلَّذِی یُصَلِّی عَلَیۡكُمۡ وَمَلَـٰۤىِٕكَتُهُۥ لِیُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَحِیمࣰا ٤٣﴾ [الأحزاب ٤١-٤٣]
قال الجوهري: الأصيل: هو الوقت بعد العصر إلى المغرب، وجمعه أصل وآصال وأصائل كأنه أصيلة
قال الشاعر:
لَعَمْرِي لأنْتَ البَيْتُ أُكْرِمُ أهْلَهُ ∗∗∗ وأقْعُدُ في أفْيائِهِ بِالأصائِلِ
ويجمع أيضًا على أصلان، مثل بعير وبعران، ثم صغروا الجمع فقالو أصيلان، ثم أبدلوا من النون لامًا فقالوا أصيلال
قال الشاعر:
وقفْتُ فيها أُصَيْلالًا أُسائِلُها ∗∗∗ أعيَتْ جَوابًا وما بالربْعِ مِن أحَدِ
(فائِدَة)
من الذّاكِرِينَ من يبتدئ بِذكر اللِّسان وإن كانَ على غَفلَة ثمَّ لا يزال فِيهِ حَتّى يحضر قلبه فيتواطئا على الذّكر ومِنهُم من لا يرى ذَلِك ولا يبتدئ على غَفلَة بل يسكن حَتّى يحضر قلبه فيشرع في الذّكر بِقَلْبِه فَإذا قوي استتبع لِسانه فتواطئا جَمِيعًا فالأول ينْتَقل الذّكر من لِسانه إلى قلبه والثّانِي ينْتَقل من قلبه إلى لِسانه من غير أن يَخْلُو قلبه مِنهُ بل يسكن أولا حَتّى يحس بِظُهُور النّاطِق فِيهِ فَإذا أحس بذلك نطق قلبه ثمَّ انْتقل النُّطْق القلبي إلى الذّكر اللساني ثمَّ يسْتَغْرق في ذَلِك حَتّى يجد كل شَيْء مِنهُ ذاكِرًا وأفضل الذّكر وأنفعه ما واطأ فِيهِ القلب اللِّسان وكانَ من الأذْكار النَّبَوِيَّة وشهد الذاكر مَعانِيه ومقاصده.
* [فَصْلٌ مَنزِلَةِ الذِّكْرِ]
وَمِن مَنازِلِ
﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ مَنزِلَةُ الذِّكْرِ وهي مَنزِلَةُ القَوْمِ الكُبْرى الَّتِي مِنها يَتَزَوَّدُونَ وفِيها يَتَّجِرُونَ، وإلَيْها دائِمًا يَتَرَدَّدُونَ.
والذِّكْرُ مَنشُورُ الوِلايَةِ الَّذِي مِن أُعْطِيَهُ اتَّصَلَ ومَن مُنِعَهُ عُزِلَ، وهو قُوتُ قُلُوبِ القَوْمِ الَّذِي مَتى فارَقَها صارَتِ الأجْسادُ لَها قُبُورًا، وعِمارَةُ دِيارِهِمُ الَّتِي إذا تَعَطَّلَتْ عَنْهُ صارَتْ بُورًا، وهو سِلاحُهُمُ الَّذِي يُقاتِلُونَ بِهِ قُطّاعَ الطَّرِيقِ، وماؤُهُمُ الَّذِي يُطْفِئُونَ بِهِ التِهابَ الطَّرِيقِ ودَواءُ أسْقامِهِمُ الَّذِي مَتى فارَقَهُمُ انْتَكَسَتْ مِنهُمُ القُلُوبُ، والسَّبَبُ الواصِلُ والعَلاقَةُ الَّتِي كانَتْ بَيْنَهم وبَيْنَ عَلّامِ الغُيُوبِ.
إذا مَرِضْنا تَداوِينا بِذِكْرِكُمُ ∗∗∗ فَنَتْرُكُ الذِّكْرَ أحْيانًا فَنَنْتَكِسُ
بِهِ يَسْتَدْفِعُونَ الآفاتِ ويَسْتَكْشِفُونَ الكُرُباتِ وتَهُونُ عَلَيْهِمْ بِهِ المُصِيباتُ، إذا أظَلَّهُمُ البَلاءُ فَإلَيْهِ مَلْجَؤُهُمْ، وإذا نَزَلَتْ بِهِمُ النَّوازِلُ فَإلَيْهِ مَفْزَعَهم. فَهو رِياضُ جَنَّتِهِمُ الَّتِي فِيها يَتَقَلَّبُونَ ورُءُوسُ أمْوالِ سَعادَتِهِمُ الَّتِي بِها يَتَّجِرُونَ. يَدَعُ القَلْبَ الحَزِينَ ضاحِكًا مَسْرُورًا، ويُوصِّلُ الذّاكِرَ إلى المَذْكُورِ، بَلْ يَدَعُ الذّاكِرَ مَذْكُورًا.
وَفِي كُلِّ جارِحَةٍ مِنَ الجَوارِحِ عُبُودِيَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ، والذِّكْرُ عُبُودِيَّةُ القَلْبِ واللِّسانِ وهي غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ، بَلْ هم مَأْمُورُونَ بِذِكْرِ مَعْبُودِهِمْ ومَحْبُوبِهِمْ في كُلِّ حالٍ: قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِهِمْ. فَكَما أنَّ الجَنَّةَ قِيعانٌ وهو غِراسُها، فَكَذَلِكَ القُلُوبُ بُورٌ وخَرابٌ وهو عِمارَتُها وأساسُها.
وَهُوَ جَلاءُ القُلُوبِ وصِقالُها ودَواؤُها إذا غَشِيَها اعْتِلالُها، وكُلَّما ازْدادَ الذّاكِرُ في ذِكْرِهِ اسْتِغْراقًا: ازْدادَ المَذْكُورُ مَحَبَّةً إلى لِقائِهِ واشْتِياقًا، وإذا واطَأ في ذِكْرِهِ قَلْبُهُ لِلِسانِهِ: نَسِيَ في جَنْبِ ذِكْرِهِ كُلَّ شَيْءٍ وحَفِظَ اللَّهُ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ وكانَ لَهُ عِوَضًا مِن كُلِّ شَيْءٍ.
بِهِ يَزُولُ الوَقْرُ عَنِ الأسْماعِ والبَكَمُ عَنِ الألْسُنِ وتَنْقَشِعُ الظُّلْمَةُ عَنِ الأبْصارِ. زَيَّنَ اللَّهُ بِهِ ألْسِنَةَ الذّاكِرِينَ كَما زَيَّنَ بِالنُّورِ أبْصارَ النّاظِرِينَ، فاللِّسانُ الغافِلُ: كالعَيْنِ العَمْياءِ والأُذُنِ الصَّمّاءِ واليَدِ الشَّلّاءِ.
وَهُوَ بابُ اللَّهِ الأعْظَمُ المَفْتُوحُ بَيْنَهُ وبَيْنَ عَبْدِهِ ما لَمْ يُغْلِقْهُ العَبْدُ بِغَفْلَتِهِ.
قالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَفَقَّدُوا الحَلاوَةَ في ثَلاثَةِ أشْياءَ: في الصَّلاةِ وفي الذِّكْرِ وقِراءَةِ القُرْآنِ، فَإنْ وجَدْتُمْ وإلّا فاعْلَمُوا أنَّ البابَ مُغْلَقٌ.
وَبِالذِّكْرِ: يَصْرُعُ العَبْدُ الشَّيْطانَ كَما يَصْرَعُ الشَّيْطانُ أهْلَ الغَفْلَةِ والنِّسْيانِ.
قالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إذا تَمَكَّنَ الذِّكْرُ مِنَ القَلْبِ فَإنْ دَنا مِنهُ الشَّيْطانُ صَرَعَهُ كَما يَصْرَعُ الإنْسانُ إذا دَنا مِنهُ الشَّيْطانُ، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الشَّياطِينُ فَيَقُولُونَ: ما لِهَذا؟ فَيُقالُ: قَدْ مَسَّهُ الإنْسِيُّ.
وَهُوَ رُوحُ الأعْمالِ الصّالِحَةِ، فَإذا خَلا العَمَلُ عَنِ الذِّكْرِ كانَ كالجَسَدِ الَّذِي لا رُوحَ فِيهِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
* [فَصْلٌ أوْجُهُ الذِّكْرِ في القُرْآنِ]
وَهُوَ في القُرْآنِ عَلى عَشَرَةِ أوْجُهٍ.
الأوَّلُ: الأمْرُ بِهِ مُطْلَقًا ومُقَيَّدًا.
الثّانِي: النَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ مِنَ الغَفْلَةِ والنِّسْيانِ.
الثّالِثُ: تَعْلِيقُ الفَلاحِ بِاسْتِدامَتِهِ وكَثْرَتِهِ.
الرّابِعُ: الثَّناءُ عَلى أهْلِهِ والإخْبارُ بِما أعَدَّ اللَّهُ لَهم مِنَ الجَنَّةِ والمَغْفِرَةِ.
الخامِسُ: الإخْبارُ عَنْ خُسْرانِ مَن لَها عَنْهُ بِغَيْرِهِ.
السّادِسُ: أنَّهُ سُبْحانَهُ جَعَلَ ذِكْرَهُ لَهم جَزاءً لِذِكْرِهِمْ لَهُ.
السّابِعُ: الإخْبارُ أنَّهُ أكْبَرُ مِن كُلِّ شَيْءٍ.
الثّامِنُ: أنَّهُ جَعَلَهُ خاتِمَةَ الأعْمالِ الصّالِحَةِ كَما كانَ مِفْتاحَها.
التّاسِعُ: الإخْبارُ عَنْ أهْلِهِ بِأنَّهم هم أهْلُ الِانْتِفاعِ بِآياتِهِ وأنَّهم أُولُو الألْبابِ دُونَ غَيْرِهِمْ.
العاشِرُ: أنَّهُ جَعَلَهُ قَرِينَ جَمِيعِ الأعْمالِ الصّالِحَةِ ورُوحَها، فَمَتى عُدِمَتْهُ كانَتْ كالجَسَدِ بِلا رُوحٍ.
[تَفْصِيلُ أوْجُهِ الذِّكْرِ في القُرْآنِ]
* فَصْلٌ في تَفْصِيلِ ذَلِكَ.١ - أمّا الأوَّلُ: فَكَقَوْلِهِ تَعالى:
﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا - وسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلًا - هو الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكم ومَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ وكانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤١-٤٣] وقَوْلِهِ تَعالى:
﴿واذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وخِيفَةً﴾ [الأعراف: ٢٠٥].
وَفِيهِ قَوْلانِ، أحَدُهُما: في سِرِّكَ وقَلْبِكَ، والثّانِي: بِلِسانِكَ بِحَيْثُ تُسْمِعُ نَفْسَكَ.
٢ - وأمّا النَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ: فَكَقَوْلِهِ:
﴿وَلا تَكُنْ مِنَ الغافِلِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠٥] وقَوْلِهِ:
﴿وَلا تَكُونُوا كالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأنْساهم أنْفُسَهُمْ﴾ [الحشر: ١٩].
٣ - وأمّا تَعْلِيقُ الفَلاحِ بِالإكْثارِ مِنهُ: فَكَقَوْلِهِ:
﴿واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: ١٠].
٤ - وأمّا الثَّناءُ عَلى أهْلِهِ وحُسْنُ جَزائِهِمْ: فَكَقَوْلِهِ:
﴿إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥] إلى قَوْلِهِ:
﴿والذّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا والذّاكِراتِ أعَدَّ اللَّهُ لَهم مَغْفِرَةً وأجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٣٥].
٥ - وأمّا خُسْرانُ مَن لَها عَنْهُ فَكَقَوْلِهِ تَعالى:
﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكم أمْوالُكم ولا أوْلادُكم عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ [المنافقون: ٩].
٦ - وأمّا جَعْلُ ذِكْرِهِ لَهم جَزاءً لِذِكْرِهِمْ لَهُ فَكَقَوْلِهِ:
﴿فاذْكُرُونِي أذْكُرْكم واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: ١٥٢].
٧ - وأمّا الإخْبارُ عَنْهُ بِأنَّهُ أكْبَرُ مِن كُلِّ شَيْءٍ فَكَقَوْلِهِ تَعالى:
﴿اتْلُ ما أُوحِيَ إلَيْكَ مِنَ الكِتابِ وأقِمِ الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ ولَذِكْرُ اللَّهِ أكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] وفِيها أرْبَعَةُ أقْوالٍ:
أحَدُها: أنَّ ذِكْرَ اللَّهِ أكْبَرُ مِن كُلِّ شَيْءٍ فَهو أفْضَلُ الطّاعاتِ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ بِالطّاعاتِ كُلِّها: إقامَةُ ذِكْرِهِ فَهو سِرُّ الطّاعاتِ ورُوحُها.
الثّانِي: أنَّ المَعْنى: أنَّكم إذا ذَكَرْتُمُوهُ ذَكَرَكم فَكانَ ذِكْرُهُ لَكم أكْبَرَ مِن ذِكْرِكم لَهُ. فَعَلى هَذا: المَصْدَرُ مُضافٌ إلى الفاعِلِ، وعَلى الأوَّلِ: مُضافٌ إلى المَذْكُورِ.
الثّالِثُ: أنَّ المَعْنى: ولَذِكْرُ اللَّهِ أكْبَرُ مِن أنْ يَبْقى مَعَهُ فاحِشَةٌ ومُنْكَرٌ، بَلْ إذا تَمَّ الذِّكْرُ: مَحَقَ كُلَّ خَطِيئَةٍ ومَعْصِيَةٍ. هَذا ما ذَكَرَهُ المُفَسِّرُونَ.
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الإسْلامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: مَعْنى الآيَةِ: أنَّ في الصَّلاةِ فائِدَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ إحْداهُما: نَهْيُها عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكِرِ، والثّانِيَةُ: اشْتِمالُها عَلى ذِكْرِ اللَّهِ وتَضَمُّنِها لَهُ ولَما تَضَمَّنَتْهُ مِن ذِكْرِ اللَّهِ أعْظَمُ مِن نَهْيِها عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكِرِ.
٨ - وأمّا خَتْمُ الأعْمالِ الصّالِحَةِ بِهِ: فَكَما خُتِمَ بِهِ عَمَلُ الصِّيامِ بِقَوْلِهِ:
﴿وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ ولِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكم ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ١٨٥].
وَخُتِمَ بِهِ الحَجُّ في قَوْلِهِ:
﴿فَإذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكم فاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكم آباءَكم أوْ أشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠].
وَخُتِمَ بِهِ الصَّلاةُ كَقَوْلِهِ:
﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: ١٠٣] وخُتِمَ بِهِ الجُمُعَةُ كَقَوْلِهِ:
﴿فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: ١٠]وَلِهَذا كانَ خاتِمَةَ الحَياةِ الدُّنْيا، وإذا كانَ آخِرَ كَلامِ العَبْدِ أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ.
٩ - وأمّا اخْتِصاصُ الذّاكِرِينَ بِالِانْتِفاعِ بِآياتِهِ وهم أُولُو الألْبابِ والعُقُولِ فَكَقَوْلِهِ تَعالى:
﴿إنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الألْبابِ - الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩٠-١٩١]١٠ - وأمّا مُصاحَبَتُهُ لِجَمِيعِ الأعْمالِ واقْتِرانُهُ بِها وأنَّهُ رُوحُها: فَإنَّهُ سُبْحانَهُ قَرَنَهُ بِالصَّلاةِ كَقَوْلِهِ:
﴿وَأقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤] وقَرَنَهُ بِالصِّيامِ وبِالحَجِّ ومَناسِكِهِ، بَلْ هو رُوحُ الحَجِّ ولُبُّهُ ومَقْصُودُهُ. كَما قالَ النَّبِيُّ:
«إنَّما جُعِلَ الطَّوافُ بِالبَيْتِ والسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةَ ورَمْيُ الجِمارِ لِإقامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ».
وَقَرَنَهُ بِالجِهادِ وأمَرَ بِذِكْرِهِ عِنْدَ مُلاقاةِ الأقْرانِ ومُكافَحَةِ الأعْداءِ فَقالَ تَعالى:
﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: ٤٥]وَفِي أثَرٍ إلَهِيٍّ يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: إنَّ عَبْدِي - كُلَّ عَبْدِيَ - الَّذِي يَذْكُرُنِي وهو مُلاقٍ قِرْنَهُ.
سَمِعْتُ شَيْخَ الإسْلامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَسْتَشْهِدُ بِهِ وسَمِعْتُهُ يَقُولُ: المُحِبُّونَ يَفْتَخِرُونَ بِذِكْرِ مَن يُحِبُّونَهُ في هَذِهِ الحالِ، كَما قالَ عَنْتَرَةُ:
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ والرِّماحُ كَأنَّها ∗∗∗ أشْطانُ بِئْرٍ في لُبانِ الأدْهَمِ
وَقالَ الآخَرُ:
ذَكَرْتُكِ والخَطِّيُّ يَخْطُرُ بَيْنَنا ∗∗∗ وقَدْ نَهَلَتْ مِنّا المُثَقَّفَةُ السُّمْرُ
قالَ آخَرُ:
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ والرِّماحُ شَواجِرٌ ∗∗∗ تَحْوِي وبِيضُ الهِنْدِ تَقْطُرُ مِن دَمِي
وَهَذا كَثِيرٌ في أشْعارِهِمْ وهو مِمّا يَدُلُّ عَلى قُوَّةِ المَحَبَّةِ. فَإنَّ ذِكْرَ المُحِبِّ مَحْبُوبَهُ ِي تِلْكَ الحالِ الَّتِي لا يَهُمُّ المَرْءَ فِيها غَيْرُ نَفْسِهِ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ عِنْدَهُ بِمَنزِلَةِ نَفْسِهِ أوْ أعَزُّ مِنها، وهَذا دَلِيلٌ عَلى صِدْقِ المَحَبَّةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
* [فَصْلٌ فَضْلُ أهْلِ الذِّكْرِ]
والذّاكِرُونَ: هم أهْلُ السَّبْقِ كَما رَوى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ مِن حَدِيثِ العَلاءِ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ:
«كانَ رَسُولُ اللَّهِ يَسِيرُ في طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلى جَبَلٍ يُقالُ لَهُ جُمْدانُ فَقالَ: سِيرُوا هَذا جُمْدانُ سَبَقَ المُفَرِّدُونَ. قالُوا: وما المُفَرِّدُونَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: الذّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا والذّاكِراتِ» والمُفَرِّدُونَ إمّا المُوَحِّدُونَ وإمّا الآحادُ الفُرادى وفي المُسْنَدِ مَرْفُوعًا مِن حَدِيثِ أبِي الدَّرْداءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
«ألا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعْمالِكم وأزْكاها عِنْدَ مَلِيكِكم وأرْفَعِها في دَرَجاتِكم وخَيْرٌ لَكم مِن إعْطاءِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ وأنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكم فَتَضْرِبُوا أعْناقَهم ويَضْرِبُوا أعْناقَكُمْ؟ قالُوا: وما ذاكَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ».
وَرَوى شُعْبَةُ عَنْ أبِي إسْحاقَ قالَ: سَمِعْتُ الأغَرَّ قالَ: أشْهَدُ عَلى أبِي هُرَيْرَةَ وأبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّهُما شَهِدا عَلى رَسُولِ اللَّهِ قالَ:
«لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلّا حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ونَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وذَكَرَهُمُ اللَّهُ فَيَمَن عِنْدَهُ» وهو في صَحِيحِ مُسْلِمٍ.
وَيَكْفِي في شَرَفِ الذِّكْرِ: أنَّ اللَّهَ يُباهِي مَلائِكَتَهُ بِأهْلِهِ كَما في صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مُعاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
«أنَّ رَسُولَ اللَّهِ: خَرَجَ عَلى حَلْقَةٍ مِن أصْحابِهِ فَقالَ: ما أجْلَسَكُمْ؟ قالُوا: جَلَسْنا نَذْكُرُ اللَّهَ ونَحْمَدُهُ عَلى ما هَدانا لِلْإسْلامِ ومَنَّ بِهِ عَلَيْنا. قالَ: آللَّهِ ما أجْلَسَكم إلّا ذَلِكَ؟ قالُوا: آللَّهِ ما أجْلَسْنا إلّا ذَلِكَ. قالَ: أما إنِّي لَمْ أسْتَحْلِفْكم تُهْمَةً لَكُمْ، ولَكِنْ أتانِي جِبْرِيلُ فَأخْبَرَنِي: أنَّ اللَّهَ يُباهِي بِكُمُ المَلائِكَةَ».
«وَسَألَ أعْرابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ: أيُّ الأعْمالِ أفْضَلُ؟ فَقالَ: أنْ تُفارِقَ الدُّنْيا ولِسانُكَ رَطْبٌ مِن ذِكْرِ اللَّهِ» «وَقالَ لَهُ رَجُلٌ: إنَّ شَرائِعَ الإسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَمُرْنِي بِأمْرٍ أتَشَبَّثُ بِهِ. فَقالَ: لا يَزالُ لِسانُكَ رَطْبًا مِن ذِكْرِ اللَّهِ».
وَفِي المُسْنَدِ وغَيْرِهِ مِن حَدِيثِ جابِرٍ قالَ:
«خَرَجَ عَلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ فَقالَ: أيُّها النّاسُ ارْتَعُوا في رِياضِ الجَنَّةِ. قُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ وما رِياضُ الجَنَّةِ؟ فَقالَ: مَجالِسُ الذِّكْرِ».
وَقالَ:
«اغْدُوا ورُوحُوا واذْكُرُوا، مَن كانَ يُحِبُّ أنْ يَعْلَمَ مَنزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ، فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنزِلَةُ اللَّهِ عِنْدَهُ؛ فَإنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ العَبْدَ مِنهُ حَيْثُ أنْزَلَهُ مِن نَفْسِهِ» ورَوى النَّبِيُّ عَنْ أبِيهِ إبْراهِيمَ لَيْلَةَ الإسْراءِ أنَّهُ قالَ لَهُ:
«أقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّيَ السَّلامَ وأخْبِرْهم أنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الماءِ وأنَّها قِيعانٌ وأنَّ غِراسَها: سُبْحانَ اللَّهِ والحَمْدُ لِلَّهِ ولا إلَهَ إلّا اللَّهُ واللَّهُ أكْبَرُ» رَواهُ التِّرْمِذِيُّ وأحْمَدُ وغَيْرُهُما.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ أبِي مُوسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ:
«مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ والَّذِي لا يَذْكُرُهُ: مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ» ولَفْظُ مُسْلِمٍ:
«مَثَلُ البَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهَ فِيهِ والبَيْتِ الَّذِي لا يُذْكَرُ اللَّهَ فِيهِ: مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ» فَجَعَلَ بَيْتَ الذّاكِرِ بِمَنزِلَةِ بَيْتِ الحَيِّ وبَيْتَ الغافِلِ بِمَنزِلَةِ بَيْتِ المَيِّتِ وهو القَبْرُ.
وَفِي اللَّفْظِ الأوَّلِ: جَعَلَ الذّاكِرَ بِمَنزِلَةِ الحَيِّ والغافِلَ بِمَنزِلَةِ المَيِّتِ، فَتَضَمَّنَ اللَّفْظانِ: أنَّ القَلْبَ الذّاكِرَ كالحَيِّ في بُيُوتِ الأحْياءِ، والغافِلَ كالمَيِّتِ في بُيُوتِ الأمْواتِ. ولا رَيْبَ أنَّ أبْدانَ الغافِلِينَ قُبُورٌ لِقُلُوبِهِمْ وقُلُوبَهم فِيها كالأمْواتِ في القُبُورِ، كَما قِيلَ:
فَنِسْيانُ ذِكْرِ اللَّهِ مَوْتُ قُلُوبِهِمْ ∗∗∗ وأجْسامُهم قَبْلَ القُبُورِ قُبُورُ
وَأرْواحُهم في وحْشَةٍ مِن جُسُومِهِمْ ∗∗∗ ولَيْسَ لَهم حَتّى النُّشُورِ نُشُورُ
وَكَما قِيلَ:
فَنِسْيانُ ذِكْرِ اللَّهِ مَوْتُ قُلُوبِهِمْ ∗∗∗ وأجْسامُهم فَهْيَ القُبُورُ الدَّوارِسُ
وَأرْواحُهم في وحْشَةٍ مِن حَبِيبِهِمْ ∗∗∗ ولَكِنَّها عِنْدَ الخَبِيثِ أوانِسُ
وَفِي أثَرٍ إلَهِيٍّ:
«يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: إذا كانَ الغالِبُ عَلى عَبْدِي ذِكْرِي: أحَبَّنِي وأحْبَبْتُهُ».
وَفِي آخَرَ:
«فَبِي فافْرَحُوا وبِذِكْرِي فَتَنَعَّمُوا».
وَفِي آخَرَ:
«ابْنَ آدَمَ ما أنْصَفْتَنِي! أذْكُرُكَ وتَنْسانِي وأدْعُوكَ وتَهْرُبُ إلى غَيْرِي، وأُذْهِبُ عَنْكَ البَلايا وأنْتَ مُعْتَكِفٌ عَلى الخَطايا. يا ابْنَ آدَمَ ما تَقُولُ غَدًا إذا جِئْتَنِي؟».
وَفِي آخَرَ:
«ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ: أذْكُرْكَ حِينَ أغْضَبُ، وارْضَ بِنُصْرَتِي لَكَ فَإنَّ نُصْرَتِي لَكَ خَيْرٌ مِن نُصْرَتِكَ لِنَفْسِكَ».
وَفِي الصَّحِيحِ في الأثَرِ الَّذِي يَرْوِيهِ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ رَبِّهِ تَبارَكَ وتَعالى:
«مَن ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي ومَن ذَكَرَنِي في مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَأٍ خَيْرٍ مِنهُمْ».
وَقَدْ ذَكَرْنا في الذِّكْرِ نَحْوَ مِائَةِ فائِدَةٍ في كِتابِنا " الوابِلُ الصَّيِّبُ ورافِعُ الكَلِمِ الطَّيِّبُ " وذَكَرَنا هُناكَ أسْرارَ الذِّكْرِ وعِظَمَ نَفْعِهِ وطِيبَ ثَمَرَتِهِ وذَكَرْنا فِيهِ: أنَّ الذِّكْرَ ثَلاثَةُ أنْواعٍ: ذِكْرُ الأسْماءِ والصِّفاتِ ومَعانِيها، والثَّناءِ عَلى اللَّهِ بِها، وتَوْحِيدِ اللَّهِ بِها.
وَذِكْرُ الأمْرِ والنَّهْيِ والحَلالِ والحَرامِ.
وَذِكْرُ الآلاءِ والنَّعْماءِ والإحْسانِ والأيادِي.
وَأنَّهُ ثَلاثَةُ أنْواعٍ أيْضًا: ذِكْرٌ يَتَواطَأُ عَلَيْهِ القَلْبُ واللِّسانُ، وهو أعْلاها، وذِكْرٌ بِالقَلْبِ وحْدَهُ وهو في الدَّرَجَةِ الثّانِيَةِ، وذِكْرٌ بِاللِّسانِ المُجَرَّدِ، وهو في الدَّرَجَةِ الثّالِثَةِ.
[دَرَجاتُ الذِّكْرِ]
[الدَّرَجَةُ الأُولى الذِّكْرُ الظّاهِرُ]
قالَ: وهو عَلى ثَلاثِ دَرَجاتٍ، الدَّرَجَةُ الأُولى: الذِّكْرُ الظّاهِرُ مِن: ثَناءٍ أوْ دُعاءٍ أوْ رِعايَةٍ.
يُرِيدُ بِالظّاهِرِ: الجارِيَ عَلى اللِّسانِ المُطابِقَ لِلْقَلْبِ، لا مُجَرَّدَ الذِّكْرِ اللِّسانِيِّ، فَإنَّ القَوْمَ لا يَعْتَدُّونَ بِهِ.
فَأمّا ذِكْرُ الثَّناءِ: فَنَحْوُ: سُبْحانَ اللَّهِ والحَمْدُ لِلَّهِ ولا إلَهَ إلّا اللَّهُ واللَّهُ أكْبَرُ، وأمّا ذِكْرُ الدُّعاءِ فَنَحْوُ:
﴿رَبَّنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا وإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣] و: يا حَيُّ يا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ. ونَحْوَ ذَلِكَ.
وَأمّا ذِكْرُ الرِّعايَةِ: فَمِثْلُ قَوْلِ الذّاكِرِ: اللَّهُ مَعِي واللَّهُ ناظِرٌ إلَيَّ، اللَّهُ شاهِدِي. ونَحْوُ ذَلِكَ مِمّا يُسْتَعْمَلُ لِتَقْوِيَةِ الحُضُورِ مَعَ اللَّهِ، وفِيهِ رِعايَةٌ لِمَصْلَحَةِ القَلْبِ ولِحِفْظِ الأدَبِ مَعَ اللَّهِ والتَّحَرُّزِ مِنَ الغَفْلَةِ والِاعْتِصامِ مِنَ الشَّيْطانِ والنَّفْسِ.
والأذْكارُ النَّبَوِيَّةُ تَجْمَعُ الأنْواعَ الثَّلاثَةَ، فَإنَّها مُتَضَمِّنَةٌ لِلثَّناءِ عَلى اللَّهِ والتَّعَرُّضِ لِلدُّعاءِ والسُّؤالِ والتَّصْرِيحِ بِهِ، كَما في الحَدِيثِ:
«أفْضَلُ الدُّعاءِ الحَمْدُ لِلَّهِ» قِيلَ لِسُفْيانَ بْنَ عُيَيْنَةَ: كَيْفَ جَعَلَها دُعاءً قالَ: أما سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أبِي الصَّلْتِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعانَ يَرْجُو نائِلَهُ:
أأذْكُرُ حاجَتِي أمْ قَدْ كَفانِي ∗∗∗ حَياؤُكَ إنَّ شِيمَتَكَ الحِياءُ
إذا أثْنى عَلَيْكَ المَرْءُ يَوْمًا ∗∗∗ كَفاهُ مِن تَعَرُّضِهِ الثَّناءُ
فَهَذا مَخْلُوقٌ واكْتَفى مِن مَخْلُوقٍ بِالثَّناءِ عَلَيْهِ مِن سُؤالِهِ، فَكَيْفَ بِرَبِّ العالَمِينَ؟
والأذْكارُ النَّبَوِيَّةُ مُتَضَمِّنَةٌ أيْضًا لِكَمالِ الرِّعايَةِ ومَصْلَحَةِ القَلْبِ والتَّحَرُّزِ مِنَ الغَفْلاتِ والِاعْتِصامِ مِنَ الوَساوِسِ والشَّيْطانِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
* [فَصْلٌ: الدَّرَجَةُ الثّانِيَةُ الذِّكْرُ الخَفِيُّ]
قالَ: الدَّرَجَةُ الثّانِيَةُ: الذِّكْرُ الخَفِيُّ وهو الخَلاصُ مِنَ القُيُودِ والبَقاءُ مَعَ الشُّهُودِ ولُزُومُ المُسامَرَةِ.
يُرِيدُ بِالخَفِيِّ هاهُنا: الذِّكْرَ بِمُجَرَّدِ القَلْبِ بِما يَعْرِضُ لَهُ مِنَ الوارِداتِ، وهَذا ثَمَرَةُ الذِّكْرِ الأوَّلِ.
وَيُرِيدُ بِالخَلاصِ مِنَ القُيُودِ: التَّخَلُّصَ مِنَ الغَفْلَةِ والنِّسْيانِ والحُجُبِ الحائِلَةِ بَيْنَ القَلْبِ وبَيْنَ الرَّبِّ سُبْحانَهُ. والبَقاءُ مَعَ الشُّهُودِ: مُلازَمَةُ الحُضُورِ مَعَ المَذْكُورِ ومُشاهَدَةُ القَلْبِ لَهُ حَتّى كَأنَّهُ يَراهُ.
وَلُزُومُ المُسامَرَةِ: هي لُزُومُ مُناجاةِ القَلْبِ لِرَبِّهِ: تَمَلُّقًا تارَةً، وتَضَرُّعًا تارَةً، وثَناءً تارَةً، واسْتِعْظامًا تارَةً. وغَيْرَ ذَلِكَ مِن أنْواعِ المُناجاةِ بِالسِّرِّ والقَلْبِ، وهَذا شَأْنُ كُلُّ مُحِبٍّ وحَبِيبِهِ، كَما قِيلَ:
إذا ما خَلَوْنا والرَّقِيبُ بِمَجْلِسٍ ∗∗∗ فَنَحْنُ سُكُوتٌ والهَوى يَتَكَلَّمُ
* [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثّالِثَةُ الذِّكْرُ الحَقِيقِيُّ]
قالَ: الدَّرَجَةُ الثّالِثَةُ: الذِّكْرُ الحَقِيقِيُّ وهو شُهُودُ ذِكْرِ الحَقِّ إيّاكَ، والتَّخَلُّصُ مِن شُهُودِ ذِكْرِكَ، ومَعْرِفَةُ افْتِراءِ الذّاكِرِ في بَقائِهِ مَعَ الذِّكْرِ.
إنَّما سُمِّيَ هَذا الذِّكْرُ في هَذِهِ الدَّرَجَةِ حَقِيقِيًّا؛ لِأنَّهُ مَنسُوبٌ إلى الرَّبِّ تَعالى، وأمّا نِسْبَةُ الذِّكْرِ لِلْعَبْدِ: فَلَيْسَتْ حَقِيقِيَّةً. فَذِكْرُ اللَّهِ لِعَبْدِهِ هو الذِّكْرُ الحَقِيقِيُّ، وهو شُهُودُ ذِكْرِ الحَقِّ عَبْدَهُ وأنَّهُ ذَكَرَهُ فِيمَنِ اخْتَصَّهُ وأهَّلَهُ لِلْقُرْبِ مِنهُ ولِذِكْرِهِ. فَجَعَلَهُ ذاكِرًا لَهُ، فَفي الحَقِيقَةِ: هو الذّاكِرُ لِنَفْسِهِ بِأنْ جَعَلَ عَبْدَهُ ذاكِرًا لَهُ وأهَّلَهُ لِذِكْرِهِ، وهَذا المَعْنى هو الَّذِي أشارَ إلَيْهِ في بابِ التَّوْحِيدِ بِقَوْلِهِ:
تَوْحِيدُهُ إيّاهُ تَوْحِيدُهُ ∗∗∗ ونَعْتُ مَن يَنْعَتُهُ لاحِدُ
أيْ هو الَّذِي وحَّدَ نَفْسَهُ في الحَقِيقَةِ فَتَوْحِيدُ العَبْدِ مَنسُوبٌ إلَيْهِ حَقِيقَةً، ونِسْبَتُهُ إلى العَبْدِ غَيْرُ حَقِيقِيَّةٍ.
إذْ ذاكَ لَمْ يَكُنْ بِهِ ولا مِنهُ وإنَّما هو مَجْعُولٌ فِيهِ فَإنْ سُمِّيَ مُوَحِّدًا ذاكِرًا، فَلِكَوْنِهِ مَجْرى ومَحَلًّا لِما أُجْرِيَ فِيهِ، كَما يُسَمّى أبْيَضَ وأسْوَدَ وطَوِيلًا وقَصِيرًا؛ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لِهَذِهِ الصِّفاتِ لا صُنْعَ لَهُ فِيها ولَمْ تُوجِبْها مَشِيئَتُهُ ولا حَوْلُهُ ولا قُوَّتُهُ. هَذا مَعَ ما يَتَّصِلُ بِذَلِكَ مِنِ اسْتِيلاءِ القُرْبِ والفَناءِ عَنِ الرَّسْمِ والغَيْبَةِ بِالمَشْهُودِ عَنِ الشُّهُودِ وقُوَّةِ الوارِدِ، فَيَتَرَكَّبُ مِن ذَلِكَ ذَوْقٌ خاصٌّ: أنَّهُ ما وحَدَّ اللَّهَ إلّا اللَّهُ وما ذَكَرَ اللَّهَ إلّا اللَّهُ وما أحَبَّ اللَّهَ إلّا اللَّهُ.
فَهَذا حَقِيقَةُ ما عِنْدَ القَوْمِ، فالعارِفُونَ مِنهم أرْبابُ البَصائِرِ أعْطَوْا مَعَ ذَلِكَ العُبُودِيَّةَ حَقَّها والعِلْمَ حَقَّهُ وعَرَفُوا أنَّ العَبْدَ عَبْدٌ حَقِيقَةً مِن كُلِّ وجْهٍ، والرَّبَّ رَبٌّ حَقِيقَةً مِن كُلِّ وجْهٍ، وقامُوا بِحَقِّ العُبُودِيَّةِ بِاللَّهِ لا بِأنْفُسِهِمْ، ولِلَّهِ لا لِحُظُوظِهِمْ وفَنُوا بِمُشاهَدَةِ مَعانِي أسْمائِهِ وصِفاتِهِ عَمّا سِواهُ، وبِما لَهُ مَحَبَّةً ورِضًا عَمّا بِهِ كَوْنًا ومَشِيئَةً. فَإنَّ الكَوْنَ كُلَّهُ بِهِ والَّذِي لَهُ: هو مَحْبُوبُهُ ومُرْضِيهِ، فَهو لَهُ وبِهِ، والمُنْحَرِفُونَ فَنُوا بِما بِهِ عَمّا لَهُ، فَوالَوْا أعْداءَهُ وعَطَّلُوا دِينَهُ وسَوَّوْا بَيْنَ مَحابِّهِ ومَساخِطِهِ، ومَواقِعِ رِضاهُ وغَضَبِهِ. واللَّهُ المُسْتَعانُ.
قَوْلُهُ: التَّخَلُّصُ مِن شُهُودِ ذِكْرِكَ. يَعْنِي: بِفَناءِ شُهُودِ ذِكْرِهِ لَكَ عَنْ شُهُودِ ذِكْرِكَ لَهُ، وهَذا الشُّهُودُ يُرِيحُ العَبْدَ مِن رُؤْيَةِ النَّفْسِ ومُلاحَظَةِ العَمَلِ ويُمِيتُهُ ويُحْيِيهِ: يُمِيتُهُ عَنْ نَفْسِهِ، ويُحْيِيهِ بِرَبِّهِ ويُفْنِيهِ ويَقْتَطِعُهُ مِن نَفْسِهِ ويُوصِلُهُ بِرَبِّهِ، وهَذا هو عَيْنُ الظَّفَرِ بِالنَّفْسِ.
قالَ بَعْضُ العارِفِينَ: انْتَهى سَفَرُ الطّالِبِينَ إلى الظَّفَرِ بِنُفُوسِهِمْ.
قَوْلُهُ: ومَعْرِفَةُ افْتِراءِ الذّاكِرِ في بَقائِهِ مَعَ الذِّكْرِ.
يَعْنِي: أنَّ الباقِيَ مَعَ الذِّكْرِ يَشْهَدُ عَلى نَفْسِهِ أنَّهُ ذاكِرٌ، وذَلِكَ افْتِراءٌ مِنهُ؛ فَإنَّهُ لا فِعْلَ لَهُ. ولا يَزُولُ عَنْهُ هَذا الِافْتِراءُ إلّا إذا فَنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ فَإنَّ شُهُودَ ذِكْرِهِ وبَقاءَهُ مَعَهُ افْتِراءٌ يَتَضَمَّنُ نِسْبَةَ الذِّكْرِ إلَيْهِ، وهي في الحَقِيقَةِ لَيْسَتْ لَهُ.
فَيُقالُ: سُبْحانَ اللَّهِ! أيُّ افْتِراءٍ في هَذا؟ وهَلْ هَذا إلّا شُهُودُ الحَقائِقِ عَلى ما هي عَلَيْهِ؟ فَإنَّهُ إذا شَهِدَ نَفْسَهُ ذاكِرًا بِجَعْلِ اللَّهِ لَهُ ذاكِرًا وتَأْهِيلِهِ لَهُ وتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ لِلْعَبْدِ عَلى ذِكْرِ العَبْدِ لَهُ، فاجْتَمَعَ في شُهُودِهِ الأمْرانِ فَأيُّ افْتِراءٍ هاهُنا؟! وهَلْ هَذا إلّا عَيْنُ الحَقِّ وشُهُودُ الحَقائِقِ عَلى ما هي عَلَيْهِ؟
نَعَمِ الِافْتِراءُ: أنْ يَشْهَدَ ذَلِكَ بِهِ وبِحَوْلِهِ وقُوَّتِهِ لا بِاللَّهِ وحْدَهُ.
لَكِنَّ الشَّيْخَ لا تَأْخُذُهُ في الفَناءِ لَوْمَةُ لائِمٍ، ولا يُصْغِي فِيهِ إلى عاذِلٍ.
والَّذِي لا رَيْبَ فِيهِ: أنَّ البَقاءَ في الذِّكْرِ أكْمَلُ مِنَ الفَناءِ فِيهِ والغِيبَةِ بِهِ؛ لِما في البَقاءِ مِنَ التَّفْصِيلِ والمَعارِفِ وشُهُودِ الحَقائِقِ عَلى ما هي عَلَيْهِ، والتَّمْيِيزِ بَيْنَ الرَّبِّ والعَبْدِ وما قامَ بِالعَبْدِ وما قامَ بِالرَّبِّ تَعالى وشُهُودِ العُبُودِيَّةِ والمَعْبُودِ. ولَيْسَ في الفَناءِ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ، والفَناءُ - كاسْمِهِ - الفَناءُ، والبَقاءُ بَقاءٌ كاسْمِهِ، والفَناءُ مَطْلُوبٌ لِغَيْرِهِ والبَقاءُ مَطْلُوبٌ لِنَفْسِهِ والفِناءُ وصْفُ العَبْدِ والبَقاءُ وصْفُ الرَّبِّ. والفَناءُ عَدَمٌ والبَقاءُ وُجُودٌ والفَناءُ نَفْيٌ والبَقاءُ إثْباتٌ والسُّلُوكُ عَلى دَرْبِ الفَناءِ مُخْطِرٌ، وكَمْ بِهِ مِن مَفازَةٍ ومَهْلَكَةٍ، والسُّلُوكُ عَلى دَرْبِ البَقاءِ آمِنٌ؛ فَإنَّهُ دَرِبَ عَلَيْهِ الأعْلامُ والهُداةُ والخُفَراءُ، ولَكِنَّ أصْحابَ الفَناءِ يَزْعُمُونَ أنَّهُ طَوِيلٌ ولا يَشُكُّونَ في سَلامَتِهِ وإيصالِهِ إلى المَطْلُوبِ، ولَكِنَّهم يَزْعُمُونَ أنَّ دَرْبَ الفَناءِ أقْرَبُ وراكِبَهُ طائِرٌ وراكِبَ دَرْبِ البَقاءِ سائِرٌ، والكُمَّلُ مِنَ السّائِرِينَ يَرَوْنَ الفَناءَ مَنزِلَةً مِن مَنازِلِ الطَّرِيقِ ولَيْسَ نُزُولُها عامًّا لِكُلِّ سائِرٍ، بَلْ مِنهم مَن لا يَراها ولا يَمُرُّ بِها، وإنَّما الدَّرْبُ الأعْظَمُ والطَّرِيقُ الأقْوَمُ هو دَرْبُ البَقاءِ. ويَحْتَجُّونَ عَلى صاحِبِ الفَناءِ بِالِانْتِقالِ إلَيْهِ مِنَ الفَناءِ، وإلّا فَهو عِنْدَهم عَلى خَطَرٍ، واللَّهُ المُسْتَعانُ وهو سُبْحانَهُ أعْلَمُ.
* (فصل: في قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء)
هذا من حيث النظر لكل منهما مجردًا، وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل، بل يعينه فلا يجوز أن يعدل عنه إلى الفاضل، وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهما، بل القراءة فيهما منهي عنها نهي تحريم أو كراهة، وكذلك التسميع والتحميد في محلهما أفضل من القراءة، وكذلك التشهد، وكذلك
«رب اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني» بين السجدتين أفضل من القراءة، وكذلك الذكر عقيب السلام من الصلاة - ذكر التهليل والتسبيح والتكبير والتحميد - أفضل من الاشتغال عنه بالقراءة، وكذلك إجابة المؤذن والقول كما يقول أفضل من القراءة.
وإن كان فضل القرآن على كل كلام كفضل الله تعالى على خلقه، لكن لكل مقام مقال، متى فات مقاله فيه وعدل عنه إلى غيره اختلت الحكمة وفقدت المصلحة المطلوبة منه.
وهكذا الأذكار المفيدة بمحال مخصوصة أفضل من القراءة المطلقة، والقراءة المطلقة أفضل من الأذكار المطلقة، اللهم إلا أن يعرض للعبد ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة القرآن.
مثاله أن يتفكر في ذنوبه فيحدث ذلك له توبة من استغفار أو يعرض له ما يخاف أذاه من شياطين الإنس والجن فيعدل إلى الأذكار والدعوات التي تحصنه وتحفظه.
وكذلك أيضًا قد يعرض للعبد حاجة ضرورية إذا اشتغل عن سؤالها أو ذكر لم يحضر قلبه فيهما، وإذا أقبل على سؤالها والدعاء إليها اجتمع قلبه كله على الله تعالى وأحدث له تضرعًا وخشوعًا وابتهالًا، فهذا يكون اشتغاله بالدعاء والحالة هذه أنفع، وإن كان كل من القراءة والذكر أفضل وأعظم أجرًا.
وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نفس، وفرقان بين فضيلة الشيء في نفسه وبين فضيلته العارضة، فيعطي كل ذي حق حقه، ويوضع كل شيء موضعه: فللعين موضع وللرجل موضع، وللماء موضع وللحم موضع.
وحفظ المراتب هو من تمام الحكمة التي هي نظام الأمر والنهي.
والله تعالى الموفق.
وهكذا الصابون والأشنان أنفع للثوب في وقت والتجمير وماء الورد وكيه أنفع له في وقت.
وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يومًا: سئل بعض أهل العلم أيهما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار؟ فقال: إذا كان الثوب نقيًا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإذا كان دنسًا فالصابون والماء الحار أنفع له.
فقال لي رحمه الله تعالى: فكيف والثياب لا تزال دنسة؟ ومن هذا الباب أن سورة
﴿قل هو الله أحد﴾ [الاخلاص] تعدل ثلث القرآن ومع هذا فلا تقوم مقام آيات المواريث والطلاق والخلع والعدد ونحوها، بل هذه الآيات في وقتها وعند الحاجة إليها أنفع من تلاوة سورة الإخلاص.
ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء، وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه، كانت أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده، لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء.
فهذا أصل نافع جدًا يفتح للعبد باب معرفة مراتب الأعمال وتنزيلها منازلها، لئلا يشتغل بمفضولها عن فاضلها فيربح إبليس الفضل الذي بينهما، أو ينظر إلى فاضلها فيشتغل به عن مفضولها إن كان ذلك وقته، فتفوته مصلحته بالكلية، لظنه أن اشتغاله بالفاضل أكثر ثوابًا وأعظم أجرًا.
وهذا يحتاج إلى معرفة بمراتب الأعمال وتفاوتها ومقاصدها، وفقه في إعطاء كل عمل منها حقه، وتنزله في مرتبته، وتفويته لما هو أهم منه، أو تفويت ما هو أولى منه وأفضل لإمكان تداركه والعود إليه، وهذا المفضول إن فات لا يمكن تداركه فالاشتغال به أولى - وهذا كترك القراءة لرد السلام وتشميت العاطس ــ وإن كان القرآن أفضل، لأنه يمكنه الاشتغال بهذا المفضول والعود إلى الفاضل، بخلاف ما إذا اشتغل بالقراءة فاتته مصلحة رد السلام وتشميت العاطس، وهكذا سائر الأعمال إذا تزاحمت.
والله تعالى الموفق.