الباحث القرآني
فَأخْبَرَ عَنْ فُحْشِهِ في نَفْسِهِ، وهو القَبِيحُ الَّذِي قَدْ تَناهى قُبْحُهُ حَتّى اسْتَقَرَّ فُحْشُهُ في العُقُولِ حَتّى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الحَيَوانِ، كَما ذَكَرَ البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأوْدِيِّ قالَ: "رَأيْتُ في الجاهِلِيَّةِ قِرْدًا زَنى بِقِرْدَةٍ، فاجْتَمَعَ القُرُودُ عَلَيْهِما فَرَجَمُوهُما حَتّى ماتا".
ثُمَّ أخْبَرَ عَنْ غايَتِهِ بِأنَّهُ " ساءَ سَبِيلًا " فَإنَّهُ سَبِيلُ هَلَكَةٍ وبَوارٍ وافْتِقارٍ في الدُّنْيا، وعَذابٍ وخِزْيٍ ونَكالٍ في الآخِرَةِ.
وَلَمّا كانَ نِكاحُ أزْواجِ الآباءِ مِن أقْبَحِهِ خَصَّهُ بِمَزِيدِ ذَمٍّ، فَقالَ: ﴿إنَّهُ كانَ فاحِشَةً ومَقْتًا وساءَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٢٢].
وَعَلَّقَ سُبْحانَهُ فَلاحَ العَبْدِ عَلى حِفْظِ فَرْجِهِ مِنهُ، فَلا سَبِيلَ إلى الفَلاحِ بِدُونِهِ، فَقالَ: ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ - والَّذِينَ هم عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ - والَّذِينَ هم لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ - والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ - إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ [المؤمنون: ١-٧].
وَهَذا يَتَضَمَّنُ ثَلاثَةَ أُمُورٍ: أنَّ مَن لَمْ يَحْفَظْ فَرْجَهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ المُفْلِحِينَ، وأنَّهُ مِنَ المَلُومِينَ، ومِنَ العادِينَ، فَفاتَهُ الفَلاحُ، واسْتَحَقَّ اسْمَ العُدْوانِ، ووَقَعَ في اللَّوْمِ، فَمُقاساةُ ألَمِ الشَّهْوَةِ ومُعاناتُها أيْسَرُ مِن بَعْضِ ذَلِكَ.
وَنَظِيرُ هَذا أنَّهُ ذَمَّ الإنْسانَ، وأنَّهُ خُلِقَ هَلُوعًا لا يَصْبِرُ عَلى سَرّاءَ ولا ضَرّاءَ، بَلْ إذا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنَعَ وبَخِلَ، وإذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزِعَ، إلّا مَنِ اسْتَثْناهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ النّاجِينَ مِن خَلْقِهِ، فَذَكَرَ مِنهُمْ: ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ - إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ - فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ [المعارج: ٢٩-٣١].
فَأمَرَ اللَّهُ تَعالى نَبِيَّهُ أنْ يَأْمُرَ المُؤْمِنِينَ بِغَضِّ أبْصارِهِمْ، وحِفْظِ فُرُوجِهِمْ، وأنْ يُعْلِمَهم أنَّهُ مُشاهِدٌ لِأعْمالِهِمْ، مُطَّلِعٌ عَلَيْها، ﴿يَعْلَمُ خائِنَةَ الأعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: ١٩].
وَلَمّا كانَ مَبْدَأُ ذَلِكَ مِن قِبَلِ البَصَرِ جُعِلَ الأمْرُ بِغَضِّهِ مُقَدَّمًا عَلى حِفْظِ الفَرْجِ، فَإنَّ الحَوادِثَ مَبْدَؤُها مِنَ البَصَرِ، كَما أنَّ مُعْظَمَ النّارِ مِن مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ، فَتَكُونُ نَظْرَةٌ، ثُمَّ تَكُونُ خَطْرَةٌ، ثُمَّ خُطْوَةٌ، ثُمَّ خَطِيئَةٌ.
وَلِهَذا قِيلَ: مَن حَفِظَ هَذِهِ الأرْبَعَةَ أحْرَزَ دِينَهُ: اللَّحَظاتِ، والخَطَراتِ، واللَّفَظاتِ، والخُطُواتِ.
فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أنْ يَكُونَ بَوّابَ نَفْسِهِ عَلى هَذِهِ الأبْوابِ الأرْبَعَةِ، ويُلازِمَ الرِّباطَ عَلى ثُغُورِها، فَمِنها يَدْخُلُ عَلَيْهِ العَدُوُّ، فَيَجُوسُ خِلالَ الدِّيارِ ويُتَبِّرُ ما عَلا تَتْبِيرًا.
* (فصل: في ارتكاب سبيلي الحرام وما يفضي إليه من المفاسد والآلام)
حقيق بكل عاقل أن لا يسلك سبيلا حتى يعلم سلامتها وآفاتها وما توصل إليه تلك الطريق من سلامة أو عطب وهذان السبيلان هلاك الأولين والآخرين بهما وفيهما من المعاطب والمهالك ما فيهما ويفضيان بصاحبهما إلى أقبح الغايات وشر موارد الهلكات ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى سبيل الزنا سر سبيل فقال تعالى: ﴿ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا﴾
فإذا كانت هذه سبيل الزنا فكيف بسبيل اللواط التي تعدل الفعلة منه في الإثم والعقوبة أضعافها وأضعاف أضعافها من الزنا كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.
فأما سبيل الزنا فأسوأ سبيل ومقيل أهلها في الجحيم شر مقيل ومستقر أرواحهم في البرزخ في تنور من نار يأتيهم لهبها من تحتهم فإذا أتاهم اللهب ضجوا وارتفعوا ثم يعودون إلى موضعهم فهم هكذا إلى يوم القيامة كما رآهم النبي ﷺ في منامه ورؤيا الأنبياء وحي لا شك فيها فروى البخاري في صحيحه من حديث سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِمّا يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ لِأصْحابِهِ: «هَلْ رَأى أحَدٌ مِنكم مِن رُؤْيا» قالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَن شاءَ اللَّهُ أنْ يَقُصَّ، وإنَّهُ قالَ ذاتَ غَداةٍ: «إنَّهُ أتانِي اللَّيْلَةَ آتِيانِ، وإنَّهُما ابْتَعَثانِي، وإنَّهُما قالاَ لِي انْطَلِقْ، وإنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُما، وإنّا أتَيْنا عَلى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وإذا آخَرُ قائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وإذا هو يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ ها هُنا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إلَيْهِ حَتّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَما كانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ ما فَعَلَ المَرَّةَ الأُولى» قالَ: " قُلْتُ لَهُما: سُبْحانَ اللَّهِ ما هَذانِ؟ " قالَ: " قالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ " قالَ: " فانْطَلَقْنا، فَأتَيْنا عَلى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفاهُ، وإذا آخَرُ قائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِن حَدِيدٍ، وإذا هو يَأْتِي أحَدَ شِقَّيْ وجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إلى قَفاهُ، ومَنخِرَهُ إلى قَفاهُ، وعَيْنَهُ إلى قَفاهُ، - قالَ: ورُبَّما قالَ أبُو رَجاءٍ: فَيَشُقُّ - " قالَ: «ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلى الجانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ ما فَعَلَ بِالجانِبِ الأوَّلِ، فَما يَفْرُغُ مِن ذَلِكَ الجانِبِ حَتّى يَصِحَّ ذَلِكَ الجانِبُ كَما كانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ما فَعَلَ المَرَّةَ الأُولى» قالَ: " قُلْتُ: سُبْحانَ اللَّهِ ما هَذانِ؟ " قالَ: " قالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فانْطَلَقْنا، فَأتَيْنا عَلى مِثْلِ التَّنُّورِ - قالَ: فَأحْسِبُ أنَّهُ كانَ يَقُولُ - فَإذا فِيهِ لَغَطٌ وأصْواتٌ " قالَ: «فاطَّلَعْنا فِيهِ، فَإذا فِيهِ رِجالٌ ونِساءٌ عُراةٌ، وإذا هم يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِن أسْفَلَ مِنهُمْ، فَإذا أتاهم ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا» قالَ: " قُلْتُ لَهُما: ما هَؤُلاَءِ؟ " قالَ: " قالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ " قالَ: «فانْطَلَقْنا، فَأتَيْنا عَلى نَهَرٍ - حَسِبْتُ أنَّهُ كانَ يَقُولُ - أحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وإذا في النَّهَرِ رَجُلٌ سابِحٌ يَسْبَحُ، وإذا عَلى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجارَةً كَثِيرَةً، وإذا ذَلِكَ السّابِحُ يَسْبَحُ ما يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ كُلَّما رَجَعَ إلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فاهُ فَألْقَمَهُ حَجَرًا» قالَ: " قُلْتُ لَهُما: ما هَذانِ؟ " قالَ: " قالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ " قالَ: «فانْطَلَقْنا، فَأتَيْنا عَلى رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ، كَأكْرَهِ ما أنْتَ راءٍ رَجُلًا مَرْآةً، وإذا عِنْدَهُ نارٌ يَحُشُّها ويَسْعى حَوْلَها» قالَ: " قُلْتُ لَهُما: ما هَذا؟ " قالَ: " قالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فانْطَلَقْنا، فَأتَيْنا عَلى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فِيها مِن كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وإذا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لاَ أكادُ أرى رَأْسَهُ طُولًا في السَّماءِ، وإذا حَوْلَ الرَّجُلِ مِن أكْثَرِ وِلْدانٍ رَأيْتُهم قَطُّ " قالَ: " قُلْتُ لَهُما: ما هَذا ما هَؤُلاَءِ؟ " قالَ: " قالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ " قالَ: «فانْطَلَقْنا فانْتَهَيْنا إلى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ، لَمْ أرَ رَوْضَةً قَطُّ أعْظَمَ مِنها ولاَ أحْسَنَ» قالَ: " قالاَ لِي: ارْقَ فِيها " قالَ: «فارْتَقَيْنا فِيها، فانْتَهَيْنا إلى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ ولَبِنِ فِضَّةٍ، فَأتَيْنا بابَ المَدِينَةِ فاسْتَفْتَحْنا فَفُتِحَ لَنا فَدَخَلْناها، فَتَلَقّانا فِيها رِجالٌ شَطْرٌ مِن خَلْقِهِمْ كَأحْسَنِ ما أنْتَ راءٍ، وشَطْرٌ كَأقْبَحِ ما أنْتَ راءٍ» قالَ: " قالاَ لَهُمْ: اذْهَبُوا فَقَعُوا في ذَلِكَ النَّهَرِ " قالَ: «وَإذا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأنَّ ماءَهُ المَحْضُ في البَياضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إلَيْنا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصارُوا في أحْسَنِ صُورَةٍ» قالَ: " قالاَ لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وهَذاكَ مَنزِلُكَ " قالَ: «فَسَما بَصَرِي صُعُدًا فَإذا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبابَةِ البَيْضاءِ» قالَ: " قالاَ لِي: هَذاكَ مَنزِلُكَ " قالَ: " قُلْتُ لَهُما: بارَكَ اللَّهُ فِيكُما ذَرانِي فَأدْخُلَهُ، قالاَ: أمّا الآنَ فَلاَ، وأنْتَ داخِلَهُ " قالَ: " قُلْتُ لَهُما: فَإنِّي قَدْ رَأيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَما هَذا الَّذِي رَأيْتُ؟ " قالَ: " قالاَ لِي: أما إنّا سَنُخْبِرُكَ، أمّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ ويَنامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ، وأمّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إلى قَفاهُ، ومَنخِرُهُ إلى قَفاهُ، وعَيْنُهُ إلى قَفاهُ، فَإنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِن بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفاقَ، وأمّا الرِّجالُ والنِّساءُ العُراةُ الَّذِينَ في مِثْلِ بِناءِ التَّنُّورِ، فَإنَّهُمُ الزُّناةُ والزَّوانِي" وقال قتيبة بن سعيد حدثنا نوح بن قيس قال حدثني أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ:
" لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي انْطَلَقَ بِي إلى خَلْقٍ مِن خَلْقِ اللَّهِ كَثِيرٍ، نِساءٍ مُعَلَّقاتٍ بِثَدْيِهِنَّ ومِنهُنَّ بِأرْجُلِهِنَّ مُنَكَّساتٍ، ولَهُنَّ صُراخٌ وجُوارٌ، فَقُلْتُ: يا جِبْرِيلُ مَن هَؤُلاءِ؟ قالَ: هَؤُلاءِ اللَّواتِي يَزْنِينَ، ويَقْتُلْنَ أوْلادَهُنَّ، ويَجْعَلْنَ لِأزْواجِهِنَّ ورَثَةً مِن غَيْرِهِمْ "
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا عبد السلام بن شداد عن غزوان بن جرير عن أبيه أنهم تذاكروا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه الفواحش فقال لهم: هَلْ تَدْرُونَ أيُّ الزِّنا عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ ثَناؤُهُ أعْظَمُ؟ قالُوا: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، كُلَّهُ عَظِيمٌ قالَ: ولَكِنْ سَأُخْبِرُكم بِأعْظَمِ الزِّنا عِنْدَ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى، هو أنْ يَزْنِيَ العَبْدُ بِزَوْجَةِ الرَّجُلِ المُسْلِمِ فَيَصِيرُ زانِيًا، وقَدْ أفْسَدَ عَلى الرَّجُلِ المُسْلِمِ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ قالَ عِنْدَ ذَلِكَ: إنَّ النّاسَ يُرْسَلُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ رِيحٌ مُنْتِنَةٌ حَتّى يَتَأذّى مِنها كُلُّ بَرٍّ وفاجِرٍ، حَتّى إذا بَلَغَتْ مِنهم كُلَّ مَبْلَغٍ، وألَمَّتْ أنْ تُمْسِكَ بِأنْفاسِ النّاسِ كُلِّهِمْ ناداهم مُنادٍ يُسْمِعُهُمُ الصَّوْتَ، ويَقُولُ لَهُمْ: هَلْ تَدْرُونَ ما هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي قَدْ آذَنْتُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لا نَدْرِي واللَّهِ، إلّا أنَّها قَدْ بَلَغَتْ مِنّا كُلَّ مَبْلَغٍ، فَيُقالُ: ألا إنَّها رِيحُ فُرُوجِ الزُّناةِ الَّذِينَ لَقُوا اللَّهَ بِزِناهُمْ، ولَمْ يَتُوبُوا مِنهُ، ثُمَّ يُنْصَرَفُ بِهِمْ، فَلَمْ يُذْكَرْ عِنْدَ الصَّرْفِ بِهِمْ جَنَّةٌ ولا نارٌ ".
وقال الخرائطي حدثنا علي بن داود القنطري حدثنا سعيد بن عفير حدثني مسلم بن علي الخشني عن أبي عبد الرحمن عن الأعمش عن شقيق عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "يا معشر المسلمين إياكم والزنا فإن فيه ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، فأما اللواتي في الدنيا فذهاب البهاء ودوام الفقر وقصر العمر، وأما اللواتي في الآخرة فسخط الله وسوء الحساب ودخول النار"
ويذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال المقيم على الزنا كعابد وثن ورفعه بعضهم وهذا أولى أن يشبه بعابد الوثن من مدمن الخمر وفي المسند وغيره مرفوعا مدمن الخمر كعابد وثن فإن الزنا أعظم من شرب الخمر قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ليس بعد قتل النفس أعظم من الزنا
وفي الصحيحين من حديث أبي وائل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ﷺ أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟ قالَ: «أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ»، قالَ: ثُمَّ أيُّ؟ قالَ: «تَقْتُلَ ولَدَكَ مِن أجْلِ أنْ يَأْكُلَ مالَكَ»، قالَ: ثُمَّ أيُّ قالَ؟ قالَ: «أنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جارِكَ» "
فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ ولا يَزْنُونَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثامًا﴾ وقال قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن ابن أنعم عن رجل عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: "الزاني بحليلة جاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه ويقول له ادخل النار مع الداخلين" وذكر سفيان بن عيينة عن جامع بن شداد عن أبي وائل عن عبد الله قال إذا بخس المكيال حبس القطر وإذا ظهر الزنا وقع الطاعون وإذا كثر الكذب كثر الهرج
وفي الصحيحين من حديث الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر" وذكر سفيان الثوري عن منصور عن ربعي بن حراش عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
"إن الله يبغض ثلاثة الشيخ الزاني والمقل المختال والبخيل المنان" وذكر الأعمش عن خيثمة عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: "مثل الذي يجلس على فراش المغيبة مثل الذي ينهشه الأساود يوم القيامة " المغيبة هي التي قد سافر زوجها في جهاد أو حج أو غيرهما وفي النسائي وغيره من حديث بريدة عن النبي ﷺ قال: "حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كأمهاتهم وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله إلا نصب له يوم القيامة فيقال يا فلان هذا فلان فخذ من حسناته ما شئت ثم التفت النبي ﷺ إلى أصحابه فقال ما ترون يدع له من حسناته شيئا وفي لفظ وإذ اخلفه في أهله فخانه قيل يوم القيامة هذا خانك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت فما ظنكم"
ويكفي في قبح الزنا أن الله سبحانه وتعالى مع كمال رحمته شرع فيه أفحش القتلات وأصعبها وأفضحها وأمر أن يشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله ومن قبحه أن الله سبحانه فطر عليه بعض الحيوان البهيم الذي لا عقل له كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال رأيت في الجاهلية قردا زنى بقردة فاجتمع عليهما القرود فرجموهما حتى ماتا وكنت فيمن رجمهما.
* (فصل)
والزنا يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة فلا تجد زانيا معه ورع ولا وفاء بعهد ولا صدق في حديث ولا محافظة على صديق ولا غيرة تامة على أهله فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته
ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين ومنها ظلمة القلب وطمس نوره وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له ومنها الفقر اللازم.
وفي أثر يقول الله تعالى "أنا الله مهلك الطغاة ومفقر الزناة"
ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده ومنها أنه يسلبه أحسن الأسماء وهو اسم العفة والبر والعدالة ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن ومنها أنه يسلبه اسم المؤمن كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" فسلبه اسم الإيمان المطلق وإن لم يسلب عنه مطلق الإيمان.
وسئل جعفر بن محمد عن هذا الحديث فخط دائرة في الأرض وقال هذه دائرة الإيمان، ثم خط دائرة أخرى خارجة عنها وقال هذه دائرة الإسلام، فإذا زنى العبد خرج من هذه ولم يخرج من هذه.
ولا يلزم من ثبوت جزء ما من الإيمان له أن يسمى مؤمنا كما أن الرجل يكون معه جزء من العلم والفقه ولا يسمى به عالما فقيها ومعه جزء من الشجاعة والجود ولا يسمى بذلك شجاعا ولا جوادا وكذلك يكون معه شيء من التقوى ولا يسمى متقيا ونظائره فالصواب إجراء الحديث على ظاهره ولا يتأول بما يخالف ظاهره والله أعلم ومنها أن يعرض نفسه لسكنى التنور الذي رأى النبي ﷺ فيه الزناة والزواني ومنها أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف ويستبدل به الخبيث الذي وصف الله به الزناة كما قال الله تعالى: ﴿الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات﴾
وقد حرم الله الجنة على كل خبيث بل جعلها مأوى الطيبين ولا يدخلها إلا طيب قال الله تعالى: ﴿الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون﴾ وقال تعالى: ﴿وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين﴾ فإنما استحقوا سلام الملائكة ودخول الجنة بطيبهم والزناة من أخبث الخلق وقد جعل الله سبحانه جهنم دار الخبيث وأهله فإذا كان يوم القيامة ميز الخبيث من الطيب وجعل الخبيث بعضه على بعض ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم فلا يدخل النار طيب ولا يدخل الجنة خبيث
ومنها الوحشة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه فالعفيف على وجهه حلاوة وفي قلبه أنس ومن جالسه استأنس به والزاني تعلو وجهه الوحشة ومن جالسه استوحش به ومنها قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم بخلاف العفيف فإنه يرزق المهابة والحلاوة ومنها أن الناس ينظرونه بعين الخيانة ولا يأمنه أحد على حرمته ولا على ولده ومنها الرائحة التي تفوح عليه يشمها كل ذي قلب سليم تفوح من فيه وجسده ولولا اشتراك الناس في هذه الرائحة لفاحت من صاحبها ونادت عليه ولكن كما قيل
؎كل به مثل ما بي غير أنهم ∗∗∗ من غيرة بعضهم للبعض عذال
ومنها ضيقة الصدر وحرجه فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم فإن من طلب لذة العيش وطيبه بما حرمه الله عليه عاقبه بنقيض قصده فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته ولم يجعل الله معصيته سببا إلى خير قط ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور وانشراح الصدر وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له دع ربح العاقبة والفوز بثواب الله وكرامته ومنها أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن وقد تقدم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة فكذلك من تمتع بالصور المحرمة في الدنيا بل كل ما ناله العبد في الدنيا فإن توسع في حلاله ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه وإن ناله من حرام فاته نظيره يوم القيامة
ومنها أن الزنا يجرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله وربما قاده قسرا إلى سفك الدم الحرام وربما استعان عليه بالسحر وبالشرك وهو يدري أو لا يدري فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدها فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها وجند بعدها وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها عز على الناصحين استنقاذه وأعيى الأطباء دواؤه فأسيرها لا يفدى وقتيلها لا يودى وقد وكلها الله سبحانه بزوال النعم فإذا ابتلي بها عبد فليودع نعم الله فإنها ضيف سريع الانتقال وشيك الزوال قال الله تعالى: ﴿ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم﴾ وقال تعالى: ﴿وإذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال﴾.
{"ayah":"وَلَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلزِّنَىٰۤۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَـٰحِشَةࣰ وَسَاۤءَ سَبِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق